الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل [في كراء الحمام والدار والأرض والعبد]
(المتن)
فَصْلٌ جَازَ كِرَاءُ حَمَّامٍ، وَدَارٍ غَائِبَةٍ، كَبَيعِهَا، أَوْ نِصْفِهَا، أَوْ نِصْفِ عَبْدٍ، وَشَهْرًا عَلَى إِنْ سَكَنَ يَوْمًا لَزِمَ، إِنْ مَلَكَ الْبَقِيَّهَ، وَعَدَمُ بَيَانِ الاِبْتِدَاءِ وَحُمِلَ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، وَمُشَاهَرَةً، وَلَمْ يَلْزمْ لَهُمَا، إِلَّا بِنَقْدٍ فَقَدْرُهُ، كَوَجِيبَةٍ بِشَهْرِ كَذَا، أَوْ هَذَا الشَّهْرِ، أَوْ شَهْرًا، أَوْ إِلَى كَذَا، وَفِي سَنَةٍ بِكَذَا تَأْوِيلانِ. وَأَرْضِ مَطَرٍ عَشْرًا إِنْ لَمْ يَنْقُدْ وإِنْ سَنَةً إِلَّا الْمَأمُونَةَ كَالنِّيلِ، وَالْمَعِينَةِ فَيَجُوزُ.
(الشرح)
(جاز كراء حمام ودار غائبة كبيعها) لا خصوصية لهما بذلك، بل وكذلك يجوز كراء غيرهما من الحوانيت والرِّباع والأرضين الغائبة، وإنما ذكرهما على سبيل التمثيل، قال في المدونة: ومن اكترى دارًا بإفريقية وهو بمصر، جاز ذلك كالشراء (1)؛ أي: فلا بد من تقدم (2) رؤية أو وصفها له، وإلا لم يجز.
قوله: (أو نصفها) أي: وكذلك يجوز كراء نصف الحمام أو الدار؛ هذا إذا قرأنا نصفها بالنون، ويحتمل أن يقرأ بالياء- باثنتين من أسفل (3) - من الصفة، وقد يكون نبه به (4) على ما تقدم من عدم الجواز إلا برؤية أو وصف، ويكون حذف قوله:(برؤية) لدلالة (أو يصفها) عليه أو للعلم به، والأول أظهر؛ لأن قوله:(كبيعها) يغني عن ذلك كله.
قوله: (أو نصف عبد) أي: وكذلك يجوز كراء نصف عبد، قال في المدونة: ويكون للمستأجر يومًا، وللذي له النصف الآخر يومًا كالبيع (5).
قوله: (وشهرًا على إن سكن يومًا لزم إن ملك البقية) أي: وجاز الكراء شهرا، أي أن يكتري منه شهرًا، على أنه إن سكن منه يومًا لزمه بشرط أن يكون المكتري يملك
(1) انظر: المدونة: 3/ 524.
(2)
في (ن 5): (تقييد).
(3)
في (ن): (تحت).
(4)
في (ن): (بذلك).
(5)
انظر: المدونة، دار صادر: 11/ 510.
الانتفاع منه بقية ذلك الشهر، فإن لم يملك ذلك، أو يملك بعضه فلا، وقاله في المدونة (1). ابن يونس عن بعض القرويين: ظاهره أن العقد جائز، وأنه بالخيار ما لم يسكن، فإذا سكن انعقد الكراء في الشهر، فإن أراد إن سكنت فالكراء لي لازم وليس لي أن أكري من غيره كان هذا من بيع الشروط التي يبيع (2) منه على أن لا يبيع ولا يهب، فهذا لو أسقط الشرط على أحد القولين تم الكراء، وأما إن شرط إن خرجت عاد السكن إلى المكري وعليك جملة الكراء، فهذا فاسد لا بد من فسخه؛ لأنه غرر.
قوله: (وعدم بيان الابتداء، وحمل من حين العقد) أي: وكذلك يجوز الكراء وإن لم يذكر ابتداء السكنى، وحمل (3) أول ذلك يوم العقد.
قوله: (ومشاهرة، ولم يلزم لهما) أي: يقول له: أكتري منك كل شهر بكذا، وكذا مساناة (4)، أي: بأن يقول له: كل سنة بكذا، ثم لا يلزمهما ما ذكر، وسواء سكن المكتري بعضه أم لا، وهو قول مالك في رواية ابن القاسم عنه في المدونة (5)، وروى عنه مُطَرِّف وابن الماجشون اللزوم في أقل ما سمى، فإذا قال: كل شهر بكذا. لزمه شهرا، أو كل سنة بكذا لزمه سنة، وبه قال ابن حبيب، واختاره اللخمئ (6)، واختار ابن يونس الأول، وفي المسألة قول ثالث بعدم اللزوم إن لم يشرع في السكنى، وإلا لزم أقل ما سمي، وهو مروي عن مالك أيضًا (7).
قوله: (إلا بنقد فقدره) يريد: أن ما تقدم من عدم اللزوم مقيد بما إذا لم ينقده شيئًا من الأجرة، أما إذا نقده شيئًا من ذلك فإنه يلزم فيما يقابله.
قوله: (كوجيبة بشهر كذا، أو هذا الشهر، أو شهرًا، أو إلى كذا) أي: وهكذا يلزمهما العقد في كراء الوجيبة، وهو أن يقول: أكتري منك شهر كذا، أو هذا الشهر، أو شهرًا،
(1) انظر: المدونة: 3/ 518.
(2)
في (ن 4): (يمتنع).
(3)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (وجعل).
(4)
في (ن) و (ن 3) و (ن 4): (مسانهة).
(5)
انظر: المدونة: 3/ 518 و 519.
(6)
انظر: التبصرة، للخمي، ص: 5048 و 5049.
(7)
انظر: التوضيح: 7/ 180.
أو إلى شهر كذا، ومثله سنة كذا، أو هذه السنة، أو سنة، أو إلى سنة كذا، ونص عليه في النوادر (1).
قوله: (وفي سنة بكذا: تأويلان) فقيل: هي وجيبة، وعليه حمل أكثرهم المدونة، وهو مذهب العتيبة، وحمل أبو محمد صالح المدونة على أنه غير لازم.
قوله: (وأرض مطرٍ عشرًا إن لم ينقد وإن سنةً، إلا المأمونة كالنيل والمعينة فيجوز) قال في المدونة: ولا بأس بكراء أرض المطر عشر (2) سنين إن لم ينقد (3)، فإن شرط النقد فسد؛ أي: وإن سنة واحدة، إلا في الأرض التي تروى من النيل أو العيون، فيجوز النقد فيها لا منها. وقاله في المدونة في أرض النيل (4)، وقيد مالك المعينة (5) بأن لا يكون ماؤها يقل ويخاف أن لا يقوم بها.
(المتن)
وَيَجِبُ فِي مَأْمُونَةِ النِّيلِ إِذَا رَوِيَتْ، وَقَدْرٍ مِنْ أَرْضِكَ إِنْ عُيِّنَ، أَوْ تَسَاوَتْ، وَعَلَى أَنْ يَحْرُثَهَا ثَلاثًا، أَوْ يُرَبِّلَهَا، إِنْ عُرِفَ. وَأَرْضٍ سِنِينَ لِذِي شَجَرٍ بِهَا سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً، وَإنْ لِغَيْرِكَ، لا زَرْعٍ، وَشَرْطُ كَنْسِ مِرْحَاضٍ، أَوْ مَرَمَّةٍ، وَتَطْيِينٍ مِنْ كِرَاءٍ وَجب، لا إنْ لَمْ يَجِبْ، أَوْ مِنْ عِنْدِ الْمُكْتَرِي، أَوْ حَمِيمِ أَهْلِ ذِي الْحَمَّامِ، أَوْ نُورَتِهِمْ مُطْلَقا، أَوْ لَمْ يُعَيَّنْ بِنَاءٌ وَغَرْسٌ وَبَعْضُهُ أَضَرُّ، وَلا عُرْفَ. وَكِرَاءٌ وَكَيلٍ بِمُحَابَاةٍ أَوْ بِعَرْضٍ، أَوْ أَرْضٍ مُدَّةً لِغَرْسٍ فَإذَا انْقَضَتْ فَهُوَ لِرَبِّ الأَرْضِ، أَوْ نِصْفُهُ.
(الشرح)
قوله: (ويجب في مأمونة النيل إذا رويت) أي: ويجب النقد فيها وهو واضح.
قوله: (وقدرٍ من أرضك إن عين، أو تساوت) أي: وهكذا يجوز لك أن تكري من أرضك قدرًا إن عينته، أو كانت الأرض متساوية؛ فلو لم تعين ذلك أو اختلفت (6) الأرض امتنع كراؤها، كذلك (7) قال في المدونة: ومن اكترى من رجل مائة ذراع من
(1) انظر: النوادر والزيادات: 7/ 132.
(2)
قوله: (عشر) ساقط من (ن).
(3)
انظر: المدونة: 3/ 534.
(4)
انظر: المدونة: 3/ 534.
(5)
في (ن 3): (العتبية).
(6)
في (ن) و (ن 4) و (ن 5): (واختلفت).
(7)
في (ن): (لذلك).
أرضه التي بموضع كذا جاز إذا كانت متساوية، ولا يجوز في المختلفة حتى يسمي من أي موضع منها، قال غيره: وإن استوت لم يجز حتى يسمي الموضح، وإلا لم يجز (1). واحترز بقوله:(قدرًا) أي: أذرعًا مسماة ونحوها، مما إذا أكراه جزءًا منها؛ نصفًا أو ثلثا أو ربعًا أو نحو ذلك، فإنه لا يشترط فيها حينئذ تعيين ذلك الجزء على انفراده كالشراء، وقاله في المدونة (2).
قوله: (وعلى أن يحرثها ثلاثًا، أو يزبلها؛ إن عرف) أي: وكذا يجوز له أن يكري أرضه على أن يحرثها المكتري (3)، أي: يقلبها ثلاث مرات، جاز ذلك وقاله في المدونة (4)، وكذلك على أن يزبلها، إن كان الذي يزبلها به شيئًا معروفًا.
قوله: (وأرض سنين لذى شجر بها سنين مستقبلة، وإن لغيرك، لا زرع) يشير بهذا الكلام إلي قوله في المدونة: وإن اكتريت أرضك (5) سنين مسماة فغرست فيها شجرًا (6)، فانقضت المدة وفيها شجرك، فلا بأس أن تكريها من ربها سنين مستقبلة، ولو اكتريتها ثم أكريتها من غيرك فغرسها ثم انتقضت مدة الكراء وفيها غرسه، فلك أن تكتري من ربها سنين مؤتنفة وسنين مستقبلة بدل من سنين الأول والمعنى: وجاز كراء الأرض سنين (7) مستقبلة (8) لمن له بها شجر، وكذلك إن كان الشجر لغيره وهي في عقد كرائه (9) فله أن يكتريها من ربها إلا في الزرع أي لا يجوز ذلك؛ لأن الزرع بعد انقضاء الإجارة لم يكن لرب الأرض قلعه وقاله في المدونة قال: ولو كان موضع الشجر زرع أخضر لم يكن لرب الأرض أن يكريها ما دام زرع فيها؛ لأن الزرع إذا انتقضت الإجارة
(1) انظر: تهذيب المدونة: 3/ 505.
(2)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 505.
(3)
قوله: (المكتري) ساقط من (ن 3)، وفي (ن 5):(المكري).
(4)
انظر: المدونة: 3/ 558.
(5)
قوله: (وإن اكتريت أرضك) يقابله في (ن 4): (اكتريت أرضًا)، وقوله:(أرضك) يقابله في (ن): (أرضا).
(6)
في (ن): (أشجارا).
(7)
قوله: (الأول والمعنى: وجاز كراء الأرض سنين) ساقط من (ن 4).
(8)
قوله: (ولو اكتريتها ثم أكريتها
…
الأرض سنين مستقبلة) ساقط من (ن 3).
(9)
في (ن): (كراء لمكتري).
ليس لرب الأرض قلعها (1) وإنما له كراء أرضه، وله قلع الشجر فافترقا، إلا أن يكريها إلى تمام الزرع فلا بأس به (2)، قال سحنون: وإذا كانت الأرض مأمونة (3).
قوله: (وشرط كنس مرحاض) أي: وكذا يجوز كراء الدار -مثلًا- بشرط أن يكون على المكتري، أو المكري (4) كنس المرحاض الذي بها، قال في المدونة: ومثله السراب (5)، وغسالة الحمام؛ لأنه أمر معروف وجهه (6).
قوله: (أو مرمةٍ) أي: وهكذا يجوز أن يكريها بشرط أن يكون على المكتري مرمتها عند الاحتياج إليها، وقاله في المدونة، وزاد: وذلك إذا شرط أنه من الكراء، ولا بد منه، وإلا فيكون الكراء مجهولًا (7)، وسيأتي هذا من كلامه.
قوله: (وتطيين) أي: وكذلك يجوز الكراء بشرط تطيين الدار، ونحو ذلك.
قوله: (من كراء وجب) هو قيد في مسألة المدونة (8)، وهذه المسألة، قال في الموازية (9): ومن اكترى دارًا على أنها إن احتاجت مرمة أو تطيينًا، أنفق فيها من كراء (10) سنة، أو مما لزمه، فذلك جائز (11)، وقيد ذلك في المدونة بأن يسمي مرة أو مرتين، أو في كل سنة مرة؛ لأنه معلوم، وأما إذا قال: كلما احتاجت طينتها، فهذا مجهول لا يجوز (12).
قوله: (لا إن لم يجب) أي: فإن ذلك لا يجوز.
قوله: (أو من عند المكتري) يعني: وكذلك لا يجوز أن يشترط على المكتري أن ما
(1) قوله: (وقاله في المدونة قال
…
لرب الأرض قلعها) زيادة من (ن).
(2)
انظر: المدونة: 3/ 539.
(3)
انظر: المدونة: 11/ 534.
(4)
قوله: (أو المكري) ساقط من (ن).
(5)
في (ن) و (ن 3): (السرب)، ولعل هذه الكلمة مصحفة وهي في المدونة:(التراب).
(6)
انظر: المدونة: 3/ 514.
(7)
انظر: المدونة: 3/ 514.
(8)
في (ن) و (ن 4): (المرمة). وانظر: المدونة: 2/ 514.
(9)
في (ن 4): (المدونة).
(10)
قوله: (كراء) زيادة من (ن) و (ن 4).
(11)
انظر: النوادر والزيادات: 7/ 133.
(12)
انظر: المدونة، دار صادر: 11/ 509.
احتاجت إليه الدار من المرمة أو التطيين أن يدفعه من عنده، وقاله في المدونة، وغيرها؛ لأنه غرر وجهالة.
قوله: (أو حميم أهل ذي الحمام، أو نورتهم) يعني: وكذلك لا يجوز أن يكتري حمامًا على أن يكون عليه حميم أهل صاحب الحمام، أي: غسلهم من ماء الحمام، أو ما يحتاجون إليه من نورة، يريد: إلا أن يشترط من ذلك شيئًا معلومًا، وقاله ابن القاسم في المدونة (1).
قوله: (مطلقًا) أي: سواء علم المكتري عيال المكري، أم لا. ابن يونس: وقال ابن حبيب ذلك جائز (2)، إذا عرف (3) ناحية عيال الرجل وكثرتهم وقلتهم، وعلم عدتهم، قال: وقد أجازه مالك.
قوله: (أو لم يعين في الأرض بناءٌ وغرسٌ، وبعضه أضر، ولا عُرف) أي: لا يجوز إن لم يعين (4)، فإن عين ذلك فهو جائز، وكذا إذا تساوى ولم يكن بعضه أضر وإن لم يعين، والواو من قوله:(وبعضه أضر)، واو الحال، واحترز بقوله:(ولا عرف)، مما إذا كان ثَمَّ عرف، فإنه يعمل به في ذلك.
قوله: (وكراء وكيل بمحاباة، أو بعرض) هذا واضح؛ لأن الوكيل (5) لا يجوز له أن يتصرف إلا بوجه جائز في الكراء والبيع، وهو إذا حابى فقد تعدى، وكذا إذا أكرى (6) بعرض؛ لأن العادة أن الدور والأرضين لا تكرى بالعروض غالبًا، وقاله في المدونة (7). ابن يونس: يريد وله فسخ الكراء، أو إجازته.
قوله: (أو أرض مدة لغرس، فإذا انقضت فهو لرب الأرض أو نصفه) يعني: وكذلك لا يجوز له كراء أرض مدة، قال في المدونة: عشر سنين، على أن يغرسها
(1) انظر: المدونة: 11/ 509، وتهذيب المدونة: 3/ 474.
(2)
قوله: (جائز) ساقط من (ن 5).
(3)
في (ن 5): (اعترف).
(4)
قوله: (لا يجوز إن لم يعين) زيادة من (ن 3).
(5)
في (ن 3): (الرجل).
(6)
في (ن 5): (اكترى).
(7)
انظر: المدونة: 3/ 486.
المكتري شجرًا سماها، فإذا انقضت المدة فالشجر أو نصفه لرب الأرض، وعلل فيها المنع بالجهالة (1)، قال: لأنه أكراها بشجر، لا يدري أيسلم، أم لا؟ وعن أشهب الجواز، إذا سمى مقدار الشجر (2).
(المتن)
وَالسَّنَةُ فِي الْمَطَرِ بِالْحَصَادِ وَفِي السَّقْيِ بِالشُّهُورِ، فَإِنْ تَمَّتْ وَلَهُ زَرْعٌ أَخْضَرُ فَكِرَاءُ مِثْلِ الزَّائِدِ، وِاذَا انْتَثَرَ لِلْمُكْتَرِي حَبٌّ فَنَبَتَ قَابِلًا فهُوَ لِرَبِّ الأَرْضِ، كَمَنْ جَرَّهُ السَّيْلُ إِلَيْهِ. وَلَزِمَ الْكِرَاءُ بِالتَّمَكُّنِ، وإِنْ فَسَدَ لِجَائِحَةٍ أَوْ غَرَقٍ بَعْدَ وَقْتِ الْحَرْثِ، أَوْ عَدَمِهِ بَذْرًا، أَوْ بسَجْنِهِ، أَوِ انْهَدَمَتْ شُرُفَاتُ الْبَيْتِ، أَوْ سَكَنَ أَجْنَبِي بَعْضَهُ، لا إِنْ نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْكِرَاءِ، وإنْ قَل، أَوِ انْهَدَمَ بَيْتٌ منها، أَوْ سَكَنَهُ مُكْرِيهِ، أَوْ لَمْ يَأْتِ بِسُلَّمِ لِلأَعْلَى، أَوْ عَطِشَ بَعْضُ الأَرْضِ، أَوْ غَرِقَ فَبِحِصَّتِهِ. وَخُيِّرَ فِي مُضِرٍّ، كَهَطْلٍ، فَإِنْ بَقِيَ فَالْكِرَاءُ، كَعَطَشِ أَرْضِ صُلْحٍ، وَهَلْ مُطْلَقًا؟ أَوْ إِلَّا أَنْ يُصَالِحُوا عَلَى الأَرْضِ؟ تَأوِيلانِ.
(الشرح)
قوله: (والسنة في المطر بالحصاد، وفي السقي بالشهور، فإن تمت وله زرع أخضر؛ فكراء مثل الزائد) يريد: أن من اكترى أرضًا من أراضي المطر سنة، فإنها تنقضي بالحصاد، وقاله في المدونة (3)، وقال فيها (4)، وأما ذات السقي التي تكرى على أمد المشهور والسنين، فللمكتري العمل إلى تمام السنة، فإن تمت وله فيها زرع أخضر أو بقل، فليس لرب الأرض قلعه، وعليه تركه إلى تمامه، وله فيما بقي كراء المثل على حساب ما أكراها منه (5). وطرح سحنون في رواية يحيى على حساب ما أكراها منه (6)، وأبقى كراء المثل (7)، وإليه أشار بقوله:(فكراء مثل الزائد) أي: فعليه كراء
(1) انظر: المدونة: 3/ 538.
(2)
انظر: النوادر والزيادات: 7/ 397.
(3)
انظر: المدونة، دار صادر: 11/ 538.
(4)
زاد بعده في (ن 4): (ومن اكترى أرضًا سنة فحصد زرعه قبل تمام السنة فأما أرض المطر فتحل السنة فيها بالحصاد ويقضى بذلك فيها).
(5)
انظر: المدونة؛ دار صادر: 11/ 538.
(6)
قوله: (منه. وصرح سحنون .. - ما أكراها منه) ساقط من (ن 3).
(7)
قوله: (على حساب
…
المثل) ساقط من (ن 5). وانظر: عقد الجواهر: 3/ 935.
المثل (1) في الأمد الزائد على السنة، ونقله أبو محمد في المختصر: وله كراء المثل فيما بقي لا على ما أكراه (2).
قوله: (وإذا انتثر للمكتري حب فنبت قابلًا، فهو لرب الأرض، كمن جره السيل إليه) يريد: أن من اكترى أرضًا، فزرعها وحصد زرعه منها، فانتثر منه حب في حصاده، فنبت في العام القابل؛ فإنه يكون لرب الأرض، وقاله في المدونة (3). بعض الأشياخ: ولا خلاف فيه وهكذا حكم من جر السيل بذر غيره إلى أرضه. وقاله في المدونة. وفي النوادر قول آخر: أن الزرع لرب البذر، وعليه لرب الأرض الكراء. وهو في الجلاب أيضًا (4)، وقال سحنون: إن جره (5) بعد أن نبت وظهر فهو لربه، وعليه كراء الأرض، ما لم يجاوز كراءها الزرع، فلا يكون عليه أكثر منه (6).
قوله: (ولزم الكراء بالتمكن) هو ظاهر، كما يلزم المشتري الثمن بالتمكن من المشتري (7).
قوله: (وإن فسد لجائحة) أي: وإن فسد الزرع ببرد، أو جراد، أو جليد، أو غيره من الجوائح؛ لأنه قد مكنه من الأرض وسلم منفعتها له، فهو بمنزلة ما إذا غصب الزرع غاصب.
قوله: (أو غرق بعد وقت الحرث) أي: وكذا يلزم المكتري الكراء إذا تمكن من الأرض وحرثها أولم يحرثها، إلا أنها غرقت بعد وقت الحرث، واحترز به مما إذا غرقت قبله، وقبل التمكن من الحرث، حتى خرج الإبان، وفات أوان الزرع؛ فإنه لا كراء عليه.
قوله: (أو عدمه بذرا، أو بسجنه) هذا كقوله في المدونة: ومن اكترى دارًا أو أرضًا،
(1) في (ن): (م).
(2)
انظر: التوضيح: 7/ 194.
(3)
انظر: المدونة، دار صادر: 11/ 556.
(4)
قوله: (وهو في الجلاب أيضًا) ساقط من (ن 3).
(5)
من هنا يبدأ سقط بمقدار لوحتين من (ن).
(6)
انظر: النوادر والزيادات: 7/ 161.
(7)
قوله: (من المشتري) ساقط من (ن 3).
فلم يجد بذرًا أو سجنه السلطان باقي المدة؛ فالكراء يلزمه ولا عذر له بذلك، ولكن يكريها إن لم يقدر هو أن يزرعها (1).
قوله: (أو انهدمت شرفات البيت) أي: لأن ذلك لا يضر بالسكنى، فلا يوضع بسببه شيئا من الكراء، وقاله في المدونة (2)، وقيده اللخمي بما إذا لم يزد لأجل ذلك في الكراء شيء، فإن زاد حط عنه ذلك القدر الذي زاده.
قوله: (أو سكن أجنبي بعضه) أي: وكذلك يلزم المكتري جميع الكراء ولو سكن الدار أجنبي (3) أو سكن معه، يريد: ويرجع هو على الأجنبي بحصة ما سكن من الدار، واحترز بالأجنبي عما إذا سكن معه رب الدار؛ فإنه لا يلزمه إلا حصة ما سكن، كما سنذكره، قال في المدونة: ولو سكن أجنبي طائفة من دارك، وقد علمت به فلم تخرجه، لزمه كراء ما سكن (4). يريد: وعلى المكتري جميع الكراء لرب الدار.
قوله: (لا إن نقص من قيمة الكراء وإن قل) أي: فإن الكراء يحط منه عن المكتري بمقدار النقص وإن قل، وقد تقدم نحوه عن اللخمي، والمسألة عند الأشياخ على أربعة أوجه: الأول: أن ينهدم ما لا ضرر فيه على الساكن، ولا ينقص من قيمة الكراء؛ كالشرفات. الثاني: أن ينهدم ما فيه ضرر يسير، ينقص من قيمة السكنى يسيرًا، فيحط من الكراء بقدر ذلك. الثالث: ما فيه ضرر كبير، فللمكتري رد الدار لربها، إلا أن يزيل عنه ذلك الضرر.
الرابع: انهدام جميع الدار، وهو ظاهر قوله:(أو انهدم بيت منها) يريد: إذا لم يكن فيه ضرر كبير على الساكن، وإلا فإنه يخير في البقاء أو الخروج وسيأتي هذا.
قوله: (أو سكنه مكريه) أي (5): سكن منه طائفة، فإنه سيذكر في جميع هذه المسائل أنه يلزمه حصة ما سكن، ويحط عنه مقدار ما يقابل ما انتقصه من الانتفاع، وهذه المسألة قد تقدم التنبيه عليها من لفظ المدونة.
(1) انظر: المدونة، دار صادر: 11/ 542.
(2)
انظر: المدونة: 3/ 527.
(3)
قوله: ("بعضه" أي: وكذلك
…
ولو سكن الدار أجنبي) ساقط من (ن 4).
(4)
انظر: المدونة: 3/ 520، وتهذيب المدونة: 3/ 477.
(5)
في (ن 5): (أو).
قوله: (أو لم يأت بسلم للأعلى) أي: إذا أكراها وفيها علو وسفل، والعلو يحتاج إلى سلم يصعد إليه منه، فلم يأت رب الدار له بالسلم في مدة الكراء، فإنه يحط عنه من الكراء ما يقابل العلو، إذ لم يتمكن من الانتفاع به.
قوله: (أو عطش بعض الأرض أو غرق) قال في المدونة: إذا غرق بعض الأرض أو عطش، فإن كان أكثرها رد جميعها، وإن كان تافهًا، حط عنه بقدر حصته من الكراء في كرمه ودناءته، لا بقدر قياس (1) مساحته إذا كانت مختلفة، ولزمه ما بقي من الأرض بحصته من الكراء (2).
قوله: (فبحصته) هو راجع إلى جميع المسائل التي أخرجها من حكم لزوم جميع الكراء بقوله: لا إن نقص من قيمة الكراء
…
إلى آخر ما ذكر.
قوله: (وخير في مضر كهطل، فإن بقي فالكراء) الهطل: هو تتابع المطر
…
(3)، قاله الجوهري (4)، و (في) من قوله:(في مضر) للسببية، والمعنى: أن المكتري يخير في ذلك بين أن يبقى، أو يفسخ الكراء عن نفسه، فإن اختار البقاء؛ فالكراء جميعه لازم له، قاله في المقدمات عن ابن القاسم (5).
قوله: (كعطش أرض صلح، وهل مطلقًا، أو إلا أن يصالحوا على الأرض؟ تأويلان) أي: وكذلك يجب الكراء على أهل الصلح إذا زرعوا الأرض وإن عطشت بعد ذلك، وقاله في المدونة (6)، إلا أن الشيخ لم يبين هل العطش كان قبل الزرع، أو بعده، وقال (7) غير ابن القاسم: هذا إذا كان الصلح وجيبة (8) عليهم، وأما إن صالحوا على أن على الأرض خراجًا معروفًا، فلا شيء عليهم. واختلف في قول الغير، هل هو خلاف، أو
(1) قوله: (قياس) ساقط من (ن 4).
(2)
انظر: المدونة: 3/ 534.
(3)
زاد بعده في (ن 4): (إلخ يقطر في البيت).
(4)
انظر: الصحاح تاج اللغة: 5/ 1850.
(5)
انظر: المقدمات: 1/ 470.
(6)
قوله: (وقاله في المدونة) ساقط من (ن 4). وانظر: المدونة: 3/ 538.
(7)
في (ن 4): (قاله).
(8)
في (ن 3): (وقف).
وفاق؟ فحمله أبو عمران على الخلاف، وأن الكراء يجب عليهم على قول ابن القاسم، سواء صالحوا على أن على الأرض خراجًا، أو على أن الخراج (1) عليهم لملكهم (2) الأرض، كما يقدر (3) اكتسابهم وأملاكهم. وحمله بعض القرويين على الوفاق، فقال: وأما أرض الصلح، فإن كان إنما صالحهم على أن على الأرض خراجًا معروفًا (4)، فالأمر كما قال الغير، ولا يمكن أن يخالفه ابن القاسم في هذا، وإن كان إنما صالحهم على أن على المصالحين خراجًا لملكهم الأرض كما يوصف بقدر اكتسابهم وأملاكهم صح ما قاله ابن القاسم.
(المتن)
عَكْسُ تَلَفِ الزَّرْعِ لِكَثْرَةِ دُودِهَا، أَوْ فَأْرِهَا، أَوْ عَطَشٍ، أَوْ بَقِيَ الْقَلِيلُ، وَلَمْ يُجْبَرْ آجِرٌ عَلَى إِصْلاحٍ مُطْلَقًا، بِخِلافِ سَاكِنٍ أَصْلَحَ لَهُ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وإِنِ اكْتَرَيَا حَانُوتًا فَأرَادَ كُلٌّ مُقَدَّمَهُ قُسِمَ إِنْ أَمْكَنَ، وإِلَّا أُكْرِيَ عَلَيْهِمَا، وإنْ غَارَتْ عَيْنُ مكرى سِنِينَ بَعْدَ زَرْعِهِ أُنْفِقَتْ حِصَّةُ سَنَةٍ فَقَطْ، وَإنْ تَزَوَّجَ ذَاتَ بَيتٍ وإنْ بِكِرَاءٍ فَلا كِرَاءَ، إِلَّا أَنْ تُبَيِّنَ. وَالْقَوْلُ لِلأَجِيرِ أَنَّهُ وَصَّلَ كِتَابًا، أوْ أَنَّهُ اسْتُصْنِعَ، وَقَالَ: ربه وَدِيعَةٌ، أَوْ خُولِفَ فِي الصِّفَةِ وَفِي الأُجْرَةِ إِنْ أَشْبَهَ وَحَازَ. لا كَبِنَاءٍ، وَلا فِي رَدِّهِ، فَلِرَبِّهِ وإِنْ بِلا بَيِّنَةٍ.
(الشرح)
قوله: (عكس تلف الزرع لكثرة دودها، أو فأرها، أو عطش، أو بقي القليل) المراد بالعكس هنا المقابلة، وهو أن الكراء جميعه يجب فيما تقدم، وهو هنا يسقط جميعه، ومعنى كلامه: أن تلف الزرع إذا كان من جهة الأرض، إما لكثرة دودها، أو لكثرة فأرها، أو عطشها؛ فإن الكراء يسقط عن المكتري وكذلك إذا تلف الزرع ولم يبق منه إلا القليل الذي لا بال له، كالخمسة أفدنة (5) والستة من المائة، أو مقدار الزريعة مرة أو مرتين.
(1) قوله: (على أن الخراج) يقابله في (ن 5): (إلى الخروج).
(2)
زاد (ن) و (ن 3) و (ن 4): (من).
(3)
قوله: (يقدر) يقابله في (ن 5): (يوصف بمقدار).
(4)
قوله: (معروفًا) زيادة من (ن 4).
(5)
في (ن 3): (أقفزة).
قوله: (ولم يجبر آجر على إصلاح مطلقًا) يريد: أن مالك الدار المكتراة لا يجبر على إصلاحها للمكتري، سواء كان ما يحتاج إلى الإصلاح مما يضر بالساكن، أم لا، أمكن معه السكنى، أم لا، ويخير المكتري بين أن يسكن بجميع الكراء، أو يفسخ ذلك عن نفسه، وهو قول ابن القاسم وقال غيره في المدونة: يجبر. ابن عبد السلام: والعمل عليه في زماننا (1). وقيل: إن كانت الدار لا تصلح للسكنى إلا بإزالة ذلك الضرر أجبر، وإلا فلا.
قوله: (بخلاف ساكن أصلح له بقية المدة قبل خروجه) يعني: فإن أصلح رب الدار ذلك المنهدم للمكتري قبل خروجه من الدار، لزمه الكراء بقية المدة، وليس له خروج. قال في المقدمات: ولو بنى بعد أن خرج، لم يكن له (2) الرجوع إليها، إلا أن يشاء (3). وقوله:
(أصلح له بقية المدة)، أي: بقية مدة الكراء قبل انقضائها وقبل خروجه منها.
قوله: (وإن اكتريا حانوتًا، فأراد كل مقدمه؛ قسم إن أمكن، وإلا أكرى عليهما) فرضها في المدونة في قصار وحداد اكتريا حانوتًا، فأراد أحدهما مقدم الحانوت يجلس فيه، قال فيها: ولم يقع (4) كراؤهما على أن لأحدهما مقدم (5) الحانوت من مؤخره؛ فالكراء لهما لازم، ويقسم الحانوت بينهما إن انقسم، وإلا أكري عليهما؛ لأنه ضرر، والبيت مثله (6).
قوله: (وإن غارت عين مكرى سنين بعد زرعه، أُنْفِقَتْ (7) حصة سنة فقط) يريد: أن من اكترى أرضًا ليزرعها سنين، فغارت عينها بعد أن زرع. قال في المدونة: أو انهدم بئرها، وأبى رب الأرض أن ينفق عليها (8)، فللمكتري أن ينفق فيها
(1) انظر: التوضيح: 7/ 191.
(2)
قوله: (يكن له) يقابله في (ن 4): (يلزمه).
(3)
انظر: المقدمات الممهدات: 1/ 471.
(4)
في (ن) و (ن 3) و (ن 5): (يقع).
(5)
في (ن) و (ن 5): (على ألا يعلم مقدم)، وفي (ن 3):(على أولاهما بمقدم).
(6)
انظر: المدونة: 3/ 525.
(7)
في (ن 4): (انقضت).
(8)
قوله: (وأبى رب الأرض أن ينفق عليها) ساقط من (ن 3).
حصة تلك السنة خاصة من الكراء، ويلزم ذلك ربها، وإن زاد على حصة سنة فهو متطوع (1). أبو إسحاق: وإنما كان للمكتري أن ينفق حصة السنة للضرورة (2)؛ لأنه متى ترك ذلك فسد زرعه، ولا وكلا لرب الأرض؛ إذ لو بطل زرع هذه السنة لم يكن له كراء، فلا يمنع من أمر ينتفع به غيره، ولا ضرر عليه فيه. أي: وأما إذا حصل ذلك قبل الزرع، فإنه لا ينفق شيئًا عليها إن أبى رب الأرض؛ إذ لم يتقدم له فيها عمل، بخلاف من زرع، وإنفاقه حصة سنة هو المذهب، وقال عبد الملك: له أن ينفق كراء السنين التي وقع العقد عليها؛ لأنها صفقة واحدة (3).
قوله: (وإن تزوج ذات بيت وإن بكراء، فلا كراء، إلا أن تبيَّن) يريد: أن من تزوج امرأة صاحبة بيت، أو مالكة لمنفعته بكراء من غيرها، فلا كراء لها عليه إذا سكن معها فيه إلا أن تبيَّن له ذلك، فتقول له: إنى ساكنة بالكراء، فإما أن تؤدى ذلك، وإلا خرجت. وقاله ابن القاسم في المدونة، وقال غيره فيها: عليه الأقل من كراء المثل، أو ما (4) اكترت به (5).
قوله: (والقول للأجير أنه وصَّل كتابا) يريد: أن من آجر رجلا على أن يبلغ له كتابا إلى موضع كذا، فقال: قد بلغته إلى المكان المشترط، وقال الآخر: لم توصله؛ فإن القول قول الأجير، قال في المدونة: يصدق (6) في أمد يبلغ في مثله؛ لأنه ائتمنه عليه، وعليه دفع (7) كرائه إليه، وقال غيره فيها: على المكتري (8) البينة أنه أوفاه حقه وبلغه غايته (9).
قوله: (وأنه استصنع، وقال: ربه (10) وديعة) أي: وكذا يكون القول قول الأجير أنه
(1) انظر: المدونة: 3/ 527.
(2)
انظر: المدونة: 5/ 536.
(3)
انظر: التفريع: 2/ 357.
(4)
في (ن) و (ن 4) و (ن 5): (وما).
(5)
انظر: المدونة: 3/ 523.
(6)
قوله: (يصدق) ساقط من (ن 5).
(7)
قوله: (دفع) ساقط من (ن 5).
(8)
في (ن 3): (المكري).
(9)
انظر: المدونة: 3/ 494.
(10)
قوله: (ربه) ساقط من (ن 5).
استعمله فيما بيده، وهو مراده بالاستصناع، وقال رب المتاع: بل هو وديعة، وقاله في المدونة، وقال غيره: بل الصانع مدع (1).
قوله: (أو خولف في الصفة (2)) أي: كما لو خاطه قميصا، فقال: إنما أمرتك بخياطة جبة، أو صبغه أحمر، فقال: إنما أمرتك أن تصبغه أسود، أو نحو ذلك.
قوله: (وفي الأجرة، إن أشبه، وحاز (3)) أي: وهكذا يكون القول للأجير إذا ادعى من الأجر ما يشبه، وخالفه في ذلك رب المتاع وقال: بل عملته بلا أجر، وقاله في المدونة، وزاد: وإن لم يشبه، رد إلى أجر مثله (4). قال عبد الحق: ويحلف رب المتاع، ليسقط عنه ما زاد من التسمية على أجرة المثل، وقال غير ابن القاسم في المدونة: يحلف الصانع ويأخذ الأقل مما ادعى، أو من أجرة مثله (5)، وعلى هذا فيحلفان جميعا، يحلف الصانع أنه لم يعمله بغير أجر، ويحلف الآخر أنه استعمله (6) بتلك التسمية، ثم يأخذ أجرة المثل. ابن يونس: وهذا إذا كان بينهما ما يشبه أن يعمله له باطلا، فإن لم يكن أخذ المسمى إن كان الأقل بغير يمين، وإن كانت الأجرة أقل حلف صاحبه فقط ودفع أجرة المثل، فإن نكل حلف الصانع وأخذ المسمى.
قال بعض الأشياخ: وهذا إذا اختلفا بعد أن أسلمه، فإن لم يسلمه حلف الصانع وحده على التسمية فيأخذها قولا واحدا إذا أشبه. فقيد قول الأجير بأن يشبه، وأن يكون حائزا للمتاع لم يسلمه لربه، وعلي هذا فيكون قوله:(وحاز)، بالحاء الهملة والزاي، ويجوز أن يقرأ بالجيم والزاي من الجواز، ويكون احترز به مما إذا ادعى الأجير ما لا يجوز، فإنه لا يصدق، والأول أظهر.
قوله: (لا كبناء) أي: فلا يصدق الصانع؛ لعدم حوزه للبناء المذكور. ابن شاس (7):
(1) انظر: المدونة: 3/ 384.
(2)
في (ن 5): (الصفقة)، وزاد في (ن) و (ن 4):(وفي الأجرة).
(3)
قوله: (وحاز) ساقط من (ن 4)، وفي (ن 3):(وجاز).
(4)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 384.
(5)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 384.
(6)
في (ن 4): (لم يستعمله).
(7)
قوله: (ابن شاس) ساقط من (ن 3).
والقول قول ربه مع يمينه؛ لأنه حائز لذلك، إلا أن يدعى ما لا يشبه (1).
قوله: (ولا في رده) هو كقوله في المدونة: وإذا أقر الصانع بقبض متاع، وقال: عملته ورددته، ضمن، إلا أن يقيم بينة برده (2).
قوله: (فلربه) أي: فالقول في ذلك لربه.
قوله: (وإن بلا بينة) يريد: لأنه مقر بالقبض، فلا يصدق في الرد إلا ببينة، وقال ابن الماجشون: لا يضمن الصانع (3)، إلا إذا قبضه ببينة (4).
(المتن)
وإِنِ ادَّعَاهُ، وَقَالَ: سُرِقَ مِنِّي، وَأَرَادَ أَخْذَهُ دَفَعَ قِيمَةَ الصِّبْغِ بِيَمِينٍ، إِنْ زَادَتْ دَعْوَى الصَّانِعِ عَلَيْهَا، وإِنِ اخْتَارَ تَضْمِينَهُ، فَإِنْ دَفَعَ الصَّانِعُ قِيمَتَهُ أَبْيَضَ فَلا يَمِينَ، وإِلَّا حَلَفَا وَاشْتَرَكَا، لا إِنْ تَخَالَفَا فِي لَتِّ السَّوِيقِ وَأَبَى مِنْ دَفْعِ مَاه اللَّات فَمِثْلُ سَوِيقِهِ. وَلَهُ وَلِلْجَمَّالِ بِيَمِين فِي عَدَمِ قَبْضِ الأُجْرَةِ وإِنْ بَلَغَا الْغَايَةَ، إِلَّا لِطُولٍ فَلِمُكْتَرِيهِ بِيَمِينٍ، وإِنْ قَالَ: بِمِائَةٍ لِبَرْقَةَ، وَقَالَ: بَلْ لإفْرِيقِيَةَ حَلَفَا. وَفُسِخَ إِنْ عُدِمَ السَّيْرُ، أَوْ قَلَّ وإِنْ نَقَدَ، وإِلَّا فَكَفَوْتِ الْمَبِيعِ،
(الشرح)
قوله: (وإن ادعاه، وقال: سرق مني وأراد أخذه؛ دفع قيمة الصبغ بيمين، إن زادت دعوى الصانع عليها) أي: وإن ادعى الصانع الاستصناع، وقال رب الثوب: بل سرق مني وأراد أخذ ثوبه وقد صبغه؛ فإنه يدفع قيمة الصبغ (5) بيمينه، إن كان ما ادعاه الصانع أكثر منها، قال في المدونة: ويتحالفان، ويقال لربه ادفع أجر عمله وخذه، فإن أبى، قيل للمصانع ادفع إليه قيمة ثوبه غير معمول، فإن أبيا (6) كانا شريكين، هذا بقيمة ثوبه غير معمول، وهذا بقيمة عمله؛ لأن كل واحد منهما مدع على صاحبه (7).
(1) انظر: عقد الجواهر: 3/ 939.
(2)
انظر: المدونة: 3/ 461، بلفظ: إذا أقر أنه قد قبض المتاع فهو ضامن إلا أن يقيم البينة أنه قد رده.
(3)
قوله: (لا يضمن الصانع) ساقط من (ن 3).
(4)
انظر: عقد الجواهر: 3/ 939.
(5)
زاد بعده في (ن 4): (ويأخذه).
(6)
في (ن 3) و (ن 4): (أبى).
(7)
انظر: المدونة: 3/ 462.
وقال غير ابن القاسم: العامل مدع، ولا يكونان شريكين (1). عبد الحق: وإن قال: -رب الثوب- أنا أضمنه ولا آخذ الثوب، فإن طاع الصانع أن يعطيه قيمته أبيض، فلا يمين على واحد منهما، وإن أبى من ذلك، تحالفا (2)، وهذا مذهب ابن القاسم (3)، وإليه أشار بقوله:(وإن اختار تضمينه، فإن دفع الصانع قيمته أبيض فلا يمين، وإلا حلفا واشتركا) انظر الكبير.
قوله: (لا إن تخالفا في لت السويق، وأبى من دفع ماه اللات؛ فمثل سويقه) أي: فإنهما إذا تخالفا في ذلك، وأبى رب السويق من دفع ما قال الذي لت (4)، فإنه يأخذ منه مثل سويقه؛ لوجود المثل هنا، وعدم وجوده في الثوب، ولت السويق معناه: تسقيته بالسمن، أو نحوه من الأدهان. والمسألة في المدونة في لته بالسمن، وجعل فيها الاختلاف تارة في الإذن وعدمه (5)، وتارة في مقدار ما لته به، فقال (6) ابن القاسم: ومن لت سويقا بسمن، وقال لربه: أمرتني أن ألته بعشرة دراهم، وقال ربه: لم آمرك أن تلته بشيء، قيل لصاحب السويق: إن شئت فاغرم له ما قال وخذ (7) السويق ملتوتا، فإن أبى، قيل للات: اغرم له مثل سويقه غير ملتوت، وإلا فأسلمه إليه بلتاته ولا شيء لك، وقال غيره: إذا امتنع رب السويق أن يعطيه ما لته به، قضى على اللات (8) بمثل سويقه غير ملتوت (9). واختلف هل قول الغير خلاف؟ وإليه ذهب عبد الحق (10) واللخمي (11) وغيرهما، أو وفاق؟ وإليه ذهب ابن أبي زيد. قال فيها: وإن قال اللات:
(1) انظر: المدونة: 3/ 462.
(2)
انظر: النكت: 2/ 95.
(3)
انظر: النكت: 2/ 95.
(4)
قوله: (قال الذي لت) يقابله في (ن 3): (مال اللات).
(5)
قوله: (وعدمه) ساقط من (ن 4).
(6)
زاد في (ن) و (ن 3) و (ن 4): (عن).
(7)
في (ن 3) و (ن 4): (إن وجد).
(8)
قوله: (على اللات) يقابله في (ن 5): (للات).
(9)
انظر: المدونة: 3/ 463.
(10)
انظر: النكت: 2/ 96.
(11)
انظر: التبصرة، للخمي، ص: 5009 و 5010.
أمرتني أن ألته بعشرة ففعلت، وقال ربه: بل أمرتك بخمسة وبها لتته؛ فاللات مصدق مع يمينه إن أشبه أن يكون فيه سمن بعشرة؛ لأنه مدعي عليه الضمان، ولو قال ربه: كان لي فيه (1) لتات متقدم لم يصدق؛ لأنه ائتمن الذي أسلمه إليه، فالقول قول اللات مع يمينه، وهذا في جميع ما ذكرنا إذا أسلم إليه السويق وغاب عليه (2)، فأما إن لم يسلمه (3) إليه ولم يغب عليه، فرب السويق مصدق في قوله أمرتك بخمسة؛ إذ لم يأتمنه، وإن قال أهل النظر: فيه سمن بعشرة، فإن لم يدع ربه أنه تقدم له فيه سمن، فاللات مصدق، وإن قال: كان لي فيه لتات صدق؛ إذ لم يسلمه إليه، ولو أسلمه (4) لم يصدق ربه أنه تقدم له فيه لتات (5).
قوله: (وله، وللجمال بيمين في عدم قبض الأجرة؛ وإن بلغا الغاية، إلا لطول؛ فلمكتريه بيمين)(6) هو معطوف على قوله: (والقول للأجير أنه وصل كتابا
…
إلى آخره)، والمعنى: أن الأجير إذا طلب أجرة، فقال الآجر: دفعته لك (7)؛ فالقول قول الأجير مع يمينه، وكذلك الجمال إذا قال له: لم أقبض الأجرة، وإن وصلا إلى المكان الذي تكاريا إليه، إن كانت الأحمال بيده، قال في المدونة: أو بعد أن أسلمها بيوم أو يومين وما قرب، ثم قال: فإن تطاول، فالمكتري (8) مصدق مع يمينه، إلا أن يقيم بينة. ابن يونس: يريد لأن من شأن الأكرياء انتقاد أكريتهم ببلوغهم الغاية المكتري إليها (9)، أو بعد يوم أو يومين (10)، وما قرب من ذلك، فإذا بعد صاروا مدعين لغير العرف (11)، والمكتري يدعي العرف؛ فكان القول قوله، إلا أن يكون المكري لم يسلم
(1) قوله: (فيه) ساقط من (ن 3).
(2)
قوله: (وغاب عليه) زيادة من (ن 3).
(3)
قوله: (لم يسلمه) يقابله في (ن 3): (أسلمه).
(4)
زاد بعده في (ن 4): (إليه لصدق رب السمن).
(5)
انظر: المدونة: 3/ 463.
(6)
هنا انتهى السقط الواقع من (ن).
(7)
في (ن): (إليك).
(8)
في (ن 5): (المكري).
(9)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (للمكتري).
(10)
قوله: (وما قرب، ثم
…
بعد يوم أو يومين) ساقط من (ن 3).
(11)
في (ن 3): (القرب).
المتاع إلى ربه؛ فيكون القول قول المكري (1) مع يمينه.
قوله: (وإن قال: بمائة لبرقة، وقال: بل لإفريقية، حلفا وفسخ؛ إن عدم السير، أو قل، وإن نقد) أي: وإن قال المكري: أكريتك بمائة إلى برقة، وقال المكتري: بل إلى إفريقية، فإنهما يتحالفان ويتفاسخان؛ إن لم يسر شيئا من المسافة، أو سار شيئا قليلا لا ضرر على الجمال في رجوعه بسببه، وقاله في المدونة (2)، قال: وسواء انتقد الكراء، أم لا، وقال غيره: إن انتقد الجمال، وكان يشبه ما قال، فالقول قوله، لأنه مدعى (3) عليه (4)، انظر كلام ابن المواز (5) في الكبير.
قوله: (وإلا فكفوت المبيع) أي: وإن كان اختلافهما فيما (6) بعد أن بلغ نهاية سفره أي: سفر الجمال وهو برقة في مثاله (7) أو جله، فهو بمنزلة ما إذا قبض المشترى السلعة وفاتت بيده؛ فإن القول قوله، وكذلك يكون القول قول المكتري؛ لأنه القابض للمنفعة (8).
(المتن)
وَلِلْمُكْرِي (9) فِي الْمَسَافَةِ فَقَطْ، إِنْ أَشْبَهَ قَوْلُهُ فَقَطْ، أَوْ أَشْبَهَا وَانْتَقَدَ. وَإنْ لَمْ يَنْتَقِدْ حَلَفَ الْمُكْتَرِي وَلَزِمَ الْجَمَّالَ مَا قَالَ، إِلَّا أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا ادَّعَى فَلَهُ حِصَّةُ الْمَسَافَةِ عَلَى دَعْوَى الْمُكْتَرِي، وَفُسِخَ الْبَاقِي، وَإنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَا. وَفُسِخَ بِكِرَاءِ الْمِثْلِ فِيمَا مَشَى،
(الشرح)
احترز بقوله: (في المسافة فقط)، مما إذا اختلفا فيها وفي الثمن معا، وبقوله:(إن أشبه قوله فقط)، مما إذا أشبه قولهما معا، أو قول المكترى فقط، وهذا الذي ذكره هنا موافق
(1) في (ن 5): (المكتري).
(2)
انظر: المدونة: 3/ 491.
(3)
في (ن) و (ن 4) و (ن 5): (مدع).
(4)
انظر: المدونة: 3/ 491.
(5)
في (ن 4): (ابن يونس).
(6)
قوله: (فيما) زيادة من (ن).
(7)
قوله: (أي: سفر الجمال وهو برقة في مثاله) زيادة من (ن).
(8)
زاد بعده في (ن 4): (فأشبه قوله نقدا ولم ينقد).
(9)
في (ن 4): (وللمكتري).
لتحصيل ابن يونس، فإنه قال بعد أن ذكر كلام ابن القاسم وغيره في المدونة: وتلخيص هذه المسألة وبيانها على مذهب ابن القاسم، أن ينظر، فإن أشبه قول المكري (1) خاصة فالقول قوله، انتقد أو لم ينتقد، وإن أشبه قول المكترى فالقول قوله، نقد الكراء أو لم ينقده، وإن أشبه ما قالا جميعا نظرت، فإن انتقد الكراء فالقول قوله -يعني المكري-، وإن لم ينتقد فالقول قول المكترى، وإذا كان القول قول المكري فإنه يحلف ويكون له جميع الكراء، وإن كان القول قول المكترى حلف ولزم الجمال ما قال، إلا أن يحلف على ما ادعى فيكون له حصة مسافة برقة على دعوى المكترى ويفسخ عنه الباقي، وإن لم يشبه قول واحد منهما، تحالفا وتفاسخا، وكان له كراء المثل فيما مشى، وأيهما نكل قضي للآخر عليه، انظر كلامه في المقدمات، وتحصيله في الكبير.
(المتن)
وإِنْ قَالَ: أَكْرَيْتُكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِائَةٍ وَبَلَغَاهَا، وَقَالَ: بَلْ لِمَكَّةَ بِأَقَلَّ، فَإِنْ نَقَدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْجَمَّالِ فِيمَا يُشْبِهُ وَحَلَفَا وَفُسِخَ، وإِنْ لَمْ يَنْقُدْ فَلِلْجَمَّالِ فِي الْمَسَافَةِ وَلِلْمُكْتَرِي فِي (2) حِصَّتِهَا مِمَّا ذُكِرَ بَعْدَ يَمِينِهِمَا، وَانْ أَشْبَهَ قَوْلُ الْمُكْرِي فَقَطْ فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينٍ،
(الشرح)
أي: وإن قال الجمال للمكتري: أكريتك إلى المدينة بمائة درهم وقد وصلا إليها، وقال هو: بل أكريتنى بخمسين إلى مكة، فإن نقده الخمسين فالقول قول الجمال فيما يشبه؛ لأنه ائتمنه، وحلف المكترى في الخمسين الأخرى، وحلف الجمال أنه لم يكره إلى مكة بمائة، ويفسخ العقد، وإن لم ينقده شيئا فالقول للجمال في المسافة، وللمكتري في حصتها من الكراء الذي يذكر بعد أيمانهما، قال في المدونة: يفض الكراء على ما يدعيه المكتري. قال ابن القاسم وغيره: وذلك إذا أشبه ما قالاه، أو ما قال المكتري، فإن أشبه ما قال المكري (3) خاصة فالقول قوله، ويحلف على دعوى المكترى (4)، وإلي هذا أشار بقوله:(وإن أشبه قول المكري فقط، فالقول له بيمين).
(1) في (ن 3): (المكتري).
(2)
قوله: (في) ساقط من (ن 5).
(3)
في (ن 5): (المكتري).
(4)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 454.
(المتن)
وإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً قُضِيَ بِأَعْدَلِهِمَا، وإِلَّا سَقَطَتَا. وإِنْ قَالَ: أَكْتَرَيْتُ عَشْرًا بِخَمْسِينَ، وَقَالَ: خَمْسًا بمِائَةٍ حَلَفَا وَفُسِخَ. وإِنْ زَرَعَ بَعْضًا وَلَمْ يَنْقُدْ فَلِرَبِّهَا مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُكْتَرِي، إِنْ أشْبَهَ وَحَلَفَ، وإِلَّا فَقَوْلُ رَبِّهَا إِنْ أَشْبَهَ. وَإِنْ لَمْ يُشْبِهَا حَلَفَا، وَوَجَبَ كِرَاءُ الْمِثْلِ فِيمَا مَضَى، وَفُسِخَ الْبَاقِي مُطْلَقا. وَإِنْ نَقَدَ فَتَرَدُّدٌ.
(الشرح)
قوله: (وإن أقاما بينتين، قضي بأعدلهما) مثله في المدونة (1).
قوله: (وإلا سقطتا) أي: وإن لم تكن إحداهما أعدل من الأخرى سقطتا، وصارا كمن لا بينة لهما، وقال (2) ابن القاسم في المدونة (3)، وقاله غيره: أقضي ببينة كل واحد إذا كانت عادلة؛ لأن كل واحد ادعى خصلة (4) أقام عليها بينة، فأقضى بأبعد المسافتين، وبأكثر الثمنين، وليس هذا من التهاتر، وسواء نقد أو لم ينقد.
قوله: (وإن قال: اكتريت (5) عشرا بخمسين، وقال: خمسا بمائة؛ حلفا وفسخ) أي: وإن قال المكترى: اكتريت (6) الدار أو الأرض عشر سنين بخمسين، وقال رب الأرض: إنما أكريتك خمس سنين بمائة؛ فإنهما يتحالفان ويتفاسخان، قال في المدونة: وذلك إذا كان بحضرة الكراء، ثم قال: وإن كان قد زرع سنة أو سنتين ولم ينقد، فلربها فيما مضى ما أقر به المكتري إن أشبه تغابن الناس ويحلف، وإن لم يشبه قبل قول ربها إن أشبه مع يمينه، وإن لم يشبه فله كراء المثل فيما مضى، ويفسخ باقي المدة على كل حال، قال: وإنما فسخنا بقية الخمس سنين وإن أقر بها رب الأرض؛ لدعواه في كرائها أكثر من دعوى المكترى، وهذا إذا لم ينتقد (7)، انظر الكبير.
قوله: (وإن زرع بعضا ولم ينقد، فلربها ما أقر به المكتري إن أشبه وحلف، وإلا فقول
(1) انظر: المدونة: 3/ 452.
(2)
في (ن) و (ن 3) و (ن 4): (وقاله).
(3)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 607.
(4)
في (ن 3) و (ن 4): (جملة)، وفي (ن):(حصة).
(5)
في (ن 5): (أكريت).
(6)
قوله: (المكترى: اكتريت) يقابله في (ن 3): (أكريت).
(7)
انظر: المدونة، دار صادر: 11/ 539.
ربها إن أشبه (1)، وإن لم يشبها حلفا ووجب كراء المثل فيما مضي، وفسخ الباقي مطلقا) أي: فإن كانت المسألة بحالها، إلا أن المكتري قد زرع بعض السنين، ولم ينقد شيئا من الكراء، فلرب الأرض ما أقر به المكتري فيما مضى إن أشبه قوله مع يمينه، وظاهره سواء أشبه قول الآخر (2) أم لا، وإن لم يشبه قول المكترى، فالقول قول رب الأرض إن أشبه (3)، يريد: مع يمينه، وإن لم يشبه قول واحد منهما حلفا معا (4)، ووجب لرب الأرض كراء المثل فيما مضى، ويفسخ الباقي (5) مطلقا، أي. في جميع الصور. وتردد الأشياخ في قول الغير في المدونة: إذا انتقدا، أهو وفاق، أو خلاف؟ وإليه أشار بقوله:(وإن نقد، فتردد).
* * *
(1) قوله: (وحلف، وإلا فقول ربها إن أشبه) ساقط من (ن 3).
(2)
قوله: (قول الأخير) ساقط من (ن 3)، في (ن 4) و (ن 5):(الأخير).
(3)
قوله: (وإن لم يشبه
…
رب الأرض إن أشبه) ساقط من (ن 3).
(4)
قوله: (معا) زيادة من (ن).
(5)
قوله: (الباقي) ساقط من (ن).