الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِالْقَضَاءِ؛ وَلِهَذَا لَوْ نَكَلَ ثُمَّ حَلَفَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَكَذَا الْبَيِّنَةُ لَا تَكُونُ حُجَّةً إلَّا بِالْقَضَاءِ فَيُؤَخِّرُ الْقَضَاءَ حَتَّى يَنْكَشِفَ وَجْهُهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى لِلْمُتَقَدِّمِ حَتَّى يَحْلِفَ لِلْمُتَأَخِّرِ
وَلَوْ نَكَلَ لِلثَّانِي أَيْضًا قَضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُجَّةِ وَيَغْرَمُ أَلْفًا آخَرَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّهُ بِالنُّكُولِ أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّ الْأَلْفِ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَإِذَا صَرَفَهُ إلَيْهِمَا فَقَدْ صَرَفَ نِصْفَ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ فَيَغْرَمُهُ فَلَوْ قَضَى لِلْأَوَّلِ حِينَ نَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ لِلثَّانِي لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ حَتَّى لَوْ نَكَلَ لِلثَّانِي بَعْدَهُ كَانَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِلْأَوَّلِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الثَّانِي وَقَالَ الْخَصَّافُ نَفَذَ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ مُجْتَهَدٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِلْأَوَّلِ وَلَا يُشَارِكُهُ الثَّانِي فِيهِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ كَالْإِقْرَارِ وَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ، ثُمَّ لَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلثَّانِي بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ مُقْتَصِرًا عَلَى قَوْلِهِ مَا هَذَا الْعَبْدُ لِي بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ لَا يُفِيدُ بَعْدَمَا صَارَ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ وَهَلْ يَحْلِفُ إذَا ضَمَّ إلَيْهِ الْقِيمَةَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُ: بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك هَذَا الْعَبْدُ وَلَا قِيمَتُهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا أَقَلُّ مِنْهُ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ يَضْمَنُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَإِنَّهُ يَقُولُ: إنَّ مَا فَاتَ مِنْ حَقِّهِ لَمْ يَفُتْ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ، وَإِنَّمَا فَاتَ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يَضْمَنُ وَلَكِنْ مُحَمَّدٌ رحمه الله يَقُولُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَ الْقَاضِيَ عَلَى الْقَضَاءِ بِهَا لِلْأَوَّلِ بِإِقْرَارِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ لِلثَّانِي بِأَنَّهُ مُودِعٌ عِنْدَهُ وَالْمُودَعُ يَكُونُ ضَامِنًا بِالتَّسْلِيطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
(كِتَابُ الْعَارِيَّةِ)
قَالَ رحمه الله (هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَارِ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ وَوَزْنُهَا فَعْلِيَّةٌ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَفِي الشَّرْعِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالشَّافِعِيُّ هِيَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ضَرْبُ الْمُدَّةِ وَمَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ التَّمْلِيكُ، وَكَذَا يُعْمَلُ فِيهِ النَّهْيُ وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ الْعَطِيَّةُ فِي الثِّمَارِ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَنْفَعَةِ كَذَلِكَ فَاقْتَضَتْ تَمْلِيكًا، وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ وَلَوْ كَانَ إبَاحَةً لَمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَ لِغَيْرِهِ وَهَذَا لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ مَشْرُوعٌ بِعِوَضٍ كَالْإِجَارَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا بِغَيْرِ عِوَضٍ أَيْضًا كَالْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا جَازَ فِيهِ التَّمْلِيكُ بِبَدَلٍ جَازَ فِيهِ التَّمْلِيكُ بِغَيْرِ بَدَلٍ إلَّا النِّكَاحَ، وَالْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَكُلُّ جَهَالَةٍ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا تُوجِبُ الْفَسَادَ وَهَذَا لِأَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ، بِخِلَافِ الْمُعَاوَضَاتِ فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ وَالْجَهَالَةُ فِيهَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ حَتَّى إذَا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَالْخِيَاطَةِ جَازَتْ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ الْمُدَّةِ وَالنَّهْيُ مُنِعَ عَنْ تَحْصِيلِهِ مَا لَمْ يَحْصُلْ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدُ فَيَكُونُ امْتِنَاعًا عَنْ التَّمْلِيكِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إجَارَتُهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ الْحُدُوثِ.
قَالَ رحمه الله (وَتَصِحُّ بِأَعَرْتُكَ) أَيْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) أَيْ قَبْلِ قَضَاءِ الْقَاضِي اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَكِنْ الْخَصَّافُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ فِي أَدَبِ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْخَصَّافُ يَنْبَغِي أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ (قَوْلُهُ بِنَاءً) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ فَبِالْإِقْرَارِ الْوَدِيعَةِ ضَمِنَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَكَذَا بِالنُّكُولِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَمْ يَضْمَنْ ثَمَّةَ بِالْإِقْرَارِ فَكَذَا هُنَا بِالنُّكُولِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ) أَيْ بِالْقَضَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
[كِتَابُ الْعَارِيَّةُ]
(كِتَابُ الْعَارِيَّةُ)(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالشَّافِعِيُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ لَا الْإِبَاحَةَ لَكَانَ بَيَانُ الْمُدَّةِ مِنْ شَرْطِهَا؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَهَا مَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ، أَصْلُهُ الْإِجَارَةُ، وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَمْلِيكًا لَجَازَ إجَارَةُ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ غَيْرِهِ كَالْمُسْتَأْجِرِ، وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ بِأَنْ قَالَ أَبَحْت رُكُوبَ هَذِهِ الدَّابَّةِ أَوْ أَبَحْت لُبْسَ هَذَا الثَّوْبِ لَك، وَكَذَلِكَ يَصِحُّ نَهْيُ الْمُعِيرِ الْمُسْتَعِيرَ عَنْ الِانْتِفَاعِ فَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ آجَرَ دَابَّتَهُ شَهْرًا ثُمَّ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَوْ نَهَاهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا لَمْ يَصِحَّ. وَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ الْعَرِيَّةَ وَالْعَارِيَّةَ أَحَدُهُمَا مُشْتَقٌّ مِنْ الْآخَرِ وَلَكِنْ خُصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاسْمٍ فَقَالُوا فِي تَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ عَرِيَّةٌ وَفِي تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ عَارِيَّةٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَارِيَّةُ تَمْلِيكٌ لَا إبَاحَةٌ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلِهَذَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ مَلَّكْتُك مَنَافِعَ فِي هَذَا الْعَيْنِ شَهْرًا يَنْعَقِدُ إعَارَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ إلَخْ) وَانْعِقَادُهَا بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ بِسَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ كَانْعِقَادِ الْإِجَارَةِ بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْ الْمُسْتَعِيرُ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ لَازِمٌ، فَلَوْ جَازَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ انْقَلَبَتْ مِنْ الْجَوَازِ إلَى اللُّزُومِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْمُعِيرِ وَخَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ صِحَّةِ النَّهْيِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ جَائِزَةً كَانَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَنْهَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَ لِغَيْرِهِ) أَيْ كَالْمُبَاحِ لَهُ الطَّعَامُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبِيحَ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
بِقَوْلِهِ أَعَرْتُك؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ، قَالَ رحمه الله (وَأَطْعَمْتُك أَرْضِي وَمَنَحْتُك ثَوْبِي) لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا لَا تُؤْكَلُ عَيْنُهُ يُرَادُ بِهِ مَا يُسْتَغَلُّ مِنْهُ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ وَمَنَحْتُك ثَوْبِي مَعْنَاهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ؛ لِأَنَّ الْمَنْحَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ عُرْفًا وَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَتِهِ يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ وَأَصْلُهُ أَنْ يُعْطَى الرَّجُلُ نَاقَةً أَوْ شَاةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا ثُمَّ يَرُدَّهَا إذَا ذَهَبَ دَرُّهَا ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ حَتَّى قِيلَ فِي كُلِّ مَنْ أَعْطَى شَيْئًا مَنَحَ وَإِذَا أَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ أَفَادَ مِلْكَ الْعَيْنِ وَإِلَّا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ. قَالَ رحمه الله (وَحَمَلْتُك عَلَى دَابَّتِي) أَيْ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِمَا يُقَالُ حَمَلَ فُلَانٌ فُلَانًا عَلَى دَابَّتِهِ يُرَادُ بِهِ الْهِبَةُ تَارَةً وَالْعَارِيَّةَ أُخْرَى فَإِذَا نَوَى أَحَدَهُمَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حُمِلَ عَلَى الْأَدْنَى كَيْ لَا يَلْزَمُهُ الْأَعْلَى بِالشَّكِّ. قَالَ رحمه الله (وَأَخْدَمْتُك عَبْدِي) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْدَامِ. قَالَ رحمه الله (وَدَارِي لَك سُكْنَى وَدَارِي لَك عُمْرِي سُكْنَى) لِأَنَّ قَوْلَهُ دَارِي لَك مُحْتَمِلٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ رَقَبَتُهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْفَعَتُهَا، وَقَوْلُهُ سُكْنَى مُحْكَمٌ فِي إرَادَةِ الْمَنْفَعَةِ فَيُحْمَلُ الْمُحْتَمَلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ سُكْنَى خَرَجَ مَخْرَجَ التَّفْسِيرِ لِذَلِكَ الْمُحْتَمَلِ.
. قَالَ رحمه الله (وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ مَتَى شَاءَ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالْعَارِيَّةَ مُؤَدَّاةٌ» وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا بِحَسَبِ حُدُوثِهَا فَرُجُوعُهُ امْتِنَاعٌ عَنْ تَمْلِيكِ مَا لَمْ يَحْدُثْ فَلَهُ ذَلِكَ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ لَا يَضْمَنُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ فِي غَيْرِ حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ الْغَيْرِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ فَأَشْبَهَ الْغَصْبَ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ» وَالْمُرَادُ بِمِثْلِهِ مَنْ يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «الْعَارِيَّة مَضْمُونَةٌ» وَقَدْ «اسْتَعَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دُرُوعًا مِنْ صَفْوَانَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ لَا بَلْ عَارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ قَالَ فَضَاعَ بَعْضُهَا فَعَوَّضَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَنَا الْيَوْمَ فِي الْإِسْلَامِ رَاغِبٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَالْإِذْنُ بِالْقَبْضِ ثَبَّتَ ضَرُورَةَ الِانْتِفَاعِ فَلَا يَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَ حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجَرِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَطْعَمْتُك أَرْضِي) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْعَارِيَّةُ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَطْعَمَهُ فَطَعِمَ وَنَفْسُ الْأَرْضِ لَا تُطْعَمُ فَكَانَ الْمُرَادُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِطَرِيقِ إطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ وَهُوَ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَمَنَحْتُك ثَوْبِي) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَلَوْ قَالَ مَنَحْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ كَانَتْ عَارِيَّةً لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لِمَا رَوَيْنَا إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعَارِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالْعَارِيَّةَ مُؤَدَّاةٌ» وَهَكَذَا ذَكَرَ الْجَوَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَقَالَ إذَا قَالَ مَنَحْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ فَهِيَ عَارِيَّةٌ وَلَكِنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ أَبَا بَكْرٍ الْمَعْرُوفَ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فَصَّلَ فِي مَبْسُوطِهِ، وَقَالَ إذَا قَالَ مَنَحْتُك إنْ كَانَ مُضَافًا إلَى مَا يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ يَكُونُ إعَارَةً وَإِنْ أَضَافَ إلَى مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالطَّعَامِ يَكُونُ هِبَةً وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِنْحَةَ تُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْعَارِيَّةُ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ» وَأَرَادَ بِهِ الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَكُونُ مَرْدُودَةً وَإِنَّمَا الْمَرْدُودَةُ الْعَارِيَّةُ وَتُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهَا الْهِبَةُ يُقَالُ مَنَحَ فُلَانٌ فُلَانًا أَيْ وَهَبَ لَهُ، وَإِذَا كَانَتْ لَهُ اللَّفْظَةُ صَالِحَةً لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَالْعَمَلُ بِهِمَا مُتَعَذِّرٌ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلَّيْنِ عَارِيَّةً وَهِبَةً فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ عَمِلْنَا بِهِمَا مُخْتَلِفَيْنِ فَقُلْنَا إذَا أُضِيفَتْ الْمِنْحَةُ إلَى عَيْنٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ جُعِلَ عَارِيَّةً، وَإِذَا أُضِيفَتْ إلَى عَيْنٍ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ جُعِلَ هِبَةً كَمَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ تَوْفِيرًا عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ حَظَّهُمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَخْدَمْتُك عَبْدِي) أَيْ جَعَلْته خَادِمًا لَك اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَدَارِي لَك سُكْنَى) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفَرَّقَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بَيْنَ قَوْلِهِ هَذِهِ الدَّارُ لَك سُكْنَى أَوْ عُمْرِي سُكْنَى وَبَيْنَ قَوْلِهِ هِيَ لَك لِتَسْكُنَهَا فَقَالَ وَلَوْ قَالَ هِيَ لَك لِتَسْكُنَهَا كَانَ تَمْلِيكًا لِلدَّارِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ التَّمْلِيكَ إلَى رَقَبَةِ الدَّارِ، وَقَوْلُهُ لِتَسْكُنَهَا مَشُورَةً فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ قَضِيَّةُ الْعَقْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ، وَقَوْلُهُ سُكْنَى مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ مِنْ قَوْلِهِ لَك؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ دَارِي لَك يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ: تَمْلِيكَ عَيْنِ الدَّارِ وَتَمْلِيكَ مَنْفَعَةِ الدَّارِ فَخَرَجَ قَوْلُهُ سُكْنَى تَفْسِيرًا قَاطِعًا لِلِاحْتِمَالِ فَتَعَيَّنَتْ الْعَارِيَّةُ اهـ
(قَوْلُهُ «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالْعَارِيَّةَ مُؤَدَّاةٌ») أَيْ يَجِبُ رَدُّهَا وَيَجِبُ أَدَاؤُهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ لَا يَضْمَنُ) أَقُولُ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِوَقْتٍ فَهَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا كَمَا سَيُصَرِّحُ الشَّارِحُ بِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَعِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِلَا تَعَدٍّ مَا نَصُّهُ وَلَوْ تَعَدَّى ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ إلَخْ) أَمَّا إذَا هَلَكَتْ فِي حَالَةِ الِانْتِفَاعِ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَوْمَ أُحُدٍ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ يَوْمَ أُحُدٍ مَا نَصُّهُ هَكَذَا وَقَفْت عَلَيْهِ فِي نُسَخٍ وَشَطَبَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي نُسْخَتِهِ عَلَى أُحُدٍ وَكَتَبَ فَوْقَهُ حُنَيْنٍ اهـ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْعَارِيَّةِ أَمَانَةٌ إنْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ شَرَطَ الضَّمَانَ فِي الْعَارِيَّةِ هَلْ تَصِحُّ؟ فَالْمَشَايِخُ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ كَذَا فِي التُّحْفَةِ، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ أَعِرْنِي ثَوْبَك فَإِنْ ضَاعَ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ قَالَ لَا يَضْمَنُ وَنَقَلَهُ عَنْ الْمُنْتَقَى. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَظْهَرُ فِيمَا وَرَاءَ حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ) وَلِهَذَا كَانَ وَاجِبَ الرَّدِّ وَصَارَ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ اهـ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ عَنْ اسْتِحْقَاقٍ) أَيْ تَقَدَّمَ وَهُوَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ اهـ.
(فَرْعٌ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي رَجُلٌ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ
وَلِأَنَّهُ لِمَنْفَعَةِ صَاحِبِهِ وَبِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا لِمَنْفَعَةِ صَاحِبِهَا لَا لِنَفْسِهِ، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ، وَلِهَذَا إذَا هَلَكَتْ عِنْدَهُ وَضَمَّنَهُ الْمُسْتَحِقُّ قِيمَتَهَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُودِعِ وَفِي الْعَارِيَّةِ لَا يَرْجِعُ، وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ عَنْ اسْتِحْقَاقٍ فَإِنَّ الْوَارِثَ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ إلَيْهِ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما وَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَادَلَةِ فَلَا يَضْمَنُ كَالْإِجَارَةِ الْوَدِيعَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْمُتَعَدِّي وَمَعَ الْإِذْنِ بِالْقَبْضِ لَا يُوصَفُ بِالتَّعَدِّي فَانْتَفَى الضَّمَانُ ضَرُورَةَ انْتِفَاءِ الْقَبْضِ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي وَانْتِفَاءِ الْمُبَادَلَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ شَرْعًا إمَّا بِعَقْدٍ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ أَوْ بِشُبْهَتِهِ بِأَنْ كَانَ فَاسِدًا أَوْ بِالتَّعَدِّي، فَالْعَقْدُ الدَّالُّ عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ لَمْ يُوجَدْ وَلَا شُبْهَتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَالتَّعَدِّي لَا يُتَصَوَّرُ مَعَ الْإِذْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ بِالْإِتْلَافِ فَأَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ فَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ، وَحَدِيثُ صَفْوَانَ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِحَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِهَذَا قَالَ «أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ.» وَعِنْدَ الْحَاجَةِ يُرَخَّصُ تَنَاوُلُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ كَحَالَةِ الْمَخْمَصَةِ وَلِأَنَّهُ شَرَطَ لَهُ الضَّمَانَ، وَالْعَارِيَّةُ إذَا اُشْتُرِطَ فِيهَا الضَّمَانُ تُضْمَنُ عِنْدَنَا فِي رِوَايَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثَيْنِ ضَمَانَ رَدُّ الْعَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ صَفْوَانَ كَانَ حَرْبِيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَيَجُوزُ مِنْ الشُّرُوطِ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْلِمِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ» يَقْتَضِي رَدَّ الْعَيْنِ وَبِهِ نَقُولُ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْعَيْنِ وَاجِبٌ فِي الْأَمَانَاتِ وَإِنَّمَا لَا يَرْجِعُ الْمُسْتَعِيرُ بِضَمَانِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِهِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ وَهُوَ لَمْ يَغُرَّهُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ مُتَبَرِّعٌ كَالْوَاهِبِ وَلَيْسَ عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يُؤَجِّرُ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَازِمَةٌ فَيَلْزَمُ الْمُعِيرَ زِيَادَةُ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ لَمَا جَازَ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ حَتَّى تَفْرُغَ مُدَّتُهَا فَيَتَضَرَّرَ فَلَا يَلْزَمُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِهَا لُزُومُ مَا لَا يَلْزَمُ وَهُوَ الْعَارِيَّةُ أَوْ عَدَمُ لُزُومِ مَا يَلْزَمُ وَهُوَ الْإِجَارَةُ فَلَا يَجُوزُ. قَالَ رحمه الله (وَلَا يَرْهَنُ كَالْوَدِيعَةِ) لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوفِيَ دَيْنَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ لَازِمٌ بَعْدَ الْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ فَصَارَ كَالْإِجَارَةِ. قَالَ رحمه الله (فَإِنْ آجَرَ فَعَطِبَ ضَمِنَ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالتَّسْلِيمِ فَصَارَ غَاصِبًا، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَصَارَ كَالْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْغَاصِبِ فَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ آجَرَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَهُوَ الْمُسْتَعِيرُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَانَ عَارِيَّةً فِي يَدِهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْغُرُورِ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْعَيْنَ عَارِيَّةٌ فِي يَدِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ فَصَارَ كَالْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْغَاصِبِ عَالِمًا بِالْغَصْبِ.
قَالَ رحمه الله (وَيُعِيرُ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ) أَيْ يُعِيرُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
سِلَاحًا لِيُقَاتِلَ بِهِ فَضَرَبَ بِالسَّيْفِ فَانْقَطَعَ نِصْفَيْنِ أَوْ طَعَنَ بِالرُّمْحِ فَانْكَسَرَ قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَذَلِكَ لِأَنَّهُ هَلَكَ مِنْ عَمَلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَصِيرُ مَأْذُونًا فِيهِ ضَرُورَةً، وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ رَجُلٌ دَخَلَ الْحَمَّامَ وَاسْتَعْمَلَ قِصَاعَ الْحَمَّامِ فَانْكَسَرَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا أَخَذَ كُوزَ الْفُقَّاعِ لِيَشْرَبَ فَسَقَطَ وَانْكَسَرَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ فِي يَدِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ) تَمَامُهُ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدِعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَقِيلَ عُمَرُ وَفِي الْإِسْنَادِ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ حَسَّانَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ. اهـ. عَبْدُ الْحَقِّ (قَوْلُهُ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِيفَاءِ) يُحْتَرَزُ عَنْ الرَّهْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ صَفْوَانَ كَانَ حَرْبِيًّا) أَيْ كَانَ مُسْتَأْمِنًا اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ) أَيْ فَعَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ نَفَقَةُ الْعَارِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ آجَرَ فَعَطِبَ ضَمِنَ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي، وَإِذَا اسْتَعَارَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ عَلَى أَنْ يَذْهَبَ بِهَا حَيْثُ شَاءَ وَلَمْ يُسَمِّ مَكَانًا وَلَا وَقْتًا وَلَا مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا فَذَهَبَ بِهَا إلَى الْحِيرَةِ أَوْ أَمْسَكَهَا بِالْكُوفَةِ شَهْرًا يَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يُؤَاجِرُهَا قَالَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا فِي الْإِجَارَةِ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ حَيْثُ آجَرَهَا صَارَ ضَامِنًا وَيَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالِانْتِفَاعِ مُطْلَقًا وَالْمُطْلَقُ يَتَنَاوَلُ أَيَّ انْتِفَاءٍ شَاءَ وَإِلَيْهِ التَّعْيِينُ بِفِعْلِهِ إنْ شَاءَ اسْتَعْمَلَهَا فِي الرُّكُوبِ أَوْ فِي الْحَمْلِ عَلَيْهَا، وَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ غَيْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ إذَا تَعَيَّنَ بِقَيْدٍ فَلَا يَبْقَى مُطْلَقًا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ وَالْعَارِيَّةَ عَقْدٌ جَائِزٌ وَبِنَاءُ اللَّازِمِ عَلَى الْجَائِزِ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ وَتَنْعَقِدُ جَائِزَةً لَا لَازِمَةً كَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ مِنْ أُصُولِ أَصْحَابنَا أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا قِيمَةَ لَهَا وَإِنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ، وَلِهَذَا لَمْ يَمْلِكْ أَنْ يُؤَاجِرَ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَمَّا ظَهَرَتْ بِالشَّرْطِ اقْتَصَرَتْ عَلَى الْمَشْرُوطِ فَلَمْ تَتَقَوَّمْ فِيمَا وَرَاءَهُ وَفِي الْعَارِيَّةُ لَا شَرْطَ فَلَا قِيمَةَ فَلَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَآجَرَهَا صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ، وَالْغَاصِبُ إذَا فَعَلَ يَمْلِكُ الْأُجْرَةَ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ مَالِ الْغَيْرِ فَكَانَ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُعِيرُ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ) لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي رَجُلٍ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا قَالَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا فَإِنْ آجَرَهَا فَعَطِبَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ. إلَى هُنَا لَفْظُهُ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ وَيَجُوزُ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُعِيرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَارُ مِمَّا يَخْتَلِفُ
الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ إذَا كَانَتْ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةُ إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ عِنْدَهُ وَالْمُبَاحُ لَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَ لِغَيْرِهِ وَعِنْدَنَا لَمَّا كَانَتْ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ جَازَ أَنْ يُعِيرَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَمْلِكُ أَنْ يُمَلِّكْ كَالْمُسْتَأْجِرِ يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ وَكَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ وَهَذَا إذَا صَدَرَتْ مُطْلَقَةً وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِشَيْءٍ تَتَقَيَّدُ بِهِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ تَفْصِيلُهُ.
قَالَ رحمه الله (فَلَوْ قَيَّدَهَا بِوَقْتٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ أَوْ بِهِمَا لَا يَتَجَاوَزُ عَمَّا سَمَّاهُ وَإِنْ أَطْلَقَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ أَيَّ نَوْعٍ شَاءَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ) لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ فِيهِ مِنْ تَقْيِيدٍ أَوْ إطْلَاقٍ ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً أَوْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً بِالزَّمَانِ أَوْ بِالِانْتِفَاعِ أَوْ بِهِمَا فَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً كَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ أَوْ ثَوْبًا لِلُّبْسِ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ وَيَرْكَبُ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ مَا لَمْ يَلْبَسْ هُوَ وَلَمْ يَرْكَبْ فَإِذَا أَلْبَسَ غَيْرَهُ أَوْ أَرْكَبَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ بِالْفِعْلِ فَيَكُونُ خِلَافُهُ تَعَدِّيًا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَعَارُ شَيْئًا بَتَفَاوُتُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ كَاللُّبْسِ فِي الثَّوْبِ وَالرُّكُوبِ فِي الدَّابَّةِ فَجَعَلَهُ كَالْإِجَارَةِ
فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْإِطْلَاقُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالزِّرَاعَةِ عَلَى مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ أُرْكِبَ عَلَيْهَا مَنْ أَشَاءُ وَأُلْبِسَ الثَّوْبَ مَنْ أَشَاءُ كَمَا حُمِلَ الْإِطْلَاقُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا وَإِنْ كَانَتْ الْإِعَارَةُ مُقَيَّدَةً بِالِانْتِفَاعِ دُونَ الْوَقْتِ بِأَنْ شَرَطَ أَنْ يَنْتَفِعَ هُوَ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرُهُ مُعَيَّنًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ ذَلِكَ التَّقْيِيدَ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ كَالرُّكُوبِ وَأَخَوَاتِهِ وَلِلْمُسَمَّى أَنْ يَفْعَلَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْتَلِفُ كَالسُّكْنَى وَالْحَمْلِ جَازَ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالِانْتِفَاعِ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ لَا يُفِيدُ وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِالْوَقْتِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ مِثْلَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسَ الثَّوْبِ فَإِنَّهُ إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُعِيرَ لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ) أَيْ وَيَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ اهـ
(قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا صَدَرَتْ مُطْلَقَةً) أَيْ عَنْ الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ) أَيْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وِلَايَةِ إعَارَةِ الْمُسْتَعِيرِ. اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ بِهِمَا) فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ اهـ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ اهـ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ) وَالرُّكُوبُ وَاللُّبْسُ كَمَا سَيَجِيءُ قَرِيبًا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ لَكِنْ إنَّمَا مَلَكَ الْمُسْتَعِيرُ إعَارَتَهُ لِلْإِطْلَاقِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعِنْدَهُ أَيْ الشَّافِعِيِّ الْإِعَارَةُ إبَاحَةُ الْمَنَافِعِ وَالْمُبَاحُ لَهُ لَا يَمْلِكُ الْإِبَاحَةَ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ فِيمَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهِ كَالرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ، ثُمَّ قَالَ فِي ذِكْرِ دَلِيلِنَا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ فِيمَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهِ مُطْلَقًا بَلْ لَهُ أَنْ يُعِيرَ إذَا أَعَارَهُ مُطْلَقًا اهـ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، ثُمَّ الْعَارِيَّةُ عَلَى مَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً فِي حَقِّ الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ جَمِيعًا وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ أَيَّ مَنْفَعَةٍ شَاءَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً فِي الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ بِأَنْ قَيَّدَهُ بِيَوْمٍ وَعَيَّنَ نَوْعَ مَنْفَعَةٍ كَالْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ عَمَلًا بِالتَّقْيِيدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِلَافًا إلَى خَيْرٍ أَوْ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ لَا يَضْمَنُ وَالْخِلَافُ كَمَا إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ شَعِيرٍ أَوْ سِمْسِمٍ أَوْ أُرْزٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْحُبُوبِ مِثْلَ كَيْلِ الْحِنْطَةِ وَخِفَّتِهَا لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ يُفِيدُ اعْتِبَارُهُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمَّا رَضِيَ بِالْحِنْطَةِ كَانَ أَرْضَى بِمَا دُونَهَا
وَفِي الْقِيَاسِ يَضْمَنُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ وَالْخِلَافُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ كَمَا إذَا شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَة مَخَاتِيمَ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ نَفْسِهِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ غَيْرِهِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُفِيدًا، وَهَذَا التَّقْيِيدُ لَا يُفِيدُ، وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً فِي الْوَقْتِ مُطْلَقَةً فِي الِانْتِفَاعِ، وَالرَّابِعُ عَلَى الْعَكْسِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً فِي الْوَقْتِ مُقَيَّدَةً فِي الِانْتِفَاعِ فَفِي الْوَجْهَيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمُسَمَّى
وَفِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْلَقَ الْوَقْتَ وَالِانْتِفَاعَ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا عَمَلًا بِالْإِطْلَاقِ فَإِنْ شَاءَ رَكِبَ بِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ حَمَلَ وَإِنْ أَعَارَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ جَازَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْحَمْلِ، وَالْمُسْتَعِيرُ يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ فِيمَا لَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهِ وَإِنْ أَعَارَهُ لِلرُّكُوبِ صَحَّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَعْيِينٌ لِلِانْتِفَاعِ وَالْمُنْتَفَعِ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الِانْتِفَاعِ وَالْمُنْتَفِعِ لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً فَإِذَا أَعَارَهُ لِلرُّكُوبِ فَقَدْ عَيَّنَ جَهْلًا الِانْتِفَاعَ وَالْمُنْتَفِعَ لَا أَنَّهُ يَمْلِكُ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ لِلرُّكُوبِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الرُّكُوبِ لَكِنْ لَمَّا أَطْلَقَ كَانَ تَعْيِينُ الرَّاكِبِ مُفَوَّضًا إلَى الْمُسْتَعِيرِ فَإِذَا عَيَّنَ غَيْرَهُ تَعَيَّنَ حَتَّى لَوْ رَكِبَ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ ضَمِنَ
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَرْذَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَتَبِعَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ إذَا لَمْ يَضْمَنْ بِالرُّكُوبِ أَوْ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْعَيْنَ بِإِذْنِ الْمُسْتَعِيرِ وَتَمْلِيكِهِ فَلَأَنْ لَا يَضْمَنَ إذَا رَكِبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَبِسَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْلَك لَمَا مَلَّكَ غَيْرَهُ اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْتَلِفُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَهُ، وَإِذَا كَانَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَلِكَ مِثْلُ خِدْمَةِ الْعَبْدِ وَزِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَحَمْلِ الدَّابَّةِ، أَمَّا الرُّكُوبُ وَاللُّبْسُ فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ اهـ فَقَوْلُهُ وَزِرَاعَةُ الْأَرْضِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الشَّارِحِ سَابِقًا بِأَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ وَالزِّرَاعَةُ فَإِنَّهُ عَدَّهَا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ اهـ
تَقَيَّدَتْ بِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا إلَّا فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ وَمِنْ حَيْثُ الِانْتِفَاعُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى إطْلَاقِهَا فَيَجُوزُ لَهُ مُطْلَقًا فِيمَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ وَفِيمَا لَا يَخْتَلِفُ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْمُطْلَقِ عَنْ الِانْتِفَاعِ وَالْوَقْتِ وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِهِمَا تَقَيَّدَتْ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ كَيْفَمَا كَانَ
وَكَذَا مِنْ حَيْثُ الِانْتِفَاعُ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ وَفِيمَا لَا يَخْتَلِفُ لَا تَتَقَيَّدُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْمُقَيَّدِ بِالِانْتِفَاعِ ثُمَّ كُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُسَمَّى لَهُ أَنْ يُخَالِفَ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ أَوْ إلَى مِثْلِهِ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ احْمِلْ عَلَى الدَّابَّةِ هَذِهِ الْحِنْطَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ فِي الضَّرَرِ، وَاخْتَلَفُوا فِي إيدَاعِ الْمُسْتَعِيرِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ مُطْلَقًا مِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْجَامِعِ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إذَا بَعَثَ الْعَارِيَّةَ إلَى صَاحِبِهَا عَلَى يَدِ أَجْنَبِيٍّ فَهَلَكَتْ فِي يَدِ الرَّسُولِ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا إيدَاعًا مِنْهُ. قَالَ الْبَاقِلَّانِيُّ هَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَهُوَ الْعَيْنُ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَصْدًا فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَنْفَعَةِ قَصْدًا وَتَسْلِيمُ الْعَيْنِ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَافْتَرَقَا وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ مَشَايِخُ الْعِرَاق وَأَبُو اللَّيْثِ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَالصَّدْرُ الْكَبِيرُ بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ دُونَ الْإِعَارَةِ وَالْعَيْنِ وَدِيعَةٌ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ فِي الْعَارِيَّةُ فَإِذَا مَلَكَ الْأَعْلَى فَأَوْلَى أَنْ يَمْلِكَ الْأَدْنَى. قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
قَالَ رحمه الله (وَعَارِيَّةُ الثَّمَنَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ قَرْضٌ) لِأَنَّ الْإِعَارَةَ إذْنٌ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَا يَتَأَتَّى الِانْتِفَاعُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا وَلَا يَمْلِكُ الِاسْتِهْلَاكَ إلَّا إذَا مَلَكَهَا فَاقْتَضَتْ تَمْلِيكَ عَيْنِهَا ضَرُورَةً، وَذَلِكَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْقَرْضِ وَالْقَرْضُ أَدْنَاهُمَا ضَرَرًا لِكَوْنِهِ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ) هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ اهـ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي إيدَاعِ الْمُسْتَعِيرِ) أَيْ قَصْدًا اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(فَرْعٌ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَارِيَّةُ الْمُطْلَقَةَ تُعَارُ وَلَا تُؤَاجَرُ وَفِي إيدَاعِهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ الْوَدِيعَةُ لَا تُودَعُ وَلَا تُعَارُ وَلَا تُؤَاجَرُ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَأْجَرُ يُعَارُ وَيُؤَاجَرُ وَفِي إيدَاعِهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْجَامِعِ) أَيْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. سَيَأْتِي الْجَوَابُ فِي هَذَا الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ الْبَاقِلَّانِيُّ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاَلَّذِي فِي النِّهَايَةِ الْبَقَّالِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّدْرُ الْكَبِيرُ بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ) وَالِدُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِي آخِرِ كُتُبِ كِتَابِ الْعَارِيَّةُ فَإِنَّهُ قَالَ الْمُعِيرُ إذَا وَجَدَ الدَّابَّةَ الْمُسْتَعَارَةَ فِي يَدِ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَهُوَ خَصْمٌ، وَإِذَا قَالَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ قَدْ أَوْدَعَنِيهَا فُلَانٌ الَّذِي أَعَرْتهَا مِنْهُ فَلَيْسَ بِخَصْمٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُودِعَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قُلْت هَكَذَا وَجَدْت هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَنْصُوصَةً فِي آخِرِ كُتُبِ كِتَابِ الْعَارِيَّةُ الْأَصْلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَهُ أَنْ يُودِعَ فَرَاجِعْهُ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَاكَ الْجَوَابَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى مَنْعِ الْإِيدَاعِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَارِيَّةُ الثَّمَنَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَعَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ فَرْضٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ يُعَدُّ عَدًّا مِثْلَ الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي، وَكَذَلِكَ الْأَقْطَانُ وَالصُّوفُ وَالْإِبْرَيْسَمْ وَالْمِسْكُ وَالْكَافُورُ وَسَائِرُ مَتَاعِ الْعِطْرِ وَالصَّنَادِلَةِ الَّتِي لَا تَقَعُ الْإِجَارَةُ عَلَى مَنَافِعِهَا قَرْضٌ كَذَلِكَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ، ثُمَّ قَالَ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي وَإِنْ اسْتَعَارَ آنِيَةً يَتَجَمَّلُ بِهَا فِي مَنْزِلِهِ أَوْ سَيْفًا مُحَلَّى أَوْ مِنْطَقَةً مُفَضَّضَةً أَوْ خَاتَمًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا قَرْضًا. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ الْإِعَارَةِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَجَمَّلُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالتَّجَمُّلُ بِالْمَالِ نَوْعُ انْتِفَاعٍ، وَقَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ أَعَرْتُك هَذِهِ الْقَصْعَةَ مِنْ الثَّرِيدِ فَأَخَذَهَا فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ وَهُوَ قَرْضٌ إلَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سَعَةٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلُ الْإِبَاحَةِ، وَفِي الْعُيُونِ قَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ سَأَلَتْ مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ رُقْعَةً يُرَقِّعُ بِهَا قَمِيصَهُ أَوْ خَشَبًا يُدْخِلُهُ فِي بِنَائِهِ قَالَ لَا يَكُونُ هَذَا عَارِيَّةً وَهُوَ ضَامِنٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَرْضِ فَإِنْ قَالَ أَرُدُّهُ عَلَيْك فَهُوَ عَارِيَّةٌ.
اهـ. (قَوْلُهُ فَاقْتَضَتْ تَمْلِيكَ عَيْنِهَا ضَرُورَةً) قَالَ فِي الْكَافِي فِي بَابِ الصَّرْفِ اسْتَقْرَضَ كُرَّ بُرٍّ وَقَبَضَهُ مَلَكَهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لَا يَمْلِكَهُ حَتَّى لَا يَسْتَهْلِكَهُ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ إلَّا أَنَّ الْعَيْنَ هُنَا قَامَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِهَا فَكَذَا الْعَيْنُ وَلَهُمَا أَنَّ الْعَيْنَ لَمَّا قَامَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ قَامَ قَبْضُهَا مَقَامَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ فَلَوْ بَاعَهُ مِنْ مُقْرِضِهِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ مُقْرِضِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مِلْكَ نَفْسِهِ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنْ اشْتَرَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الْبُرِّ مِنْ مُقْرِضِهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ لِكَوْنِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ بَدَلِهِ فَسَدَ لِلِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَإِنْ نَقَدَ بَدَلَهُ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ لِلِافْتِرَاقِ عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ فَلَوْ نَقَدَ حَتَّى صَحَّ، ثُمَّ وَجَدَ بِالْكُرِّ عَيْبًا لَمْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَرْضِ وَهُوَ تَبَرُّعٌ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ عَنْ الْعَيْبِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ كُرٌّ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَنْ الْقَرْضِ وَالْقَرْضُ مَعِيبٌ فَالْكُرُّ الَّذِي وَجَبَ بَدَلًا عَنْهُ يَكُونُ مَعِيبًا أَيْضًا، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ وَسَقَطَ لَمَّا اشْتَرَاهُ عَنْ ذِمَّتِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ، ثُمَّ عَلِمَ بِعَيْبٍ بِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ النُّقْصَانُ بِأَنْ يُقَوَّمَ الْكُرُّ الْقَرْضُ غَيْرَ مَعِيبٍ وَيُقَوَّمَ وَبِهِ هَذَا الْعَيْبُ فَيَرْجِعَ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِكُرِّ مِثْلِهِ لَا يَرْجِعُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ رِبًا. اهـ. (قَوْلُهُ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ) بِخِلَافِ الْهِبَةِ اهـ
؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةُ تُوجِبُ رَدَّ الْعَيْنِ وَالْقَرْضُ يُوجِبُ رَدَّ الْمِثْلِ وَهُوَ يَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ، وَلِهَذَا صِيرَ إلَيْهِ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ فَاتَّفَقَا. هَذَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ جِهَةَ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَإِنْ بَيَّنَ جِهَةً يَنْتَفِعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا بِأَنْ يَسْتَعِيرَهَا لِيُعَايِرَ بِهَا مِيزَانًا أَوْ مَكِيلًا أَوْ لِيُزَيِّنَ بِهَا دُكَّانَهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الِانْتِفَاعَاتِ صَارَتْ عَارِيَّةَ أَمَانَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِإِهْلَاكِهَا فَكَانَ نَظِيرَ عَارِيَّةِ الْحُلِيِّ وَالسَّيْفِ الْمُحَلَّى.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ أَوْ لِلْغَرْسِ صَحَّ) لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مَعْلُومَةٌ وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا شَرْعًا وَإِيجَارُهَا فَكَذَا إعَارَتُهَا بَلْ أَوْلَى لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا. قَالَ رحمه الله (وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ) لِأَنَّ الْعَارِيَّةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ. قَالَ رحمه الله (وَيُكَلِّفُهُ قَلْعَهُمَا) أَيْ قَلْعَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ أَرْضَهُ بِمِلْكِهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ، إلَّا إذَا شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُمَا بِقِيمَتِهِمَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَسْتَضِرُّ بِالْقَلْعِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُمَا مَقْلُوعَيْنِ وَيَكُونَانِ لَهُ كَيْ لَا تَتْلَفُ عَلَيْهِ أَرْضُهُ وَيَسْتَبِدُّ هُوَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ لَا تَسْتَضِرُّ بِالْقَلْعِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ التَّرْكُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا بِخِلَافِ الْقَلْعِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّفَاقُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بَلْ أَيُّهُمَا طَلَبَ الْقَلْعَ أُجِيبَ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يُوَقِّتْ) أَيْ رَبُّ الْأَرْضِ لَا يَضْمَنُ لِلْمُسْتَعِيرِ مَا نَقَصَ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ بِالْقَلْعِ إنْ لَمْ يُوَقِّتْ لِلْعَارِيَّةِ وَقْتًا، وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله يَلْزَمُهُ ضَمَانُ قِيمَتِهِمَا وَيُتْرَكَانِ فِي أَرْضِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ كَمَا إذَا وَقَّتَ لِلْعَارِيَّةِ وَقْتًا فَرَجَعَ قَبْلَ الْوَقْتِ قُلْنَا الْعَارِيَّةُ غَيْرُ لَازِمَةٍ فَيَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَمْ يَكُنْ غَارٍّ لَهُ بِالْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا هُوَ اغْتَرَّ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَرَجَعَ قَبْلَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ غَارًّا لَهُ بِذَلِكَ حَيْثُ نَصَّ عَلَى تَرْكِهَا فِي يَدِهِ إلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ، وَهَذَا لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَفِيَ بِالْوَعْدِ فَيَكُونُ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِسَبَبِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ وَقَّتَ فَرَجَعَ قَبْلَهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ بِالْقَلْعِ)، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ فِي الْعَارِيَّةُ غَيْرُ مُلْزَمٍ كَأَصْلِ عَقْدِهَا، وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَالْغُرُورُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَا فِي التَّبَرُّعَاتِ، وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَتْ الْعَارِيَّةُ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ فَاسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ وَضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا لَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا ضَمِنَ، وَفِي الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَاتِ لَهُ ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً وَنَحْنُ قَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّ كَلَامَ الْعَاقِلِ يُحْمَلُ عَلَى الْفَائِدَةِ مَا أَمْكَنَ، وَجَوَازُ الْعَقْدِ يَثْبُتُ بِدُونِ التَّوْقِيتِ فَلَا بُدَّ لِلتَّوْقِيتِ مِنْ الْفَائِدَةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْتِزَامِهِ الْقِيمَةَ لَهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ رَجَعْت قَبْلَ الْوَقْتِ فَأَنَا ضَامِنٌ لَك فَيَلْزَمُهُ بِحُكْمِ الْتِزَامِهِ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ ضَمِنَ مَا نَقَصَ أَنْ يَقُومَ قَائِمًا غَيْرَ مَقْلُوعٍ؛ لِأَنَّ الْقَلْعَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ قَبْلَ الْوَقْتِ. قَالَ رحمه الله (وَلَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَزْرَعَهَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ حَتَّى يَحْصُدَ) الزَّرْعَ اسْتِحْسَانًا (وَقَّتَ أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ)؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَيُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُرَاعَاةَ الْحَقَّيْنِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ.
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَلْعَ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِالْأَرْضِ فَالْخِيَارُ لِرَبِّ الْأَرْضِ. اهـ. .
1 -
(فَرْعٌ) فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي قَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ حَاكِيًا عَنْ أُسْتَاذِهِ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يُجْبَرُ عَلَى النَّفَقَةِ بَلْ يُقَالُ لَهُ إنْ شِئْت فَأَنْفِقْ وَإِلَّا فَخَلِّ يَدَك عَنْهُ، وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ لَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا فَطَعَامُهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَلَوْ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعَارَهُ لِيُعَارَ عَلَى الْمُعِيرِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ يَعْنِي إذَا قَالَ مَوْلَى الْعَبْدِ خُذْ عَبْدِي وَاسْتَخْدِمْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِيرَهُ الْمُسْتَعِيرُ فَإِنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ لِيُعَارَ عَلَى مَوْلَاهُ وَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَعَلَى الْمُعِيرِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا. اهـ. كَاكِيٌّ رحمه الله
1 -
(قَوْلُهُ إلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مُقْتَضَاهَا الرُّجُوعُ فَلَا يُغَيِّرُهُ التَّوْقِيتُ وَلَكِنْ يُكْرَهُ الرُّجُوعُ لِئَلَّا يَلْزَمُ الْخُلْفُ فِي الْوَعْدِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» . اهـ. (فَقَوْلُهُ فَيَكُونُ مَغْرُورًا) أَيْ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةِ الِالْتِزَامِ الْمَعْنَوِيِّ عَلَى مَا يَأْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ وَقَّتَ فَرَجَعَ قَبْلَهُ) أَيْ الْمُعِيرُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَيْضًا ضَمِنَ مَا نَقَصَ بِالْقَلْعِ) أَيْ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَضَمِنَ الْمُعِيرُ مَا نَقَصَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ نُقْصَانُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَى أَنَّ مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً بِمَعْنَى الَّذِي فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ مَنْصُوبَيْنِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونَانِ مَرْفُوعَيْنِ وَالْغَرْسُ يُرْوَى بِالْفَتْحِ عَلَى إرَادَةِ الْمَغْرُوسِ وَبِالْكَسْرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ حَتَّى يَحْصُدَ الزَّرْعَ اسْتِحْسَانًا) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ انْتَهَى الْعَقْدُ فَكَانَ لَهُ حَقُّ التَّفْرِيغِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا لَوْ أَمَرْنَاهُ بِالْقَلْعِ لَأَضْرَرْنَا بِهِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَعُودُ إلَى الْمَالِكِ وَلَوْ بَقَّيْنَاهُ لَنَفَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَعُودُ إلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّا نُبْقِيهِ بِأُجْرَةٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ أَوْلَى بِخِلَافِ النَّخْلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِإِدْرَاكِهِ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَلَوْ بَقَّيْنَاهُ لَعَطَّلْنَا عَلَيْهِ مَنْفَعَةَ أَرْضِهِ أَمَّا هَذَا فَلِإِدْرَاكِهِ غَايَةٌ مَعْلُومَةٌ حَتَّى لَوْ كَانَ الْغِرَاسُ لِلْبَيْعِ وَالنَّقْلِ لَا لِلِاسْتِبْقَاءِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الزَّرْعِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِقَلْعِ الزَّرْعِ إذَا زَرَعَ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّهُ جَانٍ فِي الِابْتِدَاءِ، وَقَدْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى رَفْعِ الْعُدْوَانِ وَهَا هُنَا بِخِلَافِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُرَاعَاةَ الْحَقَّيْنِ) أَيْ حَقِّ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتْرُكُ الْأَرْضَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِئَلَّا تَفُوتَ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مَجَّانًا وَلَا يَتْلَفَ زَرْعُ الْآخَرِ أَيْضًا فَيَعْتَدِلُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
قَالَ رحمه الله (وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودِعِ وَالْمُؤَجِّرِ وَالْغَاصِبِ وَالْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ حَصَلَتْ لَهُمْ وَالْأَصْلُ أَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ تَجِبُ عَلَى مَنْ وَقَعَ الْقَبْضُ لَهُ أَمَّا الْمُسْتَعِيرُ فَلِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ وَالرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً فَأَمْسَكَهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى هَلَكَتْ ضَمِنَ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ كَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ وَالْغُرْمَ بِالْغَنَمِ وَأَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ فَلِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ مَقْبُوضَةٌ لِمَنْفَعَةِ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْأَجْرَ سُلِّمَ لَهُ بِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ رَدُّهَا، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ وَالتَّخْلِيَةُ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ وَلَا يُقَالُ قَبْضُهُ كَانَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ مَا حَصَلَ لَهُ مَنْفَعَةٌ وَهِيَ عَرْضٌ يَفْنَى وَمَا حَصَلَ لِلْمُؤَجَّرِ عَيْنٌ تَبْقَى، فَكَانَ هُوَ بِالْوُجُوبِ أَوْلَى، وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْقَبْضِ حَاصِلَةٌ لَهُ لِأَنَّهُ لِحِفْظِ الْعَيْنِ، وَمَنْفَعَةُ حِفْظِهَا عَائِدٌ إلَيْهِ فَكَانَتْ مُؤْنَةُ رَدِّهَا عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ فَلِأَنَّ الْغَاصِبَ يَجِبُ عَلَيْهِ نَسْخُ فِعْلِهِ وَذَلِكَ بِرَدِّهَا وَإِعَادَتِهَا إلَى يَدِ مَالِكِهَا كَمَا كَانَتْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَزَالَ يَدَهُ مُتَعَدِّيًا فَفِي رَدِّهَا بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ رَدِّهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَالِك، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلِأَنَّ قَبْضَهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَكَانَ قَابِضًا لِنَفْسِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ إلَى إصْطَبْلِ مَالِكِهَا أَوْ الْعَبْدَ إلَى دَارِ الْمَالِكِ بَرِئَ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْرَأَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُمَا إلَى صَاحِبِهِمَا، وَإِنَّمَا ضَيَّعَهُمَا تَضْيِيعًا فَصَارَ كَالْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْلِيمِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِصْطَبْلَ أَوْ الدَّارَ فِي يَدِ الْمَالِكِ وَلَوْ رَدَّهُمَا عَلَى الْمَالِكِ كَأَنْ يَرُدَّهُمَا إلَى الْإِصْطَبْلِ أَوْ الدَّارِ فَكَانَ الرَّدُّ إلَيْهِمَا رَدًّا عَلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهَا لِلْحِفْظِ وَلَمْ يَرْضَ بِحِفْظِ غَيْرِهِ إذْ لَوْ رَضِيَ بِهِ لَمَا أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ وَبِخِلَافِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا بِإِثْبَاتِ يَدِهِ فِي الْعَيْنِ وَبِإِزَالَةِ يَدِ صَاحِبِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إزَالَةِ يَدِهِ وَإِثْبَاتِ يَدِ صَاحِبهَا فِيهَا، وَذَلِكَ بِالتَّسْلِيمِ حَقِيقَةً وَقِيلَ هَذَا فِي عَادَتِهِمْ وَفِي زَمَانِنَا لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى يَدِ صَاحِبِهِمَا وَعَنْ ابْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَرْبِطُ خَارِجَ الدَّارِ لَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الدَّابَّةَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَعَلَفُ الدَّابَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُطْلَقَةً أَوْ مُقَيَّدَةً، وَكَذَلِكَ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَيْضًا وَالْمُرْتَهِنِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةُ وَفِي الرَّهْنِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الرَّاهِنِ اهـ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ اهـ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ مُؤْنَةَ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ وَعَزَاهُ لِشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَيْضًا وَلَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ وَفِي الْجَوْهَرَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً إلَخْ) سَيَأْتِي هَذَا الْفَرْعُ فِي أَوَاخِرِ الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ فِي الشَّرْحِ فَرَاجِعْهُ اهـ.
وَكُتِبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْوَجِيزِ الْعَارِيَّةُ إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً فِي الْوَقْتِ وَالِانْتِفَاعِ بِأَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً أَوْ ثَوْبًا وَلَمْ يُوَقِّتْ وَلَا مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ فَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُلْبِسَ وَيُرْكِبَ غَيْرَهُ وَالْعَارِيَّةَ الْمُقَيَّدَةُ فِيهِمَا بِأَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا يَوْمًا وَبَيَّنَ أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ بِنَفْسِهِ فَفِي الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ وَيُلْبِسَ غَيْرَهُ وَلَهُ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ لِلْحَمْلِ وَفِي الْعَبْدِ وَالدَّارِ لَهُ أَنْ يُعِيرَ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فِي الْوَقْتِ مُطْلَقَةً فِي الِانْتِفَاعِ بِأَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً يَوْمًا وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا شَاءَ فِي الْيَوْمِ فَإِنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً فِي الْوَقْتِ مُقَيَّدَةً فِي الِانْتِفَاعِ بِأَنْ اسْتَعَارَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا الْحِنْطَةَ مَتَى شَاءَ اهـ.
وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَإِنَّمَا أَعَدْتهَا لِفَائِدَةٍ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ وَالتَّخْلِيَةُ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فِي حَوَائِجِهِ فِي الْمِصْرِ وَقْتًا مَعْلُومًا فَمَضَى الْوَقْتُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا إلَى صَاحِبِهَا بِأَنْ يَمْضِيَ بِهَا إلَيْهِ وَعَلَى الَّذِي آجَرَ أَنْ يَقْبِضَهَا مِنْ مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَإِنْ انْتَفَعَ لَكِنَّهُ بِعِوَضٍ فَبَقِيَتْ الْعَيْنُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا حَتَّى لَوْ أَمْسَكَهَا أَيَّامًا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ سَوَاءٌ طَلَبَهَا مِنْهُ أَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الرَّدُّ إلَى بَيْتِهِ بَعْدَ الطَّلَبِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِي الْإِمْسَاكِ كَالْمُودِعِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ إلَى بَيْتِ الْمُودِعِ فَهَلَكَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلِأَنَّ قَبْضَهُ) أَيْ قَبْضَ الْمُرْتَهِنِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَره الْمُسَمَّى بِالْكَافِي، وَإِذَا رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ فَلَمْ يَجِدْ خَادِمَهَا وَلَا صَاحِبَهَا فَرَبَطَهَا فِي دَارِ صَاحِبِهِ عَلَى مَعْلِفِهِ فَضَاعَتْ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ لَهَا فِي الْقِيَاسِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا أُضَمِّنَهُ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَافِي، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ إلَى مَنْزِلِ صَاحِبِهَا الَّذِي يَكُونُ فِيهِ فَرَبَطَهَا عَلَى آرِيِّهَا فَهَلَكَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَضْمَنُ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَبِالْقِيَاسِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُمَا) أَيْ الدَّابَّةَ أَوْ الْعَبْدَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْلِيمِ الْمُعْتَادِ بَيْنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَسْتَعِيرُونَ الدَّابَّةَ فَيَرُدُّونَهَا إلَى إصْطَبْلِ الْمَالِكِ وَالْجِيرَانُ يَسْتَعِيرُونَ آلَةَ الْبُيُوتِ وَيَرُدُّونَهَا إلَى دَارِ صَاحِبِهَا وَيُسْلِمُونَهَا إلَى مَنْ فِيهِ دُونَ صَاحِبِ الدَّارِ فَلَوْ رَدَّ إلَى الْمَالِكِ أَيْضًا كَانَ الْمَالِكُ أَيْضًا يَحْفَظُهَا بِهَذَا الْمَكَانِ فَقَدْ أَسْقَطَ عَنْهُ الْمُسْتَعِيرُ كُلْفَةً زَائِدَةً فَتَرَكَ الْقِيَاسَ بِالْعَادَةِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» ، وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا لَوْ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ عَقْدَ جَوْهَرٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرُدَّهَا إلَّا إلَى الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِحِفْظِهِ فِي الدَّارِ وَلَا دَفْعِهِ إلَى الْغُلَامِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ) أَيْ حَيْثُ لَا يَبْرَأُ فِيهَا إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ اهـ.
تَكُونُ هُنَاكَ بِلَا حَافِظٍ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ عَبْدِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً أَوْ مَعَ عَبْدِ رَبِّ الدَّابَّةِ أَوْ أَجِيرِهِ بَرِئَ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْرَأَ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَالْإِيصَالِ إلَى يَدِ صَاحِبِهَا وَوَجْهُهُ مَا بَيَّنَّاهُ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ يَحْفَظُ دَوَابَّهُ بِسَائِسِهِ وَالدَّفْعُ إلَيْهِ كَالدَّفْعِ إلَى صَاحِبِهَا عَادَةً وَهُوَ لَوْ دَفَعَهَا إلَى الْمَالِكِ لَدَفَعَهَا هُوَ إلَى السَّائِسِ وَحِفْظُهُ بِسَائِسِهِ كَحِفْظِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْوَدِيعَةِ فَيَكْتَفِي بِالتَّسْلِيمِ مِنْهُ إلَى السَّائِسِ أَوْ مِنْ السَّائِسِ إلَى السَّائِسِ أَوْ مِنْ السَّائِسِ إلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ حَيْثُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى سَائِسِ الْمَالِكِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْدَعَهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرْضَ بِغَيْرِهِ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ لِمَا أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ بِخِلَافِ غُلَامِ نَفْسِهِ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَهَذَا فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَكُونُ فِي يَدِ الْغِلْمَانِ عَادَةً، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي أَيْدِيهِمْ عَادَةً كَعُقَدِ لُؤْلُؤٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَرَدَّهَا الْمُسْتَعِيرُ إلَى يَدِ غُلَامِ صَاحِبِهَا أَوْ وَضَعَهَا فِي دَارِهِ أَوْ إصْطَبْلِهِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِهِ فِي مِثْلِهِ، وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَهُ الْمُودِعُ إلَى غُلَامِهِ يَضْمَنُ، ثُمَّ قِيلَ هَذَا إذَا رَدَّهَا إلَى يَدِ عَبْدِهِ الَّذِي يَقُومُ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إلَيْهِ وَإِلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ دَائِمًا يَدْفَعُ إلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَكُونُ رِضَا الْمَالِكِ مَوْجُودًا دَلَالَةً، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ يَعْنِي بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ وَهَذَا يَشْهَدُ لِمَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ وَعَلَى الْمُخْتَارِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً فَمَضَتْ مُدَّتُهَا، ثُمَّ بَعَثَهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ بِإِمْسَاكِهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا حَتَّى إذَا هَلَكَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَ فَكَذَا إذَا تَرَكَهَا فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ وَهَذَأ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْعَارِيَّةُ فَإِذَا كَانَ يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ فَأَوْلَى أَنْ يَمْلِكَ الْإِيدَاعَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ الْإِيدَاعِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ.
قَالَ رحمه الله (وَيَكْتُبُ الْمُعَارُ أَطْعَمْتنِي أَرْضَك) أَيْ إذَا اسْتَعَارَ أَرْضًا بَيْضَاءَ لِلزِّرَاعَةِ يَكْتُبُ الْمُسْتَعِيرُ أَنَّك أَطْعَمْتنِي أَرْضَك وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقَالَا يَكْتُبُ أَنَّك أَعَرْتنِي؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ هِيَ الْمَوْضُوعَةُ لِهَذَا الْعَقْدِ وَالْكِتَابَةُ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْلَى كَمَا فِي إعَارَةِ الثَّوْبِ وَالدَّارِ فَإِنَّهُ يَكْتُبُ فِيهِ أَعَرْتنِي وَلَا يَكْتُبُ أَلْبَسْتنِي وَلَا أَسْكَنْتنِي وَلَهُ أَنَّ لَفْظَ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ يَخُصُّ الزِّرَاعَةَ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ يُعْرَفُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الِاسْتِغْلَالُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الزِّرَاعَةِ بِخِلَافِ لَفْظِ الْإِعَارَةِ فَإِنَّهَا تَنْتَظِمُ الزِّرَاعَةَ وَالْبِنَاءَ وَالْمَرَاحَ وَنَصْبَ الْخِيَامِ بِخِلَافِ الدَّارِ وَالثَّوْبِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا غَيْرُ مُتَنَوِّعَةٍ فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ بِذِكْرِ الْعَارِيَّةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ أَجِيرِهِ بَرِئَ) أَيْ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ فِي حَقِّ الْعَيْنِ مُودِعٌ وَأَمِينٌ وَالْمُودِعُ يَمْلِكُ الدَّفْعَ إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ فَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ وَعَبْدُهُ فِي عِيَالِهِ، وَكَذَا أَجْبُرُهُ إذَا كَانَ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً بِخِلَافِ الْأَجِيرِ مُيَاوَمَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ فَكَانَ الرَّدُّ إلَى يَدِ هَؤُلَاءِ كَالرَّدِّ إلَى يَدِ الْمَالِكِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ غُلَامِ نَفْسِهِ) قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ إِسْحَاقُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوَاهُ وَلَوْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ بِعَارِيَّةٍ أَوْ إجَارَةٍ فَنَزَلَ عَنْهَا فِي السِّكَّةِ أَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِيُصَلِّيَ فَخَلَّى عَنْهَا فَهَلَكَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْبَيْتَ وَتَرَكَهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْبَيْتِ فَقَدْ تَرَكَ الْحِفْظَ لَمَّا غَيَّبَهَا عَنْ عَيْنِهِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ هَذَا إذَا لَمْ يَرْبِطْهَا بِشَيْءٍ أَمَّا إذَا رَبَطَهَا لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ وَنَزَلَ لِيُصَلِّيَ وَكَانَ يُمْسِكُهَا فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَمْسَكَهَا لَمْ يَتْرُكْ حِفْظَهَا، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَبَعَثَ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ مَعَ وَكِيلِهِ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا الْحِنْطَةَ فَحَمَلَ الْوَكِيلُ طَعَامًا لِنَفْسِهِ لَا يَضْمَنُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ خُصُومَةِ الْمُتَفَاوِضِينَ مِنْ كِتَابِ الشَّرِكَةِ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ، ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى اسْتَعَارَ ثَوْرًا لِيَكْرُبَ أَرْضَهُ وَعَيَّنَ الْأَرْضَ وَكَرَبَ أَرْضًا أُخْرَى فَعَطِبَ الثَّوْرُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْأَرَاضِيَ تَخْتَلِفُ فِي الْكِرَابِ سُهُولَةً وَصُعُوبَةً بِخِلَافِ مَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيَذْهَبَ إلَى مَكَان مَعْلُومٍ فَذَهَبَ إلَى مَكَان آخَرَ بِتِلْكَ الْمَسَافَةِ كَانَ ضَامِنًا، وَكَذَا لَوْ أَمْسَكَ الثَّوْرَ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَكْرُبْ حَتَّى عَطِبَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِمْسَاكِ لِعَدَمِ الرِّضَا مِنْ الْمَالِكِ، وَكَذَا فِي الْإِجَارَةِ إذَا أَمْسَكَ وَلَمْ يَذْهَبْ، ثُمَّ قَالَ الْمُسْتَعِيرُ إذَا وَضَعَ الْمُسْتَعَارُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنَامَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ هَذَا حِفْظٌ عَادَةً لَكِنْ هَذَا إذَا نَامَ جَالِسًا، أَمَّا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا يَضْمَنُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ هَذَا) أَيْ عَدَمُ الضَّمَانِ بِالرَّدِّ إلَى رَبِّ الدَّابَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا يَشْهَدُ لِمَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ هَذِهِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ قَصْدًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ، وَقَدْ مَرَّ وَمَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ يُؤَوِّلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَيَقُولُ بِأَنَّ الْعَارِيَّةُ قَدْ انْتَهَتْ فَبَقِيَ مُودِعًا وَالْمُودِعُ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ بِالِاتِّفَاقِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَكْتُبُ الْمُعَارُ) أَيْ الْمُعَارُ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْكِتَابَةُ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْلَى) أَيْ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ أَحَقُّ بِأَنْ تُرَادَ وَبِقَوْلِهِمَا أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الزِّرَاعَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَارِيَّةَ الْأَرْضِ قَدْ تَكُونُ لِلزِّرَاعَةِ، وَقَدْ تَكُونُ لِغَيْرِهَا مِنْ السُّكْنَى وَالْبِنَاءِ وَلَفْظُ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ مَعْنَاهُ أَذِنْت لَك أَنْ تَزْرَعَ فِيهَا لِتَأْكُلَ مِنْ غَلَّاتِهَا فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ يَكْتُبُ بِهَا لِتَزُولَ الشُّبْهَةُ وَيُعْلَمَ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الزِّرَاعَةِ خَاصَّةً دُونَ الْبِنَاءِ وَالسُّكْنَى، وَلَفْظَةُ الْإِطْعَامِ وَإِنْ كَانَ مَجَازًا مَعْلُومٌ لِكَوْنِهِ مُتَعَارَفًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَعْلَمُ أَنَّ ذَاتَ الْأَرْضِ لَا تُؤْكَلُ فَكَانَ أَوْلَى بِالِاسْتِعْمَالِ لِتَبَيُّنِ الْمُرَادِ بِهَا. اهـ. .