المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب [في أحكام السلم] - تحبير المختصر وهو الشرح الوسط لبهرام على مختصر خليل - جـ ٤

[بهرام الدميري]

الفصل: ‌باب [في أحكام السلم]

‌باب [في أحكام السلم]

(المتن)

بَابٌ شَرْطُ السَّلَمِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ، أَوْ تَأْخِيرُهُ ثَلاثة وَلَوْ بِشَرْطٍ، وَفِي فَسَادِهِ بِالزِّيَادَةِ إِنْ لَمْ تَكْثُرْ جِدًّا تَرَدُّدٌ، وَجَازَ بِخِيَارٍ لِمَا يُؤَخَّرُ إِنْ لَمْ يُنْقَدْ، وَبِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ، وَبِجُزَافٍ، وَتَأْخِيرُ حَيَوَانٍ بِلَا شَرْطٍ، وَهَلِ الطَّعَامُ وَالْعَرْضُ كَذَلِكَ، إِنْ كِيلَ وَأُحْضِرَ، أَوْ كَالْعَيْنِ؟ تَأْوِيلَانِ. وَرُدَّ زَائِفٌ وَعُجِّلَ، وَإِلَّا فَسَدَ مَا يُقَابِلُهُ لَا الْجَمِيعُ عَلَى الأَحْسَنِ.

(الشرح)

قوله: (شَرْطُ السَّلَمِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ، أَوْ تَأْخِيرُهُ ثَلاثة ولو بشرط) أي: يريد أن من شرط السلم تقديم رأس المال كله. وهو ظاهر لأنه متى قبض بعضه وآخر البعض فسد. قال في المدونة: لأنه دين بدين ولا يجوز من ذلك حصة النقد، لأن الصفقة إذا بطل بعضها بطلت جميعها وهو المعروف من المذهب (1). قاله محمد واللخمي (2)، وابن رشد، وغيرهم، وحكى ابن القصار قولًا لإمضاء ما قابل (3) النقد دون ما عداه بناءً على إبطال (4) الحرام فقط وقال أشهب: يجوز تأخير اليسير لأنه تبع فيعطى حكم متبوعه (5)، وقال في كتاب السلم: ولو تأخر رأس المال يومًا أو يومين ونحو ذلك فهو جائز (6)، وفي كتاب الخيار: أو ثلاثة أيام، يريد: ولو بشرط كما قال هنا (7). وقال ابن سحنون (8): لا يجوز تأخيره بشرط يوم ولا يومين، وحكاه هو وغيره عن البغداديين واختاره ابن الكاتب وعبد الحق وابن عبد البر (9).

(1) انظر: المدونة، دار صادر: 9/ 39.

(2)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:2893.

(3)

في (ن 3): (قبل).

(4)

قوله: (إبطال) ساقط من (ن 4)، وفي (ن 3):(بطلان).

(5)

انظر: التوضيح: 6/ 3.

(6)

انظر. المدونة: 3/ 81.

(7)

انظر: المدونة، دار صادر: 9/ 30.

(8)

قوله: (ابن سحنون) ساقط من (ن 3).

(9)

انظر: التوضيح: 6/ 4.

ص: 35

قوله: (وفِي فَسَادِهِ بِالزِّيَادَةِ، إِنْ لَمْ تَكْثُرْ جِدًّا تَرَدُّدٌ) أي وفي فساد عقد السلم بالزيادة على ثلاثة أيام يريد بغير شرط والثمن من النقدين ولم تكثر الزيادة جدًّا تردد. وقد اختلف في ذلك فعن مالك: إجازته (1)، وعنه فساده، وبه أخذ ابن وهب وهو الصواب. ابن عبد السلام: وهو الأقرب وهو ظاهر المدونة، لقوله في السلم الثاني: إذا ادعى أحدهما الفساد فقال: تأخر شهرًا وقال ابن الماجشون: إن تأخر كثيرًا أو حتى حل الأجل، فإن كان بامتناع (2) من المبتاع أو من توانيه، فالمسلم إليه مخير في أخذه ودفع ما عليه وفسخ السلم، وإن كان يترك المسلم إليه لأخذه أو من توانيه فالسلم ثابت، وقال ابن وهب: إن تعمد (3) أحدهما تأخيره لم يفسد، وإلا فسد. ابن يونس: وقول أشهب سواء كان (4) بهرب أو بغير هرب، فهو جائز ما لم يكن بشرط وإلى هذا كله (5) أشار (بالتردد).

قوله: (وجَازَ بِخِيَارٍ لِمَا يُؤَخَّرُ (6)، إِنْ لَمْ يُنْقَدْ) أي: فإن السلم يجوز فيه الخيار بشرطين: أحدهما: أَن يكون إلى ثلاثة أيام إذ هو يجوز تأخير النقد إليه ولهذا قال (لِمَا يُؤَخَّرُ) أي: لمقدار ما يجوز تأخير رأس المال إليه. الثاني: ألا ينقد ولو تطوعًا، وإلا فسد، ولهذا قال:(إِنْ لَمْ يُنْقَدْ).

قوله: (وبِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ) أي وجاز أيضًا السلم بمنفعة معين أي أن يكون رأس المال فيه منفعة شيء معين كسكنى دار مدة معينة، أو خدمة عبد أو ركوب دابة (7) المعينين (8) مدة معلومة، واحترز بالمعين من المضمون، فإنه لا يجوز أن يكون رأس مال السلم، إذ يصير دينًا بدين.

(1) انظر: المدونة: 3/ 229.

(2)

في (ن 5): (بسبب امتناع).

(3)

زاد بعده في (ن 4): (تأخير).

(4)

قوله: (كان) ساقط من (ن 5).

(5)

قوله: (كله) زيادة من (ن).

(6)

في (ن 5): (يدخر).

(7)

في (ن 5): (دابته).

(8)

في (ن 4): (المعينتين).

ص: 36

قوله: (وبِجُزَافٍ) أي من غير العين. ابن رشد: وظاهر كلام القاضي عبد الوهاب منع كون رأس المال جزافًا (1) ابن بشير (2): والمذهب كله على خلافه (3).

قوله: (وتَأْخِيرُ حَيَوَانٍ بِلا شَرْطٍ) يريد أن رأس مال السلم إذا كان حيوانًا فإنه يجوز تأخيره بغير شرط، أي وأما إذا كان (4) مع الشرط فلا. وقاله في المدونة ونصه: إذا كان رأس مال السلم عرضًا أو حيوانًا أو طعافا بعينه فتأخر قبضه الأيام الكثيرة أو الشهر أو إلى أجل، فإن كان ذلك بشرط فسد البيع، وإن لم يكن بشرط فالبيع نافذ مع كراهته لهما (5) في ذلك التأخير بغير شرط. بعض المتأخرين وإذا كان العرض والطعام (6) مما يغاب عليه فإنه يكره تأخيره، لأنه يقرب شبهه بالدنانير والدراهم فضاهى الدين بالدين، وهو حمل الكراهة الواقعة من الإمام على إطلاقها (7). وإليه ذهب ابن محرز وغيرهم. وقال غيره: إنما يتصور هذا إذا كان الطعام لم يكل، والثوب لم يحضر مجلس العقد. وأما لو كيل الطعام وأحضر الثوب لم يكن كراهية إذ لم يبق فيه حق توفية، كما أجازوا أخذ (8) سلعة حاضرة من دين يتركها مشتريها اختيارًا مع التمكن من قبضها (9)، وإلى هذا أشار بقوله:(وهَلِ الطَّعَامُ والْعَرْضُ كَذَلِكَ، إِنْ كِيلَ وأُحْضِرَ، أَوْ كَالْعَيْنِ؟ تَأْوِيلانِ).

قوله: (ورُدَّ زَائِفٌ وعُجِّلَ، وَإِلا فَسَدَ ما يقابله (10)) يريد أن المسلم إليه (11) إذا وجد في رأس المال بعض الدراهم زائفًا فرده على المسلم فلا بد فيه من

(1) انظر: التوضيح: 6/ 8، والذخيرة: 5/ 231.

(2)

في (ن) و (ن 3) و (ن 4): (ابن رشد).

(3)

انظر: التوضيح: 6/ 8.

(4)

قوله: (إذا كان) ساقط من (ن 5).

(5)

قوله: (كراهته لهما) يقابله في (ن 5) و (ن 3): (كراهة مالك).

(6)

في (ن 5): (السلم).

(7)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 38.

(8)

قوله: (أجازوا أخذ) في (ن 3): (أجاز وأخذ).

(9)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 751.

(10)

قوله: (ما يقابله) زيادة من (ن 5).

(11)

قوله: (أن المسلم إليه) زيادة من (ن 5).

ص: 37

تعجيل البدل، وفي المدونة يجوز تأخيره اليوم واليومين والثلاثة (1) وعلى هذا فمراده بالتعجيل ألا يتأخر أكثر (2) من ثلاثة أيام.

قوله: (وإِلا فَسَدَ مَا يُقَابِلُهُ) يعني إن تأخر عن ذلك فسد ما يقابل الزائف وإليه ذهب أبو عمران ونحوه في مختصر ابن شعبان. وذهب أبو بكر بن عبد الرحمن إلى أن العقدة تفسد كلها (3)، واستحسن الأول، ولهذا قال:(لا الْجَمِيعُ عَلَى الأَحْسَنِ) ومنهم من قال: تصح العقد كلها.

(المتن)

وَالتَّصْدِيقُ فِيهِ كَطَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ، ثُمَّ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ الزَّائِدُ الْمَعْرُوفُ وَالنَّقْصُ الْمَعْرُوفُ، وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَكَ، إِلَّا بِتَصْدِيقٍ أَوْ بَيّنَةٍ لَمْ تُفَارِقْ، وَحَلَفَ لَقَدْ أَوْفَى مَا سَمَّى، أَوْ لَقَدْ بَاعَهُ عَلَى مَا كُتِبَ بِهِ إِلَيْهِ؛ إِنْ أعَلَمَ مُشْتَرِيهِ، وَإِلَّا حَلَفَ وَرَجَعْتَ، وَإِنْ أَسْلَمْتَ عَرْضًا فَهَلَكَ بِيَدِكَ فَهُوَ مِنْهُ، إِنْ أَهْمَلَ، أَوْ أَوْدَعَ، أَوْ عَلَى الاِنْتِفَاعِ، وَمِنْكَ إِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَوُضِعَ لِلتَّوَثُّقِ، وَنُقِضَ السَّلَمُ وَحَلَفَ، وَإِلَّا خُيِّرَ الآخَرُ، وَإِنْ أَسْلَمْتَ حَيَوَانًا أَوْ عَقَارًا فَالسَّلَمُ ثَابِتٌ، وَيُتَّبَعُ الْجَانِي.

(الشرح)

قوله: (والتَّصْدِيقُ فِيهِ كَطَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ) أي وكذلك يجوز التصديق في السلم كالتصديق في قبض الطعام الحاصل من بيع. قال مالك في المدونة: وإذا قبضت من رجل طعامًا من بيع أو سلم وصدقته في كيله جاز وليس لك رجوع فيما تدعي من نقص إن كذبك، إلا أن تقيم بينة لم تفارقك من حين قبضته حتى وجدت فيه النقص. فإن كان الذي وجدت بمحضرهم في الطعام نقصًا أو زيادة بنقص الكيل أو زيادته فذلك لك أو عليك وإن زاد على المتعارف رجع البائع بما زاد، ورجعت أنت عليه بما نقص طعامك، إن كان ذلك عليه مضمونًا، وإن كان بعينه فبحصة النقصان من الثمن وإن لم تكن بينة حلف البائع لقد أوفاه جميع ما سمى له إن كان قد اكتاله هو أو لقد باعه على ما كان فيه (4) من الكيل الذي يذكر، وإن بعثه إليه، فليقل في يمينه: ولقد بعثه على

(1) انظر: تهذيب المدونة: 3/ 32، والتوضيح: 6/ 5.

(2)

قوله: (أكثر) ساقط من (ن 4).

(3)

انظر: التوضيح: 6/ 6.

(4)

في (ن 4): (قبله).

ص: 38

ما كتب به إليه (1) أو قيل لي من الكيل، ولا شيء عليه، فإن نكل حلفت أنت ورجعت عليه بما ذكرنا (2) فإن نكلت فلا شيء لك (3)، وإلى هذا أشار بقوله:(ثُمَّ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ الزَّائِدُ الْمَعْرُوفُ والنَّقْصُ، وإِلا فَلا رُجُوعَ لَكَ، إِلا بِتَصْدِيقٍ أَوْ بَيِّنَةٍ لَمْ تُفَارِقْ. وحَلَفَ لَقَدْ أَوْفَى مَا سَمَّى، أَوْ لَقَدْ بَاعَهُ عَلَى مَا كُتِبَ بِهِ إِلَيْهِ، إِنْ أَعْلَمَ مُشْتَرِيهِ، وإِلا حَلَفَ (4) ورَجَعْتَ). ابن يونس: قال بعض أصحابنا: إنما يحلف المبعوث إليه (5) إذا بَيّن للمشتري (6) أنه بعث به إليه (7) وإلا فللمشتري أن يقول إنما رضيت بأمانتك أنت ولم أظن أنك لم تقف على كيله، فإن لم يعلمه أنه بعث به إليه حلف المشتري أنه وجده على ما ذكره ورجع على البائع بما يجب له. وإلى هذا التفصيل (8) أشار بقوله:(إِنْ أَعْلَمَ مُشْتَرِيهِ).

قوله: (وَإِنْ أَسْلَمَتْ عَرْضًا فَهَلَكَ بِيَدِكَ فَهُوَ مِنْهُ إِنْ أَهْمَلَ، أوْ أَوْدَعَ، أو على الانتفاع (9) ومِنْكَ إِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ ووُضِعَ لِلتَّوَثُّق، ونُقِضَ السَّلَمُ وحَلَفَ (10)، وَإِلا خُيِّرَ الآخَرُ) أي فإن كان رأس مال السلم عرضًا فأسلمته لرجل فهلك بيدك فمصيبته منه. قال في المدونة: وسواء قبضه أم لا إذا تركه في يدك وديعة. يريد: أو على السكت، وهو مراده بالإهمال لأنه يضمنه بمجرد التمكين منه. ومثله إذا تركه على سبيل الانتفاع به، ثم قال فيها: وإلا فمنك وانفسخ السلم لبطلان الثمن (11). يريد: وإن لم يكن تركه على سبيل (12) الإيداع ولا غيره مما ذكر كما إذا وضعه للتوثق

(1) في (ن 5): (إليَّ).

(2)

في (ن 5): (ذكرته).

(3)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 40 و 41.

(4)

في (ن 5): (حلفت).

(5)

قوله: (إنْ أَعْلَمَ مُشْتَرِيهِ

المبعوث إليه) ساقط من (ن 3).

(6)

قوله: (للمشتري) زيادة من (ن).

(7)

قوله: (إليه) زيادة من (ن).

(8)

في (ن) و (ن 5): (التقييد).

(9)

قوله: (أو على الانتفاع) ساقط من (ن 4).

(10)

في (ن 5): (وحلفت).

(11)

انظر: المدونة: 3/ 80.

(12)

قوله: (الانتفاع به، ثم قال:

على سبيل) ساقط من (ن 3).

ص: 39

برهن، أو كفيل (1)، أو وثيقة، ونحوه عن ابن القاسم: إذا لم تقم بينة فإن السلم لا يفوت وعلى المشتري قيمته، إذا قلنا بالفسخ (2) فقال التونسي: إنما ذلك بعد تحليف المسلم في التلف، لأنه يتهم في كتمانه، فإن نكل لزمته القيمة (3) يريد: إلا أن يشاء الآخر بإسقاط حقه كما ذكر هنا.

قوله: (وَإِنْ أَسْلَمْتَ حَيَوَانًا أَوْ عَقَارًا فَالسَّلَمُ ثَابِتٌ) أي فإن كان موضع العرض في المسألة التي فرغنا منها حيوانًا أو عقارًا فإن السلم لا ينفسخ بهلاكه لعدم التهمة؛ وقاله في المدونة (4).

قوله: (ويُتَّبَعُ الْجَانِي) أي: الجاني الأجنبي فإذا تعدى عليه فأهلكه، اتبعه من كان ضامنًا له من المتبايعين بما ترتب له، ولهذا كان هنا (يتبع) مبنيًا لما لم يسم فاعله.

(المتن)

وَأَلا يَكُونَا طَعَامَيْنِ وَلَا نَقْدَيْنِ، وَلَا شَيْئًا فِي أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَجْوَدَ، كَالْعَكْسِ، إِلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ كَفَارِهِ الْحُمُرِ فِي الأَعْرَابِيَّةِ، وَسَابِقِ الْخَيْلِ لَا هِمْلَاجٍ إِلَّا كَبِرْذَوْنٍ، كَجَمَلٍ كَثِيرِ الْحَمْلِ، وَصُحِّحَ، وَبِسَبْقِهِ، وَبِقُوَّةِ الْبَقَرَةِ وَلَوْ أُنْثَى، وَكَثْرَةِ لَبَنِ الشَّاةِ، وَظَاهِرُهَا عُمُومُ الضَّأْنِ، وَصُحِّحَ خِلافُهُ، وَكَصَغِيرَيْنِ فِي كَبِيرٍ وَعَكْسِهِ، وَصَغِيرٍ فِي كَبِيرٍ وَعَكْسِهِ، إِنْ لَمْ يُؤَدِّ إِلَى الْمُزَابَنَةِ،

(الشرح)

قوله: (وأَلا يَكُونَا طَعَامَيْنِ ولا نَقْدَيْنِ) هذا أيضًا من شروط السلم. وهو ألا يكون العوضان أي رأس المال (5) والمسلم فيه طعامين ولا نقدين، لأنه يؤدي إلى ربا النساء مطلقًا. وإلى ربا التفاضل (6) في الجنس الواحد.

قوله: (ولا شَيْئًا فِي أَكْثَرَ) أي ولو كان من غير الطعام والنقود، ومفهومه الجواز مع التساوي، وهو مذهب المدونة (7)، ولكن شرط ألا يقصد المسلم بذلك نفع نفسه ولا

(1) في (ن 3): (كيل).

(2)

انظر: الذخيرة: 5/ 227.

(3)

انظر: الذخيرة: 5/ 227.

(4)

انظر: المدونة، دار صادر: 1/ 73.

(5)

قوله: (رأس مال) يقابله في (ن 5): (رأس مال السلم)، وفي (ن):(رأس مال السلم والمسلم).

(6)

في (ن 3): (التفاضل).

(7)

انظر: المدونة: 3/ 41 و 42.

ص: 40

نفعهما معًا.

قوله: (أَوْ أَجْوَدَ) وهكذا يمتنع سلم الشيء في أجود منه أي، لأن الجودة تنزل منزلة الكثرة، وهو الأصح، وقيل: يجوز نظرًا إلى أن اختلاف الصفة يريد الجنس الواحد كالجنسين.

قوله: (كَالْعَكْسِ) أي فلا يسلم شيء في أقل منه ولا في أردئ منه.

قوله: (إِلا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ) أي فيجوز حينئذ.

قوله: (كَفَارِه الْحُمُرِ فِي الأَعْرَابِيَّةِ) هو مثال لما اختلفت منفعته، والفاره: هو السريع السير.

الأعرابية: هي حمر الأعراب، والبوادي: الضعيفة السير. فلما صيرهما اختلافهما في المنفعة كالجنسين جاز سلم أحدهما في الآخر. ولابن القاسم في الموازية (1) أن الحمر كلها صنف واحد رفيعها ووضيعها وله أيضًا فيها، أن حمر مصر (2) صنف واحد رفيعها ووضيعها (3)، وإن كان بعضها أسير من بعض وأحمل (4). عياض: وهو مذهب المدونة قال: وتأول فضل على المدونة خلافه (5).

قوله: (وسَابِقِ الْخَيْلِ) أي: وكذلك يجوز أن يسلم سابق الخيل في غيره مما ليس كذلك.

قوله: (لا هِمْلاجٍ، إِلا كَبِرْذَوْنٍ) أي فلا يسلم الهملاج في غيره مما ليس سابقًا كذلك إلا البراذين فلا بأس بذلك فيها. قال في الموازية (6): وليس الفرس الجميل السمين (7) العربي صنفًا حتى يكون جوادًا سابقًا (8)، وقال ابن حبيب: ليس السير في الخيل يوجب

(1) في (ن 3) و (ن 4): (المدونة).

(2)

قوله: (مصر) ساقط من (ن 4).

(3)

قوله: (رفيعها ووضيعها) زيادة من (ن 5).

(4)

انظر: التوضيح: 6/ 10.

(5)

انظر: التوضيح: 6/ 11.

(6)

في (ن 5): (المدونة).

(7)

كذا في متن (ن)، وأشار في الهامش:(السير) وكتب فوقها: (أظنه).

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 6/ 12.

ص: 41

الاختلاف (1)، لأن المطلوب منها السبق والجري والجودة (2) إلا البراذين العراض التي لا جرى لها ولا سبق، بل يراد لما تراد (3) له البغال من الحمل والسير، فلا بأس أن يسلم الهملاج منها في اثنين من خلافها.

قوله: (كجَمَلٍ كَثِيرِ الْحَمْلِ) أي في غيره من جنسه (4) مما ليس كذلك.

قوله: (وصُحِّحَ) أي اعتبار الحمل، ولهذا قال ابن عبد السلام: المعتبر عندهم الحمل خاصة. ومقتضى كلام اللخمي اعتبار السبق أيضًا ونحوه للتونسي (5) وإليه أشار بقوله: (وبِسَبْقِه).

قوله: (وبِقُوَّةِ الْبَقَرِ) أي وهكذا يعتبر الخلاف في البقرة بالقوة على الحرث وغيره، وقاله المازري وغيره (6). قال: وأما الإناث فمذهب ابن القاسم أنها تختلف بقوة العمل (7)، وإليه أشار بقوله:(ولَوْ أُنْثَى) وذهب ابن حبيب: إلى أن المعتبر فيها اللبن خاصة (8).

قوله: (وكَثْرَةِ لَبَنِ الشَّاةِ)(9) أي وكذلك يعتبر الاختلاف في الشاة بكثرة لبنها؛ وحكى المازري على ذلك الاتفاق فتسلم (10) الشاة الغزيرة اللبن في شاتين ليستا كذلك جائز.

قوله: (وظَاهِرُهَا عُمُومُ الضَّأْنِ) أي وظاهر المدونة أن الاختلاف بكثرة اللبن أيضًا عامٌّ في الضأن وغيره (11)؛ لأن فيها: لا تسلم صغار الغنم في كبارها، ولا معزها في

(1) انظر: النوادر والزيادات: 6/ 12، والمنتقى: 6/ 34.

(2)

زاد في (ن 5): (الجودة).

(3)

قوله: (لما تراد) ساقط من (ن 4).

(4)

قوله: (من جنسه) ساقط من (ن) و (ن 5).

(5)

انظر: التوضيح: 6/ 12.

(6)

انظر: التوضيح: 6/ 12.

(7)

قوله: (قال: وأما الإناث فمذهب ابن القاسم أنها تختلف بقوة العمل) ساقط من (ن 3).

(8)

انظر: التوضيح: 6/ 12.

(9)

قوله: (وكَثْرَةِ لَبَنِ الشَّاةِ) في (ن 3): (ولبن شاة).

(10)

قوله: (على ذلك الاتفاق فتسلم) في (ن 4): (إن أسلم).

(11)

قوله: (وغيره) زيادة من (ن 3).

ص: 42

ضأنها، ولا ضأنها في معزها، لأنها كلها منفعتها اللحم لا الحمولة إلا شاة غزيرة اللبن موصوفة بالكرم، فلا بأس أن تسلم في حواشي الغنم (1) فأطلق ولم يقيد وجعلها كالجنس الواحد، واعتبر غزارة اللبن في الشاة منها، وهو مقتضى كلام ابن شاس. وإليه ذهب عبد الملك. قاله اللخمي (2)، وحكاه (3) ابن حبيب عن مالك وأصحابه وبه قال: أنه لا يعتبر في الضأن غزارة اللبن. (4) ابن الحاجب: وهو الأصح (5)، وإليه أشار بقوله:(وصُحِّحَ خِلافُهُ).

قوله: (وكَصَغِيرَيْنِ فِي كَبِيرٍ وعَكْسِه) هو معطوف على قوله: (كَفَارِه الحُمُر) أي ومما يجوز سلم بعضه في بعض لاختلاف المنفعة فيه صغيران في كبير أو كبير في صغيرين من جنسه وهو المراد بعكسه (6)، يريد وكذلك كبيران في صغيرين أو صغيران في كبيرين.

قوله: (وصَغِير فِي كَبِير وعَكْسِه، إِنْ لَمْ يُؤَدِّ إِلَى الْمُزَابَنَةِ) أي يجوز ذلك بشرط: ألا يكون بين العقد والقضاء مدة يكبر فيها الصغير أو يلد فيه الكبير مثل ذلك الصغير، لأنه خطر وقمار.

(المتن)

وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى خِلَافِهِ، كَالآدَمِيّ وَالْغَنَمِ، كَجِذْعٍ طَوِيلٍ غَلِيظٍ فِي غَيْرِهِ، وَكَسَيْفٍ قَاطِعٍ فِي سَيْفَيْنِ دُونَهُ، وَكَالْجِنْسَيْنِ وَلَوْ تَقَارَبَتِ الْمَنْفَّعَةُ، كَرَقِيقِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ، لَا جَمَلٍ فِي جَمَلَيْنِ مِثْلِهِ عُجِّلَ أَحَدُهُمَا، وَكَطَيْرٍ عُلِّمَ، لَا بِالْبَيْضِ وَالذُّكُورَةِ وَالأُنُوثَةِ وَلَوْ آدَمِيًّا، وَغَزْلٍ وَطَبْخٍ إِنْ لَمْ يَبْلُغِ النِّهَايَةَ، وَحِسَابٍ، وَكِتَابَةٍ. وَالشَّيْءُ فِي مِثْلِهِ قَرْضٌ. وَأَنْ يُؤَجَّلَ بِمَعْلُومٍ زَائِدٍ عَلَى نِصْفِ شَهْرٍ، كَالنَّيْرُوزِ، وَالْحَصَادِ، وَالدِّرَاسِ، وَقُدُومِ الْحَاجِّ. وَاعْتُبِرَ مِيقَاتُ مُعْظَمِهِ،

(الشرح)

قؤله: (وتُؤُوِّلَتْ عَلَى خِلافِهِ) أي وتؤولت المدونة على خلاف ذلك، وهو ألا يسلم

(1) انظر: المدونة: 3/ 55، وتهذيب المدونة: 4/ 2.

(2)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:2885.

(3)

في (ن 5): (وحكى).

(4)

انظر: التوضيح: 6/ 13.

(5)

قوله: (وهو الأصح) ساقط من (ن 3)، انظر: الجامع بين الأمهات، لابن الحاجب، ص:555.

(6)

قوله: (وهو المراد بعكسه) زيادة من (ن 5).

ص: 43

صغير في كبير، ولا كبير في صغير (1) وهو مذهب الموازية (2).

قوله: (كَالآدَمِيِّ وَالْغَنَمِ) أي ولا يسلم كبير الرقيق في صغيره، ولا العكس ولا كبير الغنم في صغيرها، ولا العكس، ولهذا قال ابن القاسم: الكبار والصغار من سائر الحيوان مختلفان إلا في جنسين الغنم وبني آدم (3)، ومذهب المدونة ما ذكر في الغنم وذهب ابن وهب إلى الجواز، ولذا أجاز سلم كبش في خروفين. سند: والأول هو المعروف وما ذكره في الرقيق هو الأصح. وقال الباجي: والقياس عندي أن يكون صغيره مخالفًا لكبيره واحتج (4) باختلاف المنافع (5). ابن عبد السلام: واختياره هو الصحيح عندي (6). قلت: وهو الظاهر.

قوله: (كجِذْعٍ طَوِيلٍ غَلِيظٍ فِي غَيْرِهِ) أي ومما (7) يجوز أيضًا سلم جذع طويل غليظ في جذع ليس على تلك الصفة. وهو مذهب المدونة (8) وقال ابن حبيب: لا يجوز ذلك، وصوبه فضل (9).

قوله: (وكَسَيْفٍ قَاطِعٍ فِي سَيْفَيْنِ دُونهِ) أي دونه في القطع، وهو مذهب المدونة (10)، ابن (11) يونس: لم (12) يجزه سحنون، والصواب جوازه (13).

قوله: (وكَالْجِنْسَيْنِ، ولَوْ تَقَارَبَتِ الْمَنْفَعَةُ كَرَقِيقِ الْقُطْنِ والْكَتَّانِ) أي وهكذا يجوز

(1) انظر: المدونة: 3/ 54، والبيان والتحصيل: 7/ 147.

(2)

انظر: التوضيح: 6/ 14.

(3)

انظر: التوضيح: 6/ 15.

(4)

زاد في (ن 5): (بصحة قياسه).

(5)

انظر: المنتقى: 6/ 31.

(6)

انظر: التوضيح: 6/ 16.

(7)

قوله: (ومما) في (ن): (ولا).

(8)

انظر: المدونة: 3/ 56، وتهذيب المدونة: 3/ 7.

(9)

انظر: التوضيح: 6/ 9.

(10)

انظر: المدونة: 3/ 71.

(11)

قوله: (ابن) في (ن 4): (وابن).

(12)

في (ن 5): (ولم).

(13)

انظر: التوضيح: 6/ 22.

ص: 44

سلم أحد الجنسين في الآخر ولو تقاربت منفعتهما، كرقيق ثياب القطن في غليظ الكتان (1)، وفي رقيق ثياب الكتان لتباين الأغراض وهو مذهب المدونة (2) وروي عن مالك عدم الجواز وهو قول أشهب ولا خلاف في الجواز إذا تعدد الاسم والمنفعة كرقيق القطن في غليظ الكتان وعكسه، وكذلك إذا (3) اتحد الاسم وتعددت المنفعة كرقيق القطن مثلًا (4) في غليظه وعكسه أما إن اتحد الاسم والمنفعة كالرقيق في رقيق من جنسه، والغليظ في غليظ من جنسه فلا خلاف في المنع.

قوله: (لا جَمَلٍ فِي جَمَلَيْنِ مِثْلِهِ عُجِّلَ أَحَدُهُمَا) يريد: أنه لا يجوز أن يسلم جمل في جملين مماثلين له في صفة (5) عجل أحدهما (6) أي وأجل الآخر لأن المؤجل عوض عن المعجل (7)، والمعجل (8) زيادة، وهذا هو المشهور من (9) قول مالك (10)، وعنه أيضًا: الجواز نظرًا إلى أن المعجل عوض عن المؤجل والمؤجل محض هبة (11).

قوله: (وَكَطَيْرٍ عُلِّمَ) أي ومما يجوز أيضًا سلم الطير المعلم في غير المعلم، لأن ذلك يختلف بحسب التعليم، واحترز بالمعلم (12) من غيره كطير الماء ونحوه، فإنه لا يجوز (13) أن يسلم كبيره في صغيره ولا العكس باتفاق.

قوله: (لا بِالْبَيْض والذُّكُورَةِ والأُنُوثَةِ) فمذهب ابن القاسم أن الطير لا يختلف

(1) قوله: (في غليظ الكتان) ساقط من (ن 5).

(2)

انظر: المدونة: 3/ 73.

(3)

قوله: (تعدد الاسم

وعكسه، وكذلك إذا) ساقط من (ن 3).

(4)

قوله: (مثلًا) ساقط من (ن).

(5)

قوله: (له في صفة) ساقط من (ن 3).

(6)

قوله: (يريد: أنه لا يجوز

في صفة عجل أحدهما) ساقط من (ن 4).

(7)

قوله: (المؤجل عوض عن المعجل) يقابله في (ن) و (ن 3): (المعجل عوض عن المؤجل)، وقوله:(المعجل) يقابله في (ن 5): (الجمل).

(8)

في (ن 4): (المؤجل).

(9)

في (ن 5): (وهو).

(10)

انظر: التوضيح: 6/ 24.

(11)

في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (زيادة).

(12)

في (ن 4): (بغير المعلم).

(13)

في (ن 5): (لا يسلم).

ص: 45

بكثرة البيض وقلته، ولا بوجوده وعدمه (1). خلافًا لأصبغ ولا خلاف في أن غير الآدمي لا يختلف بالذكورة والأنوثة، واختلف في الآدمي على قولين: أشهرهما أنه لا يختلف كغيره وهو قول مالك في المدونة والعتبية وإليه أشار بقوله: (ولَوْ آدَمِيًّا) وذهب أكثر المتأخرين إلى أنه يختلف وهو الظاهر عندي.

قوله: (وغَزْلٍ وطَبْخٍ إِنْ لَمْ يَبْلُغِ النِّهَايَةَ) أي وكذلك لا يختلف الإماء بالغزل والطبخ، لأن ذلك أمر عام سهل المأخذ حتى إن الجارية إذا علمته من يومها عرفته؛ إلا ما بلغ النهاية من ذلك كمن يباع غزلها بوزنه فضة ومن تطبخ أنواعًا غريبة الشكل فائقة فلا بأس أن تسلم واحدة من هؤلاء في اثنتين وأكثر من غيرهن.

قوله: (وحِسَابٍ، وكِتَابَةٍ) أي وكذا لا يختلف الرقيق باعتبار الحساب والكتابة وهو المنصوص لابن القاسم ومثله لمالك، وقيل: يختلف، حكاه ابن زرقون عن أصبغ وابن حبيب وروى عن ابن القاسم أن الكتابة معتبرة في الذكور دون الإناث (2).

قوله: (وَالشَّيْءُ فِي مِثْلِهِ قَرْضٌ) هذا نحو قوله في المدونة: وإن أسلمت ثوبًا فسطاطيًّا في ثوب فسطاطي مثله إلى أجل فذلك قرض (3)، ثم قال: فإن ابتغيت به نفع الذي أقرضته جاز، وإن ابتغيت به نفع نفسك بطل؛ أي وكذا إن ابتغى به نفعهما.

قوله: (وأَنْ يُؤَجَّلَ بِمَعْلُومٍ زَائِدٍ عَلَى نِصْفِ شَهْرٍ) أي ومن شروط السلم أيضًا تأجيل المسلم فيه بأجل معلوم زائد على نصف شهر فإن أجل بأجل مجهول فسد، وما ذكره من التحديد بنصف شهر هو قول ابن القاسم نظرًا إلى أنه مظنة اختلاف الأسواق غالبًا، وعن مالك عدم التحديد فيها ورأى أن (4) المدة التي تختلف فيها الأسواق عرفًا كافية (5)، وهو ظاهر، لأن البلدان (6) تختلف في ذلك باعتبار النوع الواحد، كما أن البلد الواحد تختلف أسواقه باعتبار نوعين أو أكثر من السلع، إلى غير ذلك، وعن مالك

(1) انظر: البيان والتحصيل: 7/ 188 و 189.

(2)

انظر: التوضيح: 6/ 18.

(3)

انظر: المدونة: 3/ 73، وتهذيب المدونة: 3/ 26.

(4)

قوله: (فيها ورأى أن) يقابله في (ن 4) و (ن 5): (وأن).

(5)

انظر: تهذيب المدونة: 4/ 26.

(6)

في (ن 3): (البلد).

ص: 46

أيضًا في الموازية جواز ذلك إلى اليومين ولابن عبد الحكم إلى يوم. أصبغ: إن وقع إلى يومين لم يفسخ، واختاره ابن حبيب، وقال محمد: فسخه أحب إليّ، وهو ظاهر المدونة عند ابن رشد (1). المتيطي: وروى أبو تمام عن مالك إجازة السلم الحال. وخرجه بعض الأشياخ من مسائل، واعلم (2) أن قول الشيخ هنا (زَائِد عَلَى نصف شهر)، لا يوافق شيئًا من هذه الأقوال.

قوله: (كَالنَّيْرُوزِ، والْحَصَادِ والدَّرَاسِ وقُدُومِ الْحَاجِّ واعْتُبِرَ مِيقَات مُعْظَمِهِ) يعني أن الأجل في السلم لا يشترط فيه التقييد بالأيام خاصة (3) بل بها وبما هو معلوم من غيرها كالحصاد والدراس، وقدوم الحاج (4) لأنه وقت يعرف بالعادة لا يتفاوت، وأما النيروز فهو داخل في ضرب الأجل بالأيام، وإذا قلنا يجوز كونه إلى الحصاد وما ذكر معه، فإن المعتبر في ذلك ميقات معظمه. يريد: سواء كان في تلك الأيام حصاد أم لا، وكل ذلك في الحقيقة يرجع إلى التوقيت (5) بالزمان.

(المتن)

إِلَّا أَنْ يُقْبَضَ بِبَلَدٍ كَيَوْمَينِ، إِنْ خَرَجَ حِينَئِذٍ بِبَرٍّ أَوْ بِغَيرِ رِيحٍ، وَالأَشْهُرُ بِالأَهِلَّةِ، وَتُمِّمَ الْمُنْكَسِرُ مِنَ الرَّابِعِ، وَإِلَى رَبِيعٍ حَلَّ بِأَوَّلِهِ وَفَسَدَ فِيهِ عَلَى الْمَقُولِ، لَا فِي الْيَوْمِ، وَأَنْ يُضْبَطَ بعَادَة مِنْ كَيلٍ، أوْ وَزْنٍ، أَوْ عَدَدٍ، كَالرُّمَّانِ، وَقِيسَ بِخَيْطٍ، وَالْبَيْضِ أَوْ بِحِمْلٍ أَو جُرْزَةٍ فِي كَقَصِيلٍ لَا بِفَدَّانٍ، أَوْ بِتَحَرٍّ وَهَلْ بِقَدْرِ كَذَا؟ أَوْ يَأْتِي بِهِ وَيَقُولُ كَنَحْوِهِ؟ تَأْوِيلَانِ. وَفَسَدَ بِمَجْهُولٍ، وَإِنْ نَسَبَهُ أُلْغِيَ. وَجَازَ بِذِرَاعِ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ كَوَيْبَةٍ وَحَفْنَةٍ، وَفِي الْوَيْبَاتِ وَالْحَفَنَاتِ قَوْلانِ. وَأَنْ تُبَيَّنَ صِفَاتُهُ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا الْقِيمَةُ فِي السَّلَم عَادَةً، كَالنَّوْعِ، وَالْجَوْدَةِ، وَالرَّدَاءَةِ، وَبَيْنَهُمَا.

(الشرح)

قوله: (إِلا أَنْ يُقْبَضَ بِبَلَدٍ كَيَوْمَيْنِ) هذا مخرج من قوله: وأن يؤجل بمعلوم أي إلا أن يشترط قبض المسلم فيه ببلد غير البلد الذي عقد فيه فلا يطلب فيه (6) حينئذ الأجل

(1) انظر: التوضيح: 6/ 38.

(2)

قوله: (واعلم) في (ن): (على).

(3)

قوله: (خاصة) ساقط من (ن 4).

(4)

قوله: (وقدوم الحاج) ساقط من (ن 5).

(5)

في (ن 3) و (ن 4): (التوفية).

(6)

قوله: (فيه) ساقط من (ن 5).

ص: 47

البعيد، وقوله:(كَيَوْمَيْنِ) أي أن يكون ذلك البلد على مسافة يومين، وقاله في الموازية والمدونة، وفي السلم الثالث من المدونة (1): إن كانت مسافته على ثلاثة أيام جاز (2) ومفهومه أنها إن كانت يومين لم يجز، وهو مخالف لكلام الشيخ هنا.

قوله: (إِنْ خَرَجَ حِينَئِذٍ بِبَرٍّ، أَوْ بِغَيْرِ رِيحٍ) يريد أن التأجيل (3) بالمسافة مقيد بأن يخرج في الحال، وهو معنى قوله:(حينئذ) وأن يكون سفره في البر أو في البحر بغير ريح فإن انخرم شيء من ذلك فلا بد من ضرب الأجل، وهكذا قيد ابن أبي زمنين المدونة به (4).

قوله: (والأَشْهُرُ بِالأَهِلَّةِ، وتُمِّمَ الْمُنْكَسِرُ مِنَ الرَّابِعِ) فلو وقع ذلك في أثناء الشهر وأجل ذلك بثلاثة أشهر مثلًا فإنه يحسب الثاني والثالث بالأهلة ويكمل الشهر الأول وهو المنكسر من الرابع ثلاثين يومًا.

قوله: (وإِلَى رَبِيعٍ حَلَّ بِأَوَّلِهِ) أي فإن أجلا إلى شهر ربيع؛ يريد أو إلى غيره من الأشهر، فإن السلم يحل بأول جزء من ذلك الشهر، فيحل برؤية (5) هلاله، وقال بعضهم: بأول ليلة منه. قال (6) المازري: فإن وقع البيع على أن يقبضه في شهر ربيع مثلًا فقال ابن لبابة: هو أجل مجهول يفسد به البيع حتى يسمى أي وقت من الشهر يقبض فيه ذلك (7)، وأنكره ابن زَرْب وغيره (8)، وصحح المازري الأول، وإليه أشار بقوله:(وفَسَدَ فِيهِ عَلَى الْمَقُولِ) وقال ابن العطار: بصحة العقد وإنما يحل بآخر (9) الشهر، ولكنه كرهه (10) ابتداءً (11).

(1) قوله: (وفي السلم الثالث من المدونة) زيادة من (ن 5).

(2)

انظر: تهذيب المدونة: 4/ 71.

(3)

في (ن): (التقييد).

(4)

قوله: (به) ساقط من (ن).

(5)

في (ن): (برؤيته).

(6)

قوله: (قال) زيادة من (ن 5).

(7)

انظر: البيان والتحصيل: 15/ 450.

(8)

انظر: التوضيح: 6/ 41.

(9)

في (ن 3): (بتأخير).

(10)

قوله: (ولكنه كرهه) في (ن 4): (ولكن أكرهه).

(11)

انظر: الذخيرة: 5/ 254.

ص: 48

قوله: (لَا فِي الْيَوْمِ) أي فلا يفسده إذا شرط قبضه فيه لخفة الأمر فيه.

قوله: (وأَنْ يُضْبَطَ بِعَادَة مِنْ كَيْلٍ، أَوْ وَزْنٍ، أَوْ عَدَدٍ) أي ومن شروط السلم أيضًا أن يضبط المسلم فيه بعادة أهله فيه، من كيلٍ كالحنطة عندنا بمصر، أو وزن كالفاكهة، أو عدد كالرمان والبيض وقد نبه بقوله (1):(كَالرُّمَّانِ، وقيس (2) بِخَيْطٍ (3)، والْبَيْضِ) على ما يباع عددًا، وقد قال ابن القاسم عن مالك في الرمان والسفرجل يباع عددًا (4). ابن القاسم: وإن كان الكيل فيهما معروفًا جاز (5). أبو الحسن الصغير: وتقاس الرمانة بخيط ويضعانه عند أمين، وفي المدونة أن البيض يسلم فيه عددًا (6) كما قال هنا.

قوله: (أَوْ بِحِمْلٍ أَوْ جُرْزَةٍ (7) فِي كَقَصِيلٍ) يريد أن ضبط ذلك أيضًا يجوز أن (8) يكون بالأحمال والجُرز (9) وهي القبض، ومثلها الحزم، وذلك في القصيل والبقول (10) والقرط والقضب (11).

قال في المدونة: ولا بأس بالسلم في القصيل والبقول (12) إذا شرط حزمًا أو جرزًا (13) أو أحمالًا معلومة (14) وأسلم في ذلك في إبانه، أو قبل إبانه ولا يشترط أخذه إلا (15) في إبانه وكذلك (16) القصب الأخضر والقرط الأخضر إلا أن يكون القصب

(1) قوله: (والبيض وقد نبه بقوله) ساقط من (ن).

(2)

في (ن 4): (وقس).

(3)

زاد في (ن 3): (كان الكيل فيهما).

(4)

انظر: المدونة: 3/ 62.

(5)

انظر: المدونة: 3/ 62 والنوادر والزيادات: 6/ 65.

(6)

انظر: المدونة، دار صادر: 9/ 12.

(7)

في (ن 4): (حوزة).

(8)

قوله: (يجوز أن) زيادة من (ن).

(9)

في (ن 4): (الحوز).

(10)

قوله: (والبقول) ساقط من (ن 4).

(11)

في (ن 3) و (ن 4): (والقصب).

(12)

قوله: (ولا بأس بالسلم في القصيل والبقول) زيادة من (ن 5).

(13)

في (ن 4): (حوزًا).

(14)

في (ن): (معروفة).

(15)

قوله: (إلا) ساقط من (ن 3).

(16)

قوله: (وكذلك) يقابله في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (إلا أن يكون).

ص: 49

الأخضر (1) لا ينقطع، فيجوز اشتراط أخذه (2) في أي إبان شاء (3). بعض الشيوخ وصفة المسلم (4) فيه أن يقاس ذلك بحبل فيقال: أسلم (5) إليه فيما يسع هذا الحبل (6) ثم يوضع عند أمين إلى الأجل. قال (7) في المدونة: ولا يجوز (8) في شيء من ذلك اشتراط فدادين معروفة بصفة بطول وعرض، وجودة، ورداءة لأنه يختلف ولا يحاط بصفة (9)؛ وإليه أشار بقوله:(لَا بفَدَّانٍ)(10). الباجي: وجوز ذلك أشهب (11).

قوله: (أَوْ بِتَحَرِّ) أَي وهكذا يجوز السلم ويضبط بالتحري أي فيما يجوز فيه ذلك. الباجي (12): وإن اشترط في اللحم تحريًا معروفًا جاز إذا كان لذلك قدر قد عرفوه (13)، لأن اللحم يجوز بيع بعضه ببعض، تحريًا واختلف في صفة ضبطه فقال ابن أبي زيد: إنما يجوز فيما قل (14)، وصفته أن يقول: أسلمك في لحم يكون قدره عشرة أرطال مثلًا، وكذلك الخبز، وحكى ابن يونس (15) نحوه. وقال ابن زرب، صفته أن يعرض عليه قدرًا ما فيقول: مثل هذا في كل يوم، ويشهدون على المثل، ولا يجوز على شيء يتحراه، وإلى هذا وما قبله أشار بقوله:(وهَلْ بِقَدْرِ كَذَا أَوْ يَأْتِي بِهِ ويَقُولُ كَنَحْوِهِ؟ تَأْوِيلانِ).

(1) قوله: (والقرط الأخضر إلا أن يكون القصب الأخضر) زيادة من (ن).

(2)

قوله: (اشتراط أخذه) يقابله في (ن 5): (اشتراطه).

(3)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 18.

(4)

في (ن 4) و (ن 5): (السلم).

(5)

في (ن 4): (السلم).

(6)

قوله: (الحبل) زيادة من (ن 5).

(7)

في (ن 3) و (ن 4): (قاله).

(8)

قوله: (يجوز) ساقط من (ن 4).

(9)

قوله: (ولا يحاط بصفة) ساقط من (ن 5). وانظر: المدونة: 3/ 65، وتهذيب المدونة: 3/ 18.

(10)

قوله: (لَا بِفَدَّانٍ) في (ن 3) و (ن 4): (لا بفدادين).

(11)

انظر: المنتقى: 6/ 304.

(12)

قوله: (الباجي) ساقط من (ن 5)، وفي (ن):(قال في المدونة).

(13)

انظر: المنتقى: 6/ 303.

(14)

انظر: النوادر والزيادات: 6/ 15.

(15)

زاد بعده في (ن 4): (وغيره).

ص: 50

قوله: (وفَسَدَ (1) بِمَجْهُولٍ) أي فإن شرط القبض بمكيال مجهول فسد العقد يريد ويفسخ (2) على المشهور. وقال أشهب: يكره ذلك في الطعام ابتداء، وإن نزل فلا يفسخ عنده (3)، وخفف في المدونة شراء العلف والتبن بمكيال لا يعرفان نسبته للضرورة (4).

قوله: (وإِنْ نَسَبَهُ أُلْغِيَ) أي كما إذا قال كل عشرة به أردب، أي ونحو (5) ذلك، فإن المكيال المجهول يلغى ويصير المعتبر نسبته من المكيال المعتاد.

قوله: (وجَازَ بِذِرَاعِ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ كَوَيْبَةٍ وحَفْنَةٍ) أي وجاز السلم بذراع رجل معين إذا أراه الذراع وكذا الويبة و (6) الحفنة وهذا كقوله في المدونة: ومن أسلم في ثياب موصوفة بذراع رجل بعينه إلى أجل جاز ذلك إذا أراه الذراع (7)، وليأخذا قياس ذراعه عندهما كما جاز شراء ويبة وحفنة (8) بدرهم (9) إن أراه الحفنة لأنها تختلف، وفي الموازية يجوز وإن لم يره الذراع (10)، وقيل: إن نصب القاضي ذراعًا للناس معينًا لم يجز اشتراط ذراع رجل معين (11). وإلا جاز ولا يجوز بذراع وسط ولا بذراع مطلق ويحملان على الوسط واختلف إذا كثرت الويبات. والحفنات هل يجوز كالويبة، والحفنة أو يمنع؟ وإليه ذهب الأكثر ونص عليه سحنون وإلى هذا أشار بقوله:(وفِي الْوَيْبَاتِ والْحَفَنَاتِ قَوْلانِ).

قوله: (وأَنْ تُبَيَّنَ صِفَاته (12) الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا الْقِيمَةُ، فِي السَّلَمِ عَادَةً) أي ومن شروط

(1) في (ن 5): (وفسخ).

(2)

قوله: (ويفسخ) ساقط من (ن 5).

(3)

في (ن 5): (عقده).

(4)

انظر: المدونة: 3/ 89، والتوضيح: 6/ 44.

(5)

في (ن 4): (ويجوز).

(6)

قوله: (وكذا الويبة و) في (ن): (وكذلك في).

(7)

انظر: المدونة: 3/ 115.

(8)

قوله: (أي وجاز السلم

ويبة وحفنة) ساقط من (ن 3).

(9)

في (ن 3): (دراهم).

(10)

انظر: التوضيح: 6/ 43.

(11)

في (ن): (بعينه).

(12)

في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (صِفَتُهُ).

ص: 51

السلم أيضًا أن تبين فيه الصفة (1) التي تختلف بها قيمة المسلم فيه اختلافًا يتغابن (2) الناس (3) بمثله في العادة في مثل تلك السلعة، فرب صفة تعتبر (4) في نوع دون غيره (5) وفي بلد دون غيره.

قوله: (كَالنَّوْعِ، والْجَوْدَةِ، والرَّدَاءَةِ، وبَيْنَهُمَا) أي فيبين النوع والجودة والرداءة، وما بينهما أي يبين (6) ما بين الجودة والرداءة.

(المتن)

وَاللَّوْنِ فِي الْحَيَوَانِ وَالثَّوْبِ، وَالْعَسَلِ، وَمَرْعَاهُ، وَفِي الثَّمْرِ، وَالْحُوتِ، وَالنَّاحِيَةِ، وَالْقَدْرَ وَفِي الْبُرِّ، وَجِدَّتَهُ ومِلئِه؛ وإِنِ اخْتَلَفَ الثَّمَنُ بِهِمَا وَسَمْرَاءَ، وَمَحْمُولَةً بِبَلَدهمَا بِهِ، وَلَوْ بِالْحَمْلِ، بِخِلَافِ مِصْرَ فَالْمَحْمُولَةُ، أَو الشَّامِ فَالسَّمْرَاءُ، وَنَفْي الغَلَثِ. وَفِي الْحَيَوَانِ وَسِنِّه، وَالذُّكُورَةَ وَالسِّمَنَ، وَضِدَّيْهِمَا، وَفِي اللَّحْمِ، وَخَصِيًّا، وَرَاعِيًا، أَوْ مَعْلُوفًا، لَا مِنْ كَجَنْبٍ، وَفِي الرَّقِيقِ، وَالْقَدِّ، وَالْبَكَارَةِ، وَاللَّوْن.

(الشرح)

قوله: (واللَّوْنِ فِي الْحَيَوَانِ) أي ويبين اللون في الحيوان يريد: مع ذكر النوع، والجودة، والرداءة ولهذا قال بعضهم: يذكر فيه سبعة أوصاف. الأول: النوع إما حقيقة كالإنسان والفرس والبعير ونحو ذلك، أو الصنف كالرومي والزنجي والتركي ونحو ذلك، ولا بد من ذى الأمرين. والثاني: الجودة والرداءة. الثالث: اللون، وهو معتبر في الرقيق، والخيل، والإبل، وذكر سند: أنه لا يعتبر عندنا في غير الرقيق. ولعله اعتمد على المازري وأنه لم يذكر اللون في غيره. الشيخ: فليس بظاهر فإن الثمن يختلف فيه (7). الرابع: السن وهو مطلوب في الجميع. الخامس: الذكورة والأنوثة وهما معتبران في جميع الحيوان لاختلاف الثمن بهما. السادس: القد ويختص بالرقيق فلا بد من ذكر القصر والطول والتوسط. السابع: الثيوبة والبكارة في الأنثى من الرقيق ذكره المازري

(1) في (ن): (الصفات).

(2)

في (ن 5): (لا يتغابن).

(3)

قوله: (الناس) زيادة من (ن).

(4)

في (ن 3): (تعين).

(5)

في (ن): (نوعه)

(6)

قوله: (يبين) ساقط من (ن).

(7)

انظر: التوضيح: 6/ 47.

ص: 52

لكنه إن كان الثمن يختلف بذلك، وقيده سند بالعريات (1).

قوله: (والثَّوْبِ) أي: يبين اللون فيه أيضًا، يريد مع الجودة والرداءة والنوع، وهو كونه من قطن، أو كتان، أو صوف رقيقًا أو غليظًا أو متوسطًا صفيقًا أو خفيفًا ويذكر البلد.

قوله: (والْعَسَلِ، ومَرْعَاهُ) أي: وكذا يبين في العسل النوع من كونه مصريًّا أو مغربيًّا والجودة والدناءة واللون. ويذكر مرعى نحله فإنه به يختلف ثمنه.

قوله: (وفِي الثَّمْرِ، والْحُوتِ، والنَّاحِيَةِ، والْقَدْرِ) يريد ومع (2) الأوصاف السابقة أي ويذكر (3) في السلم في الثمر والحيتان: الناحية التي يجلب منها (4) ويؤخذ منها، والقدر الذي يأخذه فقوله:(وفي الثمر والحوت) معطوفان على قوله: (ويبين في الحيوان). وقوله: (والناحية) معطوف (5) على قوله: (كالنوع). قال في المدونة: والسلم في الحوت الطري (6) جائز إذا سمى جنسًا من الحوت الطري (7)، وشرط (8) ضربًا معلومًا صفته، وطوله، وناحيته إذا أسلم فيه قدرًا أو وزنًا (9). قال: والتمر (10) كله نوع واحد لكن لا يجوز السلم فيه حتى يسمى الجنس برنيًا أو صيحانيًا (11).

قوله: (وفِي الْبُرِّ وجِدَّتِه (12)) أي: ويبين في الحنطة مع ما تقدم قدمه وجدته وغير ذلك من الأوصاف التي تختلف بها القيمة في العادة وظاهر ما نقله ابن يونس عن أبي

(1) قوله: (ولعله اعتمد على المازري

وقيده سند بالعريات) زيادة من (ن 5).

(2)

في (ن 3): (يعني يزيد على)، وفي (ن):(يعني ويزيد مع).

(3)

قوله: (أي ويذكر) زيادة من (ن 5).

(4)

قوله: (يجلب منها) زيادة من (ن 5).

(5)

قوله: (معطوف) ساقط من (ن).

(6)

قوله: (الطري) ساقط من (ن 5).

(7)

قوله: (الطري) ساقط من (ن).

(8)

في (ن): (شرطا).

(9)

انظر: المدونة: 3/ 65.

(10)

في (ن 3): (والثمر).

(11)

انظر: المدونة: 3/ 65.

(12)

زاد بعده في (ن 4): (وقدمه).

ص: 53

بكر بن عبد الرحمن أنه لا (1) يراعى جدته من قدمه.

قوله: (ومِلئِه) هكذا قال غير واحد (2) أنه يذكر في القمح ممتلئه من ضامره نظرًا إلى أن الضامر (3) يقل ريعه.

قوله: (وَإِنِ اخْتَلَفَ الثَّمَنُ بِهِمَا) أي بالجودة والامتلاء وما قابلهما.

قوله: (وسَمْرَاءَ، ومَحْمُولَةً بِبَلَدهمَا به) يعني ويزيد أيضًا في القمح كونه من السمراء أو من المحمولة في البلد الذي يجتمعان فيه إن اختلف بهما الثمن وقاله في المدونة قال فيها: وإن لم يسمِ (4) جنسًا فالسلم فاسد حتى يسمي سمواء من محمولة (5). ابن يونس: قال ابن حبيب: وهذا في مثل بلد يحمل إليه البر (6)، وأما بلد ينبت فيه أسمر أو أبيض (7) فيجزئه وإن لم يذكر ذلك، ويذكر جيدًا نقيًا وسطًا (8) أو مغلوثًا وسطًا. قال: ولا وجه له، وسواء نبت فيه أو حمل إليه لا بد من ذكرهما إذا كانا مختلفين، وإليه أشار بقوله:(ولَوْ بِالْحَمْلِ).

قوله: (بِخِلافِ مِصْرَ فَالْمَحْمُولَةُ، أو الشَّامِ فَالسَّمْرَاءُ) أي فإن أسلم في مصر ولم يذكر سمراء من محمولة قضى بالمحمولة. وإن كان بالشام قضى بالسمراء، وقاله ابن القاسم في المدونة، وعن مالك: إن لم يذكر بمصر (9) سمراء من محمولة لم يجز، وقاله ابن عبد الحكم، ابن المواز: وهو أحبُّ إلينا، وقال أصبغ: ذلك جائز، لأن جل قمح مصر البيضاء إلا ما أصابته منه عاهة (10).

قوله: (وَنَفْيِ الغَلَثِ) هو بالنون والفاء، وتعريف الغلث بآلة التعريف أي فإن لم

(1) قوله: (لا) ساقط من (ن 4).

(2)

قوله: (غير واحد) في (ن 5): (غيره).

(3)

في (ن 4): (المضامير).

(4)

في (ن 4): (يسلم).

(5)

انظر: المدونة: 3/ 63.

(6)

قوله: (البر) زيادة من (ن 5).

(7)

قوله: (أسمر أو أبيض) يقابله في (ن 3) و (ن 4) ش (ن 5): (سمراء وأبيض).

(8)

قوله: (وسطًا) ساقط من (ن 3).

(9)

قوله: (بمصر) ساقط من (ن).

(10)

انظر: النوادر والزيادات: 6/ 62.

ص: 54

يذكر نقيًّا من مغلوث حمل على نفي الغلث، لأنه الغالب فيكون معطوفًا على قوله:(فالحمولة)(1)، ويقع في بعض النسخ (ونقي أو غلث) بالنون والقاف، وعطف غلث بـ"أو" مجردًا من "ال" فيكون عطفًا على الأوصاف المتقدمة والمعنى أنه يذكر في البر أيضًا كونه نقيًا أو مغلوثًا ..

قوله: (وفِي الْحَيَوَانِ وسِنِّهُ، والذُّكُورَةَ، والسِّمَنِ، وضِدَّيْهِمَا) هو معطوف على ما تقدم من المجرورات.

وقوله: (وسِنِّهُ) وما بعده معطوف على قوله: (كالنوع) والمعنى أنه يزيد في وصف الحيوان السن (2) فيقول في الرقيق يفاع (3) أو محتلم (4) أو غير ذلك مما ينبئ (5) عن سنه أو يذكر السنين ويذكر أيضًا الذكورة والسمن والأنوثة، والهزال وهما مراده بضديهما (6).

قوله: (وفِي اللَّحْمِ، وخَصِيًّا، ورَاعِيًا، أَوْ مَعْلُوفًا) أي وإذا أسلم في اللحم بَيَّن كونه من خصي، أو فحل، وكونه من راعية أو معلوفة حكاه المازري، وقال الباجي: لم أرَ لأصحابنا تفريقًا بين الذكورة والأنوثة، ولا بين الخصي والفحل ولا بد من ذكر الجنس من إبل، أو بقر، أو ضأن ونحوه (7). ابن المواز: وليس عليه ذكر موضع اللحم (8). ابن حبيب: فإن ذكره فحسن، ولم يشترطه ابن القاسم (9)، ولهذا قال هنا (لا مِنْ كَجَنْبٍ) أي فلا يشترط أن يذكر فيه جنب ولا بطن ولا غير همعا من الأعضاء. عبد الوهاب: إن اختلفت الأغراض بذلك ذكره، وإلا فلا، ولا يأخذ من ذلك إلا بعادة (10).

(1) قوله: (فيكون معطوفًا على قوله: "فالحمولة") زيادة من (ن 5).

(2)

قوله: (السن) زيادة من (ن).

(3)

في (ن): (يافع).

(4)

في (ن 3): (ويحتمل).

(5)

في (ن): (يغني).

(6)

قوله: (وهما مراده بضديهما) زيادة من (ن 5).

(7)

انظر: التوضيح: 6/ 49.

(8)

قوله: (موضع اللحم) في (ن 5): (العضو). وانظر: المنتقى: 6/ 298.

(9)

انظر: المنتقى: 6/ 298.

(10)

انظر: المنتقى: 6/ 298.

ص: 55

قوله: (وفِي الرَّقِيقِ، والْقَدِّ (1)، والْبِكَارَةِ، واللون) أي ويذكر في الرقيق مع ما تقدم في الحيوان القد (2)، فيقال طوله كذا، ويذكر في الأمة الثيوبة، والبكارة (3) إن كان الثمن يختلف بذلك عندهم، قاله المازري وقد تقدم (4)، وقوله:(واللون) تكرار مع ما تقدم.

(المتن)

قَالَ: وَكَالدَّعَجِ وَتَكَلْثُمِ الْوَجْهِ، وَفِي الثَّوْبِ، وَالرِّقَّةِ، وَالصَّفَاقَةِ، وَضِدَّيْهِمَا، وَفِي الزَّيْتِ الْمُعْصَرِ مِنْهُ، وَبِمَا يُعْصَرُ، وَحُمِلَ فِي الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَالْوَسَطُ، وَكَوْنُهُ دَيْنًا، وَوُجُودُهُ عِنْدَ حُلُولِهِ، وَإِنِ انْقَطَعَ قَبْلَهُ، لَا نَسْلِ حَيَوَانٍ عُيِّنَ وَقَلَّ، أَوْ حَائِطٍ، وَشُرِطَ -إِنْ سُمِّيَ سَلَمًا لَا بَيْعًا- إِزْهَاؤُهُ، وَسَعَةُ الْحَائِطِ، وَكَيْفِيَّةُ قَبْضِهِ، وَلِمَالِكِهِ وَشُرُوعُهُ وَإِنْ لِنِصْفِ شَهْرٍ، وَأَخْذُهُ بُسْرًا، أَوْ رُطَبًا، لَا تَمْرًا. وَإِنْ شَرَطَ تَتَمُّرَ الرُّطَبِ مَضَى بِقَبْضِهِ، وَهَلِ الْمُزْهِي كَذَلِكَ؟ وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ، أَوْ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ؟ تَأْوِيلَانِ. فَإِنِ انْقَطَعَ رَجَعَ بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ، وَهَلْ عَلَى الْقِيمَةِ؟ وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ، أَوْ عَلَى الْمَكِيلَةِ؟ تَأْوِيلَانِ.

(الشرح)

قوله: (قَالَ: وكَالدَّعَجِ، وتَكَلْثُمِ الْوَجْهِ) يريد أن المازري زاد على الأوصاف المذكورة في الرقيق، الدعج في العينين، وتكلثم الوجه وذلك لاختلاف الأغراض بذلك وهو واضح.

قوله: (وفِي الثَّوْبِ والرِّقَّةِ، والصَّفَاقَةِ، وضِديْهمَا) قد تقدم ذكر الأوصاف التي يحتاج إلى ذكرها في الثوب، وضد الصفاقة: الخفة. وضد الرقة: الغلظ، وهما مما زاده المازري أيضًا في أوصاف الثوب فيكون قوله:(وفي الثوب) معمولًا لقال، ولهذا أفردهما عن الأوصاف المتقدمة وزاد فيه أيضًا ذكر البلد.

قوله: (وفِي الزَّيْتِ والْمُعْصَرِ (5) مِنْهُ، وبِمَا يُعْصَرُ) أي ولا بد في الزيت من ذكر الجنس الذي يعصر منه، وذكر الشيء الذي يعصر فيه. ابن حبيب: فيذكر مع الصفة زيت الماء

(1) في (ن 4): (القدر).

(2)

في (ن 4): (القدر).

(3)

قوله: (والثيوبة؛ أي: ويذكر في الرقيق

والبكارة) ساقط من (ن 5).

(4)

قوله: (قاله المازري وقد تقدم) زيادة من (ن 5).

(5)

في (ن 5): (والمعتصر).

ص: 56

أو زيت المعصر (1). قال: وإن كان يجتمع في بلد، زيوت بلدان (2)، ذكر من أي بلد يأخذ.

قوله: (وحُمِلَ فِي الْجَيِّدِ والرَّدِيءِ عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلا فَالْوَسَطُ) أي فإن اشترط جيدًا أو رديئًا حمل على الغالب من ذلك إن كان، فإن لم يكن شيء من ذلك غالبًا قضي بالوسط منه وإليه أشار بقوله:(وإلا فالوسط)(3). وقال الباجي: يحمل على ما يقع عليه اسم الجيد (4).

قوله: (وكَوْنُهُ دَيْنًا) هذا أيضًا من شروط السلم وهو كون المسلم فيه دينًا في ذمة المسلم إليه احترازًا من بيع معين يتأخر قبضه.

قوله: (ووُجُودُهُ عِنْدَ حُلُولِه) هذا أيضًا من شروط السلم وهو كون المسلم فيه موجودًا عند حلول السلم.

قوله: (وإِنِ انْقَطَعَ قَبْلَهُ) أي وإن كان المسلم فيه ينقطع قبل أجل السلم، ثم يوجد عند حلوله لم يضر ذلك.

قوله: (لا نَسْلِ حَيَوَانٍ عُيِّنَ) هكذا قال في المدونة (5). ابن يونس: لأن هذا من بيع الأجنة (6). وإنما يكون المسلم في الحيوان مضمونًا لا في حيوان بعينه ولا نسله، ولأنه يشترط في المسلم فيه أن يكون مقدورًا على تحصيله عند حلول الأجل، وفي نسل الحيوان المعين قد يتعذر ذلك، ولهذا إذا كثر ذلك جاز وإليه أشار بقوله:(وقل) أي وإن كثر جاز.

قوله: (أو حائط) أي: معين فلا يسلم في ثمره إلا مع الشروط التي يذكرها وقد أشار إليها بقوله: (وشُرِطَ، إِنْ سُمِّيَ سَلَمًا لا بَيْعًا إزهاؤه، وَسَعَةُ الْحَائِطِ وكَيْفِيَّةُ قَبْضِهِ (7)،

(1) في (ن 5): (المعصرة). وانظر: النوادر والزيادات: 6/ 64.

(2)

في (ن): (بلدين).

(3)

قوله: (وإليه أشار بقوله: "وإلا فالوسط") ساقط من (ن 5).

(4)

انظر: التوضيح: 6/ 51.

(5)

انظر: المدونة: 3/ 58.

(6)

انظر: الذخيرة: 8/ 84.

(7)

قوله: (قبضه) ساقط من (ن 4).

ص: 57

ولِمَالِكِه، وشُرُوعُهُ) يريد أن هذه الأمور إنما هي مشترطة إذا عقد ذلك على أنه سلم لا بيع؛ فإن البيع (1) لا يلزم ذلك فيه وحكاه ابن شاس (2) وغيره وذكر لذلك ستة شروط.

الأول: أن تكون الثمرة قد أزهت وصارت بُسْرًا فلا يجوز قبل ذلك.

الثاني: أن يكون الحائط متسعًا يمكن أخذ المسلم فيه منه.

الثالث: أن يذكر ما يأخذ كل يوم، وهل الأيام متوالية أو مفترقة.

الرابع: أن يكون قد أسلم في ذلك لمالكه، لأن السلم إلى غيره في ذلك غرر.

الخامس: أن يشرع في الأخذ حين الشراء أو بعده بأيام يسيرة.

قال في المدونة: والخمسة عشر يومًا قريبة، وقيل: العشرون، وقيل: لا يجوز التأخير أصلًا، وإلى مذهب المدونة أشار بقوله:(وإن لنصف شهر). السادس: أن يبقى زهوه (3) أو رطبه إلى أجل لا يتمر (4) فيه، وهو معنى قوله:(وأخذه بسرًا أو رطبًا) وإنما يشترط ذلك (5) لبعد ما بين البُسر أو الرطب من التتمير فيدخله الخطر.

قوله: (وَإِنْ شَرَطَ تَتَمُّرَ الرُّطَبِ مَضَى بقبضه (6) أي: فإن وقع بشرط (7) البقاء إلى تتمير الرطب، يريد: وقد وقع عليهَ الْعقد في حال كونه رطبًا فإن غفل عنه حتى قبضه تمرًا قبل أن يطلع على فساده مضى ولا خلاف فيه، وكذلك يمضي عند ابن القاسم إذا غفل عنه حتى يبس؛ واختلف إذا وقع عليه (8) العقد وهو زهو فاشترط تأخيره إلى التتمير (9)؛ هل يمضي بقبضه كما في الرطب، وإليه ذهب أكثر الأشياخ وحملوا عليه المدونة (10)، وفي الواضحة مثله أو يفسخ مطلقًا ولا يفوت إلا بما يفوت به البيع

(1) قوله: (فإن البيع) يقابله في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (وأنه).

(2)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 752.

(3)

في (ن 5): (بسره).

(4)

قوله: (أجلٍ لا يتمر) في (ن) و (ن 3) و (ن 4): (حين الأخذ ولا يتمر).

(5)

قوله: (وإنما يشترط ذلك) في (ن 5): (أي: لا تمرًا).

(6)

قوله: (بقبضه) زيادة من (ن 5).

(7)

في (ن 5): (شرط).

(8)

قوله: (عليه) ساقط من (ن).

(9)

في (ن): (التتمر).

(10)

انظر: المدونة: 3/ 57.

ص: 58

الفاسد، وإليه ذهب ابن شبلون وغيره، وتأول عليه المدونة أيضًا وإلى هذا أشار بقوله:(وهَلِ المزهي (1) كَذَلِكَ، وعَلَيْهِ الأَكْثَرُ، أَوْ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ؟ تَأْوِيلانِ).

قوله: (فَإِنِ انْقَطَعَ رَجَعَ بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ) أي فإن انقطع بعض المسلم فيه في حائط بعينه بعد أن قبض البعض والمسألة بحالها لزمه ما أخذه بحصته من الثمن، ورجع بحصة ما بقي من الثمن (2) معجلًا، وقاله في المدونة (3). واختلف هل يرجع على حسب القيمة، وعليه الأكثر القابسي (4) وابن شبلون (5)، لأنه دخل على أن يأخذ شيئًا فشيئًا، أو على (6) حسب المكيلة، وإليه ذهب عيسى بن دينار، وإليه أشار بقوله:(وهَلْ عَلَى الْقِيمَةِ وعَلَيْهِ الأَكْثَرُ أو الْمَكِيلَةِ؟ تَأْوِيلانِ). وهذا ما لم يكن قد اشترط عليه أولًا أن يجده في يومه أو في يوم واحد، فإنه يرجع على حسب المكيلة عند الجميع.

(المتن)

وَهَلِ الْقَرْيَةُ الصَّغِيرَةُ كَذَلِكَ؟ أَوْ إِلَّا فِي وُجُوبِ تَعْجِيلِ النَّقْدِ فِيهَا؟ أَوْ تُخَالِفُهُ فِيهِ وَفِي السَّلَمِ لِمَنْ لَا مِلْكَ لَهُ؟ تَأْوِيلَاتٌ. وَإِنِ انْقَطَعَ مَا لَهُ إِبَّانٌ، أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْن الْفَسْخِ وَالإِبْقَاءِ. وَإِنْ قَبَضَ الْبَعْضَ وَجَبَ التَّأْخِيرُ، إِلَّا أَنْ يَرْضَيَا بِالْمُحَاسَبَةِ، وَلَوْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مُقَوَّمًا. وَيَجُوزُ فِيمَا طُبِخَ، وَاللُّؤْلُؤِّ، وَالْعَنْبَرِ، وَالْجَوْهَرِ، وَالزُّجَاجِ، وَالْجِصِّ، وَالزَّرْنِيخِ، وَأَحْمَالِ الْحَطَبِ، وَالأَدَمِ، وَصُوفٍ بِالْوَزْنِ، لَا بِالْجِزَزِ، وَالسُّيُوفِ وَتَوْرٍ لِيُكَمِّلَ، وَالشِّرَاءُ مِنْ دَائِمِ الْعَمَلِ كَالْخَبَّازِ، وَهُوَ بَيْعٌ وَإِنْ لَمْ يَدُمْ فَهُوَ سَلَمٌ، كَاسْتِصْنَاعِ سَيْفٍ أَوْ سَرْجٍ. وَفَسَدَ بِتَعْيِينِ الْمَعْمُولِ مِنْهُ.

(الشرح)

قوله: (وَهَلِ الْقَرْيَةُ الصَّغِيرَةُ كَذَلِكَ؟ أَوْ إِلا فِي وجُوب تَعْجِيلِ النَّقْدِ فِيهَا أَوْ تخَالفه فِيهِ، وفِي السَّلَمِ لمَنْ لا مِلْكَ لَهُ تَأْوِيلات (7) أي: وهل

(1) في (ن 4): (الزهو).

(2)

في (ن 3): (الثمر).

(3)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 9.

(4)

في (ن 3) و (ن 4): (والقابسي).

(5)

انظر: التوضيح: 6/ 33.

(6)

في (ن 3): (وعلى).

(7)

في (ن 4): (تأويلان).

ص: 59

السلم (1) في ثمر القرية الصغيرة كالسلم (2) في ثمر حائط بعينه، من كل وجه، أو يخالفه في وجوب تعجيل النقد (3) في القرية الصغيرة بخلاف الحائط أو يخالفه فيه أي في تعجيل النقد (4) فيها، وفي جواز السلم (5) لمن لا ملك له فيها بخلاف الحائط ثلاثة تأويلات ونصه عند ابن يونس.

قال مالك: والسلم في ثمر قرية مما ينقطع طعامها أو ثمرها في بعض السنة كالسلم في حائط بعينه لا يصح (6) في ثمرها إلا إذا أزهى واشترط أخذه بسرًا أو رطبًا، ولا يجوز أن يشترط أخذه ثمرًا؛ لأن القرية غير مأمونة (7). قال أبو محمد: ولا يجوز هاهنا تأخير رأس المال؛ لأنه مضمون في الذمة بخلاف الحائط بعينه وقال غيره السلم في القرية الصغيرة يوافق السلم في حائط بعينه في وجهين:

أحدهما: لأنه لا يسلم في ثمره إلا بعد زهوه.

والثاني: أن يشترط أخذه بسرًا أو رطبًا، ولا يجوز تمرًا ويخالفه في وجهين: أحدهما (8): أنه يجوز لمن ليس له بتلك القرية حائط. والثاني: أنه لا (9) يجوز تأخير رأس مال السلم؛ لأنه مضمون وذلك بين (10).

قوله: (وَإِنِ انْقَطَعَ مَا لَهُ إِبَّانٌ، أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي (11) بَيْن الْفَسْخِ وَالإِبْقَاءِ) أي: فإن كان السلم فيما له إبان أو من قرية معينة فلم يقبض المشتري شيئًا حتى انقطع الإبان وفات الأخذ، فإن المشتري يخير حينئذ بين أن يفسخ العقد عن نفسه ويأخذ

(1) في (ن 5): (المسلم).

(2)

في (ن 5): (المسلم).

(3)

قوله: (تعجيل النقد) يقابله في (ن): (النفقة).

(4)

قوله: (النقد) ساقط من (ن).

(5)

في (ن 5): (المسلم).

(6)

في (ن 3): (يسلم).

(7)

انظر: المدونة: 3/ 60.

(8)

قوله: (لأنه لا يسلم في ثمره

ويخالفه في وجهين: أحدهما) ساقط من (ن 3).

(9)

قوله: (أنه لا) ساقط من (ن 3).

(10)

في (ن 5): (أبين).

(11)

قوله: (الْمُشْتَرِي) ساقط من (ن 4).

ص: 60

رأس ماله، وبين أن يصبر حتى يقبضه في إبانه في (1) العام القابل.

قوله: (وَإِنْ قَبَضَ الْبَعْضَ وَجَبَ التَّأْخِيرُ، إِلا أَنْ يَرْضَيا بِالْمُحَاسَبَةِ) أي: فإن قبض بعض المسلم فيه ثم انقطع وجب تأخير الباقي إلى إبانه إلا أن يجتمعا على المحاسبة فلهما ذلك وهو مذهب المدونة فيما له إبان فقبض بعضه ثم انقطع الإبان، انظر الكبير.

قوله: (وَلَوْ كَانَ رَأْسُ المالِ مُقَوَّمًا) ومعنى هذا أن يجتمع المتبايعان على أن يرد البائع للمشتري من رأس المال بقدر ما بقي من سلمه ويتمسك من سلمه بالمقبوض وحده فإن قبض ثلث المبيع ورد البائع عليه ثلثي رأس ماله وعلى هذه النسبة فيما قل وكثر وهذا إذا كان رأس المال من ذوات الأمثال وأما إن كان من ذوات القيم فأجاز ابن القاسم الإقالة فيه والمحاسبة بعد التقويم ومنعها سحنون وإلى اختلافهما أشار الشيخ بقوله: (ولو كان رأس المال مقوما)(2). أي: وإذا تراضيا بالمحاسبة فلا يشترط أن يكون رأس مال السلم (3) مثليًّا، بل يجوز التراضي ولو كان مقومًا عند ابن القاسم، وعند سحنون لا يجوز إلا إذا كان مثليًّا (4).

قوله: (وَيَجُوزُ فِيمَا طُبِخَ) أي: ويجوز السلم فيما طبخ من الأطعمة يريد إذا كان مما تحصره الصفة.

قوله: (وَاللُّؤْلُؤِ، وَالْعَنْبَرِ، وَالْجَوْهَرِ، وَالزُّجَاجِ، وَالْجِصِّ وَالزِّرْنِيخِ، وَأَحْمَالِ الْحَطَبِ، وَالأَدَمِ) هكذا قال في المدونة. وزاد فيها والمسك (5) وصنوف الفصوص والطوب والنورة والحجارة، وشبه ذلك إذا كان موصوفًا معروفًا مضمونًا، وجلود البقر والغنم، وفي الرقوق (6) والأدم والقراطيس إذا اشترط من ذلك كله شيئًا معلومًا (7).

قوله: (وَصُوفٍ بِالْوَزْنِ، لا بِالْجِزَزِ) يعني أنه يجوز أن يسلم في الصوف بالوزن لا

(1) قوله: (حتى يقبضه في إبانه في) يقابله في (ن): (فيها إلى).

(2)

قوله: (ومعنى هذا أن يجتمع

بقوله: "ولو كان رأس المال مقوما") زيادة من (ن).

(3)

قوله: (مال السلم) في (ن): (المال).

(4)

انظر: عقد الجواهر: 3/ 9، والتوضيح: 5/ 305.

(5)

في (ن 4): (والسمك).

(6)

قوله: (وفي الرقوق) ساقط من (ن 5)، وفي (ن 3):(وفي الرقيق)، وفي (ن):(وفي الدفوف).

(7)

انظر: المدونة: 3/ 67 و 68، وتهذيب المدونة: 3/ 21.

ص: 61

بالجزز (1)، قال في المدونة: إلا أن يشترط (2) عند إبان جزازه ولا تأخذ لذلك ويرى (3) الغنم فلا بأس بذلك (4).

قوله: (والسُّيُوفِ) أي: في نصول السيف، قال في المدونة والسكاكين (5).

قوله: (وَتَوْرٍ لِيُكَمِّلَ) وهو آنية من نحاس على هيئة الطست، ومعنى ذلك أن من وجد شخصًا قد شرع في عمل تور؛ فاشتراه منه على أن يكمله له ودفع إليه ثمنه فإن ذلك جائز، وهذا بخلاف من باع ثوبًا قد نسج بعضه على أن يكمل فإنه لا يجوز، كما يأتي إن شاء الله تعالى (6).

قوله: (وَالشِّرَاءُ مِنْ دَائِمِ الْعَمَلِ كَالْخَبَّازِ، وَهُوَ بَيْعٌ) يريد أنه يجوز الشراء من الصانع الدائم العمل كالخباز والقصاب على أن يأخذ منه كل يوم كذا، وهو المشهور وعن مالك منعه ويشترط على الأول أن يكون ذلك موجودًا عنده، وأن يشرع في الأخذ (7).

قوله: (وَإِنْ لَمْ يَدُمْ فَهُوَ سَلَمٌ) هكذا قال ابن بشير أنهم أعطوه حكم السلم (8). وأجازوه للضرورة، واشترط (9) في أصل السلم أن يبقى إلى أجل السلم فأبعد، وأن يقدم فيه رأس المال. فإن تعذر شيء من ذلك فيه تعلق بالذمة.

قوله: (كاسْتِصْنَاعِ سَيْفٍ أَوْ سَرْجٍ) يريد أن من ابتاع من غيره سيفًا ليصنعه له أو سرجًا كذلك فهو سلم وهو ظاهر. وقاله (10) ابن القاسم (11) ولا إشكال في جوازه إذا كان المصنوع منه والصانع غير معينين، وأنه يجري مجرى السلم فلا بد من

(1) قوله: (بالجزز) في (ن): (بعدد جززه).

(2)

في (ن 5): (يشتريه).

(3)

قوله: (تأخير لذلك ويرى) يقابله في (ن 3) و (ن 4): (تأخذ بذلك ويرضى).

(4)

انظر: المدونة: 3/ 68.

(5)

انظر: المدونة: 3/ 70.

(6)

قوله: (كما يأتي إن شاء الله تعالى) زيادة من (ن 5).

(7)

انظر: التوضيح: 6/ 28.

(8)

انظر: التوضيح: 6/ 29.

(9)

قوله: (واشترط) في (ن): (ويشترط فيه ما يشترط).

(10)

في (ن 3): (قوله).

(11)

زاد بعده في (ن 4): (في المدونة). وانظر: المدونة: 3/ 23.

ص: 62

وصف العمل وضرب الأجل وتقديم رأس المال، فإن كانا معينين فليس بسلم وإنما هو بيع وأجرة في الشيء المبيع وكذلك إذا كان المصنوع منه معينًا دون الصانع، ولا يجوز ذلك في هذين الوضعين إلا بشروط، ذكرناها في الكبير. وأما إذا كان الصانع معينًا دون المصنوع منه، فقال في المقدمات: لا يجوز أصلا (1) على حال لأنه يجتذبه (2) أصلان متناقضان، أحدهما: لزوم النقد لكون ما يعمل منه مضمونًا، والثاني (3): امتناعه بشرط عمل الصانع بعينه.

قوله: (وَفَسَدَ بِتَعْيِينِ الْمَعْمُولِ مِنْهُ) يريد أو تعيين الصانع قال في المدونة: ومن استصنع طستًا أو تورًا أو قلنسوة أو خفًّا ونحوه بصفة معلومة فإن كان مضمونًا لمثل أجل السلم، ولم يشترط عمل رجل بعينه ولا شيئًا معينًا يعمله منه جاز إن تقدم رأس المال مكانه أو إلى يوم أو يومين، فإن ضربا (4) لرأس المال أجلًا بعيدًا لم يجز وصار دينًا بدين (5). قال: وإن شرط عمله من نحاس أو حديد بعينه أو عمل رجل بعينه (6) لم يجز وإن نقده؛ لأنه غرر لا يدري أيسلم إلى ذلك الأجل أم لا. ولا يكون السلم في شيء بعينه، وقال أشهب: يجوز إن شرع في العمل (7)، ومثله عنده إذا تأخر مثل (8) ثلاثة أيام لا أزيد.

(المتن)

وَإِنِ اشْتَرَى الْمَعْمُولَ مِنْهُ وَاسْتَأْجَرَهُ جَازَ إِنْ شَرَعَ عَيَّنَ عَامِلَهُ أَمْ لَا، لَا فِي مَا لَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ: كَتُرَابِ الْمَعْدِنِ وَالدَّارِ، وَالأَرْضِ، وَالْجزَافِ، وَمَا لَا يُوجَدُ، وَحَدِيدٍ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ السُّيُوفُ فِي سُيُوفٍ وَبِالْعَكْسِ، وَكَتَّانٍ غَلِيظٍ فِي رَقِيقِهِ، إِنْ لَمْ يُغْزَلَا، وَثَوْبٍ لِيُكَمَّلَ، وَمَصْنُوعٍ قُدِّمَ لَا يَعُودُ هَيِّنَ الصَّنْعَةِ، كَالْغَزْلِ،

(1) قوله: (أصلا) زيادة من (ن).

(2)

في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (يوجد به). وانظر: المقدمات الممهدات: 1/ 357.

(3)

قوله: (الثاني) زيادة من (ن 5).

(4)

في (ن 5): (ضرب).

(5)

انظر: المدونة: 3/ 68، وتهذيب المدونة: 2/ 55.

(6)

قوله: (أو عمل رجل بعينه) زيادة من (ن 5).

(7)

انظر: الذخيرة: 5/ 250.

(8)

قوله: (مثل) ساقط من (ن).

ص: 63

بِخِلَافِ النَّسْجِ إِلَّا ثِيَابَ الْخَزِّ، فَإِنْ قُدِّمَ أَصْلُهُ اعْتُبِرَ الأَجَلُ، وَإِنْ عَادَ اعْتُبِرَ فِيهِمَا. وَالْمَصْنُوعَانِ يَعُودَانِ يُنْظَرُ لِلْمَنْفَعَةِ، وَجَازَ قَبْلَ زَمَانِهِ قَبُولُ صِفَتِهِ فَقَطْ.

(الشرح)

قوله: (وَإِنِ اشْتَرَى الْمَعْمُولَ مِنْهُ وَاسْتَأْجَرَهُ جَازَ، إِنْ شَرَعَ عَيَّنَ عَامِلَهُ أَمْ لَا) هذا هو المشهور، وهو (1) الجاري على أصل ابن القاسم في جواز اجتماع البيع والإجارة ومنع ذلك سحنون إذا كان محل الإجارة في نفس المبيع.

قوله: (لا فِيما لا يُمْكِنُ وَصْفُهُ كَتُرَابِ الْمَعْدِنِ) أي فلا يجوز السلم فيما لا يمكن حصره بالصفة كتراب المعادن قال في المدونة (2) لأن صفته لا تعرف.

قوله: (وَالدَّارِ وَالأَرْضِ) يريد لأن وصفها مما تختلف فيه الأغراض يستلزم تعيينها، فيؤدي إلى كون المسلم فيه معينًا وخرج بعضهم جواز السلم في العقار من قول أشهب: إنه يجوز السلم في البقول الفدادين، لأنه إن لم توصف الفدادين لم يجز السلم، وإن وصفه كأنه صار معينًا (3).

قوله: (وَالْجِزَافِ) يريد لقوة الغرر فيه وأيضًا فإن الجزاف لا بد أن يكون مرئيًا حين العقد وذلك مانع من (4) السلم لأنه يصير بيع معين يتأخر قبضه، وإن لم يكن مرئيًا امتنع للجهالة.

قوله: (وَمَا لا يُوجَدُ) وهذا مما لا إشكال فيه.

قوله: (وَحَدِيدٍ وَإِنْ لَمْ تخْرُجْ مِنْة السُّيُوفُ فِي سُيُوفٍ أَوْ بِالْعَكْسِ) أي وهكذا يمتنع سلم الحديد في السيوف (5) سواء خرج منه السيوف أم لا في سيوف، ويمتنع سلم السيوف في الحديد سواء كان يخرج منه سيوف أم لا (6)، والمسألة رباعية: سيوف في حديد تخرج منه السيوف، سيوف في حديد لا تخرج منه السيوف، حديد تخرج منه

(1) قوله: (وهو) زيادة من (ن).

(2)

انظر: المدونة: 3/ 69، وتهذيب المدونة: 3/ 22.

(3)

انظر: التوضيح: 6/ 47.

(4)

في (ن 5): (ممنوع في).

(5)

قوله: (في السيوف) زيادة من (ن 5).

(6)

قوله: (في سيوف، ويمتنع سلم

كان يخرج منه سيوف أم لا) ساقط من (ن).

ص: 64

السيوف، حديد لا تخرج منه السيوف في السيوف (1). وهذه الأوجه الأربعة ذكرها أبو الحسن الصغير قال: ومذهب ابن القاسم فيها المنع، وقال سحنون: لا بأس بسلم حديد لا يخرج منه السيوف في سيوف. عبد الحق: وهو موافق للكتاب (2).

قوله: (وَكَتَّانٍ غَلِيظٍ فِي رَقِيقِهِ، إِنْ لَمْ يُغْزَلا) أي: وكذا يمتنع سلم الغليظ من غزل الكتان فيما رق، إذا وقع العقد قبل غزلهما لأن كلا من المتبايعين لا يدفع ذلك لصاحبه إلا بعد أن يهيئه له، وذلك يؤدي إلى ابتداء الدين بالدين.

قوله: (وَثَوْبٍ لِيُكَمَّلَ) أي وهكذا لا (3) يجوز أن يبيع ثوبًا قد نسج بعضه على أن يكمله للمشتري وقاله في الموازية والواضحة وزاد إلا أن يكون الباقي يسيرًا جدًّا، والفرق بين هذه المسألة ومسألة التور المتقدمة أن التور إذا لم يوجد على الصفة المشترطة يمكن إعادته على وفق المراد، وذلك يناسب الجواز، لأن إمكان (4) إعادة المصنوع مما ينتفي معه الغرر، والثوب إذا لم يوجد على ذلك لا تمكن إعادته ثانيًا، وذلك يؤدي إلى الغرر المفسد للبيع.

قوله: (وَمَصْنُوعٍ قُدِّمَ لا يَعُودُ هَيِّنَ الصَّنْعَةِ كَالْغَزْلِ) يريد أنه يمتنع أيضًا سلم المصنوع في غير المصنوع إذا كان صنعته هينة كالغزل مع الكتان، المازري: وهو المشهور وقال غيره: هو الأشهر. وقيل: يجوز لأنهما صنفان، واختاره ابن يونس، قيل: وهو القياس.

قوله: (بِخِلافِ النَّسْجِ) أي وشبهه مما تكون صنعته معتبرة في نقله عن أصله فيجوز سلم الثياب في الغزل لاختلاف الأغراض وتباين المنافع، وقيل: النسج ليس بصنعة (5).

قوله: (إِلا ثِيَابَ (6) الْخَزِّ) أي فلا يجوز أن يسلم في الخز. أبو محمد: لأن الخز ينفش،

(1) قوله: (والمسألة رباعية

في السيوف) زيادة من (ن 5).

(2)

انظر: المدونة: 3/ 71، والتوضيح: 6/ 23.

(3)

قوله: (لا) ساقط من (ن 3).

(4)

قوله: (إمكان) زيادة من (ن 5).

(5)

قوله: (وقيل: النسج ليس بصنعة) زيادة من (ن 5).

(6)

في (ن 5): (ثبات).

ص: 65

ولو نسج (1).

قوله: (فَإِنْ قُدِّمَ أَصْلُهُ اعْتُبِرَ الأَجَلُ) أي: فإن قدم غير المصنوع، مثل أن يسلم الكتان في ثوب كتان أو النحاس في قدر نحاس، ونحو ذلك اعتبر الأجل على معنى أنه إن كان يمكن فيه جعل غير المصنوع مثل المصنوع (2) امتنع للمزابنة، وإلا جاز لانتفائها.

قوله: (وَإِنْ عَادَ اعْتُبِرَ فِيهِمَا) أي: فإن كان المصنوع الذي قدمه يمكن عوده على الحالة التي كان عليها في الأصل كالرصاص والصفر (3) ونحوها فإن الأجل يعتبر، فإن أمكن فيه جعل غير المصنوع مصنوعًا امتنع وإلا جاز، وسواء قدم غير المصنوع أو قدم المصنوع، وعلى ذلك يعود ضمير التثنية. فأما اشتراط الأجل مع تقديم غير المصنوع فظاهر، لأنه إذا كان لا يسع أن يعمل فيه غير المصنوع مثل المصنوع أُمِنَ (4) أن يتفقا (5) على سلم الشيء فيما يخرج منه، وأما إذا قدم المصنوع فلا معنى لاشتراط الأجل فيه إذ لا يخشى أن يصنع فيه مثل ذلك إذ يبعد أن يفسد المصنوع ويزيد عليه ويدفعه لصاحبه، إلا أن يحمل على صورة نادرة وهو أن يكون المصنوع لقدمه قليل الثمن، فإذا زالت صنعته ظهرت له صورة وفيه بعد.

قوله: (وَالْمَصْنُوعَانِ يَعُودَانِ يُنْظَرُ لِلْمَنْفَعَةِ) يريد أن المصنوعين إذا كان أصلهما واحدًا والصنعة التي فيهما يمكن زوالها وعود المصنوع إلى أصله فإنه ينظر؛ فإن تقاربت منفعتهما منع سلم أحدهما في الآخر، كسلم إبريق نحاس في مثله، أو طاسة في مثلها أو نحو ذلك، وإن تباعدت جاز كسلم إبريق في منارة أو مسامير في سيف إلا أن تقييده ذلك بالعودة يوهم أنهما لو كانا لا يعودان لم ينظر إلى المنفعة، وليس كذلك إذ لا فرق بين ما يعود وما لا يعود، ولهذا لا يجوز سلم الرقيق من الثياب في الرقيق منها إذا اتحد الجنس بلا خلاف. قاله أبو الحسن الصغير، وكذلك الغليظ منها في الغليظ من

(1) قوله: (ولو نسج) زيادة من (ن 5).

(2)

قوله: (مثل المصنوع) زيادة من (ن 3).

(3)

قوله: (والصفر) زيادة من (ن 5).

(4)

في (ن 3): (أقر).

(5)

في (ن): (يتقي).

ص: 66

جنسه (1) بخلاف الرقيق مع الغليظ لتباين ما بين المنفعتين.

قوله: (وَجَازَ قَبْلَ زَمَانِهِ قَبُولُ صِفَتِه فَقَطْ) أي وجاز للمشتري إذا قضاه البائع قبل حلول أجل السلم من نوع ما في ذمته على الصفة المشترطة بينهما قبول ذلك منه لا ما إذا قضاه أجود أو أردأ، ولهذا قال:(فقط) لأنه في أخذ الأجود من باب "حط عني الضمان وأزيدك" وفي أخذ الأردأ "ضع وتعجل" وهما ممنوعان.

(المتن)

كَقَبْلَ مَحَلِّهِ فِي الْعَرْضِ مُطْلَقًا. وَفِي الطَّعَامِ إِذَا حَلَّ الْأَجَلُ إِنْ لَمْ يَدْفَعْ كِرَاءً، وَلَزِمَ بَعْدَهُمَا كَقَاضٍ إِنْ غَابَ، وَجَازَ أَجْوَدُ، وَأَرْدَأُ، لَا أَقَلُّ، لا عَنْ مِثْلِهِ وَتبْرَأ مِمَّا زَادَ. وَلَا دَقِيقٌ عَنْ قَمْحٍ، وَعَكْسُهُ، وَغَيرِ جِنْسِهِ، إِنْ جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَبَيْعُهُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ مُنَاجَزَةً، وَأَنْ يُسْلَمَ فِيهِ رَأْسُ الْمَالِ، لَا طَعَامٍ، وَلَحْمٍ بِحَيَوَانٍ، وَذَهَبٍ، وَرَأْسُ الْمَالِ وَرِقٌ، وَعَكْسُهُ. وَجَازَ بَعْدَ أَجَلِهِ الزِّيَادَةُ لِيَزِيدَهُ طُولًا، كَقَبْلَهُ إِنْ عَجَّلَ دَرَاهِمَهُ، وَغَزْلٍ يَنْسِجُهُ، لَا أَعْرَضَ أَوْ أَصْفَقَ، وَلَا يَلْزَمُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ مَحَلِّهِ وَلَوْ خَفَّ حَمْلُهُ.

(الشرح)

قوله: (كَقَبْلَ مَحَلِّهِ فِي الْعَرْضِ مُطْلَقًا، وَفِي الطَّعَامِ إِذَا حَلَّ الْأَجَلُ) أي وكذلك يجوز للمشتري أن يقبل من البائع العرض قبل محله سواء حل أجل (2) السلم أم لا وهو مراده بالإطلاق، والطعام إذا حل الأجل وإن لم يحل لم يجز، فإن أبى المشتري من قبوله لم يجبر عليه، ثم نبه بقوله:(إِنْ لَمْ يَدْفَعْ كِرَاءً) على أن جواز القبول في العرض والطعام مقيد بأن لا يدفع المسلم إليه كراء (3) حمولة ذلك إلى موضع (4) القضاء وقاله في المدونة، وزاد لأن البلد بمنزلة الأجل (5).

قوله: (وَلَزِمَ بَعْدَهُمَا) يريد أن البائع إذا دفع للمشتري ما له في ذمته (6) في المكان

(1) قوله: (من جنسه) زيادة من (ن 5).

(2)

قوله: (أجل) ساقط من (ن).

(3)

قوله: (كراء) ساقط من (ن).

(4)

في (ن 3): (يوم).

(5)

في (ن) و (ن 5): (البلدان بمنزلة الآجال). وزاد في (ن): (ما بعده كأنك بعته قبل قبضه وأسقطت عنه الضمان على ما تعجلته). وانظر: المدونة: 3/ 91.

(6)

في (ن): (جهته).

ص: 67

المشترط فيه قبض السلم بعد حلول الأجل فإنه يلزمه قبوله، والضمير المثنى عائد على المحل والأجل.

قوله: (كَقَاضٍ إِنْ غَابَ) أي: فإن غاب رب الدين فلم يوجد في بلد القبض فدفع ذلك البائع للقاضي فإنه يلزمه القبول ليحفظه لربه حتى يقدم وهو ظاهر.

قوله: (وَجَازَ أَجْوَدُ وَأَرْدَأُ) أي فإن دفع البائع أجود مما في ذمته أو أردأ، جاز للمشتري أخذه (1)، ونص على ذلك ابن القاسم في الأجود من العينين من بيع أو قرض قبل الأجل أو بعده، ونص في الجواهر على أن رب الدين يلزمه ذلك؛ لأن مقصوده قد حصل، وزاد (2) ابن عبد السلام: وهو قول غير واحد من المتأخرين ولم يذكر المساوي لوضوحه.

قوله: (لا أَقَلُّ، إِلا عَنْ مِثْلِهِ) أي: فإن دُفع له شيء من جنس ما عليه إلا أنه أقل مما في ذمته مقدارًا فإن كان أجود لم يجز إلا بشرطين (3) أن يكون قضاءً عن مثله، والثاني (4) هو المراد بقوله:(وَتبْرَأ مِمَّا زَادَ) أي: تبرأ ذمته منه، ونحوه في المدونة.

قوله: (وَلا دَقِيقٌ عَنْ قَمْحٍ، وَعَكْسُهُ) هو معطوف على قوله: (لَا أَقَلُّ) أي: فلا يجوز أن يأخذ دقيقًا عن قمح، أو قمحًا عن دقيق، وهو محكي عن مالك (5) مراعاة لقول من قال: إنهما جنسان؛ ولأن ذلك يؤدي إلى تجويز (6) بيع الطعام (7) قبل قبضه.

قوله: (وَغَيْر جِنْسِهِ، إِنْ جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَبَيْعُهُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ مُنَاجَزَةً، وَأَنْ يُسْلَمَ فِيهِ رَأْسُ الْمَالِ، لا طَعَامٍ، وَلَحْمٍ بِحَيَوَانٍ، وَذَهَبٍ، وَرَأْسُ الْمَالِ ورِقٌ، وَعَكْسُهُ) أي: فإن كان القضاء بغير الجنس جاز بشروط ثلاثة: الأول: أن يكون المسلم فيه مما يجوز بيعه قبل قيضه احترازًا من الطعام، فإنه لا يجوز أن يقبض (8) عنه شيء من غير جنسه ولهذا

(1) في (ن): (قبوله)

(2)

في (ن) و (ن 5): (وزيادة).

(3)

في (ن 3): (بشرطين أحدهما)، وفي (ن 5):(بشرط).

(4)

في (ن 5): (الباقي).

(5)

انظر: المدونة: 3/ 83.

(6)

قوله: (تجويز) ساقط من (ن).

(7)

قوله: (الطعام) ساقط من (ن 4).

(8)

في (ن 3): (يقضى) و (ن) و (ن 5): (يقتضي).

ص: 68

قال: (لَا طَعَامٍ). الثاني: أن يكون المأخوذ مما يباع بالمسلم فيه (1) يدًا بيد وهو المراد بالمناجزة، فلا يأخذ لحمًا عن حيوان، ولا حيوانًا عن لحم، ولهذا قال:(لَا لحمٍ بِحَيَوَانٍ). الثالث: أن يكون المأخوذ مما يجوز أن يسلم فيه رأس المال، فيخرج عن ذلك أخذ الطعام إذا كان رأس المال طعامًا إلا أن يتساوى الطعامان فيجوز وتكون إقالة ويخرج (2) منه أخذ الذهب إذا كان رأس المال ورقًا، أو بالعكس، ولهذا قال:(وَذَهَبٍ (3)، وَرَأْسُ الْمَالِ ورِقٌ، وَعَكْسُهُ).

قوله: (وَجَازَ بَعْدَ أَجَلِهِ الزيادة ليزيده طولًا كقبله (4) إن عجَّل دراهمه، وغزل ينسجه) هذا نحو قوله في المدونة: وإن أسلمت إلى أجل (5) في ثياب موصوفة فزدته قبل الأجل دراهم نقدًا (6) على إن زادك طولًا جاز (7). لأنهما صفقتان، وكذلك لو دفعت إليه غزلًا ينسجه ثوبًا ستة في ثلاثة، ثم زدته دراهم وغزلًا على أن يزيدك في طول أو عرض (8) فلا بأس به، وهما صفقتان. انتهى. وقال سحنون: لا يجوز ذلك لأنه دين بدين (9).

قوله: (لا أَعْرَضَ أَوْ أَصْفَقَ) أي: فلا يجوز، نص عليه اللخمي فقال: إن زاده دراهم قبل الأجل ليأخذ عند (10) الأجل أصفق، أو أرق، أو أعرض لم يجز، وهو فسخ دين في دين (11)، ونص ابن شاس على جواز (12) الأعرض كالأطول، وليس بظاهر (13).

(1) قوله: (فيه) ساقط من (ن 3).

(2)

زاد بعده في (ن 4): (عن ذلك).

(3)

في (ن) و (ن 5): (ولا ذهب).

(4)

في (ن 4): (كقبوله).

(5)

في (ن) و (ن 5): (رجل).

(6)

قوله: (نقدًا) ساقط من (ن 4).

(7)

انظر: المدونة: 3/ 114، وتهذيب المدونة: 3/ 58.

(8)

قوله: (أو عرض) ساقط من (ن 3).

(9)

انظر: الجامع بين الأمهات: لابن الحاجب: 1/ 559.

(10)

قوله: (عند) يقابله في (ن): (إذا حل).

(11)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:3029.

(12)

زاد بعده في (ن 4): (أخذه).

(13)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 757، وجامع الأمهات:373.

ص: 69