الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلَا يُقْبَلُ عَلَى مَا بَيَّنَّا؛ وَلِأَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُمَا يَمْتَنِعُ النَّاسُ مِنْ مُعَامَلَتِهِمَا فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالْإِذْنِ فَأَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَى قَبُولِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ فِيهَا حَتَّى لَوْ أَقَرَّا بِعَيْنٍ مَوْرُوثَةٍ فِي مِلْكِهِمَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُمَا فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُقْبَلُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ انْفِكَاكَ حَجْرِهِ بِالْإِذْنِ كَانْفِكَاكِهِ بِالْبُلُوغِ فِي حَقِّ الْأَمْوَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ
؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ فَيَصِيرُ الْوَاحِدُ مُطَالِبًا، وَمُطَالَبًا مُسَلِّمًا وَمُتَسَلِّمًا، وَهُوَ مُحَالٌ، وَكَذَا الْأَبُ وَالْجَدُّ قِيَاسًا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَيَجُوزُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ قَامَ مَقَامَ شَخْصَيْنِ، وَعِبَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ وَرَأْيُهُ مَقَامَ رَأْيَيْنِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ، وَهُوَ بَالِغٌ ثُمَّ تُحْمَلُ الْحُقُوقُ بِحَقِّ الْأُبُوَّةِ لَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ نِيَابَةً عَنْهُ حَتَّى إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الصَّغِيرِ، وَفِيمَا إذَا بَاعَ مَالَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَبَلَغَ الصَّغِيرُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الْأَبِ فَإِذَا كَانَتْ الْعُهْدَةُ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ لَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ لَا يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِحَالَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ بَاعَ مَالَهُ مِنْهُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ صَحَّ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ بِعْته مِنْهُ أَوْ اشْتَرَيْته لَهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ قَامَ مَقَامَ كَلَامَيْنِ؛ وَلِأَنَّ نَفْسَ الْقَبُولِ لَا يُعْتَبَرُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الرِّضَا وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ، وَقَدْ وُجِدَتْ دَلَالَةُ الرِّضَا.
وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ يَشْتَرِيَ عَبْدَهُ لَهُ فَفَعَلَ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ كَمَالِ هَذِهِ الشَّفَقَةِ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالْأَبِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ إلَّا إذَا كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا، وَقَبِلَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ مِنْ جَانِبِ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ، وَمِنْ جَانِبِ الْأَبِ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ لِنَفْسِهِ مُبَاحٌ وَلِلصَّغِيرِ فَرْضٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّظَرِ فَيُجْعَلُ الْأَبُ مُتَصَرِّفًا لِلصَّغِيرِ تَحْقِيقًا لِلنَّظَرِ، وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ مَالِ وَلَدِهِ فَبَاعَ مِنْ مُوَكِّلِهِ أَوْ بَاعَ الْأَبُ مَالَ أَحَدِ وَلَدَيْهِ بِمَالِ الْآخَرِ أَوْ أَذِنَ لَهُمَا فِيهِ أَوْ لِعَبْدَيْهِمَا أَوْ جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا أَوْ وَصِيًّا صَحَّ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُمَا أَوْ لِعَبْدَيْهِمَا أَوْ وَصِيَّيْهِمَا فَتَبَايَعَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَفَادَا وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ بِنَفْسِهِ فَكَذَا الصِّبْيَانُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَ الْأَبُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ صَحَّ فَكَذَا إذَا فَعَلَ بِإِذْنِهِ وَصَحَّ بَيْعُ الْوَصِيِّ مَالَهُ مِنْ الصَّبِيِّ أَوْ شِرَاؤُهُ مِنْهُ بِشَرْطِ نَفْعٍ ظَاهِرٍ، وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ، وَقِيلَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِثَمَانِمِائَةٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لِمَا مَرَّ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ، وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّ مُخْتَارُ الْأَبِ، وَلَكِنَّهُ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ فَعِنْدَ حَقِيقَةِ النَّظَرِ يُلْحَقُ بِالْأَبِ وَيُرْوَى رُجُوعُ أَبِي يُوسُفَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(كِتَابُ الْغَصْبِ)
الْغَصْبُ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ مَالًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَالٍ حَتَّى يُطْلَقَ عَلَى أَخْذِ الْحُرِّ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُتَقَوَّمُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ اسْمُ الْغَصْبِ، وَقَدْ زِيدَ عَلَيْهِ أَوْصَافٌ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ قَالَ رحمه الله
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الثَّانِيَ نَائِبٌ عَنْ الْإِمَامِ الْأَكْبَرِ فَكَمَا يَصِحُّ الْحَجْرُ مِنْ الْإِمَامِ الْأَكْبَرِ يَصِحُّ مِنْ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْقَبُولِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَكَذَا إذَا أَقَرَّ يَعْنِي الصَّبِيَّ بِشَيْءٍ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ لِإِنْسَانٍ صَحَّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إقْرَارَهُ إنَّمَا يَصِحُّ بِشَيْءٍ مِنْ تِجَارَتِهِ، أَمَّا بِشَيْءٍ لَيْسَ مِنْ تِجَارَتِهِ لَا يَصِحُّ. اهـ.
وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي: وَإِقْرَارُ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ بِالدَّيْنِ وَالْغَصْبِ وَاسْتِهْلَاكِ الْمَالِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مَتَى مَلَكَ التِّجَارَةَ مَلَكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهَا، وَمِلْكُ الْإِقْرَارِ بِالدُّيُونِ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُقِرَّ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ الْمُبَايَعَةِ مَعَهُ خَوْفًا مِنْ ذَهَابِ أَمْوَالِهِمْ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ مَعَهُ فَيُؤَدِّي إلَى انْقِطَاعِ تِجَارَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَ ضَرُورَةَ مَالِكِيَّتِهِ التِّجَارَةَ، وَهَذَا فِي دُيُونِ التِّجَارَةِ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى دُيُونِ التِّجَارَةِ فَإِذَا أَقَرَّ بِغَصْبٍ أَوْ اسْتِهْلَاكِ مَالٍ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى دَيْنِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ يَلْزَمُهُ بِعِوَضٍ يُسَلَّمُ لَهُ اهـ.
[فَصْلٌ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ]
(فَصْلٌ)(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَذِنَ) أَيْ الْوَكِيلُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ. اهـ
[كِتَابُ الْغَصْبِ]
(كِتَابُ الْغَصْبِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ عِنْدِي أَنَّ الْمَأْذُونَ يَتَصَرَّفُ فِي الشَّيْءِ بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ، وَالْغَاصِبَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ لَا بِإِذْنٍ شَرْعِيٍّ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةُ الْمُقَابَلَةِ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ كِتَابَ الْمَأْذُونِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّ إقْرَارَ الْمَأْذُونِ يَصِحُّ بِالْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ كَمَا يَصِحُّ بِمَا هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ فَجَرَّ الْكَلَامَ إلَى ذِكْرِ الْغَصْبِ عَقِيبَ الْإِذْنِ فَذِكْرُهُ يُبَيِّنُ فِيهِ أَحْكَامَهُ. اهـ. وَالْغَصْبُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَأْثَمُ، وَهُوَ مَا وَقَعَ عَلَى الْعِلْمِ وَالثَّانِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَأْثَمُ، وَهُوَ مَا وَقَعَ عَلَى الْجَهْلِ كَمَنْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَهُ وَالضَّمَانُ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الضَّمَانِ يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَ فِيهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَأْثَمُ، وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمَأْثَمُ، وَأَمَّا الْمَأْثَمُ فَلَا يَحْصُلُ إلَّا مَعَ الْقَصْدِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» مَعْنَاهُ رُفِعَ مَأْثَمُ الْخَطَأِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. قَوْلُهُ: فَذِكْرُهُ يُبَيِّنُ فِيهِ أَحْكَامَهُ أَوْ مَا دَامَ الْغَصْبُ قَائِمًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ لَا يَمْلِكُهُ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِرَقَبَةِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْكَسْبِ. اهـ مِعْرَاجٌ
(هُوَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ) فِي مَالٍ مُتَقَوِّمٍ مُحْتَرَمٍ قَابِلٍ لِلنَّقْلِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ حَتَّى لَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ زَوَائِدَ الْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَتْ بِغَيْرِ تَعَدٍّ لِعَدَمِ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ، وَلَا مَا صَارَ مَعَ الْمَغْصُوبِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ كَمَا إذَا غَصَبَ دَابَّةً فَتَبِعَتْهَا أُخْرَى أَوْ وَلَدُهَا لَا يَضْمَنُ التَّابِعَ لِعَدَمِ الصُّنْعِ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ حَبَسَ الْمَالِكَ عَنْ مَوَاشِيهِ حَتَّى ضَاعَتْ لَا يَضْمَنُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِعَدَمِ إثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ، وَكَذَا لَا يَضْمَنُ غَيْرَ الْمُتَقَوِّمِ كَالْخَمْرِ أَوْ غَيْرَ الْمُحْتَرَمِ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَا مَا لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالْعَقَارِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله الْغَصْبُ هُوَ تَفْوِيتُ يَدِ الْمَالِكِ لَا غَيْرُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله هُوَ إثْبَاتُ الْيَدِ الْعَادِيَةِ لَا غَيْرُ حَتَّى يَضْمَنَ الْعَقَارَ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُمَا لِوُجُودِ تَفْوِيتِ الْيَدِ فِيهِ وَإِثْبَاتُهَا، وَلَا يَضْمَنُ زَوَائِدَ الْغَصْبِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله لِعَدَمِ تَفْوِيتِ يَدِ الْمَالِكِ فِيهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله يَضْمَنُهَا لِوُجُودِ إثْبَاتِ الْيَدِ فِيهَا وَسَنُبَيِّنُهُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ رحمه الله: (فَالِاسْتِخْدَامُ وَالْحَمْلُ عَلَى الدَّابَّةِ غَصْبٌ لَا الْجُلُوسُ عَلَى الْبِسَاطِ)؛ لِأَنَّهُ بِاسْتِخْدَامِ عَبْدِ الْغَيْرِ أَوْ الْحَمْلِ عَلَى دَابَّةِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ أَثْبَتَ فِيهِ الْيَدَ الْمُتَصَرِّفَةَ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ يَدِهِ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْهُ فَتَحَقَّقَ الْغَصْبُ فَيَضْمَنُ بِخِلَافِ الْجُلُوسِ عَلَى بِسَاطِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ فِيهِ وَلِهَذَا لَا يُرَجَّحُ بِهِ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فَلَمْ يَصِرْ فِي يَدِهِ، وَالْبَسْطُ فِعْلُ الْمَالِكِ فَتَبْقَى يَدُ الْمَالِكِ فِيهِ مَا بَقِيَ أَثَرُ فِعْلِهِ لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهَا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ، ثُمَّ حُكْمُ الْغَصْبِ الْمَأْثَمُ إنْ تَعَمَّدَهُ وَالْمَغْرَمُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَغْصُوبُ مَالًا مُتَقَوِّمًا.
قَالَ رحمه الله: (وَيَجِبُ رَدُّ عَيْنِهِ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا، وَإِنْ أَخَذَهُ فَلْيَرُدَّهُ عَلَيْهِ» ؛ وَلِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْيَدَ، وَهِيَ مَقْصُودَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ بِهَا يَتَوَصَّلُ إلَى تَحْصِيلِ ثَمَرَاتِ الْمِلْكِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّفِ وَلِهَذَا شُرِعَتْ الْكِتَابَةُ وَالْإِذْنُ مَعَ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ سِوَى الْيَدِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نَسْخُ فِعْلِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ فَيَعُودُ إلَى مَا كَانَ، وَأَتَمُّ وُجُوهِهِ رَدُّ عَيْنِهِ فِي مَكَانِ غَصْبِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ وَلِهَذَا تَتَفَاوَتُ الْقِيمَةُ بِهِ وَرَدُّ الْعَيْنِ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ عَلَى مَا قَالُوا؛ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ، وَأَكْمَلُ فِي رَدِّ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى وَرَدُّ الْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ مُخَلِّصٌ يُصَارُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ، وَلِهَذَا يُطَالَبُ بِرَدِّ الْعَيْنِ قَبْلَ الْهَلَاكِ، وَلَوْ أَتَى بِالْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِكَوْنِهِ قَاصِرًا، وَكَذَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمَالِكِ بِأَنْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ بِجِهَةٍ أُخْرَى كَمَا إذَا، وَهَبَهُ لَهُ أَوْ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ فَأَكَلَهُ وَالْمَالِكُ لَا يَدْرِي أَنَّهُ مَلَكَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ تَسْلِيمٍ بِإِيدَاعٍ أَوْ شِرَاءٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ لَمَا بَرِئَ إلَّا إذَا عَلِمَ، وَقَبَضَهُ عَنْهُ كَمَا فِي قَبْضِ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ، وَقِيلَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الضَّمَانِ حَالَ قِيَامِ الْعَيْنِ يَصِحُّ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ، وَكَذَا الْكَفَالَةُ بِالْمَغْصُوبِ تَصِحُّ مَعَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِالْعَيْنِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلْغَاصِبِ نِصَابٌ يُنْتَقَصُ بِهِ كَمَا يُنْتَقَصُ بِالدَّيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ، وَكَوْنُهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى رَدِّ الْعَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِأَصْلٍ كَالظُّهْرِ مَعَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ الظُّهْرَ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْجُمُعَةَ خَلَفٌ عَنْهُ، وَلَا يُصَارُ إلَيْهِ لَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَتِهَا.
وَإِنَّمَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمَالِكِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ لِتَعَيُّنِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِي الْعَيْنِ فَصَارَ كَالْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْرَأُ بِرَدِّهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الْمَقْبُوضِ بَلْ حَقُّهُ فِي مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ مِنْ أَيِّ عَيْنٍ كَانَ، وَذَلِكَ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي مَعْرِفَةِ الْأَمْثَالِ وَالْقِيَمِ، وَلَا كَذَلِكَ الْعَيْنُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِيهَا فَبِأَيِّ طَرِيقٍ وَصَلَ إلَيْهِ نَابَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَلَغَا مَا عَيَّنَهُ مِنْ الْجِهَةِ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ لَمَّا كَانَ الْوَقْتُ مُتَعَيِّنًا لَهُ صَارَ عَنْهُ، وَلَغَا مَا عَيَّنَهُ مِنْ الْجِهَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ حَيْثُ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالتَّعْيِينِ لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله لَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِأَكْلِ الْمَالِكِ الطَّعَامَ الْمَغْصُوبَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِرَدٍّ بَلْ هُوَ خَدْعَةٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَرْغَبُ فِي أَكْلِ مَالِ غَيْرِهِ مَا لَا يَرْغَبُ فِي أَكْلِ مَالِ نَفْسِهِ، وَلَوْ عَلِمَ لِمَا أَكَلَ فَلَمْ يَكُنْ رَادًّا بِتَقْدِيمِهِ لَهُ لِلْأَكْلِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ قُلْنَا هَذِهِ الْعَادَةُ مَذْمُومَةٌ شَرْعًا فَلَا تُعْتَبَرُ، وَلَا تَمْنَعُ وُقُوعَهُ عَنْ الْوَاجِبِ.
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ هُوَ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ)، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ يَكْفِي فِيهِ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ، وَعَلَى هَذَا تَخْرُجُ الْمَسَائِلُ غَيْرَ أَنَّ إزَالَةَ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ. اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ) لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ مَسْأَلَةً تُخَالِفُ هَذَا الْأَصْلَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ غَصَبَ عُجُولًا فَاسْتَهْلَكَهُ حَتَّى يَبِسَ لَبَنُ أُمِّهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْعُجُولِ وَنُقْصَانَ الْأُمِّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فِي الْأُمِّ شَيْئًا. اهـ. كَذَا بِخَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِالرَّحْمَةِ. قَوْلُهُ: وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ إلَخْ أَخَذَهُ مِنْ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ وَلَدُهَا) قَالَ الْكَاكِيُّ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ حِمَارًا وَسَاقَهُ فَانْسَاقَ جَحْشُهُ فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ لَا يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ إنْ لَمْ يَسُقْ الْجَحْشَ مَعَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَالِ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) أَيْ فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَهُ الْمُسْلِمُ لَا يُسَمَّى غَصْبًا. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ إثْبَاتِ الْيَدِ فِيهَا)، وَلَوْ جَاءَ الْمَالِكُ وَطَلَبَ الزَّوَائِدَ فَمَنَعَهَا عَنْ التَّسْلِيمِ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ لَا الْجُلُوسُ عَلَى الْبِسَاطِ) قَالَ الْكَاكِيُّ، وَلَوْ جَلَسَ عَلَى بِسَاطِ غَيْرِهِ أَوْ فِرَاشِهِ أَوْ رَكِبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُزِلْهُ مِنْ مَكَانِهِ لَمْ يَكُنْ غَاصِبًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَغْرَمُ) أَيْ سَوَاءٌ تَعَمَّدَهُ أَوْ لَا. اهـ. (قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْعُقُودُ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالْهَلَاكِ) أَيْ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلْغَاصِبِ نِصَابٌ يُنْتَقَصُ بِهِ) أَيْ بِضَمَانِ الْمَغْصُوبِ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِهِ. اهـ. .
قَالَ رحمه الله: (أَوْ مِثْلُهُ إنْ هَلَكَ، وَهُوَ مِثْلِيٌّ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ الْمَغْصُوبِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَهَلَكَ عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ ثَابِتٌ فِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى، وَقَدْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُمَا بِإِيجَابِ الْمِثْلِ فَكَانَ أَعْدَلَ، وَأَتَمَّ فِي جَبْرِ الْفَائِتِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ الْقِيمَةِ وَاسْمُهُ يُنْبِئُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمِثْلَ عِبَارَةٌ عَمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ إيجَابُهُ أَعْدَلَ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ الظَّاهِرِيَّةِ إنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ، وَهِيَ الْقِيمَةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَعْدَلُ وَتَسْمِيَتُهُ فِي الْآيَةِ اعْتِدَاءً مَجَازٌ لِلْمُقَابَلَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وَالْجَزَاءُ لَيْسَ بِسَيِّئَةٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا مَجَازًا كَذَا هُنَا الثَّانِي لَيْسَ بِاعْتِدَاءٍ.
قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ انْصَرَمَ الْمِثْلِيُّ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ) أَيْ إنْ انْقَطَعَ الْمِثْلِيُّ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يَوْمَ الْغَصْبِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله يَوْمَ الِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ هُوَ الْوَاجِبُ بِغَصْبِ ذَاتِ الْمِثْلِ فَلَا يُنْتَقَلُ إلَى الْقِيمَةِ إلَّا بِالْعَجْزِ عَنْهُ وَالْعَجْزُ عَنْهُ يَحْصُلُ بِالِانْقِطَاعِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ أَعْدَلُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يُصَارُ إلَى الْقِيمَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِقُصُورِهَا فَلَا تَجِبُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الْمِثْلِ لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا خَلَفٌ عَنْهُ، وَلَا يَبْقَى وُجُوبُ الْمِثْلِ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ لِلْعَجْزِ عَنْهُ فَتَعَيَّنَ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ وَلِأَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّ الْمِثْلِيَّ لَمَّا انْقَطَعَ الْتَحَقَ بِذَوَاتِ الْقِيَمِ، وَفِيهَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْغَصْبِ فَكَذَا فِيمَا الْتَحَقَ بِهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ خَلَفٌ عَنْ الْمِثْلِ حَتَّى لَا يُصَارَ إلَيْهَا إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ، وَالْخَلَفُ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَصْلُ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا بِالْغَصْبِ كَالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ، وَكَالْقِيمَةِ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْمِثْلَ هُوَ الْوَاجِبُ بِالْغَصْبِ، وَهُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ وَلِهَذَا لَوْ صَبَرَ إلَى أَنْ يَعُودَ الْمِثْلُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَى الْمِثْلِ بِوُجُودِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ الِانْتِقَالِ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي الْبُيُوتِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ.
قَالَ رحمه الله: (وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ) أَيْ مَا لَا يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْمِثْلِ صُورَةً وَمَعْنًى، وَهُوَ الْكَامِلُ فَيَجِبُ اعْتِبَارُ الْمِثْلِ مَعْنًى، وَهُوَ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهُ وَيَحْصُلُ بِهَا مِثْلُهُ وَاسْمُهَا يُنْبِئُ عَنْهُ، وَقَالَ مَالِكٌ يُضْمَنُ مِثْلُهُ صُورَةً لِمَا تَلَوْنَا وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ «أَنَسًا رضي الله عنه قَالَ كُنْت فِي حُجْرَةِ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ فَأُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ مِنْ عِنْدِ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ عليه الصلاة والسلام فَضَرَبَتْ عَائِشَةُ الْقَصْعَةَ بِيَدِهَا فَانْكَسَرَتْ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ مِنْ الْأَرْضِ وَيَقُولُ غَارَتْ أُمُّكُمْ غَارَتْ أُمُّكُمْ ثُمَّ جَاءَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها بِقَصْعَةٍ مِثْلِ تِلْكَ الْقَصْعَةِ فَرَدَّتْهَا وَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ، وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ يَفُكُّ الْغُلَامَ بِالْغُلَامِ وَالْجَارِيَةَ بِالْجَارِيَةِ، وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «فِي عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» ، وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ حَيْثُ أَوْجَبَهَا عَلَى الْمُعْتِقِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَعَلَى الْعَبْدِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْمُرُوءَةِ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ لَا عَلَى طَرِيقِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ إذْ كَانَتْ الْقَصْعَتَانِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعْنَى قَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه يَفُكُّ الْغُلَامَ بِالْغُلَامِ أَيْ بِقِيمَةِ الْغُلَامِ حَذَفَ الْمُضَافَ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ أَيْ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ، وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا قَضَيَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ بِالْقِيمَةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْآيَةُ لَا تُنَافِي مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا الْمِثْلُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْقِيمَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَانَتْ الْآيَةُ شَاهِدَةً لَنَا، وَهَذَا الْمِثْلُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ لَا الْمِثْلُ صُورَةً بِلَا مَعْنًى؛ وَلِهَذَا قَالَ شُرَيْحٌ رضي الله عنه مَنْ كَسَرَ عَصًا فَهِيَ لَهُ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَمَا قَالَ ذَلِكَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ فَهِمَهُ مِنْ الْآيَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْمِثْلِيِّ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ مِثْلُهُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ حَتَّى يُضْمَنَ مِثْلُهُ عَدَدًا خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ إنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْمَعْدُودِ لَمْ تَثْبُتْ بِالنَّصِّ بِالِاجْتِهَادِ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا فَلَا يُقْطَعُ بِكَوْنِ الْمَضْمُونِ مِثْلًا لِلْمُتْلَفِ فَيُصَارُ إلَى قِيمَتِهِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ مِثْلِهِ قَطْعًا بِخِلَافِ الْمَكِيلِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَهُوَ مِثْلِيٌّ) مِثْلُ الْمَكِيلِ وَالْمُوزِنِ وَالْمَعْدُودِ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ. اهـ أَتْقَانِيٌّ، وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: إنَّ الْمَغْصُوبَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَنْقُولٍ كَالْحَانُوتِ وَالدَّارِ وَالْأَرْضِ وَالْكَرْمِ وَغَيْرِهَا أَوْ يَكُونُ مَنْقُولًا وَالْمَنْقُولُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ الَّذِي لَيْسَ فِي تَبْعِيضِهِ مَضَرَّةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَحْنُ نَأْخُذُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ إلَخْ) وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ مَا لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ فِي الْمَالِيَّةِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُضْمَنَ مِثْلُهُ عَدَدًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله أَمَّا الْمَعْدُودَاتُ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ فَعَلَى مُسْتَهْلِكِهَا مِثْلُهَا عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ قِيمَتُهَا وَهَذَا فَرْعٌ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ فِيهَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ. اهـ.
وَالْمَوْزُونِ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِيهِ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» .
وَكَذَا قَالَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَهُمَا مَوْزُونَانِ وَالْحِنْطَةُ مَكِيلٌ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِمَا لِلْعِلْمِ بِهَا قَطْعًا وَالْجَوْدَةُ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ، وَلَا كَذَلِكَ الْعَدَدِيُّ قُلْنَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمَالِيَّةِ، وَمَالِيَّةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُتَسَاوِيَةٌ فَإِنَّ الْفَلْسَ يُمَاثِلُ الْفَلْسَ فِي الْمَالِيَّةِ، وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ وَالْبَيْضُ وَلِهَذَا لَا تَتَفَاوَتُ قِيمَةُ آحَادِهِ عُرْفًا فَكَانَتْ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِ أَتَمَّ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَوَجَبَ جَبْرُ الْفَائِتِ بِجِنْسِهِ لِكَوْنِهِ مِثْلًا لَهُ صُورَةً وَمَعْنًى، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: الْمُمَاثَلَةُ تَثْبُتُ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ أَيْضًا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْجِنْسِ لَا يَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الصِّفَةِ كَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ، وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ، وَأَوْضَحُ مِنْهُ أَنَّ الْقِيمَةَ أَيْضًا لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالِاجْتِهَادِ فَلَا مَعْنَى لِمَا قَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي الْكُلِّ، وَالْمُرَادُ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ غَيْرُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَالْمِثْلِيِّ الْمَخْلُوطِ بِخِلَافِ جِنْسِهِ كَالْحِنْطَةِ الْمَخْلُوطَةِ بِالشَّعِيرِ وَالْخَلِّ الْمَخْلُوطِ بِالزَّيْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْمَوْزُونُ الَّذِي فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ كَالْأَوَانِي الْمَصُوغَةِ نَحْوِ الْقُمْقُمِ وَالطَّسْتِ.
قَالَ رحمه الله: (فَإِنْ ادَّعَى هَلَاكَهُ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَأَظْهَرَهُ ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِ بِبَدَلِهِ)؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ ثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا يَقُولُ كَمَا إذَا ادَّعَى الْمَدِينُ الْإِفْلَاسَ، وَلَيْسَ لِحَبْسِهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ بَلْ هُوَ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي كَحَبْسِ الْغَرِيمِ فِي الدَّيْنِ، وَلَوْ ادَّعَى الْغَاصِبُ الْهَلَاكَ عِنْدَ صَاحِبِهِ بَعْدَ الرَّدِّ، وَعَكْسُ الْمَالِكِ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْغَاصِبِ أَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الرَّدَّ، وَهُوَ عَارِضٌ وَالْبَيِّنَةُ لِمَنْ يَدَّعِي الْعَوَارِضَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله بَيِّنَةُ الْمَالِكِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ وُجُوبَ الضَّمَانِ وَالْآخَرُ يُنْكِرُ وَالْبَيِّنَةُ لِلْإِثْبَاتِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا بِاتِّفَاقِهِمَا لَكِنَّ حَاصِلَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا يَئُولُ إلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَعَدَمِهِ فَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ لِمَنْ يُثْبِتُ.
قَالَ رحمه الله: (وَالْغَصْبُ فِيمَا يُنْقَلُ)؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ بِإِثْبَاتِ يَدِهِ، وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي الْمَنْقُولِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. قَالَ رحمه الله:(فَإِنْ غَصَبَ عَقَارًا، وَهَلَكَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ)، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رحمهم الله يَضْمَنُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ يَتَحَقَّقُ بِوَصْفَيْنِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ، وَإِزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدَيْنِ الْمُتَدَافَعَتَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَا يُمْكِنُ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ فَإِذَا ثَبَتَتْ الْيَدُ الْعَادِيَةُ لِلْغَاصِبِ انْتَفَتْ الْيَدُ الْمُحِقَّةُ لِلْمَالِكِ ضَرُورَةً، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَيْسَتْ هِيَ إلَّا عِبَارَةً عَنْ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ، وَعَدَمُ الْيَدِ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّصَرُّفِ فَكَانَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ضَرُورَةٌ، وَمِنْ ضَرُورَتِهَا انْتِفَاءُ يَدِ الْمَالِكِ فَيَضْمَنُ بِهِ كَمَا يَضْمَنُ الْمَنْقُولَ بِذَلِكَ، وَكَمَا يَضْمَنُ الْعَقَارَ الْمُودَعُ بِالْجُحُودِ وَبِالْإِقْرَارِ بِهِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ وَبِالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْغَصْبُ، وَلَنَا أَنَّ الْغَصْبَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَغْصُوبِ بِإِثْبَاتِ يَدِهِ، وَإِزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالنَّقْلِ وَالْعَقَارِ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ، وَأَقْصَى مَا يُمْكِنُ فِيهِ إخْرَاجُ الْمَالِكِ عَنْهُ، وَذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِكِ لَا فِي الْعَقَارِ فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا إذَا أَبْعَدَ الْمَالِكُ عَنْ الْمَوَاشِي عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ.
وَمَسْأَلَةُ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَصَحِّ فَلَا تَلْزَمُ، وَلَئِنْ سَلَّمَ فَالضَّمَانُ فِيهَا بِتَرْكِ الْحِفْظِ الْمُلْتَزَمِ بِالْجُحُودِ، وَالشُّهُودُ إنَّمَا يَضْمَنُونَ الْعَقَارَ بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الشَّاهِدُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ ذَلِكَ الْعَقَارَ لَهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ كَانَ غَصْبًا لَقُبِلَتْ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الْجَزَاءُ فِي الْآخِرَةِ، وَكَلَامُنَا فِي الضَّمَانِ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ جَمِيعُ جَزَائِهِ، وَلَوْ كَانَ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ لَبَيَّنَهُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ أَمَسُّ وَزِيَادَةُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ تَكُونُ نَسْخًا، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِالرَّأْيِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْغَصْبِ عَلَيْهِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ غَصْبِ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ كَإِطْلَاقِ لَفْظِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ الْحُرِّ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام مَنْ بَاعَ حُرًّا الْحَدِيثَ، لَا يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ بَيْعِ الْحُرِّ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا. وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَوْ بَاعَ الْعَقَارَ بَعْدَ الْغَصْبِ، وَأَقَرَّ الْغَاصِبُ بِذَلِكَ، وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ، وَأَقَرَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَالْمِثْلِيُّ الْمَخْلُوطُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ مَعْنَاهُ الْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَفَاوِتَةُ أَيْ مَعْنَى مَا لَا مِثْلَ لَهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَهَذَا تَفْسِيرٌ عَجِيبٌ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْكُلِّيِّ بِالْجُزْئِيِّ؛ لِأَنَّ مَا لَا مِثْلَ لَهُ يَشْمَلُ الْحَيَوَانَاتِ وَالذَّرْعِيَّاتِ، وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَفَاوِتُ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالْوَزْنِيُّ الَّذِي فِي تَبْعِيضِهِ مَضَرَّةٌ، وَهُوَ الْمَصُوغُ مِنْهُ. اهـ
بِذَلِكَ، وَكَذَّبَهُ الْمُشْتَرِي لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ ظَاهِرًا، وَلَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهُ، وَإِنَّمَا التَّلَفُ مُضَافٌ إلَى عَجْزِ الْمَالِكِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ.
قَالَ رحمه الله: (وَمَا نَقَصَ بِسُكْنَاهُ وَزِرَاعَتِهِ ضَمِنَ النُّقْصَانَ كَمَا فِي النَّقْلِيِّ)، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِفِعْلِهِ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِضَمَانِ الْإِتْلَافِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّ يُضْمَنُ بِهِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْغَصْبِ حَيْثُ لَا يُضْمَنُ إلَّا بِالْحُصُولِ فِي الْيَدِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ رَكِبَ دَابَّةَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَمْ يُسَيِّرْهَا حَتَّى نَزَلَ ثُمَّ هَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْ لِعَدَمِ النَّقْلِ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِرُكُوبِهِ يَضْمَنُ لِوُجُودِ الْإِتْلَافِ بِفِعْلِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَعَدَ عَلَى بِسَاطِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ النُّقْصَانِ، قَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى: إنَّهُ يُنْظَرُ بِكَمْ تُسْتَأْجَرُ هَذِهِ الْأَرْضُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالُ وَبَعْدَهُ فَيَضْمَنُ مَا تَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا مِنْ النُّقْصَانِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِالشِّرَاءِ يَعْنِي أَنَّهُ يُنْظَرُ بِكَمْ تُبَاعُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ وَبِكَمْ تُبَاعُ بَعْدَهُ فَنُقْصَانُهَا مَا تَفَاوَتَ مِنْ ذَلِكَ فَيَضْمَنُهُ، وَهُوَ الْأَقْيَسُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِقِيمَةِ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ نُصَيْرٍ ثُمَّ يَأْخُذُ الْغَاصِبُ رَأْسَ مَالِهِ، وَهُوَ الْبَذْرُ، وَمَا غَرِمَ مِنْ النُّقْصَانِ، وَمَا أَنْفَقَ عَلَى الزَّرْعِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حَتَّى إذَا غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا كُرَّيْنِ فَأَخْرَجَتْ ثَمَانِيَةَ أَكْرَارٍ، وَلَحِقَهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ قَدْرُ كُرٍّ وَنَقَصَهَا قَدْرَ كُرٍّ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَكْرَارٍ وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ وَمِلْكِهِ؛ لِأَنَّ مَا ضَمِنَ مِنْ الْفَائِتِ يَمْلِكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ وَالْمَضْمُونَاتُ تُمْلَكُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ عِنْدَنَا مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ، وَهُوَ الْغَصْبُ هُنَا فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ إذْ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْقُصْهَا لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ لِعَدَمِ الضَّمَانِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ كُلِّهِ فَإِذَا ضَمِنَ كُلَّهُ مَلَكَ كُلَّهُ، وَكَذَا الْبَعْضُ، وَلَهُمَا أَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَيَكُونُ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ إذْ الْفَرْعُ يَحْصُلُ عَلَى وَصْفِ الْأَصْلِ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَنْقُصْ بِالِاسْتِعْمَالِ؛ وَلِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُسْتَنِدَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَكَانَ نَاقِصًا فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ انْعِدَامِ الْخُبْثِ.
قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ اسْتَغَلَّهُ تَصَدَّقَ بِالْغَلَّةِ كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ) أَيْ إنْ اسْتَغَلَّ الْمَغْصُوبَ بِأَنْ كَانَ عَبْدًا مَثَلًا فَآجَرَهُ فَنَقَصَهُ بِالِاسْتِغْلَالِ وَضَمِنَ النُّقْصَانَ تَصَدَّقَ الْغَاصِبُ بِالْغَلَّةِ كَمَا يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ فِيمَا إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ بِأَنْ بَاعَهُ وَرَبِحَ فِيهِ أَمَّا الْأَوَّلُ، وَهُوَ الِاسْتِغْلَالُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا زَادَ عَلَى مَا ضَمِنَ عِنْدَهُمَا لَا بِالْغَلَّةِ كُلِّهَا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ثُمَّ إنَّمَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ النُّقْصَانَ إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فِي الْعَيْنِ، وَكَانَ غَيْرَ رِبَوِيٍّ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ فِي ضَمَانِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَةِ مَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مِنْ أَجْزَائِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا بِخِلَافِ الْمَبِيعِ حَيْثُ لَا يُوجِبُ النُّقْصَانَ الْحَادِثَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا الْخِيَارَ، وَلَا يُوجِبُ حَطَّ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ وَتُضْمَنُ بِالْفِعْلِ
وَإِنْ كَانَ لِتَرَاجُعِ السِّعْرِ لَا يُضْمَنُ بَعْدَ أَنْ رَدَّهُ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِقِلَّةِ الرَّغَبَاتِ فِيهِ لَا لِنُقْصَانٍ فِي الْعَيْنِ بِفَوْتِ الْجُزْءِ، وَإِنْ كَانَ رِبَوِيًّا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ مَعَ اسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا إذْ الْجَوْدَةُ لَا قِيمَةَ لَهَا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَيُضَمِّنَهُ مِثْلَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ قِيمَتِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَاسْتِغْلَالُ الْعَبْدِ الْمُسْتَعَارِ بِالْإِيجَارِ كَاسْتِغْلَالِ الْمَغْصُوبِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ وَيَتَصَدَّقُ بِالْغَلَّةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رحمه الله. وَالْوَجْهُ قَدْ بَيَّنَّاهُ، وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَمَا اسْتَغَلَّهُ فَضَمَّنَهُ الْمَالِكُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ كَانَ لِأَجْلِ الْمَالِكِ فَإِذَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ لَا يَظْهَرُ الْخُبْثُ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا لَوْ سَلَّمَ الْغَلَّةَ إلَيْهِ مَعَ الْعَبْدِ يُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ فَيَزُولُ الْخُبْثُ بِالتَّسْلِيمِ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ عَنْ الْقِيمَةِ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ الْغَاصِبُ بَعْدَ مَا اسْتَغَلَّهُ، وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَضَمَّنَ الْمَالِكُ الْمُشْتَرِيَ قِيمَتَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ بِالثَّمَنِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْغَلَّةِ فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ كَانَ لِحَقِّ الْمَالِكِ وَالْمُشْتَرِي لَيْسَ بِمَالِكٍ فَلَا يَزُولُ الْخُبْثُ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ فَلَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ فَتَرَجَّحَ هُوَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَلَكَهُ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ كَمَا أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ اللُّقَطَةَ عَلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا ثُمَّ إذَا أَصَابَ مَالًا تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ إذَا كَانَ غَنِيًّا وَقْتَ الِاسْتِغْلَالِ
وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَرَجُّحِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ. وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ وَرَبِحَ فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْعُرُوضِ أَوْ لَا يَتَعَيَّنُ كَالنَّقْدَيْنِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْهُ قَبْلَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ وَبَعْدَهُ يَحِلُّ إلَّا فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ الرِّبْحُ الْمَذْكُورُ هُنَا فَإِنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَلَّقُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ حَتَّى يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَتَمَكَّنَ الْخُبْثُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ فَقَدْ قَالَ الْكَرْخِيُّ: إنَّهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا إنْ أَشَارَ إلَيْهِ وَنَقَدَ مِنْهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ وَنَقَدَ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ أَطْلَقَ إطْلَاقًا وَنَقَدَ مِنْهُ أَوْ أَشَارَ إلَى غَيْرِهِ وَنَقَدَ مِنْهُ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ يَطِيبُ لَهُ إلَّا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا إذَا أَشَارَ إلَيْهِ وَنَقَدَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ لَا تُفِيدُ التَّعْيِينَ فَيَسْتَوِي وُجُودُهَا، وَعَدَمُهَا إلَّا إذَا تَأَكَّدَ بِالنَّقْدِ مِنْهَا
وَقَالَ مَشَايِخُنَا: رحمهم الله لَا يَطِيبُ بِكُلِّ حَالٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَضْمَنَ وَبَعْدَ الضَّمَانِ لَا يَطِيبُ الرِّبْحُ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَإِطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعَيْنِ وَالْمُضَارَبَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ بِالنَّقْدِ مِنْهُ اسْتَفَادَ سَلَامَةَ الْمُشْتَرِي وَبِالْإِشَارَةِ اسْتَفَادَ جَوَازَ الْعَقْدِ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِهِ فِي حَقِّ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ فَتَثْبُتُ فِيهِ شُبْهَةُ الْحُرْمَةِ لِمِلْكِهِ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْحَرَامِ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله لَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّا.
وَهَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا صَارَ بِالتَّقَلُّبِ مِنْ جِنْسِ مَا ضَمِنَ بِأَنْ ضَمِنَ دَرَاهِمَ مَثَلًا وَصَارَ فِي يَدِهِ مِنْ بَدَلِ الْمَضْمُونِ دَرَاهِمُ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ بَدَلِهِ خِلَافُ جِنْسِ مَا ضَمِنَ بِأَنْ ضَمِنَ دَرَاهِمَ، وَفِي يَدِهِ مِنْ بَدَلِهِ طَعَامٌ أَوْ عُرُوضٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَمَا لَمْ يَصِرْ بِالتَّقَلُّبِ مِنْ جِنْسِ مَا ضَمِنَ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ.
قَالَ رحمه الله: (وَمِلْكٌ بِلَا حِلِّ انْتِفَاعٍ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ بِشَيٍّ وَطَبْخٍ وَطَحْنٍ وَزَرْعٍ وَاِتِّخَاذِ سَيْفٍ، وَإِنَاءِ غَيْرِ الْحَجَرَيْنِ وَبِنَاءٍ عَلَى سَاجَةٍ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ بِذَلِكَ لَلَحِقَهُ ضَرَرٌ، وَكَانَ ظُلْمًا وَالظَّالِمُ لَا يُظْلَمُ بَلْ يُنْصَفُ ثُمَّ الضَّابِطُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى تَغَيَّرَتْ الْعَيْنُ الْمَغْصُوبَةُ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ حَتَّى زَالَ اسْمُهَا، وَمُعْظَمُ مَنَافِعِهَا أَوْ اخْتَلَطَتْ بِمِلْكِ الْغَاصِبِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهَا أَصْلًا أَوْ إلَّا بِحَرَجٍ زَالَ مِلْكُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْهَا، وَمَلَكَهَا الْغَاصِبُ وَضَمِنَهَا، وَلَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَهَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ شَيِّ اللَّحْمِ وَطَبْخِهِ وَطَبْخِ الْحِنْطَةِ أَوْ طَحْنِهَا وَزَرْعِهَا وَاِتِّخَاذِ الْحَدِيدِ سَيْفًا أَوْ إنَاءً وَاِتِّخَاذِ غَيْرِهِ مِثْلِ الصُّفْرِ إنَاءً وَالْبِنَاءِ عَلَى السَّاجَةِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَيَمْلِكُهَا الْغَاصِبُ إلَّا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمَا بِاِتِّخَاذِهِ أَوَانِيَ أَوْ بِضَرْبِهِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَهُمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ غَيْرِ الْحَجَرَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْ الْعَيْنِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله غَيْرَ أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَخْذَ الْعَيْنِ لَا يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ عِنْدَهُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الرِّبَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله يُضَمِّنُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْ الْعَيْنِ، وَيَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ لَكِنَّهُ يُبَاعُ فَيُوَفَّى بِهِ دَيْنُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ يَعْنِي مَا وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ مِنْ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ، وَإِنْ مَاتَ الْغَاصِبُ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ عَلَى مِثَالِ الرَّهْنِ وَالْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَجَعَلَ الْآبِقَ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ فَصَارَ كَالْمُشْتَرِي إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ إيفَاءِ الثَّمَنِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَقْوَى مِنْ الْيَدِ فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْيَدِ بِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَبْطُلَ بِهِ حَقُّ الْمِلْكِ لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّ الْعَيْنَ مِلْكُهُ فَيَبْقَى مِلْكُهُ مَا بَقِيَتْ الْعَيْنُ وَيَتْبَعُهَا وَصْفُهَا إذْ هُوَ قَائِمٌ بِهَا فَيَتَرَجَّحُ هُوَ لِكَوْنِهِ صَاحِبَ أَصْلٍ؛ وَلِأَنَّ الدَّقِيقَ حِنْطَةٌ فُرِّقَتْ أَجْزَاؤُهَا، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْخُرُوجَ عَنْ مِلْكِهِ كَالْقَطْعِ فِي الثَّوْبِ وَالذَّبْحِ وَالسَّلْخِ وَالتَّأْرِيبِ فِي الشَّاةِ؛ وَلِأَنَّ فِعْلَهُ مَحْظُورٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ إذْ الْمَحْظُورُ لَا يُنَاطُ بِهِ نِعْمَةُ الْمِلْكِ عَلَى أَصْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِعْلُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا وَقَعَتْ الْحِنْطَةُ فِي الطَّاحُونَةِ وَانْطَحَنَتْ بِفِعْلِ الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ.
وَلَنَا أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ مِنْ وَجْهٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقَاصِدَ قَدْ فَاتَ بَعْضُهَا، وَكَذَا الذَّاتُ قَدْ فَاتَ، وَمِنْ وَجْهٍ بِالِاسْتِحَالَةِ حَتَّى صَارَ لَهُ اسْمٌ آخَرُ، وَقَدْ أَحْدَثَ فِيهَا الصَّنْعَةَ، وَهِيَ حَقٌّ لِلْغَاصِبِ، وَهِيَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَرَجَّحَتْ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ وَصْفًا عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَبِنَاءٌ عَلَى سَاجَةٍ) فِي الْمُغْرِبِ السَّاجَةُ بِالْجِيمِ الْخَشَبَةُ الْعَظِيمَةُ أَيْ الْخَشَبَةُ الْمَنْحُوتَةُ الْمُهَيَّأَةُ لِلْأَسَاسِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ السَّاحَةِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَتَجِيءُ. اهـ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِفِعْلِ الْغَاصِبِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ لَا بِفِعْلِ الْغَاصِبِ بِأَنْ صَارَ الْعِنَبُ زَبِيبًا وَالْخَمْرُ خَلًّا بِنَفْسِهِ وَالْحَلِيبُ جُبْنًا وَالرُّطَبُ تَمْرًا فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَضَمِنَهُ، وَلَوْ صَارَ الْعِنَبُ زَبِيبًا يَجْعَلُهُ مِلْكَهُ كَذَا فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ. اهـ دِرَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّأْرِيبُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: تَأْرِيبُ الشَّاةِ جَعْلُهَا إرَبًا إرَبًا أَيْ عُضْوًا عُضْوًا. اهـ
هُوَ فَائِتٌ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ فِي الْعَيْنِ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ فَكَانَتْ كَسْبًا لَهُ، وَالْكَاسِبُ أَحَقُّ بِكَسْبِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ لَا إلَى الْمَحَلِّ، وَذَاتُ حَقِّهِ قَائِمٌ فَكَانَ التَّرْجِيحُ بِهِ تَرْجِيحًا بِالذَّاتِ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى التَّرْجِيحِ بِالْحَالِ، وَهُوَ الْبَقَاءُ، وَهَذَا تَرْجِيحٌ بِالذَّاتِ، وَهُوَ الْوُجُودُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ التَّرْجِيحُ بِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَالَ قَائِمَةٌ بِالذَّاتِ وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ تَجُوزُ وَتَكُونُ سَبَبًا لِحُصُولِ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ فَمَا ظَنُّك بِالْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ لَا يُفَوِّتُ اسْمَ الشَّاةِ يُقَالُ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ وَشَاةٌ حَيَّةٌ وَالسَّلْخُ وَالتَّأْرِيبُ لَا يَفُوتُ بِهِ الْمَقْصُودُ بِالذَّبْحِ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ تَبْدِيلُ الْعَيْنِ فَبَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَبَدَّلَتْ وَتَجَدَّدَ لَهَا اسْمٌ آخَرُ فَصَارَتْ كَعَيْنٍ أُخْرَى حَصَّلَهَا بِكَسْبِهِ فَيَمْلِكُهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الضَّمَانَ كَيْ لَا يَلْزَمَ مِنْهُ فَتْحُ بَابِ الْغُصُوبِ، وَفِي مَنْعِهِ حَسْمُ مَادَّتِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ «قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام فِي الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا بَعْدَ الطَّبْخِ أَطْعِمُوهَا الْأُسَارَى» ، وَلَوْ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ لَمَا قَالَ ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجُوزَ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْحَسَنِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمهم الله لِوُجُودِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِلتَّصَرُّفِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ كَالتَّمْلِيكِ لِغَيْرِهِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّاهُ، وَنَفَاذُ تَصَرُّفِهِ فِيهِ لِوُجُودِ الْمِلْكِ، وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ شِرَاءً فَاسِدًا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ ثُمَّ إذَا دَفَعَ الْقِيمَةَ إلَيْهِ، وَأَخَذَهُ أَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْقِيمَةِ أَوْ تَرَاضَيَا عَلَى مِقْدَارٍ حَلَّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَالْمَحْظُورُ لِغَيْرِهِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ فِعْلُ الْغَصْبِ عُدْوَانٌ مَحْضٌ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِنِعْمَةِ الْمِلْكِ قُلْنَا لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لَهُ قَصْدًا، وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ سَبَبًا عِنْدَ تَقَرُّرِ الضَّمَانِ بِالِاسْتِهْلَاكِ فِي ضِمْنِ حُكْمِ الضَّمَانِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَالضَّمَانُ حُكْمٌ وَاجِبٌ مَشْرُوعٌ حَسَنٌ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَ مَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِهِ أَيْضًا حَسَنًا؛ لِأَنَّهُ يُرَاعَى صَلَاحِيَّةُ السَّبَبِ فِي الْأَصْلِ لَا فِي التَّبَعِ. تَحْقِيقُ الْكَلَامِ أَنَّ فِعْلَ الْغَاصِبِ الَّذِي هُوَ الزِّرَاعَةُ مَثَلًا لَيْسَ بِمَحْظُورٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحْدَثَ الزَّرْعَ، وَإِنَّمَا الْمَحْظُورُ كَوْنُهُ غَصْبًا، وَهُوَ إزَالَةُ شَيْءٍ عَنْ يَدِ الْمَالِكِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَحْظُورًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إحْدَاثٌ صَلُحَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ فَصَارَ قَوْلُنَا زَرْعُ حِنْطَةٍ مَغْصُوبَةٍ إشَارَةٌ إلَى إحْدَاثِ شَيْءٍ بِآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ بِمَنْزِلَةِ الِاصْطِيَادِ بِقَوْسِ الْغَيْرِ وَالِاحْتِطَابِ بِقَدُومِ الْغَيْرِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَحْصُلُ بِهِ تَبْدِيلُ الْعَيْنِ) فِي الْخُلَاصَةِ: غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا وَسَلَخَهَا وَجَعَلَهَا إرَبًا إرَبًا مَلَكَهَا، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا حَيَّةً أَوْ غَصَبَ حِمَارًا أَوْ بَغْلًا فَقَطَعَ يَدَهُمَا أَوْ رِجْلَهُمَا مَلَكَهُمَا، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا. اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ بَعْدَ الْغَصْبِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالُوا بِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِالذَّبْحِ كَذَا فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ فَنَمْنَعُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ لَا تَصِيرُ مُسْتَهْلَكَةً بِمُجَرَّدِ الذَّبْحِ لِبَقَاءِ الِاسْمِ وَلِهَذَا يُقَالُ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ فَإِذَا أَرَّبَهَا عُضْوًا عُضْوًا بَعْضُهُمْ قَالُوا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا بِزَوَالِ التَّرْكِيبِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ كَذَا فِي الطَّرِيقَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ أَيْضًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِالذَّبْحِ لَمَّا لَمْ تَصِرْ الشَّاةُ مُسْتَهْلَكَةً صَارَ كَأَنَّهُ غَصَبَ شَاةً مَذْبُوحَةً فَقَطَّعَهَا إرَبًا إرَبًا فَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهَا لَمْ تَفُتْ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُقْصَدُ لِلْأَكْلِ، وَبَعْدَ الْقَطْعِ لَمْ يَبْطُلْ هَذَا الْمَعْنَى. اهـ. وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ حَكَى الزَّاهِدِيُّ فِيهِ خِلَافًا. اهـ. (قَوْلُهُ: فَبَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ) كَذَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ) أَيْ لِلْغَاصِبِ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ) أَيْ كَمَا قَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجُوزَ الِانْتِفَاعُ بِهِ) أَيْ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ. اهـ.
وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَأَصْلُ هَذَا الْبَابِ الَّذِي عَمِلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا الْحَدِيثُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَاحْتَجَّ بِهِ وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ وَاحْتَجَّ بِهِ وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فِي كِتَابِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ الْجَرْمِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَارَ قَوْمًا فَذَبَحُوا لَهُ شَاةً فَجَعَلَ يَمْضُغُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَسِيغُهُ فَسَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا شَاةٌ لِفُلَانِ ذَبَحْنَاهَا حَتَّى يَأْتِيَ فَنُرْضِيَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَطْعِمُوهَا الْأُسَارَى» فَلَوْلَا أَنَّ مِلْكَ الْغَاصِبِ زَالَ عَنْهَا لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالتَّصَدُّقِ بِهَا بَلْ أَمَرَ بِبَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا عَلَى الْغَائِبِ، وَعَلَى هَذَا بَنَى أَبُو حَنِيفَةَ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِ الْغَصْبِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي بِالْأَسْرَى الْمُحْتَبَسِينَ كَذَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَالْمَعْقُولُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْغَاصِبَ غَصَبَ الْحِنْطَةَ ثُمَّ اسْتَهْلَكَهَا بِالطَّحْنِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهَا لَا مَحَالَةَ فَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَأَحْرَقَهُ فَصَارَ رَمَادًا فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ بِالِاسْتِهْلَاكِ فَكَذَا هَذَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ أَنَّ اسْمَ الْحِنْطَةِ زَالَ عَنْهَا بَعْدَ الطَّحْنِ، وَكَذَلِكَ زَالَتْ صُورَتُهَا، وَمَعْنَاهَا فَدَلَّ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ أَمَّا إذَا زَالَ الِاسْمُ فَلِأَنَّهَا كَانَتْ تُسَمَّى حِنْطَةً وَالْآنَ تُسَمَّى دَقِيقًا.
وَأَمَّا زَوَالُ الصُّورَةِ فَلِأَنَّ صُورَتَهَا هِيَ الْحَبَّةُ السَّمْرَاءُ وَالْمَشْقُوقَةُ الْبَطْنِ، وَلَمْ تَبْقَ تِلْكَ الصُّورَةُ بَعْدَ الطَّحْنِ، وَأَمَّا مَعْنَاهَا فَلِأَنَّهَا كَانَتْ تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَالْقَلْيِ وَلِطِبْخِ الْهَرِيسَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْآنَ لَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ فَإِذَا ثَبَتَ التَّغَايُرُ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ كَانَ الدَّقِيقُ جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ الْحِنْطَةِ فَيَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ سَبِيلٌ فِي الدَّقِيقِ. وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ الْحِنْطَةَ لَا الدَّقِيقَ فَإِذَا كَانَ عَيْنُهَا مُسْتَهْلَكًا يَلْزَمُهُ مِثْلُهَا، وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ إذَا غَصَبَهَا فَزَرَعَهَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ غَيْرُ الْحِنْطَةِ بِدَلِيلِ تَغَايُرِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى الْمَطْلُوبِ فَصَارَ الْحَادِثُ غَيْرَ مَا كَانَ. اهـ أَتْقَانِيٌّ
؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِطَلَبِهِ فَحَصَلَتْ الْمُبَادَلَةُ بِالتَّرَاضِي.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله فِي الْحِنْطَةِ الْمَزْرُوعَةِ وَالنَّوَاةِ الْمَزْرُوعَةِ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ عِنْدَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُهُمَا الْغَاصِبُ بِضَرْبِهِمَا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ أَوَانِيَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي غَيْرِهِمَا، وَالْجَامِعُ أَنَّهُ أَحْدَثَ فِيهِ الصَّنْعَةَ الْمُتَقَوَّمَةَ، وَفَوَّتَ بَعْضَ مَقَاصِدِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَمْ تَهْلَكْ مِنْ وَجْهٍ مَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَمَعْنَاهُ الثَّمَنِيَّةُ، وَهُوَ أَيْضًا بَاقٍ، وَكَذَا كَوْنُهُ مَوْزُونًا بَاقٍ أَيْضًا حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الرِّبَا بِاعْتِبَارِهِ، وَكَذَا الصَّنْعَةُ فِيهِمَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ أَيْضًا مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: إنَّمَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْ السَّاجَةِ إذَا بَنَى حَوْلَهَا، وَأَمَّا إذَا بَنَى عَلَيْهَا فَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْبِنَاءِ عَلَيْهَا، وَالسَّاجَةُ مِنْ وَجْهٍ كَالْأَصْلِ لِهَذَا الْبِنَاءِ فَيُهْدَمُ لِلرَّدِّ كَمَا إذَا بَنَى فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ كَيْفَمَا كَانَ فَيُهْدَمُ الْبِنَاءُ وَيَأْخُذُ سَاجَتَهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَكَانَ أَحَقَّ بِهِ بِالنَّصِّ، وَعِنْدَنَا انْقَطَعَ حَقُّهُ مُطْلَقًا فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ فِي قَلْعِهِ ضَرَرًا بِالْغَاصِبِ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَضَرَرُ الْمِلْكِ مَجْبُورٌ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا فَصَارَ كَمَا إذَا خَاطَ بِالْخَيْطِ الْمَغْصُوبِ بَطْنَ آدَمِيٍّ أَوْ أَدْخَلَ لَوْحًا مَغْصُوبًا فِي السَّفِينَةِ، وَكَانَتْ فِي لُجَجِ الْبَحْرِ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ السَّاجَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاجَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ فَلَمْ يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ.
قَالَ رحمه الله: (وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا فَاحِشًا ضَمِنَ الْقِيمَةَ وَسَلَّمَ الْمَغْصُوبَ إلَيْهِ أَوْ ضَمِنَ النُّقْصَانَ)، وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ الْجَزُورَ، وَقَطَعَ الْيَدَ أَوْ الرِّجْلَ كَالذَّبْحِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ فَوْتِ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ مِنْ الْحَمْلِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ، وَفَوَاتِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ فِي الثَّوْبِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ تَضْمِينِ جَمِيعِ قِيمَتِهِ وَتَرْكِهِ لَهُ وَبَيْنَ تَضْمِينِ نُقْصَانِهِ، وَأَخْذِهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ إذَا أَخَذَ اللَّحْمَ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ وَالسَّلْخَ زِيَادَةٌ فِيهَا لِانْقِطَاعِ احْتِمَالِ الْمَوْتِ حَتْفَ أَنْفِهَا، وَأَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِلَحْمِهَا بِيَقِينٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ بِاعْتِبَارِ فَوَاتِ بَعْضِ الْأَغْرَاضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا آنِفًا، وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ يَضْمَنُ قَاطِعُ الطَّرَفِ جَمِيعَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ قَطْعِ طَرَفِ الْعَبْدِ حَيْثُ يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ مَعَ أَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا غَصَبَ حِنْطَةً فَزَرَعَهَا أَوْ نَوَاةً فَغَرَسَهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِالْمَغْصُوبِ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ خِلَافًا لِزُفَرَ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ وَقَبْلَ أَنْ يَرْضَى صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْحَبَّةَ صَارَتْ قَصِيلًا وَالنَّوَاةَ صَارَتْ نَخْلًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ غَصْبِ الشَّاةِ، وَذَبْحِهَا وَطَبْخِهَا وَغَصْبِ الْحِنْطَةِ وَطَحْنِهَا حَيْثُ لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ قَبْلَ إرْضَاءِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الشَّاةِ وَالْحِنْطَةِ بَاقِيَةٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِقِيَامِ الْعَيْنِ فِيهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ أَوَانِي) قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي، وَإِنْ غَصَبَ فِضَّةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ أَوْ صَاغَهَا إنَاءً قَالَ يَأْخُذُهَا، وَلَا أَجْرَ لِلْغَاصِبِ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْحَدِيدَ وَالصُّفْرَ؛ لِأَنَّهُ فِضَّةٌ بِعَيْنِهَا لَا يَخْرُجُ مِنْ الْوَزْنِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُعْطِيهِ مِثْلَ قِيمَتِهِ، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ رحمه الله. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَقَالَ زُفَرُ: يُنْقَضُ الْبِنَاءُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ الْجَزُورَ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَكَذَا الْجَزُورُ. اهـ. يَعْنِي إذَا غَصَبَ الْجَزُورَ، وَهِيَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلذَّبْحِ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ الْجَزْرِ، وَهُوَ الْقَطْعُ ثُمَّ ذَبَحَهَا فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا فِي غَصْبِ الشَّاةِ إذَا ذَبَحَهَا إمَّا أَنْ يَأْخُذَ الْعَيْنَ مَعَ نُقْصَانِ الذَّبْحِ، وَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَ الْعَيْنَ وَضَمِنَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْجَزُورَ دَفْعًا لِوَهْمِ مُتَوَهِّمٍ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَتْ الْجَزُورُ مُعَدَّةً لِلذَّبْحِ لَمْ يَكُنْ مَعْنَى الدَّرِّ وَالنَّسْلِ فِيهَا مَطْلُوبًا فَكَيْفَ يَلْزَمُ النُّقْصَانُ بَلْ الذَّبْحُ زِيَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤْخَذُ لِأَجْلِهِ الْعِوَضُ فَأَجَابَ عَنْهُ، وَقَالَ لَا يَتَفَاوَتُ الْحُكْمُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مُعَدًّا لِلذَّبْحِ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ فِي الْحَيَوَانِ نَقْصٌ مِنْ حَيْثُ تَفْوِيتُ الْحَيَاةِ. اهـ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَطْعُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ كَالذَّبْحِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَكَذَا إذَا قَطَعَ يَدَهُمَا أَيْ يَدَ الشَّاةِ وَالْجَزُورِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: أَيْ حُكْمُ قَطْعِ يَدِ الشَّاةِ وَالْجَزُورِ كَحُكْمِ ذَبْحِهِمَا يَعْنِي أَنَّ لِلْمَالِكِ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَيْنَ مَعَ نُقْصَانِ الْقَطْعِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الْعَيْنَ لِلْغَاصِبِ وَضَمَّنَهُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَصْحَابِنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ تَضْمِينَ جَمِيعِ الْقِيمَةِ بِلَا خِيَارٍ.
أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالْكَافِي، وَأَمَّا الدَّابَّةُ إذَا غَصَبَهَا فَقَطَعَ يَدَهَا أَوْ رِجْلَهَا فَلَا يُشْبِهُ أَيْ لَا يُشْبِهُ الْخَرْقَ الْكَثِيرَ فِي الثَّوْبِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا، وَلَيْسَ يَنْتَفِعُ صَاحِبُهَا بِمَا بَقِيَ وَالْغَاصِبُ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الدَّابَّةِ، وَهِيَ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً أَوْ جَزُورًا فَذَبَحَهَا أَوْ قَطَعَ يَدَهَا أَوْ رِجْلَهَا إلَى هُنَا لَفْظُ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ رحمه الله، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَدُهَا أَوْ رِجْلُهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا انْتِفَاعَ الدَّوَابِّ فَصَارَتْ هَالِكَةً فَإِذَا صَارَتْ هَالِكَةً فَالْغَاصِبُ مُسْتَهْلِكٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَتَكُونُ الدَّابَّةُ لَهُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ فَإِنَّ الثَّوْبَ بِالْخَرْقِ الْفَاحِشِ لَا يَكُونُ هَالِكًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ انْتِفَاعَ الثِّيَابِ فَلَا يُضَمِّنُهُ الْقِيمَةَ بِلَا خِيَارٍ بَلْ يَكُونُ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فِي قَطْعِ الطَّرَفِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ تَضْمِينِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ فِيهِمَا بِلَا خِيَارٍ
مُنْتَفَعٌ بِهِ بَعْدَ قَطْعِ الطَّرَفِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ صَالِحٌ لِجَمِيعِ مَا كَانَ صَالِحًا لَهُ قَبْلَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ. وَلَا كَذَلِكَ الدَّابَّةُ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْحَمْلِ، وَلَا لِلرُّكُوبِ بَعْدَ الْقَطْعِ.
قَالَ رحمه الله: (وَفِي الْخَرْقِ الْيَسِيرِ ضَمِنَ نُقْصَانَهُ) يَعْنِي مَعَ أَخْذِ عَيْنِهِ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَنَقَصَ لِذَلِكَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْخَرْقِ الْيَسِيرِ وَالْكَبِيرِ قِيلَ مَا يُوجِبُ نُقْصَانَ رُبْعِ الْقِيمَةِ فَاحِشٌ، وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ، وَقِيلَ الْفَاحِشُ مَا يَنْقُصُ بِهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِاسْتِوَاءِ الْهَالِكِ وَالْقَائِمِ فَيُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَنْ يَمِيلَ إلَى الْهَالِكِ أَوْ الْقَائِمِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ نُقْصَانٌ فِي الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ الْمُطْلَقَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عِبَارَةٌ عَنْ إتْلَافِ جَمِيعِ الْمَنْفَعَةِ وَالِاسْتِهْلَاكُ مِنْ وَجْهٍ عِبَارَةٌ عَنْ تَفْوِيتِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ وَالنُّقْصَانُ عِبَارَةٌ عَنْ تَعْيِيبِ الْمَنَافِعِ مَعَ بَقَائِهَا، وَهُوَ تَفْوِيتُ الْجَوْدَةِ لَا غَيْرُ، وَلَا عِبْرَةَ بِقِيَامِ أَكْثَرِ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ الرُّجْحَانَ إنَّمَا يُطْلَبُ إذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا، وَمَتَى أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا لَا يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ، وَلَا يَشْتَغِلُ بِهِ، وَهُنَا أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الِاسْتِهْلَاكِ وَالنُّقْصَانِ بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ الرَّاجِحُ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْفَاحِشَ هُوَ الْمُسْتَأْصِلُ لِلثَّوْبِ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الثَّوْبَ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْخِرَقِ، وَلَا يُرْغَبُ فِي شِرَائِهِ، وَعَزَاهُ إلَى الْحَلْوَانِيِّ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْخَرْقِ فِي الثَّوْبِ مِنْ تَخْيِيرِ الْمَالِكِ إذَا كَانَ الْخَرْقُ فَاحِشًا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَيْنٍ مِنْ الْأَعْيَانِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فَإِنَّ التَّعْيِيبَ هُنَاكَ فَاحِشًا كَانَ أَوْ يَسِيرًا كَانَ لِصَاحِبِهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ الْعَيْنَ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ الْعَيْنَ وَيُضَمِّنَهُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا هَذَا إذَا قَطَعَ الثَّوْبَ، وَلَمْ يُجَدِّدْ فِيهِ صَنْعَةً، وَأَمَّا إذَا جَدَّدَ فِيهِ صَنْعَةً بِأَنْ خَاطَهُ قَمِيصًا مَثَلًا فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهُ عِنْدَنَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ.
قَالَ رحمه الله: (وَلَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى فِي أَرْضِ الْغَيْرِ قُلِعَا وَرُدَّتْ) أَيْ قُلِعَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَرُدَّتْ الْأَرْضُ إلَى صَاحِبِهَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» أَيْ لَيْسَ لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ وَصَفَ الْعِرْقَ بِصِفَةِ صَاحِبِهِ، وَهُوَ الظُّلْمُ، وَهُوَ مِنْ الْمَجَازِ كَمَا يُقَالُ صَامَ نَهَارَهُ، وَقَامَ لَيْلَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4]؛ وَلِأَنَّ الْأَرْضَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ إذْ لَمْ تَصِرْ مُسْتَهْلَكَةً، وَلَا مَغْصُوبَةً حَقِيقَةً، وَلَا وُجِدَ فِيهَا شَيْءٌ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْغَاصِبِ فَيُؤْمَرُ بِتَفْرِيغِهَا وَرَدِّهَا إلَى مَالِكِهَا كَمَا إذَا أَشْغَلَ ظَرْفَ غَيْرِهِ بِالطَّعَامِ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاحَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَةَ السَّاحَةِ فَيَأْخُذُهَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ ابْتَلَعَتْ دَجَاجَةٌ لُؤْلُؤَةً يُنْظَرُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ قِيمَةً فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَ وَيَضْمَنَ قِيمَةَ الْآخَرِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَدْخَلَ فَصِيلُ غَيْرِهِ فِي دَارِهِ، وَكَبِرَ فِيهَا، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِهَدْمِ الْجِدَارِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَدْخَلَ الْبَقَرُ رَأْسَهُ فِي قِدْرٍ مِنْ النُّحَاسِ فَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ.
قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِالْقَلْعِ ضَمِنَ لَهُ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مَقْلُوعًا وَيَكُونُ لَهُ) أَيْ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تُنْتَقَصُ بِالْقَلْعِ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَضْمَنَ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ مَقْلُوعًا وَيَكُونَانِ لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَتَعَيَّنَ فِيهِ النَّظَرُ لَهُمَا، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ مَقْلُوعًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْقَلْعِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ فِيهَا فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَقْلُوعًا، وَكَيْفِيَّةُ مَعْرِفَتِهَا أَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ وَبِهَا بِنَاءٌ أَوْ شَجَرٌ اُسْتُحِقَّ قَلْعُهُ أَيْ أُمِرَ بِقَلْعِهِ وَتُقَوَّمُ وَحْدَهَا لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ، وَلَا غَرْسٌ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا كَذَا قَالُوا، وَهَذَا لَيْسَ بِضَمَانٍ لِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا بَلْ هُوَ ضَمَانٌ لِقِيمَتِهِ قَائِمًا مُسْتَحَقُّ الْقَلْعِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ضَمَانًا لِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا أَنْ لَوْ قُوِّمَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ مَقْلُوعًا مَوْضُوعًا فِي الْأَرْضِ بِأَنْ يُقَدَّرَ الْغَرْسُ حَطَبًا وَالْبِنَاءُ آجُرًّا أَوْ لَبِنًا أَوْ حِجَارَةً مُكَوَّمَةً عَلَى الْأَرْضِ فَيُقَوَّمُ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضَمَّ إلَى الْأَرْضِ فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ الْحَطَبِ وَالْحِجَارَةِ الْمُكَوَّمَةِ دُونَ الْمَبْنِيَّةِ.
قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ صَبَغَ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ، وَمِثْلُ السَّوِيقِ أَوْ أَخَذَهُمَا وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ) يَعْنِي إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ، وَمِثْلُ السَّوِيقِ، وَإِنْ شَاءَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
، وَقَدْ مَرَّ قَبْلَ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ صَالِحٌ لِجَمِيعِ مَا كَانَ صَالِحًا لَهُ) فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ بَعْدَ قَطْعِ طَرَفِهِ فِي بَعْضِ الْمَنَافِعِ. اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ.
(قَوْلُهُ: وَقَامَ لَيْلَهُ) وَصَفَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالْأَمْرُ بِصِفَةِ صَاحِبِهِ. اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ
(قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ، وَمِثْلُ السَّوِيقِ) قَالَ فِي الْكَنْزِ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ وَلَوْ قَصَّرَهُ أَوْ حَمَلَهُ بِمَالِهِ، وَقِيلَ لَهُ اعْمَلْ بِرَأْيِك فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِيمَا أَنْفَقَ، وَإِنْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ فَهُوَ شَرِيكٌ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَلَا يَضْمَنُ. اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ قَصَّرَ يَضِيعُ مَالُهُ، وَلَوْ صَبَغَ لَا يَضِيعُ فَهَهُنَا أَوْلَى وَلِهَذَا لَوْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَ مَجَّانًا بَلْ يَتَخَيَّرُ رَبُّ الثَّوْبِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ، وَأَعْطَاهُ قِيمَةَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لَا يَوْمَ الِاتِّصَالِ بِثَوْبِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ جَمِيعَ قِيمَةِ الثَّوْبِ أَبْيَضَ يَوْمَ صَبْغِهِ وَتَرَكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا يَكُونُ شَرِيكًا بِقَدْرِ مَالِهِ. اهـ. وَقَدْ نَقَلْت عِبَارَتَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا وَأَفْيَدَ. اهـ. قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ هَهُنَا أَيْ الْمُضَارِبُ. اهـ. وَقَوْلُهُ يَكُونُ شَرِيكًا بِقَدْرِ مَالِهِ أَيْ كَالْغَاصِبِ. اهـ.