المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَبِنْتٌ يُقْسَمُ نَصِيبُ الْمُقِرَّيْنِ أَخْمَاسًا وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا، وَالتَّخْرِيجُ ظَاهِرٌ، وَلَوْ - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٥

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْإِقْرَارِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ)

- ‌(بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ)

- ‌(كِتَابُ الصُّلْحِ)

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ جَائِزٌ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ]

- ‌(بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ)

- ‌[فَصْلٌ دَيْنٌ بَيْنَهُمَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ لِشَرِيكِهِ]

- ‌(كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ)

- ‌(بَابُ الْمُضَارِبِ يُضَارِبُ)

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلُهُ الْمُضَارِبُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ]

- ‌(كِتَابُ الْوَدِيعَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْعَارِيَّةِ)

- ‌(كِتَابُ الْهِبَةِ)

- ‌(بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)

- ‌[فَصْلٌ وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌(بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا)

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌(بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ)

- ‌(بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ)

- ‌(كِتَابُ الْمُكَاتَبِ)

- ‌[بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ]

- ‌[ فَصْلٌ وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا]

- ‌[بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ]

- ‌{بَابٌ مَوْتُ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزُهُ وَمَوْتُ الْمَوْلَى}

- ‌[كِتَابُ الْوَلَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ أَسْلَمَ رَجُلٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ]

- ‌[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجْرِ]

- ‌[ فَصْلٌ حُرْمَةُ طَرَفِ الْإِنْسَانِ]

- ‌[إقْرَار الصَّبِيّ وَالْمَجْنُون فِي الْحَجَر]

- ‌[فَصْلٌ بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَأْذُونِ]

- ‌(فَصْلٌ) غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ

- ‌(كِتَابُ الْغَصْبِ)

- ‌[ فَصْلٌ غَيَّبَ الْمَغْصُوبَ]

- ‌(كِتَابُ الشُّفْعَةِ)

- ‌(بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ)

- ‌(بَابُ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَمَا لَا تَجِبُ)

- ‌(بَابُ مَا تَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ)

- ‌(كِتَابُ الْقِسْمَةِ)

- ‌[مَا تَشْتَمِل عَلَيْهِ الْقِسْمَة]

- ‌[الْإِجْبَار عَلَى الْقِسْمَة]

- ‌(كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ)

- ‌[شُرُوط صِحَّة الْمُزَارَعَة]

- ‌[مَاتَ الْمَزَارِع قَبْل الزَّرْع]

- ‌(كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ)

- ‌[مَا تَصِحّ فِيهِ الْمُسَاقَاة]

- ‌[كِتَابُ الذَّبَائِحِ]

- ‌[تفسخ الْمُسَاقَاة بِالْعُذْرِ]

- ‌[التَّسْمِيَة عِنْد الذَّبْح]

- ‌[ مَوْضِع الذَّبْح]

- ‌[حَدّ الشَّفْرَة قَبْل الذَّبْح]

- ‌ النَّخْعُ وَقَطْعُ الرَّأْسِ وَالذَّبْحُ مِنْ الْقَفَا)

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ]

- ‌[أَكُلّ الْأَرْنَب]

- ‌ذَبْحُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُطَهِّرُ لَحْمَهُ

- ‌[مَا يَحِلّ مِنْ حَيَوَان الْمَاء]

- ‌[مَا يَحِلّ بِلَا ذكاة]

الفصل: وَبِنْتٌ يُقْسَمُ نَصِيبُ الْمُقِرَّيْنِ أَخْمَاسًا وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا، وَالتَّخْرِيجُ ظَاهِرٌ، وَلَوْ

وَبِنْتٌ يُقْسَمُ نَصِيبُ الْمُقِرَّيْنِ أَخْمَاسًا وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا، وَالتَّخْرِيجُ ظَاهِرٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِامْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِيهِ أَخَذَتْ ثُمُنَ مَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِجَدَّةٍ هِيَ أُمُّ الْمَيِّتِ أَخَذَتْ سُدُسَ مَا فِي يَدِهِ فَيُعَامَلُ فِيمَا فِي يَدِهِ كَمَا يُعَامَلُ لَوْ ثَبَتَ مَا أَقَرَّ بِهِ وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ بِزَوْجَةٍ لِلْمَيِّتِ أَخَذَتْ تُسْعَيْ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ التَّرِكَةَ بَيْنَهُمْ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ سَهْمًا لِلزَّوْجَةِ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ ابْنٍ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ، فَلَمَّا أَخَذَ أَخُوهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِمَا صَارَ ذَلِكَ كَالْهَالِكِ فَتَضْرِبُ هِيَ بِقَدْرِ حَقِّهَا وَهُوَ سَهْمَانِ وَيَضْرِبُ الِابْنُ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَهُوَ سَبْعَةٌ فَيَحْصُلُ لَهَا سَهْمَانِ مِنْ تِسْعَةٍ وَلَهُ سَبْعَةٌ، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى لَهَا ثُمُنُ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ إنَّمَا يَصِحُّ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ يَعْنِي مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ، وَلَهُ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ تَرَكَ ابْنَيْنِ وَلَهُ عَلَى آخَرَ مِائَةٌ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِقَبْضِ أَبِيهِ خَمْسِينَ مِنْهَا فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ)؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ غَيْرُ الدَّيْنِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ يَتَقَاصَّانِ فَإِذَا كَذَّبَهُ أَخُوهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ فَيَنْفُذُ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً فَوَجَبَ عَلَى الْمَيِّتِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا عَلَى زَعْمِهِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَاسْتَغْرَقَ نَصِيبَهُ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا كَمَا إذَا أَقَرَّ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ آخَرَ وَكَذَّبَهُ أَخُوهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ أَخَاهُ فِي الْخَمْسِينَ وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَلَى أَخِيهِ لَرَجَعَ أَخُوهُ عَلَى الْغَرِيمِ بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى زَعْمِهِ ثُمَّ رَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْمُقِرِّ بِمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِينَ مِمَّا أَخَذَهُ مِنْ أَخِيهِ الْمُكَذِّبِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ، وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ الْمُقِرَّ يَحْصُلُ لَهُ نِصْفُ الْخَمْسِينَ؛ لِأَنَّهُ يَصْرِفُ الْإِقْرَارَ إلَى الْكُلِّ شَائِعًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَخِيهِ، فَإِقْرَارُهُ فِي حَقِّهِ مَقْبُولٌ فَيَصِحُّ وَفِي حَقِّ أَخِيهِ لَا يُقْبَلُ فَلَا يَصِحُّ، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ كُلَّ الدَّيْنِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ جَوَابُهُ كَالْأُولَى إلَّا أَنَّهُ هُنَا يُحَلِّفُ الْمُنْكِرَ لِحَقِّ الْمَدِينِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَبَضَ الدَّيْنَ فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ، وَإِنْ حَلَفَ دُفِعَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَا يَحْلِفُ لِحَقِّ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ كُلَّهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحْلِيفِهِ وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إلَّا النِّصْفُ فَيُحَلِّفُهُ، وَلَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِائَةً أُخْرَى غَيْرَ الدَّيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَاقْتَسَمَاهَا رَجَعَ الْمُكَذِّبُ عَلَى الْغَرِيمِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْمِائَةِ الدَّيْنِ لِمَا قُلْنَا وَلِلْغَرِيمِ أَنْ يُحَلِّفَهُ لِمَا بَيَّنَّا فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ، وَإِنْ حَلَفَ أَخَذَ نَصِيبَهُ، وَهُوَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا مِنْ الْغَرِيمِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ بِذَلِكَ عَلَى الْمُقِرِّ يَأْخُذُهُ مِنْهُ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِقَبْضِ أَبِيهِ الْمِائَةَ فَقَدْ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ، وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(كِتَابُ الصُّلْحِ)

قَالَ رحمه الله (هُوَ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ) هَذَا فِي الشَّرْعِ وَفِي اللُّغَةِ هُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمُصَالَحَةِ، وَهُوَ الْمُسَالَمَةُ خِلَافُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ)، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمِائَةَ صَارَتْ مِيرَاثًا بَيْنَهُمَا فَلَمَّا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِاقْتِضَاءِ أَبِيهِ صَحَّ ذَلِكَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً لَا فِي نَصِيبِ أَخِيهِ فَبَقِيَتْ حِصَّةُ الْآخَرِ كَمَا كَانَتْ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمُقِرَّ اسْتَوْفَى نَصِيبَهُ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضِ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَيَجِبُ لِلْمَطْلُوبِ عَلَى الطَّالِبِ بِقَبْضِ الطَّالِبِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لِلطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا فَيَسْقُطُ مَا عَلَى الْمَطْلُوبِ فَإِذَا كَذَّبَهُ أَخُوهُ فِي الْإِقْرَارِ لَمْ يَنْفُذْ الْإِقْرَارُ عَلَى الْمُنْكِرِ فَيَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ خَاصَّةً فَيَسْقُطُ نَصِيبُ الْمُقِرِّ وَأَوْرَدَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ يَزْعُمُ هَذَا الْمُقِرُّ أَنَّ أَبَاهُ قَدْ قَبَضَ الْخَمْسِينَ، وَالْخَمْسُونَ الْبَاقِيَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ فِي الْكُلِّ قِيلَ لَهُ: لَوْ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْخَمْسِينَ شَيْئًا أَدَّى ذَلِكَ إلَى الدَّوْرِ وَالتَّنَاقُصِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ كَانَ لِلِابْنِ الْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَطْلُوبِ تَمَامَ الْخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ الِابْنَ الْمُنْكِرَ يَقُولُ لَمْ يَأْخُذْ أَبِي مِنْ الدَّيْنِ شَيْئًا وَلِي تَمَامُ خَمْسِينَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْغَرِيمِ بِتَمَامِ خَمْسِينَ ثُمَّ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الِابْنِ الْمُقِرِّ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ أَخِيهِ وَإِذَا كَانَ يُؤَدِّي إلَى هَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيمَا قَبَضَ الْمُنْكِرُ مِنْ الْخَمْسِينَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَلَى أَخِيهِ) أَيْ وَأَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ الْخَمْسِينَ الَّتِي قَبَضَهَا مِنْ الْغَرِيمِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ) أَقُولُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِتَمَامِ الْخَمْسِينَ إذْ لَا حَقَّ لِلْأَخِ الْمُنْكِرِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِينَ حَتَّى يَكُونَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ اهـ

[كِتَابُ الصُّلْحِ]

(كِتَابُ الصُّلْحِ) قَدْ مَرَّ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الصُّلْحِ وَالْإِقْرَارِ بِالدَّعْوَى فِي أَوَّلِ الْإِقْرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هُوَ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ) رُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ مَالًا مَعْلُومًا إنْ اُحْتِيجَ إلَى قَبْضِهِ وَإِلَّا لَا يُشْتَرَطُ مَعْلُومِيَّتُهُ، فَإِنَّ مَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِبَلَهُ حَقًّا فِي حَانُوتِهِ فَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يَتْرُكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَعْوَاهُ قِبَلَ صَاحِبِهِ، صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْدَارَ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي. وَجَوَازُهُ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] عُرِّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ صُلْحٍ خَيْرًا وَكُلُّ خَيْرٍ مَشْرُوعٌ اهـ سَيِّدٌ

وَقَالَ الْكَاكِيُّ وَشَرْطُ الصُّلْحِ كَوْنُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَالْقِصَاصِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حَقًّا لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهُ، وَكَوْنُ بَدَلِ الصُّلْحِ مَالًا مَعْلُومًا إنْ اُحْتِيجَ إلَى قَبْضِهِ وَإِلَّا لَا تُشْتَرَطُ مَعْلُومِيَّتُهُ فَإِنَّ مَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فِي حَانُوتِهِ فَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يَتْرُكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَعْوَاهُ قِبَلَ صَاحِبِهِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ كُلُّ وَاحِدٍ حَقَّهُ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُسَالَمَةُ) أَيْ بَعْدَ الْمُحَارَبَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ

ص: 29

الْمُخَاصَمَةُ وَأَصْلُهُ مِنْ الصَّلَاحِ، وَهُوَ ضِدُّ الْفَسَادِ، وَمَعْنَاهُ دَالٌّ عَلَى حُسْنِهِ الذَّاتِيِّ وَكَمْ مِنْ فَسَادٍ انْقَلَبَ بِهِ إلَى الصَّلَاحِ بِحُسْنِهِ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِنْدَ حُصُولِ الْفَسَادِ وَالْفِتَنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] قَالُوا مَعْنَاهُ جِنْسُ الصُّلْحِ خَيْرٌ وَلَا يَعُودُ إلَى الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّعْلِيلِ، وَالْعِلَّةُ لَا تَتَقَيَّدُ بِمَحَلِّ الْحُكْمِ فَيُعْلَمُ بِهَذَا أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ إطْفَاءَ النَّائِرَةِ بَيْنَ النَّاسِ وَرَفْعَ الْمُنَازَعَاتِ الْمُوبِقَاتِ عَنْهُمْ، وَهِيَ ضِدُّ الْمُصَالَحَةِ وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنَازَعُوا} [الأنفال: 46] وَفِي تَرْكِ الصُّلْحِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ طَلَبَ جَمِيعِ مَا يَسْتَحِقُّهُ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى الْإِنْكَارِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْإِعْسَارِ، وَفِيهِ فَسَادٌ عَظِيمٌ بَعْدَ الْإِنْكَارِ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تَكْثُرُ الْعَدَاوَةُ وَتَهِيجُ الْفِتَنُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالشُّهُودِ وَالْقَاضِي وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ «رُدُّوا الْخُصُومَ كَيْ يَصْطَلِحُوا»

وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ رحمه الله لَا يَعْمَلُ الشَّيْطَانُ فِي إيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ فِي بَنِي آدَمَ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ مِنْ إبْطَالِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ فِي مَنْعِ هَذَا الصُّلْحِ فَتْحَ بَابِ الْمُنَازَعَاتِ وَإِثَارَةَ النَّائِرَاتِ بَيْنَ النَّاسِ وَإِقَامَةَ الْفِتَنِ وَالْمُكَايَدَاتِ، أَلَا تَرَى إلَى مَا حُكِيَ أَنَّ فِتْنَةً وَقَعَتْ فِي قَبِيلَةٍ بِسَبَبِ تُهْمَةِ غُلَامٍ فَهَاجَتْ بَيْنَهُمْ حَتَّى قُتِلَ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ أَلْفًا فَامْتَدَّتْ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ إلَى أَنْ وَقَعَ الصُّلْحُ فَانْطَفَأَتْ النَّائِرَةُ؛ وَلِأَنَّ الْعُقُودَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِلْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ أَمَسُّ لِدَفْعِ الشَّرِّ فَكَانَ أَوْلَى بِهِ قَالَ رحمه الله (، وَهُوَ جَائِزٌ بِإِقْرَارٍ وَسُكُوتٍ، وَإِنْكَارٍ) لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «كُلُّ صُلْحٍ جَائِزٌ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا»

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ مِنْ الصَّلَاحِ) أَيْ وَهُوَ اسْتِقَامَةُ الْحَالِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ قَالُوا مَعْنَاهُ جِنْسُ الصُّلْحِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِنْ قُلْت لَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِالْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْجِنْسَ لَا الْعَهْدَ وَقَدْ وُجِدَ دَلِيلُ الْعَهْدِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] أَيْ ذَلِكَ الصُّلْحُ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا صَرْفُهُ إلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّ مَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصُّلْحِ لَا يَجُوزُ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَصُلْحُ الْمُودَعِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَإِذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ قَذْفًا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ، وَكَذَا إذَا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا فَأَنْكَرَتْ فَصَالَحَتْ عَلَى مَالٍ لَا يَجُوزُ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ صَرْفُهُ إلَى الْكُلِّ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْأَدْنَى لِتَيَقُّنِهِ وَهُوَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ قُلْت التَّعَلُّقُ بِالْآيَةِ صَحِيحٌ لِدُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهِيَ مُطْلَقَةٌ لَا فَصْلَ فِيهَا وَحَمْلُهُ عَلَى الْعَهْدِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالصُّلْحِ وَعَلَّلَ بِكَوْنِهِ خَيْرًا وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ وَكَأَنَّهُ قَالَ صَالِحُوا فَإِنَّ الصُّلْحَ خَيْرٌ يَعْنِي جِنْسَ الصُّلْحِ خَيْرٌ كَمَا يُقَالُ صَلِّ وَالصَّلَاةُ خَيْرٌ أَيْ جِنْسُ الصَّلَاةِ خَيْرٌ، غَايَةُ مَا فِي الْبَاب أَنَّهُ انْصَرَفَ إلَى الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا، وَلَكِنَّهُ وَصَفَهُ تَعَالَى بِكَوْنِهِ خَيْرًا؛ لِأَنَّهُ صُلْحٌ فَكُلُّ مَا يَكُونُ صُلْحًا يَكُونُ خَيْرًا، وَأَيْضًا قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ نُشُوزَ الزَّوْجِ وَالْإِعْرَاضَ قَدْ يَكُونُ عَنْ إنْكَارِ حَقِّهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ صُلْحًا عَلَى الْإِنْكَارِ وَمَعَ ذَلِكَ جَازَ وَقَوْلُهُمْ لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى الْجِنْسِ كُلِّهِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ نَقُولُ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ مَا لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِالْإِطْلَاقِ بَلْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تُرِكَ الْعَمَلُ بِالْإِطْلَاقِ بِدَلِيلِ التَّقْيِيدِ وَوُجُودُهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ فِي كُلِّ الْمَوَاضِعِ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الْعَمَلَ بِالْإِطْلَاقِ فِيمَا وَرَاءَ دَلِيلِ التَّقْيِيدِ وَقَدْ تَأَيَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» اهـ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ

(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ الصُّلْحُ مَعَ الْمُودَعِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ إذَا ادَّعَى صَاحِبُ الْمَالِ الْإِيدَاعَ وَجَحَدَ الْمُودَعُ وَالثَّانِي إذَا ادَّعَى صَاحِبُ الْمَالِ الْإِيدَاعَ وَالِاسْتِهْلَاكَ وَالْمُودَعُ أَقَرَّ بِالْإِيدَاعِ وَسَكَتَ وَلَمْ يَدَّعِ الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ وَفِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الصُّلْحُ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ، وَالثَّالِثُ إذَا قَالَ الْمُودَعُ هَلَكْت، أَوْ رَدَدْتُ وَصَاحِبُ الْمَالِ سَاكِتٌ، أَوْ قَالَ لَا أَدْرِي فَاصْطَلَحَا لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُوسُفَ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله وَالرَّابِعُ إذَا قَالَ الْمُودَعُ ضَاعَتْ، أَوْ رَدَدْتُ وَقَالَ الْمَالِكُ لَا بَلْ اسْتَهْلَكْتَ فَاصْطَلَحَا لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ قَالَ أُسْتَاذُنَا فَخْرُ الدِّينِ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَيْضًا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا إذَا قَالَ الْمَالِكُ اسْتَهْلَكْتَهَا

وَقَالَ الْمُودَعُ ضَاعَتْ أَوْ رَدَدْتُ أَوْ قَالَ الْمُودَعُ ضَاعَتْ، أَوْ رَدَدْتُ وَقَالَ الْمُودِعُ اسْتَهْلَكْتَهَا وَذَكَرُوا الْخِلَافَ فِيهِمَا جَمِيعًا وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ إذَا قَالَ الْمُودِعُ أَوَّلًا اسْتَهْلَكْتَهَا وَقَالَ الْمُودَعُ ضَاعَتْ، أَوْ رَدَدْتُ يَجُوزُ الصُّلْحُ فِي قَوْلِهِمْ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَهُوَ جَائِزٌ بِإِقْرَارٍ) قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ وَالْمُرَادُ بِجَوَازِ الصُّلْحِ اعْتِبَارُهُ فِي إثْبَاتِ مِلْكِ الْمُدَّعِي فِي بَدَلِ الصُّلْحِ وَانْقِطَاعِ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبُطْلَانِ حَقِّ الدَّعْوَى فِي أَصْلِ الْمُدَّعَى وَالْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ هَذَا بَذْلُ الْمَالِ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي لِقِيَامِ أَمَارَةِ ثُبُوتِ الْحَقِّ فِي حَقِّهِ وَبَذْلُ الْمَالِ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ وَصِيَانَةِ النَّفْسِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَسُكُوتٍ) أَيْ وَهُوَ أَنْ لَا يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يُنْكِرَ اهـ وَوَجْهُ حَصْرِ الصُّلْحِ فِي الثَّلَاثَةِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُجِيبَ لِدَعْوَى الْمُدَّعِي، أَوْ لَا وَالثَّانِي هُوَ السُّكُوتُ وَالْأَوَّلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ وَلَا ثَالِثَ لَهُمَا فَانْحَصَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ لَا مَحَالَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ «كُلُّ صُلْحٍ جَائِزٌ» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ اهـ

ص: 30

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ مَعَ الْإِنْكَارِ وَالسُّكُوتِ لِمَا رَوَيْنَا، وَهَذَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ كَانَ حَلَالًا لِلدَّافِعِ حَرَامًا عَلَى الْآخِذِ فَبِالصُّلْحِ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ فَيَكُونُ حَرَامًا عَلَى الدَّافِعِ حَلَالًا عَلَى الْآخِذِ، أَوْ نَقُولُ إنَّ الْمُدَّعِيَ إنْ كَانَ مُحِقًّا كَانَ أَخْذُ الْمُدَّعَى حَلَالًا لَهُ قَبْلَ الصُّلْحِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ بِالصُّلْحِ، وَإِنْ كَانَ مُبْطِلًا فَقَدْ كَانَ أَخْذُ الْمَالَ عَلَى الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ حَرَامًا عَلَيْهِ قَبْلَ الصُّلْحِ وَحَلَّ لَهُ بِالصُّلْحِ فَصَارَ صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا؛ وَلِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدْفَعُ الْمَالَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا رِشْوَةٌ فَإِذَا كَانَ التَّمْلِيكُ رِشْوَةً كَانَ التَّمَلُّكُ قَبُولَ الرِّشْوَةِ إذْ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي مَلَكَ فَيَكُونُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعًا لِدَفْعِ الظُّلْمِ وَالْمُدَّعِي آخِذًا لِتَرْكِ الظُّلْمِ قُلْنَا لَيْسَ هَذَا بِمُرَادِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الصُّلْحِ مَعَ الْإِقْرَارِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ يَقَعُ عَادَةً عَلَى مَا دُونَ حَقِّهِ فَمَا زَادَ عَلَى الْمَأْخُوذِ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ كَانَ حَلَالًا لِلْمُدَّعِي أَخْذُهُ قَبْلَ الصُّلْحِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ بِالصُّلْحِ، وَكَانَ حَرَامًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْعُهُ قَبْلَ الصُّلْحِ وَحَلَّ لَهُ ذَلِكَ بَعْدُ

وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ هَذَا الْمَعْنَى لَمَا صَحَّ مُطْلَقًا بَلْ الْبَيْعُ أَيْضًا يَكُونُ حَرَامًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَالُهُ كَانَ حَلَالًا لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ، وَكَذَا سَائِرُ الْعُقُودِ الْمَشْرُوعَةِ فَيُؤَدِّي هَذَا إلَى تَحْرِيمِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ بِأَسْرِهَا، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ عليه الصلاة والسلام أَنْ يُسْتَبَاحَ بِالصُّلْحِ مَا لَيْسَ بِمُبَاحٍ شَرْعًا أَوْ يُحَرَّمَ مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ أَوْ تُصَالِحَ إحْدَى الضَّرَّتَيْنِ زَوْجَهَا عَلَى أَنْ لَا يَطَأَ الْأُخْرَى أَوْ أَمَتَهُ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى زَعْمِهِمْ بِالصُّلْحِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام ذَكَرَ الْحَرَامَ وَالْحَلَالَ مُطْلَقًا وَالْمُطْلَقُ مِنْهُمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ حَرَامًا أَوْ حَلَالًا لِعَيْنِهِ

وَقَوْلُهُ رِشْوَةٌ وَتَمَلُّكُهُ قَبُولٌ لِلرِّشْوَةِ إلَى آخِرِهِ لَا يَسْلَمُ بَلْ هُوَ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي هُوَ عَيْنُ حَقِّهِ أَوْ بَدَلُهُ فَهُوَ حَلَالٌ لَهُ أَخْذُهُ وَأَكْلُهُ وَفِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ أَيْضًا حَلَالٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمْ يُخْلَقْ إلَّا لِذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله إنَّ أَجْوَزَ مَا يَكُونُ مِنْ الصُّلْحِ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الصُّلْحِ فِيهِ يَتَحَقَّقُ عَلَى التَّمَامِ، وَهُوَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَالْخُصُومَةِ وَالْفَسَادِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْهَا وَأَمَّا مَعَ الْإِقْرَارِ فَلَا يُؤْخَذُ فِيهِ مَعْنَى الصُّلْحِ عَلَى التَّمَامِ إذْ لَيْسَ فِيهِ مُنَازَعَةٌ حَتَّى يَحْتَاجَ فِيهِ إلَى الصُّلْحِ بَلْ هُوَ اسْتِيفَاءٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِسْقَاطٌ لِلْبَاقِيَّ إنْ أَخَذَ بَعْضَ حَقِّهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ خِلَافِهِ فَهُوَ بَيْعٌ عَنْ طَوْعٍ مِنْهُ وَاخْتِيَارٍ، وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ رِشْوَةٌ فَهِيَ جَائِزَةٌ لِلدَّافِعِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الذَّمِّ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» الْمُرَادُ بِهِ إذَا كَانَ هُوَ الظَّالِمُ فَيَدْفَعُهَا إلَى بَعْضِ الظَّلَمَةِ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الظُّلْمِ بِالرِّشْوَةِ

وَأَمَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا شُبْهَةَ فِيهِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ أَيْضًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْيَتِيمِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَضِرَ عليه السلام خَرَقَ السَّفِينَةَ كَيْ لَا يَأْخُذَهَا الظَّالِمُ وَمَا كَانَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ إلَّا الْإِصْلَاحَ، وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُصْلِحَ مِنْ الْمُفْسِدِ، وَقَوْلُهُ إذْ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي مَلَكَ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ اتِّحَادَ جِهَةِ التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ بَلْ قَدْ تَخْتَلِفُ الْجِهَةُ بَيْنَهُمَا كَمَنْ أَقَرَّ بِعِتْقِ عَبْدِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَإِنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْبَائِعِ حَتَّى يُجْبَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى الثَّمَنِ فِدَاءٌ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي إذْ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا عَلَى زَعْمِهِ، وَقِبْلَةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي التَّحَرِّي مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَالْخُلْعُ يَمِينٌ فِي حَقِّهِ مُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّهَا، وَكَذَا الْفَسْخُ بِالْإِقَالَةِ فَإِنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ.

قَالَ رحمه الله (فَإِنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ بِإِقْرَارٍ اُعْتُبِرَ بَيْعًا)؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ قَدْ وُجِدَ فِيهِ، وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَنْ تَرَاضٍ فَتَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْبُيُوعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الصُّلْحِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَشْبَهِ الْعُقُودِ لَهُ فَتَجْرِيَ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّورِ؛ وَلِهَذَا جُعِلَتْ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بَيْعًا، وَالْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةً وَالْحَوَالَةُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ الْأَصِيلُ كَفَالَةً ثُمَّ إذَا وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ يُنْظَرْ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِ الْمُدَّعَى فَهُوَ بَيْعٌ وَشِرَاءٌ كَمَا ذَكَرْنَا هُنَا، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى جِنْسِهِ فَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى فَهُوَ حَطٌّ وَإِبْرَاءٌ، وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِهِ فَهُوَ قَبْضٌ وَاسْتِيفَاءٌ، وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَهُوَ فَضْلٌ وَرِبًا قَالَ رحمه الله (فَتَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَالرَّدُّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِي» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ) رَوَى مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا دِينَارَيْنِ قَالَ مُحَمَّدٌ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَلَيْسَ هَذَا بِسُحْتٍ إلَّا عَلَى مَنْ أَكَلَهُ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَاهُ لِمَنْفَعَتِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا إنْ رَشَا إنْسَانًا يَخَافُ ظُلْمَهُ وَحَبْسَهُ فَلَا بَأْسَ لِلرَّاشِي وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْمُرْتَشِي قَالَ مُحَمَّدٌ بَلَغَنَا عَنْ الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ مَا وَجَدْنَا فِي زَمَنِ الْحَجَّاجِ، أَوْ زِيَادٍ، أَوْ ابْنِ زِيَادٍ شَيْئًا خَيْرًا لَنَا مِنْ الرِّشَا قَالَ مُحَمَّدٌ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ لِلْمُعْطِي؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ الظِّلَامَةَ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْآخِذِ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) رَوَاهُ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ كَيْ لَا يَأْخُذُهَا الظَّالِمُ) أَجَازَ التَّعْيِيبَ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى مَخَافَةَ أَخْذِ الْمُتَغَلِّبِ كَذَا فِي أَحْكَامِ الصَّفَّارِ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ رَشَا لِدَفْعِ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ خَوْفًا عَلَى نِسَائِهِ، أَوْ أَعْطَى مَالَهُ لِشَاعِرٍ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُصْلِحَ مِنْ الْمُفْسِدِ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ لَمْ يُرِدْ الشَّارِحُ التِّلَاوَةَ وَلِذَا قَدَّمَ الْمُصْلِحَ اهـ

(قَوْلُهُ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ) أَيْ فَجِهَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِبْلَةٌ فِي حَقِّهِ وَلَا تَكُونُ قِبْلَةً فِي حَقِّ مَنْ تَوَجَّهَ إلَى غَيْرِهَا. اهـ. .

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَتَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ) أَيْ إذَا كَانَ عَقَارًا اهـ

ص: 31

بِالْعَيْبِ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ فَتَثْبُتُ فِيهِ قَالَ رحمه الله (وَيُفْسِدُهُ جَهَالَةُ الْبَدَلِ) أَيْ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ (لَا جَهَالَةُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ)؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَيَفْسُدُ بِالْجَهَالَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ غَيْرَ أَنَّ الْمُصَالَحَ عَنْهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ وَاَلَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ يُحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمِهِ فَتُفْسِدُهُ؛ وَلِهَذَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ غَيْرَ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ يَفْسُدُ دُونَ الْمُصَالَحِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَكَذَا يَفْسُدُ بِجَهَالَةِ الْأَجَلِ إذَا جُعِلَ الْبَدَلُ مُؤَجَّلًا قَالَ رحمه الله (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ أَوْ كُلُّهُ رَجَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ مِنْ الْعِوَضِ أَوْ بِكُلِّهِ، وَلَوْ اُسْتُحِقَّ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَوْ بَعْضُهُ رَجَعَ بِكُلِّ الْمُصَالَحِ عَنْهُ أَوْ بِبَعْضِهِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِوَضٌ عَنْ الْآخَرَ فَأَيُّهُمَا اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ مَا أَخَذَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ إنْ كُلًّا فَبِالْكُلِّ، وَإِنْ بَعْضًا فَبِالْبَعْضِ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ.

قَالَ رحمه الله (وَإِنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ اُعْتُبِرَ إجَارَةً) يَعْنِي الصُّلْحَ بِإِقْرَارٍ إنْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ يَكُونُ إجَارَةً لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَشْبَهِ عُقُودٍ لَهُ إذْ الْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهَا لِوُجُودِ مَعْنَاهَا فِيهِ، وَهُوَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ قَالَ رحمه الله (فَيُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ وَيَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا)؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ، وَهَذَا حُكْمُهَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ بِأَنْ ادَّعَى شَيْئًا فَوَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ أَوْ سُكْنَى سَنَةٍ وَفِيمَا عَدَاهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ كَمَا إذَا صَالَحَهُ عَلَى صَبْغِ الثَّوْبِ أَوْ رُكُوبِ الدَّابَّةِ أَوْ حَمْلِ الطَّعَامِ إلَى مَوْضِعٍ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَحَلُّ الْمَنْفَعَةِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بَطَلَ الصُّلْحُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ؛ وَلِهَذَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ غَيْرَ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ) أَيْ كَمَا إذَا صَالَحَ عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَيُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ) حَتَّى لَوْ صَالَحَهُ عَلَى سُكْنَى دَارٍ إلَى الْأَبَدِ، أَوْ حَتَّى يَمُوتَ لَا يَجُوزُ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَإِذَا اُعْتُبِرَ بِالْإِجَارَةِ كَانَ التَّوْقِيتُ مِنْ شَرْطِهِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى سُكْنَى بَيْتٍ بِعَيْنِهِ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ، وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ أَبَدًا، أَوْ إلَى أَنْ يَمُوتَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى زِرَاعَةِ أَرْضٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً جَازَ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً فَلَا، وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَيْضًا كَمَا فِي الْإِجَارَةِ وَيَرْجِعُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ بِقَدْرِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ اهـ

(فَرْعٌ) قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْأَصْلُ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى مَعْلُومٍ عَنْ مَعْلُومٍ، أَوْ عَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَعْلُومٍ جَائِزٌ وَالصُّلْحُ عَلَى شَيْءٍ مَجْهُولٍ عَنْ مَعْلُومٍ، أَوْ عَنْ مَجْهُولٍ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ يَسْتَغْنِي عَنْ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ فَجَهَالَتُهُ لَا تُبْطِلُ عَقْدَ الصُّلْحِ كَمَا إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا مَجْهُولًا فَاصْطَلَحَا جَمِيعًا عَلَى التَّتَارُكِ جَازَ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تُبْطِلُ الْعُقُودَ لِعَيْنِهَا وَإِنَّمَا تَبْطُلُ الْعُقُودُ لِمَعْنًى فِيهَا وَهُوَ لِوُقُوعِ الْمُنَازَعَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْتَغْنَى عَنْ قَبْضِهِ وَلَا تَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي ثَانِي الْحَالِ جَازَ

وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ وَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي ثَانِي الْحَالِ عِنْدَ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ لَمْ يَجُزْ ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَيْنَ مَالٍ فِي يَدِ رَجُلٍ كَالْعَبْدِ وَالدَّارِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهَا فَادَّعَى كُلَّهُ، أَوْ بَعْضَهُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُقِرٌّ أَوْ جَاحِدٌ، أَوْ سَاكِتٌ فَإِنَّ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ إمَّا أَنْ يَكُونَ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا، أَوْ حَيَوَانًا أَوْ ثِيَابًا وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، أَوْ مَوْصُوفًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، أَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى مَنْفَعَةٍ، أَمَّا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى دَرَاهِمَ بِعَيْنِهَا فَالشَّرْطُ فِيهَا بَيَانُ مِقْدَارِهَا وَيَقَعُ عَلَى الْجِيَادِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ يَقَعُ عَلَى الْغَالِبِ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِبَعْضٍ مِنْهَا عَلَى بَعْضٍ غَلَبَةٌ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ نَقْدًا مِنْهَا مَعَ بَيَانِ الْقَدْرِ وَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهَا حَالَّةً وَمُؤَجَّلَةً، وَقَبْضُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَمَا لَا يُبْطِلُهُ النَّسَاءُ لَا يُبْطِلُهُ الْعَقْدُ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ

وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً جَازَ الصُّلْحُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ وَلَكِنْ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي عُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ حَتَّى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَحْبِسَهَا وَيُعْطِيَ الرَّجُلَ مِثْلَهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُدَّعِي، أَوْ اُسْتُحِقَّتْ لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ مِثْلِهَا

وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهَا وَوَصْفِهَا بَعْدَ الْهَلَاكِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا اخْتَلَفَا وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا وَهَا هُنَا الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَائِمٌ وَهُوَ عَيْنٌ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ إنْ وَقَعَ عَلَى الدَّنَانِيرِ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى الدَّرَاهِمِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا، وَإِنْ صَالَحَ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى كَيْلِيٍّ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، أَوْ عَلَى وَزْنِيٍّ كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا وَأَضَافَ الْعَقْدَ وَهُوَ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ بَعْدَ أَنَّ ذَلِكَ فِي مِلْكِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَحَّ الصُّلْحُ وَيَقَعُ عَلَى مَا سَمَّى مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ

وَإِنْ أَشَارَ إلَيْهِ وَلَمْ يُسَمِّ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ جَازَ وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ فَالشَّرْطُ فِيهِ بَيَانُ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ، وَبَيَانُ الْأَجَلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلَوْ بَيَّنَ الْأَجَلَ جَازَ وَيَثْبُتُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْكَيْلِيَّ وَالْوَزْنِيَّ أَعْيَانُهُمَا سِلَعٌ وَأَوْصَافُهُمَا ثَمَنٌ فَإِذَا عُيِّنَا تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِأَعْيَانِهِمَا وَإِذَا وُصِفَا وَلَمْ يَتَعَيَّنَا صَارَ حُكْمُهُمَا كَحُكْمِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى ثِيَابٍ إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً جَازَ الصُّلْحُ وَالشَّرْطُ فِيهِ الْإِشَارَةُ لَا غَيْرُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَالصُّلْحُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَأْتِيَ بِجَمِيعِ شَرَائِطِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الثِّيَابَ لَا تَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ شَرَائِطِ السَّلَمِ، وَإِنْ صَالَحَ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى حَيَوَانٍ أَوْ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ لِجَهَالَتِهِ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا

وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ وُرُودُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ صَحَّ الصُّلْحُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَجُوزُ وُرُودُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ هَلَكَ) لَفْظُ، أَوْ هَلَكَ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. .

ص: 32

فَيَرْجِعُ بِالْمُدَّعَى، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ بَطَلَ فِيمَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِالْمُدَّعَى بِقَدْرِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رحمه الله، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ وَهِيَ تَبْطُلُ بِذَلِكَ وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله لَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمَوْتِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ الْمُدَّعِي يَسْتَوْفِي الْمَنَافِعَ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُدَّعِي فَكَذَلِكَ فِي خِدْمَةِ الْعَبْدِ وَسُكْنَى الدَّارِ، وَالْوَارِثُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِمَا وَيَبْطُلُ فِي رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ

وَفِي إبْطَالِهِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا إعَادَةُ الْمُنَازَعَةِ فَيَبْقَى فِيمَا لَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ فِيهِ إمَّا بِاسْتِمْرَارِ الْعَاقِدِ أَوْ بِإِقَامَةِ وَارِثِهِ مَقَامَهُ، وَفِيمَا يَتَفَاوَتُونَ فِيهِ كَلُبْسِ الثِّيَابِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ إنْ مَاتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَبْقَى لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ بِالِاسْتِمْرَارِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُدَّعِي يَبْطُلُ لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْوَارِثِ مَقَامَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ الْمَالِكُ بِذَلِكَ، وَإِنْ قُتِلَ الْعَبْدُ يَبْطُلُ الصُّلْحُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله مُطْلَقًا كَالْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله يُنْظَرُ فَإِنْ قَتَلَهُ الْمُدَّعِي أَوْ الْأَجْنَبِيُّ يَضْمَنْ قِيمَتَهُ وَيَشْتَرِي بِقِيمَتِهِ عَبْدًا فَيُخْدِمُهُ كَمَا إذَا قَتَلَ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَلَكِنْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِاحْتِمَالِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا فِي الْخِدْمَةِ فَالرِّضَا بِالْأَوَّلِ لَا يَكُونُ رِضًا بِالثَّانِي، وَإِنْ قَتَلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَطَلَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَضْمَنُ نَفْسَ عَبْدِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَرْهُونِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى الضَّمَانُ بِالْإِتْلَافِ وَالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الِاسْتِيفَاءَ الْحَاصِلَ بِعَقْدِ الرَّهْنِ وَالْقَبْضِ

قَالَ رحمه الله (وَالصُّلْحُ عَنْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ فِدَاءٌ لِلْيَمِينِ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ وَمُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي) لِمَا بَيَّنَّا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ بِاعْتِبَارِ شَخْصَيْنِ كَالنِّكَاحِ مُوجِبُهُ الْحِلُّ فِي الْمُتَنَاكِحَيْنِ وَالْحُرْمَةُ فِي أُصُولِهِمَا فَيُؤَاخَذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا يَزْعُمُ، وَهَذَا فِي الْإِنْكَارِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِالْإِنْكَارِ أَنَّ مَا يُعْطِيهِ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَفِدَاءِ الْيَمِينِ، وَكَذَا فِي السُّكُوتِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ فَجِهَةُ الْإِنْكَارِ رَاجِحَةٌ إذْ الْأَصْلُ فَرَاغُ الذِّمَمِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالشَّكِّ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ كَوْنُ مَا فِي يَدِهِ عِوَضًا عَمَّا دَفَعَ بِالشَّكِّ.

قَالَ رحمه الله (فَلَا شُفْعَةَ إنْ صَالَحَا عَنْ دَارَيْهِمَا وَتَجِبُ لَوْ صَالَحَا عَلَى دَارَيْهِمَا) أَيْ الْمُنْكِرُ وَالسَّاكِتُ إذَا ادَّعَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارِهِ فَصَالَحَ عَنْهَا بِدَفْعِ شَيْءٍ آخَرَ لَمْ تَجِبْ فِي دَارِهِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَنَّهَا دَارُهُ وَأَنَّهُ يَسْتَبْقِيهَا عَلَى مَا كَانَتْ لَهُ، وَأَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَى الْمُدَّعِي لَيْسَ بِعِوَضٍ عَنْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَلَوْ اُدُّعِيَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ فَصَالَحَ عَنْهُ عَلَى دَارٍ فَدَفَعَهَا إلَى الْمُدَّعِي وَجَبَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَأْخُذُهَا عِوَضًا عَمَّا ادَّعَى فَكَانَ مُعَاوَضَةً عَلَى زَعْمِهِ فَتَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ يُؤَاخَذُ بِزَعْمِهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا فَأَنْكَرَ فَصَالَحَهُ عَنْهَا عَلَى دَارٍ أُخْرَى وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِي الَّتِي صَالَحَ عَلَيْهَا دُونَ الْأُخْرَى لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْكَارُ الْآخَرِ الْمُعَاوَضَةَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ فِيهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ: أَنَا اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٌ يُنْكِرُ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ دَارِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِدَاءٌ لِلْيَمِينِ) لَفْظُ لِلْيَمِينِ لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ) أَيْ وَالسَّاكِتِ قَالَ الْقُدُورِيُّ وَالصُّلْحُ عَنْ السُّكُوتِ وَالْإِنْكَارِ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَفِي حَقِّ الْمُدَّعِي بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ اهـ فَيَشْمَلُ قَوْلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرَ وَالسَّاكِتَ. اهـ. (وَقَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي)، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي دَعْوَاهُ وَاَلَّذِي أَخَذَهُ عِوَضٌ عَنْ حَقِّهِ وَالْمَرْءُ مُؤَاخَذٌ بِزَعْمِهِ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّهِ بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ وَاَلَّذِي يُعْطِيه لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ وَالشَّغَبِ وَالذَّبِّ عَنْ نَفْسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَا شُفْعَةَ إنْ صَالَحَا عَنْ دَارَيْهِمَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ مَا قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَالَ وَإِذَا ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ صَالِحٍ مَعَهُ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ تَجِبُ لِلشَّفِيعِ فِيهِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ مُقِرٌّ بِأَنَّ الدَّارَ كَانَتْ لِلْمُدَّعِي وَإِنَّمَا صَارَتْ لَهُ بِهَذَا الصُّلْحِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ فَإِنْ كَانَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ مِثْلِيًّا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مِثْلِيٍّ أَخَذَهَا بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا؛ لِأَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الدَّارَ كَانَتْ لَهُ وَإِنَّمَا بَذَلَ الْمَالَ لِلْمُدَّعِي لِدَفْعِ بَاطِلِ خُصُومَتِهِ لَا بَدَلًا لِلدَّارِ وَلَكِنَّ الشَّفِيعَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُدَّعِي وَلَهُ أَنْ يُدْلِيَ بِحُجَّتِهِ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ أَنَّ الدَّارَ كَانَتْ لِلْمُدَّعِي، أَوْ حَلَّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَنَكَلَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّارَ إنَّمَا حَصَلَتْ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ وَقَعَ عَلَى أَرْضٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ عَلَى دَارٍ بِعَيْنِهَا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَبَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ بِقِيمَةِ الدَّارِ الْمَتْرُوكَةِ سَوَاءً كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ، أَوْ إنْكَارٍ؛ لِأَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهَا بَدَلًا عَنْ الدَّارِ الْمَتْرُوكَةِ وَأَنَّ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةَ فَاسْتَوَى فِي الْمَأْخُوذَةِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَعْوَاهُ فِي الدَّارِ عَلَى مَنَافِعَ لَا عَلَى عَيْنِ مَالٍ فَلَا شُفْعَةَ فِي الْمَتْرُوكَةِ سَوَاءً كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ، أَوْ إنْكَارٍ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الدَّارِ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ، وَلَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُدَّعِي الدَّارَ وَيُعْطِيَهُ دَارًا أُخْرَى فَيَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّارَيْنِ الشُّفْعَةُ بِقِيمَةِ الدَّارِ الْأُخْرَى إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا كَانَ عَنْ إنْكَارٍ كَانَتْ هَذِهِ مُبَادَلَةَ دَارٍ بِدَارٍ، وَلَوْ كَانَ الصُّلْحُ مِثْلَ هَذَا عَنْ إقْرَارٍ فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ وَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الدَّارَيْنِ جَمِيعًا مِلْكٌ لِلْمُدَّعِي كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ) وَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ الْمُدَّعِي فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَانَ مُعَاوَضَةً عَلَى زَعْمِهِ) أَيْ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ.

ص: 33