الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِبَغْدَادَ فَلَمْ يَجِدْ فُلَانًا وَعَادَ فَلَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي وُسْعِهِ، وَأَمَّا الْإِسْمَاعُ فَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يُقَابِلُهُ الْأَجْرُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا)
قَالَ رحمه الله (صَحَّ إجَارَةُ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ بِلَا بَيَانِ مَا يُعْمَلُ فِيهَا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا يُعْمَلُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ تَصْلُحُ لِلسُّكْنَى وَلِغَيْرِهَا، وَكَذَا الْحَوَانِيتُ تَصْلُحُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ مَا لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَعْمَلُ فِيهَا كَاسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ وَالثِّيَابِ لِلُّبْسِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِيهَا السُّكْنَى، وَلِهَذَا تُسَمَّى مَسْكَنًا فَيَنْصَرِفُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ كَالْمَشْرُوطِ وَلِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ وَالْعَمَلِ فَجَازَ إجَارَتُهَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْأَرْضِ وَالثِّيَابِ فَإِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ بِاخْتِلَافِ الْمَزْرُوعِ وَاللَّابِسِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ. قَالَ رحمه الله (وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا كُلَّ شَيْءٍ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَامِلِ وَالْعَمَلِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا مَا شَاءَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ مَعَهُ أَوْ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ السُّكَّانِ لَا تَضُرُّ بِهَا بَلْ تَزِيدُ فِي عِمَارَتِهَا؛ لِأَنَّ خَرَابَ الْمَسْكَنِ بِتَرْكِ السَّكَنِ وَلَهُ أَنْ يَضَعَ فِيهَا مَا بَدَا لَهُ حَتَّى الْحَيَوَانَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ السُّكْنَى وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا مَا بَدَا لَهُ مِنْ الْعَمَلِ كَالْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَكَسْرِ الْحَطَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ تَوَابِعِ السُّكْنَى وَبِهِ تَتِمُّ السُّكْنَى وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلَ الدَّوَابُّ فِي عُرْفِنَا؛ لِأَنَّ الْمَنَازِلَ بِبُخَارَى تَضِيقُ عَنْ سُكْنَى النَّاسِ فَكَيْفَ تَتَّسِعُ لِإِدْخَالِ الدَّوَابِّ، وَإِنَّمَا هَذَا الْجَوَابُ بِنَاءً عَلَى عُرْفِهِمْ فِي الْكُوفَةِ.
قَالَ رحمه الله (إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْكِنُ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا أَوْ طَحَّانًا) لِأَنَّ فِي نَصْبِ الرَّحَا وَاسْتِعْمَالِهَا فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ضَرَرًا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهَا تُوهِنُ الْبِنَاءَ فَيَتَقَيَّدُ الْعَقْدُ بِمَا وَرَاءَهَا دَلَالَةً وَالْمُرَادُ بِالرَّحَا رَحَا الْمَاءِ أَوْ رَحَا الثَّوْرِ، وَأَمَّا رَحَا الْيَدِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ النَّصْبِ فِيهَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ وَهُوَ مِنْ تَوَابِعِ السُّكْنَى عَادَةً فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَعَلَى هَذَا لَهُ تَكْسِيرُ الْحَطَبِ الْمُعْتَادِ لِلطَّبْخِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ وَإِنْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ بِحَيْثُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ الدَّارِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدَّقُّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَإِنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ يَدُقَّ أَهْلُ كُلِّ دَارٍ ثِيَابَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وَلَا يُوهِنُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْهُ الْبِنَاءَ فَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ أَوْ فِيهِ ضَرَرٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا وَكُلُّ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ جَارٍ لَهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَاسْتَحَقَّهُ بِهِ، وَلَوْ قَعَدَ الْحَدَّادُ وَانْهَدَمَ الْبِنَاءُ بِعَمَلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهَا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَالْأَجْرَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَإِنْ لَمْ يَنْهَدِمْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَمَلَ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الْعَقْدِ وَالْحَالُ فِيهِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ السُّكْنَى وَفِي الْحِدَادَةِ وَأَخَوَاتِهَا السُّكْنَى وَزِيَادَةٌ فَيَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَهُوَ نَظِيرُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيُبَلِّغَ رِسَالَتَهُ إلَى فُلَانٍ بِالْبَصْرَةِ فَذَهَبَ الرَّجُلُ فَلَمْ يَجِدْ الْمُرْسَلَ إلَيْهِ أَوْ وَجَدَهُ لَكِنْ لَمْ يُبَلِّغْ الرِّسَالَةَ فَرَجَعَ فَلَهُ الْأَجْرُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّسَالَةِ وَالْكِتَابِ أَنَّ الرِّسَالَةَ قَدْ تَكُونُ سِرًّا لَا يَرْضَى الْمُرْسِلُ بِأَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَمَّا الْكِتَابُ فَمَخْتُومٌ يَعْنِي لَوْ تَرَكَ الْكِتَابَ مَخْتُومًا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ لَا نُسَلَّمُ هَذَا الْفَصْلَ فَالرِّسَالَةِ وَالْكِتَابُ سَوَاءٌ فَأَمَّا فِي الطَّعَامِ إذَا رَجَعَ بِالطَّعَامِ وَهَلَكَ فِي الطَّرِيقِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ.
[بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا]
(بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا)(قَوْلُهُ وَلِغَيْرِهَا) أَيْ كَوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَكَسْرِ الْحَطَبِ) سَيَأْتِي بَعْدَ أَسْطُرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هَذَا الْجَوَابُ بِنَاءً عَلَى عُرْفِهِمْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ مَوْضِعٌ مُعَدٌّ لِرَبْطِ الدَّوَابِّ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إفْسَادِ الدَّارِ إذْ رَبْطُ الدَّوَابَّ فِي مَوْضِعِ السُّكْنَى إفْسَادٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ يَسْكُنُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ الثَّلَاثِي الْمُجَرَّدِ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا انْتِصَابُ قَوْلِهِ حَدَّادًا أَوْ قَصَّارًا أَوْ طَحَّانًا عَلَى الْحَالِ وَيُفْهَمُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ عَدَمُ إسْكَانِهِ غَيْرَهُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ وَيَجُوزُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَانْتِصَابِ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُفْهَمُ عَدَمُ سُكْنَاهُ بِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ وَفِي سُكْنَى نَفْسِهِ مُتَلَبِّسًا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ فَكَانَ فِي مَنْعِهِ عَنْ إسْكَانِهِ غَيْرُ إشَارَةٍ إلَى مَنْعِهِ عَنْ سُكْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْأَوَّلَ دَلَالَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْ السُّكْنَى بِنَفْسِهِ فَلَأَنْ لَا يُمَلِّكَهَا غَيْرُهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَإِذَا اسْتَأْجَرَ بَيْتًا عَلَى أَنْ يُقْعِدَ فِيهِ قَصَّارًا فَأَرَادَ أَنْ يُقْعِدَ فِيهِ حَدَّادًا فَلَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ مَضَرَّتُهُمَا وَاحِدَةً أَوْ مَضَرَّةُ الْحَدَّادِ أَقَلَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ مِنْهُ ضَرَرٌ زَائِدٌ فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مَضَرَّةً لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الضَّرَرِ، وَكَذَلِكَ الرَّحَى، وَالْمُسْلِمُ وَالْحَرْبِيُّ وَالْمُسْتَأْمِنُ وَالْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ التَّاجِرُ وَالْمُكَاتَبُ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إقَامَةِ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَمْلِكُ إقَامَةَ مَصَالِحِ دُنْيَاهُ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ تِجَارَةٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمْلِكُ التِّجَارَةَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ) وَفِي الذَّخِيرَةِ وَرَحَى الْيَدِ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ يُمْنَعُ عَنْهُ وَإِلَّا لَا هَكَذَا اخْتَارَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَالْأَجْرَ لَا يَجْتَمِعَانِ) وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا فِعْلَهُ إتْلَافًا مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالْإِتْلَافُ لَا يُقَابَلُ بِالْأَجْرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشَرَ وَسُلِّمَتْ الدَّابَّةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ كَذَا هَذَا، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُؤَجِّرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْإِجَارَةَ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ نَوْعًا مِنْ الِانْتِفَاعِ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ.
قَالَ رحمه الله (وَالْأَرَاضِي لِلزِّرَاعَةِ إنْ بَيَّنَ مَا يُزْرَعُ فِيهَا أَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ) لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ مَقْصُودَةٌ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِئْجَارِهَا لِلزِّرَاعَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا عَمَلًا غَيْرَ أَنَّ مَا يُزْرَعُ فِيهَا مُتَفَاوِتٌ فَمِنْهُ مَا يُفْسِدُ الْأَرْضَ وَمِنْهُ مَا يُصْلِحُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا أَوْ يَقُولُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ كَيْ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَزْرَعُ فِيهَا وَلَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا مَا شَاءَ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِلْجَهَالَةِ، وَلَوْ زَرَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَعُودُ صَحِيحَةً فِي الْقِيَاسِ كَمَا إذْ اشْتَرَى بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَيَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مَعْلُومًا بِالِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ وَالْفَسَادُ كَانَ لِأَجْلِ الْجَهَالَةِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فِي وَقْتِ الزِّرَاعَةِ كَفَى وَصَارَ كَأَنَّ الْجَهَالَةَ لَمْ تَكُنْ فَعَادَتْ صَحِيحَةً، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا وَلَمْ يُبَيِّنْ اللَّابِسَ، ثُمَّ أَلْبَسَ شَخْصًا عَادَتْ صَحِيحَةً لِمَا ذَكَرْنَا وَلِلْمُسْتَأْجِرِ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا انْتِفَاعَ إلَّا بِهِمَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مِلْكُ الرَّقَبَةِ دُونَ الِانْتِفَاعِ فِي الْحَالِ، وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ الْجَحْشِ وَالْأَرْضِ السَّبَخَةِ فَلَا يَدْخُلَانِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ.
قَالَ رحمه الله (وَلِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ) أَيْ جَازَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ وَلِغَرْسِ الْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ تُقْصَدُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَادَةً فَتَصِحُّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلزِّرَاعَةِ. قَالَ رحمه الله (فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ قَلَعَهُمَا وَسَلَّمَهَا فَارِغَةً) أَيْ إذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَلَعَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ وَسَلَّمَ الْأَرْضَ إلَى الْمُؤَجِّرِ فَارِغَةً؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا إلَى صَاحِبِهَا غَيْرَ مَشْغُولَةٍ بِبِنَائِهِ وَغَرْسِهِ وَذَلِكَ بِقَلْعِهِمَا فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَ لَهُمَا حَالَةٌ مُنْتَظَرَةٌ يَنْتَهِيَانِ إلَيْهَا وَفِي تَرْكِهِمَا عَلَى الدَّوَامِ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ يَتَضَرَّرُ صَاحِبُ الْأَرْضِ فَيَتَعَيَّنُ الْقَلْعُ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِلزِّرَاعَةِ فَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ حَيْثُ يُتْرَكُ الزَّرْعَ عَلَى حَالِهِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَأَمْكَنَ رِعَايَةُ الْجَانِبَيْنِ فِيهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُدَّةِ وَالزَّرْعُ لَمْ يُدْرِكْ حَيْثُ يُتْرَكُ بِالْمُسَمَّى عَلَى حَالِهِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ وَإِنْ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بِهِ؛ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ نِهَايَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِذَا وَجَبَ تَرْكُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَانَ تَرْكُهُ بِالْمُسَمَّى وَإِبْقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ أَوْلَى إذْ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِ الْعَقْدِ وَإِعَادَتِهِ عَلَى مَا كَانَ بِخِلَافِ مَا إذَا غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ وَإِنْ كَانَ لَهُ نِهَايَةٌ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ فِعْلِهِ وَقَعَ ظُلْمًا وَالظُّلْمُ يَجِبُ إعْدَامُهُ لَا تَقْرِيرُهُ وَالْمُسْتَعِيرُ كَالْمُسْتَأْجِرِ حَتَّى إذَا رَجَعَ الْمُعِيرُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ يَبْقَى بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا وَرِعَايَةً لِحَقِّهِمَا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقْلَعَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ) أَيْ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ اسْتَأْجَرْتهَا لِلْحِدَادَةِ وَالْآجِرُ يَقُولُ لِلسُّكْنَى دُونَ الْحِدَادَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ يَقُولُ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ إلَخْ) أَمَّا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ جَازَ الْعَقْدُ بِلَا بَيَانِ النَّوْعِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ كَانَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَإِذَا رَضِيَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي جَمِيعِهِ مَعْلُومَةٌ لَمَّا جَازَ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ وَصَحَّ دَخَلَ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا انْتِفَاعَ بِالْأَرْضِ إذَا لَمْ يَدْخُلْ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ فَيَدْخُلَانِ لِيَتَحَقَّقَ الِانْتِفَاعُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ أَوْ الْبَيْتَ حَيْثُ لَا يَدْخُلُ الطَّرِيقُ وَالشُّرْبُ إلَّا أَنْ يَقُولَ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ يَقُولُ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ هُوَ تَمْلِكُ الرَّقَبَةِ لَا الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهَا، وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَحْشِ الَّذِي لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْحَالِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْأَرْضِ السَّبْخَةِ وَلَا يَجُوزُ إجَارَتُهُمَا لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْحُقُوقِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْبُيُوعِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَانَ الْفَقِيه أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي بَلَدِنَا فَالشُّرْبُ لَا يَدْخُلُ فِي الْإِجَارَةِ بِغَيْرِ شَرْطٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَمَوَّلُونَ بِالْمَاءِ عَلَى الِانْفِرَادِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا إلَّا بِالشَّرْطِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَعْمَلُ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ مَا بَدَا لَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَرَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ) يَعْنِي نَوْعًا مِنْ الْأَنْوَاعِ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَفِي الْقِيَاسِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى أَجْرَ الْمِثْلِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَلَا يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَنْقَلِبُ الْعَقْدُ صَحِيحًا) أَيْ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ صَارَ مَعْلُومًا بِالِاسْتِعْمَالِ لِمَا أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ، وَالْفَسَادُ كَانَ لِأَجْلِ الْجَهَالَةِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ كَانَ الِارْتِفَاعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالِارْتِفَاعِ وَقْتَ الْعَقْدِ فَيَعُودُ جَائِزًا، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُّبْسِ وَلَمْ يُعَيِّنْ اللَّابِسَ لَا يَجُوزُ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اللُّبْسِ فَإِنْ عَيَّنَ اللَّابِسَ بَعْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَجَامِعِ قَاضِيخَانْ. اهـ. كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْلَعَ إلَخْ) وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ فِي حَقِّ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ اتَّحَدَ الْجَوَابُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَهِيَ الْإِجَارَةُ وَالْعَارِيَّةَ وَالْغَصْبُ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَلْعُ وَالتَّسْلِيمُ فَارِغًا وَفِي الزَّرْعِ اخْتَلَفَ الْجَوَابُ، فَفِي الْغَصْبِ يَلْزَمُ الْقَلْعُ عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الزِّرَاعَةِ وَفِي الْإِجَارَةِ يُتْرَكُ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ اسْتِحْسَانًا بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَفِي الْعَارِيَّةُ الْمُؤَقَّتَةِ وَغَيْرِ الْمُؤَقَّتَةِ لَا يَأْخُذُهَا صَاحِبُهَا إلَّا أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي الزِّرَاعَةِ بِجِهَةِ الْعَارِيَّةُ وَلِإِدْرَاكِ الزَّرْعِ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَيُتْرَكُ، قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ. الْكُلُّ مِنْ الْمَبْسُوطِ. اهـ. كَاكِيٌّ
فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُ فَلَا تُؤَجَّرُ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا فِي الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَبَيْنَ الزَّرْعِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ
قَالَ رحمه الله (إلَّا أَنْ يَغْرَمَ لَهُ الْمُؤَجِّرُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا وَيَتَمَلَّكُهُ) يَعْنِي عِنْد مُضِيِّ الْمُدَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ قَلْعُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ إلَّا أَنْ يَغْرَمَ لَهُ الْمُؤَجِّرُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ أَوْ قِيمَةَ الْغَرْسِ مَقْلُوعًا هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَإِذَا كَانَتْ أَرْضُهُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ تَضَرَّرَ بِهِ فَكَانَ لَهُ دَفْعُ هَذَا الضَّرَرِ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيَنْفَرِدُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ إذْ الْكَلَامُ فِي مُسْتَحِقِّ الْقَلْعِ، وَالْقِيمَةُ تَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَا تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ وَأَرَادَ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ الْبِنَاءُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَعَدَمِ تَرَجُّحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِهِمَا فِي التَّرْكِ بِخِلَافِ الْقَلْعِ حَيْثُ يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ الْآخَرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْعَارِيَّةُ. قَالَ رحمه الله (أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِهِ وَيَكُونُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ لِهَذَا وَالْأَرْضُ لِهَذَا) لِأَنَّ الْحَقَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَإِذَا رَضِيَ بِاسْتِمْرَارِهِ عَلَى مَا كَانَ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ رحمه الله (وَالرَّطْبَةُ كَالشَّجَرِ) لِأَنَّ الرَّطْبَةَ لَا نِهَايَةَ لَهَا كَالشَّجَرِ فَتُقْلَعُ عِنْدَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ كَمَا يُقْلَعُ الشَّجَرُ. قَالَ رحمه الله (وَالزَّرْعُ يُتْرَكُ بِأَجْرٍ لَا مِثْلٍ إلَى أَنْ يُدْرِكَ) أَيْ يُتْرَكُ الزَّرْعُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَنَظَائِرَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ آنِفًا. قَالَ رحمه الله (وَالدَّابَّةُ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَالثَّوْبُ لِلُّبْسِ) يَعْنِي يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ لَهَا مَنَافِعَ مَعْلُومَةً وَيُعْتَادُ اسْتِئْجَارُهَا فَجَازَ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ الْمَعْهُودَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَطْلَقَ أَرْكَبَ وَأَلْبَسَ مَنْ شَاءَ) أَيْ إنْ أَطْلَقَ لَهُ الرُّكُوبَ أَوْ اللُّبْسَ جَازَ أَنْ يُرْكِبَ الدَّابَّةَ وَيُلْبِسَ الثَّوْبَ وَالْمُرَادُ بِالْإِطْلَاقِ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يُرْكِبَهَا مَنْ شَاءَ أَوْ يُلْبِسَ الثَّوْبَ مَنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الرَّاكِبِ وَاللَّابِسِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ أَوْ بِأَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَفْعَلَ مَا شَاءَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الزِّرَاعَةِ إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُخْتَلِفٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا لِأَنَّ الرُّكُوبَ وَالْحَمْلَ وَاللُّبْسَ يَخْتَلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اخْتِلَافًا فَاحِشًا فَلِهَذَا لَوْ عَيَّنَّ لَهُ فِيهَا وَخَالَفَ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ الْعَيْنُ وَلَا أَجَرَ لَهُ كَمَا فِي الزِّرَاعَةِ وَذُكِرَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْمُغْنِي وَذُكِرَ التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْكَافِي وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ وَلَمْ يَقُلْ أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا مَا يَشَاءُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِلْجَهَالَةِ فَلَوْ أَرْكَبَهَا أَوْ أَرْكَبَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَلْبَسَ أَوْ لَبِسَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُفْسِدَ وَهُوَ الْجَهَالَةُ الَّتِي تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ قَدْ زَالَ فَيَزُولُ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّا نَجْعَلُ التَّعْيِينَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالتَّعْيِينِ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا هَلَكَتْ الْعَيْنُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ سَوَاءٌ لَبِسَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَلْبَسَ غَيْرَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ لَهُ مَنْ يَلْبَسُ وَمَنْ يَرْكَبُ فَأَلْبَسَ أَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ حَيْثُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا
وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يُرْكِبَ أَوْ يُلْبِسَ مَنْ شَاءَ فَأَرْكَبَ غَيْرَهُ أَوْ رَكِبَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ أَوْ يُلْبِسَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مُرَادًا مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ قَيَّدَ بِرَاكِبٍ وَلَابِسٍ فَخَالَفَ ضَمِنَ) لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ أَطْلَقَ أَرْكَبَ وَأَلْبَسَ مَنْ شَاءَ) اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلرُّكُوبِ وَلَمْ يُسَمِّ مَنْ يَرْكَبُهَا لَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا بِاللُّبْسِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ يَلْبَسُهُ، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ قِدْرًا لِلطَّبْخِ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَطْبُخُ فِيهَا، وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَزْرَعُ فِيهَا، وَقَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ فَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ قَالَ الْقُدُورِيُّ هُنَا فَإِنْ أَطْلَقَ الرُّكُوبَ جَازَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ قُلْت الْمُرَادُ مِنْ الْإِطْلَاقِ التَّعْمِيمُ فِي الْإِجَارَةِ بِدُونِ التَّقْيِيدِ بِرُكُوبِ شَخْصٍ بِأَنْ قَالَ آجَرْتُكهَا عَلَى أَنْ تُرْكِبَ مَنْ شِئْت، وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى أَنْ يُرْكِبَ مَنْ شَاءَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ الرُّكُوبَ فَعَقْدُ الْإِجَارَةِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَصَارَ الرُّكُوبَانِ مِنْ شَخْصَيْنِ كَالْجِنْسَيْنِ فَيَكُونُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَجْهُولًا فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فَإِنْ قَالَ تُرْكِبُ مَنْ شِئْت صَحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ شَخْصًا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ صِحَّتِهِ لَمَّا لَحِقَ الْمَالِكُ الضَّرَرَ الَّذِي يَحْصُلُ فِي بَعْضِ الرُّكُوبِ
فَإِذَا رَضِيَ بِهِ صَارَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا فَجَازَ كَمَا فِي الْأَرْضِ إذَا قَالَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا مَا شَاءَ، ثُمَّ إذَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فِي إطْلَاقِ الرُّكُوبِ وَاسْتَعْمَلَهَا قَبْلَ الْفَسْخِ يَتَعَيَّنُ أَوَّلُ الرَّاكِبِ، وَكَذَا فِي الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِأَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ إلَخْ) وَلَوْ اسْتَأْجَرَ قَمِيصًا لِيَلْبَسَهُ إلَى اللَّيْلِ فَوَضَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ حَتَّى جَاءَ اللَّيْلُ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ كَامِلًا؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ مَكَّنَهُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الثَّوْبِ إلَيْهِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْبَسَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْتَهَى بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَالْإِذْنُ فِي اللُّبْسِ كَانَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ. اهـ. بَدَائِعُ وَمِنْهَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا إلَى مَوْضِعِ عَيْنِهِ فَرَكِبَهَا إلَى مَكَان آخَرَ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَقْرَبَ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا لِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ إلَى الْمَكَانِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا
وَلَوْ رَكِبَهَا إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي عَيَّنَهُ لَكِنْ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ يَنْظُرُ إنْ كَانَ النَّاسُ يَسْلُكُونَ ذَلِكَ الطَّرِيقَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُخَالِفًا وَإِنْ كَانُوا لَا يَسْلُكُونَهُ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا غَاصِبًا بِسُلُوكِهِ وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ وَبَلَغَ الْمَوْضِعَ الْمَعْلُومَ، ثُمَّ رَجَعَ وَسَلَّمَ الدَّابَّةَ إلَى صَاحِبِهَا فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ) وَوُجُوبُ الْمُسَمَّى بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَلَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ مَعَ فَسَادِ الْعَقْدِ اهـ
لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ فَيُعْتَبَرُ فَإِذَا خَالَفَ صَارَ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ. قَالَ رحمه الله (وَمِثْلُهُ مَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ) أَيْ يَضْمَنُ مِثْلَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا كَانَ مُقَيَّدًا وَخَالَفَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى. قَالَ رحمه الله (وَفِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِهِ بَطَلَ تَقْيِيدُهُ كَمَا لَوْ شَرَطَ سُكْنَى أَحَدٍ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ) يَعْنِي فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمَلِ كَالدُّورِ لِلسُّكْنَى لَا يُعْتَبَرُ تَقْيِيدُهُ حَتَّى إذَا شَرَطَ سُكْنَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فِي الدَّارِ لَهُ أَنْ يُسْكِنَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ لَا يُفِيدُ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ وَمَا يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ كَالْحِدَادَةِ وَنَحْوِهَا خَارِجٌ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ عَلَى مَا مَرَّ وَالْفُسْطَاطُ كَالدَّارِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ لِلسُّكْنَى مِثْلُ الدَّارِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله هُوَ كَاللُّبْسِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي نَصْبِهِ وَضَرْبِ أَوْتَادِهِ وَاخْتِيَارِ مَكَانِهِ
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ سَمَّى نَوْعًا وَقَدْرًا كَكُرِّ بُرٍّ لَهُ حَمْلُ مِثْلِهِ وَأَخَفَّ لَا أَضَرَّ كَالْمِلْحِ) يَعْنِي لَوْ سَمَّى نَوْعًا وَقَدْرًا يَحْمِلُهُ عَلَى الدَّابَّةِ مِثْلَ كُرٍّ مِنْ بُرٍّ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا هُوَ مِثْلُهُ وَأَخَفُّ مِنْهُ فِي الضَّرَرِ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَا هُوَ أَضَرَّ مِنْهُ كَالْمِلْحِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِشَيْءٍ يَكُونُ رَاضِيًا بِكُلِّ مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ دَلَالَةً دُونَ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ بِالْحَمْلِ عَلَيْهَا خِلَافَ الْجِنْسِ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِالْأَمْرِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَوْ بَاعَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّقْيِيدَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ أَنْ لَوْ كَانَ مُفِيدًا وَلَا فَائِدَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَمَنْعِ كُرٍّ مِنْ شَعِيرٍ بَلْ الشَّعِيرُ أَخَفُّ مِنْهُ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ حَتَّى لَوْ سَمَّى مِقْدَارًا مِنْ الْحِنْطَةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّعِيرِ مِثْلَ ذَلِكَ الْوَزْنِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا تَأْخُذُهُ الْحِنْطَةُ فَصَارَ كَمَا لَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ تِبْنًا هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ، ثُمَّ قَالَ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا، وَقَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الشَّعِيرِ فِي حَقِّ الدَّابَّةِ عِنْدَ اسْتِوَائِهِمَا وَزْنًا أَخَفُّ مِنْ ضَرَرِ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا تَأْخُذُهُ الْحِنْطَةُ فَيَكُونُ أَخَفَّ عَلَيْهَا بِالِانْبِسَاطِ قَالَ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَلَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِ الْحِنْطَةِ حَدِيدًا أَوْ مِلْحًا أَوْ آجُرًّا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ فِي مَكَان وَاحِدٍ مِنْ ظَهْرِهَا فَيَضُرُّهَا أَكْثَرَ، وَكَذَا إذَا حَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِ الْحِنْطَةِ قُطْنًا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَفِيهِ حَرَارَةٌ أَيْضًا فَكَانَ أَضَرَّ عَلَيْهَا مِنْ الْحِنْطَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَمَلَ عَلَيْهَا تِبْنًا أَوْ حَطَبًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّيْئَيْنِ مَتَى كَانَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الرُّكُوبِ) أَيْ فِي الْعِلْمِ بِالرُّكُوبِ فَرُبَّ خَفِيفٍ يَكُونُ رُكُوبُهُ أَضَرَّ عَلَى الدَّابَّةِ لِجَهْلِهِ وَرُبَّ ثَقِيلٍ لَا يَضُرُّ رُكُوبُهُ بِالدَّابَّةِ لِعِلْمِهِ اهـ أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ) أَيْ إذَا عَطِبَ وَإِنْ سَلِمَ لَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ أَيْضًا وَفِي الْحَانُوتِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْعِدَ فِيهِ الْقَصَّارَ وَالْحَدَّادَ وَالطَّحَّانَ وَلَوْ أَقْعَدَ صَارَ مُخَالِفًا وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ إذَا عَطِبَ وَإِنْ سَلَّمَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَلِمَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ وَأَنَّهُ مِمَّا لَا يُوهِنُ الدَّارَ وَلَا يُشْبِهُ الدَّابَّةَ وَالثَّوْبَ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَوْلُهُ وَإِنْ سَلِمَ تَجِبُ الْأُجْرَةُ أَيْ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ فِي الْوَرَقَةِ الْمَاضِيَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ كَاللُّبْسِ) فَلَوْ اسْتَأْجَرَ فُسْطَاطًا وَدَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ إجَارَةً أَوْ إعَارَةً فَنَصَبَهُ وَسَكَنَ فِيهِ فَهَلَكَ ضَمِنَهُ عِنْدَهُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ) قَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ يَرْجِعُ قَوْلُهُ كَالشَّعِيرِ إلَى مِثْلِ الْحِنْطَةِ فِي الضَّرَرِ وَيَرْجِعُ قَوْلُهُ وَالسِّمْسِمِ إلَى قَوْلِهِ أَقَلَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ لَيْسَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ بَلْ أَخَفُّ مِنْهَا، وَلِهَذَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةَ رِطْلٍ مِنْ الشَّعِيرِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِائَةَ رِطْلٍ مِنْ الْحِنْطَةِ ضَمِنَ إذَا عَطِبَتْ فَلَوْ كَانَ مِثْلًا لَهَا لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ زَيْدٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ عَمْرٍو بِذَلِكَ الْكَيْلِ لَمْ يَضْمَنْ بَلْ قَوْلُهُ كَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ جَمِيعًا نَظِيرَ قَوْلِهِ أَقَلَّ، وَالْأَصْلُ هُنَا مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ مَنْفَعَةً مُتَعَدِّدَةً بِالْعَقْدِ فَاسْتَوْفَى تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ أَوْ مِثْلَهَا أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا جَازَ وَإِنْ اسْتَوْفَى أَكْثَرَ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي الْعُقُودِ يَجِبُ حُكْمُهُ إذَا كَانَ لَهُ فِيهِ فَائِدَةٌ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ فَائِدَةٌ سَقَطَ التَّعْيِينُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ حِنْطَةِ زَيْدٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا قَفِيرًا مِنْ حِنْطَةِ عَمْرٍو وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الصِّفَةِ جَازَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ عَلَى الدَّابَّةِ وَاحِدٌ فَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَحَمَلَ عَلَيْهَا مَكِيلًا آخَرَ ثِقْلُهُ كَثِقْلِ الْحِنْطَةِ وَضَرَرُهُ كَضَرَرِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مِثْلَ مَا سَمَّاهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَ فِيهَا نَوْعًا سَمَّاهُ فَزَرَعَ غَيْرَهُ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الضَّرَرِ بِالْأَرْضِ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ شَعِيرٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الشَّعِيرَ أَقَلَّ لِخِفَّتِهِ فَقَدْ اسْتَوْفَى أَقَلَّ مِمَّا شَرَطَ وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَ فِيهَا نَوْعًا فَزَرَعَ نَوْعًا آخَرَ ضَرَرُهُ أَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ شَعِيرٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا قَفِيرًا مِنْ حِنْطَةٍ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا شَرَطَهُ وَاسْتِحْقَاقُ الْمَنْفَعَةِ اسْتِحْقَاقٌ لِمَا دُونَهَا وَلَيْسَ بِاسْتِحْقَاقٍ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا
وَأَمَّا مَا تَخْتَلِفُ مَنْفَعَتُهُ لَا لِلثِّقَلِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةً مَنٍّ مِنْ قُطْنٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ حَدِيدًا أَوْ أَقَلَّ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ هَاهُنَا لَيْسَ لِلثِّقَلِ لَكِنْ لِلْجِنْسِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْقُطْنَ يَنْبَسِطُ عَلَى ظَهْرِهَا وَالْحَدِيدُ يَجْتَمِعُ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا هُوَ فَرَكِبَهَا مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الثِّقْلِ أَوْ أَخَفُّ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الرُّكُوبِ لَيْسَ هُوَ بِالثِّقْلِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْحِذْقِ فِي الرُّكُوبِ. أَلَا تَرَى أَنَّ ثَقِيلَ الْبَدَنِ الَّذِي يُحْسِنُ الرُّكُوبَ لَا يَضُرُّ بِالدَّابَّةِ وَالْخَفِيفَ الَّذِي لَا يُحْسِنُ الرُّكُوبَ يَضُرُّ بِهَا كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَانَ أَضَرَّ إلَخْ) وَلَوْ خَالَفَ فِي الْقَدْرِ بِأَنْ قَالَ عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَخْتُومًا فَهَلَكَ يَضْمَنُ ثُلُثَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي مِقْدَارِ عَشَرَةِ مَخَاتِيمَ مُوَافِقٌ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ بِالْإِذْنِ وَفِيمَا زَادَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ فَيُعْتَبَرُ الْجُزْءُ بِالْكُلِّ وَيَتَوَزَّعُ الضَّمَانُ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. دِرَايَةٌ
فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَرَرٌ فَوْقَ ضَرَرِ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ لَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْإِذْنِ فِي أَحَدِهِمَا الْإِذْنُ فِي الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ هُوَ أَخَفَّ ضَرَرًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ عَطِبَتْ بِالْإِرْدَافِ ضَمِنَ النِّصْفَ) وَلَا مُعْتَبَرَ بِالثِّقَلِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ قَدْ يَعْقِرُهَا الرَّاكِبُ الْخَفِيفُ وَيَخِفُّ عَلَيْهَا رُكُوبُ الثَّقِيلِ لِعِلْمِهِ بِالْفُرُوسِيَّةِ وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ غَيْرُ مَوْزُونٍ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ بِالْوَزْنِ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْعَدَدِ كَالْجُنَاةِ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ بِحَيْثُ تُطِيقُ حَمْلَ الِاثْنَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُطِيقُ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الرَّدِيفُ يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يَسْتَمْسِكُ بِنَفْسِهِ يَضْمَنُ بِقَدْرِ ثِقْلِهِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ، وَقَوْلُهُ عَطِبَتْ بِالْإِرْدَافِ تَقْيِيدُهُ بِهِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا حَمَلَهُ الرَّاكِبُ عَلَى عَاتِقِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ ثِقْلَ الرَّاكِبِ مَعَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ يَجْتَمِعَانِ فِي مَكَان وَاحِدٍ فَيَكُونُ أَشَقَّ عَلَى الدَّابَّةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ تُطِيقُ حَمْلَهُمَا، ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَضْمَنُ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْمُحِيطِ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ إذَا هَلَكَتْ بَعْدَ مَا بَلَغَتْ مَقْصِدَهُ وَنِصْفُ الْقِيمَةِ، ثُمَّ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّدِيفَ وَإِنْ شَاءَ الرَّاكِبَ فَالرَّاكِبُ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ وَالرَّدِيفُ يَرْجِعُ إنْ كَانَ مُسْتَأْجِرًا وَإِلَّا فَلَا
. قَالَ رحمه الله (وَبِالزِّيَادَةِ عَلَى الْحِمْلِ الْمُسَمَّى مَا زَادَ) أَيْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ عَطِبَتْ بِالْإِرْدَافِ ضَمِنَ النِّصْفَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَخَفَّ أَوْ أَثْقَلَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ كُلَّ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا بِنَفْسِهِ وَفِي مِثْلِهِ لَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ كُلِّ الْقِيمَةِ وَهَا هُنَا وُجِدَ إرْكَابُ الْغَيْرِ مَعَ رُكُوبِ نَفْسِهِ فَرُكُوبُهُ بِنَفْسِهِ إنْ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ زِيَادَةَ ضَمَانٍ عَلَى ضَمَانِ الْإِرْكَابِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُوجِبَ نُقْصَانَ ضَمَانٍ مِنْهُ، وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مَعَ الضَّمَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَهَا هُنَا يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الضَّمَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْأَجْرِ قُلْنَا إنَّمَا يَنْتَفِي الْأَجْرُ عِنْدَ وُجُودِ الضَّمَانِ إذَا مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ فِي مِلْكِهِ وَهَا هُنَا لَمْ يَمْلِكْ بِهَذَا الضَّمَانِ شَيْئًا مِمَّا شَغَلَهُ بِرُكُوبِ نَفْسِهِ وَجَمِيعُ الْمُسَمَّى بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ مَا شَغَلَهُ غَيْرُهُ وَلَا أَجْرَ بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ لِيَسْقُطَ عَنْهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الضَّرَرَ فِي الدَّابَّةِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ ثِقْلِ الرَّاكِبِ وَخِفَّتِهِ فَلِهَذَا تَوَزَّعَ الضَّمَانُ نِصْفَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَمَّا سَأَلَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانُ نِصْفِ الْقِيمَةِ، وَقَدْ مَلَكَ نِصْفَ الدَّابَّةِ مِنْ حِينِ ضَمِنَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ نِصْفُ الْأَجْرِ، وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ وَفِي مِثْلِهِ لَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ يَجِبُ ضَمَانُ كُلِّ الْقِيمَةِ أَنَّهُ إذَا أَرْكَبَ غَيْرَهُ فَهُوَ مُخَالِفٌ فِي الْكُلِّ، وَإِذَا رَكِبَهَا بِنَفْسِهِ فَهُوَ مُوَافِقٌ فِيمَا شَغَلَهُ بِنَفْسِهِ مُخَالِفٌ فِيمَا شَغَلَهُ بِغَيْرِهِ. اهـ. دِرَايَةٌ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا تَتْلَفُ بِالثِّقَلِ) بَلْ بِالْجَهْلِ بِالرُّكُوبِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْعَدَدِ) أَيْ عَدَدُ الرَّاكِبِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ إلَّا أَنَّ رُكُوبَ أَحَدِهِمَا مَأْذُونٌ فِيهِ وَرُكُوبُ الْآخَرِ لَيْسَ بِمَأْذُونِ فِيهِ فَيَضْمَنُ النِّصْفَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا حَمَلَ مَعَ نَفْسِهِ مَتَاعًا فَهَلَكَتْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ مِنْ الثِّقَلِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْأَمْتِعَةِ الثِّقَلُ فَيَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ مِنْ الثِّقَلِ وَلَيْسَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يُوزَنُ الرَّجُلُ وَالْمَحْمُولُ حَتَّى يُعْرَفَ قَدْرُ مَا زَادَ عَلَى رُكُوبِهِ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَا تُعْرَفُ بِالْقَبَّانِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فِي هَذَا الْبَابِ فَيُسْأَلُونَ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ بِأَيِّ قَدْرٍ يَزِيدُ عَلَى رُكُوبِهِ فِي الثِّقَلِ لَكِنْ هَذَا إذَا لَمْ يَرْكَبْ عَلَى الْحَمْلِ فَأَمَّا إذَا رَكِبَ عَلَى الْحِمْلَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَمِعُ ثِقْلُ الْحَمْلِ وَالرَّاكِبِ فِي مَكَان وَاحِدٍ فَيَصِيرُ أَدَقَّ لِلدَّابَّةِ اهـ
(قَوْلُهُ كَالْجُنَاةِ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ) الْجُنَاةُ جَمْعُ الْجَانِي كَالْبُغَاةِ جَمْعُ الْبَاغِي وَالْقُضَاةُ جَمْعُ الْقَاضِي اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَيُعْتَبَرُ عَدَدُ الرَّاكِبِ وَلَا يُعْتَبَرُ الثِّقْلُ وَالْخِفَّةُ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي الْجِرَاحَةِ كَثْرَتُهَا وَقِلَّتُهَا بَلْ يُعْتَبَرُ عَدَدُ الْجُنَاةِ حَتَّى إذَا جَرَحَ أَحَدُهُمَا جِرَاحَةً وَاحِدَةً وَالْآخَرُ سَبْعَ جِرَاحَاتٍ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَنْصَافًا اهـ يَعْنِي إذَا جَرَحَ وَاحِدٌ إنْسَانًا جِرَاحَةً وَاحِدَةً خَطَأً وَالْآخَرُ جِرَاحَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ خَطَأً فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْ ذَلِكَ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا أَنْصَافًا فَكَذَلِكَ هُنَا يُعْتَبَرُ عَدَدُ مَنْ رَكِبَ لَا الثِّقَلُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ إتْلَافَهَا اهـ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي) أَيْ، وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ اهـ
(قَوْلُهُ إذَا هَلَكَتْ بَعْدَ مَا بَلَغَتْ مَقْصِدَهُ) أَيْ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ وَجَبَ مُقَابَلًا بِالْمَنَافِعِ، وَقَدْ حَصَلَتْ مُسْتَوْفَاةً اهـ ق (قَوْلُهُ ثُمَّ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ إلَخْ) عَزَاهُ الْأَتْقَانِيُّ لِلذَّخِيرَةِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ مَا نَصُّهُ فِي التَّضْمِينِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَهَذَا إذَا أَرْدَفَهُ حَتَّى صَارَ الْأَجْنَبِيُّ كَالتَّابِعِ لَهُ فَأَمَّا إذَا أَقْعَدَهُ فِي السَّرْجِ صَارَ غَاصِبًا وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ يَدَهُ عَنْ الدَّابَّةِ وَأَوْقَعَهَا فِي يَدٍ مُتَعَدِّيَةٍ فَصَارَ ضَامِنًا وَالْأَجْرُ لَا يُجَامِعُ الضَّمَانَ إلَى هُنَا لَفْظُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَاءِ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي. اهـ ق. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ الرَّاكِبُ) أَيْ وَهُوَ الْمُسْتَأْجِرُ اهـ (قَوْلُهُ وَالرَّدِيفُ يَرْجِعُ) أَيْ عَلَى الرَّاكِبِ اهـ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَ مُسْتَعِيرًا اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِالزِّيَادَةِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ رحمه الله فِي شَرْحِ الْكَافِي الَّذِي هُوَ مَبْسُوطُهُ فَإِذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ حِنْطَةِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَتَفَاوَتُ فِي حَقِّ الْحَمْلِ وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشْرَ مَخْتُومًا مِنْ حِنْطَةٍ فَبَلَغَتْ الْمَكَانَ الَّذِي سَمَّاهُ، ثُمَّ عَطِبَتْ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ كَامِلًا وَعَلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ أَحَدَ عَشْرَ جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ بِقَدْرِ مَا زَادَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِ الْكُلِّ وَبَعْضُهُ مَأْذُونٌ وَبَعْضُهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فَيَسْقُطُ حِصَّةُ الْحَمْلِ الْمَأْذُونِ وَيَجِبُ حِصَّةُ الْبَاقِي وَلِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ
إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا شَيْئًا مُقَدَّرًا فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْهُ فَعَطِبَتْ يَضْمَنُ مَا زَادَ الثِّقْلُ؛ لِأَنَّهَا هَلَكَتْ بِمَأْذُونٍ فِيهِ وَغَيْرِ مَأْذُونٍ وَالسَّبَبُ الثِّقْلُ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا إلَّا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ لَا تُطِيقُ مِثْلَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قِيمَتِهَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ فَيَكُونُ إهْلَاكًا أَوْجَبَ الضَّمَانَ هُنَا بِحِسَابِ الزِّيَادَةِ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ تُطِيقُ ذَلِكَ وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ الْمُسَمَّى أَوْجَبَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْرًا لِطَحْنِ حِنْطَةٍ مُقَدَّرَةٍ فَزَادَ لَمْ يُوجِبْ بِحِسَابِ الزِّيَادَةِ بَلْ أَوْجَبَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ هَلَكَتْ بِغَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فِيهِمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْقِيمَةِ وَفِيمَا إذَا زَادَ عَلَيْهَا مِنْ جِنْسِ الْمَأْذُونِ فِيهِ هَلَكَتْ بِالْمَجْمُوعِ فَتَسْقُطُ حِصَّةُ الْمَأْذُونِ وَيَجِبُ بِقَدْرِ مَا تَعَدَّى حَتَّى لَوْ حَمَّلَهَا الْمُسَمَّى وَحْدَهُ، ثُمَّ حَمَّلَهَا الزِّيَادَةَ وَحْدَهَا فَعَطِبَتْ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهَا هَلَكَتْ بِالزِّيَادَةِ وَحْدِهَا
. قَالَ رحمه الله (وَبِالضَّرْبِ وَالْكَبْحِ) أَيْ يَضْمَنُ بِهِمَا إذَا هَلَكَتْ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا لَا يَضْمَنُ إذَا فَعَلَ فِعْلًا مُعْتَادًا؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُطْلَقِ فَكَانَتْ هَالِكَةً بِالْمَأْذُونِ فِيهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْإِذْنَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ إذْ السَّوْقُ يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ، وَإِنَّمَا يَضْرِبُ لِلْمُبَالَغَةِ فَصَارَ كَضَرْبِ الزَّوْجَةِ وَالْمُرُورِ عَلَى الطَّرِيقِ بِخِلَافِ ضَرْبِ الْقَاضِي الْحَدَّ أَوْ التَّعْزِيرَ أَوْ فَصْدِ الْفَصَّادِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ وَالتَّعْزِيرَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْفَصْدُ لِالْتِزَامِهِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالضَّمَانُ لَا يَجِبُ بِالْوَاجِبِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا ضَرَبَ الْعَبْدُ الْمُسْتَأْجَرَ حَيْثُ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْعُذْرُ لَهُمَا أَنَّهُ يُؤْمَرُ وَيُنْهَى لِفَهْمِهِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى الضَّرْبِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ ضَرْبُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ الصَّغِيرَ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ ضَرْبَ مِثْلِهِ لِلتَّأْدِيبِ حَتَّى تَجِبَ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ لِإِصْلَاحِ الصَّغِيرِ فَكَانَ مُعِينًا بِهِ إذْ مَنْفَعَتُهُ عَائِدَةٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَيْهِ فَصَارَ كَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ إيَّاهُ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُعَلِّمَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الضَّرْبِ، وَإِنَّمَا يَسْتَفِيدُهُ مِنْهُ بِخِلَافِ الزَّوْجِ يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ لَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَصَارَ كَالرَّمْيِ إلَى الصَّيْدِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ السَّلَامَةُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ مَنْفَعَةَ الصَّغِيرِ كَالْوَاقِعِ لَهُ لِقِيَامِ الْبَعْضِيَّةِ بَيْنَهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَتَهُ لَهُ جُعِلَتْ كَشَهَادَتِهِ لِنَفْسِهِ، وَوَضْعُ الزَّكَاةِ فِيهِ كَوَضْعِهِ فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ بِإِذْنِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالضَّرْبِ صَحَّ مِنْ الْأَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ وِلَايَةِ ضَرْبِهِ تَأْدِيبًا وَإِذَا صَحَّ كَانَ الْمُعَلِّمُ مَعِينًا لِلْأَبِ إذْ لَا مَنْفَعَةَ لَلْمُعَلِّمِ فِيهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعِينِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَبِ أَيْضًا فِيمَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مِنْ أَجْزَاءِ الثِّقَلِ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَصْلُحُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ صَارَ الْكُلُّ عِلَّةً وَاحِدَةً فَيَتَوَزَّعُ الضَّمَانُ عَلَى أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِانْفِرَادِهَا تَصْلُحُ عِلَّةً، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْجِنَايَاتِ أَنَّ صَاحِبَ الْعِلَّةِ وَصَاحِبَ الْعِلَلِ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ كَمَا لَوْ جَرَحَ أَحَدُهُمَا سَبْعَ جِرَاحَاتٍ وَجَرَحَ الْآخَرُ جِرَاحَةً وَاحِدَةً وَمَاتَ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَنْصَافًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَلَيْهِ قِيمَتُهَا تَامًّا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى اسْتَكْرَى دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَجَعَلَ فِي الْجَوَالِقِ عِشْرِينَ مَخْتُومًا وَأَمَرَ الْمُكَارِيَ أَنْ يُحْمَلَ هُوَ عَلَيْهَا فَحُمِلَ هُوَ وَلَمْ يُشَارِكْهُ الْمُسْتَكْرِي فِي الْحَمْلِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا هَلَكَتْ الدَّابَّةُ وَلَوْ حَمَلَاهُ جَمِيعًا يَعْنِي الْمُكَارِي وَالْمُسْتَكْرِي وَوَضَعَاهُ عَلَى الدَّابَّةِ يَضْمَنُ الْمُسْتَكْرِي رُبْعَ الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ فِي الْجُوَالِقَيْنِ فَحَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُوَالِقًا وَوَضَعَاهُمَا عَلَى الدَّابَّةِ جَمِيعًا لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا وَيُجْعَلُ حِمْلُ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ، وَالثِّقَلُ بِكَسْرِ الثَّاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ خِلَافُ الْخِفَّةِ وَالثِّقْلُ بِكَسْرِ الثَّاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ الْحِمْلُ وَالثَّقَلُ بِفَتْحَتَيْنِ مَتَاعُ الْمُسَافِرِ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْجِنِّ وَالْإِنْسِ الثَّقَلَانُ؛ لِأَنَّهُمَا قُطَّانُ الْأَرْضِ فَكَأَنَّهُمَا ثَقَّلَاهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ يَضْمَنُ إلَخْ) هَذَا إذَا حَمَلَ الْأَكْثَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَمَّا إذَا حَمَلَ الْمُسَمَّى، ثُمَّ حَمَلَ الزِّيَادَةَ فَهَلَكَتْ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الطَّحْنِ اهـ كَاكِيٌّ قَوْلُهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا أَيْ وَيُسْتَفَادُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ حَتَّى لَوْ حَمَلَهَا الْمُسَمَّى وَحْدَهُ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ مَا زَادَ الثِّقَلُ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَلَا أَجْرَ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا اُسْتُوْفِيَتْ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ مُقَدَّرَةٍ) أَيْ كَعَشَرَةِ مَخَاتِيمَ مَثَلًا. اهـ. (قَوْلُهُ فَزَادَ) أَيْ بِأَنْ طَحَنَ أَحَدَ عَشَرَ مَخْتُومًا مَثَلًا. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ هَلَكَتْ إلَخْ) لِمَا أَنَّ الطَّحْنَ يَكُونُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَمَا طَحَنَ عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ انْتَهَى إذْنُ الْمَالِكِ فَبَعْدَ ذَلِكَ هُوَ فِي الطَّحْنِ مُخَالِفٌ فِي جَمِيعِ الدَّابَّةِ مُسْتَعْمِلٌ لَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا فَيَضْمَنُ جَمِيعَهَا أَمَّا الْحِمْلُ فَيَكُونُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَهُوَ فِي الْبَعْضِ مُسْتَعْمِلٌ بِالْإِذْنِ وَفِي الْبَعْضِ مُخَالِفٌ فَيَتَوَزَّعُ الضَّمَانُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. دِرَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْكَبْحِ) يُقَالُ كَبَحَهُ بِاللِّجَامِ إذَا رَدَّهُ بِهِ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَضْمَنُ) أَيْ اسْتِحْسَانًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ مَا نَصُّهُ أَيْ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ. اهـ. كَاكِيٌّ، وَنَقَلَ فِي التَّتِمَّةِ عَنْ بَابِ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ مِنْ فَرَائِضِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ الْأَصَحُّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ إيَّاهُ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى مُعَلِّمٌ ضَرَبَ الصَّبِيَّ بِإِذْنِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ لَمْ يَضْمَنْ وَهُمَا لَوْ ضَرَبَا يَضْمَنَانِ فِي إجَارَةِ الْعُيُونِ وَفِي الْقُدُورِيِّ الْمُعَلِّمُ أَوْ الْأُسْتَاذُ إذَا ضَرَبَا الصَّبِيَّ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ ضَمِنَا وَلَوْ ضَرَبَا بِإِذْنِهِمَا لَا يَضْمَنَانِ وَالْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ إذَا ضَرَبَهُ لِلتَّأْدِيبِ فَمَاتَ ضَمِنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ
وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَيْضًا قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ إذَا ضَرَبَ ابْنَهُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَوْ الْأَدَبِ فَمَاتَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجِبُ الدِّيَةُ وَلَا يَرِثُهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا شَيْءَ وَيَرِثُهُ وَلَوْ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ عَلَى الْمَضْجَعِ فَمَاتَتْ يَضْمَنُ وَلَا يَرِثُهَا فِي قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ ضَرَبَهَا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْأَبِ مَعَ الِابْنِ
ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ؛ لِأَنَّ مَا رَأَى مِنْ التَّأْدِيبِ لَمْ يَصِرْ مَنْقُولًا إلَيْهِ لَأَنْ يَصِحَّ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ وَالزَّائِدُ مِنْ الْمُعَلِّمِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ رَجَعَ شُهُودُ الزِّنَا بَعْدَ مَا جَرَحَتْهُ السِّيَاطُ لَا يَضْمَنُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ وَلَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ لَمْ يَجِبْ بِشَهَادَتِهِمْ.
قَالَ رحمه الله (وَنَزْعِ السَّرْجِ وَالْإِيكَافِ أَوْ الْإِسْرَاجِ بِمَا لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ) مَعْنَاهُ لَوْ اكْتَرَى حِمَارًا بِسَرْجٍ فَنَزَعَ السَّرْجَ وَأَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ أَوْ أَوْكَفَهُ ضَمِنَ جَمِيعَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْ مَا لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ وَلَا خِلَافَ فِي جِنْسِ السَّرْجِ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِالْإِسْرَاجِ وَالْإِكَافِ فَيَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ وَإِنْ أَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ تُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ قَدْ تَنَاوَلَهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ بِالْمُعَيَّنِ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا فِي الْوَزْنِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ بِحِسَابِهِ وَقَالَا الْإِكَافُ كَالسَّرْجِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ إذَا كَانَ بِمِثْلِهِ تُوكَفُ الْحُمُرُ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى السَّرْجِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ بِحِسَابِهِ كَمَا فِي السَّرْجِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ وَالسَّرْجُ سَوَاءٌ فَإِذَا رَضِيَ بِالسَّرْجِ يَكُونُ رَاضِيًا بِمِثْلِهِ مِنْ الْإِكَافِ، وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّ الْإِكَافَ لِلْحِمْلِ وَالسَّرْجَ لِلرُّكُوبِ، وَكَذَا يَنْبَسِطُ أَحَدُهُمَا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ مَا لَا يَنْبِسَطُهُ الْآخَرُ فَصَارَ نَظِيرَ اخْتِلَافِ الْحِنْطَةِ وَالْحَدِيدِ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْإِجَارَاتِ فَقَالَ يَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِجَمِيعِ الْقِيمَةِ وَلَكِنَّهُ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ مَا يَضْمَنُ فَكَانَ الْمُطْلَقُ مَحْمُولًا عَلَى الْقَدْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الْإِجَارَاتِ يَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ وَفِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَتَكَلَّمُوا عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِمَا أَنَّهُ يَضْمَنُ بِحِسَابِهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْمَسَّاحَةِ حَتَّى إذَا كَانَ السَّرْجُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ قَدْرَ شِبْرَيْنِ وَالْإِكَافُ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَشْبَارٍ فَيَضْمَنُ بِحِسَابِهِ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ.
قَالَ رحمه الله (وَسُلُوكِ طَرِيقٍ غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ وَتَفَاوَتَا) أَيْ يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا عَيَّنَ لِلْمُكَارِي طَرِيقًا وَسَلَكَ هُوَ غَيْرُهُ وَكَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بِأَنْ كَانَ الْمَسْلُوكُ أَوْعَرَ أَوْ أَبْعَدَ أَوْ أَخْوَفَ بِحَيْثُ لَا يُسْلَكُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ صَحِيحٌ لِكَوْنِهِ مُفِيدًا فَإِذَا خَالَفَ فَقَدْ تَعَدَّى فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ إنْ هَلَكَ وَإِنْ لَمْ يَهْلَكْ وَبَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا لِارْتِفَاعِ الْخِلَافِ وَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْأُجْرَةِ وَالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حَالَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَامَةِ يَجِبُ الْأَجْرُ وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّلَفِ يَجِبُ الضَّمَانُ، وَالْمَحْظُورُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَنَظِيرُهُ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إذَا آجَرَ نَفْسَهُ فَإِنْ تَلِفَ فِي الْعَمَلِ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الضَّمَانُ وَإِنْ سَلِمَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَإِنْ كَانَ يَسْلُكُهُ النَّاسُ وَهَلَكَ الْمَتَاعُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيمَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ عَدَمُ التَّفَاوُتِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الطَّرِيقِينَ تَفَاوُتٌ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّفَاوُتِ لَا يَصِحُّ التَّعْيِينُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَضْمَنُ لِصِحَّةِ التَّقْيِيدِ فَجَعَلَاهُ كَالطَّرِيقِ الَّذِي لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ.
قَالَ رحمه الله (وَحَمْلِهِ فِي الْبَحْرِ الْكُلَّ وَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ) أَيْ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ بِحَمْلِهِ فِي الْبَحْرِ إنْ هَلَكَ الْقُمَاشُ وَإِنْ سَلِمَ فَلَهُ الْأَجْرُ، وَقَوْلُهُ الْكُلَّ عَائِدٌ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ كُلُّهَا مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ وَبِالضَّرْبِ وَالْكَبْحِ إلَى هُنَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي جَمِيعِهَا جَمِيعُ الْقِيمَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي وَلَوْ تَكَارَى حِمَارًا عُرْيَانَا فَأَسْرَجَهُ وَرَكِبَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَوْ اكْتَرَى حِمَارًا عُرْيَانَا فَأَسْرَجَهُ، ثُمَّ رَكِبَهُ كَانَ ضَامِنًا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَهَذَا إذَا كَانَ حِمَارًا لَا يُسْرَجُ مِثْلُهُ عَادَةً،
أَمَّا إذَا كَانَ يُسْرَجُ وَيُرْكَبُ بِالسَّرْجِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الرُّكُوبُ وَالسَّرْجُ آلَةٌ لَهُ فَلَا يَخْتَلِفُ بِوَضْعِ السَّرْجِ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، وَقَدْ فَصَّلَ أَصْحَابُنَا هَذَا وَقَالُوا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْكَبَ إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ لَا يُرْكَبُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ بِغَيْرِ سَرْجٍ وَلَا إكَافٍ فَلَمَّا آجَرَهُ كَذَلِكَ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى وَقَالُوا وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْكَبَهُ فِي الْمِصْرِ وَهُوَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ فَلَهُ أَنْ يُسْرِجَهُ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَرْكَبُ مِنْ غَيْرِ سَرْجٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَأَسْرَجَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ يَرْكَبُ فِي الْبَلَدِ مِنْ غَيْرِ سَرْجٍ وَالسَّرْجُ أَثْقَلُ عَلَى الدَّابَّةِ، ثُمَّ إذَا ضَمِنَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ أَوْ بِقَدْرِ مَا زَادَ قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اخْتَلَفُوا فِيهِ
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الضَّمَانَ مُطْلَقًا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ صُورَةً وَمَعْنًى، أَمَّا صُورَةً فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا عُرْيَانَا، وَقَدْ رَكِبَ مَعَ السَّرْجِ، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الرُّكُوبَ عَلَى السَّرْجِ أَضَرُّ عَلَى الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ ثِقَلَ الرَّاكِبِ وَالسَّرْجِ يَجْتَمِعُ فِي مَكَان وَاحِدٍ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ ضَمَانُ قَدْرِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عُرْيَانَا فَأَسْرَجَهُ فَكَانَ السَّرْجُ كَالْحِمْلِ الزَّائِدِ عَلَى الرُّكُوبِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ فَرَكِبَ وَحَمَلَ مَعَهُ حِمْلًا يَضْمَنُ قَدْرَ الزِّيَادَةِ وَإِنْ عَطِبَتْ فَكَذَا هَذَا؛ لِأَنَّ السَّرْجَ صَارَ كَزِيَادَةِ الْحِمْلِ، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ لِجَامٌ فَأَلْجَمَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يُلْجِمُ بِذَاتِ اللِّجَامِ، وَكَذَلِكَ إذَا بَدَّلَهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ لَا يَخْتَلِفُ بِاللِّجَامِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَتْلَفُ بِهِ فَلَمْ يَضْمَنُ بِإِلْجَامِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَا الْإِكَافُ كَالسَّرْجِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ إذَا كَانَ بِمِثْلِهِ تُوكَفُ الْحُمُرُ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا) كَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَقَالَا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْعُيُونِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. حَقَائِقُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ) أَيْ حَتَّى إذَا كَانَ السَّرْجُ مَنَوَيْنِ وَالْإِكَافُ سِتَّةَ أَمْنَاءٍ يَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا اهـ حَقَائِقُ