الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَلَا فِي السَّلَمِ وَالصَّرْفِ لِحُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ فِيهِمَا وَكَذَا فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ جُعِلَ الْمَقْبُوضُ عَيْنَ حَقِّهِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الْجَبْرُ وَلَوْ كَانَ غَيْرَهُ لَمَا جَرَى إذْ لَا يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَكَذَا جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ حَالَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَلَوْ كَانَ مُبَادَلَةً لَمَا جَازَ وَكَذَا لَوْ كَانَا اشْتَرَيَاهُ جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ كَانَ مُبَادَلَةً لَمَا جَازَ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ أَظْهَرُ لِلتَّفَاوُتِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ أَخَذَ عَيْنَ حَقِّهِ لِعَدَمِ الْمُعَادَلَةِ بَيْنَهُمَا بِيَقِينٍ فَلَا يُمْكِنُ إجْرَاءُ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْمِثْلِيِّ إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أُجْبِرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ بِطَلَبِ بَعْضِهِمْ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَفِيهَا تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَقَاصِدُ مُتَقَارِبَةٌ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ.
وَجَازَ الْإِجْبَارُ عَلَيْهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ، وَالْمُبَادَلَةُ قَدْ يَجْرِي فِيهَا الْإِجْبَارُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ كَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ لَيْسَ عَيْنَ الدَّيْنِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ بَدَلٌ عَنْهُ وَهَذَا لِأَنَّ الطَّالِبَ لِلْقِسْمَةِ يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَأَنْ يَمْنَعَ الْغَيْرَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجِيبَهُ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْإِفْرَازِ فِيهَا فَكَانَتْ مُبَادَلَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا جَبْرَ فِيهَا مَعَ إمْكَانِ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ، وَلَوْ تَرَاضَوْا عَلَيْهَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ قَالَ رحمه الله (وَيُجْبَرُ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لَا فِي غَيْرِهِ) أَيْ إذَا طَلَبَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ يُجْبَرُ الْآبِي عَلَى الْقِسْمَةِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، أَوْ لَا وَلَا يُجْبَرُ فِي غَيْرِ مُتَّحِدِ الْجِنْسِ كَالْغَنَمِ مَعَ الْإِبِلِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى.
قَالَ رحمه الله (وَنُدِبَ نَصْبُ قَاسِمٍ - رِزْقُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ - لِيَقْسِمَ بِلَا أَجْرٍ)؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتِمُّ بِهِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ فَأَشْبَهَ رِزْقَ الْقَاضِي وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَعُودُ إلَى الْعَامَّةِ كَمَنْفَعَةِ الْقُضَاةِ وَالْمُقَاتِلَةِ وَالْمُفْتِينَ فَتَكُونُ كِفَايَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِمَصَالِحِهِمْ كَنَفَقَةِ هَؤُلَاءِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا نُصِبَ قَاسِمٌ يَقْسِمُ بِأَجْرٍ بِعَدَدِ الرُّءُوسِ) أَيْ إنْ لَمْ يُنْصَبْ قَاسِمٌ رِزْقُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ نُصِبَ قَاسِمٌ يَقْسِمُ بِأَجْرٍ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ لِأَنَّ النَّفْعَ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ حَقِيقَةً حَتَّى جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ الْأَجْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ عَلَى الْقَضَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمْ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَمُبَاشَرَةُ الْقَضَاءِ فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَيُقَدِّرُ لَهُ الْقَاضِي أَجْرَ مِثْلِهِ كَيْ لَا يَطْمَعَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَيَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُرْزَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أَرْوَجُ وَأَرْفَقُ بِالْعَامَّةِ وَأَبْعَدُ عَنْ تُهْمَةِ مُوَاضَعَةِ الْقَاضِي مَعَ الْقَاسِمِ، وَقَوْلُهُ " بِعَدَدِ الرُّءُوسِ " أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأُجْرَةُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَلَا تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْأَنْصِبَاءِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ رحمه الله (وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا أَمِينًا عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ) لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ وَذَلِكَ بِالْأَمَانَةِ وَالْعِلْمِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَتَعَيَّنُ قَاسِمٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ لَتَحَكَّمَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُجْبِرُهُمْ الْحَاكِمُ أَنْ يَسْتَأْجِرُوهُ وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَهِيَ تُشْبِهُ الْقَضَاءَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا جَبْرَ فِيهِمَا وَلَوْ اصْطَلَحُوا فَاقْتَسَمُوا جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَهِيَ تُشْبِهُ الْقَضَاءَ فَتَجُوزُ بِالتَّرَاضِي كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ وَالتَّحْكِيمِ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ لَا يَنْفُذُ وَلَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَشْتَرِكُ الْقُسَّامُ) أَيْ يَمْنَعُهُمْ الْقَاضِي مِنْ الِاشْتِرَاكِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ النَّاسُ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَصِيرُ بِذَلِكَ غَالِيَةً
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَا اشْتَرَيَاهُ) أَيْ ثُمَّ اقْتَسَمَاهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: جَازَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً) أَيْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
[الْإِجْبَار عَلَى الْقِسْمَة]
(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَوْ لَا) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْقِسْمَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ قِسْمَةٌ لَا يُجْبَرُ الْآبِي كَقِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ وَقِسْمَةٌ يُجْبَرُ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَقِسْمَةٌ يُجْبَرُ الْآبِي فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَالْخِيَارَاتُ ثَلَاثَةٌ خِيَارُ شَرْطٍ وَخِيَارُ عَيْبٍ وَخِيَارُ رُؤْيَةٍ فَفِي قِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ يَثْبُتُ الْخِيَارُ أَجْمَعَ وَفِي قِسْمَةِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ، وَفِي قِسْمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ وَهَلْ يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يَثْبُتُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَا يَثْبُتُ اهـ أَتْقَانِيٌّ، قَوْلُهُ: يَثْبُتُ الْخِيَارُ أَجْمَعَ أَقُولُ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَقَوْلُهُ: فِي الْقِسْمَةِ الثَّانِيَةِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ أَقُولُ إنَّمَا ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ لِلُحُوقِ الضَّرَرِ بِهِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِهِمَا لِعَدَمِ الضَّرَرِ وَفِي قِسْمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ بِالِاتِّفَاقِ وَيَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ قُلْت وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ بِخِلَافِ قِسْمَةِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَإِنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ غَالِبٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَأَبْعَدُ عَنْ تُهْمَةٍ مُوَاضَعَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَأَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ اهـ أَيْ تُهْمَةِ الْمَيْلِ إلَى أَحَدِ الْمُتَقَاسِمَيْنِ لِسَبَبِ مَا يُعْطِيهِ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ زِيَادَةً قَالَهُ السَّيِّدُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَلَوْ اصْطَلَحُوا فَاقْتَسَمُوا) أَيْ بِلَا قَاسِمِ الْقَاضِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: جَازَ) أَيْ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ) أَيْ فَلَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ حِينَئِذٍ بِتَرَاضِيهِمْ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى الصَّغِيرِ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَأْمُرَ مَنْ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ رحمه الله تَحْتَ قَوْلِهِ: صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ غَائِبٌ. اهـ.
؛ لِأَنَّهُمْ إذَا اشْتَرَكُوا يَتَوَاكَلُونَ وَعِنْدَ عَدَمِ الشَّرِكَةِ يَتَبَادَرُونَ إلَيْهَا خَشْيَةَ الْفَوْتِ فَيَرْخُصُ الْأَجْرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ ثُمَّ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكِ وَحَمْلِ الطَّعَامِ الْمُشْتَرَكِ وَغَسْلِ الثَّوْبِ الْمُشْتَرَكِ وَنَفَقَةِ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَكِ وَكَبِنَاءِ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ وَتَطْيِينِ السَّطْحِ الْمُشْتَرَكِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ أَنْ يَتَوَصَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَمَنْفَعَةُ نَصِيبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ أَكْثَرُ فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ وَهَذَا نَظِيرُ زَوَائِدِ الْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ لَمَّا كَانَ مَا يَحْصُلُ مِنْهَا لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ أَكْثَرَ كَانَتْ مُؤْنَةُ الْعَيْنِ عَلَيْهِ أَكْثَرَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالتَّمْيِيزِ، وَإِنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ وَرُبَّمَا يَصْعُبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ وَقَدْ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ بِاعْتِبَارِ كُسُورٍ فِيهِ فَيَتَعَذَّرُ اعْتِبَارُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَمْيِيزُ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ إلَّا بِمَا يَفْعَلُهُ فِيهِمَا فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْإِفْرَازِ وَاقِعٌ لَهُمَا جُمْلَةً بِخِلَافِ حَفْرِ الْبِئْرِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِنَقْلِ التُّرَابِ - وَهُوَ مُتَفَاوِتٌ - وَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ إنْ كَانَ لِلْقِسْمَةِ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ فَلَا يُرَدُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقِسْمَةِ فَالْأُجْرَةُ مُقَابَلَةٌ بِعَمَلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ لَا بِالتَّمْيِيزِ، وَعَمَلُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ يَتَفَاوَتُ وَلَوْ أَطْلَقْنَا الْجَوَابَ وَلَمْ نُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ لِلْقِسْمَةِ، أَوْ لِغَيْرِهِ وَأَوْجَبْنَا فِي الْكُلِّ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ كَانَ الْعُذْرُ لَهُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِعَمَلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَهُوَ مُتَفَاوِتٌ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، وَمَالَ بَعْضُهُمْ إلَى الْأَوَّلِ فَأَوْجَبَ الْأَجْرَ عَلَى السَّوَاءِ إنْ كَانَ لِلْقِسْمَةِ، وَإِلَّا فَعَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ وَفِي الْحَمْلِ الْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالنَّقْلِ وَهُوَ يَتَفَاوَتُ بِخِلَافِ التَّمْيِيزِ، وَفِي الْغَسْلِ مُقَابَلٌ بِالتَّنْظِيفِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ وَبِخِلَافِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لِإِبْقَاءِ الْمِلْكِ فَتَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِهِ وَفِي الْبِنَاءِ وَالتَّطْيِينِ الْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِنَفْسِ الْبِنَاءِ وَالتَّطْيِينِ وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِالْمَكَانِ بِخِلَافِ التَّمْيِيزِ، وَالزَّوَائِدُ تَتَوَلَّدُ مِنْ الْمِلْكِ فَتُسْتَحَقُّ بِقَدْرِ الْمِلْكِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى الطَّالِبِ لِلْقِسْمَةِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِالْقِسْمَةِ دُونَ الْآخَرِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يُقْسَمُ الْعَقَارُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ بِإِقْرَارِهِمْ حَتَّى يُبَرْهِنُوا عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَقَالَا يُقْسَمُ بِاعْتِرَافِهِمْ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَالْإِقْرَارُ دَلِيلُ الصِّدْقِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ الْمَوْرُوثُ مَنْقُولًا أَوْ كَانَ الْعَقَارُ مُشْتَرًى وَهَذَا لِأَنَّهُمْ لَا مُنْكِرَ لَهُمْ وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا عَلَى الْمُنْكِرِ فَلَا تُفِيدُ الْبَيِّنَةُ بِلَا إنْكَارٍ لَكِنَّهُ يَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهُ بِاعْتِرَافِهِمْ لِيَقْتَصِرَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَتَعَدَّاهُمْ حَتَّى لَا يَعْتِقَ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَلَا مُدَبَّرُوهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ مَوْتِهِ فِي حَقِّهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِبَيِّنَةٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْمَيِّتِ؛ إذْ التَّرِكَةُ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ مِنْهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ تَنْفُذُ وَصَايَاهُ فِيهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَإِذَا كَانَ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ فَالْإِقْرَارُ مِنْهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِجَعْلِ أَحَدِهِمْ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ نَائِبٌ عَنْهُ، وَإِقْرَارُ الْخَصْمِ لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ إذَا كَانَ فِي قَبُولِهَا فَائِدَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى مَيِّتٍ دَيْنًا فَأَقَرَّ الْوَارِثُ بِذَلِكَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الدَّيْنَ عَلَى الْمَيِّتِ حَتَّى يُقَدَّمَ عَلَى الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ وَيُزَاحِمَ الْغُرَمَاءَ وَلَا كَذَلِكَ إذَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي حَقِّهِ خَاصَّةً وَكَذَا الْجَوَابُ لَوْ كَانَ مَكَانَ الْوَارِثِ وَصِيٌّ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ فِيهِ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَفِي الْقِسْمَةِ حِفْظُهُ وَجَعْلُهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ إذَا اشْتَرَكُوا يَتَوَاكَلُونَ) التَّوَاكُلُ أَنْ يَكِلَ بَعْضُهُمْ الْأَمْرَ إلَى الْبَعْضِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله. (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَقَوْلُ مَالِكٍ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْجَلَّابِ الْبَصْرِيُّ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَا عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْبَغُ الْمَالِكِيُّ. اهـ. عَيْنِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَالُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ سُدُسُهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهُ وَلِلْآخَرِ نِصْفُهُ فَأُجْرَةُ الْقَسَّامِ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَسْدَاسًا. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ كُسُورٍ فِيهِ) فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ لِأَنَّ فِي صُعُوبَةِ كُلٍّ خَفَاءً فَاعْتُبِرَ أَصْلُ التَّمْيِيزِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ كَمَا فِي السَّفَرِ لَمَّا كَانَ فِي الْمَشَقَّةِ خَفَاءٌ أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى نَفْسِ السَّفَرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَلْزَمُهُ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أُجْرَةُ الْقَسَّامِ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَنْصِبَاءِ إلَّا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى عَدَدِ الْأَنْصِبَاءِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ مِنْهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ إلَخْ) وَتُقْضَى مِنْهَا الدُّيُونُ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ ثُمَّ زَادَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَمْ يُسَلَّمْ كُلُّهُ لَهُ وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَيِّتِ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى كَانَتْ الزِّيَادَةُ لِمَنْ وَقَعَ فِي قَسْمِهِ فَإِذَا تَعَدَّى التَّصَرُّفُ إلَى الْمَيِّتِ بِقَطْعِ حَقِّهِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ الْمَوْرُوثِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ فِي قِسْمَتِهِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ لِحِفْظِ مَالِهِ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا هَلَاكَ فِي الْعَقَارِ. اهـ. غَايَةٌ.
(فَرْعٌ) التَّرِكَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ لَكِنَّهَا تَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ مِنْ وَجْهٍ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ وَرَقَةٍ فِي الشَّرْحِ اهـ.
(فَرْعٌ آخَرُ) الزَّوَائِدُ الْحَادِثَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ شَجَرَةً فَأَثْمَرَتْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَهُ حَتَّى تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ مِنْهَا وَصَايَاهُ. اهـ. بَدَائِعُ فِي الْقِسْمَةِ. (قَوْلُهُ: لَوْ كَانَ مَكَانَ الْوَارِثِ وَصِيٌّ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ الْوَصِيُّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ يَدَّعِيهِ إنْسَانٌ يُكَلَّفُ الْمُدَّعِي إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ وَيَكُونُ الْوَصِيُّ خَصْمًا لَهُ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا اهـ.
مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ فَتَعَيَّنَتْ الْقِسْمَةُ إذْ الْقَاضِي نَصَبَ نَاظِرًا وَالْعَقَارُ مُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْقَبْضِ عَنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ ثُبُوتٍ وَبِخِلَافِ الْعَقَارِ الْمُشْتَرَى؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ زَالَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً عَلَى الْغَيْرِ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الْعَقَارَ الْمُشْتَرَى أَيْضًا لَا يُقْسَمُ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ فَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الْقِسْمَةِ فَسَوَّى فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الْمُشْتَرَى وَالْمَوْرُوثِ وَالْفَرْقُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّ الْقِسْمَةَ تَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَوْرُوثِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ وَلَا تَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْبَائِعِ لِعَدَمِ مِلْكِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ.
قَالَ رحمه الله (وَيُقْسَمُ فِي الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى وَدَعْوَى الْمِلْكِ) أَيْ يُقْسَمُ فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى وَفِيمَا إذَا ادَّعَوْا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفِيَّةَ انْتِقَالِهِ إلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَمَّا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى فَلِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَالْفَرْقِ وَأَمَّا فِيمَا إذَا ادَّعَوْا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقِسْمَةِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا بِالْمِلْكِ لِغَيْرِهِمْ فَيَكُونَ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِمْ فَيَجُوزَ وَهَذَا رِوَايَةُ كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَرْضٌ ادَّعَاهَا رَجُلَانِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا وَأَرَادَا الْقِسْمَةَ لَمْ يَقْسِمْهَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِمَا، ثُمَّ قِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إنَّمَا تَكُونُ إمَّا لِحَقِّ الْمِلْكِ تَتْمِيمًا لِلْمَنْفَعَةِ، أَوْ لِحَقِّ الْيَدِ تَتْمِيمًا لِلْحِفْظِ فَالْأَوَّلُ مُمْتَنِعٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالثَّانِي غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِكَوْنِهَا مُحَصَّنَةً بِنَفْسِهَا.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ بَرْهَنَا أَنَّ الْعَقَارَ فِي أَيْدِيهِمَا لَمْ يُقْسَمْ حَتَّى يُبَرْهِنَا أَنَّهُ لَهُمَا) أَيْ لَوْ أَقَامَ رَجُلَانِ بَيِّنَةً أَنَّ الْعَقَارَ فِي أَيْدِيهِمَا وَطَلَبَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَقْسِمَهُ بَيْنَهُمَا لَا يَقْسِمُهُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْعَقَارَ مِلْكُهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ هُوَ لِغَيْرِهِمَا وَهَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِعَيْنِهَا قُبَيْلَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَدَعْوَى الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِيهَا أَنْ يَدَّعُوا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُمْ - وَهُوَ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ - وَشَرَطَ هَهُنَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يَقُولَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَذَا وَفِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ كَذَا؛ لِأَنَّ الصُّوَرَ مُتَّحِدَةٌ غَيْرَ أَنَّ فِيهَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا رَأَيْت، وَفِي مِثْلِهِ تُبَيَّنُ الرِّوَايَتَانِ وَلَا يَذْكُرُونَ كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوهِمُ بِاخْتِلَافِ الصُّوَرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلِيقُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ إلَّا ذِكْرُ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ بَرْهَنَا عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ، وَالدَّارُ فِي أَيْدِيهِمْ وَمَعَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ، أَوْ صَبِيٌّ قُسِمَ وَنُصِبَ وَكِيلٌ أَوْ وَصِيٌّ يَقْبِضُ نَصِيبَهُ) أَيْ وَكِيلٌ يَقْبِضُ نَصِيبَ الْغَائِبِ أَوْ وَصِيٌّ يَقْبِضُ نَصِيبَ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ فِي نَصْبِهِ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ وَالْغَائِبِ وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ بِقَوْلِهِمْ عَلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ هُنَا، وَيُشْهِدُ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِاعْتِرَافِ الْحَاضِرِينَ فَإِنَّ الصَّغِيرَ أَوْ الْغَائِبَ عَلَى حُجَّتِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ كَانُوا مُشْتَرِينَ وَغَابَ أَحَدُهُمْ، أَوْ كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ أَوْ حَضَرَ وَارِثٌ وَاحِدٌ لَمْ يُقْسَمْ) أَيْ لَمْ يُقْسَمْ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ مَعَ غَيْبَةِ بَعْضِهِمْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا أَمَّا إذَا كَانُوا مُشْتَرِينَ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ مِلْكٌ جَدِيدٌ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِ بَائِعِهِ فَلَا يَصْلُحُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِهِ مِلْكُ خِلَافَةٍ حَتَّى يُرَدَّ بِالْعَيْبِ فِيمَا اشْتَرَاهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيُقْسَمُ فِي الْمَنْقُولِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقْسِمَهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَقَارِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرَى) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ اشْتَرَوْهُ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ أَيْضًا قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ هَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَيْسَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فِيهِ حَقٌّ مُلِّكَ فَقُسِمَ بِقَوْلِهِمْ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُمْ اعْتَرَفُوا بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ وَادَّعَوْا انْتِقَالَهُ إلَيْهِمْ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَمَا لَوْ ادَّعَوْا الْمِيرَاثَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قِسْمَةَ الْمِيرَاثِ تَقْتَضِي الْحُكْمَ بِالْمَوْتِ وَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حُلُولُ الدَّيْنِ وَعِتْقُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْمُدَبَّرِينَ وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِقَوْلِ الْوَارِثِ فَلِهَذَا لَمْ يُحْكَمْ فِي الْمِيرَاثِ بِقَوْلِهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشِّرَاءُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ) يَعْنِي لَمْ يُذْكَرْ سَبَبُ الِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ مِنْ الشِّرَاءِ وَالْإِرْثِ وَغَيْرِهِمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَهُ فَقُبِلَ قَوْلُهُمْ فِي الْقِسْمَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا رِوَايَةُ كِتَابِ الْقِسْمَةِ) أَيْ مِنْ الْمَبْسُوطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ هُوَ إلَخْ) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَمْ يَقْسِمْهَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً لَا قَوْلُهُ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمِيرَاثِ لَا يُقْسَمُ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ وَهَذَا الْعَقَارُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا وَغَيْرَ مَوْرُوثٍ فَلَا يُقْسَمُ احْتِيَاطًا وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ فِي الْمَوْرُوثِ بِدُونِ الْبَيِّنَةِ فَهَهُنَا أَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ بَرْهَنَا عَلَى الْمَوْتِ إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّارُ فِي يَدِ الْغَائِبِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهَا فَإِذَا كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لَمْ يَقْسِمْهَا وَسَيَجِيءُ بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
الْمُوَرِّثُ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ فِيمَا بَاعَهُ هُوَ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوَرِّثِ فَانْتَصَبَ أَحَدُهُمَا خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا فِي يَدِهِ وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَتْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً بِحَضْرَةِ الْمُتَخَاصِمِينَ وَصَحَّ الْقَضَاءُ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَفِي الشِّرَاءِ قَامَتْ عَلَى خَصْمٍ غَائِبٍ فَلَا تُقْبَلُ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ الْغَائِبِ فَلِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بِإِخْرَاجِ الشَّيْءِ مِنْ يَدِهِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُ وَكَذَا إذَا كَانَ بَعْضُهُ فِي يَدِهِ وَالْبَاقِي فِي يَدِ الْحَاضِرِ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي يَدِ مُودَعِهِ أَوْ فِي يَدِ الصَّغِيرِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ، أَوْ عَلَى الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَمِينَ أَوْ الصَّغِيرَ لَيْسَ بِخَصْمٍ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَيْنَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِهَا فِي الصَّحِيحِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ يُقْسَمُ إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُونَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ لِإِثْبَاتِ وِلَايَةِ الْقَاضِي فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ فَتُقْبَلُ وَلِأَنَّ الْوَرَثَةَ يَنْتَصِبُونَ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَيَنْتَصِبُ بَعْضُهُمْ خَصْمًا عَنْ بَعْضٍ
وَقَلَّمَا يَكُونُ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ حُضُورًا فَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ لَتَضَرَّرُوا وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَجَوَابُهُ مَا بَيَّنَّا وَأَمَّا إذَا حَضَرَ وَارِثٌ وَاحِدٌ فَلِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُخَاصِمًا وَمُخَاصَمًا فَكَذَا لَا يَصْلُحُ مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ شَخْصَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ بِخَصْمٍ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ خَصْمًا عَنْهُمَا فَلَيْسَ أَحَدٌ يُخَاصِمُهُ عَنْ نَفْسِهِ لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فَتَعَذَّرَ الْحُكْمُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ اثْنَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّ الْقَاضِيَ يُنْصَبُ عَنْ الْغَائِبِ خَصْمًا وَيَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَيَقْسِمُ الدَّارَ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ التَّرِكَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُبْقَاةً عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ صَارَتْ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي نَصِيبِهِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ طَالِبًا لِلِارْتِفَاقِ فِي نَصِيبِهِ فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُ وَلَئِنْ جَازَ لِلْقَاضِي نَصْبُ الْوَصِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ دَعْوَى عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ لَهُ نَصْبُ الْوَصِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ دَعْوَى عَلَى شُرَكَائِهِ الْغُيَّبِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ نَصْبُ الْوَصِيِّ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى أَجْنَبِيٌّ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ نَصْبُ الْوَصِيِّ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ الْأَوْصِيَاءَ عَنْ الْمَوْتَى لَا عَنْ الْأَحْيَاءِ
وَإِذَا تَعَذَّرَ نَصْبُ الْوَصِيِّ وَالْوَاحِدُ لَا يَصْلُحُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ سَائِرِ الشُّرَكَاءِ وَأَنْ يَكُونَ مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ تَعَذَّرَ قَبُولُ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ وَلَوْ كَانَ الْحَاضِرُ صَغِيرًا وَكَبِيرًا نَصَبَ الْقَاضِي عَنْ الصَّغِيرِ وَصِيًّا وَقَسَمَ إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ الدَّعْوَى عَلَى الصَّبِيِّ الْحَاضِرِ صَحِيحَةٌ كَالْكَبِيرِ الْحَاضِرِ إلَّا أَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْجَوَابِ فَيَنْصِبُ الْقَاضِي عَنْهُ وَصِيًّا لِيُجِيبَ عَنْهُ خَصْمَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الصَّغِيرُ غَائِبًا لِأَنَّ الدَّعْوَى عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ كَالْكَبِيرِ الْغَائِبِ وَكَذَا إذَا حَضَرَ وَارِثٌ كَبِيرٌ وَمُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ فِي الدَّارِ وَطَلَبَا الْقِسْمَةَ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ يُقْسَمُ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكٌ فِي الدَّارِ فَصَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ فَانْتَصَبَ هُوَ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ، وَالْوَارِثُ عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَضَرَ وَارِثَانِ وَلَوْ حَضَرَ الْمُوصَى لَهُ وَحْدَهُ وَادَّعَى لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ وَلَا يُقْسَمُ لِعَدَمِ الْخَصْمِ عَنْ الْمَيِّتِ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَقُسِمَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ لَوْ انْتَفَعَ كُلٌّ بِنَصِيبِهِ) لِأَنَّ فِيهَا تَكْمِيلَ الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ حَقًّا لَهُمْ فَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي إجَابَتُهُمْ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ تَضَرَّرَ الْكُلُّ لَمْ يُقْسَمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ) وَذَلِكَ مِثْلُ الْبِئْرِ وَالرَّحَا وَالْحَائِطِ وَالْحَمَّامِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَفِي هَذَا تَفْوِيتُهَا فَيَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ وَهَذَا لِأَنَّ الطَّالِبَ لِلْقِسْمَةِ مُتَعَنِّتٌ وَهُوَ يُرِيدُ إدْخَالَ الضَّرَرِ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ ذَلِكَ فَلَا يُجِيبُهُ الْحَاكِمُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ بَلْ بِمَا يَضُرُّ وَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَهُمْ أَعْرَفُ بِحَاجَتِهِمْ وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُبَاشِرُ ذَلِكَ، وَإِنْ طَلَبُوا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَشْتَغِلُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ إضْرَارٌ أَوْ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْنَعُ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ فِي الْحُكْمِ وَهَذَا مِنْ جُمْلَتِهِ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ انْتَفَعَ الْبَعْضُ وَتَضَرَّرَ الْبَعْضُ لِقِلَّةِ حَظِّهِ قُسِمَ بِطَلَبِ ذِي الْكَثِيرِ فَقَطْ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْفَصْلِ) أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِ الْوَارِثِ. (قَوْلُهُ: إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُونَ الْبَيِّنَةَ إلَخْ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ الْغَائِبِ أَوْ فِي يَدِ الصَّغِيرِ أَوْ فِي أَيْدِيهِمَا مِنْهَا شَيْءٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْسَمُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِيرَاثِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. غَايَةٌ.
أَيْ صَاحِبِ الْكَثِيرِ كَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ رحمه الله وَوَجْهُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْكَثِيرِ يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ وَيَمْنَعَ غَيْرَهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ
وَهَذَا مِنْهُ طَلَبُ الْحَقِّ وَالْإِنْصَافِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجِيبَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ لِإِيصَالِ الْحُقُوقِ إلَى أَهْلِهَا وَدَفْعِ الْمَظَالِمِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَضَرُّرُ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ لَحِقَهُ بِالْمَنْعِ ضَرَرٌ وَلَوْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ لَا يُجِيبُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ فِي طَلَبِ الضَّرَرِ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَشْتَغِلُ بِمَا لَا يُفِيدُ وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ عَلَى عَكْسِهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَثِيرِ يُرِيدُ الْإِضْرَارَ بِغَيْرِهِ، وَالْآخَرَ رَاضٍ بِضَرَرِ نَفْسِهِ فَيُجِيبُهُ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّ أَيَّهُمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ إنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ الْقِسْمَةَ فَقَدْ رَضِيَ بِضَرَرِ نَفْسِهِ، وَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُ الْكَثِيرِ فَقَدْ طَلَبَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَصِيبِهِ فَيُجِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَجِبُ عَلَيْهِ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَفِي طَلَبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ ذَلِكَ
وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُجِيبَهُمْ إلَى إضْرَارِ أَنْفُسِهِمْ، وَفِي طَلَبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ ذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَقْسِمُ بِطَلَبِ الْبَعْضِ إلَّا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ وَتَحْصِيلُهَا لَا تَفْوِيتُهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا الْمُعَادَلَةُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَإِذَا أَدَّتْ الْقِسْمَةُ إلَى الْإِضْرَارِ بِالْبَعْضِ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوعَةً لِأَنَّهَا تَقَعُ عَلَى ضَرَرٍ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ كُلُّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ وَكَمَا إذَا طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ قُلْنَا إنَّ طَالِبَ الْقِسْمَةِ يَطْلُبُ حَقَّهُ وَأَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِهِ وَيُمْنَعَ غَيْرُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إيصَالُ حَقِّهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالضَّرَرُ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِمَنْعِ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا يُعَدُّ ضَرَرًا فَلَا يُبَالَى بِهِ وَلَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِالْعَدْلِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الضَّرَرِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ الْحُكْمِ بِالْعَدْلِ لَمَا وَصَلَ أَحَدٌ إلَى حَقِّهِ.
قَالَ رحمه الله (وَيُقْسَمُ الْعُرُوض مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْمَالِيَّةِ مُمْكِنٌ عَنْ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ فِيهِ فَيَقَعُ تَمْيِيزًا فَيَمْلِكُ الْقَاضِي الْإِجْبَارَ عَلَيْهَا قَالَ رحمه الله (وَلَا يُقْسَمُ جِنْسَانِ وَالْجَوَاهِرُ وَالرَّقِيقُ وَالْحَمَّامُ وَالْبِئْرُ وَالرَّحَا إلَّا بِرِضَاهُمْ) أَمَّا الْجِنْسَانِ فَلِعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ بَيْنَهُمَا فَلَا تَقَعُ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزًا بَلْ تَقَعُ مُعَاوَضَةً فَيُعْتَمَدُ التَّرَاضِي دُونَ جَبْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ إجْبَارَهُ عَلَيْهَا عَلَى اعْتِبَارِ التَّمْيِيزِ وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ فَلِأَنَّ جَهَالَتَهَا مُتَفَاحِشَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا يَصْلُحُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مِنْهَا عِوَضًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَقِيلَ لَا تُقْسَمُ الْكِبَارُ مِنْهَا لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ وَتُقْسَمُ الصِّغَارُ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ وَقِيلَ إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُهَا لَا تُقْسَمُ، وَإِنْ اتَّحَدَ تُقْسَمُ كَسَائِرِ الْأَجْنَاسِ.
وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَجُوزُ قِسْمَةُ الرَّقِيقِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَا يَمْنَعُ الْقِسْمَةَ كَمَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَلِهَذَا يُقْسَمُ الرَّقِيقُ فِي الْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَصَحَّ تَسْمِيَتُهُ فِي النِّكَاحِ مَهْرًا وَنَحْوَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الرَّقِيقِ فَاحِشٌ لِتَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَالذِّهْنِ وَالْكِيَاسَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعَبِيدِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْأَمَانَةِ وَيُعْتَمَدُ عَلَى كَلَامِهِ وَيُحْسِنُ التِّجَارَةَ وَغَيْرَهَا مِنْ الصَّنَائِعِ كَالْكِتَابَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْهَا فَلَا يُمْكِنُ جَمْعُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَاحِدٍ فَتَعَذَّرَ الْإِفْرَازُ وَالتَّمْيِيزُ فَلَا تَكُونُ قِسْمَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ مُبَادَلَةٌ وَلَا جَبْرَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا لَا يَخْتَلِفُ إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا وَذَلِكَ مُغْتَفَرٌ فِي الْقِسْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَمِنْ الْحَيَوَانِ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدَيْنِ وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرُ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَتَبَيَّنْ الرِّبْحُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: كَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ) يَعْنِي فِي أَدَبِ الْقَاضِي اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَصَحُّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ الْأَوَّلُ أَيْ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ هُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ إلَّا إذَا طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ لَا عَنْ تَعَنُّتٍ، وَالتَّعَنُّتُ طَلَبُ الْعَنَتِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ، وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَبْلَ هَذَا مَا نَصُّهُ: وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ طَلَبَا الْقِسْمَةَ جَمِيعًا وَتَرَاضَيَا بِذَلِكَ وَلَيْسَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْسِمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُمَا وَقَدْ تَرَاضَيَا بِهَذَا الضَّرَرِ، وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ لَمْ يَقْسِمْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الطَّالِبَ مُتَعَنِّتٌ مُضِرٌّ بِالْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ يَدْخُلُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَ نَصِيبُهُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَنَصِيبُ الْآخَرِ كَثِيرٌ يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَطَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ فَالْقَاضِي يَقْسِمُ، وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ وَأَبَى الْآخَرُ لَا يَقْسِمُ هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ يَعْنِي فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ عَلَى عَكْسِ هَذَا وَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ أَصَحُّ وَذَكَرَ فِي قِسْمَةِ الْوَاقِعَاتِ: دَارٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لِأَحَدِهِمَا كَثِيرٌ وَالْآخَرِ قَلِيلٌ لَا يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ الْقِسْمَةَ وَأَبَى صَاحِبُ الْقَلِيلِ قُسِمَتْ الدَّارُ بَيْنَهُمَا بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ وَأَبَى صَاحِبُ الْكَثِيرِ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا يُقْسَمُ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَجَعَلَ هَذَا قَوْلَ أَصْحَابِنَا وَبِهِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ
وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ يُقْسَمُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي، إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِ الْحَاكِمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا أَمْنَعُ الْقِسْمَةَ إذَا كَانَ الضَّرَرُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ قَسَمْته أَيُّهُمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ. اهـ. غَايَةٌ.
وَلَوْ كَانَ الرَّقِيقُ كَالْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَتَبَيَّنَ كَالثَّوْبَيْنِ وَالْفَرَسَيْنِ. وَقِسْمَةُ الْغَنَائِمِ تَجْرِي فِي الْأَجْنَاسِ فَلَا تَلْزَمُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبِيعَ الْغَنَائِمَ وَيَقْسِمَ الثَّمَنَ بَيْنَهُمْ وَفِي غَيْرِ الْغَنَائِمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِلْكَ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَامْتَنَعَ الْقِسْمَةُ فِيهِ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةٌ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّقِيقُ وَحْدَهُمْ وَلَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ الْعُرُوضِ وَهُمْ ذُكُورٌ فَقَطْ أَوْ إنَاثٌ فَقَطْ وَأَمَّا إذَا كَانُوا مُخْتَلِطِينَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لَا يُقْسَمْ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ عَلَى مَا عُرِفَ وَلَا يُقْسَمُ الْجِنْسَانِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الرَّقِيقِ شَيْءٌ آخَرُ مِمَّا يُقْسَمُ جَازَتْ الْقِسْمَةُ فِي الرَّقِيقِ تَبَعًا لِغَيْرِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ وَيُجْبِرُهُمْ الْقَاضِي بِطَلَبِ الْبَعْضِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَدْخُلُ تَبَعًا، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ دُخُولُهُ قَصْدًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ تَبَعًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَحْدَهُ وَأَمَّا الْحَمَّامُ وَالْبِئْرُ وَالرَّحَا فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إلْحَاقِ الْإِضْرَارِ بِالْكُلِّ.
قَالَ رحمه الله (دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ، أَوْ دَارٌ وَضِيعَةٌ، أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ قُسِمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ) أَمَّا الدُّورُ الْمُشْتَرَكَةُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تُقْسَمُ الدُّورُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ إذَا كَانَتْ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ وَكَانَتْ الْقِسْمَةُ أَصْلَحَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الدُّورَ جِنْسٌ وَاحِدٌ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَأَصْلُ السُّكْنَى أَجْنَاسٌ نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَتَفَاوُتِ مَنْفَعَةِ السُّكْنَى بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ فَكَانَ مُفَوَّضًا إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَهَذَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْقِسْمَةِ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ وَالْمُعَادَلَةِ فِيهَا وَفِي الْمَالِيَّةِ، وَالْمَقْصُودُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الشُّرَكَاءِ، وَإِذَا قُسِمَ كُلُّ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ رُبَّمَا يَتَضَرَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِتَفَرُّقِ نَصِيبِهِ، وَإِذَا قُسِمَ الْكُلُّ قِسْمَةً وَاحِدَةً يَجْتَمِعُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَيَنْتَفِعُ بِذَلِكَ وَالْقَاضِي نُصِبَ نَاظِرًا فَكَانَ الرَّأْيُ إلَيْهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الدُّورَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ وَالْجِيرَانِ وَالْقُرْبِ إلَى الْمَسْجِدِ وَالْمَاءِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ فِي الْقِسْمَةِ فَلَا يَجُوزُ جَمْعُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي دَارٍ إلَّا بِالتَّرَاضِي أَلَا تَرَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِشِرَاءِ دَارٍ لَا يَجُوزُ وَكَذَا التَّزَوُّجُ بِهَا كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ وَفِي التَّزَوُّجِ عَلَى ثَوْبٍ وَهَذَا يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ لِامْتِنَاعِ الْقِسْمَةِ.
وَلَا تَجُوزُ إلَّا فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ فَيُقْسَمُ كُلُّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ وَمَعْدُودٍ مُتَقَارِبٍ كَالْقَمْحِ يُقْسَمُ بِانْفِرَادِهِ وَكَذَا الشَّعِيرُ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْقِسْمَةِ إلَّا بِتَرَاضِيهِمْ وَكَذَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ يُقْسَمُ كُلُّ جِنْسٍ مِنْهُ بِانْفِرَادِهِ وَلَا يُجْمَعُ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا الثِّيَابُ الْهَرَوِيَّةُ وَالْمَرْوِيَّةُ وَتِبْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالْأَوَانِي مِنْهَا يُقْسَمُ كُلُّ جِنْسٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ لِمَا ذَكَرْنَا وَاخْتِلَافُ بُيُوتِ دَارٍ وَاحِدَةٍ لَا يَمْنَعُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّ فِي قِسْمَةِ كُلِّ بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ ضَرَرًا وَكَذَا إذَا كَانَتْ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ مَحَالَّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الضَّرَرِ، وَالتَّفَاوُتُ أَيْضًا يَسِيرٌ بِخِلَافِ الدُّورِ وَالْمَنَازِلِ الْمُتَلَازِقَةِ كَالْبُيُوتِ وَالْمُتَبَايِنَةِ كَالدُّورِ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبَيْتِ فَأَخَذَ شَبَهًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالدُّورُ فِي مِصْرَيْنِ لَا تُقْسَمُ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا رَوَاهُ هِلَالٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهَا تُقْسَمُ وَأَمَّا الدُّورُ وَالضَّيْعَةُ أَوْ الدُّورُ وَالْحَانُوتُ فَلِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ رحمه الله وَقَالَ فِي إجَارَةِ الْأَصْلِ إنَّ إجَارَةَ الدَّارِ بِمَنَافِعِ الْحَانُوتِ لَا تَجُوزُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، أَوْ تُبْنَى حُرْمَةُ الرِّبَا فِيهَا عَلَى شُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَيُصَوِّرُ الْقَاسِمُ مَا يَقْسِمُهُ) أَيْ عَلَى قِرْطَاسٍ لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ قَالَ رحمه الله (وَيَعْدِلُهُ) أَيْ يُسَوِّيهِ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ، وَيُرْوَى وَيَعْزِلُهُ أَيْ يَقْطَعُهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ رحمه الله (وَيَذْرَعُهُ وَيُقَوِّمُ الْبِنَاءَ)؛ لِأَنَّ قَدْرَ الْمِسَاحَةِ يُعْرَفُ بِالذَّرْعِ، وَالْمَالِيَّةِ بِالتَّقْوِيمِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِمَا لِيُمْكِنَهُ التَّسْوِيَةُ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْوِيمِ الْأَرْضِ وَذَرْعِ الْبِنَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ رحمه الله (وَيُفْرِزُ كُلَّ نَصِيبٍ بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَبِهِ تَكْمُلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُفْرِزْ يَبْقَى لِنَصِيبِ بَعْضِهِمْ تَعَلُّقٌ بِنَصِيبِ الْآخَرِ فَلَمْ يَحْصُلُ الِانْفِصَالُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ فَإِنْ لَمْ يُفْرِزْهُ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْ جَازَ قَالَ رحمه الله (وَيُلَقِّبُ الْأَنْصِبَاءَ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: أَوْ إنَاثٌ فَقَطْ) فَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا لَا يُقْسَمُ فِي قَوْلِهِمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ اهـ قَاضِيخَانْ.
(قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ) قَالَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي إنْ كَانَتْ دَارٌ وَأَرْضٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ لَمْ يُجْمَعْ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فِي أَحَدِ الصِّنْفَيْنِ وَقُسِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ عَلَى حِدَتِهِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْخَصَّافِ رحمه الله وَإِنَّمَا خُصَّ الْخَصَّافُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَمْ تُذْكَرْ فِي كُتُبِ مُحَمَّدٍ وَلَا ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرَيْهِمَا. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ) أَيْ فَإِذَا كَانَا جِنْسًا وَاحِدًا يُقْسَمَانِ قِسْمَةً وَاحِدَةً.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَيُلَقِّبُ الْأَنْصِبَاءَ بِالْأَوَّلِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ حَافِظُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ مُؤَلِّفُ الْمَتْنِ رحمه الله فِي شَرْحِ النَّافِعِ الْمُسَمَّى بِالْمُسْتَصْفَى مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الدِّينِ الْكَرْدَرِيُّ صُورَتُهُ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ نِصْفٌ وَلِلْآخَرِ ثُلُثٌ وَلِلثَّالِثِ سُدُسٌ يُلَقِّبُ النِّصْفَ بِالْأَوَّلِ وَالثُّلُثَ بِالثَّانِي وَالسُّدُسَ بِالثَّالِثِ فَإِنْ خَرَجَ السُّدُسُ أَوَّلًا يُدْفَعُ مِنْ السَّهْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ النِّصْفُ فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَهُ النِّصْفُ يُضَمُّ إلَى مَا يَلِيهِ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ النِّصْفُ وَيُدْفَعَ إلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ وَثُمَّ إلَخْ اهـ فَقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا خَرَجَ أَوَّلًا اسْمُ صَاحِبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ النِّصْفُ فِي هَذَا الْمِثَالِ أَمَّا إذَا خَرَجَ أَوَّلًا اسْمُ صَاحِبِ الثَّانِي وَهُوَ الثُّلُثُ أَوْ الثَّالِثِ وَهُوَ السُّدُسُ فَلَيْسَ لَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ بَلْ لَهُ مِنْ السَّهْمِ الْأَوَّلِ لَا كُلُّهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَتَنَبَّهْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ.
وَالثَّالِثِ وَيَكْتُبُ أَسَامِيَهُمْ وَيُقْرِعُ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ وَمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّانِي)
فَالْقُرْعَةُ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِمْ حَتَّى لَوْ قَسَمَ الْإِمَامُ بِلَا قُرْعَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ فَيَمْلِكُ الْإِلْزَامَ، وَلَقَّبَ الْأَنْصِبَاءَ لَيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِلْزَامِ عِنْدَ خُرُوجِ قُرْعَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَقَلِّ الْأَنْصِبَاءِ فَيُقَدِّرَ بِهِ أَجْزَاءَ السِّهَامِ حَتَّى إذَا كَانَ الْعَقَارُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَلِلْآخَرِ السُّدُسُ جَعَلَهُ أَسْدَاسًا لِأَنَّهُ أَقَلُّ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةُ أَسْدَاسٍ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سُدُسَانِ وَلِلثَّالِثِ السُّدُسُ يُلَقِّبُ النَّصِيبَ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ شَاءَ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ بِالثَّانِي ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ بِالثَّالِثِ، ثُمَّ يَكْتُبُ أَسَامِيَ الشُّرَكَاءِ بِبِطَاقَاتٍ فَيَطْوِي كُلَّ بِطَاقَةٍ وَيَجْعَلُهَا شِبْهَ الْبُنْدُقَةِ وَيُدْخِلُهَا فِي طِينٍ ثُمَّ يُخْرِجُهَا حَتَّى إذَا نَشِفَتْ وَهِيَ مِثْلُ الْبُنْدُقَةِ يَدْلُكُهَا ثُمَّ يَجْعَلُهَا فِي وِعَاءٍ أَوْ كُمِّهِ، ثُمَّ يُخْرِجُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ وَمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّانِي إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْأَخِيرِ فَإِنْ خَرَجَ أَوَّلًا فِي الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ اسْمُ صَاحِبِ النِّصْفِ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْدَاسٍ مِنْ الْجَانِبِ الْمُلَقَّبِ بِالْأَوَّلِ
وَإِنْ خَرَجَ ثَانِيًا كَانَ لَهُ كَذَلِكَ مِنْ الَّذِي يَلِي الْأَوَّلَ، وَإِنْ خَرَجَ ثَالِثًا كَانَ لَهُ كَذَلِكَ مِنْ الَّذِي يَلِي الثَّانِيَ وَعَلَى هَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا يُقَالُ: تَعْلِيقُ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْقُرْعَةِ قِمَارٌ، وَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَحْصُلُ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْقُرْعَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَهُ وَكَانَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ إلْزَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ النَّصِيبَ، وَإِنَّمَا صَيَّرَ إلَيْهِ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِمْ وَهَذَا لَيْسَ بِقِمَارٍ، وَإِنَّمَا الْقِمَارُ عَلَى زَعْمِهِمْ اسْمٌ لِمَا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَبْلُ لَا مِثْلُ هَذِهِ فَإِنَّ هَذِهِ مَشْرُوعَةٌ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يُونُسَ وَزَكَرِيَّا - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْقِمَارُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا تَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ الدَّرَاهِمُ إلَّا بِرِضَاهُمْ)؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ فِيهَا وَيَفُوتُ بِهِ التَّعْدِيلُ أَيْضًا فِي الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَصِلُ إلَى عَيْنِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي الْحَالِ، وَدَرَاهِمُ الْآخَرِ فِي الذِّمَّةِ فَيُخْشَى عَلَيْهَا التَّوَى وَلِأَنَّ الْجِنْسَيْنِ الْمُشْتَرَكَيْنِ لَا يُقْسَمُ فَمَا ظَنُّك عِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِرَاكِ.
وَإِذَا كَانَ أَرْضٌ وَبِنَاءٌ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ يُقْسَمُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّعْدِيلِ فِيهِ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ؛ لِأَنَّ تَعْدِيلَ الْبِنَاءِ لَا يُمْكِنُ بِالْمِسَاحَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْأَرْضَ تُقْسَمُ بِالْمِسَاحَةِ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْمَمْسُوحَاتِ ثُمَّ يَرُدُّ مَنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ الْبِنَاءُ أَوْ مَنْ كَانَ نَصِيبُهُ أَجْوَدَ دَرَاهِمَ عَلَى الْآخَرِ حَتَّى يُسَاوِيَهُ فَتَدْخُلَ الدَّرَاهِمُ فِي الْقِسْمَةِ ضَرُورَةً كَالْأَخِ لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْمَالِ، ثُمَّ يَمْلِكُ تَسْمِيَةَ الصَّدَاقِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ التَّزْوِيجِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى شَرِيكِهِ بِمُقَابَلَةِ الْبِنَاءِ مَا يُسَاوِيهِ مِنْ الْعَرْصَةِ فَإِذَا بَقِيَ فَضْلٌ وَلَمْ يُمْكِنْ تَحْقِيقُ التَّسْوِيَةِ بِأَنْ لَمْ تَفِ الْعَرْصَةُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ فَحِينَئِذٍ يَرُدُّ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِي هَذَا الْقَدْرِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ وَهُوَ الْقِسْمَةُ بِالْمِسَاحَةِ إلَّا بِالضَّرُورَةِ وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ الْأَصْلِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ قَسَمَ وَلِأَحَدِهِمْ مَسِيلٌ أَوْ طَرِيقٌ فِي مِلْكِ الْآخَرِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْقِسْمَةِ صَرْفٌ عَنْهُ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فُسِخَتْ الْقِسْمَةُ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْقِسْمَةِ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ بِاخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنْهُمْ بِنَصِيبِهِ وَقَطْعِ أَسْبَابِ تَعَلُّقِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَصِيبِ غَيْرِهِ فَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُهُ حَصَلَ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ مُخْتَلَّةً فَتَعَيَّنَ الْفَسْخُ وَالِاسْتِئْنَافُ لِنَفْيِ ضَرَرِ الِاخْتِلَاطِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَيْثُ لَا يُفْسَخُ وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُشْتَرِي مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ، أَوْ مِنْ تَسْيِيلِ الْمَاءِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ تَمَلُّكُ الْعَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِانْتِفَاعُ فِي الْحَالِ وَلَا كَذَلِكَ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّهَا لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِهِمَا وَلَوْ ذَكَرَ الْحُقُوقَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا إذَا أَمْكَنَ صَرْفُهُ عَنْ الْآخَرِ بِأَنْ قَالَ هَذَا لَك بِحُقُوقِهِ كَانَ الْجَوَابُ فِيهِ مِثْلَ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهِ فَيُصْرَفُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِلتَّمْيِيزِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَتَعَلَّقَ حَقُّ بَعْضِهِمْ بِنَصِيبِ غَيْرِهِ وَقَدْ أَمْكَنَ تَحْقِيقُهُ بِصَرْفِهِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَيُصْرَفُ عَنْهُ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ خُذْ هَذَا بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ وَمَسِيلِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يُصْرَفُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أُثْبِتَ لَهُ بِأَبْلَغِ وُجُوهِ الْإِثْبَاتِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ إذَا ذَكَرَ فِيهِ الْحُقُوقَ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهِ مَا كَانَ مِنْ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ مَعَ بَقَاءِ هَذَا التَّعَلُّقِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنُ صَرْفُ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ عَنْهُ يَدْخُلُ الطَّرِيقُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْسَمُ) أَيْ كُلُّ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَرُدُّ مَنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ الْبِنَاءُ) أَيْ دَرَاهِمَ عَلَى الْآخَرِ بِقَدْرِ فَضْلِ الْبِنَاءِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْ الْعَرْصَةِ غَالِبًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَنْ كَانَ نَصِيبُهُ أَجْوَدَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الَّذِي أَصَابَهُ الْبِنَاءُ أَوْ أَصَابَهُ الْعَرْصَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي الْمَالِ) أَيْ مَالِ الْيَتِيمِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِانْتِفَاعُ فِي الْحَالِ) أَيْ كَمَنْ اشْتَرَى جَحْشًا أَوْ مُهْرًا صَغِيرًا أَوْ أَرْضًا سَبِخَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ اهـ.
وَالْمَسِيلُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ بِالطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ فَيَدْخُلُ عِنْدَ التَّنْصِيصِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَكْمِيلُ وَفِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَذَلِكَ بِانْقِطَاعِ التَّعَلُّقِ فَبِاعْتِبَارِهِ لَا يَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهَا بِدُونِ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْمَقْصُودِ فِيهَا الِانْتِفَاعُ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِدُخُولِ الْحُقُوقِ فَيَدْخُلُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ.
وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي إدْخَالِ الطَّرِيقِ فِي الْقِسْمَةِ بِأَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُقْسَمُ الطَّرِيقُ بَلْ يَبْقَى مُشْتَرَكًا مِثْلَ مَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ نَظَرَ فِيهِ الْحَاكِمُ فَإِنْ كَانَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يَفْتَحَ كُلٌّ فِي نَصِيبِهِ قَسَمَ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ يُرْفَعُ لِجَمَاعَتِهِمْ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ وَتَحْقِيقًا لِلْإِفْرَازِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِيمُ ذَلِكَ رَفَعَ طَرِيقًا بَيْنَ جَمَاعَتِهِمْ لِيَتَحَقَّقَ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا وَرَاءَ الطَّرِيقِ وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ عَرْضِهِ يُجْعَلُ عَلَى قَدْرِ عَرْضِ بَابِ الدَّارِ بِطُولِهِ أَيْ ارْتِفَاعِهِ حَتَّى يَخْرُجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَنَاحًا فِي نَصِيبِهِ إنْ كَانَ فَوْقَ الْبَابِ لَا فِيمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ بَابَ الدَّارِ طَرِيقٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ يُرَدُّ إلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ كِفَايَةً فِي الدُّخُولِ فَكَذَا فِي السُّلُوكِ فَيَبْقَى مِلْكُهُمْ فِي الطَّرِيقِ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ مِنْ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ وَقَعَتْ فِيمَا وَرَاءَهُ وَلَمْ تَقَعْ فِيهِ فَبَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ كَمَا كَانَ وَلَوْ شَرَطُوا أَنْ تَكُونَ الطَّرِيقُ فِي الدَّارِ عَلَى التَّفَاوُتِ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ سِهَامُهُمْ فِي الدَّارِ مُتَسَاوِيَةً؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى التَّفَاوُتِ بِالتَّرَاضِي فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ جَائِزَةٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَرْضًا يَرْفَعُ قَدْرَ مَا يَمُرُّ فِيهِ ثَوْرٌ لِوُقُوعِ الْكِفَايَةِ بِهِ فِي الْمُرُورِ.
قَالَ رحمه الله (سُفْلٌ لَهُ عُلُوٌّ وَسُفْلٌ مُجَرَّدٌ وَعُلُوٌّ مُجَرَّدٌ قُوِّمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ وَقُسِمَ بِالْقِيمَةِ) وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يُقْسَمُ بِالذَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالذَّرْعِ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْمَذْرُوعِ وَالْكَلَامُ فِيهِ وَالْمُعْتَبَرُ التَّسْوِيَةُ فِي أَصْلِ السُّكْنَى لَا فِي الْمَرَافِقِ وَلِمُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلُوُّ كَالْبِئْرِ وَالسِّرْدَابِ وَالْإِصْطَبْلِ وَغَيْرِهِ فَصَارَ كَالْجِنْسَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ بِالذَّرْعِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذِرَاعٌ مِنْ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ عُلُوٍّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ قِيلَ أَجَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَجَابَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي اخْتِيَارِ السُّفْلِ عَلَى الْعُلُوِّ وَأَبُو يُوسُفَ أَجَابَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ بَغْدَادَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ فِي مَنْفَعَةِ السُّكْنَى وَمُحَمَّدٌ أَجَابَ عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ اخْتِلَافِ الْعَادَةِ فِي الْبُلْدَانِ وَقِيلَ هُوَ اخْتِلَافُ حُجَّةٍ بَيْنَهُمْ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: لِصَاحِبِ السُّفْلِ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَهِيَ تَبْقَى أَيْضًا بَعْدَ انْهِدَامِ الْعُلُوِّ وَالْعُلُوُّ لَا يَبْقَى بَعْدَ انْهِدَامِ السُّفْلِ فَكَانَتْ مَنْفَعَتُهُ ضِعْفَ الْعُلُوِّ وَلِصَاحِبِ الْعُلُوِّ مَنْفَعَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَنْفَعَةُ السُّكْنَى
وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ هُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الِانْتِفَاعِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ أَنْ يَفْعَلَ مَا لَا يَضُرُّ بِالْآخَرِ حَتَّى كَانَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِصَاحِبِ السُّفْلِ وَلِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَحْفِرَ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِصَاحِبِ الْعُلُوِّ فَاسْتَوَيَا فِي الِانْتِفَاعِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْقِسْمَةِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: الْعُلُوُّ وَالسُّفْلُ بِنَاءٌ، وَالْمُعَادَلَةُ فِي قِسْمَةِ الْبِنَاءِ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ قِيمَةَ الْعُلُوِّ أَكْثَرُ كَمَا فِي مَكَّةَ وَمِصْرَ، وَفِي بَعْضِهَا قِيمَةَ السُّفْلِ أَكْثَرُ كَمَا فِي الْكُوفَةِ وَقِيلَ فِي مَوْضِعٍ تَكْثُرُ النَّدَاوَةُ فِيهِ وَالسَّبَخُ يُخْتَارُ الْعُلُوُّ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَشْتَدُّ الْبَرْدُ وَيَكْثُرُ الرِّيحُ فِيهِ يُخْتَارُ السُّفْلُ وَرُبَّمَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ أَيْضًا بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ كَالصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُعَادَلَةِ فِيهِمَا إلَّا بِالْقِيمَةِ ثُمَّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رحمه الله لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّفْسِيرِ، وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ قَدْرُ ثُلُثِهِ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ لِأَنَّ السُّفْلَ عِنْدَهُ ضِعْفُ الْعُلُوِّ فَيُقَابِلُ السُّفْلُ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ ثُلُثَيْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ فَبَقِيَ الْعُلُوُّ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ يُقَابِلُ الْبَاقِيَ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ وَهُوَ الثُّلُثُ فَاسْتَوَيَا وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ قَدْرُ ثُلُثَيْهِ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ؛ لِأَنَّ السُّفْلَ مِنْهُ مِثْلُ السُّفْلِ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ فَلَا يَتَفَاوَتَانِ فَبَقِيَ الثُّلُثُ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ يُقَابِلُ الْعُلُوَّ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ، وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ قَدْرُ نِصْفِهِ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ لِأَنَّ السُّفْلَ يُقَابِلُ ضِعْفَهُ مِنْ الْعُلُوِّ
وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِيهَا بِدُونِ ذِكْرِهِ) أَيْ ذِكْرِ الْحُقُوقِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: أَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ الْعُلُوِّ) أَيْ بِأَنْ يُجْعَلَ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثَا ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ لِأَنَّ الذِّرَاعَ الْوَاحِدَ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِمُقَابَلَةِ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ فَإِذَا ضُرِبَتْ الثَّلَاثَةُ فِي ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَثُلُثِ ذِرَاعٍ يَكُونُ مِائَةً فَيَسْتَوِي الثَّلَاثَةُ وَالثَّلَاثُونَ وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ مَعَ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَيُقَابِلُ السُّفْلُ) أَيْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثُ ثُلُثَيْ الْعُلُوِّ وَهُوَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَبَقِيَ الْعُلُوُّ مِنْ الْبَيْتِ) أَيْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ اهـ. (قَوْلُهُ: يُقَابِلُ الْبَاقِيَ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ) أَيْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ اهـ. (قَوْلُهُ: فَاسْتَوَيَا إلَخْ) فَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ ذِرَاعًا وَثُلُثَا ذِرَاعٍ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ خَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ اهـ. (قَوْلُهُ: مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ) أَيْ وَهُوَ مِائَةُ ذِرَاعٍ اهـ. (قَوْلُهُ: قَدْرُ ثُلُثَيْهِ) أَيْ وَهُوَ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ السُّفْلَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْكَامِلِ. (قَوْلُهُ: فَبَقِيَ الثُّلُثُ) أَيْ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَفْسِيرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْعُلُوَّ وَالسُّفْلَ سَوَاءً فَيَكُونُ خَمْسُونَ ذِرَاعًا مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ بِمُقَابَلَةِ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ أَوْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ اهـ.
السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ، أَوْ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ قَدْرُ نِصْفِهِ مِنْ الْبَيْتِ الْكَامِلِ فَيُقَابِلُ نِصْفُهُ الْعُلُوُّ نِصْفَهُ الْآخَرَ السُّفْلَ لِاسْتِوَاءِ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ عِنْدَهُ وَيُجْعَلُ بِمُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ السُّفْلِ الْمُجَرَّدِ قَدْرُهُ مِنْ الْعُلُوِّ الْمُجَرَّدِ لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ رحمه الله (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاسِمِينَ إنْ اخْتَلَفُوا) أَيْ إذَا أَنْكَرَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ اسْتِيفَاءَ نَصِيبِهِ فَشَهِدَ الْقَاسِمَانِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله لَا تُقْبَلُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَذَكَرَ الْخَصَّافُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِهِمَا لِمُحَمَّدٍ إنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِهِمَا فَلَا يُقْبَلُ كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ فَشَهِدَ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَهُمَا أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى الِاسْتِيفَاءِ وَالْقَبْضِ وَهُوَ فِعْلُ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمَا التَّمْيِيزُ لَا غَيْرُ وَلَا حَاجَةَ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَلِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَشْهُودًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِالْقَبْضِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ فِعْلُ غَيْرِهِمَا فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ رحمه الله: إذَا قَسَمَا بِأَجْرٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لِأَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ إيفَاءَ عَمَلٍ اُسْتُؤْجِرَا عَلَيْهِ فَكَانَتْ شَهَادَةً صُورَةً وَدَعْوَى مَعْنًى فَلَا تُقْبَلُ، قُلْنَا: هُمَا لَا يَجُرَّانِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ مَغْنَمًا إلَى أَنْفُسِهِمَا؛ لِأَنَّ الْخُصُومَ تُوَافِقُهُمَا عَلَى إيفَائِهِمَا الْعَمَلَ الْمُسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ وَلَوْ شَهِدَ قَاسِمٌ وَاحِدٌ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عَلَى الْغَيْرِ وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي أَمِينَهُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى آخَرَ يُقْبَلُ قَوْلُ الْأَمِينِ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي إلْزَامِ الْآخَرِ إذَا كَانَ مُنْكِرًا.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّ مِنْ نَصِيبِهِ شَيْئًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَقَدْ أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ)؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، وَالْمُدَّعِي لِلْغَلَطِ يَدَّعِي حَقَّ الْفَسْخِ لِنَفْسِهِ بَعْدَ تَمَامِهَا فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً اُسْتُحْلِفَ الشُّرَكَاءُ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ لَزِمَهُمْ فَإِذَا أَنْكَرُوهُ حَلَفُوا عَلَيْهِ وَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَمَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ جَمَعَ نَصِيبَهُ مَعَ نَصِيبِ الْمُدَّعِي فَيُقْسَمُ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ كَإِقْرَارِهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مِنْ بَعْدُ حَيْثُ شَرَطَ لِلتَّحَالُفِ أَنْ لَا يُشْهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَتَحَالَفَانِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ لَمْ تَصِحَّ لِلتَّنَاقُضِ فَإِذَا مُنِعَ التَّحَالُفُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِلتَّنَاقُضِ فَكَذَا هُنَا لِأَنَّهُ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ قَالَ اسْتَوْفَيْت وَأَخَذْت بَعْضَهُ صُدِّقَ خَصْمُهُ بِحَلِفِهِ) أَيْ لَوْ قَالَ اسْتَوْفَيْت حَقِّي وَأَخَذْت بَعْضَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ خَصْمِهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْغَصْبَ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ وَادَّعَى أَنَّ ذَا حَظُّهُ وَلَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ الْقِسْمَةُ) لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيمَا حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ ظَهَرَ غَبْنٌ فَاحِشٌ فِي الْقِسْمَةِ تُفْسَخُ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَظَاهِرٌ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ وَالنَّظَرِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِالتَّرَاضِي فَقَدْ قِيلَ: لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ مَنْ يَدَّعِيهِ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْغَبْنِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي وَقِيلَ تُفْسَخُ هُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا تَصِحُّ هَذِهِ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِمَعْنَى الْبَيْعِ فَلَا تُنْقَضُ لِظُهُورِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فِيهَا كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَإِذَا وَقَعَتْ بِالْقَضَاءِ يَجِبُ نَقْضُهَا بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ فَصَارَ كَبَيْعِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ يُنْقَضُ بِالْغَبْنِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِهِمَا) أَيْ فَكَانَا مُتَّهَمَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ) أَيْ بِكَلَامِ رَجُلَيْنِ فَشَهِدَا أَنَّهُ قَدْ كَلَّمَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَشْهُودًا بِهِ) أَيْ لِأَنَّ فِعْلَ أَنْفُسِهِمَا الَّذِي هُوَ التَّمْيِيزُ لَا يَصْلُحُ مَشْهُودًا بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ) أَيْ لِصِحَّةِ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. (قَوْلُهُ: بِالْإِجْمَاعِ) وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلِذَا أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ. اهـ. عَيْنِيٌّ رحمه الله. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي أَمِينَهُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَى آخَرَ) أَيْ فَقَالَ دَفَعْتُهُ وَأَنْكَرَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ) أَيْ فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ يُقْضَى لَهُ بِتَمَامِ حَقِّهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ دَعْوَاهُ أَصْلًا لِتَنَاقُضِهِ يَعْنِي أَنَّ الْبَيِّنَةَ تَتَرَتَّبُ عَلَى الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ وَالدَّعْوَى لَا تَصِحُّ مَعَ التَّنَاقُضِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ وَاعْتَذَرَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا وَقَالَ التَّنَاقُضُ عَفْوٌ فِي مَوْضِعِ الْخُلَفَاءِ كَالْعَبْدِ يَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ بَعْدَ إقْرَارِهِ أَنَّهُ رَقِيقٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ دَارًا وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَاقْتَسَمَا الدَّارَ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ وَأَشْهَدَا عَلَى الْقِسْمَةِ وَالْقَبْضِ وَالْوَفَاءِ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْتًا فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقِرَّ صَاحِبُهُ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنْ لَا تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالِاسْتِيفَاءِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا إذَا أَشْهَدَا عَلَى الْوَفَاءِ فَقَدْ أَقَرَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ بِجِهَةِ التَّمَامِ فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ لَمْ يُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْبَيْعِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْأَصْلِ: دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا دَعْوَى الْغَلَطِ فِي الْقِسْمَةِ بِأَنْ يَقُولَ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَأَنْتُمْ قَوَّمْتُمُوهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَهَذِهِ الدَّعْوَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ كَدَعْوَى الْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ هَكَذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الشَّافِي قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْبَلْخِيّ: إنَّ هَذَا غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ قِيلَ تُسْمَعُ فَلَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِ الْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ قِيلَ لَا تُسْمَعُ فَلَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ
الْفَاحِشِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تَصِحُّ هَذِهِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ لِتَقَعَ الْقِسْمَةُ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَادَلَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ فَإِذَا ظَهَرَ غَبْنٌ فَاحِشٌ فِي الْقِيمَةِ فَقَدْ فَاتَ شَرْطُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْمُعَادَلَةُ فَيَجِبُ نَقْضُهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى الْمُعَادَلَةِ فِي الْقِيمَةِ وَلَوْ اقْتَسَمَا دَارًا أَوْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةً فَادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْتًا فِي يَدِ الْآخَرِ أَنَّهُ مِمَّا أَصَابَهُ بِالْقِسْمَةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالِاعْتِبَارُ لِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ خَارِجٌ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْإِشْهَادِ عَلَى الْقَبْضِ تَحَالَفَا وَتُفْسَخُ الْقِسْمَةُ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْحُدُودِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْجُزْءِ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ فِيهِ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى، وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُضِيَ لَهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ مِنْ حَظِّهِ رَجَعَ بِقِسْطِهِ فِي حَظِّ شَرِيكِهِ وَلَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ هَكَذَا ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ فِي الْأَسْرَارِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ الِاخْتِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الشَّائِعِ وَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ لَا يُفْسَخُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ يُفْسَخُ بِالْإِجْمَاعِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا حَكَاهُ أَبُو حَفْصٍ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا حَكَاهُ أَبُو سُلَيْمَانَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ شَرِيكٌ آخَرُ وَالْقِسْمَةُ بِدُونِهِ لَا تَصِحُّ فَصَارَ كَمَا إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ يُحَقِّقُهُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ جُزْءٍ شَائِعٍ يَنْعَدِمُ بِهِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْإِفْرَازُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِحِصَّتِهِ فِي نَصِيبِ غَيْرِهِ شَائِعًا كَاسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ شَائِعًا بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَ الْمُسْتَحَقِّ بَقِيَ مُفْرَزًا عَلَى حَالِهِ لَيْسَ لِلْغَيْرِ فِيهِ حَقٌّ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْقِسْمَةِ التَّمْيِيزُ وَالْإِفْرَازُ وَلَا يَنْعَدِمُ بِاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ نَصِيبِ الْوَاحِدِ وَلِهَذَا جَازَتْ الْقِسْمَةُ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِأَنْ كَانَ الْبَعْضُ الْمُقَدَّمُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ وَالْبَعْضُ الْمُؤَخَّرُ بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ فَاقْتَسَمَ الِاثْنَانِ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مَا لَهُمَا مِنْ الْمُقَدَّمِ وَلِلْآخَرِ الْمُؤَخَّرُ أَوْ اقْتَسَمَاهُ عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا مَا لَهُمَا مِنْ الْمُقَدَّمِ وَبَعْضُ الْمُؤَخَّرِ مُفْرَزًا يَجُوزُ فَكَذَا هَذَا وَصَارَ كَاسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ الشَّائِعِ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَالتَّمْيِيزِ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَعَ بَقَاءِ نَصِيبِ الْبَعْضِ فِي الْكُلِّ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ ابْتِدَاءً عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَكَذَا بَقَاءً؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ لَتَضَرَّرَ الْمُسْتَحِقُّ بِتَفَرُّقِ نَصِيبِهِ فِي الْأَنْصِبَاءِ وَلَا ضَرَرَ بِالْمُسْتَحِقِّ هُنَا فَوَضَحَ الْفَرْقُ فَإِذَا لَمْ تَبْطُلْ الْقِسْمَةُ يَرْجِعُ بِحِسَابِهِ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ كُلُّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الشُّرَكَاءِ فَكَذَا إذَا اُسْتُحِقَّ الْبَعْضُ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ إنْ شَاءَ دَفْعًا لِعَيْبِ التَّشْقِيصِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ عَلَى الشُّرَكَاءِ بِحِسَابِهِ يَتَفَرَّقُ نَصِيبُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ وَلَوْ بَاعَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ نَصِيبِهِ شَائِعًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ مَا بَقِيَ شَائِعًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الشُّرَكَاءِ بِحِسَابِهِ وَسَقَطَ خِيَارُ الْفَسْخِ بِبَيْعِ الْبَعْضِ.
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَالْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ زَادَ هَكَذَا فِي نُسْخَتِهِ وَلَمْ يُرَجِّحْ أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْقِسْمَةِ بِالتَّرَاضِي فَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَهُ الْفَسْخُ.
وَالثَّانِي لَوْ قَالَ: نَصِيبِي النِّصْفُ وَمَا وَصَلَ إلَيَّ إلَّا الثُّلُثُ وَالْبَاقِي فِي يَدِك وَأَنْكَرَ الْآخَرُ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا كَالْبَيْعِ.
وَالثَّالِثُ ادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ نَصِيبِهِ شَيْئًا بَعْدَ الْقِسْمَةِ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَلَفَ الْآخَرُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُقِرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ أَمَّا إذَا أَقَرَّ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْحُدُودِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ: هَذَا الْحَدُّ لِي قَدْ دَخَلَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَقَالَ الْآخَرُ لَا بَلْ هَذَا الْحَدُّ قَدْ دَخَلَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الشَّائِعِ) أَيْ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ) أَيْ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِنْ كَانَتْ مِائَةُ شَاةٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ نِصْفَيْنِ مِيرَاثًا أَوْ شِرَاءً فَاقْتَسَمَاهَا وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا أَرْبَعِينَ شَاةً تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ وَأَخَذَ الْآخَرُ سِتِّينَ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَاسْتُحِقَّتْ شَاةٌ مِنْ الْأَرْبَعِينَ تُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فِي السِّتِّينَ شَاةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَيْضًا فَتَكُونُ السِّتُّونَ شَاةً بَيْنَهُمَا يَضْرِبُ فِيهَا هَذَا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَيَضْرِبُ فِيهِ الْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رحمه الله وَهُنَا لَا تَنْتَقِضُ الْقِسْمَةُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا وَرَدَ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ وَقَدْ وَرَدَ عَلَى شَاةٍ بِعَيْنِهَا فَيُوجِبُ الرُّجُوعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِتَحَقُّقِ الْمُعَادَلَةِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ بَيْنَهُمَا أَلْفًا إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَقَدْ وَصَلَ إلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ خَمْسُمِائَةٍ، وَإِلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ أَرْبَعُمِائَةٍ وَتِسْعُونَ وَبَقِيَ لَهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ فَيَضْرِبُ فِي السِّتِّينَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَشَرِيكُهُ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَتِسْعِينَ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ فِي أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ أَوْ فِيهِمَا جَمِيعًا لَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي اسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ شَائِعٍ فِي النَّصِيبَيْنِ تَنْتَقِضُ الْقِسْمَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لَا تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ الْبَعْضُ الْمُقَدَّمُ إلَخْ) أَيْ فَاقْتَسَمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا مَا لَهُمَا مِنْ النِّصْفِ الْمُقَدَّمِ وَهُوَ نِصْفُ النِّصْفِ وَرُبُعُ الْمُؤَخَّرِ وَيَأْخُذُ الْآخَرُ مَا بَقِيَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ مِنْ النِّصْفِ الْمُؤَخَّرِ فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ جَمِيعِ الدَّارِ لِأَنَّ حَقَّهُمَا بَعْدَ نَصِيبِ الثَّالِثِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ جَمِيعِ الدَّارِ وَمَا لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْقِسْمَةِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَهَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى اهـ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ بِحِسَابِهِ وَيَضْمَنُ حِصَّتَهُمْ مِمَّا بَاعَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَنْقَلِبُ فَاسِدَةً عِنْدَهُ وَالْمَقْبُوضُ بِالْفَاسِدِ مَمْلُوكٌ فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَيَضْمَنُ لَهُمْ وَلَوْ اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ التَّرِكَةَ، ثُمَّ ظَهَرَ فِيهَا دَيْنٌ مُحِيطٌ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ: اقْضُوا دَيْنَ الْمَيِّتِ فَإِنْ قَضَوْهُ صَحَّتْ الْقِسْمَةُ، وَإِلَّا فُسِخَتْ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ فَيَمْنَعُ وُقُوعَ الْمِلْكِ لَهُمْ فِيهَا إلَّا إذَا قَضَوْا الدَّيْنَ، أَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ قِسْمَتُهُمْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِالتَّرِكَةِ إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ مَا يَفِي بِالدَّيْنِ فَحِينَئِذٍ لَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ لِلتَّرِكَةِ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ صَحَّ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ؛ إذْ الدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى وَالْقِسْمَةُ تُصَادِفُ الصُّورَةَ وَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقِسْمَةِ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْمَقْسُومَ مُشْتَرَكٌ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ تَهَايَآ فِي سُكْنَى دَارٍ، أَوْ دَارَيْنِ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ، أَوْ غَلَّةِ دَارٍ أَوْ دَارَيْنِ صَحَّ) التَّهَايُؤُ اعْلَمْ أَنَّ الْمُهَايَأَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْهَيْئَةِ وَهِيَ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ لِلْمُتَهَيِّئِ لِلشَّيْءِ، وَالتَّهَايُؤُ تَفَاعُلٌ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَتَوَاضَعُوا عَلَى أَمْرٍ فَيَتَرَاضَوْا بِهِ وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَرْضَى بِهَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَخْتَارُهَا وَهِيَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ وَهِيَ جَائِزَةٌ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَنْتَفِعُ فِي نَوْبَتِهِ بِمِلْكِ شَرِيكِهِ عِوَضًا عَنْ انْتِفَاعِ شَرِيكِهِ بِمِلْكِهِ فِي نَوْبَتِهِ، وَلَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ: أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] وَهَذَا هُوَ الْمُهَايَأَةُ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَسَمَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ كُلَّ بَعِيرٍ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ وَكَانُوا يَتَهَايَئُونَ فِي الرُّكُوبِ»
وَمَا رُوِيَ أَنَّ «الرَّجُلَ الَّذِي خَطَبَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صَدَاقٌ إلَّا نِصْفَ إزَارِهِ فَقَالَ لَهُ عليه الصلاة والسلام مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ» أَيْ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْمُهَايَأَةِ وَعَلَى جَوَازِهَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَلِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ يُصَارُ إلَيْهَا لِتَكْمِيلِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لِتَعَذُّرِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا فَكَانَتْ الْمُهَايَأَةُ جَمْعًا لِلْمَنَافِعِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ كَالْقِسْمَةِ جَمْعِ النَّصِيبِ الشَّائِعِ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ فَجَرَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي الْمَنَافِعِ مَجْرَى الْقِسْمَةِ فِي الْأَعْيَانِ وَلَوْ لَمْ تَجُزْ الْمُهَايَأَةُ لَأَدَّى إلَى تَعْطِيلِ الْأَعْيَانِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا، وَإِنَّهُ قَبِيحٌ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ خُلِقَتْ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا وَهُوَ يُنَافِيهِ فَتَجُوزُ ضَرُورَةً كَقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ فَيَجْرِي جَبْرُ الْقَاضِي فِيهَا كَمَا يَجْرِي فِي قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ إلَّا أَنَّ الْقِسْمَةَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: وَلَوْ اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ التَّرِكَةَ إلَخْ) فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَطَلَبُوا مِنْ الْقَاضِي الْقِسْمَةَ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ وَصَاحِبُ الدَّيْنِ غَائِبٌ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لَا يَقْسِمُ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ فَالْقِيَاسُ كَذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ وَقَالَ قَلَّ مَا تَخْلُو تَرِكَةٌ عَنْ دَيْنٍ يَسِيرٍ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقِفَ عَشَرَةَ آلَافٍ بِدَيْنِ عَشَرَةٍ فَيَنْظُرُ لِلْفَرِيقَيْنِ وَيُوقَفُ قَدْرُ الدَّيْنِ وَلَا يَأْخُذُ كَفِيلًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَأْخُذُ كَفِيلًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي سَأَلَهُمْ فَإِنْ قَالُوا: لَا الْقَوْلُ قَوْلُهُمْ وَيَقْسِمُ لِتَمَسُّكِهِمْ بِالْأَصْلِ وَهُوَ فَرَاغُ الذِّمَّةِ فَلَوْ ظَهَرَ دَيْنٌ نَقَضَ الْقِسْمَةَ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقِسْمَةَ قَبْلَ أَوَانِهَا فَإِنَّ أَوَانَهَا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ إلَخْ) وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ ظَهَرَ وَارِثٌ آخَرُ أَوْ مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ رُدَّتْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ فِي التَّرِكَةِ شَرِيكًا آخَرَ قَدْ اقْتَسَمُوا دُونَهُ وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ الْمُرْسَلَةِ إلَّا إذَا قَالَتْ الْوَرَثَةُ: نَحْنُ نَقْضِي حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ الْمُرْسَلَةِ أَمَّا فِي الْوَارِثِ الْآخَرِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ الْآخَرِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى مَالٍ آخَرَ إلَّا بِرِضَاهُمَا وَحَقُّ الْغَرِيمِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ الْمُرْسَلَةِ فِي الْمَالِ لَا فِي عَيْنِ التَّرِكَةِ، وَفِي ذَلِكَ مَالُ الْوَارِثِ وَالتَّرِكَةُ سَوَاءٌ وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ كَانَ مَالٌ آخَرُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْقِسْمَةِ لَيْسَ لِلْغَرِيمِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ نَقْضُ الْقِسْمَةِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ إلَخْ) وَتَحْرِيرُ هَذَا يَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الصُّلْحِ. اهـ. .
. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ تَهَايَآ فِي سُكْنَى دَارٍ إلَخْ) شَرَعَ فِي الْمُهَايَأَةِ وَهِيَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ بَعْدَ بَيَانِ قِسْمَةِ الْأَعْيَانِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَقَدَّمَ الْأَعْيَانَ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَصْلٌ لِكَوْنِهِ قَائِمًا بِنَفْسِهِ، وَالْمَنَافِعُ أَعْرَاضٌ لَا تُقْسَمُ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَيْنِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيَخْتَارُهَا) يَعْنِي: الشَّرِيكُ يَنْتَفِعُ بِالْعَيْنِ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي انْتَفَعَ بِهَا الْآخَرُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ) أَيْ وَالْمَعْقُولِ اهـ.
(قَوْلُهُ: {وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] أَخْبَرَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بَيْنَ قَوْمِ صَالِحٍ وَبَيْنَ النَّاقَةِ عَلَى التَّنَاوُبِ وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا تَلْزَمُنَا عَلَى أَنَّهُ شَرِيعَتُنَا مَا لَمْ يَرِدْ النَّسْخُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى جَوَازِهَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ) وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّ الْأَعْيَانَ خُلِقَتْ لِلِانْتِفَاعِ فَمَتَى كَانَ الْمِلْكُ مُشْتَرَكًا كَانَ حَقُّ الِانْتِفَاعِ مُشْتَرَكًا أَيْضًا وَالْمَحَلُّ الْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِفَاعَ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ فَيُحْتَاجُ إلَى التَّهَايُؤِ تَكْمِيلًا لِلِانْتِفَاعِ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِلْكٌ مُشْتَرَكٌ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهُ فِي الْعُقُودِ فَجَازَ وُقُوعُ الْقِسْمَةِ فِيهَا كَالْأَعْيَانِ، فَإِنْ قِيلَ: الْمُهَايَأَةُ تَمْلِيكُ مَنَافِعَ بِمَنَافِعَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهِيَ إجَارَةٌ وَلَا يُكْرِهُ الْقَاضِي عَلَى الْإِجَارَةِ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إجَارَةٌ لِأَنَّهُ مُسْتَوْفٍ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ بَلْ هِيَ قِسْمَةُ مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ، ثُمَّ التَّهَايُؤُ قَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ كَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ الْكَبِيرَةِ يَسْكُنُ أَحَدُهُمَا نَاحِيَةً مِنْهَا وَالْآخَرُ نَاحِيَةً أُخْرَى وَقَدْ يَكُونُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ بِأَنْ يَنْتَفِعَ أَحَدُهُمَا بِالْعَيْنِ مُدَّةً وَالْآخَرُ مُدَّةً كَالدَّارِ وَالْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَأَمَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ كَالدَّابَّةِ الْوَاحِدَةِ وَالْعَبْدِ الْوَاحِدِ لَا تَتَأَتَّى الْقِسْمَةُ إلَّا مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ. اهـ. غَايَةٌ.
أَقْوَى مِنْهُ فِي اسْتِكْمَالِ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ الْمَنَافِعِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَالتَّهَايُؤُ جَمْعٌ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلِهَذَا لَوْ طَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْقِسْمَةَ وَالْآخَرُ الْمُهَايَأَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّكْمِيلِ وَلَوْ وَقَعَتْ الْمُهَايَأَةُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ ثُمَّ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ وَتَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ وَلَا تَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَطَلَتْ لَاسْتَأْنَفَهَا الْحَاكِمُ وَلَا فَائِدَةَ فِي الِاسْتِئْنَافِ
ثُمَّ لَوْ تَهَايَآ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَحَدُهُمَا بَعْضَهَا وَالْآخَرُ الْبَعْضَ أَوْ أَحَدُهُمَا الْعُلُوَّ وَالْآخَرُ السُّفْلَ جَازَتْ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزَةٌ فَكَذَا الْمُهَايَأَةُ وَالتَّهَايُؤُ فِي هَذَا الْوَجْهِ إفْرَازٌ لِجَمِيعِ الْأَنْصِبَاءِ لَا مُبَادَلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُبَادَلَةً لَمَا صَحَّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ نَسِيئَةً لِلرِّبَا وَقِيلَ هُوَ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ عَارِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ خَشْيَةَ الرِّبَا، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتْرُكُ مَالَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فِيمَا أَخَذَهُ صَاحِبُهُ بِعِوَضٍ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ إفْرَازًا لِلْكُلِّ أَوْ عَارِيَّةً فِي الْبَعْضِ وَالْعَارِيَّةُ أَيْضًا غَيْرُ لَازِمَةٍ وَالْمُهَايَأَةُ لَازِمَةٌ
وَقِيلَ: هُوَ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ، مُبَادَلَةٌ مِنْ وَجْهٍ كَقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا إفْرَازٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي الْمُهَايَأَةِ فِي الْمَكَانِ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّأْقِيتُ وَجَازَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَسْتَغِلَّ مَا أَصَابَهُ بِالْمُهَايَأَةِ عَلَى الظَّاهِرِ، شُرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ لِحُدُوثِ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ وَالْإِجَارَةُ وَفِي الْمُهَايَأَةِ فِي الزَّمَانِ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ وَيُجْعَلُ كَالْمُسْتَقْرِضِ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَكَانَ مُبَادَلَةً مِنْ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ يَتَحَقَّقُ فِي الْمُهَايَأَةِ فِي الْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ وَكَذَا لَوْ تَهَايَآ فِي الزَّمَانِ فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ جَازَ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَيَّنَةٌ فِيهِ لِتَعَذُّرِ التَّهَايُؤِ فِي الْمَكَانِ وَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ كَالْعَبْدِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّهَايُؤِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُهُمَا يَأْمُرُهُمَا الْقَاضِي بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْمَكَانِ أَعْدَلُ - لِاسْتِوَائِهِمَا فِي زَمَانِ الِانْتِفَاعِ وَلَيْسَ فِيهِ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَكَانَ أَعْدَلَ -
وَفِي الزَّمَانِ أَكْمَلُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَنْتَفِعُ فِي نَوْبَتِهِ بِجَمِيعِ الدَّارِ فَكَانَ أَكْمَلَ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاتِّفَاقِ فَإِنْ اخْتَارَاهُ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ يُقْرَعُ فِي الْبِدَايَةِ بَيْنَهُمَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمَا وَنَفْيًا لِلتُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ تَهَايَآ فِي عَبْدَيْنِ عَلَى الْخِدْمَةِ جَازَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الرَّقِيقِ جَائِزَةٌ عِنْدَهُمَا فَكَذَا الْمَنْفَعَةُ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّرَاضِي؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الرَّقِيقِ لَا يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ عِنْدَهُ فَكَذَا مَنْفَعَتُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَاضِيَ يُهَايِئُ بَيْنَهُمَا جَبْرًا بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مِنْ حَيْثُ الْخِدْمَةُ قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ بِخِلَافِ أَعْيَانِ الرَّقِيقِ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ تَهَايَآ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ عَبْدٍ عَلَى مَنْ يَأْخُذُهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالْمُسَامَحَةِ فِي طَعَامِ الْمَمَالِيكِ فَلَا تُفْضِي الْجَهَالَةُ إلَى النِّزَاعِ، وَنَظِيرُهُ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْمُسَامَحَةِ لِأَجْلِ الْوَلَدِ بِخِلَافِ كِسْوَةِ الْمَمَالِيكِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَسَامُحَ فِيهَا عَادَةً وَلَوْ تَهَايَآ فِي دَارَيْنِ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارًا جَازَ، وَيُجْبِرُ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ الدَّارَيْنِ عِنْدَهُمَا كَدَارٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يَجْرِيَ الْجَبْرُ عَلَى قِسْمَتِهِمَا وَكَذَا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ فِيهِمَا لَا تَتَفَاوَتُ فَيَجُوزُ وَيُجْبَرُ الْآبِي مِنْهُمَا وَيُعْتَبَرُ إفْرَازًا كَالْأَعْيَانِ الْمُتَقَارِبَةِ بِخِلَافِ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي أَعْيَانِهِمَا فَاحِشٌ فَالْتَحَقَتْ بِالْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ وَصَارَتْ مُبَادَلَةً
وَقِيلَ عِنْدَهُ يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي وَلَا يُجْبَرُ اعْتِبَارًا بِالْقِسْمَةِ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ فِيهِ أَصْلًا لَا بِالْجَبْرِ وَلَا بِالتَّرَاضِي؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ الْمَنَافِعِ بِالْمَنَافِعِ مِنْ جِنْسِهِ نَسِيئَةً وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْإِجَارَةِ بِخِلَافِ قِسْمَةِ رَقَبَتِهِمَا حَيْثُ تَجُوزُ بِالتَّرَاضِي لِأَنَّ بَيْعَ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى جَائِزٌ، وَفِي الظَّاهِرِ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِهِمَا، وَفِي الدَّابَّتَيْنِ لَا يَجُوزُ التَّهَايُؤُ عَلَى الرُّكُوبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا.
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَبْلَغُ) أَيْ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْعَيْنِ أَبْلَغُ مِنْ قِسْمَةِ الْمَنْفَعَةِ فِي تَكْمِيلِ الِانْتِفَاعِ لِاجْتِمَاعِ الْمَنَافِعِ فِي الزَّمَانِ الْوَاحِدِ وَفِي التَّهَايُؤِ يَحْصُلُ ذَلِكَ عَلَى التَّعَاقُبِ قَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الشَّامِلِ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ نَقْضُ الْمُهَايَأَةِ بِلَا عُذْرٍ إذَا لَمْ يُرِدْ التَّعَنُّتَ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الْعَيْنِ بَعْدَ الْمُهَايَأَةِ قَسَمَ الْحَاكِمُ وَفَسَخَ الْمُهَايَأَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْقِسْمَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: جَازَتْ) أَيْ سَوَاءٌ ذَكَرَ الْمُدَّةَ أَوْ لَا اهـ غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: لَا مُبَادَلَةٌ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ الْمُدَّةِ فَلَوْ كَانَ مُبَادَلَةً لَاشْتُرِطَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ كَالْإِجَارَةِ وَيُشْتَرَطُ التَّأْقِيتُ فِي الْإِجَارَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: عَارِيَّةً إلَخْ) الْعَارِيَّةُ مَا يَكُونُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُنَا بِعِوَضٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ تَهَايَآ فِي الزَّمَانِ فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ) أَيْ عَلَى أَنْ يَخْدُمَ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا اهـ. (قَوْلُهُ: بِالِاتِّفَاقِ) أَيْ عَلَى أَحَدِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَهَايَآ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ كُلٍّ إلَخْ) قَالَ فِي الشَّامِلِ تَهَايَآ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَ كُلُّ وَاحِدٍ أَحَدَهُمَا، وَطَعَامُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ يُسْتَقْبَحُ أَنْ يَخْدُمَهُ وَيُؤْتَى بِطَعَامِهِ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ وَلَوْ تَهَايَآ عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كِسْوَةُ مَا فِي يَدَيْهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ كِسْوَتَهُمَا عَلَيْهِمَا فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مُشْتَرِيًا نِصْفَ الْكِسْوَةِ مِنْ صَاحِبِهِ بِنِصْفِ كِسْوَةِ الَّذِي فِي يَدَيْهِ، وَإِنَّهُ مَجْهُولٌ فَلَا يَجُوزُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ) قَائِلُهُ الْكَرْخِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُجْبَرُ اعْتِبَارًا بِالْقِسْمَةِ) أَيْ لِأَنَّ عِنْدَهُ قِسْمَةَ الْجَبْرِ لَا تَجُوزُ فِي الدُّورِ فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ. اهـ. غَايَةٌ.
(فَرْعٌ) مِمَّا يُحْفَظُ فِي الذَّخِيرَةِ: أَمَةٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ خَافَ كُلٌّ صَاحِبَهُ عَلَيْهَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا عِنْدَك يَوْمًا وَعِنْدِي يَوْمًا وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ نَضَعُهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ، تُجْعَلُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَوْمًا وَلَا تُوضَعُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ قَالَ مَشَايِخُنَا يُحْتَاطُ فِي بَابِ الْفُرُوجِ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ إلَّا فِي هَذِهِ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَاطُ لِحِشْمَةِ مِلْكِهِ. اهـ. مِعْرَاجٌ.
يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِقِسْمَةِ الْأَعْيَانِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الرَّاكِبِينَ فَإِنَّهُمْ بَيْنَ حَاذِقٍ وَأَخْرَقَ، وَالتَّهَايُؤُ فِي الرُّكُوبِ فِي دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْعَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَخْدُمُ بِاخْتِيَارِهِ فَلَا يَتَحَمَّلُ الزِّيَادَةَ عَلَى طَاقَتِهِ وَالدَّابَّةُ تَتَحَمَّلُهَا وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فِي الْغَلَّةِ فَنَذْكُرُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ رحمه الله (وَفِي غَلَّةِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ، أَوْ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ، أَوْ رَكُوبِ بَغْلٍ، أَوْ بَغْلَيْنِ أَوْ ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ، أَوْ لَبَنِ شَاةٍ لَا) أَيْ لَا يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ التَّهَايُؤُ أَمَّا التَّهَايُؤُ فِي غَلَّةِ عَبْدٍ وَاحِدٍ أَوْ بَغْلٍ وَاحِدٍ فَلِأَنَّ النَّصِيبَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَالظَّاهِرُ التَّغَيُّرُ فِي الْحَيَوَانِ فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ بِخِلَافِ التَّهَايُؤِ فِي اسْتِغْلَالِ دَارٍ وَاحِدَةٍ حَيْثُ يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ فِي الْعَقَارِ فَافْتَرَقَا وَلَوْ زَادَ غَلَّةُ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْغَلَّةِ فِي نَوْبَةِ الْآخَرِ يَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ تَحْقِيقًا لِلتَّعْدِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّهَايُؤُ فِي الْمَنَافِعِ فَاسْتَغَلَّ أَحَدُهُمَا فِي نَوْبَتِهِ زِيَادَةً؛ لِأَنَّ التَّهَايُؤَ وَقَعَ فِي الْمَنَافِعِ هُنَاكَ فَتَجِبُ مُرَاعَاةُ الْمُعَادَلَةِ فِيهَا وَبِالتَّفَاوُتِ فِي الْغَلَّةِ لَا يَتَبَيَّنُ فَوْتُ الْمُعَادَلَةِ فِي الْمَنَافِعِ فَإِنَّ الشَّيْئَيْنِ قَدْ يَسْتَوِيَانِ ثُمَّ يَخْتَلِفَانِ فِي الْبَدَلِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ تَهَايَآ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ فِي الدَّارَيْنِ وَفَضَلَتْ غَلَّةُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ رَاجِحٌ فِي الدَّارَيْنِ لِاتِّحَادِ زَمَانِ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِلُ إلَى الْغَلَّةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهَا صَاحِبُهُ، وَفِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ يَتَعَاقَبُ الْوُصُولُ فَاعْتُبِرَ قَرْضًا كَأَنَّهُ أَقْرَضَ نَصِيبَهُ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الشَّهْرِ عَلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ نَصِيبِهِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، وَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي إيجَارِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ فَإِذَا اسْتَوْفَى قَدْرَ الْقَرْضِ كَانَ الْبَاقِي مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا
وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فِي اسْتِغْلَالِ عَبْدَيْنِ أَوْ بَغْلَيْنِ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُعَادَلَةَ تُمْكِنُ بَيْنَهُمَا لِاتِّحَادِ وَقْتِهِمَا وَكَذَا تَجُوزُ قِسْمَةُ رَقَبَتِهِمَا عِنْدَهُمَا فَكَذَا مَنَافِعُهُمَا وَبَدَلُهُمَا فَصَارَ كَالدَّارَيْنِ بِخِلَافِ التَّهَايُؤِ فِي غَلَّةِ عَبْدٍ وَاحِدٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي زَمَانَيْنِ فَيُتَوَهَّمُ تَغَيُّرُهُ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الِاسْتِغْلَالِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِالِاسْتِقْصَاءِ فِيهِ فَيَتَغَيَّرُ مِنْ التَّعَبِ بِخِلَافِ التَّهَايُؤِ فِي خِدْمَةِ عَبْدٍ وَاحِدٍ حَيْثُ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَنَّ الْخِدْمَةَ يَجْرِي فِيهَا التَّسَامُحُ عَادَةً فَلَا يَلْحَقُهُ تَعَبٌ كَمَا يَلْحَقُهُ فِي الِاسْتِغْلَالِ فَلَا يَتَغَيَّرُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْخِدْمَةِ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ قِسْمَتِهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا لِأَنَّ الْغَلَّةَ عَيْنُ مَالٍ وَلِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِالِاسْتِغْلَالِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ فَيَحْصُلُ التَّفَاوُتُ بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ فِي الْعَقَارِ وَلِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الِاسْتِغْلَالِ يَمْتَنِعُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ بِأَنْ وَقَعَ مُتَعَاقِبًا فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ فَلَأَنْ يَمْتَنِعَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَحَلِّ أَوْلَى وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مَسَائِلَ التَّهَايُؤِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فَفِي اسْتِخْدَامِ عَبْدٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا فِي اسْتِخْدَامِ الْعَبْدَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ
وَكَذَا التَّهَايُؤُ فِي اسْتِغْلَالِ عَبْدٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي الْعَبْدَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ، وَالتَّهَايُؤُ فِي سُكْنَى دَارٍ وَاحِدَةٍ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا فِي غَلَّتِهَا وَكَذَا فِي سُكْنَى دَارَيْنِ وَفِي غَلَّتِهِمَا خِلَافٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ، وَرُكُوبُ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ وَلَا يَجُوزُ فِي اسْتِغْلَالِ بَغْلٍ وَاحِدٍ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي بَغْلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ وَأَمَّا التَّهَايُؤُ فِي ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ، أَوْ لَبَنِ غَنَمٍ فَلِأَنَّهَا أَعْيَانٌ بَاقِيَةٌ تَرِدُ عَلَيْهَا الْقِسْمَةُ عِنْدَ حُصُولِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّهَايُؤِ؛ لِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْمَنَافِعِ ضَرُورَةَ أَنَّهَا لَا تَبْقَى فَبِتَعَذُّرِ قِسْمَتِهَا بِخِلَافِ لَبَنِ ابْنِ آدَمَ حَيْثُ تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ فِيهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ جَارِيَتَانِ مُشْتَرَكَتَانِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَتَهَايَآ أَنْ تُرْضِعَ إحْدَاهُمَا وَلَدَ أَحَدِهِمَا، وَالْأُخْرَى وَلَدَ الْآخَرِ جَازَ لِأَنَّ لَبَنَ ابْنِ آدَمَ لَا قِيمَةَ لَهُ فَجَرَى مَجْرَى الْمَنَافِعِ، وَالْحِيلَةُ فِي الثِّمَارِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَلَوْ زَادَ غَلَّةُ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ فِي نَوْبَةِ إلَخْ) وَلَوْ تَهَايَآ فِي نَخْلٍ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَلَّةَ بَعْضِهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ غَلَّةَ النَّخِيلِ قَبْلَ وُجُودِهَا مَعْدُومَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِأَنَّهَا لَمْ تُجْعَلْ مَوْجُودَةً حُكْمًا فِي حَقِّ التَّمْلِيكِ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْإِجَارَةُ حَتَّى تُعْتَبَرَ مَوْجُودَةً حُكْمًا فِي حَقِّ الْقِسْمَةِ وَقِسْمَةُ الْمَعْدُومِ لَا تَتَحَقَّقُ لِأَنَّهُ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ، مُبَادَلَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ لَا يَتَحَقَّقَانِ قَبْلَ الْوُجُودِ. اهـ. وَلْوَالِجِيٌّ فِي الصُّلْحِ. (قَوْلُهُ: أَنَّ مَسَائِلَ التَّهَايُؤِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً) أَيْ غَيْرُ الثَّمَرِ وَاللَّبَنِ اهـ مس. (قَوْلُهُ: وَالْحِيلَةُ) أَيْ فِي جَوَازِ التَّهَايُؤِ اهـ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِ التَّهَايُؤِ أَنْ يَبِيعَ حِصَّةً مِنْ الْآخَرِ ثُمَّ يَشْتَرِيَ كُلَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ نَوْبَتِهِ أَوْ يَنْتَفِعَ بِاللَّبَنِ اسْتِقْرَاضًا لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ يَعْنِي: يَبِيعُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّتَهُ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الْغَنَمِ مِنْ صَاحِبِهِ ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْ صَاحِبِهِ بَعْدَ مُضِيِّ نَوْبَتِهِ جَمِيعَ الشَّجَرِ أَوْ الْغَنَمِ فَيَحِلُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَنَاوَلَهُ لِأَنَّهُ حَصَلَ اللَّبَنُ أَوْ الثَّمَرُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ يَنْتَفِعُ بِاللَّبَنِ اسْتِقْرَاضًا لِنَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ الْحَلِيبِ كُلَّ يَوْمٍ أَيْ مُدَّةً مَعْلُومَةً ثُمَّ إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ يَنْتَفِعُ صَاحِبُهُ بِاللَّبَنِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، بَعْضُهُ مِنْ نَصِيبِ نَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَبَعْضُهُ مِمَّا أَقْرَضَهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَزِنَ اللَّبَنَ أَوْ يَكِيلَهُ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى تَتَحَقَّقَ الْمُسَاوَاةُ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَكُونُ الرِّبَا لِأَنَّ اللَّبَنَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ فِي الْحَلْبِ وَقَالَ فِي قِسْمِ الشَّامِلِ مِنْ الْمَبْسُوطِ تَهَايَآ فِي أَغْنَامٍ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُهَا عِنْدَ هَذَا وَالنِّصْفُ عِنْدَ الْآخَرِ يَعْلِفُ وَيَشْرَبُ لَبَنَهَا وَيَجُزُّ صُوفَهَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ اللَّبَنَ بَيْنَهُمَا وَالْعَلَفَ عَلَيْهِمَا فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرِيًا لَبَنَ صَاحِبِهِ بِنِصْفِ الْعَلَفِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَاللَّبَنُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَالْعَلَفُ مِثْلُهُ فَيَكُونُ التَّفَاوُتُ فَاحِشًا فَيَكُونُ مُبَادَلَةً مَحْضَةً فَكَانَ بَيْعُ لَبَنٍ بِلَبَنٍ وَصُوفٍ بِصُوفٍ مُجَازَفَةً فَلَا يَجُوزُ بَعْدَ الْحَلْبِ وَالْجَزِّ فَقَبْلَهُمَا أَوْلَى
وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: بَقَرَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَحْلُبُ لَبَنَهَا فَهَذِهِ مُهَايَأَةٌ بَاطِلَةٌ وَلَا يَحِلُّ فَضْلُ اللَّبَنِ عَلَيْهِمَا وَإِنْ جُعِلَا فِي حِلٍّ إلَّا أَنْ يَسْتَهْلِكَ صَاحِبُ الْفَضْلِ