الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَيْعِ وَهَذَا لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ إقَالَةٌ، وَالْإِقَالَةَ بَيْعٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله مُطْلَقًا مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ جَعْلُهُ بَيْعًا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَإِنْ كَانَ فَسْخًا فِي حَقِّهِمَا لَكِنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ بَيْعًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
(بَابُ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ)
قَالَ رحمه الله (وَتَبْطُلُ بِتَرْكِ الْمُوَاثَبَةِ أَوْ التَّقْرِيرِ) أَيْ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِتَرْكِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ أَوْ طَلَبِ التَّقْرِيرِ حِينَ عَلِمَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَسُدَّ أَحَدٌ فَمَهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ وَتَرْكِ الطَّلَبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ.
قَالَ رحمه الله (وَبِالصُّلْحِ عَنْ الشُّفْعَةِ عَلَى عِوَضٍ وَعَلَيْهِ رَدُّهُ) أَيْ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ إذَا صَالَحَ الْمُشْتَرِي الشَّفِيعَ عَلَى عِوَضٍ وَعَلَى الشَّفِيعِ رَدُّ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَيْسَ بِمُتَقَرِّرٍ فِي الْمَحَلِّ، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّمَلُّكِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ كَمَا إذَا قَالَ الشَّفِيعُ أَسْقَطْت شُفْعَتِي فِيمَا اشْتَرَيْت عَلَى أَنْ تُسْقِطَ شُفْعَتَك فِيمَا اشْتَرَيْت، أَوْ عَلَى أَنْ لَا تَطْلُبَ الثَّمَنَ مِنِّي لِكَوْنِهِ مُلَائِمًا حَتَّى لَوْ تَرَاضَيَا سَقَطَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَعَ هَذَا لَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُ الشُّفْعَةِ بِهَذَا الشَّرْطِ بَلْ يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ " أَسْقَطْتُ " بِدُونِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ فَلَأَنْ لَا يَتَعَلَّقَ سُقُوطُهُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَهُوَ شَرْطُ الِاعْتِيَاضِ عَنْ حَقٍّ لَيْسَ بِمَالٍ بَلْ هُوَ رِشْوَةٌ مَحْضٌ أَوْلَى فَيَصِحُّ الْإِسْقَاطُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ شُفْعَتَهُ بِمَالٍ لِمَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكُ مَالٍ بِمَالٍ، وَحَقُّ الشُّفْعَةِ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ فَكَانَ عِبَارَةً عَنْ الْإِسْقَاطِ فَقَطْ مَجَازًا كَبَيْعِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ مِنْ نَفْسِهَا بِخِلَافِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَمِلْكِ النِّكَاحِ، وَإِسْقَاطِ الرِّقِّ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُتَقَرِّرٌ فِي الْمَحَلِّ وَلِهَذَا يَسْتَوْفِيهِ وَيَنْفَرِدُ بِهِ
أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَهُ قِصَاصًا بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَعُلِمَ أَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِي الْمَحَلِّ فِي حَقِّ الْقَتْلِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا تَمَكَّنَ مِنْ الْقَتْلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَنَظِيرُ مَا نَحْنُ فِيهِ مَا إذَا قَالَ لِلْمُخَيَّرَةِ اخْتَارِينِي بِأَلْفٍ أَوْ قَالَ الْعِنِّينُ لِامْرَأَتِهِ: اخْتَارِي تَرْكَ الْفَسْخِ بِأَلْفٍ فَاخْتَارَتْ سَقَطَ الْخِيَارُ وَلَا يَثْبُتُ الْعِوَضُ وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشُّفْعَةِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ وَقِيلَ فِي الشُّفْعَةِ كَذَلِكَ حَتَّى لَا يَجِبَ الْمَالُ وَلَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ وَقِيلَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي الْكَفَالَةِ خَاصَّةً، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ دُونَ الْكَفَالَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكَفَالَةَ وَالشُّفْعَةَ يَسْقُطَانِ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَأَمَّا قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ لَا يَصِحُّ وَبَعْدَهُ يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ عَلِمَ بِالسُّقُوطِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ بِالْأَحْكَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ حَقٍّ وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَخْذِ نِصْفِ الدَّارِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ يَجُوزُ وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَخْذِ بَيْتٍ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ وَلَا تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِعْرَاضُ، غَيْرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ عِنْدَ الْأَخْذِ وَمِثْلُهُ مِنْ الْجَهَالَةِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ ابْتِدَاءً وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بَيْعٌ مِنْ الشَّفِيعِ.
قَالَ رحمه الله (وَبِمَوْتِ الشَّفِيعِ لَا الْمُشْتَرِي) أَيْ بِمَوْتِ الشَّفِيعِ قَبْلَ الْأَخْذِ بَعْدَ الطَّلَبِ، أَوْ قَبْلَهُ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ وَلَا تُورَثُ عَنْهُ وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الشَّفِيعِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ مُعْتَبَرٌ فِي الشَّرْعِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
فَبَطَلَ بَحْثُ الشَّرْحِ اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ.
[بَابُ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ]
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَبِالصُّلْحِ عَنْ الشُّفْعَةِ عَلَى عِوَضٍ) رَاجِعْ الْفَصْلَ الَّذِي فِي كِتَابِ الصُّلْحِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُهُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ فَبِالْفَاسِدِ أَوْلَى اهـ أَيْ لَا يَتَعَلَّقُ إسْقَاطُ حَقِّ الشُّفْعَةِ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ وَهُوَ مَا لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ مَالٍ فَبِالْفَاسِدِ مِنْ الشَّرْطِ أَوْلَى أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ وَهُوَ مَا فِيهِ ذِكْرُ مَالٍ وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ إسْقَاطَ حَقِّ الشُّفْعَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْجَائِزِ مِنْ الشَّرْطِ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَوْ قَالَ الشَّفِيعُ سَلَّمْت شُفْعَةَ هَذِهِ الدَّارِ إنْ كُنْت اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِك وَقَدْ اشْتَرَاهَا لِغَيْرِهِ أَوْ قَالَ لِلْبَائِعِ سَلَّمْتهَا لَك إنْ كُنْت بِعْتهَا لِنَفْسِك وَقَدْ بَاعَهَا لِغَيْرِهِ لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّفِيعَ عَلَّقَ التَّسْلِيمَ بِشَرْطٍ وَصَحَّ هَذَا التَّعْلِيقُ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الشُّفْعَةِ إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَمَا كَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَمَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَلَا يَنْزِلُ التَّسْلِيمُ كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إذَا أَسْقَطَهَا بِعِوَضٍ فَقَالَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ وَالْعِوَضُ بَاطِلٌ وَسَوَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشُّفْعَةِ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْحَقِّ فِيهَا لَا يَقِفُ عَلَى عِوَضٍ فَبُطْلَانُ الْعِوَضِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ لَا يَمْنَعُ مِنْ بُطْلَانِهَا وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا تَسْقُطُ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا حَقٌّ أَقْوَى مِنْ الشُّفْعَةِ بِدَلَالَةِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ وَالْإِعْرَاضِ مَا لَمْ يَرْضَ بِإِسْقَاطِهَا فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ الْعِوَضَ لَمْ تَسْقُطْ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الشَّفِيعِ أَيْضًا) أَيْ وَتَنْتَقِلُ الشُّفْعَةُ إلَى وَرَثَتِهِ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا مَاتَ الشَّفِيعُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ لَهُ فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ لِوَرَثَتِهِ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ رحمه الله فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ صُورَتُهُ أَنَّ دَارًا بِيعَتْ وَلَا شَفِيعَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ فَأَثْبَتَهَا بِالطَّلَبَيْنِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ
كَالْقِصَاصِ وَحَقِّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَنَا أَنَّهُ مُجَرَّدُ حَقٍّ وَهُوَ حَقُّ التَّمَلُّكِ وَأَنَّهُ مُجَرَّدُ رَأْيٍ وَهُوَ صِفَتُهُ فَلَا يُورَثُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ صَارَ كَالْمَمْلُوكِ لِمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ وَلِهَذَا جَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، وَمِلْكُ الْعَيْنِ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ فَأَمْكَنَ إرْثُهُ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ حَقٍّ إذْ هِيَ مُجَرَّدُ الرَّأْيِ وَالْمَشِيئَةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا وَكَذَا لَا يُمْكِنُ إرْثُهَا وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْمَوْتِ عَنْ دَارِهِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا لِلْوَارِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَقِيَامُ مِلْكِ الشَّفِيعِ فِي الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ إلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ شَرْطٌ وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَقْتَ الْأَخْذِ وَلَا فِي حَقِّ الْوَارِثِ وَقْتَ الْبَيْعِ فَبَطَلَتْ لِأَنَّهَا لَا تُسْتَحَقُّ بِالْمِلْكِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَا بِالْمِلْكِ الزَّائِلِ وَقْتَ الْأَخْذِ، وَإِنَّمَا لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاقٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ سَبَبُ حَقِّهِ، وَإِنَّمَا حَصَلَ الِانْتِقَالُ إلَى الْوَرَثَةِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ وَذَلِكَ حَقُّهُ كَمَا إذَا انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَيَنْقُضُهُ وَيَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ كَمَا يَنْقُضُ سَائِرَ تَصَرُّفَاتِهِ حَتَّى الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ وَالْوَقْفِ وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا الْقَاضِي بَعْدَ مَوْتِهِ، أَوْ بَاعَهَا وَصِيُّهُ كَانَ لَهُ نَقْضُهُ.
قَالَ رحمه الله (وَبِبَيْعِ مَا يَشْفَعُ بِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ) أَيْ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِبَيْعِ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا قَبْلَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِ قَدْ زَالَ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا وَقْتَ بَيْعِ دَارِهِ بِشِرَاءِ الْمَشْفُوعَةِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ فِي الْحَالَيْنِ فَصَارَ كَالتَّسْلِيمِ الصَّرِيحِ فَإِنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمْ بَيْعَهَا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَكَذَا إبْرَاءُ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إسْقَاطٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُشْتَرِي وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ وَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ حَضْرَتِهِ وَغَيْبَتِهِ وَلَوْ بَاعَ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ لِبَقَاءِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ يَمْنَعُ خُرُوجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهَا الشَّفِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّهُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْمُشْتَرِي أَعْرَضَ عَنْ الطَّلَبِ وَبِهِ تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ وَلِمَنْ هُوَ بَعْدَهُ مِنْ الشُّفَعَاءِ أَوْ مِثْلُهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْعَقْدِ الثَّانِي، أَمَّا إعْرَاضُهُ عَنْ الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا عَنْ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ بِاشْتِغَالِهِ بِهِ مَعَ إمْكَانِ أَخْذِهِ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ جُعِلَ مُعْرِضًا عَنْ الْأَخْذِ بِسَبَبِهِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ بِهِ حَقٌّ؛ لِأَنَّهُ إعْرَاضٌ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ هُنَاكَ لَمْ يَتَضَمَّنْ إعْرَاضًا لِأَنَّهُ مُقْبِلٌ عَلَى التَّمَلُّكِ وَهُوَ مَعْنَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَإِنَّمَا اشْتَرَاهَا بِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ أَخْذِهَا بِطَرِيقٍ آخَرَ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَأْجَرَ الشَّفِيعُ الدَّارَ الْمَشْفُوعَةَ أَوْ سَاوَمَهَا، أَوْ طَلَبَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَنْ يُوَلِّيَهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ بَاعَ أَوْ بِيعَ لَهُ) أَيْ بِالْوَكَالَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
فَأَرَادَ وَرَثَتُهُ أَخْذَهَا فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الشَّفِيعُ مَلَكَهَا بِالْقَضَاءِ أَوْ بِتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ تَكُونُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا الْقَاضِي بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ بَاعَهَا وَصِيُّهُ كَانَ لَهُ نَقْضُهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي أَوْ الْوَصِيُّ فِي دَيْنِ الْمُشْتَرِي فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يُبْطِلَ الْبَيْعَ لِأَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ تَضَمَّنَ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ فَيُفْسَخُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى الْمُشْتَرِي فِيهِ بِوَصِيَّةٍ كَانَ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهَا وَأَخْذُهَا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا إبْرَاءُ الْغَرِيمِ) أَيْ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إسْقَاطٌ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي رَجُلٌ بَاعَ دَارًا وَرَضِيَ الشَّفِيعُ ثُمَّ جَاءَ يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ حَدَّهَا إلَى مَوْضِعِ كَذَا أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا أَقْرَبُ أَوْ أَبْعَدُ وَيَدَّعِي شُفْعَتَهُ حِينَ عَلِمَ قَالَ لَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّسْلِيمِ لَا تَقِفُ عَلَى كَوْنِ الدَّارِ مَعْلُومَةً كَصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ فِي الدُّيُونِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِمِقْدَارِهَا فَمَتَى صَحَّ التَّسْلِيمُ كَانَ هَذَا دَعْوَى بَعْدَ التَّسْلِيمِ فَلَا يُسْمَعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ بَاعَ أَوْ بِيعَ لَهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَكِيلُ الْبَائِعِ إذَا بَاعَ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَوَكِيلُ الْمُشْتَرِي إذَا ابْتَاعَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ إلَخْ) هَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ لَوْ وَكَّلَ شَفِيعَ الدَّارِ بِالْبَيْعِ فَبَاعَهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَاعَ وَلَوْ أَنَّ مُضَارِبًا لِرَجُلٍ بَاعَ دَارًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعُهَا بِدَارٍ لَهُ أُخْرَى فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِأَنَّهُ بِيعَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَكَّلَ شَفِيعَ الدَّارِ بِشِرَائِهَا فَاشْتَرَاهَا لَهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى دَارًا لِنَفْسِهِ وَهُوَ الشَّفِيعُ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ حَتَّى لَوْ جَاءَ شَفِيعٌ مِثْلُهُ أَخَذَ نِصْفَ الدَّارِ مِنْهُ وَلَوْ جَاءَ شَفِيعٌ دُونَهُ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ دَارًا وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعُهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ اشْتَرَى لَهُ وَمَنْ اشْتَرَى أَوْ اشْتَرَى لَهُ فَلَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ
وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: رَجُلٌ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنْ يَضْمَنَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي أَوْ ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي الدَّرَكَ أَوْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ فَأَمْضَى الْبَيْعَ فَهَذَا كُلُّهُ تَسْلِيمٌ لِلشُّفْعَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَمَّا إذَا بَاعَ فَضَمِنَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ حَاضِرٌ فَقَبِلَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ الْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْ فِي الْمَجْلِسِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَأَمَّا لَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فَلِأَنَّ الشَّفِيعَ صَارَ كَالْبَائِعِ مِنْ وَجْهٍ وَكَالْمُشْتَرِي مِنْ وَجْهٍ، أَمَّا كَالْبَائِعِ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ بِهِ وَكَذَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِأَدَاءِ الثَّمَنِ حَتَّى يُخَلِّصَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ مَتَى كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ كَمَا لِلْبَائِعِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِأَدَاءِ الثَّمَنِ
وَأَمَّا كَالْمُشْتَرِي مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يَتِمُّ بِهِ وَكَذَا الْبَائِعُ يُطَالِبُهُ بِالثَّمَنِ كَمَا يُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ فَوَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ فَلَا يَثْبُتُ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مَتَى دَارَ بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَثْبُتَ لَا يَثْبُتُ فَإِنْ قِيلَ الْبَائِعُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إنَّمَا لَمْ تَكُنْ لَهُ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ إيجَابَ الشُّفْعَةِ لَهُ يُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ لِأَنَّ الْبَيْعَ لِتَمْلِيكِ الْمَبِيعِ
أَنَّ مَنْ بَاعَ، أَوْ بِيعَ لَهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ وَمَنْ اشْتَرَى، أَوْ اُشْتُرِيَ لَهُ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فِي الْأَوَّلِ يَلْزَمُ مِنْهُ نَقْضُ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكٌ، وَالْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ تَمَلُّكٌ وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ وَكَذَا الْبَيْعُ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ، وَالْأَخْذُ يُنَافِيهِ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ بِهِ التَّسْلِيمُ، وَفِي الثَّانِي لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ بَلْ فِيهِ تَقْرِيرُهُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مِثْلُ الشِّرَاءِ وَلَا فَرْقَ فِيمَنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا، أَوْ أَصِيلًا حَتَّى لَا تَكُونَ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْأَوَّلِ وَلَا لِمُوَكِّلِهِ إنْ كَانَ وَكِيلًا، وَفِي الثَّانِي لَهُ الشُّفْعَةُ إنْ كَانَ أَصِيلًا وَلِمُوَكِّلِهِ إنْ كَانَ وَكِيلًا حَتَّى إذَا بَاعَ الْمُضَارِبُ أَوْ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ الْعَقَارَ لَيْسَ لَهُ وَلَا لِرَبِّ الْمَالِ حَقُّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ اشْتَرَيَاهُ كَانَ لَهُ وَلِرَبِّ الْمَالِ الشُّفْعَةُ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا لِلْمَوْلَى إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ بِالْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ، وَالْمُجِيزُ لِلْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ الْفُضُولِيُّ كَالْمُوَكِّلِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ ثُمَّ فَائِدَةُ قَوْلِنَا إنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ أَنْ يُشَارِكَ غَيْرَهُ مِنْ الشُّفَعَاءِ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمُوا عَلَيْهِ وَأَنْ يَتَقَدَّمَ هُوَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الشُّفَعَاءِ وَأَنْ يُسَلِّمَ لَهُ عِنْدَ تَرْكِ غَيْرِهِ مِنْ الشُّفَعَاءِ، وَالْبَائِعُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْمَبِيعَةَ بِالشُّفْعَةِ بِدَارٍ أُخْرَى غَيْرِهَا بِلِزْقِهَا لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَهَا رَغِبَ عَنْهَا، وَالْأَخْذُ رَغْبَةٌ فِيهَا فَتَنَافَيَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي وَلَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِثَالِثٍ فَأَجَازَ فَهُوَ كَالْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ فَأَجَازَ كَانَ كَالْمُشْتَرِي وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ.
قَالَ رحمه الله (أَوْ ضَمِنَ الدَّرَكَ عَنْ الْبَائِعِ) يَعْنِي إذَا ضَمِنَ الدَّرَكَ عَنْ الْبَائِعِ وَهُوَ شَفِيعٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْبَيْعِ إنَّمَا كَانَ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْعِ إلَّا بِضَمَانِهِ فَلَمَّا ضَمِنَ تَمَّ بِهِ الْعَقْدُ فَلَا يَكُونُ لَهُ نَقْضُ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبَائِعِ.
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ ابْتَاعَ، أَوْ اُبْتِيعَ لَهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ)؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى بِفُرُوعِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ قِيلَ لِلشَّفِيعِ إنَّهَا بِيعَتْ بِأَلْفٍ فَسَلَّمَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ، أَوْ بِبُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ كَانَ لِاسْتِكْثَارِ الثَّمَنِ أَوْ لِتَعَذُّرِ الْجِنْسِ ظَاهِرًا فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ لِلتَّيْسِيرِ، وَعَدَمِ الرِّضَا، عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي الْأَخْذِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ قَدْرًا وَجِنْسًا فَإِذَا سَلَّمَ عَلَى بَعْضِ وُجُوهِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّسْلِيمُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَكَذَا كُلُّ مَوْزُونٍ، أَوْ مَكِيلٍ أَوْ عَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِعَرَضٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ وَهِيَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ فَلَا يَظْهَرُ فِيهِ التَّيْسِيرُ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْأَخْذُ وَكَذَا لَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الثَّمَنَ عُرُوضٌ كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ، أَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ مِنْ الْمَكِيلِ، أَوْ الْمَوْزُونِ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ جِنْسٌ آخَرُ مِنْ الْعُرُوضِ قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَةِ الَّذِي بَلَغَهُ، أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ ذَهَبٌ، أَوْ فِضَّةٌ قَدْرُهُ مِثْلُ قِيمَةِ ذَلِكَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّ فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْوَاجِبَ الْقِيمَةُ فَلَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ قَالَ.
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَالشُّفْعَةُ لِتَمَلُّكِ الْمَبِيعِ وَبَيْنَهُمَا تَضَادٌّ وَهُنَا لَا يُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ لِأَنَّ تَمْلِيكَ الْمَبِيعِ هَهُنَا مَا كَانَ مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ. قِيلَ: لَهُ الشَّفِيعُ إذَا كَانَ كَفِيلًا عَنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ كَانَ بِمَعْنَى الْبَائِعِ مِنْ وَجْهٍ لِمَا قُلْنَا فَإِيجَابُ الشُّفْعَةِ لَهُ يُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ مِنْ وَجْهٍ فِي التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ، فَإِنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ مِنْ وَجْهٍ فِي التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ أَدَّى إلَى التَّضَادِّ فِي حَقِّ ضَمَانِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ الْتَزَمَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ وَمَتَى بَقِيَ شَفِيعًا كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَلْتَزِمَ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فَيَبْرَأُ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ فَيَبْرَأُ هُوَ عَنْ ضَمَانِ الْكَفَالَةِ
وَأَمَّا إذَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي بِالدَّرَكِ فَجَوَازُ الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ إذَا كَانَ حَاضِرًا فِي الْمَجْلِسِ وَقِيلَ فِي الْمَجْلِسِ اسْتِحْسَانٌ أَيْضًا أَمَّا لَا شُفْعَةَ لَهُ فَلِأَنَّهُ بَائِعٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ بِهِ وَكَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُشْتَرَى كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالدَّرَكِ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ وَأَمَّا إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لَهُ فَأَمْضَى الْبَيْعَ فَلِأَنَّهُ بَائِعٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْبَيْعَ بِاعْتِبَارِ إثْبَاتِ الْحُكْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْبَيْعِ وَلَوْ اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي خِيَارَ الشَّفِيعِ فَأَمْضَى الشَّفِيعُ الْبَيْعَ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ يُرِيدُ بِهِ إذَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ الْمُشْتَرِي فِي الْإِجَازَةِ عَلَى مَا عُلِمَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمُشْتَرِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ فَكَذَا الْمُشْتَرِي مِنْ وَجْهٍ فَإِنْ قِيلَ الْمُشْتَرِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إنَّمَا كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ لِأَنَّ إيجَابَ الشُّفْعَةِ لَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الْمَبِيعَ
وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ تَمَلُّكٌ أَيْضًا فَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَضَادٌّ فَأَمَّا هُنَا لَوْ وَجَبَ الشُّفْعَةُ لِهَذَا الْمُشْتَرِي مِنْ وَجْهٍ بَعْدَ الْإِجَازَةِ أَدَّى إلَى التَّضَادِّ لِأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ أَوْجَبَ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَمَتَى أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ لَا يَبْقَى الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَصَارَ كَالسَّاعِي فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ لِلْمُشْتَرِي فَيُؤَدِّي إلَى التَّضَادِّ. قِيلَ: لَهُ هَذَا هَكَذَا أَنْ لَوْ وَجَبَ الشُّفْعَةُ لَهُ بِإِجَازَتِهِ وَالشُّفْعَةُ لَمْ تَجِبْ لَهُ بِإِجَازَتِهِ الشِّرَاءَ بَلْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ بِبَيْعِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَجَبَ الشُّفْعَةُ لِلشَّفِيعِ أَجَازَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ أَمْ فَسَخَ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُ زَوَالَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَثُبُوتُ حَقِّ الشَّفِيعِ يَعْتَمِدُ زَوَالَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَمَتَى وَجَبَ الشُّفْعَةُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ فَلَوْ أَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ مَا أَجَازَ لَا يَكُونُ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ مَا وَجَبَ بِإِجَازَتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَنَّ مَنْ بَاعَ) أَيْ وَهُوَ وَكِيلُ الْبَائِعِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِيعَ لَهُ) أَيْ وَهُوَ الْمُوَكِّلُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ ضَمِنَ الدَّرَكَ عَنْ الْبَائِعِ) اُنْظُرْ الْحَاشِيَةَ الَّتِي كَتَبْتهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَوْ بِيعَتْ بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ) أَيْ لِأَنَّ الْعَرَضَ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ بِمِثْلِهِ وَإِنَّمَا تَجِبُ بِقِيمَتِهِ وَالْقِيمَةُ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ اهـ.
(فَرْعٌ) مِمَّا يُحْفَظُ مِنْ الْحِيَلِ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ أَنْ يَعْقِدَ الْبَيْعَ بِثَمَنٍ مَجْهُولِ الْمِقْدَارِ كَحَفْنَةِ قُرَاضَةٍ أَوْ
- رحمه الله (وَلَوْ بَانَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَلِهَذَا جَازَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ وَكَذَا لَوْ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِالدَّرَاهِمِ فَأَقَرَّ بِالدَّنَانِيرِ كَانَ مُخْتَارًا غَيْرَ مُكْرَهٍ وَلَوْ كَانَا جِنْسًا وَاحِدًا لَمَا صَارَ مُخْتَارًا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا جِنْسٌ فِي الثَّمَنِيَّةِ، وَكَلَامُنَا فِيهِ وَلِهَذَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ قِيلَ لَهُ إنَّ الْمُشْتَرِيَ فُلَانٌ فَسَلَّمَ فَبَانَ أَنَّهُ غَيْرُهُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ) لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي الْأَخْلَاقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُرْغَبُ فِي مُعَاشَرَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُجْتَنَبُ مَخَافَةَ شَرِّهِ فَالتَّسْلِيمُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ مَعَ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ غَيْرِهِ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ.
وَلَوْ بَلَغَهُ شِرَاءُ النِّصْفِ فَسَلَّمَ، ثُمَّ بَلَغَهُ شِرَاءُ الْكُلِّ فَلَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ سَلَّمَ النِّصْفَ وَكَانَ حَقُّهُ فِي أَخْذِ الْكُلِّ وَالْكُلُّ غَيْرُ النِّصْفِ فَلَا يَكُونُ إسْقَاطُهُ إسْقَاطًا لِلْكُلِّ وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَ لِخَوْفِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَلَا شَرِكَةَ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَسْتَقِيمُ فِي الْجَارِ دُونَ الشَّرِيكِ، وَالْأَوَّلُ يَسْتَقِيمُ فِيهِمَا، وَفِي عَكْسِهِ وَهُوَ مَا إذَا أُخْبِرَ بِشِرَاءِ الْكُلِّ فَسَلَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ شِرَاءُ النِّصْفِ لَا شُفْعَةَ لَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْكُلِّ تَسْلِيمٌ فِي أَبْعَاضِهِ كُلِّهَا وَلِأَنَّ رَغَبَاتِ النَّاسِ فِي الْكُلِّ أَكْثَرُ عَادَةً مِنْ رَغَبَاتِهِمْ فِي الْأَشْقَاصِ لِخُلُوِّ الْكُلِّ عَنْ عَيْبِ التَّشْقِيصِ فَإِذَا لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَرْغَبَ فِي التَّشْقِيصِ وَقِيلَ: لَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ ثَمَنِ الْجَمِيعِ وَقَدْ تَكُونُ حَاجَتُهُ إلَى النِّصْفِ لِيُتِمَّ بِهِ مَرَافِقَ مِلْكِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَمِيعِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ مَالَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ وَحُمِلَ مَا ذَكَرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ ثَمَنُ النِّصْفِ مِثْلَ ثَمَنِ الْكُلِّ أَمَّا إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ ثَمَنَ النِّصْفِ مِثْلُ نِصْفِ ثَمَنِ الْكُلِّ فَلَهُ الشُّفْعَةُ وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ بَاعَهَا إلَّا ذِرَاعًا فِي جَانِبِ الشَّفِيعِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) مَعْنَاهُ إذَا بَاعَ الْعَقَارَ إلَّا مِقْدَارَ ذِرَاعٍ فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْجِوَارِ وَلَمْ يُوجَدْ الِاتِّصَالُ بِالْمَبِيعِ وَكَذَا لَوْ وَهَبَ هَذَا الْقَدْرَ لِلْمُشْتَرِي لِعَدَمِ الِالْتِزَاقِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ ابْتَاعَ مِنْهَا سَهْمًا بِثَمَنٍ ثُمَّ ابْتَاعَ بَقِيَّتَهَا فَالشُّفْعَةُ لِلْجَارِ فِي السَّهْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ) لِأَنَّ الشَّفِيعَ جَارٍ فِي السَّهْمَيْنِ وَالْمُشْتَرِي شَرِيكٌ فِي السَّهْمِ الثَّانِي وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ وَلَوْ أَرَادَ الْحِيلَةَ اشْتَرَى السَّهْمَ الْأَوَّلَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إلَّا دِرْهَمًا وَالْبَاقِيَ بِالدِّرْهَمِ فَلَا يَرْغَبُ الْجَارُ فِي أَخْذِ السَّهْمِ الْأَوَّلِ لِكَثْرَةِ الثَّمَنِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ السَّهْمُ الْأَوَّلُ جُزْءًا قَلِيلًا كَالْعُشْرِ مَثَلًا، أَوْ أَقَلَّ وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَتَأَتَّى مِثْلُ هَذِهِ الْحِيلَةِ بِأَنْ يَبِيعَ قَدْرَ الذِّرَاعِ أَوْ أَقَلَّ فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ إلَّا دِرْهَمًا، ثُمَّ يَشْتَرِي الْبَاقِيَ بِدِرْهَمٍ فَإِنْ أَخَذَ بِالشُّفْعَةِ أَخَذَ قَدْرَ الذِّرَاعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْبَاقِيَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ لَهُ فَأَيُّهُمَا خَافَ أَنْ لَا يُوَفِّيَ صَاحِبُهُ شَرْطَ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ خَافَا شَرَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ يُجِيزَانِ مَعًا، وَإِنْ خَافَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا أَجَازَ أَنْ لَا يُجِيزَ صَاحِبُهُ وَكَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيزَ بِشَرْطِ أَنْ يُجِيزَ صَاحِبُهُ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ ابْتَاعَهَا بِثَمَنٍ ثُمَّ دَفَعَ ثَوْبًا عَنْهُ فَالشُّفْعَةُ بِالثَّمَنِ لَا بِالثَّوْبِ) لِأَنَّ الثَّوْبَ عِوَضٌ عَمَّا فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ الْبَائِعُ مُشْتَرِيًا لِلثَّوْبِ بِعَقْدٍ آخَرَ غَيْرِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ تَعُمُّ الْجِوَارَ وَالشَّرِكَةَ لِأَنَّهُ يَبْتَاعُ الْعَقَارَ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ وَيُعْطِيهِ بِهَا ثَوْبًا قِيمَتُهُ قَدْرُ قِيمَةِ الْعَقَارِ غَيْرَ أَنَّهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
جَوْهَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ غَيْرِ مَوْصُوفَةٍ أَوْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَفٍّ مِنْ الْفُلُوسِ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ اهـ مِعْرَاجٌ. (قَوْلُهُ: فَلَا شُفْعَةَ لَهُ) أَيْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالشَّرِكَةِ أَوْ بِالْجِوَارِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ وَهَبَ هَذَا الْقَدْرَ لِلْمُشْتَرِي) أَيْ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ ابْتَاعَ مِنْهَا) لَفْظُ " مِنْهَا " لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَرَادَ الْحِيلَةَ اشْتَرَى السَّهْمَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ أَوَّلًا مِنْ الدَّارِ وَمِنْ الْكَرْمِ عُشْرَهَا مُشَاعًا بِأَكْثَرِ الثَّمَنِ ثُمَّ يَبِيعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ حَتَّى إنَّ الشَّفِيعَ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الشُّفْعَةِ إلَّا فِي عُشْرِهَا بِثَمَنِهِ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ حِينَ اشْتَرَى تِسْعَةَ أَعْشَارِهَا كَانَ شَرِيكًا فِيهَا بِالْعُشْرِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ إنَّمَا تَكُونُ لِلْجَارِ أَوْ لِلْخَلِيطِ لِأَنَّ الشَّرِيكَ أَوْلَى مِنْهُمَا وَلَا يُحْتَالُ بِهَا لِلشَّرِيكِ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إذَا كَانَ شَرِيكًا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ أَيْضًا بِقَلِيلِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لِلصَّغِيرِ فَإِنَّ بَيْعَ الْعُشْرِ مِنْهَا بِكَثِيرِ الثَّمَنِ جَائِزٌ وَبَيْعَ تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ بِقَلِيلِ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ بَيْعَ مَالِ الصَّغِيرِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ قَدْرِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْحِيلَةِ مَضَرَّةٌ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْعُشْرُ وَلَا يَجُوزُ فِي تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَحْتَالَ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ فِي دَارِ الصَّغِيرِ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مِنْ دَارِهِ جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ أَوْ يَبِيعَ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، ثُمَّ يَبِيعَ بَقِيَّةَ الدَّارِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ خَاصَّةً وَهَذِهِ الْحِيلَةُ لِلْجَارِ وَالْخَلِيطِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الشَّفِيعُ شَرِيكًا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ نِصْفَ الْبَقِيَّةِ بِنِصْفِ ثَمَنِهَا. اهـ. غَايَةٌ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَهَذِهِ حِيلَةٌ تَرْجِعُ إلَى تَقْلِيلِ رَغْبَةِ الشَّفِيعِ، وَالْأُولَى إلَى الْإِبْطَالِ لِأَنَّ فِي الْأُولَى لَيْسَ لِلْجَارِ أَنْ يَأْخُذَ لِأَنَّ مِقْدَارَ ذِرَاعٍ فِي طُولِ حَدِّ الشَّفِيعِ لَمْ يُبَعْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: قَدْرُ قِيمَةِ الْعَقَارِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ بَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِقَوْلِهِ: وَحِيلَةٌ أُخْرَى أَنْ يَبِيعَ الدَّارَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا، نَحْوُ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفَيْنِ وَيَنْقُدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يَبِيعَ بِأَلْفٍ وَعَشَرَةٍ عَرَضًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَحَصَلَتْ الدَّارُ لِلْمُشْتَرِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فِي الْحَاصِلِ وَلَكِنَّ الشَّفِيعَ لَا يَأْخُذُهَا إلَّا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَالْأَفْضَلُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَ الْعَرَضِ دِينَارًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ هَذَا هُوَ الْأَحْوَطُ حَتَّى إنَّ الدَّارَ لَوْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ
يَخَافُ أَنْ يَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ تَبْقَى الدَّرَاهِمُ كُلُّهَا فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي ثُمَّ بَرَاءَتُهُ كَانَتْ حَصَلَتْ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ بِثَمَنِ الْعَقَارِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَمَنُ الْعَقَارِ وَبَطَلَتْ الْمُقَاصَّةُ فَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ الثَّمَنُ كُلُّهُ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ بَدَلَ الدَّرَاهِمِ الثَّمَنِ الدَّنَانِيرَ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْعَقَارِ فَيَكُونُ صَرْفًا بِمَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، ثُمَّ إذَا اُسْتُحِقَّ الْعَقَارُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَبْطُلُ الصَّرْفُ لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَجِبُ رَدُّ الدَّنَانِيرِ لَا غَيْرُ وَالْحِيلَةُ الْأُولَى تَخْتَصُّ بِالْجَارِ وَهَذِهِ لَا، وَحِيلَةٌ أُخْرَى تَعُمُّ الْجَارَ وَالشَّرِيكَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ ثُمَّ يُوَفِّيَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ قَدْرَ قِيمَةِ الْعَقَارِ إلَّا قَدْرَ قِيمَةِ الدِّينَارِ مَثَلًا فَيُعْطِيَهُ الدِّينَارَ بِالْبَاقِي فَيَصِيرَ صَرْفًا فِيهِ، ثُمَّ إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَشْفُوعُ يَرُدُّ مَا قَبَضَ كُلَّهُ فَغَيْرُ الدِّينَارِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْعَقَارِ الْمُسْتَحَقِّ وَالدِّينَارِ لِبُطْلَانِ الصَّرْفِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ وَالزَّكَاةِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله تُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ وَجَبَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَهُوَ وَاجِبٌ، وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ حَرَامٌ فَكَانَتْ مَكْرُوهَةً ضَرُورَةً وَلِأَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ يَحْتَالُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْحِيلَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ مَشْرُوعَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ يَتَضَرَّرُ فِي ضِمْنِهِ، ثُمَّ قِيلَ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْوُجُوبِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَمَكْرُوهٌ بِالْإِجْمَاعِ هَكَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْقَائِلُ لِهَذَا الْقَوْلِ قَاسَهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله قَبْلَ الْوُجُوبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله يُكْرَهُ وَقِيلَ: لَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِمَنْعِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي فَصْلِ الزَّكَاةِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الِاشْتِغَالُ بِالْحِيَلِ بِإِبْطَالِ حَقِّ الشُّفْعَةِ لَا بَأْسَ بِهِ أَمَّا قَبْلَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْوُجُوبِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْمُشْتَرِي الْإِضْرَارَ بِهِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الدَّفْعَ عَنْ مِلْكِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله فَتُكْرَهُ عَلَى قِيَاسِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الزَّكَاةِ، ثُمَّ الْحِيَلُ الَّتِي تُسْقِطُ الْوُجُوبَ هِيَ أَنْ يُعَوِّضَهُ فَيُسْقِطَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ فَتَسْقُطَ شُفْعَتُهُ وَلَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْعِوَضُ أَوْ يَقُولَ لَهُ أَنَا أَبِيعُك إيَّاهُ، أَوْ يَقُولَ لَهُ الْمُشْتَرِي: اشْتَرِهِ مِنِّي فَيَقُولَ الشَّفِيعُ نَعَمْ فَتَسْقُطَ بِهِ شُفْعَتُهُ وَكَذَا إذَا آجَرَهُ مِنْ الشَّفِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمِنْ الْحِيَلِ الَّتِي تَمْنَعُ الْوُجُوبَ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِبَيْعِهَا، أَوْ يُضَمِّنَهُ الدَّرَكَ، أَوْ يَجْعَلَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ إلَيْهِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحِيَلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ قَبْلُ، وَمِنْ الْحِيَلِ أَنْ يُؤْجِرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ شَيْئًا بِبَعْضِ الْعَقَارِ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَهُ كَالثَّوْبِ مَثَلًا يُؤْجِرُهُ لِيَلْبَسَهُ الْبَائِعُ يَوْمًا بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْ الْعَقَارِ الَّذِي يُرِيدُ شِرَاءَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَّكَهُ مِنْهُ جُزْءًا شَائِعًا صَارَ شَرِيكًا لَهُ وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ فِيهِ شُفْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ بِالْإِجَارَةِ وَلَا فِيمَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ أَوْلَى وَهَذِهِ الْحِيلَةُ لَا تَدْفَعُ إلَّا الْجَارَ.
قَالَ رحمه الله (وَأَخَذَ حَظُّ الْبَعْضِ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُشْتَرِي لَا بِتَعَدُّدِ الْبَائِعِ) وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا تَعَدَّدَ بِأَنْ اشْتَرَوْا جَمَاعَةٌ عَقَارًا وَالْبَائِعُ وَاحِدٌ يَتَعَدَّدُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِتَعَدُّدِهِمْ حَتَّى كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ وَيَتْرُكَ الْبَاقِيَ، وَإِنْ تَعَدَّدَ الْبَائِعُ بِأَنْ بَاعَ جَمَاعَةٌ عَقَارًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَالْمُشْتَرِي وَاحِدٌ لَا يَتَعَدَّدُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِتَعَدُّدِهِمْ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّفِيعَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي بِأَخْذِ نَصِيبِ بَعْضِهِمْ تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَتَضَرَّرُ بِهِ زِيَادَةَ الضَّرَرِ بِالْأَخْذِ مِنْهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْمُشْتَرِي رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِمِثْلِ مَا أَعْطَاهُ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ لِجَمِيعِ الشُّفَعَاءِ وَلَوْ كَانَ بَاعَ بِبَقِيَّةِ الثَّمَنِ عَرَضًا سِوَى الذَّهَبِ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَمَا ذَكَرْنَا فَعِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَيَكُونُ فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَى الْبَائِعِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي) أَيْ وَهُوَ بَيْعُ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ مِنْ الْبَائِعِ بِثَمَنٍ قَدْرِ ثَمَنِ الْعَقَارِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ الْمُشْتَرِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَطَلَتْ الْمُقَاصَّةُ) أَيْ فَصَارَ كَمَنْ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ بَطَلَ الصَّرْفُ وَيَرُدُّ الدِّينَارَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: دَنَانِيرَ) الَّذِي فِي خَطِّ الشَّارِحِ الدَّنَانِيرَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْحِيلَةُ الْأُولَى تَخْتَصُّ بِالْجَارِ وَهَذِهِ لَا) تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ إلَخْ) قَالَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ الْحِيلَةُ فِي إبْطَالِ الشُّفْعَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ كَانَتْ بَعْدَ الثُّبُوتِ أَوْ قَبْلَ الثُّبُوتِ.
فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ اشْتَرِهِ مِنِّي وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِحَقٍّ وَاجِبٍ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَا بَأْسَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّفِيعُ عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِبْطَالٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُكْرَهُ) وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ الشُّفْعَةَ سَبَبًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّفِيعِ فَلَا تَجُوزُ لِأَنَّ الْحِيلَةَ بِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ لَوْ جَازَتْ لَمْ تُثْبِتْ شُفْعَةً أَبَدًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ هَذَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْوُجُوبِ) أَيْ قَبْلَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ يَعْنِي قَبْلَ الْبَيْعِ إذْ هِيَ إنَّمَا تَجِبُ بِالْبَيْعِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ) قِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الشُّفْعَةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الزَّكَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ بِهِ) قَالَ الْخَصَّافُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحِيَلِ: لَا بَأْسَ بِالْحِيَلِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَجُوزُ، وَإِنَّمَا الْحِيلَةُ شَيْءٌ يَتَخَلَّصُ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ الْحَرَامِ وَيَخْرُجُ بِهِ إلَى الْحَلَالِ فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَحْتَالَ الرَّجُلُ فِي حَقٍّ لِرَجُلٍ حَتَّى يُبْطِلَهُ أَوْ يَحْتَالَ فِي بَاطِلٍ حَتَّى يُمَوِّهَهُ أَوْ يَحْتَالَ فِي شَيْءٍ حَتَّى يُدْخِلَ فِيهِ شُبْهَةً. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْحِيَلُ الَّتِي تُسْقِطُ الْوُجُوبَ هِيَ أَنْ يُعَوِّضَهُ) كَأَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ صَالَحْتُك عَلَى كَذَا كَذَا دِرْهَمًا عَلَى أَنْ تُسَلِّمَ لِي شُفْعَتَك فَإِذَا قَبِلَ الشَّفِيعُ الصُّلْحَ وَسَلَّمَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَلَا يَجِبُ لَهُ الْمَالُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ اشْتَرَى جَمَاعَةٌ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ بَاعُوا جَمَاعَةٌ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ
وَبِعَيْبِ الشَّرِكَةِ وَهِيَ شُرِعَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّفِيعِ فَلَا تُشْرَعُ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُشْتَرِي ضَرَرًا زَائِدًا سِوَى الْأَخْذِ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَقُومُ الشَّفِيعُ مَقَامَ أَحَدِهِمْ فَلَا تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى أَحَدٍ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ بَعْدَهُ فِي الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ إذَا نَقَدَ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى يَنْقُدَ الْجَمِيعَ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْرِيقِ الْيَدِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِينَ أَنْفُسِهِمْ لِأَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَكَمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا فَنَقَدَ الْبَعْضَ مِنْ الثَّمَنِ وَسَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ بَعْضٍ ثَمَنًا أَوْ سَمَّى لِلْكُلِّ جُمْلَةً؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ لَا لِاتِّحَادِ الثَّمَنِ وَاخْتِلَافِهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّعَدُّدِ وَالِاتِّحَادِ الْعَاقِدُ دُونَ الْمَالِكِ حَتَّى لَوْ وَكَّلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً بِالشِّرَاءِ فَاشْتَرَوْا لَهُ عَقَارًا وَاحِدًا بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مُتَعَدِّدَةٍ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ وَلَوْ وَكَّلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا بِهِ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَهُوَ أَصِيلٌ فِيهِ فَيَتَّحِدُ بِاتِّحَادِهِ وَيَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِ، ثُمَّ فِي الصَّحِيحِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ فَصَّلَ فَقَالَ إنْ أَخَذَ قَبْلَ الْقَبْضِ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ بِأَخْذِ الْبَعْضِ مِنْهُ بِتَفْرِيقِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَبَعْدَهُ لَا يَتَضَرَّرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ وَجَوَابُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْجَمِيعَ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الثَّمَنِ - عَلَى مَا بَيَّنَّا - فَلَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْرِيقِ الْيَدِ عَلَيْهِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ غَيْرَ مَقْسُومٍ أَخَذَ الشَّفِيعُ حَظَّ الْمُشْتَرِي بِقِسْمَتِهِ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ غَيْرَ مَقْسُومٍ فَقَاسَمَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ أَخَذَ نَصِيبَ الْمُشْتَرِي الَّذِي حَصَلَ لَهُ بِقِسْمَتِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِحُكْمٍ، أَوْ بِالتَّرَاضِي؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْمِيلِ الِانْتِفَاعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْهِبَةَ تَتِمُّ بِهَا حَتَّى صَحَّتْ بِالْقِسْمَةِ وَالتَّسْلِيمِ بَعْدَ أَنْ وَقَعَتْ فَاسِدَةً لِلشُّيُوعِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ قَبْضَهُ نَاقِصٌ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَالشَّفِيعُ لَا يَنْقُضُ الْقَبْضَ لِيَجْعَلَ الْعُهْدَةَ عَلَى الْبَائِعِ فَكَذَا مَا يُتِمُّ الْقَبْضَ وَهَذَا لِأَنَّ الْقَبْضَ بِجِهَةِ الْبَيْعِ لَهُ حُكْمُ الْبَيْعِ فَكَمَا لَا يَمْلِكُ نَقْضَ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ الْقَبْضِ الْمَوْجُودِ بِجِهَتِهِ وَلَا يُقَالُ الْقِسْمَةُ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَالشَّفِيعُ يَمْلِكُ نَقْضَ تَصَرُّفَاتِهِ فَكَذَا نَقْضُ قِسْمَتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ وَمُبَادَلَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهَا أَحْكَامُ الْبَيْعِ مِنْ رَدٍّ بِعَيْبٍ، أَوْ خِيَارِ رُؤْيَةٍ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا إفْرَازٌ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا إلَّا الْقَبْضُ فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مُبَادَلَةٌ تُمَلَّكُ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهَا إفْرَازٌ لَا تُمَلَّكُ فَلَا تُمَلَّكُ بِالشَّكِّ وَهَذَا لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يَنْقُضَ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ لِصُدُورِهَا عَنْ مَالِكٍ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ، أَوْ آجَرَهُ يَطِيبُ لَهُ الثَّمَنُ وَالْأُجْرَةُ وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ فِيهِ مِلْكٌ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ نُفُوذَ تَصَرُّفَاتِهِ غَيْرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ تَصَرُّفَاتٍ تُبْطِلُ حَقَّهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا ضَرَرَ فِي الْقِسْمَةِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَفِي حَقِّ مَالِهِ حُكْمُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْقَبْضُ بِجِهَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ وَقَاسَمَ الْمُشْتَرِي الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ حَيْثُ يَكُونُ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ مِنْ الَّذِي قَاسَمَ فَلَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيَنْقُضُهُ الشَّفِيعُ كَمَا يَنْقُضُ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ نَقْضُ قِسْمَتِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ الْمُشْتَرِي فِي أَيِّ جَانِبٍ كَانَ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِالشِّرَاءِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِ حَقِّهِ فَيَأْخُذُهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الدَّارَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(فَرْعٌ) قَالَ الْكَرْخِيُّ وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَجَاءَ شَفِيعٌ لَهُمَا جَمِيعًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ زُفَرَ الشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُمَا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَجْهُ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَ الدَّارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَتَعَلَّقَ حَقُّ الشَّفِيعِ بِهِمَا فَلَمْ يَمْلِكْ أَنْ يُفْرِدَ بِالْأَخْذِ بَعْضَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ دُونَ بَعْضٍ كَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ الْمُتَلَاصِقَتَيْنِ وَالْمُتَفَارِقَتَيْنِ وَذَكَرَ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا إذَا كَانَتَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ أَوْ مِصْرَيْنِ فَهُوَ سَوَاءٌ، وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ أَخْذَ إحْدَى الدَّارَيْنِ لَا يُؤَدِّي إلَى إضْرَارٍ بِالْمُشْتَرِي بِالشَّرِكَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ شَفِيعًا لِإِحْدَاهُمَا ثُمَّ قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَإِذَا كَانَ الشَّفِيعُ شَفِيعًا لِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَوَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي مَالِكٍ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ الَّتِي تُجَاوِرُهُ بِالْحِصَّةِ وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَكَذَلِكَ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى دَارَيْنِ مُتَلَاصِقَتَيْنِ وَلَهُ جَارٌ يَلِي إحْدَاهُمَا قَالَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الَّتِي تَلِيهِ بِالشُّفْعَةِ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِي الْأُخْرَى قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ تَعَلَّقَ بِإِحْدَى الدَّارَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى، وَالصَّفْقَةُ إذَا جَمَعَتْ بَيْنَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَبَيْنَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الشُّفْعَةُ أَخَذَ الشَّفِيعُ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ بِالْحِصَّةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا وَسَيْفًا صَفْقَةً وَاحِدَةً. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ) أَيْ دُونَ الْمَعْقُودِ لَهُ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بِالتَّرَاضِي) وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِسْمَةَ إذَا كَانَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ وَإِذَا كَانَتْ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ. اهـ. غَايَةٌ.
عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله، وَإِطْلَاقُ الْكِتَابُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ إذَا وَقَعَ فِي جَانِبِ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى جَارًا فِيمَا يَقَعُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ.
قَالَ رحمه الله (وَلِلْعَبْدِ الْمَدْيُونِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ سَيِّدِهِ كَعَكْسِهِ) مَعْنَاهُ إذَا بَاعَ رَجُلٌ دَارًا وَلِلْبَائِعِ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ وَكَذَا عَكْسُهُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْبَائِعَ فَلِمَوْلَاهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَشِرَاءُ أَحَدِهِمَا مِنْ صَاحِبِهِ جَائِزٌ إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الْيَدِ لِلْعَبْدِ لِكَوْنِ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ، أَوْ لِكَوْنِ الْعَبْدِ أَحَقَّ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالْعَبْدُ بَائِعٌ لِأَنَّ بَيْعَهُ لِمَوْلَاهُ وَلَا شُفْعَةَ لِمَنْ بِيعَ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى لِأَنَّهُ اُبْتِيعَ لَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَنْ ابْتَاعَ أَوْ اُبْتِيعَ لَهُ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ.
قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ، أَوْ بَلَغَ الْخَبَرُ الْمُوَكِّلَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ بُطْلَانُ الشُّفْعَةِ بِسُكُوتِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالشِّرَاءِ لِزُفَرَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْأَبِ وَالْوَصِيِّ أَنَّ هَذَا إبْطَالٌ لِحَقِّ الصَّبِيِّ فَلَا يَصِحُّ كَالْعَفْوِ عَنْ قَوَدِهِ، وَإِعْتَاقِ عَبْدِهِ، وَإِبْرَاءِ غَرِيمِهِ وَلِأَنَّ وِلَايَةَ تَصَرُّفِهِمَا نَظَرِيَّةٌ وَالنَّظَرُ فِي الْأَخْذِ مُتَعَيَّنٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَكَانَ فِي إبْطَالِهِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ بَلْ عَيْنُهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ
وَتَرْكُ الْأَخْذِ بِهَا تَرْكُ التِّجَارَةِ فَيَمْلِكُهُ كَمَا يَمْلِكُ تَرْكَ التِّجَارَةِ بِرَدِّ الْبَيْعِ عِنْدَمَا يُقَالُ لِلْأَبِ بِعْتُك هَذَا الْمَالَ لِابْنِك الصَّغِيرِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ جَازَ فَكَذَلِكَ إذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ، ثُمَّ بَاعَهُ مِنْهُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الصَّبِيِّ وَفِي الْأَوَّلِ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ دَائِرٌ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ فَيُحْمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّرْكُ أَنْفَعَ بِإِبْقَاءِ الثَّمَنِ عَلَى مِلْكِ الصَّغِيرِ فَيَمْلِكُهُ كَالْأَخْذِ بِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الْقَوَدِ وَأُخْتَيْهِ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ غَيْرُ مُتَرَدِّدٍ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُنَا بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ وَهُوَ الثَّمَنُ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا وَسُكُوتُهُمَا كَإِبْطَالِهِمَا لِأَنَّ السُّكُوتَ مِمَّنْ يَمْلِكُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَهَذَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا، وَإِنْ بِيعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ قِيلَ جَازَ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ مُتَعَيَّنٌ فِيهِ
وَقِيلَ لَا يَجُوزُ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ فَلَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ بِيعَتْ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا بِمُحَابَاةٍ كَثِيرَةٍ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه لَا يَصِحُّ تَسْلِيمُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله وَهَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْكَافِي قَالَ: ذُكِرَ فِي الْحَصْرِ وَالْمُخْتَلَفِ إذَا سَلَّمَ الْأَبُ شُفْعَةَ الصَّغِيرِ - وَالشِّرَاءُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِكَثِيرٍ - فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ امْتِنَاعٌ عَنْ إدْخَالِهِ فِي مِلْكِهِ لَا إزَالَةٌ عَنْ مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَبَرُّعًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّعِ بِمَالِهِ وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ التَّسْلِيمُ مِنْهُمَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّهُمَا لَا يَرَيَانِ تَسْلِيمَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ شُفْعَةَ الصَّغِيرِ جَائِزًا فِيمَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ فِيمَا إذَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْلَى
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْأَبَ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ عَلَى الصَّغِيرِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى لِابْنِهِ الصَّغِيرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ عَلَى الصَّغِيرِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ، وَفِي الشِّرَاءِ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ غَبْنٌ فَكَذَا فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ فِي هَذَا إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ لِلصَّغِيرِ نَفْعٌ ظَاهِرٌ حَتَّى إذَا كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِشِرَائِهِ وَبَيْعِهِ مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ فِي الْأَبِ، وَالْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الشِّرَاءِ، وَفِي الْبَيْعِ أَقَلَّ
وَفِي الْأَبِ يَجُوزُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فِيهِمَا فَكَذَا الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ كَيْفِيَّةُ طَلَبِهِ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت وَأَخَذْت بِالشُّفْعَةِ مُتَّصِلًا بِكَلَامِهِ وَلَوْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْكَ الصَّغِيرِ، أَوْ مِلْكَ نَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلِلْعَبْدِ الْمَدْيُونِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَإِذَا بَاعَ الْمَوْلَى دَارًا وَمُكَاتَبُهُ شَفِيعُهَا فَلَهُ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْأَجَانِبِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ، فَكَانَ أَخْذُهُ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ مُفِيدًا اهـ غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: فَلِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُهَا لِمَوْلَاهُ بَلْ لِنَفْسِهِ فَكَانَ مُفِيدًا. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: لِكَوْنِ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِكَوْنِ الْعَبْدِ أَحَقَّ بِهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ. ".
(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا) لَعَلَّهُ " وِلَايَتَهُمَا (قَوْلُهُ: جَازَ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ بِلَا خِلَافِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لِتَمَحُّضِهِ ضَرَرًا لِلصَّبِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ) فَبَقِيَ الصَّبِيُّ عَلَى حَقِّهِ إذَا بَلَغَ وَصَارَ الْوَلِيُّ كَالْأَجْنَبِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ) لَفْظُ " ذَكَرَ " لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ) أَيْ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ اهـ