الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَيِّنَةِ، أَوْ التَّحْلِيفِ فَيَنْكُلُ وَهُوَ نَظِيرُ الصُّلْحِ مَعَ الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُنَافِي الطَّوْعَ وَالِاخْتِيَارَ فِي تَصَرُّفِهِ أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ مُضْطَرٌّ لَكِنَّ الِاضْطِرَارَ لَا يَمْنَعُ مِنْ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ كَبَيْعِ مَالِهِ بِالطَّعَامِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ.
(فَصْلٌ) قَالَ (دَيْنٌ بَيْنَهُمَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُتْبِعَ الْمَدْيُونَ بِنِصْفِهِ، أَوْ يَأْخُذَ نِصْفَ الثَّوْبِ مِنْ شَرِيكِهِ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ رُبُعَ الدَّيْنِ) يَعْنِي إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْمُصَالِحُ لِشَرِيكِهِ رُبُعَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَقْبُوضِ مِنْ الدَّيْنِ إذْ لَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْمَقْبُوضُ خَيْرٌ مِنْ الدَّيْنِ فَقَضِيَّتُهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ رُبُعَ الدَّيْنِ وَلَا يَكُونُ لَهُ سَبِيلٌ عَلَى الثَّوْبِ كَمَا فِي فَصْلِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ عِوَضَهُ لَكِنَّ الصُّلْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحَطِّ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ رُبُعَ الدَّيْنِ لَتَضَرَّرَ الْمُصَالِحُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَبْلُغُ قِيمَةُ الثَّوْبِ كُلِّهِ رُبُعَ الدَّيْنِ فَأَثْبَتْنَا لَهُ الْخِيَارَ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَدِينِ بِنَصِيبِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ
وَإِذَا رَجَعَ عَلَى الْمُصَالِحِ أَثْبَتْنَا لِلْمُصَالِحِ الْخِيَارَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ نِصْفَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ، أَوْ رُبُعَ الدَّيْنِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ بِخِلَافِ فَصْلِ الشِّرَاءِ وَالِاقْتِضَاءِ لِنَفْسِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى قَدْرَ حَقِّهِ بَلْ أَكْثَرَ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ بِرُبُعِ الدَّيْنِ وَفِي فَصْلِ الِاقْتِضَاءِ قَدْ قَبَضَ نِصْفَ الْحَقِّ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا لِمَا أَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى فِي الذِّمَّةِ فَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ مِنْهُ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ فَجَعَلْنَا الْمَقْبُوضَ كَأَنَّهُ عَيْنُ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ حَقِيقَةً؛ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْقَابِضُ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ عَيْنٌ وَالْعَيْنُ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً وَقَدْ قَبَضَهُ بَدَلًا عَنْ حَقِّهِ فَيَمْلِكُهُ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ
ثُمَّ يَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ حِصَّتَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَالدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ بِأَنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْنٌ عَلَى حِدَةٍ، أَوْ كَانَ لَهُمَا عَيْنٌ وَاحِدَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا وَبَاعَا الْكُلَّ صَفْقَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ ثَمَنِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ قِيمَةِ الْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ أَوْ بَدَلِ الْقَرْضِ مِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
لَا يَعْرِفَانِ قَدْرَ مَا عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ. اهـ. .
[فَصْلٌ دَيْنٌ بَيْنَهُمَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ لِشَرِيكِهِ]
(فَصْلٌ) هَذَا الْفَصْلُ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا ذَكَرَ مُطْلَقَ الدَّيْنِ شَرَعَ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ عَارِضٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْعَارِضِ اهـ وَقَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الدَّيْنِ الْمُفْرَدِ شَرَعَ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا فِي فَصْلِ الشِّرَاءِ) أَيْ الْآتِي فِي الْمَتْنِ وَهُوَ وَقَوْلُهُ، وَلَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ شَيْئًا ضَمَّنَهُ رُبُعَ الدَّيْنِ اهـ (قَوْلُهُ لَكِنَّ الصُّلْحَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحَطِّ)؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالِاقْتِضَاءُ لِنَفْسِ الدَّيْنِ) فِي نُسْخَةٍ وَالِاقْتِضَاءُ لِنِصْفِ الدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِمَا أَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تُتَصَوَّرُ) سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا الْمَحَلِّ التَّعْلِيلُ لِعَدَمِ جَوَازِ قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ اهـ
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقِسْمَةُ الدَّيْنِ حَالَ كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ لَا تَجُوزُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ أَنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزُ الْحُقُوقِ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِيمَا فِي الذِّمَّةِ؛ وَلِأَنَّهُمَا لَوْ اقْتَسَمَا الْأَعْيَانَ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ، أَلَا تَرَى أَنَّ صُبْرَةَ طَعَامٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ خُذْ مِنْهَا هَذَا الْجَانِبَ لَك، وَهَذَا الْجَانِبُ لِي لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ وَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ فِيمَا فِي الذِّمَّةِ لَمَّا لَمْ يَتَمَيَّزْ؛ وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقْتَسِمَيْنِ يَأْخُذُ نِصْفَ حَقِّهِ وَيَأْخُذُ الْبَاقِيَ عِوَضًا عَمَّا لَهُ فِي يَدِ الْآخَرِ وَتَمْلِيكُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَجُوزُ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ الْحَقَّيْنِ جَمِيعًا فَكَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْمَقْبُوضِ بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ أَجْوَدَ مِنْهُ فَإِنَّ الْجُودَةَ لَا يُعْتَبَرُ بِهَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ
أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إذَا أَدَّى أَجْوَدَ مِنْهُ أُجْبِرَ صَاحِبُ الدَّيْنِ عَلَى قَبْضِهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَبَضَ نَفْسَ حَقِّهِ فَلَزِمَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ أَرْدَأَ مِنْهُ فَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مِنْ دَيْنِهِ إلَّا هَذَا الْقَدْرَ فَلَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ غَيْرِهِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا جِئْنَا إلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَقُلْنَا إذَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ فَشَرِيكُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَتْبَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِنِصْفِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِنِصْفِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَرِيكُهُ بِنَصِيبِهِ ثَوْبًا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الثَّوْبِ مِنْ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَنْ نِصْفِ الدَّيْنِ وَهُوَ مُشَاعٌ بِدَلِيلِ مَا بَيَّنَّا أَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ حَالَ كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ لَا تَصِحُّ وَحَقُّ الشَّرِيكِ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ فَصَارَ عِوَضُ الثَّوْبِ نِصْفَهُ مِنْ حَقِّهِ فَوَقَفَ عَلَى إجَازَتِهِ وَأَخْذُهُ لِلنِّصْفِ دَلَالَةٌ عَلَى إجَازَةِ الْعَقْدِ فَصَحَّ ذَلِكَ وَجَازَ فَإِنْ ضَمِنَ لَهُ شَرِيكُهُ رُبُعَ الدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الثَّوْبِ سَبِيلٌ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ اهـ
(قَوْلُهُ وَبَاعَا الْكُلَّ صَفْقَةً وَاحِدَةً) قَالَ الْكَاكِيُّ رحمه الله وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُزَادَ عَلَى هَذَا وَيُقَالَ إذَا كَانَ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِشَرْطِ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ بَاعَا صَفْقَةً وَنَصِيبُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ ثُمَّ قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الزِّيَادَةَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ ثَخِيَّةً وَنَصِيبُ الْآخَرِ سُودٌ فَقَبَضَ السُّودَ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ صَفْقَةً وَاحِدَةً مَا نَصُّهُ وَاحْتَرَزَ بِالصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ الصَّفْقَتَيْنِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَلشَّرِيكُ السَّاكِتِ الْمُشَارَكَةُ، أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ رَجُلٍ بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَكَتَبَا عَلَيْهِ صَكًّا وَاحِدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يُشَارِكَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لَهُمَا فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ دَيْنٍ وَجَبَ بِسَبَبٍ عَلَى حِدَةٍ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ أَوْ قِيمَةِ الْعَيْنِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى ثَمَنِ مَنْ قَوْلِهِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ اهـ
الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا أَوْ يَكُونُ الدَّيْنُ مَوْرُوثًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ الْمُصَنِّفُ رحمه الله قَيَّدَهُ بِكَوْنِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ دَيْنًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٍ يَخْتَصُّ الْمُصَالِحُ بِبَدَلِ الصُّلْحِ وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ مَالٌ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الدَّيْنِ
وَقَيَّدَهُ بِكَوْنِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ ثَوْبًا وَمُرَادُهُ خِلَافُ جِنْسِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى جِنْسِهِ يُشَارِكُهُ فِيهِ، أَوْ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدِينِ وَلَيْسَ لِلْقَابِضِ فِيهِ خِيَارٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَبْضِ بَعْضِ الدَّيْنِ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ، أَوْ سُكُوتٍ، أَوْ إنْكَارٍ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَيْنِ يَتَصَادَقَانِ عَلَى أَنَّ لَهُمَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَيْنًا وَمَا يَأْخُذُهُ بَدَلٌ عَنْهُ وَزَعْمُهُمَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمَا، وَلَوْ أَرَادَ الْقَابِضُ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ فِيمَا قَبَضَ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَهَبَهُ الْغَرِيمُ قَدْرَ دَيْنِهِ وَهُوَ يُبْرِئُهُ عَنْ دَيْنِهِ، أَوْ يَبِيعَ الطَّالِبُ كَفًّا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ نَحْوِهِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ، ثُمَّ يُبْرِئُهُ عَنْ الدَّيْنِ وَيَأْخُذُ ثَمَنَ الزَّبِيبِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَبَضَ نَصِيبَهُ شَرَكَهُ فِيهِ وَرَجَعَا بِالْبَاقِي عَلَى الْغَرِيمِ)؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ لَا تُتَصَوَّرُ وَالْمَقْبُوضُ بَدَلٌ عَنْهُ فَلَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ إنْ شَاءَ لِكَوْنِهِ عَيْنَ حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى كَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ إذَا ظَفِرَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْغَرِيمِ وَيُجْبَرُ الْغَرِيمُ عَلَى الْقَضَاءِ وَلَا إجْبَارَ عَلَى الْمُبَادَلَةِ فَإِذَا كَانَ عَيْنَ حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِهِ ثَوْبًا حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ يُضَمِّنُهُ رُبُعَ الدَّيْنِ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الثَّوْبِ فِي فَصْلِ الصُّلْحِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الْمُصَالِحَ الضَّرَرُ وَهُنَا انْتَفَى الضَّرَرُ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَرْجِعُ بِرُبُعِ الدَّيْنِ، ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْغَرِيمِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاقْتِضَاءِ، وَلَوْ سَلَّمَ لَهُ الْمَقْبُوضَ وَاخْتَارَ مُتَابَعَةَ الْغَرِيمِ، ثُمَّ تَوَى نَصِيبُهُ بِأَنْ مَاتَ الْغَرِيمُ مُفْلِسًا رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْبَاقِي لَهُ فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الْمَقْبُوضَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهَا قَدْ سَقَطَ بِالتَّسْلِيمِ فَلَا يَعُودُ حَقُّهُ فِيهَا بِالتَّوَى وَيَعُودُ إلَى ذِمَّتِهِ فِي مِثْلِهَا.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ شَيْئًا ضَمَّنَهُ رُبُعَ الدَّيْنِ) يَعْنِي إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لِنَصِيبِهِ بِالْمُقَاصَّةِ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يُقَالُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا تُتَصَوَّرُ فَكَيْفَ تُتَصَوَّرُ الْمُقَاصَّةُ فِيهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ تَجُوزُ ضِمْنًا، وَإِنَّمَا لَا تَجُوزُ قَصْدًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الدَّيْنِ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَى اثْنَانِ فِي دَارٍ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّارِ عَلَى مَالٍ لَمْ يُشْرِكْهُ الْآخَرُ، أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الْغَصْبِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْكَافِي، وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا فِي دَارِ دَعْوَى مِيرَاثٍ عَنْ أَبِيهِمَا فَصَالَحَ رَبُّ الدَّارِ أَحَدَهُمَا عَلَى مَالٍ لَمْ يُشْرِكْهُ الْآخَرُ فِيهِ إنْ كَانَ مُقِرًّا أَوْ مُنْكِرًا وَكَذَلِكَ الْعُرُوض؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِمَا أَنَّهُ بَائِعٌ نَصِيبَهُ فِي الْمِيرَاثِ وَقَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الْعَقَارِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا فِي يَدِ رَجُلٍ دَارًا أَوْ قَالَا وَرِثْنَاهَا عَنْ أَبِينَا وَجَحَدَ الرَّجُلُ ثُمَّ صَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَرَادَ شَرِيكُهُ أَنْ يُشْرِكَهُ فِي هَذِهِ الْمِائَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الدَّارِ شَيْئًا إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ لِمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْكَافِي بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ وَمَنْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَدَلُ مِلْكِهِ لَا بَدَلُ مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ يَعْنِي الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ ذُكِرَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ رُسْتُمَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ يُشَارِكُهُ وَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ لَا يُشَارِكُهُ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الصُّلْحَ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ بَلْ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُدَّعَى إذَا كَانَ دَيْنًا فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى شَرِيكِهِ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) أَيْ إنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ وَمُعَاوَضَةً فِي زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ فَلَا يَثْبُتُ لَلشَّرِيك حَقُّ الشَّرِكَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يَبِيعَ الطَّالِبُ) أَيْ مِنْ الْمَدْيُونِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ قَبَضَ) أَيْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ نَصِيبَهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِهِ ثَوْبًا) وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ فِي الْمَتْنِ اهـ
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْبَاقِي) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ عَلَى رَجَاءِ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَرِيمِ فَإِذَا تَوَى لَمْ يَسْلَمْ. اهـ. (قَوْلُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ) أَيْ كَمَا إذَا مَاتَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا يَرْجِعُ الْمُحْتَالُ لَهُ عَلَى الْمُحِيلِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَلَوْ اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ شَيْئًا ضَمِنَهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَحَدَ رَبَّيْ الدَّيْنِ لَمَّا اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ سِلْعَةً وَجَبَ عَلَى ذِمَّتِهِ مِثْلُ مَا وَجَبَ فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَبَضَ نِصْفَ الدَّيْنِ فَلَوْ اسْتَوْفَى نِصْفَ الدَّيْنِ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَا هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الشَّرِيكِ الْمُشْتَرِي فِي ضَمَانِ رُبُعِ الدَّيْنِ اهـ
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصُّلْحِ) يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ فِي الدَّيْنِ إذَا اشْتَرَى بِنَصِيبِهِ سِلْعَةً لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ بَلْ يَضْمَنُ رُبُعَ الدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَ عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى سِلْعَةٍ كَالثَّوْبِ مَثَلًا حَيْثُ يَكُونُ الْمُصَالِحُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ الثَّوْبِ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ إلَيْهِ رُبُعَ الدَّيْنِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ رُبُعَ الدَّيْنِ بِلَا خِيَارٍ كَمَا لَوْ اشْتَرَى؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِهِ قَابِضًا وَنَحْنُ نُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْحَطِيطَةِ وَالتَّجَوُّزِ بِدُونِ الْحَقِّ وَمَا صَارَ إلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ فَإِذَا أَلْزَمْنَاهُ رَدَّ حِصَّةِ السَّاكِتِ يَلْزَمُ الضَّرَرُ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ دُونَ التَّجَوُّزِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّرَرُ فِي إلْزَامِ رَدِّ الْحِصَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
وَهُنَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ فِي ضِمْنِ صِحَّةِ الشِّرَاءِ أَوْ صِحَّةِ الْمُصَالَحَةِ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَصِحُّ ضِمْنًا وَلَا يَصِحُّ قَصْدًا وَلِلْغَرِيمِ أَنْ لَا يُتْبِعَ الْقَابِضَ فِي الْجَمِيعِ وَيَرْجِعَ عَلَى الْمَدِينِ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَبَضَ حَقَّهُ إلَّا أَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُشَارَكَةِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ
وَلَوْ كَانَ لِلْمَطْلُوبِ عَلَى أَحَدِهِمَا دَيْنٌ قَبْلَ وُجُوبِ دَيْنِهِمَا عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ دَيْنُهُ قِصَاصًا بِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ آخِرَ الدَّيْنَيْنِ قَضَاءٌ لِأَوَّلِهِمَا وَبِهِ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالِاقْتِضَاءِ، وَكَذَا الْمُشَارَكَةُ لَا تَجِبُ بِالْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ بِالِاقْتِضَاءِ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ فَوْقَ الصُّلْحِ فِي التَّبَرُّعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا فَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الصُّلْحِ فَفِي هَذَا أَوْلَى أَنْ لَا يَضْمَنَ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ كَانَتْ قِسْمَةُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ السِّهَامِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عَادَ إلَى هَذَا الْقَدْرِ
وَلَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا عَيْنًا مِنْ الْمَدِينِ أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ شِرَاءً فَاسِدًا فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَهُوَ قَبْضٌ؛ لِأَنَّهُ بِالْهَلَاكِ وَجَبَ لِلْغَرِيمِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا، وَدَيْنُ الْغَرِيمِ آخِرُهُمَا فَيَكُونُ قَضَاءً مِنْ الْغَرِيمِ وَاقْتِضَاءً مِنْ الطَّالِبِ فَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ، وَالِاسْتِئْجَارُ بِنَصِيبِهِ كَالشِّرَاءِ بِنَصِيبِهِ حَتَّى يَضْمَنَ رُبُعَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ لِلْمَنَافِعِ حُكْمَ الْمَالِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الدَّيْنِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ
وَلَوْ أَحْرَقَ أَحَدُهُمَا مَتَاعَ الْمَطْلُوبِ بِالنَّارِ لَا يَكُونُ قَبْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِهِ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْغَصْبِ، ثُمَّ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَتْلَفَهُ بِالْإِحْرَاقِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ حَصَلَ بِالْقَبْضِ فَيُسْتَنَدُ إلَيْهِ فَيَمْلِكُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَقَهُ فِي يَدِ مَالِكِهِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله هُوَ قَبْضٌ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِحْرَاقِ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فَصَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ آخِرَ الدِّينَيْنِ قَضَاءٌ لِلْأَوَّلِ فَصَارَ مُقْتَضِيًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَتَزَوُّجُ أَحَدِهِمَا بِنَصِيبِهِ بِأَنْ كَانَ لَهُمَا دَيْنٌ عَلَى امْرَأَةٍ فَزَوَّجَتْهُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، أَوْ عَلَى مَوْلَى الْأَمَةِ فَزَوَّجَهَا الْمَوْلَى مِنْهُ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ أَوْ عَلَى الْأَمَةِ الْمَأْذُونِ لَهَا فَتَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَيْسَ بِقَبْضٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ شَيْءٌ يُمْكِنُهُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ فَصَارَ كَالْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِ الْمَدِينِ وَكَالْإِبْرَاءِ
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْقَبْضِ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الدَّيْنِ عِنْدَ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ فَتَمْلِكُهُ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ يَسْقُطُ عَنْ ذِمَّتِهَا كَالْهِبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُضِفْ الْعَقْدَ إلَيْهِ بِأَنْ سَمَّى دَرَاهِمَ مُطْلَقَةً فَوَقَعَ التَّقَاصُّ بِنَصِيبِهِ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْهُ، وَإِنَّمَا مَلَكَتْ غَيْرَهُ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا، وَالصُّلْحُ عَلَيْهِ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ لَيْسَ بِقَبْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا قَابِلًا لِلشَّرِكَةِ بِمُقَابَلَتِهِ
وَلَوْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَمُحَمَّدٌ مَعَهُ فِي رِوَايَةٍ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أُخْرَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ قَبْلَ وُجُوبِ دَيْنِهِمَا عَلَيْهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَتُهُ مَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ إلَى أَجَلٍ قَالَ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ لِلْمَطْلُوبِ عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ قَبْلَ دَيْنِهِمَا فَقَدْ بَرِئَ الْمَطْلُوبُ مِنْ حِصَّتِهِ وَلَا شَيْءَ لَلشَّرِيك عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ قَضَى دَيْنَ الْمَطْلُوبِ بِمَا دَايَنَهُ أَوْ أَقْرَضَهُ وَمَنْ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُشَارِكَهُ، وَلَوْ اقْتَضَى مِنْ دَيْنٍ مُشْتَرَكٍ كَانَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُشَارِكَهُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ هُوَ قَاضٍ لَا مُقْتَضٍ؛ لِأَنَّ آخِرَ الدَّيْنَيْنِ يُجْعَلُ قَضَاءً عَنْ أَوَّلِهِمَا أَمَّا أَوَّلُهُمَا لَا يُجْعَلُ قَضَاءً؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَسْبِقُ الْوُجُوبَ اهـ
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ) أَيْ هُوَ مُؤَدٍّ دَيْنَهُ لَا مُسْتَرِدٌّ دَيْنَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ) أَيْ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَالْإِسْقَاطُ لَا يُسَمَّى اسْتِيفَاءً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَانَتْ قِسْمَةُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ السِّهَامِ) أَيْ كَمَا إذَا أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا عَنْ نِصْفِ دَيْنِهِ وَالدَّيْنُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا يَكُونُ لِلْمُبْرِئِ الْمُطَالَبَةُ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَلِلسَّاكِتِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ وَالِاسْتِئْجَارُ بِنَصِيبِهِ كَالشِّرَاءِ بِنَصِيبِهِ) أَيْ حَتَّى لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ عِنْدَهُمْ لِحُصُولِ الْقَبْضِ بِالْمُقَاصَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ اسْتَأْجَرَ بِنَصِيبِهِ دَارًا مِنْ الْغَرِيمِ وَسَكَنَهَا يَرْجِعُ الشَّرِيكُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ نَصِيبِهِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ بِخَمْسِمِائَةٍ مُطْلَقًا أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَرْجِعُ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَجُعِلَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُطْلَقًا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ بَدَلُ نَصِيبِهِ الْمَنْفَعَةَ فَلَا يَضْمَنُ بِاعْتِبَارِهِ مَالًا لِشَرِيكِهِ. اهـ. مِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ) قِيلَ الْمَسْأَلَةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا مَا إذَا رَمَى النَّارَ عَلَى ثَوْبِ الْمَدْيُونِ فَأَحْرَقَهُ أَمَّا إذَا أَخَذَ الثَّوْبَ فَأَحْرَقَهُ فَالسَّاكِتُ يَتْبَعُ الْمُحْرِقَ بِالْإِجْمَاعِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ
(قَوْلُهُ يُمْكِنُهُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ) أَيْ إذْ الْبُضْعُ لَا يَحْتَمِلُ الْمُشَارَكَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أُخْرَى) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ صَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا بِالْإِبْرَاءِ الْمُطْلَقِ وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله اعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ الْخِلَافِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ لَا مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ رِوَايَتَيْ الْكِتَابَيْنِ كِتَابِ الشَّرِكَةِ وَكِتَابِ الصُّلْحِ فَفِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ مَعَ أَبِي يُوسُفَ اهـ
قَوْلُهُ وَكِتَابُ الصُّلْحِ أَيْ مِنْ الْأَصْلِ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ الِاخْتِلَافِ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ وَالْإِيضَاحِ وَغَيْرِهَا حَيْثُ ذَكَرَ فِيهَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي إنْشَاءِ التَّأْخِيرِ أَمَّا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّ الدَّيْنَ مُؤَجَّلٌ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ صَحَّ إقْرَارُهُ فِي نَصِيبِهِ
لِأَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ إبْرَاءٌ مُؤَقَّتٌ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ الْمُؤَبَّدِ؛ وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قِسْمَةَ الدَّيْنِ بَلْ يَبْقَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ النَّصِيبَيْنِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُؤَجَّلُ بَيْنَهُمَا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَيَرْجِعُ الْمُؤَخِّرُ عَلَى الْقَابِضِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهِيَ لَا تَجُوزُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ وَالْإِفْرَازِ وَفِيهَا مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَالْمُبَادَلَةِ، وَالدَّيْنُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّمْيِيزُ وَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ فَبَطَلَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ مُخْتَلِفَانِ وَصْفًا وَحُكْمًا حَتَّى لَا يُطَالِبَ السَّاكِتُ بِنَصِيبِهِ فِي الْحَالِّ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ قِسْمَةٍ
وَهَلْ دَعْوَى عَدَمِ الْقِسْمَةِ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا دَعْوَى الْمُحَالِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى شَرِيكِهِ بِأَنْ يَجْعَلَ مُؤْنَةَ الطَّلَبِ عَلَيْهِ فَقَطْ بَيَانُهُ أَنَّ السَّاكِتَ يُطَالِبُ بِنَصِيبِهِ فِي الْحَالِّ فَإِذَا خَلَصَ مِنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ هُوَ بِنَصِيبِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْغَرِيمِ فَيُؤَخِّرُ هُوَ نَصِيبَهُ أَيْضًا مِثْلَ مَا أَخَّرَ فِي الْأَوَّلِ فَيُطَالِبُ السَّاكِتُ بِنَصِيبِهِ فَإِذَا خَلَصَ مِنْهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَمْ يَزَلْ يَعْمَلُ هَكَذَا إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْكُلَّ وَفِيهِ تَفْوِيتُ غَرَضِهِ بِمَنْعِهِ مِنْ وُصُولِ حَقِّهِ لَهُ فِي الْحَالِّ
وَهَذَا ضَرَرٌ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ كَمَا لَا يُمَكَّنُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ بِغَيْرِ رِضَا الْآخَرِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ أَيْضًا لَا يُؤَدِّي إلَى قِسْمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إنَّمَا تَكُونُ مَعَ بَقَاءِ النَّصِيبَيْنِ مِلْكًا لِلشَّرِيكَيْنِ وَلَمْ يَبْقَ لِلْمُبْرِئِ فِيهِ مِلْكٌ فَلَا تَكُونُ قِسْمَةً، وَإِنَّمَا هُوَ إتْلَافٌ لِنَصِيبِهِ فَقَطْ، وَذَلِكَ جَائِزٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ لِإِنْسَانٍ صَحَّ إقْرَارُهُ وَصَارَ مِلْكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ لِكَوْنِهِ إتْلَافًا لِنَصِيبِهِ، وَلَوْ كَانَ قِسْمَةً لَمَا جَازَ ذَلِكَ.
قَالَ رحمه الله (وَبَطَلَ صُلْحُ أَحَدِ رَبَّيْ السَّلَمِ عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى مَا دَفَعَ) أَيْ عَلَى مَا دَفَعَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ، وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الصُّلْحُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِبْدَالِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ لِأَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ فَيَجُوزُ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصُّلْحَ فِيهِ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ كَالصُّلْحِ فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ الْمَالِ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا أَجَازَهُ شَرِيكُهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ حُجَّةُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُمَا يَقِيسَانِ الْإِنْشَاءَ عَلَى الْإِقْرَارِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ عَقِبَ دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَلْزَمُ إذَا أَقَرَّ بِتَأْخِيرِ نَصِيبِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا أَقَرَّ بِتَأْخِيرِ كُلِّهِ إلَّا أَنَّهُ يَنْفُذُ إقْرَارُهُ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ وَكَانَ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْكُلَّ مُؤَجَّلٌ وَفِي زَعْمِ الْآخَرِ أَنَّ الْكُلَّ حَالٌّ أَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِتَأْخِيرِ نَصِيبِ نَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ كَذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْكَافِي اهـ
(قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا إذَا كَانَ لَهُمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ سُودٌ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ بِيضٌ عَلَى رَجُلٍ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبِيضُ لِأَحَدِهِمَا وَالسُّودُ لِلْآخَرِ كَانَ بَاطِلًا وَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ لِتَمْيِيزِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا عَنْ نَصِيبِ الْآخَرِ وَنَعْنِي مِنْ الْقِسْمَةِ هَذَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَالَّ وَالْمُؤَجَّلَ مُخْتَلِفَانِ وَصْفًا وَحُكْمًا) أَمَّا وَصْفًا فَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا مُؤَجَّلٌ وَالْآخَرَ مُعَجَّلٌ وَأَمَّا حُكْمًا فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُطَالِبَ بِنَصِيبِهِ لَا لِلْآخَرِ لَوْ لِقِسْمَةٍ لَيْسَتْ إلَّا لَأَنْ يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَقَدْ صَارَ كَذَلِكَ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ فِي الْأَسْرَارِ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا يَحْتَجُّونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا كَلَامٌ ظَاهِرُ الِاخْتِلَالِ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا يَقُولَانِ التَّأْجِيلُ لَا يُوجِبُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمُطَالَبَةِ فَأَصْلُ الدَّيْنِ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ مُشْتَرَكًا وَتَغَيُّرُ صِفَةِ الدَّيْنِ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ وَتَغَيُّرُ صِفَةِ النَّصِيبِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ الشَّرِكَةِ
أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ نَصِيبَهُ لِفُلَانٍ صَحَّ وَقَدْ تَغَيَّرَ صِفَةُ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ كَانَ مُضَافًا إلَيْهِ وَالْآنَ صَارَ مُضَافًا إلَى غَيْرِهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَيْنًا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَسَلَّمَ صَحَّ وَالشَّرِكَةُ بَاقِيَةٌ لَكِنْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إنَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا يَصِيرُ مُخَالِفًا لِنَصِيبِ الْآخَرِ وَصْفًا وَحُكْمًا إلَى آخَرَ مَا ذَكَرْنَا وَبِهَذَا تَتَحَقَّقُ الْقِسْمَةُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْقَوْلُ مَا قَالَتْ حَذَامِ. اهـ. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ حَتَّى يُطَالِبَ) يُوجَدُ فِي نُسَخٍ عَدِيدَةٍ حَتَّى لَا بِإِثْبَاتٍ لَا وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا بِسَطْرٍ بَيَانُهُ إلَخْ اهـ شَاهَدْت لَا ثَابِتَةٌ فِي خَطِّ الشَّارِحِ رحمه الله وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا اهـ
(قَوْلُهُ أَنْ يُكَاتِبَ نَصِيبَهُ بِغَيْرِ رِضَا الْآخَرِ) فَلَوْ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يُبْطِلَ الْكِتَابَةَ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ) يَعْنِي لَوْ أَبْرَأ أَحَدُهُمَا الْمَدْيُونَ عَنْ نَصِيبِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَبْقَ لِلْمُبْرِئِ فِيهِ) أَيْ نَصِيبِهِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبَطَلَ) أَيْ بَطَلَ بِدُونِ إجَازَةِ الشَّرِيكِ أَيْ لَمْ يَنْفُذْ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ شَرِيكِهِ فَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ الصُّلْحُ أَصْلًا وَبَقِيَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ بَيْنَهُمَا عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ عَلَيْهِمَا فَيَكُونُ نِصْفُ رَأْسِ الْمَالِ بَيْنَهُمَا وَبَاقِي الطَّعَامِ بَيْنَهُمَا. اهـ. اخْتِيَار (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ صُلْحُ) سَمَّاهُ صُلْحًا مَجَازًا إذْ هُوَ فَسْخٌ فِي الْحَقِيقَةِ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَكَتَبَ عَلَى لَفْظِ الْمَتْنِ مَا نَصُّهُ مَعْنَاهُ أَنَّ أَحَدَ شَرِيكَيْ السَّلَمِ إذَا صَالَحَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ عَلَى نَصِيبِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ وَيَفْسَخَ عَقْدَ الشَّرِكَةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ عَلَى مَا دَفَعَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ شَرِيكُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ نَقْلًا عَنْ التَّقْرِيبِ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَرِيبًا. اهـ. (قَوْلُهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَقَدْ ذُكِرَ الْخِلَافَ هَكَذَا فِي الْأَصْلِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ وَالْمُخْتَلِفِ وَالْحَصْرِ وَالْمَنْظُومَةِ وَكِتَابِ التَّقْرِيبِ لِلْقُدُورِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ الصُّلْحُ وَجَعَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
وَيُشَارِكُهُ فِي الْمَقْبُوضِ وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْغَرِيمِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ فِي حَقِّهِ، ثُمَّ يَكُونُ لِشَرِيكِهِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِيمَا قَبَضَ وَيَكُونُ الدَّيْنُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَكَإِقَالَةِ نَصِيبِهِ فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ. وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ حَقُّهُمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِفَسْخِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا قَبْلَ الْعَقْدِ وَجَوَازُ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ وُجُوبِهِ بِالْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ قَدْ تَمَّ بِهِمَا فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ كَشَطْرِ الْعِلَّةِ
وَشَطْرُ الْعِلَّةِ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ مَا لَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ بِإِجَازَةِ الْآخَرِ كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَحَدُ الْمُعْتِقَيْنِ الْمُعْتَقَةَ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَيْنِ فَإِنَّ الْعَيْنَ أَصْلٌ لِوُجُودِ الْعَقْدِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْعَقْدُ إلَّا بِوُجُودِهَا فَكَذَا تَكُونُ أَصْلًا لِصِحَّةِ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَوْجُودَةٌ حِسًّا وَمُعَايَنَةً قَبْلَ الْعَقْدِ وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَلَا يَسْتَفِيدُهُ بِالْعَقْدِ فَكَذَا رَفْعُهُ لِتَمَامِ الْعِلَّةِ فِيهَا، وَفِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَلَا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ إلَّا بِهِ فَكَانَ فِعْلُهُمَا عِلَّةَ ثُبُوتِ الشَّرِكَةِ وَالْوِلَايَةِ؛ وَلِأَنَّهُ، لَوْ جَازَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً بِدُونِ إذْنِ شَرِيكِهِ لَكَانَ قِسْمَةً لِلدَّيْنِ وَهُوَ فِي الذِّمَّةِ
وَلَوْ جَازَ فِي نَصِيبِهِمَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إجَازَتِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ رُجُوعِ شَرِيكِهِ عَلَيْهِ عَوْدُ الدَّيْنِ وَهُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ إلَى ذِمَّتِهِ وَالْمُسَلَّمُ فِيهِ لَا يَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَقَايَلَا، ثُمَّ فَسَخَا الْإِقَالَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَيْنِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا أَنْ يَجُوزَ صُلْحُهُ ثَانِيًا حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهُ مَا عَادَ إلَى ذِمَّتِهِ، وَكَذَا ثَالِثًا وَرَابِعًا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَلَنْ يَحْصُلَ ذَلِكَ إلَّا بِسُقُوطِ الْكُلِّ هَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَخْلُوطًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْلِطَاهُ وَنَقَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ كَوْنُهُ يُؤَدِّي إلَى الْعَوْدِ بَعْدَ سُقُوطِهِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى هُنَا؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ
وَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ يَدْفَعُ إلَيْهِ شَيْئًا آخَرَ فَلَا يُؤَدِّي إلَى عَوْدِهِ بَعْدَ سُقُوطِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الصُّورَةُ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ عِنْدَهُمَا لِكَوْنِهِ يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ لِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْمَعْنَى هُنَا فَلَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُبْطِلَةٌ لَكِنْ عِنْدَ عَدَمِ الْخَلْطِ يَبْطُلُ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَعِنْدَ وُجُودِ الْخَلْطِ بِعِلَلٍ؛ وَلِأَنَّ مَنْ أَجَازَهُ لَمْ يُجِزْهُ إلَّا لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَذَلِكَ لَا يَنْهَضُ حُجَّةً لِعَدَمِ الْحُكْمِ لِجَوَازِ تَرَادُفِ الْعِلَلِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ فَعَدَمُ بَعْضِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ لِجَوَازِ أَنْ يَخْلُفَهُ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي الْمَقْبُوضِ إذَا لَمْ يَخْلِطَا الْمَالَ بَلْ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِيهِ إنَّمَا تَثْبُتُ لِكَوْنِهِمَا اشْتَرَكَا فِي دَيْنِ السَّلَمِ
وَالشَّرِكَةُ فِي دَيْنِ السَّلَمِ ثَابِتَةٌ بِسَبَبِ اتِّحَادِ الْعَقْدِ؛ وَلِهَذَا لَا يَقْبِضُ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ إلَّا شَارَكَهُ فِيهِ صَاحِبُهُ وَلَا تَأْثِيرَ لِخَلْطِ الْمَالِ فِيهِ وَلَا لِعَدَمِهِ فَكَذَا فِي رَأْسِ الْمَالِ عِنْدَ الْفَسْخِ فَكَانَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ بَاطِلًا.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَخْرَجَتْ الْوَرَثَةُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَكَإِقَالَةِ نَصِيبِهِ فِي الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ) أَيْ كَمَا إذَا اشْتَرَيَا عَبْدًا فَأَقَالَ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ اهـ
(قَوْلُهُ وَلَهُمَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَوْ جَازَ صُلْحُ أَحَدِهِمَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَجُوزَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً أَوْ فِي نِصْفٍ مِنْ نَصِيبِهِمَا جَمِيعًا فَإِنْ جَازَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً يَلْزَمُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَذَلِكَ فَاسِدٌ لِمَا بَيَّنَّا قَبْلَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ صَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ، وَإِنْ جَازَ فِي نِصْفٍ مِنْ النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا يَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا فِي حَقِّ شَرِيكِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ فِي بَابِ السَّلَمِ بِوِلَايَةِ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ حَادِثٌ بِالْعَقْدِ لَيْسَ بِمَحْسُوسٍ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ فَصَارَ الْعَقْدُ أَصْلًا فِيهِ وَاسْتَنَدَتْ وِلَايَةُ الْفَسْخِ إلَى الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ قَائِمٌ بِهِمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ اهـ
(فَرْعٌ) وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمَا اعْتَبَرَا جَانِبَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَصِيرُ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مَوْجُودًا بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْعَقْدِ وَأَبُو يُوسُف اعْتَبَرَ جَانِبَ الدَّيْنِ فَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُف ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ فِيهِ دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَمَا قَالَاهُ أَدَقُّ فِي الْفَرْقِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ إلَّا بِالْعَقْدِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَبَتَ بِالْعَقْدِ وَقَبْلَ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ جَازَ صُلْحُ أَحَدِهِمَا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَشَارَكَهُ الشَّرِيكُ الْآخَرُ فِي الْمَقْبُوضِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَإِذَا شَارَكَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ حِصَّتَهُ رَجَعَ الشَّرِيكُ الْمُصَالِحُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْمُسَلَّمِ فِيهِ عَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ذَلِكَ الْقَدْرَ بِالصُّلْحِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْمُصَالِحِ وَالْمُسَلَّمِ إلَيْهِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ سَاقِطًا بِالصُّلْحِ ثُمَّ عَادَ فَيَلْزَمُ عَوْدُ السَّلَمِ بَعْدَ سُقُوطِهِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ ثُبُوتُهُ اهـ
(قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ إلَى ذِمَّتِهِ) أَيْ ذِمَّةُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ وَلِهَذَا لَوْ تَقَايَلَا) أَيْ فِي السَّلَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَيْضًا أَنْ يَجُوزَ صُلْحُهُ) أَيْ صُلْحُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مَخْلُوطًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالُوا هَذَا إذَا خَلَطَا الْمَالَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا خَلَطَا رَأْسَ الْمَالِ وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَلَنَا فِي قَيْلِهِمْ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الصُّلْحِ فِي السَّلَمِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْخَلْطِ وَعَدَمِهِ بَلْ أَطْلَقَ الْجَوَابَ وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْكَافِي فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فِيمَا إذَا لَمْ يَخْلِطَا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ وَوَضَعَهَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ فِيمَا إذَا نَقَدَ رَأْسَ مَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا وَذَكَرَ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ أَخْرَجَتْ الْوَرَثَةُ إلَخْ) فِي الْهِدَايَةِ عَقَدَ لِهَذَا فَصْلًا فَقَالَ فَصْلٌ فِي التَّخَارُجِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَعْنَى التَّخَارُجِ أَنْ يُصَالِحَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى شَيْءٍ فَيَخْرُجُ مِنْ الْبَيْنِ وَإِنَّمَا أَخَّرَ هَذَا الْفَصْلَ لِقِلَّةِ وُقُوعِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَرْضَى بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْبَيْنِ
أَحَدَهُمْ عَنْ عَرَضٍ أَوْ عَقَارٍ بِمَالٍ، أَوْ عَنْ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ، أَوْ بِالْعَكْسِ) أَيْ عَنْ فِضَّةٍ بِذَهَبٍ (صَحَّ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ) يَعْنِي قَلَّ مَا أَعْطَوْهُ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُبَادَلَةِ؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ عَنْ عَيْنٍ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْإِبْرَاءِ إذْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنِ، وَبَيْعُ الْعَقَارِ وَالْعُرُوضِ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ جَائِزٌ، وَكَذَا بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ لِعَدَمِ الرِّبَا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَفِيهِ الْأَثَرُ أَنَّ تُمَاضِرَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ صَالَحَهَا وَرَثَتُهُ عَنْ رُبُعِ ثُمُنِهَا عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ وَقِيلَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ نِصْفَ حَقِّهَا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ يَتَخَارَجُ أَهْلُ الْمِيرَاثِ أَيْ يُخْرِجُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِطَرِيقِ الصُّلْحِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّسْلِيمِ وَبَيْعُ مَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ فِيهِ جَائِزٌ كَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ الْمُقَرُّ لَهُ مِنْ الْمُقِرِّ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا قَدْرَهُ لِمَا ذَكَرْنَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ وَإِلَى التَّتِمَّةِ وَقَالَ لَا تُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَالَ ذَكَرَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ، أَوْ وَقَعَ عَنْ فِضَّةٍ بِذَهَبٍ يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ بَقِيَّةُ التَّرِكَةِ إنْ كَانَ جَاحِدًا يَكْتَفِي بِذَلِكَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ ضَمَانٍ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ، وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا يَعْنِي مُقِرًّا غَيْرَ مَانِعٍ لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ قَبْضُ أَمَانَةٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِهِ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَجْهُولِ لَا يُمْكِنُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ رِوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الْمَكِيلِ، أَوْ الْمَوْزُونِ، وَإِنَّمَا لَا يَنُوبُ هَذَا الْقَبْضُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ الْمَضْمُونِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِهِ بِأَنْ يَنْتَهِيَ إلَى مَكَان يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ بِالتَّخْلِيَةِ، وَالْمَضْمُونُ يَنُوبُ عَنْ الْأَمَانَةِ وَعِنْدَ اتِّحَادِ الْقَبْضَيْنِ يَنُوبُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَالْمَضْمُونِ عَنْ الْمَضْمُونِ أَوْ الْأَمَانَةِ عَنْ الْأَمَانَةِ.
قَالَ رحمه الله
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الَّذِي يَأْخُذُهُ دُونَ نَصِيبِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِبْرَاءُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْأَعْيَانِ غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ لَا يَصِحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ الْأَثَرُ) أَيْ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه (قَوْلُهُ أَنَّ تُمَاضِرَ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) أَيْ كَانَ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ فَاخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي مِيرَاثِهَا مِنْهُ ثُمَّ صَالَحُوهَا عَلَى الشَّطْرِ وَكَانَتْ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَحَظُّهَا رُبُعُ الثُّمُنِ جُزْءٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ التَّرِكَةِ فَصَالَحُوهَا عَلَى نِصْفِ ذَلِكَ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا وَأَخَذَتْ بِهَذَا الْحِسَابِ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ الْأَلْفَ مُطْلَقًا وَلَمْ يُفَسِّرْ أَنَّهَا دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَذَكَرَ ثَلَاثَةً قَبْلَ الثَّمَانِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ الْمُصَالَحَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْ كَمْ نِسْوَةٍ مَاتَ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَمْ يَذْكُرْ الثَّلَاثَةَ قَبْلَ الثَّمَانِينَ وَفَسَّرَ الثَّمَانِينَ بِالدِّينَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي كِتَابِ أَسْبَابِ نُزُولِ الْقُرْآنِ فِي بَرَاءَةِ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ} [التوبة: 79] وَقَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ «حَثَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّدَقَةِ فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي ثَمَانِيَةُ آلَافٍ جِئْتُك بِنِصْفِهَا فَاجْعَلْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمْسَكْت نِصْفَهَا لِعِيَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَارَكَ اللَّهُ لَك فِيمَا أَعْطَيْت وَفِيمَا أَمْسَكْت» فَبَارَكَ اللَّهُ فِي مَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى إنَّهُ خَلَفَ امْرَأَتَيْنِ حِينَ مَاتَ فَبَلَغَ ثُمُنُ مَالِهِ لَهُمَا مِائَةٌ وَسِتِّينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الصُّلْحِ فَإِنَّ مَالًا بَلَغَ الصُّلْحُ عَنْ رُبُعِ ثَمَنِهَا هَذَا الْمَبْلَغَ يَكُونُ مِمَّا لَا يُحْصَى عَدَدُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَدْرَهُ وَقْتَ الصُّلْحِ لَا يَكُونُ مُسْتَدْرَكًا فَلَا يَكُونُ نَصِيبُ الْمُصَالَحَةِ مُسْتَدْرَكًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ رحمه الله فَهَذَا دَلِيلُ ثَرْوَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رضي الله عنه وَقَدْ كَانَ قَاسَمَ اللَّهَ مَالَهُ فِي حَيَاتِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَصَدَّقَ بِنِصْفِهِ وَأَمْسَكَ نِصْفَهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِجَمْعِ الْمَالِ وَاكْتِسَابِ الْغِنَى مِنْ الْحِلِّ فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ عِلْيَةِ الصَّحَابَةُ وَالْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ وَلَكِنْ تَرْكُ الْجَمْعِ وَالِاسْتِكْثَارِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ اخْتَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «قَالَ عليه الصلاة والسلام اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا» الْحَدِيثُ اهـ
(فَرْعٌ) النَّدْبُ إلَى الصُّلْحِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ رُدُّوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحُوا فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُحْدِثُ بَيْنَهُمْ الضَّغَائِنَ قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا فِي حَالِ اشْتِبَاهِ وَجْهِ الْقَضَاءِ أَمَّا فِي حَالِ ظُهُورِ وَجْهِ الْقَضَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ فِي الدُّعَاءِ إلَى الصُّلْحِ أَمْرًا لِأَحَدِهِمَا بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهِ وَمَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ دُعَاؤُهُمَا إلَى الصُّلْحِ بِطَرِيقِ النَّدْبِ لَا بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ لِمَا قَالَ مِنْ الْفَائِدَةِ وَهُوَ صِيَانَتُهُمَا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْعَدَاوَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَدْعُوَهُمَا إلَى ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ أَبَيَا عَنْ ذَلِكَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِالْقَضَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يَرُدُّهُمَا إلَى مَنْ يَسْمَعَانِ قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِهِمَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ عَسَى أَنْ يَحْتَشِمَ مِنْ الْقَاضِي فَيَتْرُكُ بَعْضَ حَقِّهِ حِشْمَةً مِنْ الْقَاضِي وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ رُدُّوا الْخُصُومَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ إلَى أَهْلِهَا وَالصُّلْحُ فِي حَقِّهَا أَنْدَبُ احْتِرَازًا عَنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَبَيْعُ مَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ فِيهِ) أَيْ فِي التَّخَارُجِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ شَيْءٍ) أَيْ أَوْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهُ شَيْئًا. اهـ. نِهَايَةٌ
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَجْهُولِ إلَخْ) قَبْضُ الْمَجْهُولِ الْعَيْنِ هُوَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَمَّا مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَيُمْكِنُ قَبْضُهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ رِوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ إلَخْ) الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَأَعْيَانُ التَّرِكَةِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ مِنْ جِنْسِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ فَيَكُونُ رِبًا أَوْ شُبْهَةَ الرِّبَا كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ رحمه الله.
(وَعَنْ نَقْدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ لَا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُعْطَى أَكْثَرَ مِنْ حَظِّهِ مِنْهُ) أَيْ لَوْ صَالَحَ عَنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ حَتَّى يَكُونَ مَا أَعْطَوْهُ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ حَتَّى يَكُونَ قَدْرُ نَصِيبِهِ بِنَصِيبِهِ وَالزَّائِدُ بِحَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حُمِلَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ لِتَعَذُّرِ حَمْلِهِ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَجَبَ اعْتِبَارُ شَرْطِ الْمُعَاوَضَةِ فِيهِ، وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَوْهُ قَدْرَ حَقِّهِ أَوْ أَقَلَّ يَكُونُ الْعُرُوض، أَوْ الْعُرُوض وَبَعْضُ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ حَاصِلًا لَهُمْ بِلَا عِوَضٍ فَيَكُونُ رِبًا وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ نَصِيبِهِ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْ أَقَلَّ فَكَانَ أَرْجَحَ وَأَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ إنَّمَا يَبْطُلُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ فِي مَالِ الرِّبَا فِي حَالَةِ التَّصَادُقِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ التَّنَاكُرِ بِأَنْ أَنْكَرُوا وِرَاثَتَهُ فَيَجُوزُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ فِي حَالَةِ التَّكَاذُبِ مَا يَأْخُذُهُ لَا يَكُونُ بَدَلًا لَا فِي حَقِّ الْآخِذِ وَلَا فِي حَقِّ الدَّافِعِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ صَرْفًا فِي قَدْرِهِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَرَضًا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا جَازَ مُطْلَقًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، قُبِضَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ لَمْ يُقْبَضْ لِعَدَمِ الرِّبَا وَإِذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ صَحَّ الصُّلْحُ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّا نَصْرِفُ الْجِنْسَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بَلْ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصُّلْحِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِيهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَأَخْرَجُوهُ لِيَكُونَ الدَّيْنُ لَهُمْ بَطَلَ)؛ لِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ وَهُوَ نَصِيبُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهُمْ الْوَرَثَةُ فَبَطَلَ فِيهِ، ثُمَّ تَعَدَّى إلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ بَيَّنَ حِصَّةَ الدَّيْنِ، أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُمَا فِي غَيْرِ الدَّيْنِ إذَا بَيَّنَ حِصَّتَهُ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ، أَوْ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ وَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَبَيَّنَ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الثَّمَنِ بَطَلَ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا صَحَّ فِي الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ وَفِي النِّهَايَةِ يَرِدُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي مَسْأَلَةَ الصُّلْحِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ حِنْطَةً فِي شَعِيرٍ وَزَيْتٍ فَإِنَّهُمَا قَالَا يَصِحُّ فِي حِصَّةِ الزَّيْتِ وَيَفْسُدُ فِي حِصَّةِ الشَّعِيرِ وَهَا هُنَا قَالَا فَسَدَ فِي الْكُلِّ قَالَ هَذَا مِمَّا يُحْفَظُ، ثُمَّ قَالَ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ فِيمَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ مَا يُقَابِلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفِي مَسْأَلَةِ السَّلَمِ إذَا بَيَّنَ تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا وَتَصْحِيحًا لِقَاعِدَتِهِمَا.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ شَرَطُوا أَنْ يَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ (صَحَّ)؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، أَوْ تَمْلِيكٌ لِلدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَهَذِهِ حِيلَةُ الْجَوَازِ وَأُخْرَى أَيْ حِيلَةٌ أُخْرَى أَنْ يُعَجِّلُوا قَضَاءَ نَصِيبِهِ مُتَبَرِّعِينَ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَرٌ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقْرِضُوا الْمُصَالَحَ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ وَيُصَالِحُوا عَمَّا وَرَاءَ الدَّيْنِ وَيُحِيلُهُمْ عَلَى اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَهَذَا فِي الْوَجْهَيْنِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَعْطَوْا الْمُصَالِحَ شَيْئًا بِمُقَابَلَةِ الدَّيْنِ، أَوْ قَدْرَ الدَّيْنِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ الدَّيْنُ فَقَدْ حَصَلَ لَهُمْ ضَرَرٌ دُنْيَوِيٌّ وَلَيْسَ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُمْ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُمْ قَدْرُ الدَّيْنِ لَكِنْ حَصَلَ لَهُمْ الدَّيْنُ بِمُقَابَلَتِهِ فَانْتَفَى عَنْهُمْ الضَّرَرُ إلَّا ضَرَرَ النَّقْدِ فَإِنَّ الْعَيْنَ خَيْرٌ مِنْ الدَّيْنِ وَالْأَوْجَهُ مِنْهُ أَنْ يَبِيعُوهُ كَفًّا مِنْ تَمْرٍ أَوْ نَحْوِهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ، ثُمَّ يُحِيلُهُمْ عَلَى الْغُرَمَاءِ، أَوْ يُحِيلُهُمْ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ بَيْعِ شَيْءٍ لِيَقْبِضُوهُ لَهُ، ثُمَّ يَأْخُذُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ كَانَتْ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ غَيْرَ مَعْلُومَةٍ وَلَيْسَ فِيهَا مَكِيلٌ وَلَا مَوْزُونٌ فَصُولِحَ عَلَى مَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ) أَيْ أَبُو الْفَضْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَجْهُ ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ يَعْنِي الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ إنَّمَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِمَا مِنْ الْعَيْنِ فِي حَالَةِ التَّصَادُقِ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ أَيْ مِنْ مُخْتَصَرِ الْكَافِي أَمَّا فِي حَالَةِ الْمُنَاكَرَةِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ مُعَاوَضَةً يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إسْقَاطًا ثُمَّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَاطِلٌ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُعَاوَضَةً فِي حَقِّ الْمُدَّعَى فَيَدْخُلُ فِيهِ مَعْنَى الرِّبَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا اهـ قَوْلُهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَيْ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فِي حَقِّ الدَّافِعِ) أَيْ؛ لِأَنَّ فِي حَالِ الْمُنَاكَرَةِ الْمُعْطِي يُعْطِي الْمَالَ لِيَقْطَعَ الْمُنَازَعَةَ وَيُفْدَى يَمِينُهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الرِّبَا إلَى هَذَا أَشَارَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ هَذَا. اهـ. ذَخِيرَةٌ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ) أَيْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ النَّقْضِ الَّذِي قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا مِنْ اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ حَيْثُ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ خَاصَّةً وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا فِيمَا وَرَاءَ الدَّيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ لَكِنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ فَصَارَ كَبَيْعِ الْحُرِّ وَالْقِنِّ اهـ وَقَالَ الْكَاكِيُّ وَفِي الْكَافِي قِيلَ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا يَبْقَى الْعَقْدُ صَحِيحًا فِيمَا وَرَاءَ الدَّيْنِ وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ فَصَارَ كَبَيْعِ الْحُرِّ وَالْقِنِّ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ شَرَطُوا أَنْ يَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ مِنْهُ) يَعْنِي إذَا شَرَطَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُبْرِئَ الْمُصَالِحُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ الْغُرَمَاءَ وَهُمْ الْمَدْيُونُونَ وَلَا يَكُونُ الرُّجُوعُ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِنَصِيبِ الْمُصَالِحِ صَحَّ الصُّلْحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ) أَيْ لِلدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذِهِ حِيلَةُ الْجَوَازِ) أَيْ فِي الصُّلْحِ إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَرٌ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يُمْكِنُهُمْ الرُّجُوعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ نَصِيبِ الْمُصَالِحِ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي ضَرَرُ النَّقْدِ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ خَيْرٌ مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ