المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في أحكام اختلاف المتبايعين] - تحبير المختصر وهو الشرح الوسط لبهرام على مختصر خليل - جـ ٤

[بهرام الدميري]

الفصل: ‌فصل [في أحكام اختلاف المتبايعين]

قوله: (ومُسْتَثْنى كَيْلٍ مِنَ الثَّمَرَةِ

إلى آخره) يريد أن من باع ثمرة على أصولها واستثنى منها كيلًا معلومًا فأجيحت الثمرة بما ينقص قدرها الثلث فأكثر، وهو معنى قوله:(تجاح بما يوضع).

قوله: (يَضَعُ (1) عَنِ مُشْتَرِيه بِقَدْرِهِ) هذا مما لا خلاف فيه.

وقوله: (بقدره) أي فإن نقصت الثمرة الثلث وضع عنه ثلث الثمن، وإن نقصت النصف وضع عنه نصف الثمن وعلى هذا. واختلف هل ينقص من العدد الذي استثناه البائع تلك النسبة التي نقصت للمشتري أم لا (2)، فإن كانت الجائحة الثلث أدى المشتري (3) ثلثي الثمن، وأخذهما البائع مع ثلثي الأرادب. أو يأخذ البائع أرادبه كاملة مع ثلثي الثمن. في ذلك روايتان: الأول": رواية ابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم، وبهذا أخذ أصبغ، وصوبها ابن المواز وقال بها أقول. والثانية: رواية ابن وهب عن مالك (4).

‌فصل [في أحكام اختلاف المتبايعين]

(المتن)

فَصْلٌ إِنِ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ، أَوْ نَوْعِهِ، حَلَفَا وَفُسِخِ، وَرَدَّ مَعَ الْفَوَاتِ قِيمَتَهَا يَوْمَ بَيْعِهَا. وَفِي قَدْرِهِ؛ كَمَثْمُونِهِ، أَوْ قَدْرِ أَجَلٍ، أوْ رَهْنٍ، أوْ حَمِيلٍ، حَلَفَا وَفُسِخَ، إِنْ حُكِمَ بِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، كَتَنَاكُلِهِمَا، وَصُدِّقَ مُشْتَرٍ ادَّعَى الأَشْبَهَ، وَحَلَفَ إِنْ فَاتَ، وَمِنْهُ تَجَاهُلُ الثَّمَنِ، وَإِنْ مِنْ وَارِثٍ، وبُدِّي الْبَائِعُ، وَحَلَفَ عَلَى نَفْي دَعْوَى الآخر مَعَ تَحْقِيقِ دَعْوَاهُ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي انْتِهَاءِ الأَجَلِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الَتَّقَضِّي، وَفِي قَبْضِ الثمَنِ أَوِ السِّلْعَهِ فَالأَصْلُ بَقَاؤُهُمَا إِلَّا لِعُرْفٍ كَلَحْمٍ أَوْ بَقْلى بَانَ بِهِ وَلَوْ كَثُرَ، وَإِلَّا فَلا، إِنِ ادَّعَى دَفْعَهُ بَعْدَ الأَخْذِ، وَإِلَّا فَهَلْ يُقْبَلُ الدَّفْعُ؟ أوْ فِيمَا هُوَ الشَّأْنُ أَوْ لا؟ أَقْوَالٌ.

(الشرح)

(1) قوله: (يضع) يقابله في (ن 3): (بما يوضع).

(2)

قوله: (أم لا) زيادة من (ن).

(3)

في (ن 3): (للمشتري).

(4)

انظر: البيان والتحصيل: 12/ 154 و 155.

ص: 24

قوله: (إِنِ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ أو نوعه (1) حَلَفَا وفُسِخَ) اختلافهما في الجنس قول البائع (2): بعت السلعة بدنانير، ويقول المبتاع: بطعام أو ثمر أو نحوه، وفي النوع كقول البائع: بعتها بقمح سمراء، ويقول الآخر: بمحمولة أو شعير، ونحو ذلك، وحكى بعض الأشياخ أنهما يتحالفان ويتفاسخان (3) البيع اتفاقًا إن اختلفا (4) في الجنس، فإن حلفا معًا أو نكلا معًا فسخ، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضى للذي حلف وخرج بعضهم قولًا بأن القول قول البائع. وقولًا بأن القول قول المبتاع مع الفوات، والمشهور أيضًا في اختلافهما في النوع أنهما يتحالفان، ويفسخ البيع بينهما إن حلفا أو نكلا، وإلا قضى للحالف دون الناكل ومقابل المشهور أن ذلك كاختلافهما في مقدار الثمن كما سيأتي، وقال ابن الماجشون: لا يتحالفان لإنهما اتفقا في جنس واحد واختلفا في جودته (5).

قوله: (ورَدَّ مَعَ الْفَوَاتِ قِيمَتَهَا يَوْمَ بَيْعِهَا) أي فإن اختلفا مع فوات السلعة فإن المبتاع يرد قيمتها يوم بيعها.

قوله: (وفي قَدْرِهِ، كَمَثْمُونهِ أَوْ قَدْرِ أَجَلِ، أَوْ رَهْنٍ، أَوْ حَمِيلٍ حَلَفَا وفُسِخَ) أي وإن كان الاختلاف في قدر الثمن، أو في مثمونه أو قدر أجله، أو في الرهن، أو الحميل، فإنهما يتحالفان أيضًا ويفسخ البيع بينهما. وقد اختلف في المسألة الأولى وهي الاختلاف في قدر الثمن كقول البائع: بمائة، ويقول المبتاع بثمانين على أربع (6) روايات:

الأولى: وهو المشهور ما قال هنا، وزاد في المدونة ما لم تفت السلعة بيد المشتري فيصدق إن ادعى ما يشبه من الثمن (7).

الثانية: أنهما يتحالفان ويفسخ ما لم يقبض المشتري السلعة فيصدق مع يمينه، إلا أن

(1) في (ن 4) و (ن 5): (ونحوه).

(2)

قوله: (قول البائع) يقابله في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (كقوله).

(3)

قوله: (ويتفاسخان) ساقط من (ن 4)، وفي (ن):(ويفسخ).

(4)

قوله: (إن اختلفا) ساقط من (ن).

(5)

انظر: التوضيح: 5/ 582.

(6)

قوله: (أربع) زيادة من (ن 5).

(7)

انظر: التهذيب: 3/ 43 و 44.

ص: 25

يدعي ما لا يشبه.

الثالثة: أنهما يتحالفان ويتفاسخان، وإن قبضها المشتري ما لم يبن (1) بها فيصدق (2) لأن البائع ائتمنه.

الرابعة: أنهما يتحالفان ويتفاسخان مطلقًا وإن فاتت السلعة أم لا (3)، لأن القيمة تقوم مقام العين، وأفتى المازري (4) وبعض أشياخه بهذه الرواية، وحكى بعضهم قولًا في كتاب ابن حبيب إن القول قول المشتري. وأما المسألة الثانية: وهي الاختلاف في المثمون كقول البائع: بعتك هذا الثوب بمائة، ويقول المبتاع بل ثوبين ونحو ذلك فقد اختلف فيها على الأقوال السابقة حكاها المازري. وأما المسألة الثالثة: وهي الاختلاف في قدر الأجل كقول البائع: بعتك إلى شهر ويقول المبتاع: إلى شهرين وقد حكى المازري أيضًا الخلاف المتقدم فيها (5)، وحصل فيها ابن رشد. وفيما (6) إذا اختلفا في أصل التأجيل وانتهائه ثمانية أقوال، انظرها في الكبير. وأما مسألة الاختلاف في كون البيع قد وقع برهن أم لا، وهل وقع بحميل أم لا؟ وفي كل مسألة منهما الاختلاف المتقدم في قدر الثمن.

قوله: (إِنْ حُكِمَ بِهِ) يريد إن الفسخ المذكور في المسائل المتقدمة لا يقع بنفس التحالف (7) بل لا بد من أن يحكم به حاكم. ولهذا قال في المدونة إن المشتري إذا أراد قبولها بعد التحالف إن له ذلك وهو الأصح (8). وقال سحنون: يفسخ العقد بنفس (9) التحالف (10)، وقيل إن العقد يبقى بينهما إلى أن يفسخاه بتراضيهما، وقيل: إن حلفا بأمر

(1) في (ن 3): (يبز).

(2)

قوله: (فيصدق) ساقط من (ن 5).

(3)

قوله: (أم لا) زيادة من (ن 3).

(4)

انظر: شرح التلقين: 5/ 759 و 760.

(5)

انظر: شرح التلقين: 5/ 792 - 795.

(6)

في (ن 4): (وفيها).

(7)

في (ن 5): (الحلف).

(8)

انظر: التهذيب: 3/ 44.

(9)

في (ن 5): (بعد).

(10)

انظر: النوادر والزيادات: 6/ 408.

ص: 26

حاكم لم يفسخ إلا بحكم حاكم (1)، وإلا فسخ بمجرد أيمانهما، وقيل بالعكس.

قوله: (ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَتَنَاكُلِهِمَا) يريد أن العاقد يفسخ بينهما ظاهرًا وباطنًا وتعود السلعة إلى ملك البائع حقيقة كما قال (2)، ويعود الثمن على ملك المبتاع كذلك. سند: وهو ظاهر المذهب (3). وصححه ابن الحاجب (4) وحكم تناكلهما عن اليمين عند ابن القاسم حكم بتحالفهما كما قال (5)، وقال ابن حبيب: القول قول البائع (6)، وحكى عبد الوهاب بأن القول قول المشتري (7). وفائدة الخلاف: حل الوطء وعدمه.

قوله: (وصُدِّقَ مشتر ادَّعَى الأَشْبَهَ، وحَلَفَ إِنْ فَاتَ) يريد أن المبتاع إذا ادعى الأشبه فإنه يصدق ويحلف (8) إن فات المبيع وهو ظاهر، إلا أن تخصيصه بالمشتري ليس بظاهر ولعل قوله:(مشتر) تصحيف من الناسخ، وأن الوا قع وصدق من ادعى الأشبه، ولا خلاف في ذلك.

قوله: (ومِنْهُ تَجَاهُلُ الثَّمَنِ، وإِنْ مِنْ وَارِثٍ) أي ومما يصدق فيه مدعي الأشبه مثل أن يقول أحد المتبايعان لا علم لي بما وقع به التبايع، ويقول الآخر وقع بكذا؛ فإن مدعي المعرفة يصدق بما يشبه أن يكون ثمنًا لتلك السلعة، وكذلك الوارث.

قال في المدونة: وورث المتبايعان بعد موتهما مكانهما (9) إذا ادعوا معرفة الثمن، فإن تجاهلوا الثمن وتصادقوا البيع حلف ورثة المبتاع أنهم لا يعلمون الثمن، ثم حلف (10) ورثة البائع أنهم لا يعلمون الثمن (11)، وترد السلعة ثم قال: وإن ادعى ورثة أحدهما

(1) قوله: (بحكم حاكم) يقابله في (ن): (بالحكم).

(2)

في (ن) و (ن 5): (كانت).

(3)

انظر: التوضيح: 5/ 587.

(4)

انظر: الجامع بين الأمهات: 1/ 553.

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 6/ 409.

(6)

انظر: البيان والتحصيل: 7/ 461.

(7)

انظر: المعونة: 2/ 91 - 93.

(8)

في (ن 4): (يحلف، وحلف).

(9)

في (ن 3): (يقومان).

(10)

قوله: (حلف) زيادة من (ن).

(11)

قوله: (الثمن) زيادة من (ن 5).

ص: 27

علم الثمن وجهله الآخرون صدق المدعي فيما يشبه (1).

قوله: (وبُدِّي الْبَائِعُ) أي باليمين وقاله في المدونة (2) وهو المشهور وروى يحيى عن ابن القاسم: أن المبتاع يُبَدَّى (3)، وقيل: يقرع بينهما أيهما يقدم باليمين، وقيل: أن الحاكم يخير في (4) أيهما يُبَدَّى.

قوله: (وحَلَفَ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الآخر (5) مَعَ تَحْقِيقِ دَعْوَاهُ) هذا هو المشهور وهو أن كل واحد منهما يحلف في يمين واحدة على نفي دعوى خصمه مع تحقيق دعواه (6) فإن ادعى البائع مثلًا أنه باع السلعة بعشرة وقال المشتري: بل بثمانية فإذا حلف البائع وقال في يمينه: والله ما بعتها بثمانية ولقد بعتها بعشرة. وقال في كتاب "تضمين الصناع" من المدونة: إذا حلف المشتري قال: والله لم اشترها بعشرة ولقد اشتريتها بثمانية وقيل: إن كليهما يحلف على نفي (7) دعوى خصمه فقط. والأول أظهر لأنه لا (8) يلزم في حلف البائع على نفي البيع بثمانية أن يكون باعها بعشرة لاحتمال أن يكون باعها بتسعة، وكذا في حلف المبتاع لا يلزم من نفي البيع بعشرة أن يكون وقع بثمانية لجواز أن يكون قد وقع (9) بتسعة.

قوله: (فإنِ اخْتَلَفَا فِي انْتِهَاءِ الأَجَلِ، فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِ التَّقَضِّي) معناه أن المتبايعين إذا اتفقا على الأَجل واختلفا في انقضائه، فقال المبتاع: وقع البيع (10) إلى شهر ولم يحل، وقال البائع: بل حل؛ فإن القول قول المبتاع مع يمينه ومثله المسلم إليه إذا ادعى عدم

(1) انظر: التهذيب: 3/ 400.

(2)

انظر: التهذيب: 3/ 400.

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 6/ 412، والبيان والتحصيل: 7/ 359.

(4)

قوله: (في) زيادة من (ن 5).

(5)

في (ن) و (ن 5): (خصمه).

(6)

قوله: (يحلف في يمين واحدة

مع تحقيق دعواه) ساقط من (ن 3). وقوله: (هذا هو المشهور وهو أن

خصمه مع تحقيق دعواه) ساقط من (ن 4).

(7)

قوله: (نفي) ساقط من (ن 4).

(8)

قوله: (لا) ساقط من (ن 4).

(9)

قوله: (قد وقع) يقابله في (ن 5): (باعها).

(10)

قوله: (البيع) زيادة من (ن 5).

ص: 28

الحلول وهو مراده بمنكر التقضي.

قوله: (وفِي قَبْضِ الثَّمَنِ أَوِ السِّلْعَةِ فَالأَصْلُ بَقَاؤُهُمَا) أي وإن اختلفا في قبض الثمن فادعى المبتاع أنه دفعه وأنكر ذلك البائع أو السلع (1)، أو (2) فادعى البائع أنه دفعها وأنكر ذلك المبتاع، فإن الأصل بقاؤهما أي بقاء الثمن في ذمة المبتاع والسلعة بيد (3) البائع، ثم نبه بقوله:(إِلا لِعُرْفٍ كَلَحْمٍ (4)، أَوْ بَقْلٍ) يعني أن العادة إذا كانت جارية في مثل تلك السلعة بقبض الثمن قبل قبضه (5)، فإن المبتاع يصدق في دفعه. قال في المدونة: وما بيع في الأسواق من اللحم، والفواكه، والخضر، والحنطة، ونحو هذا وقد انقلب به المبتاع فالقول قوله أنه دفع الثمن مع يمينه (6)، وإليه أشار بقوله:(بَانَ بِهِ) واختلف إذا لم يفارقه.

قوله: (ولَوْ كَثُرَ) يعني أنه لو فرق في هذا بين القليل والكثير وهو قول ابن القاسم وأنكره يحيى بن عمر (7)؛ وجعله إذا كثر كسائر السلع القول فيها قول البائع (8).

قوله: (وإِلا فَلا، إِنِ ادَّعَى دَفْعَهُ بَعْدَ الأَخْذِ) أي وإن لم يكن قد بان باللحم ونحوه، فلا يصدق في دفع الثمن إذا قال: دفعته إليه بعد أن أخذت منه ذلك. ولا خلاف في ذلك. واختلف إذا قال: دفعته إليه قبل أن آخذ ذلك منه هل (9) يقبل قوله؟ وهي رواية ابن القاسم في الموازية، أو يقبل في كل ما الشأن فيه قبض ثمنه قبل قبض المثمون وهو قول ابن القاسم في الموازية (10)، أو لا يقبل ويكون القول قول البائع، وهو ظاهر قول مالك (11). وإلى هذه الأقوال أشار بقوله: (وَإِلا، فَهَلْ يُقْبَلُ

(1) قوله: (أو السلع) ساقط من (ن 4)، وفي (ن) و (ن 4) و (ن 5):(أو في السلع).

(2)

قوله: (أو) ساقط من (ن).

(3)

قوله: (المبتاع والسلعة بيد) ساقط من (ن 3) و (ن 4).

(4)

في (ن 3): (كقمح).

(5)

قوله: (قبل قبضه) زيادة من (ن 5).

(6)

انظر: المدونة: 3/ 93، والتهذيب: 3/ 44.

(7)

قوله: (يحيى بن عمر) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 4): (غيره).

(8)

انظر: التوضيح: 5/ 592.

(9)

في (ن): (فقيل).

(10)

في (ن): (المدونة). وانظر: النوادر والزيادات: 6/ 408.

(11)

انظر: البيان والتحصيل: 7/ 358.

ص: 29

الدَّفْعُ؟ أَوْ فِيمَا (1) هو الشَّأْنُ أَوْ لا؟ أَقْوَالٌ) أي وإن لم يقل: دفعته إليه بعد الأخذ بل قال: قبل الأخذ ففي ذلك ثلاثة أقوال كما تقدم.

(المتن)

وَإِشْهَادُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ مُقْتَضٍ لِقَبْضِ مُثْمَنِهِ، وَحَلَفَ بَائِعُهُ إِنْ بَادَرَ كَإِشْهَادِ الْبَائِعِ بِقَبْضِهِ. وَفِي الْبَتِّ مُدَّعِيهِ وكَمُدَّعِي الصِّحَّةِ إِنْ لَمْ يَغْلِبِ الْفَسَادُ. وَهَلْ إِلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ بِهَمَا الثَّمَنُ فَكَقَدْرِهِ؟ تَرَدُّدٌ. وَالْمُسْلَمُ إِلَيهِ مَعَ فَوَاتِ الْعَيْنِ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ، أَوِ السِّلْعَةِ: كَالْمُشْتَرِي فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إِنِ ادَّعَى مُشْبِهًا، وَإِنِ ادَّعَيَا مَا لَا يُشْبِهُ فَسَلَمٌ وَسَطٌ، وَفِي مَوْضِعِهِ صُدِّقَ مُدَّعِي مَوْضِعِ عَقْدِهِ، وَإِلَّا فَالْبَائِعُ، وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ وَاحِدٌ تَحَالَفَا وتَفَاسَخَا، كَفَسْخِ مَا يُقْبَضُ بِمِصْرَ، وَجَازَ بِالْفُسْطَاطِ، وَقضِيَ بِسُوقِهَا، وَإِلَّا فَفِي أَيِّ مَكَانٍ.

(الشرح)

قوله: (وَإِشْهَادُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ مُقْتَضٍ لِقَبْضِ مَثْمنهِ) يريد أن المشتري إذا أشهد على نفسه أن الثمن في ذمته فإن ذلك مقتض لقبض مثمونه وهب السلعة التي وقع عليها البيع بذلك الثمن الذي أشهد به على نفسه (2)، فإن ادعى بعد ذلك أنه لم يقبض السلعة، لم يصدق وكان القول قول البائع على المشهور. وهو قول ابن القاسم وقال أصبغ: ويحلف له البائع إن كان بحدثان البيع والإشهاد به (3)، فأما إن سكت حتى حل الأجل وشبهه فلا قول له ولا يمين له على البائع (4) وإلى هذا أشار بقوله:(وحَلَّفَ بَائِعهُ، إِنْ بَادَرَ). ومقابل المشهور لابن عبد الحكم أن القول قول المبتاع في عدم القبض، قال في الواضحة: وإذا أشهد البائع بقبض الثمن ثم قام يطلبه وقال: إنما أشهدت ثقة (5) مني إليه به ولم يدفعه لي ولا وصلني به (6) ولم يوفي جميعه، وطلب يمينه على ذلك، وقال المشتري: أوصلتك ولي بينة ولا أحلف أن ذلك مقتضى لقبضه أي (7): ولا يمين عليه

(1) زاد في (ن 3) و (ن 4): (هذا القول لا يختص بفرض المسألة بل هو عام).

(2)

قوله: (على نفسه) ساقط من (ن 5).

(3)

قوله: (به) زيادة من (ن 5).

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 6/ 416.

(5)

في (ن 3): (توثقة).

(6)

قوله: (ولم يدفعه لي ولا وصلني به) زيادة من (ن 5).

(7)

قوله: (ولي بينة ولا أحلف أن ذلك مقتضى لقبضه أي) ساقط من (ن 5).

ص: 30

قاله مالك وأصحابه.

ابن حبيب: إلا أن يأتي بشيء يدل على ما ادعاه أو يتهم، فيحلف (1) وفي كتاب محمد أنه يحلف (2) ولم يراع ذلك ابن يونس والأكثرون على أن البائع إذا قام على المشتري (3) بقرب البيع حلف المشتري (4) له (5) وإلا فلا وإليه أشار بقوله:(كَإِشْهَادِ الْبَائِعِ بِقَبْضِهِ).

قوله: (وفِي الْبَتِّ مُدَّعِيهِ) أي وإن اختلفا في البت وعدمه فإن قال أحدهما: وقع بتًا وقال الآخر: بل وقع (6) على خيار، فالقول قول مدعي البت؛ لأنه غالب بياعات الناس، وهو المشهور وقال أشهب: القول قول مدعي الخيار (7). ابن بشير: وبه كان يفتي من حقق النظر من أشياخنا (8)، وقيل: هذا كاختلافهما في مقدار الثمن.

قوله: (وكَمُدَّعِي الصِّحَّةِ إِنْ لَمْ يَغْلِبِ الْفَسَادُ) أي فإن القول قوله دون مدعي الفساد، وهو المشهور. وقاله في المدونة (9)؛ وقيده عبد الحميد بما إذا لم يغلب الفساد كما أشار إليه، وقيده ابن أبي زمنين وغيره (10) بألا يكون اختلافهما مما يؤدي (11) إلى الاختلاف في قدر الثمن كقول أحدهما: وقع البيع في يوم الجمعة بعد النداء المحرم للبيع، ويقول الآخر؛ بل يوم الخميس، وأما إن أدى إلى ذلك فإنه يجري على الاختلاف في الثمن (12).

ابن بشير: إن لم يؤد إلى الاختلاف في مقدار الثمن، فالقول قول مدعي الصحة،

(1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 416.

(2)

في (ن 3) و (ن 4): (لا يحلف).

(3)

قوله: (على المشتري) زيادة من (ن 5).

(4)

قوله: (المشتري) ساقط من (ن) و (ن 5).

(5)

قوله: (له) زيادة من (ن).

(6)

قوله: (وقع) ساقط من (ن).

(7)

انظر: البيان والتحصيل: 8/ 403.

(8)

انظر: التوضيح: 5/ 595.

(9)

انظر: التهذيب: 3/ 417.

(10)

قوله: (غيره) زيادة من (ن 5).

(11)

في (ن 4): (لا يؤدي).

(12)

انظر: التوضيح: 5/ 595. والذي وقفت عليه أن هذا القول منسوب لابن أبي زيد.

ص: 31

وإن أدى إليه وعاد (1) بالاختلاف في قدر الثمن فطريقان:

أحدهما: أنه يعطى حكم الاختلاف في قدر الثمن.

والثانية: حكم الاختلاف في الصحة (2) والفساد (3)، وإلى هذا أشار بقوله:(وهَلْ إِلا أَنْ يَخْتَلِفَ بِهِما الثَّمَنُ (4) فكقدره؟ تَرَدُّدٌ).

قوله: (والمْسْلَمُ إِلَيْهِ مَعَ فَوَاتِ الْعَيْنِ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ، أَوِ السِّلْعَةِ كَالْمُشْتَرِي بالنقد (5) فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، إِنِ ادَّعَى مُشْبِهًا وإِنِ ادَّعَيا (6) مَا لا يُشْبِهُ فَسَلَمٌ وسط (7)) يريد أن المسلم إليه يشبه المشتري في أنه يترجح قوله بقبض رأس مال السلم (8) لكن بشرطين:

الأول: أن يفوت ذلك، وفواته إن كان ذهبًا أو فضة بالزمن الطويل على المشهور.

وقال ابن بشير: بطول ما (9)، وقال التونسي: الأشبه أن لا فرق بين الزمن الطويل وغيره، وأن الغيبة عليها تفويت عينها (10). وإن كانت سلعة ففواتها بحوالة سوق فأعلى وقاله المازري وسند وإطلاقه هنا الفوات بالنسبة إلى السلعة من غير تقييد يدل على ذلك (11).

والثاني: أن يكون قد ادعى ما يشبه فإن ادعى ما لا يشبه، فالقول قول المسلم، إن ادعى ما يشبه. فإن ادعيا معًا ما لا يشبه، فقال ابن القاسم في الموازية (12): يحملان على

(1) قوله: (أدى إليه و) زيادة من (ن).

(2)

في (ن 5): (الصفة).

(3)

انظر: التوضيح: 5/ 596.

(4)

زاد بعده في (ن 4): (صورته كما إذا اختلف المتبايعان أن العقد وقع في عبد آبق وفات بيد المشتري إلا أن يحنث بها الثمن).

(5)

في (ن 4): (بالعين).

(6)

في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (ادعى).

(7)

قوله: (وسط) زيادة من (ن) و (ن 5).

(8)

قوله: (السلم) ساقط من (ن 5).

(9)

انظر: التوضيح: 5/ 598. والذي وقفت عليه أن هذا القول لابن رشد.

(10)

انظر: التوضيح: 5/ 598.

(11)

انظر: شرح التلقين: 5/ 445 و 446.

(12)

في (ن): (المدونة).

ص: 32

الوسط (1) من سلم (2) الناس يوم تعاقدا، وإليه أشار بقوله:(فَسَلَمٌ وسط (3)). المازري: وهو المشهور، وبه قال مرة في الأسدية ومرة أنهما يتحالفان ويتفاسخان.

قوله: (وفِي مَوْضِعِهِ صُدِّقَ مُدَّعِي مَوْضِع عَقْدِهِ) أي وإن كان الاختلاف بينهما في الموضع الذي يقبض فيه السلم، فإنه يصدق من ادعى موضع العقد منهما مطلقًا، وهو المشهور؛ وقاله في المدونة (4). وقال سحنون: القول قول البائع ولو ادعى خلاف موضع العقد، لأنه غارم (5). وقال أبو الفرج: يتحالفان (6) إن ادعيا ما لا (7) يشبه ولو ادعى أحدهما موضع العقد (8). المازري: وهذا إذا كان اختلافهما بعد فوت رأس المال، وإلا تحالفا وتفاسخا (9)، وفواته بالزمان الطويل (10)، وقال سند: بالقبض (11).

قوله: (وَإِلا فَالْبَائِعُ) أي وإن لم يدع أحدهما موضع العقد، فالقول قول البائع وهو المسلم إليه لأنه غارم، وهذا إذا ادعى ما يشبه سواء ادعى الآخر ما يشبه أم لا (12)، وأما إذا ادعى البائع ما لا يشبه وادعى المشتري ما يشبه فالقول قول المشتري، وإن ادعيا معًا ما لا يشبه فإنهما يتحالفان ويتفاسخان كما نبه عليه بقوله:(وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ واحد (13) تَحَالَفَا وتَفَاسَخَا) وقاله في المدونة (14) والموازية والواضحة (15)، ثم أشار بقوله: (كَفَسْخِ مَا

(1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 418.

(2)

قوله (سلم) ساقط من (ن 4)، وفي (ن 3):(بيع).

(3)

قوله: (وسط) زيادة من (ن).

(4)

انظر: المدونة: 3/ 96.

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 6/ 414.

(6)

زاد بعده في (ن 4): (ويتفاسخان).

(7)

قوله: (لا) زيادة من (ن 3).

(8)

انظر: التوضيح: 5/ 599.

(9)

قوله: (وتفاسخا) ساقط من (ن 5).

(10)

انظر: شرح التلقين: 5/ 442، وما بعدها.

(11)

انظر: التوضيح: 5/ 599.

(12)

قوله: (أم لا) ساقط من (ن 4).

(13)

قوله: (واحد) ساقط من (ن 4).

(14)

انظر: المدونة: 3/ 491.

(15)

انظر: النوادر والزيادات: 6/ 418 و 419.

ص: 33

يُقْبَضُ بِمِصْرَ) إلى قوله في المدونة: ومن أسلم في طعام على أن يقبضه بمصر لم يجز حتى يسمي أي موضع في مصر، ومصر ما بين البحر إلى أسوان (1).

قوله: (وجَازَ بِالْفُسْطَاطِ) أي فإن شرط أن يقبض ذلك بالفسطاط جاز، وقاله في المدونة وقال: إن تشاحا في موضع قبضه من الفسطاط فقال مالك: يقبض بسوق الطعام (2)، وإليه أشار بقوله:(وقُضِيَ بِسُوقِهَا) أي عند التشاحح (3).

ابن القاسم: وكذلك السلع إذا كان لها سوق معروف، وإن لم يكن لها سوق معروف (4) فحيث ما أعطاها من الفسطاط لزم المشتري (5) وهو معنى قوله:(وَإِلا فَفِي أَيِّ مَكَانٍ) أي فإن لم يكن لها سوق وفاه في أي مكان شاء. وقال سحنون (6): يوفيه ذلك في داره كان لها سوق أم لا (7).

* * *

(1) في (ن 4): (السوق)، وفي (ن):(أسواق). وانظر: التهذيب: 3/ 40.

(2)

انظر: التهذيب: 3/ 40.

(3)

في (ن 3): (تشاح).

(4)

قوله: (معروف) زيادة من (ن 3).

(5)

زاد بعده في (ن 4): (قبضه). وانظر: التهذيب: 3/ 40.

(6)

زاد في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (ففي كل مكان ووفاه بها أخذها وقال).

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 6/ 67، والمنتقى: 6/ 308.

ص: 34