الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب [في أحكام الضمان]
(المتن)
بَابٌ الضَّمَانُ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ. وَصَحَّ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ: كَمكَاتَبٍ، وَمَأْذُونٍ أَذِنَ سَيدُهمَا، وَزَوْجَةٍ، وَمَرِيضٍ بِثُلُثٍ، وَاتُّبعَ ذُو الرِّقِّ بِهِ إِنْ عَتَقَ، وَلَيْسَ لِلسَّيدِ جَبْرُه عَلَيْهِ، وَعَنِ الْمَيّتِ وَالْمُفْلِسِ، وَالضَّامِنِ، وَالْمُؤَجَّلِ حَالًا، إِنْ كَانَ مِمَّا يُعَجَّل، وَعَكْسُهُ إِنْ أَيْسَرَ غَرِيمُهُ أَوْ لَمْ يُوسِرْ فِي الأَجَلِ، وَبِالْمُوسِرِ أَوْ بِالْمُعْسِرِ، لا بالْجَمِيعِ بِدِينٍ لازِمٍ، أَوْ آيِلٍ إلَيْهِ، لا كِتَابَةٍ بَلْ كَجعْلٍ، وَدَايِنْ فُلانًا، وَلَزِمَ فِيمَا ثَبَتَ وَهَلْ يُقَيَّدُ بِمَا يُعَامَلُ بِهِ؟ تَأوِيلانِ.
(الشرح)
(الضَّمانُ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالحق) هكذا فسره عبد الوهاب في تلقينه (1)، وهو ظاهر التصور، وأورد عليه أنه غير جامع لخروج ضمان الوجه، وضمان الطلب، وغير مانع؛ لأن من باع شخصا بدين ثم باع آخر بدين فإنه يصدق عليه ذلك أنه شغل ذمة أخرى، وأيضا فإن الحق في كلامه يشمل البدني أيضا، وأن من ابتاع سلعة فأشرك فيها غيره فإن فيها شغل ذمة أخرى بالحق، وكذلك لو ولاه وليس بضمان، وأجيب بأن ضمان الوجه تشغل فيه الذمة على المشهور، وأطلق الضمان على الطلب مجازا، و (الـ) في كلامه للعهد، فمراده بالحق الحق الأول، وأن الحقوق البدنية خرجت بقوله:(شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى) لأن الذمم لا تشغل بالحقوق البدنية، وإنما تشغل بالحقوق المالية (2)؛ لأن الشاغل في الشركة والتولية مختلف؛ لأن البائع شغل ذمة المبتاع وهو شغل ذمة من أشركه أو وَلَّاه.
قوله: (وَصَحَّ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ) يريد: أنه يشترط في الضمان أن يكون ممن يصح منه التبرع احترازا من الصغير والمجنون والعبد على (3) غير المأذون له، والمريض فيما زاد على الثلث.
قوله: (كَمُكَاتَبٍ وَمَأْذُونٍ إِنْ أَذِنَ سَيِّدُهُمَا) أي: وهكذا المدبر وأم الولد وغيرهما، وقاله في المدونة (4)، قال فيها: وإن كان على المأذون دين يغترق ماله لم تجز كفالته، وإن
(1) انظر: التلقين: 2/ 174.
(2)
قوله: (بالحقوق المالية) يقابله في (ن): (بالمالية).
(3)
قوله: (على) زيادة من (ن).
(4)
انظر: المدونة، دار صادر: 13/ 279.
أذن له السيد، وقال غيره: لا يجوز ذلك للمكاتب، وإن أذن سيده؛ لأنه داعية إلى رقّه (1)، ولعبد الملك جواز ذلك بغير إذن سيده.
(وَزَوْجَةٍ وَمَرِيضٍ بِثُلُثٍ) قوله: (بِثُلُثٍ) قيد في المسألتين معًا، ومراده أن الزوجة والمريض لا يجوز ضمانهما إلا في الثلث، قال في المدونة: إن حمله الثلث جاز وإن كره (2) الزوج؛ لأن ذلك ليس بضرر، وإن جاوز الثلث فللزوج ردّ الجميع وإجازته؛ لأنه ليس بضرر إلا أن تزيد على الثلث كالدينار وما خف، فيمضي الثلث مع ما زاد (3)، وقال المغيرة: يرد ما زاد (4).
قوله: (وَاتُّبعَ ذُو الرِّقِّ به إِنْ عَتَقَ) يريد: ما لم يسقطه سيده قبل عتقه، قال في المدونة: فإن ردّه سيده لم يلزمه ذلك إن عتق، وإن لم يرده حتى عتق لزمه ذلك علمه السيد قبل عتق العبد أم لا (5).
قوله: (وَلَيْسَ لِلسيِّدِ جَبْرُهُ عَلَيْهِ) أي: وليس للسيد أن يجبر العبد على الضمان، وهذا هو المشهور، وقاله في المدونة، وزاد فيها: ولا يلزمه إن جبره (6)، ومقابل المشهور رواية أبي زيد (7) عن ابن القاسم أنه يجبره؛ لأنه يجوز له انتزاع ماله، وعن عبد الملك أن له جبره إلا أن يكون على العبد دين يحيط بماله (8).
قوله: (وَعَنِ الميِّتِ وَالْمْفلِسِ) أي: ويصح الضمان عن الميت والمفلس، ولا خلاف في ذلك إن كان الميت موسرًا، واختلف إذا كان معسرًا، فذهب الجمهور إلى صحته، ولزومه إن وقع.
قوله: (وَالضَّامِنِ) أي: وكذا يصح عن الضامن بما ضمنه، قال في المدونة: ومن
(1) انظر: المدونة، دار صادر: 13/ 279.
(2)
في (ن 5): (ذكره).
(3)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 40 و 41.
(4)
انظر: عقد الجواهر: 2/ 801.
(5)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 35.
(6)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 36.
(7)
في (ن) و (ن 4): (ابن أبي زيد).
(8)
انظر: المقدمات الممهدات: 2/ 305.
أخذ من الكفيل كفيلا لزمه ما لزم الكفيل (1).
قوله: (وَالْمؤَجَّلِ حَالًا، إِنْ كَانَ ممَّا يُعَجَّلُ) أي: وكذا يصح أن يضمن المؤجل حالا إذا كان الحق مما يجوز له تعجيله، وهكذا قيد ابن يونس به المدونة، قال (2): وأما إذا كان عرضا أو حيوانا من بيع فلا يجوز؛ لأن فيه حُطَّ عَنِّي الضمان وأَزِيدك تَوَثُّقا (3)، فإن كان الدين عينا أو عرضا من قرض جاز، وإن كان من بيع وكان قصد الغريم بتعجيله منفعة الطالب جاز، وإن أراد إسقاط الضمان عن نفسه؛ لم يجز.
قوله: (وَعَكْسُهُ إِنْ أَيْسَرَ غَرِيمُهُ) أي: وهكذا يصح أن يضمن المال (4) الحال مؤجلا، أي: يضمنه بشرط تأجيله، وذكر اللخمي أن ذلك يصح بشرط أن يكون الغريم موسرا (5) كما قال هنا ليسلما من سلف جر منفعة، بخلاف ما إذا كان معسرا كما سيذكره.
قوله: (أَوْ لَمْ يُوسِرْ في الأَجَلِ) أي: وهكذا يصح ضمان الحال مؤجلا إذا كان من هو عليه لا يوسر في الأجل، وإنما يوسر بعد انقضائه، ولا خلاف فيه، فلو كان يوسر قبل انقضاء الأجل لم يصح، وقاله ابن القاسم (6)؛ لأن الزمن الذي تأخّر عن يساره يعد فيه صاحب الحق مسلفا؛ لأنه أخر ما عجل، وانتفع بالحميل الذي أخذه عن غريمه (7)، وذهب أشهب إلى جوازه (8).
قوله: (وَبِالمُوسَرِ أَوِ المُعْسَرِ لا بالجْمِيعِ) يريد: أن الغريم إذا كان موسرا بالبعض دون البعض فإنه يصح الضمان عنه بأحدهما فقط، ولا يصح أن يضمنه بالمجموع، مثاله لو كان عليه مائتا درهم وهو موسر بمائة فضمنه بإحدى المائتين لا غير، أي لا
(1) انظر: المدونة: 4/ 107، وتهذيب المدونة: 4/ 25.
(2)
قوله: (قال) زيادة من (ن).
(3)
انظر: التوضيح: 6/ 333.
(4)
قوله: (لمال) زيادة من (ن).
(5)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:5642.
(6)
انظر: عقد الجواهر: 2/ 817، وجامع الأمهات: 1/ 590، والتوضيح: 6/ 332.
(7)
قوله: (الذي أخذه عن غريمه) زيادة من (ز 4).
(8)
انظر: عقد الجواهر 2/ 817، وجامع الأمهات 1/ 590، والتوضيح: 6/ 332.
بالجموع؛ لأن فيه السلف بزيادة إذ تأخيره بالمائة الموسر بها سلف، وانتفع بالضامن في المائة المعسر بها، وقاله اللخمي (1) وصاحب البيان.
قوله: (بِدَيْنٍ لازِمٍ، أَوْ آيِلٍ إِلَيْه) أي: وصح الضمان من أهل التبرع بسبب دين لازم أو آيل للزوم، يريد: وسواء كان معلومًا أو مجهولًا.
قوله: (لا كِتَابةٍ) أي: لأنها ليست بدين لازم؛ لأن المكاتب لو عجز عنها صار رقّا، والضامن إذا لم يلزم الأصل بشيء لم يسقط (2) عنه الضمان، وهذا هو المعروف، ولابن عبد الحكم: لا بأس بالضمان في الكتابة (3).
قوله: (بَلْ كَجُعْلٍ) لما ذكر إن التحمل بالكتابة لا يصح؛ لأنها دين غير لازم (4) خَشِي أن يعتقد بأن التحمل بالجعل كذلك لكونه غير (5) لازم في الحال على المشهور (6) فثص على أن حكمه حكم الدين اللازم (7)، ولأنه وإن لم يكن لازما الآن فهو آيل إلى اللزوم، وعلى هذا فتقدير كلامه أولا وآخرا، وصح الضمان إن كان المضمون دينا لازما أو آيلا إلى اللزوم كجعل لا كتابة، ولو قدم قوله:(كَجُعْلٍ) على قوله: (لا كتابة)، وحذف حرف الإضراب لكان أخصر وأحسن، وممن يقول بصحة (8) الضمان في الجعل المازري، كقوله: إن جئتني بعبدي الآبق فلك عشرة دنانير، فقال: هذا تصح الحمالة به أيضا قبل المجيء بالآبق، فإن جاء به لزم الحميل ما تحمل به، وإن لم يأتِ به سقطت الحمالة (9).
قوله: (وداين فلانا ولزم فيما ثبت) يريد أن الحمالة إنما تصح أيضا إذا قال داين فلانا
(1) انظر: التبصرة، للخمي، ص:5642.
(2)
قوله: (لم يسقط) يقابله في (ن 5): (سقط).
(3)
قوله: (في الكتابة) ساقط من (ن) و (ن 5). وانظر: التوضيح: 6/ 323.
(4)
قوله: (دين غير لازم) يقابله في (ن): (غير دين لازم).
(5)
قوله: (يعتقد بأن التحمل بالجعل كذلك لكونه غير) يقابله في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (ينقض عليه بالجعل؛ لأنه أيضا غير دين).
(6)
قوله: (على المشهور) زيادة من (ن 5).
(7)
قوله: (خشي أن ينقض عليه بالجعل
…
أن حكمه حكم الدين اللازم) ساقط من (ن 3).
(8)
قوله: (يقول بصحة) يقابله في (ن 5): (نقل صحة).
(9)
انظر: شرح التلقين: 1/ 129.
فما داينته به أو بائعه (1) فأنا ضامن له، قال في المدونة: ويلزمه إذا ثبت مبلغه، وقال غيره: إنما يلزمه من ذلك ما يشبه أن يداين به المحمول عنه (2)، وجعله ابن يونس وابن رشد تفسيرا (3)، وقال المازري: وهو الأظهر، ومن الأشياخ من جعله خلافا، وإليه أشار بقوله (4):(وَهَلْ يقيدُ بِمَا يُعَامَلُ بِهِ؟ تَأْوِيلانِ).
(المتن)
وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْمُعَامَلَةِ، بِخِلافِ احْلِفْ وَأَنَا ضَامِن بِهِ، إِنْ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ مِن ضَامِنِهِ، وَإِنْ جُهِلَ، أَوْ مَنْ لَهُ، وَلو بغَيرِ إِذْنِهِ كَأَدَائِهِ رِفْقًا لا عَنَتًا فَيُرَدُّ كَشِرَائِهِ، وَهَلْ إِنْ عَلِمَ بَائِعُهُ وَهُوَ الأَظْهَرُ؟ تَأوِيلانِ. لا إِنِ ادُّعِيَ على غَائِبٍ فَضَمِنَ ثُمَّ أَنْكَرَ، وَقَالَ لِمُدَّعٍ على مُنْكِرٍ: إِنْ لَمْ آتِكَ بِهِ لِغَدٍ فَأَنَا ضَامِن وَلَمْ يَأْتِ بِهِ، إِنْ لَمْ يُثْبُتْ حَقُّهُ بِبَيّنَةٍ، وَهَلْ بِإِقْرَارِهِ؟ تَأوِيلانِ. كقَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَجلْنِي الْيَوْمَ فَإِنْ لَمْ أُوَفِّكَ غَدًا فَالَّذِي تَدَّعِيهِ عَلَيَّ حَقٌّ،
(الشرح)
قوله: (وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ المُعَامَلَةِ، بِخِلافِ احْلِفْ وَأَنَا ضَامِنٌ به) قال في المدونة ولو لم يداينه حتى أتاه الحميل، فقال: لا تفعل، فقد بدى لي، فذلك له بخلاف قوله:(احْلِفْ وَأَنَا ضَامِنٌ) ثم رجع قبل اليمين، هذا لا ينفعه رجوعه؛ لأنه حق وجب (5).
ابن يونس: والفرق بينهما أن الذي قال: احلف، إنما تدعى لحق أن المدعي يقول: أنا قد ادعيت أن لي عليه (6) كذا وكذا، وقد أحل هذا نفسه محل المدعى عليه (7)، فكما لو قال المدعى عليه: احلف لي وأنا أغرم لك، لم يكن له رجوع فذلك هذا، والذي قال عامله وأنا ضامن كقول العامل نفسه: عاملني وأنا أعطيك حميلا، فكما كان لهذا أن
(1) قوله: (أو بائعه) ساقط من (ن) و (ن 5).
(2)
انظر: المدونة: 4/ 102.
(3)
انظر: البيان والتحصيل: 11/ 325.
(4)
قوله: (وإليه أشار بقوله) يقابله في (ن): (ولهذا قال).
(5)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 20.
(6)
في (ن 3): (عليك).
(7)
قوله: (إنما تدعى لحق أن المدعي
…
المدعى عليه) يقابله في (ن 5): (إنما تدعيه حق قد نزَّل نفسه منزلة المدعى عليه).
يرجع؛ لأنه لم يدخله في شيء، فكذلك لا يلزم من قال: عامل فلانا (1)، وقيل: إن ذلك عدة، فله أن يرجع؛ إذ لا يقضى عليه بالعدة، وحكى المازري عن بعض أصحابه (2) أنه إنما يرجع إذا أطلق، وأما إذا قيد، فقال: عامله بمائة دينار، فلا رجوع له (3)، قال: وأنكر غيره هذه التفرقة، وروى (4) أنه له الرجوع مطلقا، وخرج بعضهم فيها الأربعة الأقوال التي في العدة (5)، وثالثها: إن كانت على سبب لزمت وإلا فلا. ورابعها: تلزم إن دخلت في السبب وإلا فلا (6).
قوله: (إِنْ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ضَامِنِهِ) هذا شرط في المضمون، وهو أن يكون مما يمكن استيفاؤه من الضامن احترازا من الحقوق البدنية والجراح والقتل؛ إذ لا يمكن استيفاؤها من الضامن، ومثله ضمان العين.
قوله: (وَإِنْ جُهِلَ) أي: أن الضامن يصح وإن جهل المضمون؛ لأن ذلك كالهبة وهبة المجهول جائز (7)، وقد تقدم أنه يصح أن يقول: داينْ فلانًا وأنا بما داينته به ضامن، وهو مجهول، ولو استغنى الشيخ بتلك عن هذه لاكتفى.
قوله: (أَوْ مَنْ لَهُ) أي: وهكذا يصح الضمان وإن جهل من له الحق وهو المضمون له، إذ لا تشترط معرفته، وكذلك لا يشترط رضاه (8)، ولهذا قال:(ولو بِغَيْرِ إِذْنِهِ) أي: فيصح الضمان بغير إذنه ويلزمه ما تحمل به، لأن المقصود براءة ذمة الغريم مما عليه.
قوله: (كَأَدَائِهِ رِفْقًا لا عَنَتًا فَيردُّ كَشِرَائِهِ) أي: وكذا يجوز (9) أن يؤدي الدين عن
(1) قوله: (عامل فلانا) يقابله في (ن): (عامله).
(2)
في (ن) و (ن 5): (أشياخه).
(3)
انظر: شرح التلقين: 8/ 186.
(4)
في (ن 3): (ورأى)، وفي (ن 4):(وأرى).
(5)
قوله: (وخرج بعضهم فيها الأربعة الأقوال التي في العدة) يقابله في (ن 5): (المازري أيضا وبعض أشياخي: يجري هذا على الخلاف في الهبة هل يلزم بالقول. الشيخ في التوضيح، وقد يخرج فيها خلاف على الخلاف في العدة هل تلزم، وفي كتاب العارية من البيان في العدة أربعة).
(6)
قوله: (ورابعها: تلزم إن دخلت في السبب وإلا فلا) ساقط من (ن 4).
(7)
قوله: (لأن ذلك كالهبة وهبة المجهول جائز) زيادة من (ن 5).
(8)
قوله: (رضاه) يقابله في (ن): (رضا المضمون عنه).
(9)
في (ن): (يصح).
الغريم بغير إذنه إن فعله رفقا (1) بالمطلوب، قال في المدونة: وأما إن أراد الضرر بطلبه وإعناته، أو أراد سجنه لعدمه لعداوة بينه وبينه منع من ذلك، وكذلك إذا اشتريت دينا عليه تعنيتا لم يجز البيع ورد إن علم بها (2)، وظاهرها عند ابن يونس وغيره (3) أن قصد المشتري وحده الإضرار كافٍ في فسخ المعاوضة، وكذلك قال بعض المتأخرين، وقيل (4): لا بد من علم البائع بالضرر الذي قصد المشتري، وإلا لم يفسخ، ويباع الدين على المشتري فيرتفع الضرر (5).
ابن رشد (6): وهو أظهر، وإليه أشار بقوله:(وَهَلْ إِنْ عَلِمَ بَائِعُهُ وَهُوَ الأَظْهَرُ؟ تَأوِيلانِ).
قوله: (لا إِن ادُّعِيَ عَلَى غَائِبٍ فَضُمِنَ ثُمَّ أَنكَرَ، وقَالَ لمدَّع عَلَى مُنكرٍ: إِنْ لم آتِكَ بِهِ لِغَدٍ فَأنا ضَامِنٌ وَلم يَأْتِ بِهِ، إِنْ لم يَثْبُتْ حَقُّهُ بِبَيَّنةٍ) أي: فلا يلزمه ما تحمّل به إلا أن يثبت ذلك ببينة، وهذه المسائل في المدونة (7)، قال فيها: ومن ادّعى على رجل حقا فأنكره، فقال له رجل: أنا به كفيل إلى غد، فإن لم آتك به غدا فأنا ضامن للمال، وسمى عدده، فإن لم يأت به في الغد فلا يلزمه شيء حتى يثبت الحق ببينة (8) فيكون حميلا بذلك، وسواء أقرّ المدعى عليه بهذا المال الآن أو أنكره إذا كان اليوم معدما. عياض: وظاهره (9) أن إقرار المنكر بعد: (لا يلزم الكفيل به شيء إلا ببينةٍ)، وهو نص ما في
(1) زاد في (ن): (أو عنانه).
(2)
انظر: المدونة: 4/ 70.
(3)
قوله: (وغيره) ساقط من (ن 5).
(4)
في (ن): (وقال).
(5)
انظر: النكت والفروق: 2/ 163، والذخيرة: 8/ 212، والتوضيح: 6/ 294.
(6)
في (ن) و (ن 5): (ابن يونس). لم أقف على نسبة هذا القول لابن رشد؛ إنما هو منسوب إلى ابن يونس، كما في الذخيرة: 8/ 212، والتوضيح: 6/ 294. قال ابن غازي في "شفاء الغليل": 1/ 650: "إنما وقفت على هذا الترجيح لابن يونس، وعنه نقل في "التوضيح"، فإن لم يقله ابن رشد فصوابه وهو الأرجح"، اهـ. والله أعلم.
(7)
قوله: (وهذه المسائل في المدونة) ساقط من (ن 5).
(8)
انظر: المدونة: 4/ 99.
(9)
في (ن 3): (وفائدته).
كتاب محمد، ومثله ما في سماع عيسى في العتبية (1)، وعليه حمل بعضهم الكتاب، واستدلَّ أيضا بقوله:(بايع فلانا فما بايعته بشيء فأنا له ضامن (2)، ثم قال: لزم الغريم، وقيل: إن إقراره كقيام البينة، وهو دليل الكتاب أيضا من قوله (3): فلم يأت به من الغد فذلك شرط ثبوت حقه ببينته، ومثله في سماع عيسى وإلى هذين التأويلين أشار بقوله:(وَهَلْ بِإقْرَاره؟ تَأْوِيلانِ) ثم قال في المدونة: قال ابن القاسم: وإن أنكر المدعى عليه، ثم قال للطالب: أجلني اليوم فإن لم أوفك غدا فالذي تدعيه قِبَلِي حقٌ، فهذه مخاطرة، ولا شيء عليه إن لم يأت به إلا أن يقيم عليه (4) بذلك بينة (5)، وإلى هذا أشار بقوله:(كَقَوْلِ المُدَّعَى عَلَيْهِ أَجلْنِي الْيَوْمَ، فَإنْ لم أُوَفِّكَ غدًا فَالذِي تَدَّعِيهِ عَلي حَقٌّ) أي: فلا يلزمه شيء حتى يثبت حقه ببينة، وأما مسألة الغائب فأشار إليها في المدونة بقوله: ومن قال: لي على فلان ألف درهم، فقال له رجل: أنا به كفيل، فأتى فلان فأنكرها لم يلزم (6) الكفيل شيء حتى يثبت ذلك ببينة (7)، ابن المواز: لا بإقرار المطلوب الآن (8)، ولو كان إقراره بذلك قبل الحمالة لزم الحميل (9) الغرم.
(المتن)
وَرَجَعَ بِمَا أَدَّى وَلَوْ مُقَوَّمًا إِنْ ثَبتَ الدَّفْعُ بِبَيّنَةٍ، وَجَازَ صُلْحُهُ عَنْهُ بِمَا جَازَ لِلْغَرِيمِ عَلَى الأَصَحِّ، وَرَجَعَ بِالأَقَلِّ مِنْهُ أَوْ قِيمَتِهِ. وإنْ بَرِئَ الأَصْلُ بَرِئَ، لا عَكْسُهُ، وَعُجِّلَ بِمَوْتِ الضَّامِنِ، وَرَجَعَ وَارِثُهُ بَعْدَ أَجَلِهِ أَوِ الْغَرِيمِ إِن تَرَكَهُ. وَلا يُطَالَبُ
(1) انظر: النوادر والزيادات: 10/ 113، والتاج والإكليل: 5/ 102، ومواهب الجليل: 7/ 35، وقال فيه:"ونص كلام عياض المشار إليه من التنبيهات قوله في الكتاب فيمن ادعى قبل رجل حقا وهو منكر فقال له رجل أنا كفيل لك به إلى غد فإن لم آتك به فأنا ضامن للمال فلم يأت به في غد فلا يلزم الحميل شيء حتى يثبت الحق ببينة فيكون حميلا". اهـ.
(2)
زاد بعده في (ن 4): (فما بايعته بشيء فأنا له ضامن).
(3)
قوله: (من قوله) ساقط من (ن 3).
(4)
قوله: (عليه) زيادة من (ن).
(5)
انظر: المدونة: 4/ 98.
(6)
قوله: (يلزم) يقابله في (ن): (يثبت على).
(7)
انظر: المدونة: 4/ 99.
(8)
انظر: النوادر والزيادات: 10/ 113.
(9)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (المحيل).
إِنْ حَضَرَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا، أَوْ لَمْ يَبْعُدْ إِثْبَاتُهُ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ لَهُ فِي مَلائِهِ، وَأَفَادَ شَرْطُ أَخْذِ أَيّهِمَا شَاءَ وَتَقْدِيمِهِ، أَوْ إِنْ مَاتَ، كَشَرْطِ ذِي الْوَجْهِ أَوْ رَبِّ الدَّيْنِ التَّصْدِيقَ فِي الإِحْضَارِ، وَلَهُ طَلَبُ الْمُسْتَحِقِّ بِتَخْلِيصِهِ عِنْدَ أَجَلِهِ، لا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إِلَيْهِ، وَضَمِنَهُ إِنِ اقْتَضَاهُ، لا أُرْسِلَ بِهِ.
(الشرح)
قوله: (وَرَجَعَ بِمَا أَدَّى (1) وَلَوْ مُقَوَّمًا، إِنْ ثَبَتَ الدَّفْعُ بِبَينةٍ) أي: ورجع الضامن على الغريم بما أدّى عنه إن ثبت الدفع (2) ببينة أو بإقرار صاحب الدين؛ لأن الحق سقط حينئذ، ولا يكفي في ذلك إقرار الغريم؛ لأن الضامن في أدائه كالوكيل عنه، ويرجع بمثل المقوم لا بقيمته؛ لأنه كالسلف وهو المشهور، وقاله ابن القاسم وأشهب ونحوه في الواضحة، وفي سماع أبي زيد أن المطلوب بالخيار إن شاء دفع مثله (3) أو قيمته، وهذا ما لم يشتر (4) العرض (5) لذلك، فإن اشتراه له ولم يحاب في ثمنه فلا خلاف أنه يرجع بثمنه الذي اشتراه به، ولا يرجع بالزيادة إن حابى، ولا إشكال أنه يرجع بمثل ما أدّى (6) إن كان مثليا (7).
قوله: (وَجَازَ صُلْحُهُ عَنْهُ بِمَا جَازَ لِلْغَرِيمِ على الأَصَحِّ) يريد: أن الضامن يتنزل في صلحه منزلة الغريم، فما جاز للغريم أن يدفعه عوضا عن ما عليه جاز للضامن وما لا فلا، فلو ضمنه في عروض له عليه من سلم لم يجز أن يصالح عنها قبل الأجل بأدنى صفة أو قدرًا (8)؛ لئلا يدخله: ضع وتعجل، ولا بأكثر لئلا يدخله: حط عني (9) الضمان وأزيدك، ويجوز أن يصالح بعد الأجل عن دنانير طيبة بدنانير أدنى
(1) في (ن 5): (ادعى).
(2)
قوله: (الدفع) زيادة من (ن 3).
(3)
في (ن 3) و (ن 4): (ثمنه).
(4)
في (ن 5): (يشترِط).
(5)
في (ن): (العوض).
(6)
في (ن 5): (ادعى).
(7)
انظر: التوضيح: 6/ 309.
(8)
قوله: (أو قدرًا) زيادة من (ن 3).
(9)
قوله: (عني) زيادة من (ن).
منها؛ لأنه يعلم أن الغريم إنما يدفع الأدنى، وكذلك العكس؛ لأنه إنما يدفع ما عليه، وقيل: يجوز صلحه عنه مطلقًا؛ لأنه مكارمة، وقيل: يمنع صلحه مطلقًا للجهالة فيما يرجع به، وقيل: يجوز أن يصالح بمقوم لا بمثلي؛ لأن المقوم يرجع فيه إلى القيمة وهي من جنس الدين، وحكى في البيان رابعا بالجواز فيما تجوز فيه النسيئة في المبايعة لا فيما لا تجوز، كأن يؤدي دنانير عن دراهم أو قمحا عن تمر (1)، ولا خلاف في جواز الصلح إذا دفع الضامن من الصنف الذي على الغريم.
قوله: (وَرَجَعَ بِالأقَل مِنْهُ أَوْ قِيمَتِهِ) يريد: إذا صالح بمقوم، لأن الرجوع بالأقل من الدين أو القيمة إنما يكون في ذلك، لأن المثلي لا يدخله تقويم هنا.
قوله: (وَإِنْ بَرِئَ الأَصْلُ بَرِئَ لا عَكْسُهُ) يريد: أن الغريم إذا برئ من الدين بأن يكون الطالب قد وهب له أو دفعه له عنه أحد (2) أو نحو ذلك فإن الضامن يبرأ؛ لأن طلب الضامن متفرع عن ثبوت الدين على الغريم، فإذا ارتفع الأصل ارتفع فرعه بخلاف العكس، فإن الطالب إذا أبرأ الضامن لا يبرأ بذلك الغريم (3)، وقاله في المدونة (4): أي لأن الدين مرتب في ذمة الغريم كما (5) كان، وإنما يسقط عن الضامن من التحمل، قال (6) الباجي: وإذا وهب الطالب حقه للغريم برئ الحميل ولو وهب الحق للحميل لم يبرأ الغريم، وعليه أن يؤدي (7) للمتحمل له (8).
قوله: (وَعُجِّلَ بمَوْتِ الضَّامِنِ، وَرَجَعَ وَارِثُهُ بَعْدَ أَجَلِهِ) يريد: أن الحق وإن كان مؤجلًا فإنه يعجل (9) بموت الضامن، ولربه أن يعجله من تركته إن شاء ويرجع وارثه على الغريم بعد الأجل، وذكر في المدونة أن له التعجيل، ولو كان الغريم حاضرًا
(1) في (ن) و (ن 5): (ثمر). وانظر: البيان والتحصيل: 11/ 343.
(2)
قوله: (عنه أحد) زيادة من (ن).
(3)
انظر: التوضيح: 6/ 303.
(4)
انظر: المدونة: 4/ 127.
(5)
قوله: (كما) يقابله في (ن): (على ما).
(6)
في (ن): (قاله).
(7)
في (ن): (يوفي).
(8)
قوله: (يؤدي للمتحمل له) يقابله في (ن 4): (يوفي للمتحمل حقه). وانظر: المنتقى: 7/ 492.
(9)
في (ن 5): (يحل).
مليًّا (1)، وفي المذهب رواية أن الحق يؤخذ من تركته، ولا يدفع للطالب بل يوقف إلى الأجل، فإن لم يكن الأصل مليًّا أخذه الطالب، وإلا أخذه الورثة، وهي رواية ابن وهب (2) وبها قال عبد الملك (3)، وحكى اللخمي والمازري عن ابن نافع قولًا بالفرق بين أن تكون تركة الحميل مأمونة فلا يأخذ الدين منها معجلا، ولا يوقف وإلا وقف (4).
قوله: (أَوِ (5) الْغَرِيمِ إِنْ ترَكَهُ) يريد: أن الحق أيضًا يعجل بموت الغريم إن تركه مُقَوَّمًا (6)، قال في الجواهر: فإن كان الدين مؤجلا فمات الأصل (7) يعجل للطالب حقه من ماله، فإن لم يترك مالا لم يطالب الكفيل بشيء حتى يحل الأجل (8).
قوله: (وَلا يُطَالَبُ، إِنْ حضَرَ (9) الْغَرِيمُ مُوسرًا) يريد: أن الحميل لا يطالب والغريم حاضر ملي، وهذا هو المشهور، وإليه رجع مالك، وكان يقول: له أن يأخذ من شاء (10) منهما، والقولان في المدونة، وأشار بقوله:(أَوْ لم يَبْعُدْ إِثْبَاتُهُ عَلَيْهِ) إلى أن الغريم إذا غاب وله مال يعدى فيه ولم يبعد إثباته على الغريم (11) ولا النظر فيه، فإنه يكون بمنزلة الحاضر المليّ فيؤخذ الحق من ماله، وهذا تقييد الغير في المدونة. ابن رشد في الأجوبة: وهو تفسير لا خلاف، وكذلك حمله من أدركناه من الشيوخ، وبه جرى العمل (12).
قوله: (وَالْقَوْلُ لَهُ في مَلائِهِ) يريد: أن الطالب إذا قام يطلب حقّه من الحميل (13)
(1) انظر: تهذيب المدونة: 4/ 16 و 17.
(2)
قوله: (وهي رواية ابن وهب) زيادة من (ن 5).
(3)
انظر: عقد الجواهر: 2/ 818.
(4)
انظر: التبصرة، للخمي، ص: 5622، وشرح التلقين: 8/ 173.
(5)
في (ن 3): (و).
(6)
قوله: (مقوما) زيادة من (ن 5).
(7)
في (ن): (الأصيل).
(8)
انظر: عقد الجواهر: 2/ 818.
(9)
في (ن 4): (أحضر).
(10)
قوله: (من شاء) ساقط من (ن).
(11)
قوله: (إلى أن الغريم إذا غاب
…
ولم يبعد إثباته على الغريم) زيادة من (ن 5).
(12)
انظر: مسائل ابن رشد: 2/ 974.
(13)
في (ن 3): (الغريم).
وادّعى أن الغريم معدم، وقال الحميل: بل هو مليّ، فإن الحميل يصدق، يريد: إلا أن يقيم ربّ الدّين بينة بعدمه بعض الأشياخ: وهذا القول هو الأظهر (1)، وعزاه ابن زرقون لابن القاسم، وحكى في المقدمات عن سحنون أن الطالب يصدق إلا أن يقيم الحميل بينة بما (2) على (3) الغريم، ونسبه ابن زرقون أيضا لابن القاسم (4).
قوله: (وَأَفَادَ شَرْطُ أَخْذِ أَيهما شَاءَ) يريد: أن الطالب إذا اشترط أن يأخذ بحقه من شاء من الضامن أو الغريم فله ذلك. ابن رشد: وهو المشهور عن ابن القاسم (5)، وقيل: لا يفيده، وهو قول أشهب وابن كنانة وعبد الملك، ومثله عن ابن القاسم أيضًا، والقولان عن مالك.
قوله: (وَتَقْدِيمِهِ) أي: وكذا يفيده شرط تقديم الحميل على الغريم، قال في المقدمات: واختلف إن شرط على الحميل أن حقّه عليه، وأنه أبرأ الغريم، فظاهر قول ابن القاسم: أن الشرط جائز، ولا رجوع له على الغريم، وروى ابن وهب عن مالك أنه لا رجوع له (6) عليه إلا أن يموت الحميل أو يفلس، وروى مطرف عن مالك أن له الرجوع إن شاء، وقال ابن الماجشون أنه شرط باطل (7)، وقيل بإعمال الشرط في السيئ المطالبة أو ذي السلطان، ونسب لابن القاسم، وقيل بإعماله مطلقًا إن كان (8) في أصل البيع، وإن كان بعده نفعه في سيئ القضاء وذي السلطان، وعزاه ابن رشد أيضا لابن القاسم (9).
قوله: (أوْ إِنْ مَاتَ) يحتمل أن يكون المشترط هنا هو الحميل، أي اشترط على
(1) في (ن 3): (الظاهر).
(2)
قوله: (بما) ساقط من (ن).
(3)
في (ن): (بملاء).
(4)
قوله: (وحكى في المقدمات
…
لابن القاسم) ساقط من (ن 3). وانظر: المقدمات الممهدات: 2/ 73، والتوضيح: 6/ 302.
(5)
انظر: المقدمات الممهدات: 2/ 73.
(6)
قوله: (له) ساقط من (ن).
(7)
انظر: المقدمات الممهدات: 2/ 73.
(8)
في (ن): (صدر).
(9)
قوله: (وقيل بإعماله مطلقًا
…
لابن القاسم) ساقط من (ن 3). وانظر: المقدمات الممهدات: 2/ 73.
صاحب الدين أنه لا يرجع عليه إلا عند موت الغريم، ولا خلاف في إعمال هذا الشرط، ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى رواية ابن وهب، والمعنى (1) وأفاد شرط تقديمه مطلقًا، ولا رجوع له على الغريم، أو لا رجوع له عليه إلا أن يموت، ولهذا حمل بعضهم رواية ابن وهب على التفسير لقول ابن القاسم، قال: ومعنى ما ذهب إليه ابن القاسم أنه لا رجوع للطالب على الغريم الأول إلا أن يموت أو يفلس (2).
قوله: (كشَرْطِ ذِي الْوَجْهِ) أي: وأفاد الكفيل (3) شرط سقوط الدين عنه في ضمان الوجه، قال في الموازية: وإذا قال حميل الوجه لست (4) من المال في شيء. محمد: وقال: لا أضمن إلا الوجه، فهذا لا يضمن إلا الوجه، غاب الغريم أو حضر، أو مات أو أفلس (5)، وقال ابن زرقون: ينبغي أن ينظر إلى البساط، فإن قيل له: تضمن فلانا أو تضمن المال عنه، فقال: لا أضمن إلا وجهه فهذا حكمه (6) حكم ضمان الوجه المطلق، ويلزمه المال إن لم يأتِ به، وإن قيل له: تضمن وجه فلان، فإن لم يأتِ به غرمت ما عليه، فقال: لا أضمن إلا وجهه، فكما قال محمد (7)، وقاله ابن رشد (8).
قوله: (أَوْ رَبِّ الدَّيْنِ، التَّصْدِيقَ فِي الإِحْضَارِ) يعني: أن رب الدين إذا اشترط على حميل الوجه التصديق (9) في إحضار الغريم إذا غاب فإن ذلك يفيده، وذلك واضح.
قوله: (وَلَهُ طَلَبُ المُسْتَحِقِّ بِتَخْلِيصِهِ عِنْدَ أَجَلِهِ) أي وللضامن أن يطالب المستحق -وهو رب الدين- بتخليصه من الغريم عند أجله، وظاهر كلامه سواء طلب الكفيل بما على الغريم أم لا، وقال في الجواهر: للكفيل طلب (10) الأصل على تخليصه إذا طلب،
(1) قوله: (والمعنى) زيادة من (ن).
(2)
انظر: البيان والتحصيل: 11/ 319، والمقدمات الممهدات: 2/ 72.
(3)
قوله: (الكفيل) ساقط من (ن 5).
(4)
في النوادر والزيادات (10/ 109): "لست".
(5)
انظر: النوادر والزيادات: 10/ 109.
(6)
قوله: (حكمه) زيادة من (ن 5).
(7)
انظر: النوادر والزيادات: 10/ 109.
(8)
انظر: البيان والتحصيل: 11/ 375.
(9)
قوله: (التصديق) يقابله في (ن): (إنه مصدق).
(10)
في (ن 5): (إجبار).
وليس له ذلك قبل أن يطلبه (1)، وقال غيره (2): إذا توجه لرب الدين الطلب فسكت عنه أو نصّ على تأخيره فللحميل ألا يرضى بذلك التأخير، ويقول لرب الدين: إما أن تطلب حقك وإما أن تسقط عني الحمالة (3)، وهذا أقرب إلى ظاهر كلامه إلا أنه مقيد بما إذا كان الغريم مليا، فإن كان معدما فلا كلام له (4).
قوله: (لا بتَسْلِيمِ المْالِ إليه) أي: ولا يلزم تسليم المال للضامن إذا طلبه من الغريم ليؤديه لطالبه، قاله في المدونة في السلم الثاني (5). ابن شاس: إذ لو هلك لكان من الأصل (6).
قوله: (وَضَمِنَهُ إِنِ اقْتَضَاهُ لا أُرْسِلَ بِهِ) يريد: أن الغريم إذا دفع الحق إلى الكفيل فإن كان ذلك على الاقتضاء ضمنه الكفيل قامت بهلاكه بينة أم لا عينا كان أو عرضا أو حيوانا لأنه متعدٍ وإن كان على الرسالة لم يضمنه (7)، وهو من الغريم حتى يصل إلى الطلب، قاله في المدونة (8)؛ لأنه أمين له.
(المتن)
وَلَزِمَهُ تَأخِيرُ رَبِّهِ، الْمُعْسِرَ أَوِ الْمُوسِرَ، إِنْ سَكَتَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ إِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهُ مُسْقِطًا، وَإِنْ أَنْكَرَ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ وَلَزِمَهُ. وَتَأَخر غَرِيمِهِ بِتَأْخِيرِهِ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ، وَبَطَلَ إِنْ فَسَدَ مُتَحَمَّلٌ بِهِ، أَوْ فَسَدَتْ، بِكَجُعْلٍ وإن مِنْ غَيرِ رَبِّهِ كَمَدِينهِ، وَإِنْ بضَمَانِ مَضْمُونِهِ، إلَّا فِي اشتِرَاءِ شَيءٍ بَينَهُمَا، أَوْ بَيعِهِ، كَقَرضِهِمَا على الأَصَحِّ. فَإِنْ تَعَدَّدَ حُمَلاءُ أتْبِعَ كُل بِحِصَّتِهِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، كَتَرَتُّبِهِمْ.
(الشرح)
(1) انظر: عقد الجواهر: 2/ 818.
(2)
في (ن 5): (ابن عبد السلام).
(3)
في (ن 3): (الزائد).
(4)
انظر: التوضيح: 6/ 307.
(5)
قوله: (في السلم الثاني) زيادة من (ن 5).
(6)
انظر: عقد الجواهر 2/ 818، ولفظه:"إذ لو هلك لكان من الأصيل".
(7)
قوله: (الكفيل قامت بهلاكه بينة أم لا
…
وإن كان على الرسالة لم يضمنه) زيادة من (ن 5).
(8)
زاد في (ن) و (ن 3) و (ن 4): (ولو لم يكن على الاقتضاء لم يكن ضمانه منه كما لو أرسله به). وانظر: تهذيب المدونة: 4/ 38.
قوله: (وَلَزِمَهُ تَأْخِيرُ رَبِّهِ، المُعْسِرَ أوِ المُوسِرَ، إِن سَكت أَوْ لم يَعلَمْ، إِنْ حلف (1) أنه لَمْ يُؤَخِّرْهُ مُسْقِطًا وَإِنْ أَنكَرَ حَلَفَ أنّه لم يُسْقِطْه وَلَزِمَهُ) هكذا حمل في البيان هذه المسألة، وفيه تقديم وتأخير واختصار فيه، وإذا أخّر الطالب الغريم فلا يخلو إما أن يكون مليا أو معدما، فإن كان معدما فلا كلام للحميل باتفاق، وإن كان مليا فلا يخلو من ثلاثة أوجه. الأول: أن يعلم فسكت حتى يحل الأجل، فالحمالة فيه لازمة، وقاله في المدونة (2)، ويدخله الخلاف المعلوم في السكوت، هل هو كالإقرار أم لا. والثاني: ألا يعلم حتى يحل الأجل الذي أنظره إليه، فإن صاحب الحق يحلف أنه ما أخّره ليبرئ الحميل من حمالته، فإن نكل عن اليمين سقطت الحمالة. والثالث: أن يعلم فينكر فلا يلزمه تأخير الطلب، ويقال له: إما أن تسقط الكفالة وإلا فاحلف أنك ما أخّرته إلا على أن يبقى الكفيل على كفالته، فإن حلف لم يلزمه التأخير، وإن نكل لزمه، والكفالة ثابتة (3) على كل حال، هذا مذهب ابن القاسم في المدونة (4)، وإن كان قد سكت فيها عن اليمين، وقال غيره في المدونة (5): أنها (6) ساقطة على كل حال، وقيل: أنها لازمة بكل حال (7).
قوله: (وَتَأخرُ غَرِيمِهِ بِتَأْخِيرهِ، إِلا أنْ يَحْلِفَ) يريد: أن الطالب إذا أخّر الحميل بعد حلول الدين فذلك تأخير للغريم إلا أن يحلف ما كان ذلك تأخيرا للغريم، وقاله في المدونة، ثم قال: ويكون له طلبه، فإن نكل لزمه تأخيره.
قوله: (وَبَطَلَ، إِنْ فَسَدَ مُتَحَمَّلٌ بِهِ) يريد: أن الضمان يفسد لفساد (8) الدين، وهو المراد بالمتحمل به، كما إذا أعطاه دينارا بدينارين إلى شهر أو دراهم بدنانير إلى شهر أو
(1) في (ن 4): (خاف).
(2)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 26.
(3)
في (ن 3): (لازمة)، وفي (ن 5):(ساقطة).
(4)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 26.
(5)
قوله: (في المدونة) ساقط من (ن 3).
(6)
في (ن): (الكفالة).
(7)
في (ن 3): (ما كان حالا). وانظر: المدونة: 4/ 108.
(8)
قوله: (يفسد لفساد) يقابله في (ن): (يبطل بفساد).
بالعكس، ويتحمل له رجل بذلك، وذهب ابن القاسم في المدونة والعتبية إلى البطلان كما قال، ورواه عن مالك (1)، وبه قال ابن عبد الحكم ونحوه في الموازية (2)، ومذهب الغير في المدونة الصحة (3)، وبه قال سحنون في نوازله أن الحمالة لازمة للحميل على كل حال، ولو فسد البيع، وقيل: إن الحميل يلزمه ذلك فيما دفع الطالب إن علم بالفساد وإلا فلا، مثاله أن يعطي دينارا في دينارين، ويتحمل الضامن بذلك مع علمه فعليه الدينار الذي دفع الطالب (4) فقط، وإن لم يعلم فلا شيء عليه.
قوله: (أو فَسَدَتْ بِكَجُعْلٍ (5) وإن مِنْ غير رَبهِ (6) كَمَدِينهِ (7)) أي: وهكذا يبطل الضمان إذا فسدت الحمالة مثل أن يأخذ الضامن جعلا على ذلك، وسواء كان من رب المال أو من المدين أو غيرهما، وقال ابن القاسم ومطرف وعبد الملك وابن وهب وأصبغ: إن علم بذلك الطالب سقطت الحمالة وإلا رد الجعل والحمالة تامة (8)، واختلف في رب الدين يعطي المديان شيئا على إن أعطاه حميلا بدينه (9) فأجازه مالك وابن القاسم وأشهب وغيرهم، وعن أشهب أنه لا يصح، وعنه أيضا كراهته (10).
قوله: (وإن بِضَمانِ مَضْمُونهِ) أي: ولأجل أن الضمان بجعل ممتنع (11) امتنع أن يضمنه مضمونه (12)؛ لأن كل واحد منهما ضمن صاحبه بجعل وهو ضمان صاحبه له.
(1) انظر: المدونة: 4/ 110.
(2)
انظر: البيان والتحصيل: 11/ 311.
(3)
قوله: (الصحة) زيادة من (ن 3). وانظر: المدونة: 4/ 110.
(4)
في (ن 3): (للطالب).
(5)
في (ن): (كتعجل)، وفي المطبوع من مختصر خليل:(كبجعل).
(6)
قوله: (وإن مِنْ غير رَبِّهِ) يقابله في (ن 3) و (ن 4): (من ربه).
(7)
في (ن) والمطبوع من مختصر خليل: (لمدينه).
(8)
في (ن): (ثابتة). وانظر: التوضيح: 6/ 295.
(9)
قوله: (بدينه) ساقط من (ن 5)، وفي (ن):(بذلك).
(10)
انظر: التوضيح: 6/ 296.
(11)
زاد في (ن 5): (ولأجل ذلك).
(12)
في (ن 5): (الآخر).
قوله: (إِلا في اشْتِرَاء شَيْءٍ بَيْنَهُما) أي: أن هذه المسألة (1) وإن كان ظاهرها الضمان بجعل فإنها جائزة، وهو المنصوص لعمل الماضين، وهو مقيد بما إذا استويا في مقدار الضمان مثل أن يشتريا سلعة بمائة (2) بينهما بالسوية، ويضمن كل منهما الآخر (3) فيما عليه، أما لو كان على أحدهما الثلثان، وعلى الآخر الثلث وضمن كل منهما الآخر بما (4) عليه لم يجز إلا أن يتحمل صاحب الثلث بمقدار ما تحمل به الآخر، ذكره في النكت.
قوله: (أَوْ بَيْعِهِ) كما إذا باعا سلعة على أن كل واحد منهما ضامن للآخر في ذلك، وقد حكى ابن كنانة منعه. ابن رشد وغيره: والصحيح خلافه، وقد أجاز في السلم الثاني أن يسلم إلى رجلين على أن كل واحد منهما حميل بالآخر (5)، ومنع في البيوع الفاسدة أن يبيع الرجلان سلعتهما لرجل على أن كل واحد منهما حميل بالآخر (6)، وجعله بعضهم خلاف قول ابن رشد، والصواب خلافه (7).
قوله: (كَقَرْضِهِما على الأَصَحِّ) أي: وكذا يجوز أن يقترضا (8) شيئا من رجل على أن يكون كل واحد منهما ضامنا لصاحبه، وإليه ذهب ابن أبي زمنين وابن العطار وابن عبد السلام، وهو الأصح عندي، وذهب ابن الفخّار إلى عدم جوازه (9).
قوله: (فَإنْ تَعَدَّدَ حُمَلاءُ اتُّبعَ كُلٌّ بِحِصَّتِهِ) معناه أن يتحمل رجلان فأكثر بما على رجل، يريد: وليس بعضهم حميلا عن بعض يبينه ما بعده، ولا إشكال أن كل واحد لا يطالب إلا بمقدار ما تحمل به من الدين عند تعذر الأخذ من الغريم.
(1) قوله: (المسألة) زيادة من (ن 5).
(2)
في (ن): (بثمن).
(3)
قوله: (منهما الآخر) يقابله في (ن): (واحد صاحبه).
(4)
في (ن): (فيما).
(5)
قوله: (بالآخر) يقابله في (ن 5): (بها على صاحبه).
(6)
قوله: (ومنع في البيوع الفاسدة
…
منهما حميل بالآخر) ساقط من (ن). وانظر: المقدمات الممهدات: 2/ 209.
(7)
انظر: التوضيح: 6/ 297.
(8)
في (ن 4): (يقرضهما).
(9)
انظر: التوضيح: 6/ 297.
قوله: (إِلا أَنْ يَشْتَرِطَ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ) أي: إلا أن يشترط في أصل عقد (1) الكفالة أن بعضهم حميل عن بعض، فحينئذ يكون له إن غاب أحدهم (2) أو أعدم أن يأخذ من وجده (3) مليا بجميع حقه، قال في المدونة: وإن لقيهم أملياء لم يأخذ من كل واحد إلا ما عليه؛ إذ لا يتبع الكفيل في حضور المكفول به (4) وملائه، ولو شرط أيهم شئت أخذت بحقي، ولم يقل بعضهم كفيل ببعض، فله أخذ أحدهم بجميع الحق، وإن كانوا حضورا أملياء، ثم لا رجوع للغارم على أصحابه بشيء إذ لم يؤدِّ بالحمالة عنهم ولكن عن الغريم (5).
قوله: (كَتَرَتُّبِهِمْ) يشير به إلى ما رواه ابن وهب في المدونة عن مالك فيمن كتب حقه على رجلين واشترط أن يأخذ حيهما عن ميتهما أو مليهما عن معدمهما، ثم قال: فذلك كحمالة أحدهما على الآخر (6).
(المتن)
وَرَجَعَ الْمُؤَدِّي بِغَيْرِ الْمُؤَدَّى عَنْ نَفْسِهِ بِكُل مَا على الْمَلْقِى، ثُمَّ سَاوَاهُ، فَإنِ اشْتَرَى سِتَّةٌ بِسِتمِائَةٍ بِالْحَمَالَةِ فَلَقِيَ أَحَدَهُم أَخَذَ مِنْهُ الْجَمِيعَ، ثمَّ إِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمْ أَخَذَهُ بِمِائَةٍ، ثُمَّ بِمِائَتَيْنِ، فَإنْ لَقِيَ أَحَدُهُمَا ثَالِثًا أَخَذَهُ بِخَمْسِينَ وَبِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ، وإنْ لَقِيَ الثالِثُ رَابِعًا أَخَذَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَبِمِثْلِهَا، ثم بِاثْنَي عَشَرَ وَنصفٍ، وَبِسِتَّةٍ وَرُبُع. وَهَلْ لا يَرجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ أَيْضًا إِذَا كَانَ الْحَقُّ على غَيْرِهِمْ أَوْ لا وَعَلَيْهِ الأكثَرُ؟ تأوِيلانِ. وَصَحَّ بِالْوَجْهِ.
(الشرح)
قوله: (وَرَجَعَ المؤدِّي بِغَيْرِ المؤدي عَنْ نَفْسِهِ بِكُل مَا عَلَى الملقِي، ثُمَّ سَاوَاهُ)(المؤَدِّي) هو الدافع، وقوله:(بِغَيْرِ المُؤَدَّى) أي: الشيء الذي دفعه عن نفسه، والمعنى أن أحد الحملاء إذا دفع الدين للطالب بعضه عن نفسه وبعضه عن بقية الحملاء فإنه لا يرجع
(1) قوله: (عقد) ساقط من (ن).
(2)
في (ن): (بعضهم).
(3)
قوله: (وجده) يقابله في (ن): (وجد منهم).
(4)
في (ن 5): (عنه).
(5)
قوله: (ثم لا رجوع للغارم
…
ولكن عن الغريم) زيادة من (ن 5).
(6)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 22.
بما أداه عن نفسه، ويرجع على من لقيه بكل ما أداه عنه، ثم ما بقي له ساواه في غرامته، مثاله (1): إذا اشترى ثلاث سلعةً بثلاثمائة درهم (2) وهم حملاء، فإذا لقي البائع أحدهم أخذه بجميع الثمن مائة عن نفسه ومائتان بالحمالة له (3) عن صاحبيه، فإذا لقي الدافع أحدهما أخذ منه المائة التي أدّاها عنه بالحمالة، ثم يقول: لقد بقي لي (4) مائة أديتها عن صاحبنا وأنت معي حميل بها فساوني فيها، فيأخذ منه خمسين.
قوله: (فَإِنِ اشْتَرَى سِتَّةٌ بِسِتِّمائَةٍ بِالْحَمَالَةِ فَلَقِيَ أَحَدَهُمْ أَخَذَ مِنْهُ الجْمِيعَ، ثُم إِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمْ أَخَذَهُ بِمائَةٍ ثُم بِمائَتَيْنِ، فَإِنْ لَقِيَ أَحَدُهُمَا ثَالِثًا أَخَذَهُ بِخَمْسِينَ وَبِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ، وَإِنْ لَقِيَ الثَّالِثُ رَابِعًا أَخَذَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَبِمِثْلِهَا، ثُمَّ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنصْفٍ وَسِتةٍ وَرُبُعٍ) هذه مسألة الحملاء الستة في المدونة (5)، فقوله:(سِتة بِسِتِّمائَةٍ) أي: اشتروا سلعة (6) بستمائة دراهم، وقوله:(بِالْحَمَالَةِ) أي: على أن بعضهم حميل عن بعض بجميع المال.
وقوله: (فَلَقِيَ أَحَدَهُمْ) أي: فلقي صاحب الدين أحدَ الحملاء، (أَخَذَ مِنْهُ الجَمِيعَ) أي: جميع الستمائة درهم (7)، مائة عن نفسه بطريق الأصالة، وخمسمائة بطريق الحمالة عن أصحابه الخمسة، (ثُم إِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمْ) أي: إن لقي الدافع أحد الخمسة الباقين أخذ منه ثلاثمائة، مائة منها عن نفسه بطريق الأصالة ومائتين بطريق الحمالة؛ لأنه يقول: أنا قد دفعت ستمائة، مائة منها عن خاصة نفسه لا رجوع لي بها (8)، وخمسمائة عنك وعن أصحابك فتنوبك مائة عن نفسك، فيأخذها ثم يقول له: بقيت لي أربع مائة أنت حميل بها معي بها فساوني فيها، فيأخذ أيضًا منه مائتين، ولهذا قال:(أَخَذَهُ بِمائَةٍ، ثُم بِمائَتَيْنِ).
(1) قوله: (مثاله) ساقط من (ن).
(2)
قوله: (درهم) ساقط من (ن).
(3)
قوله: (له) ساقط من (ن).
(4)
في (ن 3): (له).
(5)
انظر: المدونة، دار صادر: 13/ 262.
(6)
قوله: (اشتروا) يقابله في (ن): (اشترى ستة نفر).
(7)
قوله: (درهم) ساقط من (ن).
(8)
في (ن): (فيها).
قوله: (فَإِنْ لَقِيَ أَحَدُهُمَا ثَالِثًا) أي: لقي أحد الغارمين ثالثا من الحملاء الباقين أخذ منه خمسين عن نفسه، وخمسة وسبعين بطريق الحمالة؛ لأنه يقول: خرج من يدي ثلاثمائة (1)، مائة عن نفسي ومائتان دفعتهما بطريق الحمالة عنك وعن أصحابك الثلاثة، ينوبك منها خمسون وتبقى مائة وخمسون أنت معي فيها شريك بالحمالة، فيأخذ منه (2) خمسة وسبعين، وإليه أشار بقوله:(لأَخَذَ منه بِخَمْسِينَ)(3) ثم بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ، فإِنْ لَقِيَ الثَّالِثُ رَابِعًا قال له: خرج من يدي خمسون عن نفسي وخمسة وسبعون عنك وعن صاحبيك بطريق الحمالة، ينوبك منها عن نفسك (4) خمسة وعشرون وتبقي لي خمسون وأنت شريك معي فيها بالحمالة، فيأخذ أيضا منه خمسة وعشرين، فلهذا قال:(أَخَذَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَمثْلِهَا).
قوله (5): (ثُمَّ بِاثنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ وَسِتَّةٍ وَرُبُعٍ) فيشير بها إلى أن هذا الرابع إذا لقي خامسا أخذ منه اثني عشر ونصفا وستة وربعا؛ لأنه يقول: خرج من يدي خمسة وعشرون عن نفسي وخمسة وعشرون عنك وعن صاحبك ينوبك منها اثني عشر ونصف عن نفسك (6)، فيأخذها منه، ثم يقول: بقي لي اثنا عشر ونصف، أنت شريكي فيها بالحمالة، فيأخذ منه ستة وربعا، ولهذا قال:(ثم باثني عشر ونصف وستة وربع)، فإذا لقي هذا الخامس السادس أخذ منه ما أدّى عنه، وهو ستة وربع، ولم يذكر الشيخ هذا لوضوحه.
قوله: (وَهَلْ لا يَرْجعُ بِما يَخُصُّهُ أَيْضًا إِذَا كَانَ الْحق عَلَى غيرهِمْ أَوْ لا وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ؟ تَأَوِيلانِ) قد علمت مما تقدم أن من دفع شيئا عن نفسه لا يرجع به، وذلك بشرط (7) أن يكونوا حملاء غرماء إن اشتروا سلعة كما علمت، واختلف إذا كان الدين على غيرهم
(1) قو (ثلاثمائة) ساقط من (ن).
(2)
في (ن) منها).
(3)
قوله: (لأَخَذَ منه بِخَمْسِينَ) يقابله في (ن): (أخذه بخمسين).
(4)
قوله: (عن نفسك) زيادة من (ن).
(5)
في (ن) أما قوله).
(6)
قوله: (عن نفسك) زيادة من (ن 3).
(7)
في (ن): (مشروط).
فدفع بعضهم جميعه، ثم لقي الآخر، هل يقاسمه بالسواء في الغرم، وإليه ذهب ابن لبابة والتونسي وغيرهما، أو إنما يقاسمه بعد إسقاط ما يخصه كالأول، وإليه ذهب كثير (1) من الأندلسيين ونحوه في الموازية (2)، وإلى هذا أشار بقوله:(وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ؟ تَأْوِيلانِ) على المدونة (3).
قوله: (وَصَحَّ بِالْوَجْهِ) أي: وصح الضمان بالوجه، والمراد به إحضار الغريم الذي عليه الدين وقت احتياج الطالب له، ولا خلاف فيه.
(المتن)
وَلِلزَّوْجِ رَدُّهُ مِنْ زَوْجَتِهِ، وَبَرِئَ بِتَسْلِيمِهِ لَهُ وإنْ بِسِجْنٍ، أَوْ بِتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ إِنْ أَمَرَهُ بِهِ، إِنْ حَلَّ الْحَقُّ، وَبِغَيْر مَجْلِسِ الْحَاكِمِ إِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ، وَبِغَيْرِ بَلَدِهِ إِنْ كَانَ بِهِ حَاكِمٌ وَلَوْ عَدِيمًا، وَإِلَّا أُغْرِمَ بَعْدَ خَفِيفِ تَلَوُّمٍ، إِنْ قَرُبَتْ غَيْبَةُ غَرِيمِهِ كَالْيَوْمِ. وَلا يَسْقُطُ بِإِحْضَارِهِ إِنْ حُكِمَ بِهِ، لا إِنْ أَثْبَتَ عَدَمُهُ أَوْ مَوْتَهُ فِي غَيْبَتِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ بَلَدِهِ. وَرَجَعَ بِهِ وَبالطَّلَبِ، وإنْ فِي قِصَاصٍ، كَأنَا حَمِيلٌ بِطَلَبِهِ، أَوِ اشْتَرَطَ نَفْيَ الْمَالِ، أَوْ قَالَ: لا أَضْمَنُ إِلَّا وَجْهَهُ، وَطَلَبَهُ بِمَا يَقْوَى عَلَيْهِ، وَحَلَفَ مَا قَصَّرَ، وَغَرِمَ إِنْ فَرَّطَ أَوْ هَرَّبَهُ، وَعُوقِبَ.
(الشرح)
قوله: (وَللزَّوْجِ، رَدُّهُ مِنْ زَوْجَتِهِ) يريد: أن الزوجة إذا تكلفت بوجه شخص فإن لزوجها رد ذلك، لأنه يقول: قد تحبس فيمنع (4) منها، وتخرج للخصومة وليس ذلك عليه (5)، وقاله ابن عبد الحكم (6).
قوله: (وَبَرِئَ بِتَسْلِيمِهِ له) يريد: أن ضامن الوجه يبرأ بتسليم الغريم للطالب، يريد: في مكان تأخذه فيه الأحكام، وقاله في المدونة، وزاد فيها: وإن أسلمه إليه في موضع لا سلطان فيه أو في حال فتنة أو مفازة أو بمكان يقدر الغريم على الامتناع منه، لم يبرأ
(1) في (ن): (أكثر).
(2)
انظر: الذخيرة: 9/ 226، والتوضيح: 6/ 314.
(3)
انظر: المدونة، دار صادر:(13/ 266).
(4)
في (ن): (ويمتنع).
(5)
قوله: (وليس ذلك عليه) زيادة من (ن 5).
(6)
انظر: التوضيح: 6/ 299.
الحميل حتى يدفعه إليه بموضع يصل إليه وبه سلطان فيبرأ (1).
قوله: (وَإِنْ بِسِجْنٍ) هذا كقوله في المدونة: وإذا حبس المحمول بعينه فدفعه الحميل إلى الطالب وهو في السجن برئ؛ لأن الطالب يقدر على أخذه في السجن ويحبس له في حقه بعد تمام ما يحبس فيه (2).
قوله: (أَوْ بِتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ، إِنْ أَمَرَهُ بِهِ) أي: وهكذا يبرأ الحميل إذا أسلم الغريم نفسه للطالب بشرط أن يكون الحميل قد أمره أن يسلم نفسه له؛ لأنه يصير كوكيله، وقاله ابن المواز (3)، والظاهر أنه تقييد للمدونة، وقال ابن عبد الحكم: إذا قال له الغريم: جئتك عن حمالة فلان تسقط (4) الحمالة، وليس له أن يقول له: لا أقبل. اللخمي: وهو أحسن (5).
قوله: (إِنْ حَلَّ الحْقُّ) أي: إنما يبرأ الحميل بتسليم الغريم إن حل أجل (6) الدين الذي على الغريم فلا يبرأ بتسليمه له قبله " إذ لا فائدة للطالب في تسليمه حينئذ، وقاله المازري (7) وغيره.
قوله: (وَبِغَير مَجْلِسِ الْحاكِمِ إِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ) أي: ويبرأ بتسليمه له بغير مجلس الحاكم إن لم يشترطه، فإن اشترط إحضاره عند الحاكم فلا يبرأ إلا بإحضاره عند الحاكم (8) في مجلس الاشتراط قاله في الكافي، قوله:(وبغير بلده إن كان به حاكم) أي وهكذا يبرأ الحميل إذا أسلم الغريم بغير بلد الاشتراط (9) إن كان به حاكم، وحكى ابن عبد الحكم في ذلك قولين، المازري: وهو عندي يلاحظ مسألة الشروط التي لا تفيد (10).
(1) انظر: المدونة: 4/ 97.
(2)
انظر: المدونة: 4/ 97.
(3)
انظر: المنتقى: 7/ 478، والتوضيح: 6/ 326.
(4)
في (ن): (سقطت).
(5)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:5608.
(6)
قوله: (أجل) زيادة من (ن).
(7)
انظر: شرح التلقين: 8/ 168.
(8)
قوله: (عند الحاكم) ساقط من (ن).
(9)
قوله: (قاله في الكافي، قوله
…
إذا أسلم الغريم بغير بلد الاشتراط) ساقط من (ن 4).
(10)
انظر: شرح التلقين: 8/ 169.
قوله: (وَلَوْ عَدِيمًا) أي: إنما تكفل (1) بإحضاره، وهو قد أحضره، وهو المشهور، وبه قال في المدونة (2)، وروى ابن الجهم عن مالك أنه لا يبرأ (3)، وبه قال ابن لبابة (4).
قوله: (وَإِلا أغرِمَ بَعْدَ خَفِيفِ تَلَوُّمٍ، إِنْ قربَتْ غَيبةُ غَرِيمِهِ كَالْيَوْمِ) أي: وإن لم تحمل براءة الحميل بوجه من الوجوه المذكورة غرم ما على الغريم، وهو المشهور، وعن ابن (5) عبد الحكم: لا غرامة عليه؛ لأنه لا (6) يلتزم إلا إحضاره وهو لا يقتضي التزام المال (7)، وعلى المشهور لا بد من تلوم خفيف كما قال، وهو مذهب المدونة (8) والموازية (9) والعتبية (10)، وقال ابن وهب: إذا غاب الغريم غرم (11) الحميل دون تلوم (12).
قوله: (وَإِنْ قَرُبَتْ غَيبةُ غَرِيمِهِ) يريد: أن التلوم مشروط بأن تكون غيبة الغريم قريبة، فإن بعدت فلا تلوم، وقاله في المدونة (13)، وقوله:(كَالْيَوْمِ) قال (14) في المدونة: كاليوم وشبهه (15).
وفي الموازية: مثل اليوم (16) واليومين، وفي العتبية: والثلاثة (17).
(1) في (ن 3) و (ن 4): (تحمل).
(2)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 14.
(3)
انظر: شرح التلقين: 8/ 161 و 165.
(4)
قوله: (ابن لبابة) يقابله في (ن): (ابن اللباد). وانظر: التوضيح: 6/ 325، وقد عزاه لابن اللباد.
(5)
قوله: (وعن ابن) يقابله في (ن): (ولابن).
(6)
في (ن): (لم).
(7)
انظر: شرح التلقين: 8/ 161.
(8)
انظر: المدونة: 4/ 96.
(9)
قوله: (والموازية) زيادة من (ن 5).
(10)
انظر: التاج والإكليل: 5/ 115.
(11)
قوله: (غرم) ساقط من (ن 5).
(12)
انظر: النوادر والزيادات: 10/ 110، والمنتقى: 7/ 480، والبيان والتحصيل 11/ 331، وعقد الجواهر: 2/ 816.
(13)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 13.
(14)
في (ن): (قاله).
(15)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 13.
(16)
قوله: (مثل اليوم) زيادة من (ن 5).
(17)
انظر: البيان والتحصيل: 11/ 331.
المازري: وقيل: هي يومان، وقيل: هي ثلاثة، قال: والأصح في هذا عندي مراعاة الضرر (1).
قوله: (وَلا يَسْقُطُ بِإِحْضَاره، إِنْ حُكِمَ بِه) أي: ولا يسقط الغرم عن الحميل بإحضار الغريم إن حكم بالغرم حاكم؛ لأنه حكم مضى فلا ينقض وهو المشهور، وقاله في المدونة (2)، وعن سحنون: إذا أحضره سقط؛ لأنه إنما يغرم لغيبته، وقد وجد، والحكم يدور مع العلة وجودا وعدما (3).
قوله: (لا إِنْ أثبَتَ (4) عَدَمُهُ) أي: لا إن أثبت الحميل فقد الغريم، فإنه لا غرم عليه حينئذ، وقاله اللخمي، قال (5): لأن يمين الغريم على العدم استظهار (6)، وقال المازري: يجري فيه قولان؛ لأن الفقد إنما يثبت ببينة، ثم يحلف الغريم على ذلك (7)، أي: فهل يغرم لتعذر هذه (8) اليمين، أو لا لأنها استظهار.
قوله: (أَوْ مَوْتهُ) أي: أو (9) أثبت الحميل موت الغريم فإنه لا غرم عليه.
وقوله: (في غَيبتِهِ) راجع إلى مسألة العدم والموت.
قوله: (وَلَوْ بِغَيْر بَلَدَهِ وَرَجَعَ بِهِ) انظره مع قوله: (في غيبته)، وإنما مراده أن يشير إلى ما وقع من الخلاف، والتفصيل في هذه المسألة ونصها عند ابن زرقون: ولو مات الغريم سقطت الحمالة بالوجه، وقاله في المدونة، وقال: وهذا إذا مات في بلده قبل أن يلزم الغريم إحضاره قبل الأجل أو بعده (10)، ومثله عن ابن القاسم، قال: لأنه وإن
(1) انظر: شرح التلقين: 8/ 165.
(2)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 14.
(3)
انظر: التوضيح: 6/ 327.
(4)
في (ن 3) و (ن 4): (ثبت).
(5)
قوله: (قال) زيادة من (ن).
(6)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:5546.
(7)
انظر: شرح التلقين: 8/ 166.
(8)
قوله: (هذه) زيادة من (ن).
(9)
في (ن): (فإن).
(10)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 14.
حل الأجل فلم يطلب (1) به فلا شيء عليه (2)، وأما إن مات بغير البلد فقال أشهب: لا أبالي مات غائبا أو بالبلد فإنه يبرأ الحميل (3) وهو مذهب المدونة؛ لأن فيها إذا غرم الحميل ثم قامت بينة أن الغريم كان ميتا قبل الحكم على الحميل ارتجع ماله؛ لأنه لو علم أنه كان ميتا حين أخذ به الحميل لم يكن عليه شيء؛ لأنه إنما تحمل بنفسه وقد ذهبت (4). الباجي: وقال ابن القاسم: يغرم الحميل إن كان الدين حالا قربت غيبته أو بعدت، وإن كان مؤجلا فمات قبله بمدة طويلة أو (5) خرج إليه لجاء به قبل الأجل ولا شيء عليه، وإن كان على مسافة لا يمكنه أن يجيء به إلا بعد الأجل ضمن (6)، ابن القاسم: وإن كنت قلتُ لكم شيئا غير هذا فاطرحوه (7)، ثم قال: وعن ابن القاسم في العتبية: إن مات قبل الأجل بمدة لو كلفه أن يأتي به في الأجل أو بعده بيسير لم يغرم الحميل، قال: وهو تفسير (8)، وعن ابن القاسم أيضا إذا بقي ما لو أقبل (9) الغريم عند محلّ الأجل فلا شيء عليه (10).
قوله: (وَبِالطَّلَبِ، وإنْ فِي قِصَاصٍ) هو معطوف على قوله: (صَحَّ بِالْوَجْهِ) أي: وهكذا يصح الضمان بالطلب، وإن كان على المطلوب قصاص وضمنه بسببه؛ لأنه لا يلزمه غرم فيه، وقاله عياض (11) وغيره.
قوله: (كَأَنَا حَمِيلٌ بِطَلَبِهِ) ابن شاس: وإذا قال: أنا حميل بطلبه أو على أن أطلبه لم
(1) في (ن): (يطلبه).
(2)
انظر: النوادر والزيادات: 10/ 111.
(3)
انظر: النوادر والزيادات: 10/ 111.
(4)
انظر: المدونة: 4/ 97 و 98.
(5)
في (ن) و (ن 4): (لو).
(6)
انظر: المنتقى: 7/ 479.
(7)
انظر: النوادر والزيادات: 10/ 111.
(8)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (تفسيره). وانظر: البيان والتحصيل: 11/ 321.
(9)
قوله: (بقي ما لو أقبل) يقابله في (ن 4): (قدم).
(10)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 14.
(11)
انظر: التوضيح: 6/ 330.
يلزمه سوى ذلك (1).
قوله: (أَوِ اشْتَرَطَ نَفْيَ الْمَالِ) أي: ومن حالة (2) الطلب (3) أن يشترط الحميل على رب الدين أنه لا شيء عليه من الال؛ إذ لم يبق لذلك فائدة غير طلب الغريم.
قوله: (أَوْ قَالَ لا أَضْمَنُ إِلا وَجْهَهُ) أي: لا أضمن إلا إحضاره، وقاله ابن المواز (4)، ولم يفرق ابن رشد (5) بين قوله:"أنا ضامن وجهه أو لا أضمن إلا وجهه"، وقال ابن زرقون: ينبغي أن ينظر إلى البساط (6)، وقد قدمناه.
قوله: (وَطَلَبَهُ بِما يَقْوَى عَلَيْهِ) هذا كقول ابن القاسم في العتبية: يعتبر في هذا ما يقوى الكفيل عليه فيكلفه، وما لا يقوى عليه فلا يكلفه (7)، وفي الجواهر: إذا أعجزه أو غاب عنه إلى موضع بعيد وليس من شأنه السفر إلى مثله لم يكن عليه شيء (8).
وقال اللخمي: إذا لم يعلم موضعه، وحيث توجه كان عليه أن يطلبه في البلد، وفيما قرب منه واختلف إذا عرف مكانه، فقال أصبغ: يطلبه على مسيرة اليوم واليومين، وحيث لا مضرة عليه فيه (9)، وقال عبد الملك (10): يخرج لطلبه قرب أو بعد ما لم يتفاحش، وأما ما يكون من أسفار الناس فليرسل إليه أو يخرج أو يؤدي عنه (11)، ابن حبيب: والشهر ونحوه من أسفار الناس (12).
(1) انظر: عقد الجواهر: 2/ 817.
(2)
في (ن 5): (حمالة).
(3)
في (ن): (الطالب).
(4)
انظر: النوادر والزيادات: 10/ 109.
(5)
قوله: (ابن رشد) زيادة من (ن 5).
(6)
انظر: البيان والتحصيل: 11/ 375.
(7)
انظر: شرح التلقين: 8/ 170، والتوضيح: 6/ 331.
(8)
انظر: عقد الجواهر: 2/ 817.
(9)
انظر: البيان والتحصيل: 11/ 374.
(10)
في (ن): (ابن الماجشون).
(11)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:5609.
(12)
انظر: المنتقى: 7/ 481، والتوضيح: 6/ 331.
قوله: (وَحَلَفَ مَا قَصَّرَ) هكذا قال ابن الهندي أي حميل الطلب (1) يحلف بالله أنه ها قصَّر في طلب الغريم ولا دلّس فيه ولا يعلم له مستقر (2).
قوله: (وَغَرِمَ إِنْ فرَّطَ أَوْ هَرَّبَهُ، وَعُوقِبَ) يريد: أن حميل الطلب إذا تمكن من إحضار الغريم ففرط حتى هرب أو أنذره فهرب فإنه يغرم ها عليه، وقاله غير (3) ابن القاسم في المدونة، أبو الحسن الصغير: وهو تفسير وتتميم.
قوله: (وَعُوقِبَ) هكذا قال في العتبية.
(المتن)
وَحُمِلَ فِي مُطْلَقِ أَنَا حَمِيلٌ، أَو زَعِيمٌ، أَو أَذِينٌ، أَو قَبِيلٌ، أَو عِنْدِي، وَإِليَّ، وَشِبْهِهِ على الْمَالِ على الأَرْجَحِ وَالأَظْهَرِ، لا إِنِ اخْتَلَفَا، وَلَمْ يَجِبْ وَكِيلٌ لِلْخُصُومَةِ، وَلا كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ بِالدَّعْوَى، إلَّا بِشَاهِدٍ. وَإِنِ ادَّعَي بَيِنَةً بِكَالسُّوقِ وَقَفَهُ الْقَاضِي عِنْدَهُ.
(الشرح)
قوله: (وَحُمِلَ فِي مُطْلَقِ أَنَا حَمِيلٌ، أو زَعِيمٌ، أَو أَذين، أو قَبِيلٌ، أو عِنْدِي وَإِليَّ، وَشِبْهِهِ عَلَى الْمَالِ) يريد: بشبهه مثل علي وأنا غريم أو زعيم أو قبلي (4).
قال في المدونة: إن أراد الوجه لزمه وإن أراد المال لزمه (5)، فإن لم يدّع أنه أراد شيئا، فقال بعض الأشياخ: اختلف هل يحمل على الوجه، وإليه ذهب بعض الأشياخ، المازري قال: لكونه أقل الأمرين، والأصل براءة الذمة أو على المال (6).
واختاره ابن يونس وابن رشد في المقدمات (7)، وإلى هذا أشار بقوله:(عَلَى الأَرْجَحِ وَالأَظْهَرِ) قالا (8): ولقوله عليه السلام: "الزعيم غارم". ابن يونس: ولأن حميل الوجه إن لم
(1) قوله: (أي حميل الطلب) يقابله في (ن): (إن حميل الطالب).
(2)
انظر: التوضيح: 6/ 331.
(3)
قوله: (غير) زيادة من (ن 5).
(4)
قوله: (غريم أو زعيم أو قبلي) يقابله في (ن 5): (خبير أو عزيز أو قبلي)، وفي (ن):(غريم أو قبيل).
(5)
قوله: (وإن أراد المال لزمه) ساقط من (ن 4). وانظر: تهذيب المدونة: 4/ 13.
(6)
انظر: شرح التلقين: 8/ 162.
(7)
انظر: المقدمات الممهدات: 2/ 87.
(8)
قوله: (قالا) زيادة من (ن).
يأتِ به غرم المال (1) فالأصل في الحمالة المال؛ لأنه هو المطلوب حتى يشترط الوجه أو يقتضيه لفظه، وحكي ابن رشد القولين نصًّا (2).
ابن يونس: وأما إن اختلفا فقال الطالب: شرطت عليك الحمالة بالمال، وقال الكفيل: بل بالوجه فينبغي أن يكون القول قول الحميل؛ لأن الطالب يدعي اشتغال ذمته فعليه البيان، وإليه أشار بقوله:(لا إِنِ اخْتَلَفَا) أي: فلا يحمل على المال ويحمل على الوجه.
قوله: (وَلَمْ يَجِبْ وَكِيلٌ لِلْخُصُومَةِ وَلا كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ بِالدَّعْوَى) يريد: أن من ادعي على رجل حقًّا وسأل له أن يوكل له وكيلًا للخصومة أو كفيلًا بوجهه حتى يقيم البينة عليه، لم (3) يجب على المطلوب ذلك بمجرد الدعوى، وقاله في المدونة (4).
وقال غيره فيها (5): إذا ثبتت الخلطة بينهما فله عليه كفيل بنفسه ليوقع البينة على عينه (6).
قوله: (إِلا بِشَاهِدٍ) هكذا وقع (7) في بعض النسخ بأداة الاستثناء، ويقع في بعضها بلا (8) النافية، والأول أظهر، ولهذا قال في المدونة: إلا أن يقيم شاهدًا فله أن يأخذ كفيلًا وإلا فلا (9)، وقاله أبو الحسن (10)، ثم قال: وقد يكون فيه تأويل، قال: والصواب أنه لا يأخذ منه كفيلا بالمال بالشاهد إلا أن يحلف وهو غير (11) ظاهر؛ لأن الذي يلزم
(1) قوله: (المال) زيادة من (ن 5).
(2)
انظر: المقدمات الممهدات: 2/ 87.
(3)
قوله: (عليه، لم) يقابله في (ن 4): (عليهم).
(4)
انظر: المدونة: 4/ 113.
(5)
قوله: (فيها) زيادة من (ن).
(6)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 31.
(7)
قوله: (وقع) ساقط من (ن).
(8)
في (ن): (بإلا).
(9)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 31.
(10)
قوله: (أبو الحسن) يقابله في (ن) و (ن 5): (أبو إسحاق).
(11)
قوله: (غير) ساقط من (ن 3).
بالشاهد واليمين الغرم (1).
قوله: (وَإِنِ ادَّعَى بَيِّنةً بكَالسُّوقِ وَقَفَهُ الْقَاضِي عِنْدَهُ) يعني: وإن ادّعى الطالب أن له بينة يحضر بها في السوق أو المكان القريب، قال في المدونة: أو من بعض القبائل (2)، فإن القاضي يوقف المطلوب عنده، فإن جاء بها وإلا خلى سبيله (3).
* * *
(1) في (ن): (المال).
(2)
قوله: (القبائل) ساقط من (ن 4).
(3)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 31.