الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هِيَ فِي نَفْسِهَا تَبَرُّعًا وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَجَبَ الْعُقْرُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ وَلَا مِنْ الْكَسْبِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْإِذْنُ وَلَا عَقْدُ الْكِتَابَةِ فَيَتَأَخَّرُ مَا وَجَبَ فِيهِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْتِزَامِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
{فَصْلٌ} قَالَ رحمه الله (وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا مَضَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا أَوْ عَجَزَتْ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) لِأَنَّهَا لَمَّا وَلَدَتْ مِنْ مَوْلَاهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَتَلْقَاهَا جِهَتَا حُرِّيَّةٍ عَاجِلَةٍ بِبَدَلٍ وَهِيَ الْكِتَابَةُ وَآجِلَةٍ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَهِيَ أُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ فَتَخْتَارُ أَيَّتَهُمَا شَاءَتْ، وَنَسَبُ وَلَدِهَا ثَابِتٌ بِالدَّعْوَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ رَقَبَةً بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَتِهِ الْمُكَاتَبَةِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمَوْلَى إلَّا بِتَصْدِيقِ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ حَقِيقَةً فِي مِلْكِ الْمُكَاتَبَةِ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ فَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَصْدِيقِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَصْدِيقِ الِابْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ مَالَ وَلَدِهِ لِلْحَاجَةِ فَيَتَمَلَّكُهَا قُبَيْلَ الِاسْتِيلَادِ شَرْطًا لَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي النِّكَاحِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَصْدِيقِهِ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ إعْتَاقَ أَوْلَادِهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَتَكَاتَبُونَ عَلَيْهَا وَلَا يَمْلِكُ بَيْعَهُمْ فَصَارَ حُكْمُهُمْ كَحُكْمِهَا وَإِذَا مَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ أَخَذَتْ عُقْرَهَا مِنْ سَيِّدِهَا لِكَوْنِهَا أَخَصَّ بِنَفْسِهَا وَأَكْسَابِهَا.
وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالِاسْتِيلَادِ وَسَقَطَ عَنْهَا مَالُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا مَا الْتَزَمَتْ الْبَدَلَ إلَّا لِتَسْلَمَ لَهَا نَفْسُهَا بِمُقَابَلَتِهِ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ فَإِذَا سَلِمَتْ لَهَا بِجِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَرْضَ بِتَسْلِيمِهِ لَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ مَجَّانًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا وَإِنْ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ مَالًا تُؤَدَّى كِتَابَتُهَا مِنْهُ وَمَا بَقِيَ مِيرَاثٌ لِوَلَدِهَا لِثُبُوتِ عِتْقِهَا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهَا وَإِنْ لَمْ تَتْرُكْ مَالًا فَلَا سِعَايَةَ عَلَى هَذَا الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا عَلَيْهِ وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إذَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْمَوْلَى وَطْؤُهَا وَإِنْ حَرُمَ فَلَا يَلْزَمُهُ حَتَّى إذَا عَجَّزَتْ نَفْسَهَا وَوَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ الْعُلُوقُ بَعْدَ التَّعْجِيزِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا إذَا نَفَاهُ صَرِيحًا كَسَائِرِ أَوْلَادِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْوَلَدَ الثَّانِيَ وَمَاتَتْ مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ سَعَى هَذَا الْوَلَدُ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ تَبَعًا لَهَا، وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَتَقَ وَبَطَلَ عَنْهُ السِّعَايَةُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أُمِّ الْوَلَدِ إذْ هُوَ وَلَدُهَا فَيَتْبَعُهَا.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَهُ صَحَّ)؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَتْ أُمَّ الْوَلَدِ غَيْرَ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعَقْدُ الْكِتَابَةِ يُرَدُّ عَلَى الْمَمْلُوكِ لِحَاجَتِهِ إلَى التَّوَصُّلِ إلَى مِلْكِ الْيَدِ وَالْمَكَاسِبِ فِي الْحَالِ وَإِلَى الْحُرِّيَّةِ فِي الْمَآلِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي هَذَا كَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ يَدًا وَرَقَبَةً فَيَتَحَقَّقُ حُكْمُ الْكِتَابَةِ فِيهَا فَتَمْلِكُ مَا يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَكَسْبُهَا لِلْمَوْلَى فَيَصِحُّ مِنْهُ إثْبَاتُ هَذِهِ الْمَالِكِيَّةِ لَهَا بِالْبَدَلِ وَلِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهَا مُحْتَرَمٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْقِصَاصِ.
قَالَ رحمه الله (وَعَتَقَتْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ فَصْلٌ وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا]
فَصْلٌ} (قَوْلُهُ وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ إنَّمَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَخْ) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ مِنْ الْمَوْلَى وَمَضَتْ عَلَى الْكِتَابَةُ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ عَلَى الْمَوْلَى بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ وَلَكِنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ وَوَلَدُهَا وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِدُونِ الدَّعْوَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ كَاتَبَ أُمَّ وَلَدِهِ) اعْلَمْ أَنَّ كِتَابَةَ أُمِّ الْوَلَدِ جَائِزَةٌ كَكِتَابَةِ الْإِمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] بَيَانُهُ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ لِلْمَوْلَى وَالْمِلْكُ فِيهَا بَاقٍ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى وَطْؤُهَا وَإِجَارَتُهَا وَاسْتِخْدَامُهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ بُطْلَانُ اسْتِحْقَاقِهَا الْحُرِّيَّةَ، فَلَمَّا كَانَ الْمِلْكُ فِيهَا بَاقِيًا جَازَ كِتَابَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِي الْآيَةِ بَيْنَ مَمْلُوكٍ وَمَمْلُوكٍ فَإِنْ قِيلَ رِقُّ أُمِّ الْوَلَدِ لَا قِيمَةَ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ بِالْكِتَابَةِ، قِيلَ لِرِقِّهَا قِيمَةٌ فِي السِّعَايَةِ وَإِنَّمَا لَا قِيمَةَ لَهُ فِي الْعُقُودِ وَالْبِيَاعَاتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ لَزِمَتْهَا السِّعَايَةُ لِهَذَا الْمَعْنَى، كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَلِأَنَّ فِي كِتَابَةِ أُمِّ الْوَلَدِ إيصَالَ حَقِّهَا إلَيْهَا مُعَجَّلًا فَجَازَتْ لِحَاجَتِهَا إلَى ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ مُدَبَّرَهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَإِنَّمَا جَازَ كِتَابَةُ الْمُدَبَّرِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَاسْتِحْقَاقُهَا مِنْ وَجْهٍ لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَجَازَتْ وَصُورَتُهَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ لَهُ مُدَبَّرٌ كَاتَبَهُ فِي صِحَّتِهِ عَلَى مِائَةٍ وَقِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى. قَالَ: إنْ شَاءَ الْعَبْدُ سَعَى فِي جَمِيعِ الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثِي قِيمَتِهِ وَإِنْ كَانَ التَّدْبِيرُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ فَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ، إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا تَرَى فَلِأَجْلِ هَذَا اشْتَبَهَ الْحَالُ وَاحْتَاجَ إلَى التَّأْوِيلِ فَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْبَزْدَوِيِّ فِي شَرْحِهِ يُرِيدُ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْعَى فِي الَّذِي قَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَمِنْ ثُلُثَيْ كِتَابَتِهِ.
وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي: وَإِذَا كَاتَبَ الرَّجُلُ مُدَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ وَبَطَلَتْ عَنْهُ السِّعَايَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي الْكِتَابَةِ وَإِنْ شَاءَ سَعَى فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُخَيَّرُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وَثُلُثَيْ الْمُكَاتَبَةِ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي الْفَضْلِ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ اهـ كَلَامُ الْأَتْقَانِيِّ رحمه الله -
مَجَّانًا بِمَوْتِهِ) أَيْ عَتَقَتْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى بِغَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهَا وَسَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِسَبَبِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا وَمِنْ حُكْمِهِ عِتْقُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ مَجَّانًا وَتُسَلَّمُ لَهَا الْأَوْلَادُ وَالْأَكْسَابُ؛ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ وَمِلْكُهَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِ الْغَيْرِ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَلَئِنْ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا بَقِيَتْ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَالْأَكْسَابِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لِلنَّظَرِ لَهَا وَالنَّظَرُ لَهَا فِي بَقَاءِ الْكِتَابَةِ لِيَتْبَعَهَا أَوْلَادُهَا فِي الْعِتْقِ وَتَسْلَمَ لَهَا أَكْسَابُهَا فَيُجْعَلَ كَأَنَّهَا عَتَقَتْ بِالْإِيفَاءِ فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَالْأَكْسَابِ وَلِأَنَّ دُخُولَ أَوْلَادِهَا فِي الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَيَعْتِقُونَ بِعِتْقِهَا تَبَعًا لَهَا؛ لِأَنَّ لِلتَّبَعِ حُكْمُ الْمَتْبُوعِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِالطَّرِيقِ الَّذِي بَيَّنَّا وَهُوَ أَنْ تَنْفَسِخَ الْكِتَابَةُ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْبَدَلِ عَنْهَا فَقَطْ وَتَبْقَى فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ نَظَرًا لَهَا وَلَوْ أَدَّتْ بَدَلَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى عَتَقَتْ بِالْكِتَابَةِ لِبَقَائِهَا إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ وَبِالْأَدَاءِ تَتَقَرَّرُ وَلَا تَبْطُلُ.
قَالَ رحمه الله (وَسَعَى الْمُدَبَّرُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ كُلِّ الْبَدَلِ بِمَوْتِهِ فَقِيرًا) أَيْ لَوْ مَاتَ بَعْدَ مَا كَاتَبَهُ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَالْخِلَافُ فِي مَوْضِعَيْنِ الْخِيَارُ وَالْمِقْدَارُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْمِقْدَارِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ رحمه الله فِي نَفْيِ الْخِيَارِ أَمَّا الْكَلَامُ فِي الْخِيَارِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِ التَّجَزِّي فَعِنْدَهُ لَمَّا كَانَ مُتَجَزِّيًا بَقِيَ مَا وَرَاءَ الثُّلُثِ عَبْدًا وَبَقِيَتْ الْكِتَابَةُ فِيهِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ عِتْقِ الثُّلُثِ فَتَوَجَّهَ لِعِتْقِهِ جِهَتَانِ كِتَابَةٌ مُؤَجَّلَةٌ وَسِعَايَةٌ مُعَجَّلَةٌ فَيُخَيَّرُ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.
وَفِي التَّخْيِيرِ فَائِدَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَدَاءُ أَكْثَرِ الْمَالَيْنِ أَيْسَرَ بِاعْتِبَارِ الْأَجَلِ وَأَقَلُّهُمَا أَعْسَرَ أَدَاءً لِكَوْنِهِ حَالًّا فَكَانَ فِي التَّخْيِيرِ فَائِدَةٌ وَإِنْ كَانَ جِنْسُ الْمَالِ مُتَّحِدًا وَعِنْدَهُمَا لَمَّا عَتَقَ كُلُّهُ بِعِتْقِ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَبَطَلَ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِأَجْلِ الْكِتَابَةِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ أَصْلُ الدِّينِ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ؛ لِأَنَّ عِتْقَ بَعْضِهِ حَصَلَ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ لِكَوْنِ التَّدْبِيرِ وَصِيَّةً وَعِتْقُ بَعْضِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ عِنْدَهُمَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ بَدَلُ الْكِتَابَةِ حَالًّا أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ ثُلُثَا الْقِيمَةِ بِالتَّدْبِيرِ حَالًّا فَيَلْزَمُهُ أَقَلُّهُمَا مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَقَلُّ بِلَا خِيَارٍ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا هَذَا، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْبَدَلَيْنِ حَالٌّ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ وَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَجِبُ الْأَقَلُّ وَهُوَ الْمُتَيَقَّنُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي التَّخْيِيرِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَحَدُهُمَا مُؤَجَّلٌ فَيُفِيدُ التَّخْيِيرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْمِقْدَارِ فَعِنْدَهُمَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ شَيْءٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله يَسْقُطُ عَنْهُ ثُلُثُهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ صَادَفَتْ كُلَّهُ فَيَكُونُ الْبَدَلُ مُقَابَلًا بِالْكُلِّ، وَقَدْ عَتَقَ ثُلُثُهُ بِالتَّدْبِيرِ فَيَبْطُلُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْبَدَلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَتَقَ كُلُّهُ بِالتَّدْبِيرِ بِأَنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ عَنْهُ كُلُّ الْبَدَلِ فَكَذَا إذَا أَعْتَقَ ثُلُثَهُ بِهِ وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ ثُلُثُهُ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَلِهَذَا لَوْ أَدَّى كُلَّ الْبَدَلِ فِي حَيَاتِهِ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَلَوْ كَانَ ثُلُثُهُ مُسْتَحَقًّا بِالتَّدْبِيرِ وَلَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ عَقْدُ الْكِتَابَةِ لَمَا عَتَقَ كُلُّهُ بِالْأَدَاءِ وَصَارَ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَتْ الْكِتَابَةُ وَتَأَخَّرَ التَّدْبِيرُ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالَ قُوبِلَ بِمَا يَصِحُّ مُقَابَلَتُهُ بِهِ بِمَا لَا يَصِحُّ فَانْصَرَفَ كُلُّهُ إلَى مَا يَصِحُّ كَرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِأَلْفٍ لَزِمَ الْأَلْفُ كُلُّهُ مُقَابِلًا بِمَا بَقِيَ وَهِيَ الطَّلْقَةُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابَةِ ثُبُوتُ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لِلْمُكَاتَبِ وَالْبَدَلُ بِمُقَابَلَةِ ذَلِكَ لَا بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ ثَابِتٌ لَهُ وَالتَّدْبِيرُ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ ثُلُثِ رَقَبَتِهِ لَا مَحَالَةَ فَلَا يُتَصَوَّرُ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْكِتَابَةِ لِيَكُونَ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَكَانَ الْبَدَلُ كُلُّهُ بِمُقَابَلَةِ مَا وَرَاءَهُ ضَرُورَةً.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مُقَابَلٌ بِمَا وَرَاءَ الْمُسْتَحَقِّ بِالتَّدْبِيرِ وَلَمْ يَسْلَمْ شَيْءٌ مِنْهُ لِلْعَبْدِ بِمَوْتِ الْمَوْلَى فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ دَبَّرَ مُكَاتَبَهُ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ هُنَاكَ مُقَابَلٌ بِكُلِّ الرَّقَبَةِ إذْ لَمْ يُسْتَحَقَّ شَيْءٌ مِنْ رَقَبَتِهِ عِنْدَ الْكِتَابَةِ فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ الرَّقَبَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّدْبِيرِ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَدَلَيْنِ حَالٌ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ) أَرَادَ بِمَسْأَلَةِ الْيَمِينِ قَوْلَهُ آنِفًا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا أَوْ أَلْفَيْنِ وَالشَّرْطُ يَمِينٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. اهـ.
بِقَدَرِهِ أَمَّا هُنَا فَالْكِتَابَةُ وَقَعَتْ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَمَالِيَّةُ الثُّلُثِ قَدْ سَقَطَتْ حَتَّى لَوْ أَتْلَفَهُ إنْسَانٌ لَا يَضْمَنُ إلَّا قِيمَةَ الثُّلُثَيْنِ فَكَانَ الْبَدَلُ بِإِزَاءِ الثُّلُثَيْنِ ضَرُورَةً وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا أَدَّى فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الثُّلُثِ قَدْ بَطَلَ فَبَطَلَ التَّقْدِيرُ الَّذِي قُلْنَا، أَلَا تَرَى أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ إذَا كَاتَبَهَا ثُمَّ مَاتَ سَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ كُلُّهُ لِاسْتِحْقَاقِهَا الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةٍ أُخْرَى فَكَأَنَّ نَفْسَهَا كَانَتْ سَالِمَةً لَهَا بِتِلْكَ الْجِهَةِ وَلَوْ أَدَّتْ الْبَدَلَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ صَحَّ الْأَدَاءُ وَعَتَقَتْ بِهِ لِبُطْلَانِ اسْتِحْقَاقِهَا بِالْأَدَاءِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ دَبَّرَ مُكَاتَبَهُ صَحَّ)؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَنْجِيزَ الْعِتْقِ فِيهِ فَيَمْلِكُ التَّعْلِيقَ فِيهِ بِشَرْطِ الْمَوْتِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ وَهَذَا التَّصَرُّفُ نَافِعٌ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَعْتِقُ مَجَّانًا أَوْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَبْقَى لَهُ جِهَةُ الْحُرِّيَّةِ مُهْدَرَةً. قَالَ رحمه الله (وَإِنْ عَجَزَ بَقِيَ مُدَبَّرًا) لِوُجُودِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثَيْ الْبَدَلِ بِمَوْتِهِ مُعْسِرًا) أَيْ إنْ لَمْ يَعْجِزْ وَمَاتَ الْمَوْلَى مُعْسِرًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا: يَسْعَى فِي الْأَصْلِ مِنْهُمَا فَالْخِلَافُ فِي الْخِيَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِ تَجَزِّيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ. أَمَّا الْمِقْدَارُ هُنَا فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مُقَابَلٌ بِكُلِّ الرَّقَبَةِ إذْ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْحُرِّيَّةِ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ الرَّقَبَةِ مَجَّانًا بَعْدَ ذَلِكَ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّهُ سَلِمَ لَهُ بِالتَّدْبِيرِ الثُّلُثُ فَيَكُونُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مُقَابَلًا بِمَا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ وَهُوَ الثُّلُثَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبَهُ عَتَقَ)؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَائِمٌ فِيهِ وَهُوَ الشَّرْطُ لِنُفُوذِ الْعِتْقِ قَالَ رحمه الله (وَسَقَطَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ)؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ وَقَدْ حَصَلَ بِدُونِهِ وَكَذَا الْمَوْلَى كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مُقَابَلًا بِالتَّحْرِيرِ وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِالْإِعْتَاقِ مَجَّانًا، وَالْكِتَابَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى لَكِنَّهَا تُفْسَخُ بِالتَّرَاضِي بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ وُجِدَ مِنْ الْمَوْلَى بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَمِنْ الْعَبْدِ بِحُصُولِ غَرَضِهِ بِلَا عِوَضٍ وَبِسَلَامَةِ أَكْسَابَهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَنْفَسِخُ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْبَدَلِ خَاصَّةً وَتَبْقَى فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ نَفْعًا مَحْضًا.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ فَصَالَحَهُ عَلَى نِصْفٍ حَالٍّ صَحَّ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالدَّيْنُ مَالٌ فَكَانَ رِبًا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي الْحُرِّ وَمُكَاتَبِ الْغَيْرِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِهِ فَأَعْطَى لَهُ حُكْمَ الْمَالِ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَاعْتَدَلَا فَلَا رِبًا وَلِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ عَقْدٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ وَلِأَنَّهُ شُرِعَ مَعَ الْمُنَافِي؛ إذْ الْأَصْلُ أَنْ لَا يَجْرِيَ هَذَا الْعَقْدُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ إذْ الْعَبْدُ وَمَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ وَالْأَجَلُ أَيْضًا رِبًا مِنْ وَجْهٍ فَيَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْعَقْدِ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ رِبًا بِالْأَجَلِ فِيهِ شُبْهَةٌ وَلِأَنَّ الصُّلْحَ أَمْكَنَ جَعْلُهُ فَسْخًا لِلْكِتَابَةِ السَّابِقَةِ وَتَجْدِيدُ الْعَقْدِ عَلَى خَمْسِمِائَةِ حَالَةٍ.
قَالَ رحمه الله (مَاتَ مَرِيضٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ أَدَّى ثُلُثَيْ الْبَدَلِ حَالًّا وَالْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ أَوْ رُدَّ رَقِيقًا) مَعْنَاهُ أَنَّ مَرِيضًا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْأَلْفَيْنِ حَالًّا وَالْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ أَوْ يُرَدُّ رَقِيقًا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رضي الله عنهما وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله يُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْأَلْفِ حَالًّا وَالْبَاقِي إلَى أَجَلِهِ أَوْ يُرَدُّ رَقِيقًا لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الزِّيَادَةَ بِأَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الزِّيَادَةَ وَهِيَ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فَصَارَ كَمَا إذَا خَالَعَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ وَصَارَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِدُونِ الْمَالِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ كَانَ الْمَرِيضُ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَنْ لَا يَتَمَلَّكَهُ أَصْلًا فَإِذَا تَمَلَّكَهُ مُؤَجَّلًا لَا يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ وَلَهُمَا أَنَّ جَمِيعَ الْمُسَمَّى بَدَلُ الرَّقَبَةِ حَتَّى أُجْرِيَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِبْدَالِ مِنْ حَقِّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَجَرَيَانِ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَحَقِّ الْحَبْسِ بِالْمُسَمَّى كُلِّهِ فِيمَا إذَا بَاعَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفَيْنِ.
وَحَقُّ الْوَرَثَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُبْدَلِ فَكَذَا بِالْبَدَلِ وَالتَّأْجِيلُ إسْقَاطُ مَعْنًى فَيُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْجَمِيعِ بِخِلَافِ الْخُلْعِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِيهِ لَا يُقَابِلُ الْمَالَ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِالْمُبْدَلِ فَكَذَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَلِ وَأَصْلُهُ الْمَرِيضُ إذَا بَاعَ دَارًا قِيمَتُهَا أَلْفٌ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ إلَى سَنَةٍ ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَعِنْدَهُمَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ) أَيْ وَهُوَ الثُّلُثُ اهـ (قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بِالتَّدْبِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَفِي الْحِلْيَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ) كَأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ الْمُكَاتَبِ خَمْسَمِائَةٍ مُعَجَّلَةً بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَكَانَ رِبًا) أَيْ وَهُوَ حَرَامٌ بَيْنَ الْمَوْلَى وَسَيِّدِهِ وَلِهَذَا نَصَّ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَمْ يَجُزْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ) أَيْ لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْحُرِّ أَوْ مُكَاتَبِ الْغَيْرِ مُؤَجَّلًا فَصَالَحَهُ عَلَى بَعْضِهِ مُعَجَّلًا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا هَذَا. اهـ. دِرَايَةٌ.
(قَوْلُهُ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ) أَيْ التَّأْجِيلَ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ إلَّا فِي حَقِّ التَّأْجِيلِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ إذْ بِتَأْجِيلِ الْمَالِ أُخِّرَ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِ إجَازَتِهِمْ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ كَاكِيٌّ
يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تُعَجِّلَ ثُلُثَيْ جَمِيعِ الثَّمَنِ وَالثُّلُثُ عَلَيْك إلَى أَجَلِهِ وَإِلَّا فَانْقُضْ الْبَيْعَ وَعِنْدَهُ يُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تُعَجِّلَ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ وَالْبَاقِي عَلَيْك إلَى أَجَلِهِ وَإِلَّا فَانْقُضْ الْبَيْعَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ بِالْأَجَلِ تُعْتَبَرُ فِي جَمِيعِ الثَّمَنِ وَصِيَّةً مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ تَبَرُّعٌ مِنْ الْمَرِيضِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَارِثَ يَصِيرُ مَمْنُوعًا عَنْ الْمَالِ بِسَبَبِ التَّأْجِيلِ كَمَا يَصِيرُ مَمْنُوعًا بِنَفْسِ التَّبَرُّعِ وَتَبَرُّعُ الْمَرِيضِ يُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ وَجَمِيعُ الثَّمَنِ هُنَا بَدَلُ الرَّقَبَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْإِبْدَالِ عِنْدَهُ الْأَجَلُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ يَصِحُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيُعْتَبَرُ فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ مِنْ الثُّلُثِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَلَمْ يُجِيزُوا أَدَّى ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ حَالًّا أَوْ رُدَّ رَقِيقًا) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ هُنَا حَصَلَتْ فِي الْقَدْرِ وَالتَّأْخِيرِ فَاعْتُبِرَ الثُّلُثُ فِيهِمَا وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الْأُولَى أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْقِيمَةِ كَانَتْ حَقَّ الْمَرِيضِ فِي الْأُولَى حَتَّى كَانَ يَمْلِكُ إسْقَاطَهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِأَنْ يَبِيعَهُ بِقِيمَتِهِ فَتَأْخِيرُهَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ مِنْ الْإِسْقَاطِ، وَهُنَا وَقَعَتْ الْكِتَابَةُ عَلَى أَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ مَا زَادَ عَلَى ثُلُثِ قِيمَتِهِ وَلَا تَأْجِيلَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِجَمِيعِهِ بِخِلَافِ الْأُولَى قَالَ رحمه الله.
(حُرٌّ كَاتَبَ عَنْ عَبْدٍ بِأَلْفٍ وَأَدَّى عَتَقَ وَإِنْ قَبِلَ الْعَبْدُ فَهُوَ مُكَاتَبٌ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ حُرٌّ لِمَوْلَى الْعَبْدِ: كَاتِبْ عَبْدَك فُلَانًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَكَاتَبَهُ الْمَوْلَى عَلَى هَذَا الشَّرْطِ وَقَبِلَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَدَّى أَلْفًا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ تَعَلَّقَ بِأَدَائِهِ فَيَعْتِقُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ قَبُولِ الْعَبْدِ وَإِجَازَتِهِ كَمَا إذَا عَلَّقَهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ وَإِذَا بَلَغَ الْعَبْدُ فَقَبِلَ صَارَ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَتِهِ وَقَبُولِهِ فَصَارَ إجَازَتُهُ فِي الِانْتِهَاءِ كَقَبُولِهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَوْ قَبِلَهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ وَكَّلَهُ بِهِ كَانَ يَنْفُذُ فَكَذَا إذَا أَجَازَهُ وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لَا أَقْبَلُهُ فَأَدَّى عَنْهُ الرَّجُلُ الَّذِي كَاتَبَ عَنْهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ارْتَدَّ بِرَدِّهِ وَلَوْ ضَمِنَ الرَّجُلُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا تَجُوزُ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَوْقُوفٌ وَالْمَوْقُوفُ لَا حُكْمَ لَهُ وَلَمْ يُوجَدْ التَّعْلِيقُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ صَحِيحَةٌ نَافِذَةٌ فِيمَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ وَهُوَ أَنْ يَعْتِقَ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَشْرُوطِ مَوْقُوفَةً فِيمَا يَرْجِعُ إلَى وُجُوبِ الْبَدَلِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِلْعَبْدِ وَتَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
وَقِيلَ هَذِهِ هِيَ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَلَوْ أَدَّى الْحُرُّ الْبَدَلَ عَنْهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ وَحَصَلَ لَهُ مَقْصُودُهُ وَهُوَ عِتْقُ الْعَبْدِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ تَبَرَّعَ أَدَاءَ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَقِيلَ: يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى وَيَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ إنْ أَدَّاهُ بِضَمَانٍ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ غَيْرَ الْوَاجِبِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ الْمَالَ فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ فَأَدَّى يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى فَهَاهُنَا أَوْلَى، وَإِنْ أَدَّاهُ بِغَيْرِ ضَمَانٍ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِهِ لِيَحْصُلَ الْعِتْقُ لَهُ فَتَمَّ أَدَاؤُهُ هَذَا إذَا أَدَّى عَنْهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ كُلَّهُ وَإِنْ أَدَّى عَنْهُ بَعْضَهُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ سَوَاءٌ أَدَّى بِضَمَانٍ أَوْ بِغَيْرِ ضَمَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ وَهُوَ الْعِتْقُ فَكَانَ حُكْمُ الْأَدَاءِ مَوْقُوفًا فَيَرْجِعُ كَمَا إذَا تَبَرَّعَ بِأَدَاءِ الثَّمَنِ فِي بَيْعٍ مَوْقُوفٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْبَائِعِ لِهَذَا الْمَعْنَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَبِلَ الْعَبْدُ الْكِتَابَةَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ تَبَرَّعَ عَنْهُ إنْسَانٌ بِبَعْضِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ بِذَلِكَ قَدْ حَصَلَ، وَهِيَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْعَبْدِ بِقَدْرِهِ مِنْ الْبَدَلِ وَهُنَا لَمْ يَكُنْ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ شَيْءٌ حَتَّى يَبْرَأَ بِأَدَائِهِ وَكَذَا لَوْ أَدَّاهُ قَبْلَ إجَازَةِ الْعَبْدِ الْعَقْدَ ثُمَّ أَجَازَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَدَّى سَوَاءٌ أَدَّى الْبَعْضَ أَوْ الْكُلَّ إلَّا إذَا أَدَّاهُ عَنْ ضَمَانٍ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ بِالْإِجَارَةِ نَفَذَتْ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَكُونُ الْأَدَاءُ مُبَرِّئًا لِلْمُكَاتَبِ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُ إلَّا أَنَّ الضَّمَانَ فَاسِدٌ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ فَسَادِهِ قَالَ رحمه الله
(وَإِنْ كَاتَبَ الْحَاضِرَ وَالْغَائِبَ وَقَبِلَ الْحَاضِرُ صَحَّ) أَيْ كَاتَبَهُمَا الْمَوْلَى وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ الْحَاضِرُ لِسَيِّدِهِ: كَاتِبْنِي عَنْ نَفْسِي وَعَنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَكَاتَبَهُمَا فَقَبِلَ الْحَاضِرُ جَازَتْ هَذِهِ الْكِتَابَةُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ إلَّا عَنْ نَفْسِهِ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ كَمَنْ بَاعَ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي عَبْدِهِ لِوُجُودِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ دُونَ عَبْدِ غَيْرِهِ لِعَدَمِهَا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَوْلَى خَاطَبَ الْحَاضِرَ قَصْدًا وَجَعَلَ الْغَائِبَ تَبَعًا لَهُ وَالْكِتَابَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَشْرُوعَةٌ كَالْأَمَةِ إذَا كُوتِبَتْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهَا وَلَدُهَا الْمَوْلُودُ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ الْمُشْتَرَى فِيهَا أَوْ الْمَضْمُومُ إلَيْهَا فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لَهَا حَتَّى يَعْتِقُوا بِأَدَائِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ وَلِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الْعِتْقِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .