الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ التَّصَدُّقِ عَلَى غَنِيَّيْنِ يُنَافِي هَذَا؛ لِأَنَّهُمْ هُنَاكَ لَمْ يَعْتَبِرُوا فِيهِ وَفِي الْهِبَةِ إلَّا حَالَ الْمُتَمَلِّكِ حَتَّى أَجَازُوهُمَا لِفَقِيرَيْنِ وَمَنَعُوهُمَا لِغَنِيَّيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَقِيَاسُهُ أَنْ يَمْلِكَ الرُّجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ وَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ عَلَى الْفَقِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]
قَالَ رحمه الله (هِيَ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ) وَقِيلَ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِبَاحَةُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ الْإِجَارَةُ فِعَالَةٍ مِنْ أَجَرَ يَأْجُرُ مِنْ بَابَيْ طَلَبَ وَضَرَبَ فَهُوَ آجِرٌ وَذَاكَ مَأْجُورٌ أَيْ الْإِجَارَةُ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَهِيَ مَا أُعْطِيَ مِنْ كِرَاءِ الْأَجِيرِ وَقَدْ أَجَرَهُ إذَا أَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ وَالْأَجْرُ مَا يُسْتَحَقُّ عَلَى عَمَلِ الْخَيْرِ، وَلِهَذَا يُدْعَى بِهِ يُقَالُ أَجَرَك اللَّهُ وَأَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ آجَرْت مَمْلُوكِي أُوجِرَهُ إيجَارًا فَهُوَ مُؤَجَّرٌ وَفِي الْأَسَاسِ آجَرَنِي دَارِهِ فَاسْتَأْجَرْتُهَا وَهُوَ مُؤَجِّرٌ وَلَا نَقُلْ مُؤَاجِرٌ فَإِنَّهُ خَطَأٌ وَقَبِيحٌ قَالَ وَلَيْسَ آجِرٌ هَذَا فَاعِلٌ بَلْ هُوَ أَفْعَلُ وَهِيَ جَائِزَةٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ شُعَيْبٍ عليه الصلاة والسلام {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] وَشَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا مَا لَمْ يَظْهَرْ النَّسْخُ لَا سِيَّمَا إذَا قَصَّ لَنَا لَا عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ
وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَلْيُعْلِمْهُ أَجْرَهُ» وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَتَيْنِ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَحُكْمُهَا وُقُوعُ الْمِلْكِ فِي الْبَدَلَيْنِ سَاعَةً فَسَاعَةً؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهِيَ الْمَنَافِعُ مَعْدُومَةٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ لِمَا فِيهَا مِنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مَا سَيُوجَدُ إلَّا أَنَّهَا أُجِيزَتْ لِلضَّرُورَةِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَهِيَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ وَالْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهَا لِيَرْتَبِطَ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ، فَعَمَلُهُ يَظْهَرُ فِي الْمَنْفَعَةِ مِلْكًا وَاسْتِحْقَاقًا حَالَ وُجُودِهَا وَهَذَا كَالْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنَّ الذِّمَّةَ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْمُسْلَمِ فِيهِ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي حَقِّ جَوَازِ السَّلَمِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تُجْعَلُ الْمَنَافِعُ الْمَعْدُومَةُ مَوْجُودَةً حُكْمًا ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَسْتَدْعِي مَحَلًّا يَنْعَقِدُ فِيهِ إذْ الشَّرْعُ حَكَمَ بِالِانْعِقَادِ وَهُوَ وَصْفُ الْعَقْدِ الْمُنْعَقِدُ فَحَكَمْنَا بِوُجُودِ الْمَحَلِّ لِيَنْعَقِدَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ لَزِمَ وَاللُّزُومُ وَصْفٌ يَثْبُتُ بِالْعَقْدِ فَحَكَمْنَا بِوُجُودِ الْمَحَلِّ لِيَنْعَقِدَ الْعَقْدُ فِيهِ فَأَنْزَلْنَا الْمَعْدُومَ مَوْجُودًا لِذَلِكَ قُلْنَا ارْتِبَاطُ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ صِفَةُ الْكَلَامَيْنِ وَالْمَحَلُّ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْحُكْمِ، وَإِنَّمَا اشْتِرَاطُ وُجُودِ الْمَحَلِّ عِنْدَ الِارْتِبَاطِ؛ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ لِأَجْلِ الْحُكْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمَحَلِّ حَتَّى يَعْمَلَ الْعَقْدُ فِيهِ فَجَعَلَ الدَّارَ خَلَفًا عَنْ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهَا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَمَلُ هَذَا اللَّفْظِ يَتَرَاخَى إلَى حِينِ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ وَحُكْمِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْمِلْكُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرُ أَمْرٍ حُكْمِيٍّ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ قَلْبُ الْحَقَائِقِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ حَقِيقَةً وَالْمَنْفَعَةُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهَا فِي لَحْظَةٍ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا مَوْجُودَةً حُكْمًا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يَرِدُ بِتَقْدِيرِ الْمُسْتَحِيلِ، وَلِهَذَا لَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمَنْفَعَةِ لَا يَجُوزُ
وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى الْعَيْنِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ لَيْسَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
كِتَابُ الْإِجَارَةِ) قَدَّمَ الْهِبَةَ عَلَى الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَلِأَنَّ فِيهَا عَدَمُ الْعِوَضِ وَالْعَدَمُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوُجُودِ وَوَصَلَهُ بِفَصْلِ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَقَعَانِ لَازِمَيْنِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِبَاحَةُ الْمَنَافِعِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ حَتَّى يَخْرُجَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يُبْطِلُهُ أَوْ يُقَالُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا لِاسْتِبَاحَةِ الْبُضْعِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ التَّمْلِيكُ عَلَى ضَرْبَيْنِ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ وَتَمْلِيكُ عَيْنٍ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِبَدَلٍ أَوْ غَيْرِ بَدَلٍ فَتَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِبَدَلٍ هُوَ الْبَيْعُ وَتَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِغَيْرِ بَدَلٍ هِيَ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَأَمَّا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِبَدَلٍ فَهِيَ الْإِجَارَةُ وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ بَدَلٍ هِيَ الْعَارِيَّةُ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ خَطَأٌ أَوْ قَبِيحٌ) أَمَّا خَطَؤُهُ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ أَفْعَلَ لَا مِنْ بَابِ فَاعَلَ، وَأَمَّا قُبْحُهُ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعِ الْقُبْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ) أَيْ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَصْلُحُ مَحَلًّا لِلْإِضَافَةِ؛ لِأَنَّهَا مَعْدُومَةٌ لَيْسَتْ فِي مَقْدُورِ الْبَشَرِ اهـ بَزْدَوِيٌّ فِي الِاسْتِعَارَةِ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَوْ قَالَ آجَرْتُك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَرِدُ عَلَى الْعَيْنِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَنْفَعَةِ عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا. اهـ. شَرْحُ مُغْنِي فِي بَابِ حُكْمِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ (قَوْلُهُ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إضَافَةِ الْعَقْدِ) أَيْ لَا فِي حَقِّ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَتَأَخَّرُ إلَى حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ فَعَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً وَعَدَّ الشَّافِعِيُّ حَالَةَ الِانْعِقَادِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمَنْفَعَةِ لَا يَجُوزُ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ الْإِجَارَةُ إذَا أُضِيفَتْ إلَى مَنْفَعَةِ الدَّارِ تَصِحُّ فَإِنَّهُ نَصَّ فِي هِبَةِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْأَجَلِّ الزَّاهِدِ خُوَاهَرْ زَادَهْ إذَا قَالَ وَهَبْتُك مَنْفَعَةَ هَذِهِ الدَّارِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ يَكُونُ إجَارَةً فَهَذَا أَوْلَى اهـ اُنْظُرْ إلَى الْحَاشِيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ بِقَوْلِهِ نَاقِلًا عَنْ شَرْحِ الْمُغْنِي اهـ وَهَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ. اهـ.
فِيهِ إلَّا إقَامَةُ السَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ أَمْرٌ شَائِعٌ شَرْعًا كَإِقَامَةِ السَّفَرِ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ وَنَحْوِهِ فَكَانَ أَوْلَى.
قَالَ رحمه الله (وَمَا صَحَّ ثَمَنًا صَحَّ أُجْرَةً) لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ فَتُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَيْنًا جَازَ كُلُّ عَيْنٍ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً كَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ يَجُوزُ أَيْضًا كُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا أَوْ مَبِيعًا فِي الذِّمَّةِ كَالْمُقَدَّرَاتِ وَالْمَذْرُوعَاتِ وَمَا لَا فَلَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيهِ، وَقَوْلُهُ مَا صَحَّ ثَمَنًا صَحَّ أُجْرَةً يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَا يُنَافِي الْعَكْسَ حَتَّى صَحَّ أُجْرَةً مَا لَا يَصِحُّ ثَمَنًا أَيْضًا كَالْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ ثَمَنًا وَتَصْلُحَ أُجْرَةً إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ كَاسْتِئْجَارِ سُكْنَى الدَّارِ بِزِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَإِنْ اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا لَا يَجُوزُ كَاسْتِئْجَارِ الدَّارِ لِلسُّكْنَى بِالسُّكْنَى وَكَاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ فَيَكُونُ بَيْعًا بِالنَّسِيئَةِ عَلَى مَا قَالُوا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونَ كَبَيْعِ الْقُوهِيِّ بِالْقُوهِيِّ نَسِيئَةً بِخِلَافِ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ عَلَى مَا قَالُوا.
قَالَ رحمه الله (وَالْمَنْفَعَةُ تُعْلَمُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ كَالسُّكْنَى وَالزِّرَاعَةِ فَيَصِحُّ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَيَّ مُدَّةٍ كَانَتْ) وَمِنْهُ الْأَجِيرُ الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَيَجُوزُ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ تَأَخَّرَتْ بِأَنْ كَانَتْ مُضَافَةً أَوْ تَقَدَّمَتْ بِأَنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِوَقْتِ الْعَقْدِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقَدِّرُهُ بِسَنَةٍ فِي رِوَايَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ جَوَازَهَا كَانَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى أَكْثَرَ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةٍ يُقَدِّرُهُ بِثَلَاثِينَ سَنَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يُسْتَعْمَلُ بِالْأُجْرَةِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ تَجُوزُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَنَافِعِ كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ فَجَازَ مُؤَبَّدًا. قُلْنَا كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ لَهَا كَوْنُهَا مَعْلُومَةً وَلَا مَعْنَى لِمَنْعِهِ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ مَعْلُومَةً. أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ شُعَيْبٍ عليه الصلاة والسلام {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] فَجَازَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَكُونُ مَعْلُومَةً إلَّا بِضَرْبِ الْمُدَّةِ لَهَا فَلَا تَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلَةً بِخِلَافِ بَيْعِ الْأَعْيَانِ فَإِنَّهَا مَعْلُومَةٌ بِدُونِهِ وَمِنْ شَرْطِهَا التَّأْبِيدُ أَيْضًا حَتَّى لَوْ ضَرَبَ لَهُ أَجَلًا فَسَدَ الْبَيْعُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَضْرِبَ لَهَا أَجَلًا لَا يَعِيشُ إلَيْهِ مِثْلُهُ عَادَةً؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ كَالْمُتَحَقِّقِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ حَتَّى يُحْكَمَ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ عِنْدَ مَوْتِ أَقْرَانِهِ فَصَارَ كَالتَّأْبِيدِ مَعْنًى فَلَا يَجُوزُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ التَّأْبِيدَ يُبْطِلُهَا وَبِهِ كَانَ يَقْضِي الْقَاضِي أَبُو عِصْمَةَ الْعَامِرِيُّ وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَ ذَلِكَ وَالْخَصَّافُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْخِيرَةَ فِي هَذَا الْكَلَامِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ وَأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّوْقِيتَ وَلَا يَقْتَضِي تَعْيِينَ الْوَقْتِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يُزَادُ فِي الْأَوْقَافِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ تُزَادَ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فِي الْأَوْقَافِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ خَوْفًا مِنْ دَعْوَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنَّهُ مِلْكُهُ إذَا تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْحِيلَةَ فِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ أَنْ يَعْقِدَ عُقُودًا كُلُّ عَقْدٍ عَلَى سَنَةٍ وَيَكْتُبَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ اسْتَأْجَرَ الْوَقْفَ كَذَا وَكَذَا سَنَةً بِكَذَا وَكَذَا عَقْدًا فِي كُلِّ عَقْدٍ سَنَةٌ وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْحِيلَةَ فِيهِ أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يُجِيزَهُ وَكَانَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ رحمه الله يُفْتِي بِالْجَوَازِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي الضِّيَاعِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْمَنْعِ وَفِي غَيْرِ الضِّيَاعِ كَانَ يُفْتِي بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِيمَا زَادَ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا إذَا كَانَتْ
الْمَصْلَحَةُ
فِي الْجَوَازِ هَذَا إذَا لَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَى مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَإِنْ اشْتَرَطَ لِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ الْمُدَّةِ فَهُوَ عَلَى مَا شَرَطَ طَالَ أَوْ قَصُرَ؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الْوَاقِفِ تُرَاعَى كَالنُّصُوصِ.
. قَالَ رحمه الله (أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ كَا لِاسْتِئْجَارِ عَلَى صَبْغِ الثَّوْبِ وَخِيَاطَتِهِ) أَيْ الْمَنْفَعَةُ تُعْلَمُ بِالتَّسْمِيَةِ كَمَا فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ وَمِنْهُ اسْتِئْجَارُ الدَّابَّةِ لِلْحَمْلِ أَوْ لِلرُّكُوبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ الْمَصْبُوغَ وَالصَّبْغَ وَقَدْرَ مَا يَصْبُغُ بِهِ وَجِنْسَهُ وَجِنْسَ الْخِيَاطَةِ وَالْمَخِيطِ وَمَنْ يَرْكَبُ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْقَدْرَ الْمَحْمُولِ عَلَيْهَا وَالْمَسَافَةَ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً بِلَا شُبْهَةٍ فَصَحَّ الْعَقْدُ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَمَلِ كَاسْتِئْجَارِ الْقَصَّارِ وَنَحْوِهِ. قَالَ رحمه الله (أَوْ بِالْإِشَارَةِ كَالِاسْتِئْجَارِ عَلَى نَقْلِ هَذَا الطَّعَامِ إلَى كَذَا) أَيْ تَكُونُ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً بِالْإِشَارَةِ كَمَا ذَكَرَهُ مِنْ نَقْلِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ الْمَنْقُولُ وَالْمَكَانُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ قَرِيبٌ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ.
قَالَ رحمه الله (وَالْأُجْرَةُ لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ بِشَرْطِهِ أَوْ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْهُ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمَنْفَعَةِ إلَخْ) لَمَّا ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ وَاقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَصِحُّ حَتَّى تَكُونَ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً شَرَعَ يَذْكُرُ كَيْفَ تُعْلَمُ الْمَنَافِعُ فَقَالَ وَالْمَنْفَعَةُ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ كَالْمُتَحَقِّقِ إلَخْ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَيْ قَالَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَلَوْ أَسْتَأْجِرَ مِائَتَيْ سَنَةٍ بِكَذَا فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشَ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ فَيَقَعُ بَعْضُهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَبَعْضُهُ بَعْدَ الْوَفَاةِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ خَوْفًا مِنْ دَعْوَى الْمُسْتَأْجِرِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ الْمُسْتَأْجِرِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ بِكَذَا، وَكَذَا عَقْدًا فِي كُلِّ عَقْدٍ إلَخْ) فَيَكُونُ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ لَازِمًا وَالثَّانِي غَيْرَ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ مُضَافٌ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ) يَعْنِي الْمَنْفَعَةَ تَارَةً تُعْلَمُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِمُجَرَّدِ التَّسْمِيَةِ بِدُونِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ الْمَصْبُوغَ) أَيْ الثَّوْبَ الَّذِي يُصْبَغُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّبْغُ) أَحْمَرُ أَوْ نَحْوُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدْرَ مَا يَصْبُغُ بِهِ) أَيْ إذَا كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمَسَافَةُ) يَتَعَلَّقُ بِالْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ جَمِيعًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْأُجْرَةُ لَا تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتُسْتَحَقُّ بِإِحْدَى مَعَانٍ ثَلَاثٍ إمَّا بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ أَوْ بِالتَّعْجِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ اهـ قَوْلُهُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ أَيْ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا وَتَسْلِيمُهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ أَمَّا نَفْسُ الْوُجُوبِ فَثَابِتٌ بِنَفْسِ الْعَقْدِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَكِنْ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً فَإِذَا كَانَتْ فَاسِدَةً لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْأَجْرِ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ الَّتِي تَحْدُثُ
أَيْ لَا تُمْلَكُ الْأُجْرَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، وَإِنَّمَا تُمْلَكُ بِالتَّعْجِيلِ أَوْ بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهِيَ الْمَنْفَعَةُ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَائِهِ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فِي الْمُدَّةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَيَجِبُ تَسْلِيمُهَا عِنْدَ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي الْبَدَلَيْنِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَعْدُومَةَ عِنْدَهُ جُعِلَتْ مَوْجُودَةً حُكْمًا؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ»
وَلِلشَّارِعِ جَعْلُ الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً مَوْجُودًا حُكْمًا كَمَا جَعَلَ النُّطْفَةَ فِي الرَّحِمِ كَالْحَيِّ حُكْمًا فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالْإِرْثِ، وَكَذَا يَجْعَلُ الْمَوْجُودَ حَقِيقَةً كَالْمَعْدُومِ حُكْمًا كَمَا جَعَلَ الْمُرْتَدَّ الْمُلْتَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مَيِّتًا فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَالْإِرْثِ وَعِتْقِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ كَالْمَوْجُودِ جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ بِالدَّيْنِ، وَلَوْ كَانَ مَعْدُومًا وَلَمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ دَيْنًا بِدَيْنٍ وَهُوَ حَرَامٌ شَرْعًا وَلَنَا أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ بِتَقَابُلِ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمِلْكِ وَالتَّسْلِيمِ، وَأَحَدُ الْبَدَلَيْنِ هُوَ الْمَنْفَعَةُ لَمْ تَصِرْ مَمْلُوكَةً بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْمَعْدُومِ فَكَذَا فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ
وَلَوْ مَلَكَ الْأُجْرَةَ لَمَلَكَهَا بِغَيْرِ بَدَلٍ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ قَضِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ فَتَأَخُّرُ الْمِلْكِ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَجَوَازُ الْعَقْدِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَعْدُومَ جُعِلَ مَوْجُودًا حُكْمًا وَكَيْفَ يُقَالُ ذَلِكَ وَالْمَوْجُودُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ لَا يَقْبَلُ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّهُ عَرْضٌ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّسْلِيمُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّسْلِيمُ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْعَقْدِ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعَيْنَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ وُجُودِ الْمَنْفَعَةِ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَفِي حَقِّ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ إذْ الْعَيْنُ هِيَ الَّتِي يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا دُونَ الْعَرْضِ فَانْعَقَدَ فِي حَقِّهَا فِي الْحَالِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا وَصَارَ الْعَقْدُ مُضَافًا غَيْرَ مُنْعَقِدٍ لِلْحَالِ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يُتَصَوَّرُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ مُضَافًا إلَى وَقْتِ حُدُوثِهَا فَيَنْعَقِدُ الْعَقْدُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ عَلَى حَسَبِ وُجُودِهَا شَيْئًا فَشَيْئًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ فِي حُكْمِ عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ، وَإِنَّمَا قَامَتْ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ فِي حَقِّ الِانْعِقَادِ وَالتَّسْلِيمِ ضَرُورَةَ عَدَمِ تَصَوُّرِهِمَا فِي الْمَنْفَعَةِ
وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْمِلْكِ فِي الْبَدَلِ إذَا مَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَثْبُتُ بِقَدْرِهَا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ مِلْكِ الْبَدَلِ كَمَا لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ مُضَافًا إلَى وَقْتِ حُدُوثِهَا غَيْرَ مُنْعَقِدٍ لِلْحَالِ فِي حَقِّهِمَا وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فَإِنَّ فِيهِ قَلْبَ الْحَقَائِقِ وَهُوَ جَعْلُ الْمَعْدُومِ مَوْجُودًا وَمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إقَامَةُ السَّبَبِ وَهُوَ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ وَهِيَ الْمَنْفَعَةُ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ التَّغْيِيرِ مَعْهُودٌ فِي الشَّرْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّارِعَ أَقَامَ السَّفَرَ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهَا وَأَقَامَ الْبُلُوغَ مَقَامَ اعْتِدَالِ الْعَقْلِ حَتَّى عَلَّقَ التَّكْلِيفَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ لَا تُحْصَى، وَإِنَّمَا جَازَ الِاسْتِئْجَارُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ فَلَمْ تَصِرْ الْمَنْفَعَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَجِبُ بَدَلُهَا أَيْضًا
وَعِنْدَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ فِيهَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مِنْهَا الْمَنَافِعُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لَا تَسْلِيمَ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ عَيْنِ الْمَنْفَعَةِ لَا يُتَصَوَّرُ فَقَامَ تَسْلِيمُ الْعَيْنِ مَقَامَ تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ وَلَكِنْ يُعْتَبَرُ التَّسْلِيمُ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا
وَقَدْ تَحَقَّقَ التَّسْلِيمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَمَتَى تَحَقَّقَ التَّسْلِيمُ الْمُسْتَحَقُّ وَجَبَ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعُ بِهَا كَمَا إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى مَكَان مَعْلُومٍ لِيَرْكَبَهَا فَذَهَبَ بِهَا وَلَمْ يَرْكَبْهَا وَلَمْ يَحْمِلْ عَلَيْهَا شَيْئًا فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَجْرُ، وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا لِيَسْكُنَهَا فَسَلَّمَ الْمُؤَجِّرُ الْمِفْتَاحَ إلَيْهِ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَجْرُ عَلَيْهِ سَكَنَ الدَّارَ أَوْ لَمْ يَسْكُنْ إلَّا إذَا مَنَعَهُ مَانِعٌ مِنْ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ فَأَخْرَجَهُ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ عَنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ عَلَيْهِ. إلَى هُنَا لَفْظُهُ رحمه الله
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى الْكُوفَةِ فَسَلَّمَهَا الْمُؤَجِّرُ وَأَمْسَكَهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ الْمَسِيرُ فِيهَا إلَى الْكُوفَةِ فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَاقَهَا مَعَهُ إلَى الْكُوفَةِ وَلَمْ يَرْكَبْهَا وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ الْأُجْرَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ دَلِيلُنَا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مَسَافَةٍ فَالتَّسْلِيمُ فِي غَيْرِهَا لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْبَدَلَ كَمَا لَوْ وَقَعَ عَلَى مُدَّةٍ فَسَلَّمَ فِي غَيْرِهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْبَدَلَ، فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ قَبَضَ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ وَتَمَكَّنَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا فَوَجَبَ أَنْ تَسْتَقِرَّ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ. أَصْلُهُ إذَا اسْتَأْجَرَهَا شَهْرًا لِلرُّكُوبِ قِيلَ لَهُ التَّمَكُّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فِي غَيْرِ الْمُدَّةِ وَالْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمُدَّةِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا وَقَعَ عَلَى الْعَمَلِ
وَفَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ يَوْمًا لِلْخِيَاطَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَاهُنَا قُيُودًا لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ أَحَدُهَا التَّمَكُّنُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْمُدَّةِ حَتَّى إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ أَوْ تَمَكَّنَ فِي غَيْرِ الْمُدَّةِ لَا يَجِبُ الْأَجْرُ، وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى لَا يَجِبُ الْأَجْرُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِحَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ فِيهَا تَجِبُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَهُوَ أَنْ لَا يَثْبُتَ لِلْمُؤَجِّرِ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِهَا فِي الْحَالِ وَلَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَبْدًا وَهُوَ قَرِيبُهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ اهـ
(قَوْلُهُ فَلَمْ تَصِرْ الْمَنْفَعَةُ دَيْنًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قِيلَ لَوْ لَمْ تُمْلَكْ الْمَنَافِعُ يَلْزَمُ الِافْتِرَاقُ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ قُلْنَا لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَزِمَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَمَّا جَازَ التَّفَرُّقُ مِنْ غَيْرِ تَقَابُضٍ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا بِدَيْنٍ بَطَلَ مَا قَالُوا، اهـ
وَهُوَ زَمَانُ حُدُوثِهَا تَصِيرُ هِيَ مَقْبُوضَةً فَلَا يَكُونُ دَيْنًا بِدَيْنٍ أَصْلًا، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ مُنْعَقِدًا فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ لَمَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ أَصْلًا كَمَا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِهِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ الْمَعْدُومُ كَالْمُسْتَوْفَى لَجَازَ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ أَيْضًا كَمَا إذَا بَاعَ الْعَيْنَ بِالدَّيْنِ فَإِذَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي الْأُجْرَةِ لِتَحَقُّقِ الْمُسَاوَاةِ وَإِنْ عَجَّلَهَا أَوْ اشْتَرَطَ تَعْجِيلَهَا فَقَدْ الْتَزَمَهُ بِنَفْسِهِ وَأَبْطَلَ الْمُسَاوَاةَ الَّتِي اقْتَضَاهَا الْعَقْدُ فَصَحَّ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ إلَى وَقْتٍ بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ حَيْثُ يَكُونُ الشَّرْطُ بَاطِلًا وَلَا يَلْزَمُهُ لِلْحَالِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ فِيهِ لَيْسَ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ بَلْ بِالتَّصْرِيحِ بِالْإِضَافَةِ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبِلِ وَالْمُضَافُ إلَى وَقْتٍ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَتَغَيَّرُ هَذَا الْمَعْنَى بِالشَّرْطِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا لَا يَجِبُ لِاقْتِضَاءِ الْعَقْدِ الْمُسَاوَاةَ وَلَيْسَ بِمُضَافٍ صَرِيحًا فَيَبْطُلُ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِالتَّصْرِيحِ عَلَى خِلَافِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ يَجِبُ فِي الْحَالِ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ حَتَّى يُسْلِمَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ، ثُمَّ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ تَأَخَّرَ بِالْقَصْدِ صَرِيحًا وَلَا يُقَالُ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْأُجْرَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا لَمَا صَحَّ، وَكَذَا يَصِحُّ الِارْتِهَانُ وَالْكَفَالَةُ بِهَا، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِسُكْنَى دَارِهِ سَنَةً وَسَلَّمَ الدَّارَ إلَيْهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا فَلَوْ لَمْ تَمْلِكْ الْمَنْفَعَةَ وَلَمْ تَقْبِضْهَا لَمَنَعَتْ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله لِعَدَمِ وُجُوبِهِ كَالْمُضَافَةِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ فَجَازَ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ وَالْجَوَابُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ فَجَازَ إبْرَاءُهُ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْقِصَاصِ بَعْدَ الْجُرْحِ وَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ لِلْوَثِيقَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْوُجُوبِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا جَائِزَانِ بِالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ الْخِيَارُ وَبِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ وَجَازَتْ الْكَفَالَةُ بِالدَّرْكِ وَجَازَ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ فَكَذَا بِهَا الدَّيْنُ، أَمَّا جَوَازُ الْكَفَالَةِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِشُرُوطٍ مُلَائِمَةٍ فَهَذَا لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْهُ، وَأَمَّا الرَّهْنُ فَلِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِلدَّيْنِ حُكْمًا فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالِاسْتِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ فَلَوْ اسْتَوْفَى الْأُجْرَةَ هُنَا حَقِيقَةً جَازَ فَكَذَا حُكْمًا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا بَعْدَ تَسْلِيمِ الدَّارِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى مَا سَمَّى لَهَا بِرِضَاهَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِمِثْلِهِ عَادَةً عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَجَّلَتْ الْمَهْرَ كُلَّهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا قَبْلَ حُلُولِهِ فَكَذَا هَذَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَسَلَّمَتْ الدَّارَ وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَقَوْلُهُ لِلشَّارِعِ جَعْلُ الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً مَوْجُودًا حُكْمًا إلَخْ
قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ عَهِدْنَا ذَلِكَ فِيمَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ وُجُودِهِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُقَدَّرُ حُكْمًا إذَا كَانَ يُمْكِنُ تَصَوُّرُهُ حَقِيقَةً كَمَا فِي الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ فَإِنَّ الْحَيَّ يُتَصَوَّرُ مَوْتُهُ، وَكَذَا بِالْعَكْسِ، وَأَمَّا الْمَنَافِعُ فَلَا تَقْبَلُ الْعَقْدَ أَصْلًا حَتَّى فِي حَالِ وُجُودِهَا عَلَى مَا بَيِّنَاهُ فَكَيْفَ يُقَدَّرُ وُجُودُهَا لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَلَيْسَ فِي وُجُودِهَا جَوَازُهُ بَلْ بُطْلَانُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا عَلَى أَنَّ مَا اعْتَبَرَهُ قَلْبٌ وَمَا اعْتَبَرْنَاهُ تَغْيِيرٌ فَكَانَ أَوْلَى عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ غُصِبَتْ مِنْهُ سَقَطَ الْأَجْرُ) أَيْ لَوْ غُصِبَتْ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ سَقَطَ الْأَجْرُ كُلُّهُ فِيمَا إذَا غُصِبَتْ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ وَإِنْ غُصِبَتْ فِي بَعْضِهَا سَقَطَ بِحِسَابِهَا لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَهُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ لَا حَقِيقَةِ الِانْتِفَاعِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ، وَهَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ؟ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَنْفَسِخُ، وَقَالَ الْقَاضِي فَخْرُ الدِّينِ فِي فَتَاوَاهُ وَالْفَتْوَى لَا تَنْتَقِضُ.
قَالَ رحمه الله (وَلِرَبِّ الدَّارِ وَالْأَرْضِ طَلَبُ الْأَجْرِ كُلَّ يَوْمٍ وَلِلْجَمَّالِ كُلَّ مَرْحَلَةٍ وَلِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْإِجَارَةَ مُعَاوَضَةٌ وَالْمِلْكُ فِي الْمَنَافِعِ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ زَمَانَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَكَذَا يَصِحُّ الِارْتِهَانُ وَالْكَفَالَةُ بِهَا) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ قُبَيْلَ فَصْلِ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ رَجُلٌ آجَرَ دَارًا مِنْ رَجُلٍ سَنَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وُهِبْت مِنْك جَمِيعُ الْأَجْرِ أَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ الْأَجْرِ صَحَّ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَلَا يَصِحُّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ، وَلَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك عَنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ هَذَا الْأَجْرِ أَوْ قَالَ عَنْ تِسْعِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ صَحَّ
وَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِجَارَةِ أَبْرَأْتُك عَنْ الْأَجْرِ صَحَّ عَنْ الْكُلِّ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ صَحَّ إبْرَاؤُهُ عَمَّا مَضَى وَلَا يَصِحُّ عَمَّا يُسْتَقْبَلُ وَلَوْ كَانَ تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ شَرْطًا فِي الْإِجَارَةِ، ثُمَّ وُهِبَ مِنْهُ الْأَجْرُ أَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْأَجْرِ صَحَّ فِي قَوْلِهِمْ وَلَوْ آجَرَ دَارِهِ، ثُمَّ وَهَبَ لَهُ أَجْرَ رَمَضَانَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ رحمه الله إنْ اسْتَأْجَرَهَا سَنَةً جَازَ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا مُشَاهَرَةً لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا وُهِبَ مِنْهُ بَعْدَ مَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ.
قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا الْجَوَابُ يُوَافِقُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ رحمه الله وَبِهِ نَأْخُذُ. اهـ. وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ رحمه الله وَلَوْ وُهِبَ بَعْضَ الْأُجْرَةِ أَوْ أَبْرَأَ مِنْهُ جَازَ إجْمَاعًا أَمَّا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَجُوزُ عِنْدَهُ فِي الْجَمِيعِ فَكَذَا فِي الْبَعْضِ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فَهِبَةُ الْبَعْضِ حَطٌّ تُلْحَقُ بِالْأَصْلِ فَيَصِيرُ كَالْمَوْجُودِ فِي حَالِ الْعَقْدِ وَهِبَةُ الْجَمِيعِ لَا تُلْحَقُ بِالْعَقْدِ فَتَثْبُتُ فِي الْحَالِ وَلَيْسَ هُنَاكَ حَقٌّ وَاجِبٌ فَلَا يَصِحُّ، وَأَمَّا إذَا وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ وَهِيَ دَيْنٌ فَلَا بَأْسَ بِالْبَرَاءَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَاجِبٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ سَقَطَ الْأَجْرُ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأُجْرَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّعْجِيلُ إمَّا بِاسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ أَوْ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ الِاسْتِيفَاءُ وَالتَّمَكُّنُ مِنْهُ أَصْلًا فَلَا تُسْتَحَقُّ الْأُجْرَةُ اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِرَبِّ الدَّارِ وَالْأَرْضِ طَلَبُ الْأَجْرِ كُلَّ يَوْمٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يُطَالِبُهُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَلَوْ كَانَتْ مِائَةَ سَنَةٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ عَمَلِهِ) وَإِذَا اشْتَرَطَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ أَوْ تَأْخِيرَهُ فَهُوَ عَلَى مَا اشْتَرَطَهُ لِمَا أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ قَضِيَّةِ الْمُعَادَلَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ الْمِلْكُ فِي الْأُجْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، ثُمَّ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ فِي الْكُلِّ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الْمَنْفَعَةِ وَالْعَمَلِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَنَافِعِ وَالْعَمَلِ فَلَا يَتَوَزَّعُ الْأَجْرُ عَلَى أَجْزَائِهَا كَالثَّمَنِ فِي الْمَبِيعِ وَالرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا فَقَالَ إنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْمُدَّةِ كَمَا فِي إجَارَةِ الدَّارِ وَالْأَرْضِ أَوْ عَلَى قَطْعِ الْمَسَافَةِ كَمَا فِي كِرَاءِ الدَّابَّةِ يَجِبُ الْأَجْرُ بِحِصَّةِ مَا اسْتَوْفَى مِنْ الْمَنَافِعِ إذَا كَانَ لِلْمُسْتَوْفِي أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَفِي الدَّارِ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ وَفِي الْمَسَافَةِ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ بِحِسَابِهِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ إلَّا أَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حِصَّتَهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ وَلَا يَتَفَرَّغُ لِغَيْرِهِ فَرَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ مَعْلُومَةٌ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ
وَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ مَقْصُودٌ فَيَجِبُ الْبَدَلُ بِحِصَّتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى الْعَمَلِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْقِصَارَةِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْبَعْضِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِمُقَابَلَتِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْعَمَلِ فَيَسْتَحِقَّ الْكُلَّ، وَكَذَا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْعَمَلِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ والتمرتاشي أَنَّهُ إذَا خَاطَ الْبَعْضَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ يَجِبُ الْأَجْرُ لَهُ بِحِسَابِهِ حَتَّى إذَا سُرِقَ الثَّوْبُ بَعْدَ مَا خَاطَ بَعْضَهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ وَاسْتَشْهَدَ فِي الْأَصْلِ عَلَى ذَلِكَ بِمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إنْسَانًا لِيَبْنِيَ لَهُ حَائِطًا فَبَنَى بَعْضَهُ، ثُمَّ انْهَدَمَ فَلَهُ أَجْرُ مَا بَنَى فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِبَعْضِ الْعَمَلِ فِي الْكُلِّ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَفِي سُكْنَى الدَّارِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ فَصَارَ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ تَسْلِيمِ الدَّارِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ وَفِي الْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا لَا يَكُونُ مُسْلَمًا إلَيْهِ إلَّا إذَا سَلَّمَهُ إلَى صَاحِبِهِ حَقِيقَةً فَفِي خِيَاطَتِهِ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ إذْ هُوَ فِي مَنْزِلِهِ وَالْمَنْزِلُ فِي يَدِهِ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ الْحَقِيقِيِّ فَيَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ، وَلِهَذَا إذَا فَرَغَهُ فِي مَنْزِلِهِ يَجِبُ الْأَجْرُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ إلَيْهِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَصَاحِبُ التَّجْرِيدِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا فِي سُكْنَى الدَّارِ أَوْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ رَوَى الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا عَنْهُ فِي الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَعَلَى مَا ذَكَرُوهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكُلِّ.
قَالَ رحمه الله (وَلِلْخَبَّازِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُبْزِ مِنْ التَّنُّورِ) يَعْنِي لِلْخَبَّازِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْأَجْرِ إذَا أَخْرَجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَرَغَ فَيَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ كَالْخَيَّاطِ إذَا فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ، هَذَا إذَا كَانَ يَخْبِزُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَإِنْ كَانَ فِي مَنْزِلِ الْخَبَّازِ لَمْ يَكُنْ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ مِنْ التَّنُّورِ. قَالَ رحمه الله (فَإِنْ أَخْرَجَهُ فَاحْتَرَقَ فَلَهُ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) يَعْنِي إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ التَّنُّورِ، ثُمَّ احْتَرَقَ هَذَا إذَا كَانَ يَخْبِزُ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْمَنَافِعِ) أَيْ وَهِيَ لَمْ تَصِرْ مُسْلَمَةً إلَيْهِ فَلَا يُطَالِبُهُ بِبَدَلِهَا اهـ (قَوْلُهُ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ) وَكَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا فَخَاطَ بَعْضَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْعَمَلِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَيَّنَ وَقْتَ الِاسْتِحْقَاقِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِكَذَا سَنَةً عَلَى أَنْ تُعْطِيَ الْأُجْرَةَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ وَلَنَا أَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ بَدَلُهُ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَمَا فِي كِرَاءِ الدَّابَّةِ) الْكِرَاءُ بِالْمَدِّ الْأُجْرَةُ. اهـ. مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ فَفِي الدَّارِ يَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ) أَيْ لِأَنَّ الْيَوْمَ مَقْصُودٌ بِالِانْتِفَاعِ وَأَخْذُ الْبَدَلِ عَنْهُ لَا يُفْضِي إلَى الضَّرَرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي الْمَسَافَةِ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ) وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَفَرَّغُ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ كَمَا يَفْرُغُ مِنْ تَسْلِيمِ أُجْرَةِ سَاعَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ أُجْرَةِ سَاعَةٍ أُخْرَى عَلَى التَّوَالِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَبِزَرْعِ رُطَبَةٍ مَفْقُودٌ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ رحمه الله. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ فَاحْتَرَقَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ خَبَّازًا لِيَخْبِزَ لَهُ فِي بَيْتِهِ قَفِيزًا مِنْ دَقِيقٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ حَتَّى يُخْرِجَ الْخُبْزَ مِنْ التَّنُّورِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَمَلِ بِالْإِخْرَاجِ فَلَوْ احْتَرَقَ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ لَا أَجْرَ لَهُ لِلْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا بِالْوَضْعِ فِي بَيْتِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْجِنَايَةُ قَالَ رضي الله عنه وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ مِثْلَ دَقِيقِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بَعْدَ حَقِيقَةِ التَّسْلِيمِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ أَدْخَلَ رَجُلًا إلَى مَنْزِلِهِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخْبِزَ لَهُ خُبْزًا فَلَمَّا أَخْرَجَهُ مِنْ التَّنُّورِ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ قَالُوا لَهُ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَمَّا عَدَمُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ لَا بِصُنْعِهِ، وَأَمَّا وُجُوبُ الْأَجْرِ فَلِأَنَّهُ أَوْفَى عَمَلَهُ وَصَارَ الْخُبْزُ مُنْتَفَعًا بِهِ فَصَحَّ التَّسْلِيمُ اهـ
قَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ عَدَمُ الضَّمَانِ عَلَى الْخَبَّازِ إذَا احْتَرَقَ الْخُبْزُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ أَقُولُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْلَقَ الْجَوَابَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ، وَكَذَا لَمْ يَذْكُرُوا الْخِلَافَ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَلْ قَالُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا فَعَنْ هَذَا قَالُوا الْجَوَابُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْلَكْ مِنْ صُنْعِهِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ
وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخِلَافَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ بِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ، وَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ التَّنُّورِ فَوَضَعَهُ وَهُوَ يَخْبِزُ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَقَدْ فَرَغَ فَإِنْ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَتِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ فَرَغَ مِنْ الْعَمَلِ وَصَارَ مُسْلِمًا لَهُ
؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ صَارَ مُسْلَمًا إلَيْهِ إذْ الْمَنْزِلُ فِي يَدِهِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِوَضْعِهِ فِيهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَلَوْ احْتَرَقَ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَاحْتَرَقَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لِهَلَاكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ لَا قِيمَةَ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا خَاطَ الثَّوْبَ فِي مَنْزِلِ صَاحِبِ الثَّوْبِ حَيْثُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِخِيَاطَةِ بَعْضِهِ وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَهُ قِيمَةٌ وَيُنْتَفَعُ بِهِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِالْإِخْرَاجِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ احْتَرَقَ فِي التَّنُّورِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةُ يَدِهِ وَإِنْ كَانَ الْخَبَّازُ يَخْبِزُ فِي مَخْبِزِ نَفْسِهِ لَا يَسْتَحِقُّ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ التَّنُّورِ الْمُطَالَبَةَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ الْخُبْزُ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ مُسْلَمًا إلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ لَيْسَ فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ الْحَقِيقِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا خَبَزَ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ هَلَكَ هُنَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى صَاحِبِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ الْحَقِيقِيِّ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ عِنْدَهُ فِي يَدِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرِكِ أَمَانَةٌ وَعِنْدَهُمَا مَضْمُونٌ، أَمَّا إذَا صَارَ ضَامِنًا فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دَقِيقًا مِثْلَ دَقِيقِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْخُبْزِ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْحَطَبِ وَالْمِلْحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا قَبْلَ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ وَحِينَ مَا وَجَبَ الضَّمَانُ كَانَ رَمَادًا.
قَالَ رحمه الله (وَلِلطَّبَّاخِ بَعْدَ الْغَرْفِ) أَيْ لِلطَّبَّاخِ أَنْ يَطْلُب الْأُجْرَةَ بَعْدَ مَا غَرَفَ الطَّبِيخَ؛ لِأَنَّ الْغَرْفَ عَلَيْهِ هَذَا إذَا كَانَ يَطْبُخُ لِلْوَلِيمَةِ وَإِنْ كَانَ يَطْبُخُ قَدْرًا خَاصَّةً لِأَهْلِ الْبَيْتِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْغَرْفُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِهِ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْعَادَةُ فِي مَوْضِعٍ لَا نَصَّ فِيهِ.
قَالَ رحمه الله (وَلِلْبَانِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ) أَيْ إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَضْرِبَ لَهُ لَبِنًا فِي أَرْضِهِ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ إذَا أَقَامَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى يُشَرِّجَهُ؛ لِأَنَّ التَّشْرِيجَ مِنْ تَمَامِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الْفَسَادِ قَبْلَهُ فَصَارَ التَّشْرِيجُ كَإِخْرَاجِ الْخُبْزِ مِنْ التَّنُّورِ وَلِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ عَادَةً وَالْمُعْتَادُ كَالْمَشْرُوطِ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْعَمَلَ قَدْ تَمَّ بِالْإِقَامَةِ، وَالِانْتِفَاعُ بِهِ مُمْكِنٌ وَالتَّشْرِيجُ عَمَلٌ زَائِدٌ عَلَيْهِ كَالنَّقْلِ إلَى مَوْضِعِ الْعِمَارَةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ طِينٌ مُنْتَشِرٌ وَبِخِلَافِ الْخُبْزِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بِإِخْرَاجِهِ مِنْ التَّنُّورِ؛ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ وَهَلَاكُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرِكِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ عِنْدَهُ فَأَمَّا قَوْلُ مَنْ يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لَهُ دَقِيقًا مِثْلَ الدَّقِيقِ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْخُبْزِ مَخْبُوزًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ عِنْدَهُمَا مَضْمُونٌ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ بِوَضْعِهِ فِي مَنْزِلِ مَالِكِهِ كَمَا لَا يَبْرَأُ مِنْ ضَمَانِ الْمَغْصُوبِ بِذَلِكَ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ صَارَ صَاحِبُ الدَّقِيقِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دَقِيقًا وَأَسْقَطَ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْلَمْ لَهُ الْعَمَلَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ خُبْزًا فَصَارَ الْعَمَلُ مُسْلَمًا لَهُ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ قَالَ وَلَا أُضَمِّنُهُ الْحَطَبَ وَالْمِلْحَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا قَبْلَ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا قِيمَةَ لَهُ اهـ
(قَوْلُهُ وَلَوْ أَحْتَرِقَ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي صُورَةِ الِاحْتِرَاقِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ التَّنُّورِ؛ لِأَنَّهُ إذَا احْتَرَقَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا. أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي بَابِ مِنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَعْمَلَ فِي بَيْتِهِ وَإِنْ احْتَرَقَ الْخُبْزُ فِي التَّنُّورِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ فِي هَذَا هُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا جَنَتْهُ يَدَاهُ بِتَقْصِيرِهِ بِالْقَلْعِ مِنْ التَّنُّورِ فَإِنْ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَخْبُوزًا أَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَإِنْ ضَمِنَهُ دَقِيقًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مَخْبُوزًا فَقَدْ وَصَلَ الْعَمَلُ إلَيْهِ مَعْنًى لِوُصُولِ قِيمَتِهِ إلَيْهِ فَكَانَ لَهُ الْأَجْرُ، وَإِذَا ضَمَّنَهُ قِيمَةَ دَقِيقِهِ لَمْ يَصِلْ الْعَمَلُ إلَيْهِ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. إلَى هُنَا لَفْظُهُ فِي شَرْحِ الْكَافِي اهـ
(قَوْلُهُ فَاحْتَرَقَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ) فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ ضَامِنٌ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ) أَيْ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّفْحَةِ الْمَاضِيَةِ مِنْ الشَّرْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ الْحَقِيقِيِّ) أَيْ لِيَخْرُجَ مِنْ ضَمَانِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ هَلَكَ هُنَا) أَيْ فِي مَنْزِلِ نَفْسِهِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلطَّبَّاخِ بَعْدَ الْغَرْفِ) أَرَادَ بِالْغَرْفِ وَضْعَ الطَّعَامِ فِي الْقِصَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَ يَطْبُخُ لِلْوَلِيمَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْوَلِيمَةُ طَعَامُ الْعُرْسِ وَالْوَكِيرَةُ طَعَامُ الْبِنَاءِ وَالْخُرْسُ طَعَامُ الْوِلَادَةِ وَمَا تُطْعِمُهُ النُّفَسَاءُ نَفْسَهَا خُرْسَةٌ وَطَعَامُ الْخِتَانِ إعْذَارٌ وَطَعَامُ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرِهِ نَقِيعَةٌ وَكُلُّ طَعَامٍ صُنِعَ لِدَعْوَةٍ مَأْدُبَةٌ وَمَأْدُبَةٌ جَمِيعًا وَيُقَالُ فُلَانٌ يَدْعُو النَّقْرَى إذَا خَصَّ وَفُلَانٌ يَدْعُو الْجَفْلَى أَوْ الْأَجْفَلِيَّ إذَا عَمّ قَالَهُ الْقُتَبِيُّ وَغَيْرُهُ.
(قَوْلُهُ إنَّ الْعَمَلَ قَدْ تَمَّ بِالْإِقَامَةِ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَإِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَضْرِبَ لَهُ لَبِنًا فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي شَيْءٍ هُوَ فِي يَدِهِ فَإِنَّ رَبَّ اللَّبِنِ لَا يَكُونُ قَابِضًا حَتَّى يَجِفَّ اللَّبِنُ وَيَنْصِبَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَا اخْتِلَافَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ حَتَّى يُشْرِجَهُ فَإِنْ هَلَكَ اللَّبِنُ قَبْلَ الْحَدِّ الَّذِي حَدَّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي قَوْلِهِ فَلَا أَجْرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَلَهُ الْأَجْرُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ يَدِهِ وَلَا فِي مِلْكِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَجْرُ حَتَّى يُسْلِمَهُ مَنْصُوبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُشْرَجًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالتَّسْلِيمُ هُوَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَبَيْنَ اللَّبِنِ وَلَكِنْ فِي أَيِّ وَقْتٍ يَصِحُّ التَّسْلِيمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا أَقَامَهُ وَعِنْدَهُمَا مَا لَمْ يُشْرِجْهُ لَمْ يَصِحَّ التَّسْلِيمُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ مَا لَمْ يُشْرِجْهُ وَتَشْرِيجُ اللَّبِنِ تَنْضِيدُهُ وَضَمُّ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ مُمْكِنٌ إلَخْ). أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانُ فَيُبْنَى بِهِ فَصَارَ كَالْخُبْرِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كَالنَّقْلِ إلَى مَوْضِعِ الْعِمَارَةِ) أَيْ فَإِنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَوْلُهُمَا لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ
قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا فَسَدَ بِالْمَطَرِ وَنَحْوِهِ بَعْدَ مَا أَقَامَهُ فَعِنْدَهُ يَجِبُ الْأَجْرُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ إذَا هَلَكَ قَبْلَ التَّشْرِيجِ هَذَا إذَا لَبَّنَ فِي أَرْضِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِالْإِقَامَةِ أَوْ بِالتَّشْرِيجِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ وَإِنْ لَبَّنَ الْأَجِيرُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى يُسْلِمَهُ وَذَلِكَ بِالْعَدِّ بَعْدَ الْإِقَامَةِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِالْعَدِّ بَعْدَ التَّشْرِيجِ وَقَدْ ذَكَرْنَا نَظِيرَهُ فِي الْخُبْزِ.
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ يَحْبِسُهَا لِلْأَجْرِ) أَيْ يَحْبِسُ الْعَيْنَ لِلْأَجْرِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَصْفٌ فِي الْمَحَلِّ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْمَبِيعِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْقَصَّارَ إذَا ظَهَرَ عَمَلُهُ بِاسْتِعْمَالِ النَّشَا كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِهِ إلَّا إزَالَةُ الدَّرَنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ كَانَ مُسْتَتِرًا وَقَدْ ظَهَرَ بِفِعْلِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ هَالِكًا بِالِاسْتِتَارِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَحْدَثَهُ فِيهِ بِالْإِظْهَارِ وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْعَيْنَ فِيمَا لِعَمَلِهِ أَثَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مُسْلَمًا إلَى صَاحِبِ الْعَيْنِ بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ فَسَقَطَ حَقُّ الْحَبْسِ بِهِ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ بِمِلْكِهِ بِإِذْنِهِ فَصَارَ كَالْقَبْضِ بِيَدِهِ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ شَخْصًا بِأَنْ يَزْرَعَ لَهُ أَرْضَهُ حِنْطَةً مِنْ عِنْدِهِ قَرْضًا فَزَرَعَهَا الْمَأْمُورُ صَارَ قَابِضًا بِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ وَصَارَ كَمَا إذَا صَبَغَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ قُلْنَا اتِّصَالُ الْعَمَلِ بِالْمَحَلِّ ضَرُورَةَ إقَامَةِ الْعَمَلِ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهَذَا الِاتِّصَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَسْلِيمٌ بَلْ رِضَاهُ فِي تَحْقِيقِ عَمَلِ الصَّبْغِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَثَرِ فِي الْمَحَلِّ إذْ لَا وُجُودَ لِلْعَمَلِ إلَّا بِهِ فَكَانَ مُضْطَرًّا إلَيْهِ وَالرِّضَا لَا يَثْبُتُ إلَّا مَعَ الِاضْطِرَارِ كَصَاحِبِ الْعُلُوِّ إذَا بَنَى السُّفْلَ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا رَاضِيًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا كَصَبْغِهِ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ فِيهِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ لِقِيَامِ يَدِهِ عَلَى الْمَنْزِلِ وَيُمْكِنُ الْعَامِلُ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْهُ بِأَنْ يَعْمَلَ فِي مَنْزِلِ نَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَيْهِ فَيَكُونُ رَاضِيًا بِالتَّسْلِيمِ مَعَ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ، نَظِيرُهُ إذَا سَلَّمَ الْمَبِيعَ بِرِضَاهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَنَظِيرُ الْأَوَّلِ إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ رِضَاهُ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَنَظِيرُ هَذَا الْخِلَافِ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ عِنْدِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ عَنْ الْمُوَكِّلِ حَتَّى يُوفِيَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي نَقْدِهِ مِنْ عِنْدِهِ
وَعِنْدَ زُفَرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ؛ لِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ يَدُ الْمُوَكِّلِ فَكَانَ فِي يَدِهِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ قُلْنَا إنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي هَذَا الْقَبْضِ فَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ عَلَى يَدِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ بِذَلِكَ. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ حَبَسَ فَضَاعَ فَلَا ضَمَانَ وَلَا أَجْرَ) لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا بِالْأُجْرَةِ شَرْعًا فَلَا يَكُونُ بِهِ مُتَعَدِّيًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِهِ وَلَا يَجِبُ لَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَذَلِكَ يُوجِبُ سُقُوطَ الْبَدَلِ كَالْمَبِيعِ إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَبْسِ عِنْدَهُمَا فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِالْحَبْسِ، ثُمَّ لِصَاحِبِ الْعَيْنِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْعَيْنِ غَيْرَ مَعْمُولَةٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يَصِرْ مُسَلَّمًا إلَيْهِ
وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا مَعْمُولَةً وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ وَهُوَ الْعَمَلُ صَارَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِتَسْلِيمِ بَدَلِهِ إلَيْهِ. قَالَ رحمه الله (وَمَنْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ كَالْحَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ لَا يَحْبِسُ لِلْأَجْرِ) لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ نَفْسُ الْعَمَلِ وَهُوَ عَرْضٌ يَفْنَى وَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهُ وَلَا لَهُ أَثَرٌ يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ حَبْسُهُ بِخِلَافِ رَادِّ الْآبِقِ فَإِنَّهُ يَحْبِسُهُ عَلَى الْجُعْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ فَأَحْيَاهُ بِالرَّدِّ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ مَوْلَاهُ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ، وَاخْتَلَفُوا فِي غَسْلِ الثَّوْبِ حَسَبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْقِصَارَةِ بِلَا نَشًا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَسْتَعْمِلُ غَيْرَهُ إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ لَيْسَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ صَارَتْ مُنْتَفَعًا بِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ بِالطَّارِئِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْفَسَادِ كَمَا بَعْدَ التَّشْرِيجِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا يَعْنِي مِنْ الصَّبَّاغِ وَالْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ وَالصَّائِغِ وَالنَّجَّارِ وَالْإِسْكَافِ وَسَائِرِ الصُّنَّاعِ أَنْ يَحْبِسُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِمَّا لَهُمْ الْعَمَلُ فِيهِ أَوْ مِمَّا عَمِلُوا حَتَّى يَقْبِضُوا الْأَجْرَ وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ قَبْضُ ذَلِكَ حَتَّى يَدْفَعَ الْأَجْرَ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ يَحْبِسُهُ الْبَائِعُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، وَأَمَّا الْحَمَّالُ وَالْجَمَّالُ وَالْمَلَّاحُ يُسْتَأْجَرُ عَلَى حَمْلِ شَيْءٍ فَلَيْسَ لَهُمْ حَبْسُ مَا حَمَلُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَا عَمَلَ لَهُمْ فِيهِ قَائِمٌ وَلَا تَأْثِيرَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فَإِنْ حَبَسَ الْحَمَّالُ الْمَتَاعَ فِي يَدِهِ فَهُوَ غَاصِبٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْحَمَّالِ يَطْلُبُ أُجْرَةً بَعْدَ مَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ قَبْلَ أَنْ يَضَعَهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ إلَخْ) قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ، وَأَمَّا الْقَصَّارُ إذَا قَصَّرَ الثَّوْبَ هَلْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ؟ قَالُوا إنْ ظَهَرَ أَثَرُ عَمَلِهِ فِي الثَّوْبِ بِاسْتِعْمَالِ النَّشَاسْتَجَهْ أَوْ بِالدَّقِّ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَمَلُهُ إلَّا الْغَسْلَ لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ كَانَ مَوْجُودًا فِي الثَّوْبِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الثَّوْبِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ مَسْتُورًا، وَقَدْ ظَهَرَ بِعَمَلِهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ كَذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذَا إذَا كَانَ عَمَلُهُ فِي دُكَّانِهِ أَمَّا إذَا خَاطَ الْخَيَّاطُ أَوْ صَبَغَ الصَّبَّاغُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ كَذَا فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمِنْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ كَالْحَمَّالِ) يُرْوَى قَوْلُهُ كَالْحَمَّالِ بِالْحَاءِ وَالْجِيمِ جَمِيعًا وَالْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُمَا الْكَرْخِيُّ جَمِيعًا فِي مُخْتَصَرِهِ، وَقَدْ مَرَّ آنِفًا وَالْأَوْلَى أَنْ يُرْوَى هُنَا بِالْحَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ عَلَى الظَّهْرِ وَعَلَى الدَّابَّةِ فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ لَفْظِ الْجَمَّالِ بِالْجِيمِ فَكَانَ أَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَسْتَعْمِلُ غَيْرَهُ إنْ شُرِطَ عَمَلَهُ بِنَفْسِهِ) وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ حَمِيدِ الدِّينِ الضَّرِيرِ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَالَ لِلْخَيَّاطِ
غَيْرَهُ إذَا شُرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامِهِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةَ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي الْخِدْمَةِ وَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِلْمَنْفَعَةِ بِلَا عَقْدٍ لِتَعَيُّنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِذَلِكَ. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَطْلَقَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عَمَلٌ فِي ذِمَّتِهِ وَيُمْكِنُهُ الْإِيفَاءُ بِنَفْسِهِ وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ كَالْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَجِيءَ بِعِيَالِهِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَجَاءَ بِمَا بَقِيَ فَلَهُ أَجْرُهُ بِحِسَابِهِ) لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ رحمه الله هَذَا إذَا كَانَ عِيَالُهُ مَعْلُومِينَ حَتَّى يَكُونَ الْأَجْرُ مُقَابَلًا بِجُمْلَتِهِمْ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَعْلُومِينَ يَجِبُ الْأَجْرُ كُلُّهُ وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْفَضْلِيِّ أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ فِي الْمِصْرِ لِيَحْمِلَ الْحِنْطَةَ مِنْ الْقَرْيَةِ فَذَهَبَ فَلَمْ يَجِدْ الْحِنْطَةَ فَعَادَ إنْ كَانَ قَالَ اسْتَأْجَرْتُ مِنْك مِنْ الْمِصْرِ حَتَّى أَحْمِلَ الْحِنْطَةَ مِنْ الْقَرْيَةِ يَجِبُ نِصْفُ الْأَجْرِ بِالذَّهَابِ وَإِنْ قَالَ اسْتَأْجَرْت مِنْك حَتَّى أَحْمِلَ مِنْ الْقَرْيَةِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةُ كَانَتْ بِشَرْطِ الْحَمْلِ لَا غَيْرُ وَفِي الْأُولَى كَانَ الْعَقْدُ عَلَى شَيْئَيْنِ عَلَى الذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالْحَمْلِ مِنْهُ إلَى هَاهُنَا وَقَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ فَاسْتَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ الْأَجْرُ بِحِصَّتِهِ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله مِثْلَهُ فِي السَّفِينَةِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا أَجْرَ لِحَامِلِ الْكِتَابِ لِلْجَوَابِ وَلَا لِحَامِلِ الطَّعَامِ إنْ رَدَّهُ لِلْمَوْتِ) مَعْنَاهُ إنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَذْهَبَ بِطَعَامٍ إلَى فُلَانٍ بِمَكَّةَ مَثَلًا أَوْ لِيَذْهَبَ بِكِتَابِهِ إلَيْهِ وَيَجِيءَ بِجَوَابِهِ فَذَهَبَ فَوَجَدَ فُلَانًا مَيِّتًا فَرَدَّهُ فَلَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله لَهُ الْأَجْرُ فِي الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ بِمُقَابَلَةِ حَمْلِ الطَّعَامِ إلَى مَكَّةَ وَقَدْ وَفَّى بِالْمَشْرُوطِ فَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ، ثُمَّ هُوَ بِرَدِّهِ جَانٍ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِهِ فِي الْأَجْرِ بِخِلَافِ نَقْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِيهِ لَا يُقَابِلُ الْحَمْلَ؛ لِأَنَّهُ لَا مُؤْنَةَ لَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله لَهُ الْأَجْرُ لِلذَّهَابِ فِي نَقْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ دُونَ حَمْلِ الْكِتَابِ لِخِفَّةِ مُؤْنَتِهِ بِخِلَافِ حَمْلِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِيهِ مُقَابَلٌ بِالْحَمْلِ دُونَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ؛ لِأَنَّ فِي حَمْلِ الطَّعَامِ مُؤْنَةً قُلْنَا الْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِالنَّقْلِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ وَضْعُ الطَّعَامِ هُنَاكَ وَعِلْمُ مَا فِي الْكِتَابِ فَإِذَا رَدَّهُ فَقَدْ نَقَضَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ كَمَا إذَا نَقَضَ الْخَيَّاطُ الْخِيَاطَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَلَوْ وَجَدَهُ غَائِبًا فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَ الْكِتَابَ هُنَاكَ لِيُوصَلَ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ فِي الذَّهَابِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَقْصَى مَا فِي وُسْعِهِ، وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَسُولًا لِيُبَلِّغَ رِسَالَتَهُ إلَى فُلَانٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مَثَلًا عَلَى أَنْ تَعْمَلَ بِنَفْسِك أَوْ بِيَدِك أَمَّا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ فَهُوَ مُطْلَقٌ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَطْلَقَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعْتَادِ وَالْمُتَعَارَفِ فِيمَا لَمْ يُشْتَرَطْ وَالصُّنَّاعُ يَعْمَلُونَ فِي الْعَادَاتِ بِأَنْفُسِهِمْ وَبِأُجَرَائِهِمْ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ وَأَجِيرِهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الْعَمَلِ فِي الذِّمَّةِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي فِعْلِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُوفِيَهُ بِاسْتِعَانَةِ غَيْرِهِ كَمَا فِي إيفَاءِ الدَّيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا أَجْرَ لِحَامِلِ الْكِتَابِ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَذْهَبَ بِكِتَابِهِ إلَى الْبَصْرَةِ إلَى فُلَانٍ وَيَجِيءَ بِجَوَابِهِ فَذَهَبَ فَوَجَدَ فُلَانًا قَدْ مَاتَ فَرَدَّ الْكِتَابَ قَالَ لَا أَجْرَ لَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ الْأَجْرُ فِي الذَّهَابِ. إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ فِي الْحَصْرِ وَالْمُخْتَلَفْ ذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْكِتَابَ ثَمَّةَ وَلَمْ يَرُدَّ إلَى الْمُرْسِلِ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ الذَّهَابِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ إلَى الْبَصْرَةِ وَلَمْ يَحْمِلْ الْكِتَابَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَأَجْمَعُوا
أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَسُولًا لِيُبَلِّغَ الرِّسَالَةَ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ فَذَهَبَ وَلَمْ يَجِدْ فُلَانًا فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ. إلَى هُنَا لَفْظُ قَاضِيخَانْ وَالْأَصْلُ هُنَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا انْتَقَضَ بَطَلَ الْأَجْرُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَكِنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِإِيصَالِ الْكِتَابِ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَمْ مُقَابَلٌ بِحَمْلِ الْكِتَابِ وَقَطْعِ الْمَسَافَةِ بِهِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّهُ مُقَابِلٌ بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ بِالْكِتَابِ لَا بِحَمْلِ الْكِتَابِ وَجَوَابِهِ إلَى الْكَاتِبِ؛ لِأَنَّ حَمْلَهُ يَسِيرٌ لَا يُقَابِلُ بِهِ الْبَدَلَ غَالِبًا لِخِفَّةِ مُؤْنَتِهِ، ثُمَّ قَطْعُ الْمَسَافَةِ وَقَعَ فِي الذَّهَابِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَوَجَبَ أَجْرُ الذَّهَابِ وَلَمْ يَقَعْ قَطْعُهَا فِي الْعَوْدِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَمْ يَجِبْ أَجْرُهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ دُونَ الْبَعْضِ فَوَجَبَ الْأَجْرُ بِحِسَابِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى حَمْلِ طَعَامٍ إلَى الْبَصْرَةِ فَحَمَلَ بَعْضَهُ، وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى حَمْلِ كِتَابٍ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ هُوَ إيصَالُ الْكِتَابِ إلَيْهِ لَا حَمْلُهُ وَإِنَّمَا الْحَمْلُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ وَالْأَجْرُ يُقَابَلُ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعَقْدِ دُونَ الْوَسِيلَةِ فَإِذَا رَدَّ الْكِتَابَ وَلَمْ يُوصِلْهُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَقَدْ أَبْطَلَ عَمَلَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَسْتَحِقُّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا فَخَاطَهُ، ثُمَّ فَتَّقَهُ لَا يَجِبُ لَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ نَقَضَ عَمَلَهُ فَكَذَا هُنَا صَارَ كَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَمْلِ طَعَامٍ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ فَحَمَلَهُ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَى بَغْدَادَ فَلَا أَجْرَ لَهُ فَأَشْبَهَ مَا إذَا كَانَ الْمَكْتُوبُ لَهُ حَيًّا وَلَمْ يُوصِلْهُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ الْكِتَابَ ثَمَّةَ حَيْثُ يَجِبُ لَهُ أَجْرُ الذَّهَابِ وَمَا إذَا لَمْ يَنْقُضْ عَمَلَهُ بَلْ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ وَإِمْكَانِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا لِحَامِلِ الطَّعَامِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ أَيْ مَسْأَلَةُ حَمْلِ الطَّعَامِ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَسُولًا إلَخْ) قَالَ