المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب الرجوع في الهبة) - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٥

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْإِقْرَارِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ)

- ‌(بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ)

- ‌(كِتَابُ الصُّلْحِ)

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ]

- ‌(بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ)

- ‌[فَصْلٌ دَيْنٌ بَيْنَهُمَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ لِشَرِيكِهِ]

- ‌(كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ)

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ]

- ‌(كِتَابُ الْوَدِيعَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْعَارِيَّةِ)

- ‌(كِتَابُ الْهِبَةِ)

- ‌(بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)

- ‌[فَصْلٌ وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌(بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا)

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌(بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ)

- ‌(بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْمُكَاتَبِ)

- ‌[بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ]

- ‌[ فَصْلٌ وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا]

- ‌[بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌{بَابٌ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزُهُ وَمَوْتُ الْمَوْلَى}

- ‌[كِتَابُ الْوَلَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ]

- ‌[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[ فَصْلٌ حُرْمَةُ طَرَفِ الْإِنْسَانِ]

- ‌[إقْرَار الصَّبِيّ وَالْمَجْنُون فِي الْحَجَر]

- ‌[فَصْلٌ بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَأْذُونِ]

- ‌(فَصْلٌ) غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ

- ‌(كِتَابُ الْغَصْبِ)

- ‌[ فَصْلٌ غَيَّبَ الْمَغْصُوبَ]

- ‌(كِتَابُ الشُّفْعَةِ)

- ‌(بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ)

- ‌(بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ)

- ‌(بَابُ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ)

- ‌(كِتَابُ الْقِسْمَةِ)

- ‌[مَا تَشْتَمِل عَلَيْهِ الْقِسْمَة]

- ‌[الْإِجْبَار عَلَى الْقِسْمَة]

- ‌(كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ)

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْمُزَارَعَة]

- ‌[مَاتَ الْمَزَارِع قَبْل الزَّرْع]

- ‌(كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ)

- ‌[مَا تَصِحّ فِيهِ الْمُسَاقَاة]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ]

- ‌[تفسخ الْمُسَاقَاة بِالْعُذْرِ]

- ‌[التَّسْمِيَة عِنْد الذَّبْح]

- ‌[ مَوْضِع الذَّبْح]

- ‌[حَدّ الشَّفْرَة قَبْل الذَّبْح]

- ‌ النَّخْعُ وَقَطْعُ الرَّأْسِ وَالذَّبْحُ مِنْ الْقَفَا)

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ]

- ‌[أَكُلّ الْأَرْنَب]

- ‌ذَبْحُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُطَهِّرُ لَحْمَهُ

- ‌[مَا يَحِلّ مِنْ حَيَوَان الْمَاء]

- ‌[مَا يَحِلّ بِلَا ذكاة]

الفصل: ‌(باب الرجوع في الهبة)

التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ الْحَبْسُ الدَّائِمُ وَقَدْ ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَامِلًا فَلَا شُيُوعَ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا بَقِيَ كُلُّهُ فِي يَدِ الْآخَرِ وَلَا كَذَلِكَ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمِلْكُ إلَّا فِي النِّصْفِ فَكَانَ شَائِعًا ضَرُورَةً، وَقَوْلُهُمَا لَيْسَ فِيهِ إلْزَامُ الْمُتَبَرِّعِ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ قُلْنَا نُقْصَانُ الْقَبْضِ أَيْضًا مَانِعٌ فَلَا تَكُونُ الْعِلَّةُ مُنْحَصِرَةً بِهِ فَلَا يَدُلُّ عَدَمُهَا عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلَيْنِ لَوْ وَهَبَا لِرَجُلَيْنِ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَنَصِيبَ الْآخَرِ لِلْآخَرِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ عَلَى الْوَاهِبَيْنِ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ جَوَازُ إجَارَةِ الدَّارِ مِنْ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِيهَا عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالرَّدِّ إلَى صَاحِبِهَا فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ بِحُكْمِ الْمُهَايَأَةِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى إذَا آجَرَهَا مِنْ رَجُلَيْنِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤْجِرَهَا مِنْ شَرِيكِهِ لِعَدَمِ هَذَا الْمَعْنَى وَلَا تَجُوزُ الْهِبَةُ مِنْ شَرِيكِهِ لِمَا ذَكَرْنَا.

قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ تَصَدُّقُ عَشَرَةٍ وَهِبَتُهَا لِفَقِيرَيْنِ لَا لِغَنِيَّيْنِ) أَيْ لَوْ تَصَدَّقَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى فَقِيرَيْنِ أَوْ وَهَبَهَا لَهُمَا جَازَ وَلَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَلَى غَنِيَّيْنِ وَلَا هِبَتُهَا لَهُمَا وَهَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدِ مِنْهُمَا مَجَازًا عَنْ الْآخَرِ حَيْثُ جَعَلَ الْهِبَةَ لِلْفَقِيرَيْنِ صَدَقَةً وَالصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيَّيْنِ هِبَةً، وَالِاتِّصَالُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فِي الْحُكْمِ حَتَّى أَجَازَ الصَّدَقَةَ عَلَى اثْنَيْنِ وَلَمْ يُجِزْ الْهِبَةَ لَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّدَقَةَ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ وَاحِدٌ وَالْفَقِيرُ نَائِبٌ عَنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الْهِبَةُ فَتَكُونُ تَمْلِيكًا مِنْ اثْنَيْنِ فَلَا يَجُوزُ، وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ صَحَّ وَإِنْ كَانُوا مَجْهُولِينَ؛ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَلَوْ أَوْصَى بِهِ لِأَغْنِيَاءٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ لَا يَجُوزُ وَفِي الْأَصْلِ سَوَّى بَيْنَهُمَا فَقَالَ عَقِيبَ ذِكْرِهِ الْهِبَةَ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ وَالشُّيُوعُ يَمْنَعُ الْقَبْضَ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ فِي الْبَابَيْنِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَكَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيَّيْنِ فَيَكُونُ مَجَازًا عَنْ الْهِبَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَعَلَى هَذَا لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ

وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْهِبَةُ مِنْ شَخْصَيْنِ جَائِزَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَالصَّدَقَةُ أَوْلَى فَلَا يَتَأَتَّى الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا نُعِيدُهُ، وَلَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ دَارًا لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَاهَا وَلِلْآخِرِ الثُّلُثُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ قَبَضَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ إذَا قَبَضَهُ فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ مَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا هِبَةٌ مِنْ رَجُلَيْنِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنُصَّ عَلَى نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ لَمْ يَنُصَّ وَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ النَّصُّ عَلَى الْبَعْضِ الشَّائِعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَصْدَهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ الشَّائِعِ فَلَا يَجُوزُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَهَنَ عَبْدًا عِنْدَ اثْنَيْنِ وَنَصَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَعْضِ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فَكَذَا الْهِبَةُ، وَلَوْ قَالَ لِأَحَدِهِمَا نِصْفُهُ وَلِلْآخِرِ نِصْفُهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِي رِوَايَةٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مُطْلَقُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَقْتَضِي التَّنْصِيفَ فَأَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الْمُوجَبِ فَيُجْعَلُ مَجَازًا عَنْ مُوجَبِ الْعَقْدِ فَلَا يَفْسُدُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَصَّ عَلَى التَّفَاوُتِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ لَا يَقْتَضِيهِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مَجَازًا عَنْ مُوجِبِهِ فَيَقْتَضِي شُيُوعًا فِي الْعَقْدِ ضَرُورَةً وَقِيلَ إنَّمَا جَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله فِيمَا إذَا أَجْمَلَ الْهِبَةَ لَهُمَا أَوَّلًا، ثُمَّ فَصَّلَ عَلَى التَّنْصِيفِ بِأَنْ قَالَ وَهَبْت لَكُمَا هَذِهِ الدَّارَ نِصْفُهَا لِهَذَا وَنِصْفُهَا لِهَذَا؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ لَمْ يُخَالِفْ مُوجَبَ الْإِجْمَالِ فَيَكُونُ لَغْوًا، وَأَمَّا إذَا فَصَّلَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ إجْمَالٍ بِأَنْ قَالَ وَهَبْت نِصْفَ هَذِهِ الدَّارِ لِهَذَا وَالنِّصْفَ الْآخَرِ لِهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْمَشَاعِ وَفِيمَا إذَا جَعَلَ نَصِيبَهُمَا مُتَفَاوِتًا لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ تَفْصِيلَهُ يَكُونُ مُغَيِّرًا إنْ تَقَدَّمَ الْإِجْمَالُ فَيُعْتَبَرُ فَيَكُونُ مُبْطِلًا لِلْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ إجْمَالٌ يَكُونُ هِبَةُ الْمَشَاعِ ابْتِدَاءً فَيَبْطُلُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْأَرْجَحُ وَالْأَظْهَرُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)

قَالَ رحمه الله (صَحَّ الرُّجُوعُ فِيهَا) يَعْنِي إذَا وَهَبَ لِشَخْصٍ هِبَةً وَقَبَضَهَا وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ مِنْ زِيَادَةٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ جَوَازُ إجَارَةٍ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَلَا يَلْزَمُهُ جَوَازُ إجَارَةٍ

(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ) أَيْ فِي الْهِبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِيمَا إذَا جَعَلَ نَصِيبَهُمَا مُتَفَاوِتًا) أَيْ كَالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ

[بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ]

(بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) قَدْ بَيَّنَّا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْهِبَةِ أَنَّ حُكْمَ الْهِبَةِ وُقُوعُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مِلْكًا غَيْرَ لَازِمٍ وَفَائِدَتُهُ صِحَّةُ الرُّجُوعِ وَهَذَا بَابُ مَوَاضِعِ الرُّجُوعِ وَمَا يَمْنَعُ مِنْهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ مِنْ زِيَادَةٍ) أَيْ زِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ لَا مُنْفَصِلَةٍ اهـ

ص: 97

وَمَوْتِ أَحَدهمَا وَعِوَضٍ وَخُرُوجٍ عَنْ الْمِلْكِ وَزَوْجِيَّةٍ وَقَرَابَةٍ مُحَرِّمَةٍ لِلنِّكَاحِ وَهَلَاكِ الْمَوْهُوبِ جَازَ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهَا إلَّا فِي الْوَلَدِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ» وَلِأَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ كَالْبَيْعِ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ يُضَادُّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ لَا يَقْتَضِي ضِدَّهُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ جَوَازُ الرُّجُوعِ فِي الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ كَسْبُهُ أَوْ بَعْضَهُ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يَثِبْ مِنْهَا» أَيْ لَمْ يُعَوَّضْ وَالْمُرَادُ بِهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ هِبَةً حَقِيقَةً قَبْلَهُ وَإِضَافَتُهَا إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ كَمَا يُقَالُ أَكَلْنَا خُبْزَ فُلَانٍ وَإِنْ كَانَ الْآكِلُ قَدْ اشْتَرَاهُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْهِبَةِ الْعِوَضُ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَيَادِيُّ قُرُوضٌ، وَتَأَيَّدَ ذَلِكَ أَيْضًا بِالشَّرْعِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» وَالتَّفَاعُلُ يَقْتَضِي الْفِعْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ كَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ صِفَةُ السَّلَامَةِ فِي الْمَبِيعِ. وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ عَدَمُ الِانْفِرَادِ بِالرُّجُوعِ إلَّا الْوَالِدَ فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ بِهِ فَيَكُونُ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ رِضًا وَلَا قَضَاءٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ أَمْوَالِهِ عَلَى مَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ فَكُلُوهُ هَنِيئًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ يُنَافِي الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ قُبْحِهِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَلِيقُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْمُؤْمِنُ لَا يَكْذِبُ» ، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الزَّانِي لَا يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» أَيْ لَا يَلِيقُ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ أَوْ يَزْنِيَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي صِفَةَ الْإِيمَانِ إنْ فَعَلَهُ بَلْ هُوَ قَبِيحٌ وَمَعَ الْإِيمَانِ أَقْبَحُ فَكَذَا هَذَا قَبِيحٌ كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ» وَفِعْلُ الْكَلْبِ لَا يُوصَفُ بِالْحُرْمَةِ، وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِالْقُبْحِ.

قَالَ رحمه الله (وَمَنَعَ الرُّجُوعَ دَمْعٌ خَزَقَهُ) يَعْنِي الْمَوَانِعَ لِلرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ أَشْيَاءُ يَجْمَعُهَا هَذِهِ الْحُرُوفُ عَلَى مَا نُبَيِّنُهَا أَخَذَهَا هُوَ مِنْ بَيْتِ شِعْرٍ قِيلَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ

وَمَانِعٌ عَنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَهْ

يَا صَاحِبِي حُرُوفُ دَمْعٍ خَزَقَهُ

قَالَ رحمه الله (فَالدَّالُ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ كَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَالسِّمَنِ) لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمَوْهُوبِ وَالزِّيَادَةُ لَيْسَتْ بِمَوْهُوبَةٍ فَلَا رُجُوعَ فِيهَا وَالْفَصْلُ مُتَعَذِّرٌ لِيَرْجِعَ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ فَامْتَنَعَ أَصْلًا وَبَطَلَ حَقُّ الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ التَّمَلُّكِ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ، وَحَقُّ الْمَوْهُوبِ لَهُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ فِيهِمَا فَكَانَ مُرَاعَاتُهُ أَوْلَى عِنْدَ تَعَذُّرِ الْفَصْلِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حَقَّ التَّمَلُّكِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ فَبَطَلَ أَصْلًا أَطْلَقَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ لَا يَنْقَطِعُ الرُّجُوعُ وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ فِي قِطْعَةٍ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ الْأَرْضُ كَبِيرَةً بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ مِثْلُهُ زِيَادَةً فِيهَا كُلِّهَا امْتَنَعَ فِي تِلْكَ الْقِطْعَةِ دُونَ غَيْرِهَا، وَقَوْلُهُ الْمُتَّصِلَةُ يَحْتَرِزُ مِنْ الْمُنْفَصِلَةِ كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ لِإِمْكَانِ الْفَصْلِ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ حَيْثُ يَمْتَنِعُ بِزِيَادَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَوْ رَدَّ الْأَصْلَ دُونَ الزِّيَادَةِ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا لِسَلَامَةِ الْوَلَدِ لَهُ مَجَّانًا وَرَدُّ الْوَلَدِ مَعَهَا لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ فَبَطَلَ أَصْلًا وَرَجَعَ بِالنُّقْصَانِ

وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى لَا يَرْجِعُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَوْهُوبَةِ إذَا وَلَدَتْ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ وَلَدُهَا فَلَوْ حَبِلَتْ وَلَمْ تَلِدْ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ وَالْمُرَادُ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ هُوَ الزِّيَادَةُ فِي نَفْسِ الْمَوْهُوبِ بِشَيْءٍ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْقِيمَةِ كَمَا فِي الْمَذْكُورِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَكَالْجَمَّالِ وَالْخِيَاطَةِ وَالصَّبْغِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ زَادَ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ فَلَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ لَا زِيَادَةَ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَتَضَمَّنُ الرُّجُوعُ إبْطَالَ حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَهُوَ الْمَانِعُ، وَكَذَا إذَا زَادَ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْقِيمَةِ كَمَا إذَا طَالَ الْغُلَامُ الْمَوْهُوبُ؛ لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَلَوْ نَقَلَهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان حَتَّى ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ وَاحْتَاجَ فِيهِ إلَى مُؤْنَةِ النَّقْلِ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ عِنْدَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ جَازَ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ) وَقَدْ اتَّفَقُوا أَنَّهُ إذَا وَهَبَ لِزَوْجَتِهِ أَوْ لِفَقِيرٍ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ. كَذَا فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يَثِبْ مِنْهَا») فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ لَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْعُ الرُّجُوعِ دَمْعٌ خَزَقَهُ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ الْمَوَانِعُ مِنْ الرُّجُوعِ تِسْعَةٌ الْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ لِلنِّكَاحِ، وَالزَّوْجِيَّةُ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ، وَمَوْتُ الْوَاهِبِ، وَمَوْتُ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَهَلَاكُ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ، وَخُرُوجُهُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَحُصُولُ الْعِوَضِ، وَالتَّغَيُّرُ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ وَالتَّغَيُّرُ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا التَّغَيُّرُ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ فَمَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا التَّغْيِيرُ يَمْنَعُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ إذَا وُجِدَ مِنْ الْغَاصِبِ فَلَأَنْ يَقْطَعَ حَقَّ التَّمَلُّكِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْخِيَاطَةُ وَالصَّبْغُ وَنَحْوُ ذَلِكَ) وَإِنْ قَطَعَهُ وَلَمْ يَخِطْهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الثَّوْبِ وَالنُّقْصَانُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَقَالَ أَيْضًا فِي الْكَافِي رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ أَرْضًا فَبَنَى الْمَوْهُوبُ لَهُ فِيهَا بِنَاءً، ثُمَّ أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ فَخَاصَمَهُ إلَى الْقَاضِي فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي لَيْسَ لَك أَنْ تَرْجِعَ فِيهَا، ثُمَّ هَدَمَهَا الْمَوْهُ وبُ لَهُ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي لَمْ يَقَعْ قَضَاءً حَتَّى لَا يُنْقَضَ وَإِنَّمَا وَقَعَ فَتْوَى بِنَاءً عَلَى مَانِعٍ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

ص: 98

أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَنْقَطِعُ الرُّجُوعُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله لَا يَنْقَطِعُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي الْعَيْنِ فَصَارَ كَزِيَادَةِ السِّعْرِ وَلَهُمَا أَنَّ الرُّجُوعَ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْكِرَاءِ وَمُؤْنَةِ النَّقْلِ فَبَطَلَ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ بِبَدَلٍ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ وَالْمُؤْنَةُ بِلَا بَدَلٍ، وَلَوْ وَهَبَ عَبْدًا كَافِرًا فَأَسْلَمَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ فَعَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا يَرْجِعُ، وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَفَدَاهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَلَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ الْفِدَاءُ، وَلَوْ عَلَّمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعَبْدَ الْمَوْهُوبَ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ الصَّنْعَةَ لَمْ يَمْتَنِعْ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِزِيَادَةٍ فِي الْعَيْنِ فَأَشْبَهَتْ الزِّيَادَةَ فِي السِّعْرِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رحمه الله وَيُرْوَى الْخِلَافَ بِالْعَكْسِ، وَلَوْ وَهَبَ وَصَيْفًا صَغِيرًا فَشَبَّ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَشَاخَ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَقْتَ الْهِبَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ شَبَّ وَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ سَقَطَ الرُّجُوعُ فَلَا يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالنُّقْصَانِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ لُزُومَ الْعَقْدِ.

قَالَ رحمه الله (وَالْمِيمُ مَوْتُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ)؛ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى وَرَثَتِهِ وَهُمْ لَا يَسْتَفِيدُوهُ مِنْ جِهَةِ الْوَاهِبِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ كَمَا إذَا انْتَقَلَ إلَيْهِمْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَلِأَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَصَارَ كَعَيْنٍ أُخْرَى فَلَا يَكُونُ لَهُ فِيهَا سَبِيلٌ وَبِمَوْتِ الْوَاهِبِ يَبْطُلُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ لَهُ وَهُوَ لَا يُورَثُ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ أَوْ هُوَ مُجَرَّدُ حَقٍّ وَهُوَ أَيْضًا لَا يُورَثُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ التَّعْيِينِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَهُ لِلْوَاهِبِ وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِوَاهِبٍ.

قَالَ رحمه الله (وَالْعَيْنُ الْعِوَضُ فَإِنْ قَالَ خُذْهُ عِوَضَ هِبَتِك أَوْ بَدَلَهَا أَوْ بِمُقَابَلَتِهَا فَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ سَقَطَ الرُّجُوعُ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ ثُبُوتَ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لِخَلَلٍ فِي مَقْصُودِهِ وَقَدْ زَالَ الْخَلَلُ فَصَارَ كَمَا إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ، ثُمَّ زَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنَّ الْمَدْفُوعَ عِوَضٌ عَنْ الْهِبَةِ بِأَنْ يَقُولَ خُذْ هَذَا بَدَلًا عَنْهَا أَوْ بِمُقَابَلَتِهَا أَوْ جَزَاءَهَا أَوْ ثَوَابَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُنْبِئُ أَنَّهُ عِوَضٌ عَنْهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الرُّجُوعِ ثَابِتٌ لَهُ وَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِعِوَضٍ يَرْضَى بِهِ هُوَ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ بِدُونِ رِضَاهُ وَيُشْتَرَطُ فِي الْعِوَضِ شَرَائِطُ الْهِبَةِ وَمِنْ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْلِيكٌ مُبْتَدَأٌ، وَلِهَذَا يَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْ الْمَوْهُوبِ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ

وَشَرْطُ الْعِوَضِ أَنْ لَا يَكُونَ بَعْضَ الْمَوْهُوبِ حَتَّى لَوْ عَوَّضَهُ بَعْضَ الْمَوْهُوبِ عَنْ الْبَعْضِ الْبَاقِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ ثَابِتًا فِي الْكُلِّ فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ بَعْضُهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي الْبَاقِي وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ، وَهُوَ يَقُولُ إنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ مِلْكٌ بِالْقَبْضِ فَالْتَحَقَ بِسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا، وَلَوْ وَهَبَ لِلْوَاهِبِ شَيْئًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عِوَضٌ عَنْهَا كَانَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ يَجُوزُ الْعِوَضُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ بِهَذَا الْعِوَضِ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ سَالِمًا لَهُ مِنْ قَبْلُ فَيَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَصِحُّ مِنْهُ كَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِ دُخُولُ مِلْكٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الصُّلْحِ

ثُمَّ الْأَجْنَبِيُّ هُنَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ عَنْهُ شَيْئًا وَاجِبًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ حَيْثُ يَرْجِعُ الْأَجْنَبِيُّ عَنْ الْمَدِينِ إذَا قَضَى بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَيُرْوَى الْخِلَافُ بِالْعَكْسِ) قَالَ فِي الْمُلْتَقَطَاتِ رَجُلٌ وَهَبَ لِإِنْسَانِ جَارِيَةً فَعَلَّمَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ الْمَشْطَ لَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهَا ازْدَادَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ) أَيْ فِي زِيَادَةٍ غَيْرِ حَاصِلَةٍ بِصُنْعِ الْعَبْدِ كَالسَّمْنِ أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ اتِّفَاقًا اهـ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ لُزُومَ الْعَقْدِ) وَعِنْدَ زُفَرَ الْقَوْلُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ حَقَّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ اهـ كَاكِيٌّ وَلَوْ قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَنَيْت أَوْ صَبَغْت الثَّوْبَ وَأَنْكَرَ الْوَاهِبُ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ اتِّفَاقًا اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ رحمه الله

(قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَجُوزُ إلَخْ) سَيَأْتِي هَذَا الْفَرْعُ أَيْضًا فِي الصَّفْحَةِ الْآتِيَةِ مِنْ الشَّرْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا) أَيْ وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهَذَا لِلْوَاهِبِ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ بِهِبَتِهِ مَا قَصَدَ تَحْصِيلَ دِرْهَمٍ مِنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ سَالِمًا لَهُ فَعُلِمَ أَنَّ قَصْدَهُ الْعِوَضُ الْآخَرُ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَجْنَبِيُّ هُنَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ) أَيْ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ صَرِيحًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ إلَّا إذَا قَالَ عِوَضٌ عَنِّي عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ إلَخْ) لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُعَوِّضَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّ الْهِبَةَ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالتَّبَرُّعِ عَلَى إنْسَانٍ فَتَبَرَّعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ هَاهُنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَضَاءِ الدَّيْنِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَإِذَا خَلَّصَهُ عَنْ هَذِهِ الْعُهْدَةِ بِأَمْرِهِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ صَارَ مُسْتَقْرِضًا ذَلِكَ الْقَدْرَ وَمُوَكِّلًا إيَّاهُ بِالصَّرْفِ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَجْعَلْهُ كَذَلِكَ لَمْ يُتَصَوَّرْ فَرَاغُ ذِمَّتِهِ مِمَّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَفْرُغُ إلَّا بِالْقَضَاءِ وَلَا يَقَعُ الْفِعْلُ قَضَاءً إلَّا إذَا انْتَقَلَ فِي الْمُؤَدِّي إلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوَّلًا حَتَّى إذَا قَبَضَ رَبُّ الدَّيْنِ وَجَبَ لِلْمَدْيُونِ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا لَهُ عَلَيْهِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَهَذَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى فَرَاغِ ذِمَّتِهِ بِتَقْدِيرِ الِاسْتِقْرَاضِ فَافْتَرَقَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اهـ.

(فَرْعٌ) اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إمَّا إنْ وَقَعَ عَلَى الْهِبَةِ أَوْ عَلَى الْعِوَضِ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ وَقَعَ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْ عَلَى النِّصْفِ فَإِنْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْعِوَضِ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ ثَبَتَتْ بِلَا عِوَضٍ فَصَارَ

ص: 99

وَقَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُسْقِطَ مُطَالَبَتَهُ عَنْهُ فَيَكُونَ آمِرًا بِأَنْ يُمَلِّكَهُ مَا كَانَ لِلطَّالِبِ وَهُوَ الدَّيْنُ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُمَلِّكَهُ عَيْنًا. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعِوَضِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ إلَّا لِيُسْلِمْ لَهُ الْمَوْهُوبَ كُلَّهُ فَإِذَا فَاتَ بَعْضُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ.

قَالَ رحمه الله (وَبِعَكْسِهِ لَا حَتَّى يَرُدَّ مَا بَقِيَ) أَيْ إذَا اُسْتُحِقَّ بِعَكْسِهِ وَهُوَ مَا إذَا اُسْتُحِقَّ نِصْفُ الْعِوَضِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَرُدَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِوَضٌ عَنْ الْآخَرِ فَكَمَا يَرْجِعُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِنِصْفِ الْعِوَضِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ نِصْفِ الْهِبَةِ فَكَذَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ أَيْضًا بِنِصْفِ الْهِبَةِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ نِصْفِ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ إذْ هُوَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَلَنَا أَنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْهُ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعَوِّضَهُ أَقَلَّ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ، وَلَوْ كَانَ مُعَاوَضَةً لَمَا جَازَ لِلرِّبَا، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ مَالِكٌ لِلْهِبَةِ وَالْإِنْسَانُ لَا يُعْطِي بَدَلَ مِلْكِهِ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ لِيُسْقِط حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ وَمَا بَقِيَ يَصْلُحُ لِإِسْقَاطِ الرُّجُوعِ، وَلِهَذَا لَوْ عَوَّضَهُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الِابْتِدَاءِ سَقَطَ بِهِ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ إلَّا بِسَلَامَةِ كُلِّ الْعِوَضِ لَهُ فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ كُلُّهُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ

وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْبَاقِيَ عَلَيْهِ وَرَجَعَ فِي الْهِبَةِ كَأَنَّهُ أَعْطَاهُ هَذَا الْقَدْرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلِأَنَّ لِلْعِوَضِ شَبَهَيْنِ يُشْبِهُ ابْتِدَاءَ الْهِبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ بِاخْتِيَارِهِ وَيُشْبِهُ الْمُبَادَلَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَلَكَهُ بِمُقَابَلَةِ الْهِبَةِ فَوَفَّرْنَا عَلَيْهِ حَظَّهُ مِنْهُمَا فَجَعَلْنَاهُ كَالْمُعَاوَضَاتِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ كُلِّهِ حَتَّى يَرْجِعَ بِالْهِبَةِ أَوْ بَعْضِهِ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ الْخِيَارُ وَجَعَلْنَاهُ كَالْهِبَةِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ بِالْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ رَدِّ الْبَاقِي عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ. قَالَ رحمه الله (وَلَوْ عَوَّضَ النِّصْفَ رَجَعَ بِمَا لَمْ يُعَوَّضْ) يَعْنِي إذَا عَوَّضَهُ عَنْ نِصْفِ الْمَوْهُوبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ كَانَ فِي الْكُلِّ فَإِذَا عَوَّضَهُ عَنْ بَعْضِهِ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ فِي حَقِّهِ وَبَقِيَ حَقُّهُ فِي الْبَاقِي عَلَى مَا كَانَ.

قَالَ رحمه الله (وَالْخَاءُ خُرُوجُ الْهِبَةِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ عَنْ مِلْكِهِ وَتَمْلِيكَهُ لِغَيْرِهِ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْوَاهِبِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَلِأَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَصَارَ كَعَيْنٍ أُخْرَى فَلَا يَرْجِعُ فِيهَا، وَلَوْ وَهَبَ لِمُكَاتَبِ غَيْرِهِ هِبَةً، ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَمْ يَرْجِعْ الْوَاهِبُ فِيهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله؛ لِأَنَّ هَذِهِ هِبَةٌ لِلْمُكَاتَبِ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا كَانَ الْقَبُولُ إلَيْهِ وَثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ فِيهَا فَيَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَبِالْعَجْزِ انْتَقَلَتْ إلَى مَوْلَاهُ فَصَارَ كَانْتِقَالِهَا إلَى أَجْنَبِيٍّ فَبَطَلَ حَقُّ الرُّجُوعِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَقَعَتْ لِلْمُكَاتِبِ مِنْ وَجْهٍ وَلِمَوْلَاهُ مِنْ وَجْهٍ فَبِالْعِتْقِ تَصِيرُ مِلْكًا لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبِالْعَكْسِ تَصِيرُ مِلْكًا لِمَوْلَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، ثُمَّ إذَا عَتَقَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا فَكَذَا إذَا عَجَزَ وَكَانَ اعْتِبَارُ هَذَا الْجَانِبِ أَوْلَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَانِبِ الْآخَرِ كَيْ لَا يَلْزَمَ بِالشَّكِّ. قَالَ رحمه الله (وَبِبَيْعِ نِصْفِهَا رَجَعَ فِي النِّصْفِ كَعَدَمِ بَيْعِ شَيْءٍ) يَعْنِي إذَا بِيعَ نِصْفُ الْهِبَةِ يَرْجِعُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي كَأَنْ لَمْ يُبَعْ مِنْهَا شَيْءٌ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُبَعْ مِنْهَا شَيْءٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي النِّصْفِ وَيَتْرُكَ النِّصْفَ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ فِي الْكُلِّ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَى نِصْفَهُ، وَكَذَا لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْكُلَّ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ النِّصْفَ فَكَذَا إذَا بِيعَ نِصْفُهَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَهَا الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ لَمْ يُوجَدْ إلَّا فِي النِّصْفِ فَيَتَقَدَّرُ الِامْتِنَاعُ بِقَدْرِهِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَا جَازَ الرُّجُوعُ فِي النِّصْفِ مَعَ إمْكَانِ الرُّجُوعِ فِي الْكُلِّ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ عِنْدَ الْعَجْزِ.

قَالَ رحمه الله (وَالزَّايُ الزَّوْجِيَّةُ فَلَوْ وَهَبَ، ثُمَّ نَكَحَ رَجَعَ وَبِالْعَكْسِ لَا) أَيْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

كَأَنْ لَمْ يَكُنْ عَوَّضَهُ أَصْلًا وَإِنْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْهِبَةِ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِجَمِيعِ الْعِوَضِ لِعَدَمِ سَلَامَةِ مَقْصُودِهِ مِنْ الْعِوَضِ وَهُوَ تَأَكُّدُ مِلْكِهِ فِي الْهِبَةِ هَذَا إذَا كَانَ بَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ قَائِمًا فَأَمَّا إذَا كَانَ هَالِكًا يَفْتَرِقُ الْجَوَابُ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِ الْعِوَضِ وَالْهِبَةِ فَإِنْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ وَالْهِبَةُ هَالِكَةٌ لَا يَرْجِعُ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْهِبَةِ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْهِبَةَ وَالْعِوَضُ هَالِكٌ يَرْجِعُ عَلَى الْوَاهِبِ بِقِيمَةِ الْعِوَضِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ وَبِمِثْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمُ لَهُ مَقْصُودُهُ مِنْ الْعِوَضِ وَهُوَ تَأَكُّدُ مِلْكِهِ فِي الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ حِينَ عَوَّضَهُ هَذَا عِوَضُ هِبَتِك أَوْ بَدَلُ هِبَتِك فَصَارَ كَالْوَاهِبِ إذَا نَصَّ عَلَى الْعِوَضِ حَالَةَ الْهِبَةِ. إلَى هَذَا أَشَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَفِي تَقْرِيرِهِ بَسْطٌ فَأَمَّا إذَا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَاهِبِ بِنِصْفِ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ مَقْصُودَهُ مِنْ الْعِوَضِ فِي هَذَا الْقَدْرِ وَهَذَا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا فَأَمَّا إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ مِنْ يَدِ الْوَاهِبِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ قَالَ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ الْوَاهِبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ وَرَجَعَ بِجَمِيعِ الْهِبَةِ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ مَا بَقِيَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِشَيْءٍ، وَقَالَ زُفَرُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِنِصْفِ الْهِبَةِ وَيَمْسِكُ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فِي الْأَسْرَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا تَتِمُّ بَيْعًا وَمُبَادَلَةً فَيُوَزِّعُ الْبَدَلَ عَلَى الْمُبَدِّلِ، أَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَالسُّقُوطُ حُكْمٌ وَالْعِوَضُ عِلَّةٌ وَالْحُكْمُ يَثْبُتُ بِالْعِلَّةِ وَلَا يَتَوَزَّعُ عَلَى الْعِلَلِ وَإِنْ كَثُرَتْ فَلَا يَبْطُلُ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ بِذَهَابِ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً إذَا بَقِيَ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً وَبِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعَوِّضَ مَا مَلَّكَهُ الْعِوَضَ إلَّا جَزَاءً فَيُعْتَبَرُ حُكْمُ الْمُقَابَلَةِ فِي حَقِّهِ أَمَّا الْوَاهِبُ فَمَلَكَ الْهِبَةَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَابِلَهُ شَيْءٌ فَلَمْ يُعْتَبَرْ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ وَهَذَا جَوَابُ قِيَاسِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ) أَيْ الْمَوْهُوبُ لَهُ. اهـ. .

ص: 100

لَوْ وَهَبَ لِأَجْنَبِيَّةٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ وَبِالْعَكْسِ وَهُوَ مَا إذَا وَهَبَ لِزَوْجَتِهِ، ثُمَّ أَبَانَهَا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ نَظِيرُ الْقَرَابَةِ حَتَّى يَجْرِيَ التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا بِلَا حَاجِبٍ وَتَرُدُّ شَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ فِي هِبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ الصِّلَةَ وَالتَّوَادَّ دُونَ الْعِوَضِ كَمَا فِي الْقَرَابَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ فَقَدْ حَصَلَ فَلَا يَرْجِعُ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ لِلْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الْعِوَضُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عِنْدَ فَوَاتِهِ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ حَالَةُ الْهِبَةِ فَإِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً كَانَ مَقْصُودُهُ الْعِوَضَ فَثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّزَوُّجِ وَإِنْ كَانَتْ حَلِيلَةً لَهُ كَانَ مَقْصُودُهُ الصِّلَةَ دُونَ الْعِوَضِ وَقَدْ حَصَلَ فَسَقَطَ الرُّجُوعُ فَلَا يَعُودُ بِالْإِبَانَةِ.

قَالَ رحمه الله (وَالْقَافُ الْقَرَابَةُ فَلَوْ وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا صِلَةُ الرَّحِمِ وَقَدْ حَصَلَ وَفِي الرُّجُوعِ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ فَلَا يَرْجِعُ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا كَالْعِتْقِ بِالْمِلْكِ، وَلَوْ وَهَبَ لِعَبْدٍ أَخِيهِ أَوْ لِأَخِيهِ وَهُوَ عَبْدٌ لِأَجْنَبِيٍّ رَجَعَ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا لَا يَرْجِعُ فِي الْأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمَوْلَى فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمَوْلَى وَلَهُ أَنَّ الْهِبَةَ تَقَعُ لِلْمَوْلَى مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَلِلْعَبْدِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ يَفْضُلْ عَنْ حَاجَتِهِ فَبِاعْتِبَارِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ يَلْزَمُ فِيهِمَا وَبِاعْتِبَارِ الْجَانِبِ الْآخَرِ لَا يَلْزَمُ فِيهِمَا فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ وَلِأَنَّ الصِّلَةَ قَاصِرَةٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى، وَالصِّلَةُ الْكَامِلَةُ هِيَ الْمَانِعَةُ مِنْ الرُّجُوعِ فَلَا تَتَعَدَّى إلَى الْقَاصِرَةِ، وَلَوْ كَانَا جَمِيعًا ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَاهِبِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ رحمه الله عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّ قِيَاسَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنْ يَرْجِعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صِلَةٌ كَامِلَةٌ، وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِأَيِّهِمَا وَقَعَتْ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَلَوْ وَهَبَ لِلْمُكَاتَبِ وَهُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَإِنْ عَتَقَ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ اسْتَقَرَّ لَهُ فَيَكُونُ صِلَةً فِي حَقِّهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ وَحُكْمِهِ وَإِنْ عَجَزَ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى الْمَوْلَى عِنْدَ الْعَجْزِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْمُكَاتَبِ الْأَجْنَبِيِّ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ يَظْهَرُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ وَقَعَتْ لِلْمَوْلَى مِنْ وَقْتِ الْهِبَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُكَاتَبُ أَجْنَبِيًّا وَمَوْلَاهُ قَرِيبُ الْوَاهِبِ فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ رَجَعَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَقَعَ لِلْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ عَجَزَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ وَهَبَ لِعَبْدِ أَخِيهِ عَلَى مَا مَرَّ.

. قَالَ رحمه الله (وَالْهَاءُ الْهَلَاكُ) يَعْنِي هَلَاكَ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ فَإِنَّهُ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ لِتَعَذُّرِهِ بَعْدَ الْهَلَاكِ إذْ هُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ قَالَ رحمه الله (فَلَوْ ادَّعَاهُ صُدِّقَ) أَيْ لَوْ ادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ هَلَاكَ الْهِبَةِ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْمُودِعَ. قَالَ رحمه الله (وَإِنَّمَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ) لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِالرِّضَا أَوْ بِالْقَضَاءِ وَلِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَفِي أَصْلِهِ وَهًى وَفِي عَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهِ وَوُجُودِهِ خَفَاءٌ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ الْعِوَضَ الدُّنْيَوِيَّ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ الثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ أَوْ إظْهَارَ الْجُودِ وَالسَّمَاحَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَصْلِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا فَمَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي أَوْ يَفْسَخَاهَا بِالتَّرَاضِي مِلْكُ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ مِنْ عِتْقٍ وَبَيْعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ إلَى الْحَاكِمِ

وَكَذَا لَوْ مَنَعَهُ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَا يَضْمَنُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ هَلَكَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ أَوَانَ الْقَبْضِ كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ فَلَا يَنْقَلِبُ مَضْمُونًا بِالِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهِ وَإِنْ مَنَعَهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ ضَمِنَ لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ، ثُمَّ إذَا حَصَلَ الرُّجُوعُ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالتَّرَاضِي يَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله الرُّجُوعُ بِالتَّرَاضِي عَقْدٌ جَدِيدٌ فَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ الْمُبْتَدَأَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ عَادَ إلَيْهِ بِتَرَاضِيهِمَا فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ، وَلِهَذَا لَوْ رَدَّهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِرِضَاهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَنَا أَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ انْعَقَدَ مُوجِبًا حَقَّ الْفَسْخِ لِلْوَاهِبِ وَهُوَ بِالْفَسْخِ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا حَقًّا ثَابِتًا لَهُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ غَيْرَ لَازِمٍ

فَإِذَا رُفِعَ رَجَعَ إلَيْهِ عَيْنُ مِلْكِهِ كَالْعَارِيَّةِ فَيَكُونُ فَسْخًا فِي حَقِّ الْكُلِّ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لَوْ وَهَبَ لِأَجْنَبِيَّةٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَذَلِكَ مَا وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ لَا رُجُوعَ فِيمَا وَهَبَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ لِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي كِتَابِ الْآثَارِ قَالَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ الْقَرَابَةِ أَيُّهُمَا وَهَبَ لِصَاحِبِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ إلَخْ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْعِتْقِ بِالْمُلْكِ) يَعْنِي مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَافِرًا بِخِلَافِ النَّفَقَةِ حَيْثُ لَا تَثْبُتُ لِذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ إذَا كَانَ كَافِرًا

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ) لَفْظَةُ الرُّجُوعِ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَتْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ) حَتَّى لَوْ اسْتَرَدَّهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا كَانَ غَاصِبًا فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ فِي فَسْخِ عَقْدٍ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا كَالْفَسْخِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ) أَيْ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ) أَيْ عِنْدَنَا يَرْجِعُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَرْجِعُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي أَصْلِهِ وَهًى) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي أَصْلِهِ وَهًى مَا نَصُّهُ وَهَاءٌ هَكَذَا وَقَعَ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ الْوَهَاءُ بِالْمَدِّ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ الْوَهَى وَالضَّمِيرُ فِي أَصْلِهِ لِلرُّجُوعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ص: 101