المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب [في أحكام الصلح] - تحبير المختصر وهو الشرح الوسط لبهرام على مختصر خليل - جـ ٤

[بهرام الدميري]

الفصل: ‌باب [في أحكام الصلح]

يمضي وكذلك وفاء الدين.

قوله: (وَلَهُ رَدُّ الجْمِيع إِنْ تبَرَّعَتْ بِزَائِدٍ) يريد: أن المرأة إذا تبرعت بزائد على الثلث فإن للزوج رد الزائد وما معه، وهو قول ابن القاسم في المدونة وابن نافع، وسواء كانت الزائدة يسيرة أو كثيرة، وفيها أيضا عن ابن القاسم إن زادت على الثلث كالدينار وما خف فإن الجميع يمضي للعلم، بأنها لم تقصد بما خف الضرر بخلاف ما إذا كثرت (1) الزيادة، فإن له حينئذ رد الجميع (2)، وفي المدونة عن المغيرة، وبه قال ابن الماجشون: أنه لا يرد إلا ما زاد على الثلث.

قوله: (وَليْسَ لها بَعْدَ الثلثِ تبرع إلا أن يبعد) ما بين العطيتين، وفصل أصبغ فقال: إذا أعتقت رأسًا ثم رأسًا ثم رأسًا (3) والزوج غائب ثم قدم (4) فإن كان بين ذلك ستة أشهر فكل واحد عتق مؤتنف ينظر فيه هل يحمله الثلث أم لا، فإن كان بين ذلك اليوم واليومان فإن حمل الجميع الثلث مضى وإلا رد كعتقها لهم في كلمة واحدة، وإن كان بين ذلك مثل (5) الشهر والشهرين مضى الأول إن حمله الثلث، ورد ما بعده، وإن حمله الثلث.

‌باب [في أحكام الصلح]

(المتن)

بَابٌ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى فيه بَيعٌ، أَوْ إِجَارَةٌ، وَعَلَى بَعْضِهِ: هِبَةٌ وَجَازَ عَنْ دَيْنٍ بِمَا يُبَاعُ بِهِ، وَعَنْ ذَهَبٍ بِوَرِقٍ، وَعَكْسِهِ إِنْ حَلَّا، وَعُجّلَ كَمِائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ، عن مِائَتَيْهِمَا، وَعَلَى الاِفْتِدَاءِ مِنْ يَمِينٍ، أَوِ السُّكُوتِ، والإِنْكَارِ، إِنْ جَازَ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ، وَظَاهِرِ الْحُكْمِ، وَلا يَحِلُّ لِظالِمٍ،

(الشرح)

قوله: (الصُّلْحُ عَلَى غيرِ المُدَّعَى فيه (6) بَيعٌ، أَو إِجَارَةٌ (7) وَعَلَى بَعْضِهِ هِبَةٌ) يريد: أن

(1) في (ن 5): (تركت).

(2)

انظر: المدونة: 4/ 123.

(3)

قوله: (ثم رأسًا) زيادة من (ن 5).

(4)

قوله: (ثم قدم) زيادة من (ن 5).

(5)

قوله: (اليوم واليومان

بين ذلك مثل) ساقط من (ن 3).

(6)

قوله: (فيه) زيادة من (ن 3).

(7)

في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (وإجارة).

ص: 179

الصلح على ضربين تارة يكون على غير المدعى فيه (1)، وتارة يكون على بعضه، فأما الأول فمثل أن يدعي عرضًا أو طعامًا فيصالحه على نقد يدفعه له من الدنانير أو الدراهم (2) أو على عرض أو طعام مخالف لما ادعى، ولا خلاف في جواز كون هذا معاوضة؛ لأنه صار بمنزلة من باع عرضًا بنقد أو بعرض يخالفه، وكذلك في الطعام فيشترط في الصلح حينئذ ما يشترط في بيعه كما سيذكر (3)، وأما الوجه الثاني مثل أن يدعي عليه شيئًا فيصالحه على بعضه ويسقط عنه بعضه فلا شك (4) أن ذلك القدر (5) الذي أسقط عنه هبة، وذلك لازم للواهب إذ هي مقبوضة فيشترط فيها (6) قبول الموهوب له (7) في حياة الواهب، وقيل: يكفي قبوله بعد موته وإلى هذا القسم أشار بقوله: (وعلى بعضه هبة)(8).

قوله: (وَجَازَ عَنْ دَيْنٍ بِما يُبَاعُ بِهِ) أي: وجاز الصلح عن دين له عليه بما يصلح بيعه به، فإذا صالحه عنه بعرض، فإن جاز بيعه (9) جاز وإلا فلا، ابن يونس: فيمتنع في الصلح ما يمتنع في البيع كمصالحة منكر المال على سكنى أو خدمة، لأنه فسخ دين في دين أو قمح عن شعير مؤجل لأنه نَسَاء في الطعام، فإذا فات فالقيمة أو المثل كالبيع، وينفذ إن وقع بالمكروه (10)، ولو أدرك بحدثانه، قاله مطرف، وقال عبد الملك: يفسخ في الحدثان، وينفذ مع الطول (11).

قوله: (وَعَنْ ذَهَبٍ بِوَرِقٍ وَعَكْسِهِ إِنْ حَلّا وَعُجِّلَ) أي: وجاز الصلح عن

(1) قوله: (فيه) ساقط من (ن 3).

(2)

قوله: (أو الدراهم) ساقط من (ن 4).

(3)

في (ن): (سيذكره).

(4)

قوله: (فلا شك) ساقط من (ن 5).

(5)

قوله: (القدر) ساقط من (ن).

(6)

قوله: (فيها) ساقط من (ن 4).

(7)

قوله: (له) زيادة من (ن 5).

(8)

قوله: (وإلى هذا القسم أشار بقوله: "وعلى بعضه هبة") زيادة من (ن 5).

(9)

زاد بعده في (ن 4): (به).

(10)

في (ن) و (ن 5): (في المكروه).

(11)

انظر: الذخيرة: 5/ 347.

ص: 180

ذهب بفضة وعن فضة بذهب بشرطين: أن يعجل ذلك وأن يحل المدعى (1)، فإن لم يعجله فسد الصلح لأنه صرف مستأخر (2)، وأما اعتبار الحلول فهو جار على المشهور من جواز صرف ما في الذمة بشرط الحلول، ويسقط اعتبار ذلك على قول القاضي إسماعيل (3) لبراءة الذمة، ويمتنع ذلك على قول أشهب (4)، وإن حل لمنعه صرف ما في الذمة مطلقًا، ونبه بقوله:(كَمائَةِ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ عَنْ مِائَتَيْهِما (5)) على أن الحكم المذكور ليس خاصا بما إذا كانت الدنانير في طرف والدراهم في الطرف الآخر، بل الحكم شامل له، ولما إذا كان كل طرف مشتملًا على النوعين معا، وهذا مثل قوله في المدونة: ومن لك عليه مائة دينار ومائة درهم حالة فصالحته من ذلك على مائة دينار ودرهم جاز، لأنك أخذت الدنانير قضاء عن (6) دنانيرك، وأخذت درهمًا من دراهمك وهضمت باقيها، بخلاف التبادل (7) بها (8) نقدًا (9).

قوله: (وَعَلَى الافْتِدَاءِ مِنْ يَمِينٍ) أي: وكذلك يجوز الصلح على الافتداء بمال عن يمين توجهت عليه، وهذا إذا لم يعلم براءته من تلك اليمين، وأما إذا علم براءته منها فلا يفتدي، وليحلف لأنه إن افتدى منها كان آثمًا من أوجه أربعة، منها: أنه أذل بنفسه، ومنها أنه أطعمه (10) ما لا يحل له، ومنها أنه أضاع ماله، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ومنها أنه جرأه على غيره كما جرأه على نفسه.

قوله: (أَوِ السُّكُوتِ) أي: وهكذا يجوز الصلح على السكوت من غير إقرار ولا

(1) زاد في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (فيه).

(2)

في (ن): (ومستأخر).

(3)

قوله: (إسماعيل) ساقط من (ن)، وزاد في (ن 5):(الذي لا يعتبر بجواز صرف ما في الذمة).

(4)

انظر: الجامع بين الأمهات، ص:563.

(5)

في (ن): (مثلهما).

(6)

في (ن): (من).

(7)

في (ن 3): (المتبادل).

(8)

قوله: (بها) زيادة من (ن) و (ن 5).

(9)

انظر: المدونة: 3/ 395.

(10)

في (ن 4): (أطعم له).

ص: 181

إنكار، ابن محرز: ويعتبر فيه حكم المعاوضة في الإقرار، ويعتبر (1) على مذهب مالك الوجوه الثلاثة الآتية في الإنكار، أي: وعلى مذهب ابن القاسم يعتبر الوجهين، وعلى مذهب أصبغ وجه واحد (2) كما سنذكره بعد هذا في قوله:(والإِنْكَارِ (3) إِن جَازَ علَى دَعْوَى كُلٍّ، وَظَاهِرِ الحكمِ، وَلَا يحلُّ لِظَالمٍ) ومعنى ذلك أنه يجوز أيضًا الصلح على الإنكار وهو المذهب وبه قال أبو حنيفة وأحمد لعموم الحديث وقال ابن الجهم لا يجوز الصلح على الإنكار وهو مذهب الشافعي ومعنى كلامه هنا أنه يجوز الصلح أيضا عن الإنكار (4) كما إذا ادعى عليه دارًا أو عبدًا أو غيره على رجل (5) فأنكره ثم صالحه على أن يدفع له عن ذلك شيئًا من ماله، وأشار إلى أن ذلك مشروط بثلاثة شروط (6): أن يكون ذلك جائزًا على دعوى المدعي وعك إنكار المنكر، وعلى ظاهر الحكم، وهذا على مذهب مالك (7)، وعند ابن القاسم: لا (8) يشترط إلا الأولين، ولم يعتبر جوازه على ظاهر الحكم، واشترط أصبغ شرطًا واحدًا، وهو ألا يتفق دعواهما على فساد (9)، فإذا ادعى على رجل بطعام من بيع ودراهم فاعترف بالطعام فقط فصالحه على طعام مؤجل أكثر من طعامه أو اعترف بالدراهم فقط، فصالحه على دنانير مؤجلة أو دراهم أكثر من دراهمه، فلا خلاف في فساده وفسخه (10)، قاله ابن رشد، يريد: لما في ذلك من السلف بزيادة، والصرف المستأخر، قال: ويختلف إذا توقع الفساد في حق أحدهما خاصة كما لو ادعى عليه بعشرة دنانير فأنكره، ثم اصطلحا على مائة درهم إلى أجل فإنه ممتنع على

(1) قوله: (ويعتبر) يقابله في (ن 3): (ولا يعتبر)، وفي (ن):(ولا يعتبر فيه).

(2)

انطر: التوضيح: 6/ 268، شفاء الغليل، ص:635.

(3)

قوله: (والإِنْكَارِ) يقابله في (ن) والمطبوع من مختصر خليل: (أو الإنكار).

(4)

قوله: (وهو المذهب وبه قال أبو حنيفة

أيضا عن الإنكار) زيادة من (ن 5).

(5)

قوله: (على رجل) ساقط من (ن) و (ن 4).

(6)

من هنا يبدأ سقط بمقدار لوحة من (ن 5).

(7)

انظر: الفروق: 4/ 7، والتوضيح: 6/ 267.

(8)

في (ن): (غير).

(9)

انظر: الشرح الكبير: 3/ 312.

(10)

انظر: التوضيح: 6/ 267.

ص: 182

قول المدعي وحده إذ لا يجوز له أن يأخذ دراهم إلى أجل عن دنانير، ويجوز ذلك على قول المدعى عليه لأنه افتدى من اليمين التي توجهت عليه بالدراهم المؤجلة فيمتنع ذلك على مذهب مالك وابن القاسم، لأن من شرط جواز المصالحة عندهما أن يجوز ذلك على دعواهما معا، وقد علمت أنه لا يجوز على دعوى المدعي، ويجوز عند أصبغ لأن دعواهما لم تتفق على فساد (1)، قال (2) واختلف فيما إذا كان (3) ظاهره الفساد وهو صحيح على دعوى كل واحد من المدعي والمدعى عليه كما لو ادعى عليه مائة درهم حالة فأنكرها واصطلحا على أخرى بها إلى شهر أو على خمسين يدفعها له عند حلول الشهر، فقد علمت أن الصلح صحيح على دعواهما معًا، لأن المدعي أخر صاحبه أو أسقط عنه بعض حقه وأخره، والمدعى عليه قد افتدى من اليمين بما التزم أداءه، وذلك جائز عند ابن القاسم، لأنه لم يعتبر غير ذلك، وأما عند مالك الذي يعتبر مع ذلك جوازه على ظاهر الحكم فلا يجوز، لأن ظاهر الحال أن في ذلك سلفًا جر منفعة، فالسلف هو التأخير، والمنفعة سقوط اليمين المنقلبة على المدعي بتقدير نكول المدعى عليه أو حلفه، فيسقط جميع ما ادعى عليه به (4)، ولا خلاف (5) في جوازه على مذهب أصبغ، ومعنى قوله:(لا يحل للِظالم) أن الصلح على الإنكار، وإن قلنا بجوازه فإنما نقول بذلك في الظاهر من الأمر، وأما الباطن فيبقى الحكم فيه على ما هو عليه، ولا يحل لظالم من المصطلحين فيما بينه وبين الله تعالى أن يأخذ ما لا يحل له.

(المتن)

فَلَو أَقرَّ بَعْدَهُ أَوْ شَهِدَتْ بيِّنَةٌ لَم يَعْلَمْهَا أَوْ أَشَهَدَ وَأَعلَنَ أنَّهُ يَقُومُ بِهَا، أَوْ وَجَدَ وَثِيقَةً بَعْدَهُ فَلَه نَقْضهُ، كَمَن لَم يُعْلِنْ، أَوْ يُقِرُّ سِرًّا، على الأَحْسنِ فِيهِمَا؛ لا إِنْ عَلِمَ بِبَينَةٍ وَلَمْ يُشْهِدْ، أَوِ ادَّعَى ضَيَاعَ الصَّكِّ، فَقِيلَ لَهُ حَقكَ ثَابِتٌ فأت بِهِ، فَصَالَحَ ثُمَّ وَجَدَه، وَعَنْ إِرْثِ زَوْجَةٍ مِنْ عَرْضٍ وَوَرِقٍ وَذَهَبٍ بِذَهَب مِنَ التَّرِكَةِ

(1) انظر: المقدمات: 1/ 462 و 2/ 158، والذخيرة: 5/ 347، والتوضيح: 6/ 267.

(2)

قوله: (قال) زيادة من (ن).

(3)

قوله: (فيما إذا كان) زيادة من (ن).

(4)

قوله: (به) ساقط من (ن).

(5)

في (ن) و (ن 3): (خفاء).

ص: 183

قَدْرَ مَوْرِثِهَا مِنْهُ بأَقَل أَوْ أَكْثَرَ؛ إِنْ قَلَّتِ الدَّرَاهِمُ، لا مِنْ غَيرِهَا مُطْلَقًا؛ إلَّا بِعَرْضٍ إِنْ عَرَفَا جَمِيعَهَا وَحَضَرَ، وَأَقَرَّ الْمَدِينُ وَحَضَرَ،

(الشرح)

قوله: (فَلَوْ أَقرَّ بَعْدَهُ (1) أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنةٌ لم يَعْلَمْهَا أَوْ أَشْهَدَ وَأَعْلَنَ أنّه يَقُومُ بِهَا أَوْ وَجَدَ وَثيقَةً بَعْدَهُ فَلَهُ نَقْضُهُ) ذكر رحمه الله أن المسائل التي ينقض (2) فيها الصلح أربع: الأولى أن يقر المدعى عليه بعد إنكاره، وقد كان صالحه (3) على الإنكار، وإنما كان له نقض ذلك لأنه كالمغلوب على الصلح، ولا خلاف في هذه المسألة، والثانية: أن يصالحه على الإنكار ثم تشهد له بينة بما قال إذا لم يكن علم بها، وهذا هو المشهور، وقاله في المدونة (4)، والشاذ رواه مطرف عن مالك أنه ليس له نقضه (5)، الثالث: أن يكون قد علم ببينة وتعذر حضورها (6) لكونها غائبة، وشرط أنه يقوم بها إن حضرت فإن (7) حضرت وشهدت له بما قال فله نقض الصلح، وحكى اللخمي وابن يونس والمازري (8) الاتفاق على ذلك، الرابعة: إذا ادعى عليه شيئا فأنكره ثم صالحه وادعى ضياع وثيقته ثم وجدها، وهذا أيضا مما لا خلاف فيه، فقوله:(فَلَهُ نَقْضُهُ) خبر عن المسائل الأربع، وفهم منه أيضا أن له إمضاءه، وقد نص سحنون عليه (9).

قوله: (كَمَنْ لَمْ يُعْلِنْ أَوْ يُقِرُّ سِرًّا) يريد: أنه يلحق بالمسائل الأربع مسألتان: أحدهما: إذا كان المدعى عليه يقر سرا ويجحد في العلانية فيصالحه الطالب على أن يؤخره، وأشهد سرًّا (10) أنه إنما صالحه لغيبة بينة، فإذا قدمت فله نقض الصلح إذا علم أنه كان

(1) في (ن 4): (بعدمه).

(2)

في (ن 4): (تنتقض)، وفي (ن 3) و (ن 5):(ينقضى).

(3)

في (ن 4): (صالحا).

(4)

انظر: المدونة: 3/ 387.

(5)

انظر: التوضيح: 6/ 269.

(6)

في (ن 3): (حصولها).

(7)

في (ن): (فإنها إذا).

(8)

انظر: شرح التلقين: 6/ 1107.

(9)

انظر: التوضيح: 6/ 269.

(10)

قوله: (سرًّا) ساقط من (ن 3).

ص: 184

يطلبه، وهو يجحد، وقد قيل: ليس له نقضه، وهو قول مطرف (1)، وبالأول أفتى بعض أشياخنا المتأخرين للضرورة التي دعت إلى ذلك، وهو قول سحنون (2)، وإليه أشار بقوله:(كَمَنْ لم يُعْلِنْ) أي: بالإقرار، وأما قوله:(أو يُقِرُّ سرًّا) يريد به ما حكى عن سحنون في المقر سرًّا يقول: أخرني سنة وأنا أقر لك ففعل (3) وصالحه على ذلك، ثم أقام بينة أنه كان أشهد سرًّا أني إنما أؤخره لأنه جحدني، ولا أجد بينة، فإن وجدتها قمت بها (4) فذلك له إن أشهد بذلك قبل الصلح.

قوله: (علَى الأَحْسَنِ) أي: في المسألتين، وهو قول سحنون، وصرح في التوضيح بتشهيره في الثانية (5).

قوله: (لا إِنْ عَلِمَ بِبَيِّنةٍ (6) وَلم يُشْهِدْ) أي: فلا نقض (7) له (8) وذلك إذا علم ببينة كما قال، ولم يشهد أنه يقوم بها، وهو مذهب المدونة، وحكى ابن يونس وغيره قولا آخر أن ذلك له.

قوله: (أَوِ ادَّعَى ضَيَاعَ الصَّكِّ فقيل له: حقك ثابت فأت به فصالح ثم وجده)، أي: وكذا لا نقض له فيما وقع عليه الصلح إذا ادعى ضياع الوثيقة، وهو مراده بالصك، فقيل له: حقك ثابت فصالح ثم وجده (9)، والفرق بين هذه المسألة والتي تقدمت، وهي قوله:(أو وجد وثيقة) أنه في هذه إنما صالحه على إسقاط صك ومحوه (10)، وقد علم أن حقه ثابت، واعترف به وإنما طلبه بالصك ليمحوما فيه (11) فقد رضي بإسقاط

(1) انظر: التوضيح: 6/ 269 و 272.

(2)

انظر: التوضيح: 6/ 272.

(3)

هنا ينتهي السقط من (ن 5).

(4)

قوله: (قمت بها) ساقط من (ن 4).

(5)

انظر: التوضيح: 6/ 272.

(6)

في (ن 5): (ببينته).

(7)

في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (يقض).

(8)

زاد في (ن 3): (بالنقض).

(9)

قوله: (أي: وكذا لا نقض

فصالح ثم وجده) ساقط من (ن 3).

(10)

قوله: (ومحوه) زيادة من (ن 5).

(11)

قوله: (واعترف به وإنما طلبه بالصك ليمحوما فيه) زيادة من (ن 5).

ص: 185

حقه واستعجال ما صالح عليه، والأول منكر للحق، وقد أشهد أنه إنما صالحه لضياع صكه (1)، فهو كإشهاده على أنه إنما صالحه لبعد غيبة بينة (2).

قوله: (وَعَنْ إِرْثِ زَوْجَةٍ (3) مِنْ عَرْضٍ وَوَرِقٍ وَذَهَبٍ بِذَهَبٍ مِنَ التَّرِكَةِ قَدْرَ مَوْرِثهَا مِنْهُ بأَقَلَّ (4) أَوْ أَكْثَرَ. إنْ قَلَّتِ الدَّرَاهِمُ) أي: ويجوز الصلح أيضًا على إرث زوجة (5)، يريد: أو أحد الورثة غيرها (6)، وإنما قيده بالزوجة تبعًا للفظه في المدونة فإنه فرض ذلك في الزوجة إذا صالحت عن إرثها، قال فيها: ومن مات وترك زوجة وولدًا وخلف دنانير ودراهم حاضرة وعروضًا (7) حاضرة وغائبة (8) وعقارًا فصالح الولد الزوجة على دراهم من التركة، فإن كانت قدر موروثها من التركة من الدراهم جاز وإن كان أقل (9) جاز ذلك، وإن كان أكثر لم يجز لأنها باعت عروضًا حاضرة وغائبة، ودنانير بدراهم نقدًا وذلك حرام (10)، لأن الدراهم إذا كثرت دخله بيع وصرف (11) مع سلعة تأخرت، وقال في المدونة أيضًا بعد هذا: فإن كان في التركة دنانير ودراهم وعروض وذلك كله حاضر لا دين فيه ولا شيء غائب فصالحها الولد على دنانير من التركة (12)، فذلك جائز إن كانت الدراهم يسيرة، وفيها أيضًا: وإن صالحها الولد على دنانير أو دراهم (13) من

(1) في (ن): (حقه).

(2)

قوله: (غيبة بينة) يقابله في (ن): (بينته أو غيبته).

(3)

في (ن 5): (زوجته).

(4)

في (ن) و (ن 4) والمطبوع من مختصر خليل: (فأقل).

(5)

في (ن 5): (زوجته).

(6)

قوله: (غيرها) زيادة من (ن 5).

(7)

قوله: (حاضرة وعروضًا) ساقط من (ن).

(8)

قوله: (وخلف دنانير ودراهم حاضرة وعروضًا حاضرة وغائبة) يقابله في (ن 3): (وعروضا حاضرة وخلف دنانير ودراهم حاضرة وغائبة)، وفي (ن 4):(وخلف دنانير ودراهم حاضرة وغائبة).

(9)

قوله: (جاز وإن كان أقل) يقابله في (ن 3) و (ن 4): (فأقل).

(10)

انظر: المدونة: 3/ 377.

(11)

زاد في (ن 5): (ويدخله أيضا صرف).

(12)

زاد بعده في (ن 5): ما نصه (ودراهم من غير التركة) وكتب هذا بخط مخالف لخط الناسخ فوق موضع هذا الهامش.

(13)

في (ن) و (ن 3): (ودراهم).

ص: 186

غير التركة فإن ذلك لا يجوز مطلقًا (1)، أي: قلت الدراهم أو كثرت وإليه أشار بقوله: (لا من غيرها مطلقا) أي: من لا من غير التركة فإن ذلك لا يجوز مطلقا أي قلت الدراهم أو كثرت (2) إلا أنها مفروضة في المدونة فيما إذا دفع دنانير أو دراهم (3)، وهنا فيما إذا دفع ذهبًا والأمر قريب، وإليه أشار بقوله:(لا مِنْ غَيْرِهَا مُطْلَقًا)(4) وإنما امتنع هذا مطلقًا لدخول التفاضل بين العينين والتأخير بينهما؛ لأن حكم العرض الذي مع العين حكم النقد في الغائب، ويدخله أيضا البيع، والصرف وإن كان حظها من الدراهم صرف دينار فأكثر (5)، بعض القرويين: وأجاز أشهب أن يصالحها على دنانير قدر حظها من التركة. ابن يونس: يريد لأنه يأخذ عوضه (6) من التركة، قال في المدونة: فأما على عروض من ماله نقدًا فذلك جائز بعد معرفتهما بجميع التركة، وحضور أصنافها وحضور من عليه العرض وإقراره (7)، وإلى هذا أشار بقوله:(لا من غيرها مطلقًا (8) إِلا بِعَرْضٍ إِن عَرَفَا جَمِيعَهَا وَحَضَرَ، وَأَقَرَّ الْمدِينُ وحَضَر) أي: إلا بعرض من غير التركة إن عرفا جميع التركة وحضر جميع الموروث من أصناف العروض، يريد: لئلا يكون من باب (9) النقد في الغائب بشرط. اللخمي: وهذا وإن كان قريب الغيبة أو بعيدها ونقد ما ينوب الحاضر، ووقف ما ينوب الغائب جائز (10).

(1) انظر: المدونة: 3/ 378.

(2)

قوله: (وإليه أشار بقوله: "لا من غيرها مطلقا"

أو كثرت) زيادة من (ن).

(3)

انظر: المدونة: 3/ 378.

(4)

قوله: (وإليه أشار بقوله: (لا مِنْ غَيْرِهَا مُطْلَقًا) زيادة من (ن 3).

(5)

قوله: (إلا أنها مفروضة

صرف دينار فأكثر) يقابله في (ن 5): (لم يجز أبو الحسن الصغير لأنه يدخله التفاضل والتأخير بين العينين لأن حكم العرض الذي مع العين حكم العين والنقد في الغائب لأن هذه الصورة تطلب التناجز والبيع والصرف إن كان حظها من الدراهم صرف دينارًا فأكثر إلا أنها مفروضة في المدونة فيما إذا دفع دنانير أو دراهم وهنا فيما إذا دفع ذهبًا والأمر قريب).

(6)

في (ن 5): (عرضه).

(7)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 317.

(8)

قوله: (لا من غيرها مطلقًا) زيادة من (ن 5).

(9)

قوله: (من باب) زيادة من (ن 3).

(10)

قوله: (جائز) زيادة من (ن 5)، انظر: التبصرة، للخمي، ص:4674.

ص: 187

وقوله: (وَأَقَرَّ المَدِينُ وَحَضَرَ) أي: وهو ممن تأخذه الأحكام ابن يونس (1): وأن يكون العرض (2) الذي دفعه الوارث بخلاف العرض الذي على الغريم.

(المتن)

وَعَنْ دَرَاهِمَ وَعَرْضٍ تُرِكَا بِذَهَبِ كَبَيْعٍ وَصَرفٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا دَيْنٌ فَكَبَيْعِهِ، وَعَنِ الْعَمْدِ بمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، لا غَرَرٍ كَرَطْلٍ مِنْ شَاةٍ. وَلِذِي دَيْنٍ مَنْعهُ مِنْه، وإنْ رُدَّ مُقَوَّمٌ بِعَيبِ أوِ اسْتُحِقَّ رُجِعَ بِقِيمَتِهِ كَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ، وَإِنْ قَتَلَ جَمَاعَةٌ أَوْ قتلوا جَازَ صُلْحُ كلٍّ، وَالْعَفْوُ عَنْهُ، وَإِنْ صَالَحَ مَقْطُوعٌ ثُمَّ نُزِيَ فَمَاتَ فَلِلْوَلِيّ لا لَهُ رَدُّهُ، وَالْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ كَأَخْذِهِمُ الدِّيَةَ فِي الْخَطَإِ، وإنْ وَجَبَ لِمَرِيضٍ عَلَى رَجُلٍ جُرحٌ عَمْدًا فَصَالَحَ فِي مَرَضِهِ بِأَرْشِهِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ جَازَ وَلَزِمَ، وَهَلْ مُطْلَقًا، أَوْ إِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ، لا مَا يَؤولُ إِلَيْهِ؟ تَأْوِيلانِ.

(الشرح)

قوله: (وَعَنْ دَرَاهِمَ وَعَرْضٍ تُرِكَا بِذَهَبٍ كَبَيْعٍ وَصرْفٍ) أي: فإن كان في التركة دراهم وعروض فصالحها الولد على دنانير من غير التركة فإن حكم ذلك يجري على حكم البيع والصرف، قال في المدونة: فإن كانت الدراهم يسيرة حظها منها أقل من صرف دينار؛ جاز إن لم يكن في التركة دين، وإن كان حظها منها صرف دينار فأكثر لم يجز (3).

قوله: (وإن كان فيها دين فكبيعه) أي: وإن كان في التركة دين كان حكم المصالحة عنه (4) حكم بيع الدين فيجوز الصلح (5) حيث يجوز البيع، ويمتنع حيث يمتنع (6)، قال في المدونة: وإن كان في التركة دين من دنانير أو دراهم لم يجز الصلح على دنانير أو دراهم نقدًا (7) من عند الولد (8)،

(1) قوله: (ابن يونس) زيادة من (ن 5).

(2)

قوله: (وأن يكون العرض) يقابله في (ن): (والعرض).

(3)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 317.

(4)

قوله: (عنه) ساقط من (ن 5).

(5)

قوله: (الصلح) زيادة من (ن 5).

(6)

في (ن): (يمنع).

(7)

قوله: (نقدًا) زيادة من (ن 5).

(8)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 318.

ص: 188

ابن يونس عن (1) ابن المواز: إلا أن يكون جميع التركة دنانير فيعجل (2) لها حظها من ماله مثل السكة، والدين (3) فيجوز (4)، وفي كتاب الهبات خلافه قال فيه: وإن عجل لك رجل دنانير على أخذ ما على الآخر على إن أحلته عليه لم يجز كان النفع لك أو له لأنه بيع ذهب بذهب إلى أجل.

سحنون عن ابن القاسم: وإن كان النفع لقابض الدنانير جاز وهو قول محمد هنا والله تعالى أعلم (5) ابن القاسم في المدونة: وإن كان الدين حيوانًا أو عروضًا من بيع أو قرض (6) أو طعامًا من قرض لا سلم فصالحها من ذلك (7) على دنانير أو دراهم معجلة من عنده جاز إذا كان الغرماء حضورًا مُقرين ووصف ذلك كله (8) انظر الكبير.

قوله: (وَعَنِ الْعَمْدِ بِما قَلَّ أو كثُرَ) أي: ويجوز الصلح عن دم العمد بالقليل والكثير، قال في المدونة: وسواء كان الصلح مع المجروح أو مع أوليائه بعد موته فذلك لازم كان أكثر من الدية أضعافًا أو أقل من الدية لأن العمد لا دية فيه إلا ما اصطلحوا عليه (9).

قوله: (لا غَرَرٍ كَرِطْلٍ مِنْ شَاةٍ) أي: فإن الصلح على ذلك لا يجوز، قال في المدونة: وإن ادعيت على رجل دينًا فصالحك منه على عشرة أرطال من لحم شاته وهي حية لم يجز، وعن أشهب أنه يجوز إذا جسها وعرف لحمها (10) وشرع في الذبح (11)، وظاهر

(1) قوله: (ابن يونس عن) زيادة من (ن 5).

(2)

في (ن 3) و (ن 4): (فيجعل).

(3)

في (ن 5): (العين).

(4)

انظر: الكافي: 2/ 880.

(5)

قوله: (وفي كتاب الهبات

محمد هنا والله تعالى أعلم) زيادة من (ن 5).

(6)

قوله: (أو قرض) زيادة من (ن 5).

(7)

قوله: (من ذلك) ساقط من (ن).

(8)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 318.

(9)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 325.

(10)

ينظر في صواب هذه الجملة؛ حيث جاءت في المدونة: 3/ 388، والتهذيب: 3/ 331: "جسها، وعرف نحوها"، وفي المصادر:"حبسها وعرفها".

(11)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 330 و 331، والذخيرة: 5/ 342، والتوضيح: 5/ 220.

ص: 189

كلام الشيخ سواء كانت الشاة (1) حية أو مذبوحة أنه لا يجوز، وظاهر المدونة يخالفه لتقييده المنع بما إذا كانت حية.

قوله: (وَلذِي دَيْنٍ مَنْعُهُ مِنْهُ) أي: ولصاحب الدين أن يمنع المديان من الصلح في العمد، وظاهره على أي وجه كان، سواء أحاط الدين (2) بماله أم لا، وليس كذلك، وإنما يمتنع إذا أحاط الدين بماله كما قال في المدونة (3)، واختلف هل ذلك سواء دفع المال للمجني عليه أم لا (4)، وإليه ذهب جماعة، حكاه عياض. ابن يونس: لأن في ذلك إتلاف ماله كهبته وعتقه لأن له (5) عتق نفسه من القتل ونحوه، وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: إنما له (6) ذلك إذا لم يكن دفع المال إذ لهم أن يفلسوه ويحجروا عليه، وأما إذا دفعه قبل قيامهم فإن ذلك يمضي ولا رد لهم.

قوله: (وإنْ رُدَّ مُقَوَّمٌ بِعَيْبٍ أوِ اسْتُحِق رُجِعَ بِقِيمَتِهِ كَنِكَاحٍ، وَخُلْعٍ) هذه مسألة المدونة، وفرضها فيها فيمن صالح عن دم عمدًا أو خالع على عبد ثم قال (7): فذلك جائز، فإن وجد به عيبًا يرد من مثله في البيوع فرده رجع بقيمة العبد صحيحًا إذ ليس للدم أو الطلاق قيمة تعلم يرجع بها، قال (8): وكذلك النكاح في هذا (9)، ابن يونس (10): وإنما لم يقل هنا أنه يرجع بصداق المثل أو خلع المثل (11) لأن النكاح طريقته المكارمة لا المكايسة، والمرء قد يتزوج بأضعاف صداق المثل وبعشر صداق المثل أو أقل أو أكثر، فلا قيمة للبُضع محققة يرجع إليها (12)، وكذلك في الخلع إذ ليس من عادة الناس ألا

(1) قوله: (الشاة) زيادة من (ن).

(2)

قوله: (الدين) ساقط من (ن 5).

(3)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 329.

(4)

قوله: (وليس كذلك، وإنما يمتنع

عليه أم لا) ساقط من (ن 3).

(5)

قوله: (لأن له) يقابله في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (لأنه).

(6)

قوله: (له) زيادة من (ن 5).

(7)

قوله: (ثم قال) ساقط من (ن 5).

(8)

قوله: (قال) ساقط من (ن 5).

(9)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 329.

(10)

قوله: (ابن يونس) زيادة من (ن 5).

(11)

قوله: (أو خلع المثل) زيادة من (ن) و (ن 5).

(12)

في (ن 3): (بها).

ص: 190

يخالعوا إلا بصداق المثل بل يخالعون على أضعافه، وعلى عشره، وبغير شيء، فلما كان الأمر كذلك كان الرجوع إلى قيمة ما تراضوا به وتصالحوا عليه أولًا. ولهذه المسائل الثلاثة نظائر أربعة يرجع فيها بقيمة ما استحق وهي العبد المقاطع به و (1) المكاتب، والعبد المعتق عليه وهو في ملك الغير المعين (2)، والعبد المصالح به في دم عمد على الإنكار وعرض العمرى (3).

قوله: (وَإِنْ قتَلَ جَمَاعَةٌ أو قتلوا (4) جَازَ صُلْحُ كُلٍّ، وَالْعَفْوُ عَنْهُ) (قتل) مبني للفاعل (وقُتلوا) مبني للمفعول، والمعنى: أن الجماعة إذا قتلوا غيرهم (5)، أي: واحدًا أو متعددًا، أو قُتلوا أي (6) قتلهم غيرهم واحدًا أو متعددًا فإن لهم أن يصالحوا أولياء المقتولين على شيء يدفعونه لهم، وللأولياء أو غيرهم أن يعفوا عنهم أو عن البعض ويصالحوا البعض أو يعفوا عن البعض ويقتلوا البعض، وقال (7) في المدونة: وإذا قطع جماعة يد رجل أو جرحوه عمدًا فله صلح أحدهم والعفو عمن شاء والقصاص ممن شاء وكذلك الأولياء في النفس (8).

قوله: (وإنْ صَالَحَ مَقْطُوعٌ، ثُم نُزِيَ فَماتَ فَلِلْوَليِّ لا لَهُ رَدُّهُ، وَالْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ كَأخْذِهِمُ الدِّيَةَ في الخطأ (9) يشير به إلى قوله في المدونة: ومن قطعت يده عمدًا (10) فصالح القاطع على مال أخذه منه، ثم نُزِيَ منها فمات فللأولياء أن يقسموا ويستحقوا الدية على القاتل أو يقتلوا ويردوا المال ويبطلوا الصلح، وإن أبوا أن يقسموا كان لهم المال الذي أخذوه في قطع اليد، وكذلك لو كانت موضحة خطأ فلهم أن يقسموا ويستحقوا الدية على

(1) في (ن 3) و (ن 4): (المكاتب).

(2)

في (ن): (معين).

(3)

في (ن 3): (المعرى).

(4)

في (ن 3) و (ن 4): (أَوْ قَطَعُوا).

(5)

قوله: (قتلوا غيرهم) يقابله في (ن 4): (قتلوا كغيرهم).

(6)

قوله: (قتلوا أي) زيادة من (ن 3)، وفي (ن):(قوتلوا أي).

(7)

في (ن) و (ن 3) و (ن 4): (قاله).

(8)

قوله: (وإذا قطع جماعة يد رجل

وكذلك الأولياء في النفس) زيادة من (ن 5).

(9)

قوله: (في الخطأ) زيادة من (ن 5).

(10)

قوله: (عمدًا) زيادة من (ن 5).

ص: 191

القاتل (1) ويرجع الجاني فيأخذ ماله ويكون في العقل كرجل من قومه (2) وإلى هذه الثانية أشار بقوله: (كأخذهم الدية في الخطأ) ثم قال في المدونة: فلو قال قاطع اليد للأولياء حين نكلوا عن القسامة وزادت الجناية نفسًا فاقتلوني وردوا المال فليس ذلك له. وإليه أشار بقوله: (فللولي لا لَهُ) ثم قال في المدونة: ولو لم يكن صالح قبل ذلك وشاء الأولياء قطع اليد ولا يقتسمون فذلك لهم وإن شاءوا اقتسموا وقتلوا (3)، فقوله:(لا لَهُ) أي: لا للقاطع، ومراده أن القاطع إذا قال للأولياء عند نكولهم عن القسامة: قد عادت الجناية (4) نفسًا فردوا المال واقتلوني أنه ليس له ذلك كما تقدم من نص (5) المدونة (6)، يريد: لأن النفوس لا تباح إلا بالأمر الشرعي، ولا يكفي فيها رضاه.

قوله: (وإنْ وَجَبَ لمرِيضٍ عَلى رَجُلٍ جَرْحٌ عَمْدًا فَصَالَحَ فِي مَرَضِهِ بِأَرْشِهِ أَوْ غَيرهِ، ثُم مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ جَازَ وَلَزِمَ) هكذا نص عليه في المدونة (7). وقوله: (فَصَالَحَ) على أقل من الدية أو من أرش تلك الجناية قريبا من قوله هنا: (بأرْشِهِ أَوْ غَيره)(8). وقوله: (وَلَزِمَ) أي: ولزم ذلك الصلح لمن عفا عن دمه في مرضه (9)، قال في المدونة: وإن لم يدَّعِ مالًا (10).

قوله: (وَهَلْ مُطْلَقًا، أَوْ إِنْ صَالَحَ عَلَيْهِ، لا مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ؟ تأويلان) يعني: وهل صلح المريض جائز مطلقًا؟ أي سواء صالح على الجرح الذي حصل أو عليه أو على ما يؤول إليه وهو ظاهر الكتاب (11)، أو إنما ذلك إذا صالح عن الجرح فقط، وهو ظاهر كلام

(1) في (ن) و (ن 5): (على العاقلة).

(2)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 327 و 328.

(3)

قوله: (وإلى هذه الثانية أشار

اقتسموا وقتلوا) زيادة من (ن 5).

(4)

قوله: (الجناية) ساقط من (ن 5).

(5)

قوله: (كما تقدم من نص) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 4): (وقاله في).

(6)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 328.

(7)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 325.

(8)

قوله: (وقوله: "فَصَالَحَ"

هنا "بِأَرْشِهِ أَوْ غيره") يقابله في (ن 5): (وزاد: إذ للمقتول العفو عن دم العمد في مرضه وإن لم يدع مالًا).

(9)

قوله: (في مرضه) زيادة من (ن).

(10)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 325.

(11)

في (ن): (المدونة).

ص: 192

ابن القاسم في العتبية (1)، عياض: وعنه أيضا أي (2) عن ابن القاسم أن الصلح يمتنع إلا بعبد البرء (3) وعدم خشية السريان (4) لأني أخاف أن يأتي على النفس (5).

(المتن)

وإنْ صالَحَ أَحَدُ وَلِيَّيْنِ فَلِلآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ، وَسَقَطَ الْقَتْلُ عَنِ الْجَانِي كَدَعْوَى صُلْحه فَأنْكَرَ، وَإِنْ صَالَحَ مُقِرٌّ بِخَطَإ بِمَالِهِ لَزِمَهُ، وَهَلْ مُطْلَقًا أَوْ مَا دَفَعَ؟ تَأوِيلانَ. لا إِنْ ثَبَتَ وَجَهِلَ لُزُومَهُ، وَحَلَفَ، وَرُدَّ، إِنْ طُولِبَ بِهِ مُطْلَقًا، أَوْ طَلَبَهُ وَوُجِدَ، وَإنْ صَالَحَ أَحَدُ وَلَدَيْنِ وَارِثَينِ، وَإنْ عَنْ إِنْكَارٍ، فَلِصَاحِبِهِ الدُّخُولُ، كَحَقٍ لَهُمَا فِي كِتَابٍ، أَوْ مُطْلَقٍ، إلَّا الطَّعَامَ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ. إلَّا أَنْ يَشْخَصَ، وَيُعْذِرَ إِلَيْهِ فِي الْخُرُوجِ، أَوِ الْوَكَالَةِ فَيَمْتَنِعُ، وَإنْ لَم يَكُنْ غَيْرُ الْمُقْتَضَى، أَوْ يَكُونَ بِكِتَابَيْن، وَفِيمَا لَيْسَ لَهُمَا، وَكُتِبَ فِي كِتَابٍ: قَوْلانِ.

(الشرح)

قوله: (وإِنْ صَالَحَ أَحَدُ وَليَّيْنِ فَلِلآخَرِ الدُّخُولُ مَعَهُ، وَسَقَطَ الْقَتْلُ عَنِ الجْانِي (6) يريد: أن الدم إذا كان مستحقا لوليين فصالح أحدهما القاتل على شيء أخذه منه، فإن للولي الآخر أن يدخل معه في ذلك ويسقط القتل عن الجاني، وقاله في المدونة (7)، وقال الغير فيها: إن صالح عن (8) حصته (9) على أكثر من الدية أو على عرض قل أو كثر فليس له غيره، ولم يكن (10) لصاحبه على القاتل إلا بحساب ديته، ولا سبيل إلى

(1) قوله: (في العتبية) زيادة من (ن 5).

(2)

في (ن): (أتى).

(3)

في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (البرد).

(4)

انظر: الذخيرة: 5/ 338.

(5)

قوله: (لأني أخاف أن يأتي على النفس) ساقط من (ن)، وقوله:(إلا بعبد البرد وعدم خشية السريان لأني أخاف أن يأتي على النفس) يقابله في (ن 3): (إلا بعدم خشية السريان).

(6)

قوله: (عَنِ الجْانِي) ساقط من (ن).

(7)

قوله: (يريد: أن الدم

وقاله في المدونة) يقابله في (ن 5): (قال في المدونة: ومن قتل رجلًا عمدًا له وليَّان فصالح أحدهما على فرض أو عرض فللولي الأخر الدخول معه في ذلك ولا سبيل إلى القتل). وانظر: المدونة: 3/ 383.

(8)

في (ن): (من).

(9)

في (ن 3): (ديته).

(10)

قوله: (ولم يكن) يقابله في (ن): (وليس).

ص: 193

القتل (1)؛ إذ لو عفا الأول جاز عفوه ولا يدخل أحدهما على الآخر في هذا القول إذ ليس دم العمد بمال وهو كعبد بينهما فيبيع أحدهما حصته بما شاء ولا يدخل عليه الآخر فيه (2).

قوله: (كَدَعْوَى صُلْحه فَأنكرَ) أي: يسقط القتل، والضمير في صلحه راجع إلى القتل (3)، قال في المدونة: وليس عليه قتل، ولك عليه اليمين أنه ما صالحك (4)، يريد: لأنه أقر بالعفو وادعيت (5) عليه المال، فالقول قوله، لأنه مدعى عليه، فإن نكل حلف المستحق وأخذ المال الذي ادعاه.

قوله: (وإنْ صَالَحَ مُقِرٌّ بِخَطَإٍ بِمالِهِ لَزِمَهُ) يريد: أن من أقر بقتل خطأ فصالحه الولي على مال وظن أن ذلك يلزمه فليس له رجوع في الصلح ويلزمه، ونحوه (6) في المدونة، قال فيها: فالصلح جائز (7) وقد اختلف قول مالك (8) في الإقرار بالقتل خطأ (9)، فقيل: على المقر في ماله (10)، وقيل: على العاقلة بقسامة (11)، وإلى الأول أشار بقوله:(وَهَلْ مُطْلَقًا) أي: يلزمه الصلح فيما دفع وفي غيره وإليه ذهب أبو عمران لأنه قال: يلزم بالعقد أي الصلح (12). وأشار بقوله: (أَوْ مَا دَفَعَ؟ تَأوِيلان) إلى ما قاله ابن محرز أنه إنما يلزمه فيما (13) دفع فقط (14)،

(1) انظر: تهذيب المدونة: 3/ 325.

(2)

قوله: (إذ لو عفا الأول

عليه الآخر فيه) زيادة من (ن 5).

(3)

في (ن 3): (القاتل).

(4)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 324.

(5)

في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (وادعى).

(6)

في (ن): (وقاله).

(7)

قوله: (فالصلح جائز) زيادة من (ن 5).

(8)

قوله: (قول مالك) يقابله في (ن 3): (قوله).

(9)

قوله: (خطأ) زيادة من (ن).

(10)

قوله: (في ماله) يقابله في (ن 3): (فيها: دفع، وفي غيره: وقيل: في ماله).

(11)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 324.

(12)

قوله: (وإليه ذهب أبو عمران لأنه قال: يلزم بالعقد أي الصلح) زيادة من (ن 5).

(13)

في (ن 5): (ما).

(14)

انظر: الذخيرة: 5/ 337.

ص: 194

فلا يلزم إلا بالقبض (1).

قوله: (لا إِنْ ثبتَ، وَجَهِلَ لزومَهُ) أي: لا إن ثبت القتل ببينة وجهل عدم لزوم ذلك له فصالحه (2) على مال (3) من عنده، فإن ذلك لا يلزمه ونحوه في المدونة (4)، ابن يونس: قال جماعة من أصحابنا: وعليه اليمين أنه ظن أن الدية تلزمه، وإليه أشار بقوله:(وَحَلَفَ) ثم نبه على أن هذا الذي صالح إما أن يكون قد طولب بالصلح أو كان هو الطالب له أولا، فإن كان مطلوبا به فإنه يرجع فيما دفع إن كان قائما، وفي مثله أو قميته إن كان فائتا، وإليه أشار بقوله:(وَرُد، إِنْ طُولِبَ بِهِ مُطْلَقًا) وإن كان هو الطالب للصلح أولا فلا رجوع له إلا إذا وجد ما دفع بأيدي الأولياء، وإليه أشار بقوله:(أَوْ طَلَبَهُ وَوُجِدَ) أي: فإن فات فلا شيء له قِبَلَهُم (5).

قوله: (وإن صَالَحَ أَحَدُ وَلَدَيْنِ (6) وَارِثَيْنِ، وَإنْ عَنْ إِنْكَارٍ، فَلِصَاحِبهِ الدُّخُولُ كَحَقٍّ لهما في كتَابٍ أَوْ مُطْلَقٍ) يريد أن من مات وترك ولدين فادعى أحدهما عَلى شخص بمال لأبيهما فأقر له أو أنكر فصالحه على حظه من ذلك بدنانير أو الدراهم أو عَرْض فلأخيه الدخول معه فيما أخذ، قال في المدونة: أو ذكر (7) حق لهما بكتاب أو بغيره، إلا أنه من شيء كان بينهما فباعاه (8) في صفقة بمال أو بعرض أو بما يكال أو يوزن غير الطعام والإدام (9)، إلى أن قال: فإن ما قبض منه أحدهما يدخل فيه الأخر وكذلك إن كانوا

(1) قوله: (فلا يلزم إلا بالقبض) زيادة من (ن 5).

(2)

في (ن 5): (فصالح الأولياء).

(3)

قوله: (مال) ساقط من (ن).

(4)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 324.

(5)

قوله: (ثم نبه على أن هذا

فإن فات فلا شيء له قِبَلَهُم) يقابله في (ن 5): (ابن يونس: وقوله في المدونة: ويردون إليه ما قبضوا منه. ظاهره كان قائمًا أو فائتًا كان طالبًا للصلح أو مطلوبا به والمذهب أنه إن كان قائما أخذه مطلقا وإن فات فإن كان هو الطالب للصلح فلا شيء له قبلهم كمن عوض عن صدقة وقال ظننت أنه يلزمني وإن كان مطلوبا بالصلح فإنه يرجع على الأولياء بما دفع إليهم أو قيمته إن كان ما يقوَّم وإليه أشار بقوله: ورد إن طُلب به مطلقا أو طلبه ووجد).

(6)

في (ن 3) و (ن 5): (وليين).

(7)

في (ن): (في ذكر).

(8)

في (ن 5): (فباعه).

(9)

انظر: المدونة: 3/ 380.

ص: 195

جماعة (1)، واختلف الأشياخ لِمَ استثنى الطعام والإدام، فقال في كتاب ابن أبي زمنين وغيره: إنما استثنى هنا الطعام من بيع لأن إذنه له في الخروج لاقتضاء نصيبه مقاسمة، والمقاسمة فيه كبيعه قبل استيفائه، وفي قسمة الأَسَدِيَّة لمالك خلاف هذا، وهو أصل متنازع فيه: هل القسمة بيع أو تمييز حق، وذكره عياض (2) وقال عبد الحق في النكت (3): يحتمل أن يكون (4) إنما هو لما ذكر من بيع أحدهما نصيبه أو صلحه عنه (5)؛ لأنه إذا أدى إليهما طعاما أو إدام ما لم يجز لأحدهما بيع نصيبه أو مصالحته للغريم (6) منه؛ لأنه بيع الطعام قبل قبضه ونحوه لأبي عمران (7) وغيره (8)، ونقل ابن يونس القولين. ابن محرز: يحوز إن كان الطعام من قبض لا من بيع ولذلك استثناه لأن القسمة بيع (9)، وإلى هذا أشار بقوله:(إِلا الطعَامَ فَفِيهِ ترَدُّدٌ).

قوله: (أَوْ مُطْلَقٍ) أي: في غير كتاب، قوله:(إِلا أَنْ يَشْخَصَ، وَيُعْذِرَ إِلَيه فِي الخرُوجِ أَو الْوَكَالَةِ فيمْتَنِعُ) أي: إلا أن يكون الذي عليه الحق غائبا فيشخص إليه المقتضي بعد الإعذار إلى شريكه في الخروج أو الوكالة (10) فيمتنع فإنه لا يدخل معه فيما اقتضى لأنه لو رفعه للإمام لأمره بالخروج أو التوكيل، فإن فعل وإلا خلى بينه وبين اقتضائه (11) ثم لا يدخل عليه فيما اقتضى، وهكذا قال في المدونة، قال فيها: وإن شخص دون إعذار إليه دخل معه فيما أخذ من (12) جميع حقه أو بعضه (13).

(1) قوله: (إلى أن قال: فإن

وكذلك إن كانوا جماعة) زيادة من (ن 5).

(2)

قوله: (وذكره عياض) زيادة من (ن 5).

(3)

قوله: (في النكت) ساقط من (ن).

(4)

زاد هنا في (ن 5): (النكت شرط غير الطعام والإدام).

(5)

قوله: (أو صلحه عنه) زيادة من (ن 5).

(6)

قوله: (مصالحته للغريم) يقابله في (ن): (مصالحة).

(7)

قوله: (ونحوه لأبي عمران) يقابله في (ن 5): (ونقله عياض عن أبي عمران).

(8)

انظر: التاج والإكليل: 5/ 88، ومواهب الجليل: 7/ 19، وشرح مختصر خليل: 6/ 13، ومنح الجليل: 6/ 172.

(9)

قوله: (ابن محرز: يحوز إن كان

ولذلك استثناه لأن القسمة بيع) زيادة من (ن 5).

(10)

قوله: (أي: إلا أن يكون

إلى شريكه في الخروج أو الوكالة) ساقط من (ن).

(11)

زاد في (ن) و (ن 5): (أو يكون بكتابين اقتضى به حقه).

(12)

في (ن): (قبض).

(13)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 320.

ص: 196

قوله: (وإنْ لم يَكُنْ غَيْرُ المقْتَضى أَوْ يَكُونَ بِكِتَابيْنِ، وَفيما لَيْسَ لهما (1)، وَكُتِبَ فِي كِتَاب قَوْلانِ) قال في المدونة: والحق إن كان بكتابين كان لكل واحد ما اقتضى ولم يدخل عليه فيه شريكه (2)، فقوله:(وإنْ لم يَكُنْ غَيْرُ المقتضى) أي: مع الشروط المتقدمة فلا دخول له عليه. الشيخ: ثلاث مسائل لا دخول له فيها على شريكه المقتضي حيث أعذر وامتنع من الأمرين وإن لم يكن عند المديان غير الذي أخذ وهي الثانية كان الحق بكتابين وهي الثالثة (3). ابن يونس: عن أبي محمد في الرجلين يبيعان سلعتهما (4) من الرجل ولا شركة بينهما (5) في ذلك ويكتبان دينهما عليه بكتاب واحدٍ، والكتابة في الكتاب الواحد لا توجب الشركة بينهما في الدين (6)، ويكون لكل واحد منهما ما اقتضى، ولا يدخل عليه فيه (7) صاحبه. ابن يونس: وفيه نظر، لأن الكتابة لما كانت تفرق ما أصل مشتركًا بينهما فيكونان كما إذا كتباه بكتابين كقسمة الدين فكذلك ينبغي أن تجمع الكتابة ما كان أصله مفترقًا وعليه يدل ظاهر الكتاب وهذا معنى قوله:(وفيما ليس لهما وكتب في كتاب) أي: ليس أصله مشتركًا بينهما، وكتب في كتاب قولان.

(المتن)

وَلا رُجُوعَ إِنِ اخْتَارَ مَا عَلَى الْغَرِيمِ وإن هَلَكَ، وإن صَالَحَ على عَشَرَةٍ مِنْ خَمْسِين، فَلِلآخَرِ إِسْلامُهَا، وأَخْذُ خَمْسَةٍ مِنْ شَرِيكِهِ، ويرْجِعُ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَيَأخُذُ الآخَرُ خَمْسَةً، وإن صَالَحَ بِمُؤَخَّرٍ عَنْ مُسْتَهْلَكٍ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِدَرَاهِمَ، كَقِيمَتِهِ فَأَقَلَّ، وذَهَبِ كَذَلِكَ، وَهُوَ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ كَعَبْدٍ آبِقٍ، وإن صَالَحَ بِشِقْصٍ عَنْ مُوَضحَتَي عَمْدٍ وَخطَإٍ، فَالشُّفْعَةُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الشِّقْصِ، وَبِدِيةِ الْمُوَضِّحَةِ. وَهَلْ

(1) في (ن 3) و (ن 4): (لأحدهما).

(2)

قوله: (ولم يدخل عليه فيه شريكه) يقابله في (ن 3): (ولم يدخل عليه شريكه)، وفي (ن 5):(ولم يدخل عليه الدين فيه شريكه). وانظر: تهذيب المدونة: 3/ 320.

(3)

قوله: (له عليه. الشيخ: ثلاث مسائل

كان الحق بكتابين وهي الثالثة) زيادة من (ن 5)، وفي (ن):(له عليه).

(4)

في (ن 3): (سلعتيهما).

(5)

في (ن): (لهما).

(6)

قوله: (في الدين) ساقط من (ن 5).

(7)

في (ن): (فيها).

ص: 197

كَذَلِكَ إِنِ اخْتَلَفَ الْجُرْحُ؟ تَأْوِيلانِ.

(الشرح)

قوله: (وَلا رُجُوعَ، إِنِ اخْتَارَ مَا عَلَى الْغَرِيمِ وإنْ هَلَكَ) هذا كقوله في المدونة: وإن اختار إتباع الغريم ويسلم له ما اقتضى لم يدخل معه بعد ذلك فيما قبض، وإن تَوِيَ ما على الغريم لأن ذلك كمقاسمة الدين فصار كذكر حق بكتابين (1).

القاضي (2): وتوي بكسر الواو وفتح التاء هلك، وقيل: بفتح الواو، والأول أفصح.

قوله: (وَإنْ صَالَحَ عَلى عَشَرَةٍ مِنْ خَمْسِين (3) فَلِلآخَرِ إِسْلامُهَا، وأَخْذُ (4) خمْسَةٍ مِنْ شَرِيكِهِ، ويرْجعُ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ، ويأخُذُ الآخَرُ خَمْسَةً) يريد: إذا كان لهما عند شخص مائة من شيء أصله لهما، وهو في كتاب واحد أو بغير كتاب، فصالح أحدهما الغريم على عشرة من جميع حقه، وهو معنى قوله:(من خمسيه (5) ولم يشخص أصلا) بل كان الذي عليه الدين حاضرًا أو شخص إليه ولم يعذر إلى شريكه فإن شريكه يكون مخيرًا في إسلامها له، أي: ويتبع الغريم بخمسين أو يأخذ من شريكه خمسة من تلك العشرة، ويرجع بما بقي له وهو (6) خمسة وأربعون، ويرجع الذي صالح على الغريم بالخمسة التي أخذها منه صاحبه، وقاله ابن القاسم في المدونة (7)، وقال غيره أن للذي لم يصالح أن يأخذ من شريكه خمسة، ثم يرجع هو على الغريم بخمسين جميع حقه، فإذا قبضها دفع للمصالح الخمسة التي أخذها منه، وقيل (8): إن اختار الذي لم يصالح أن يدخل مع المصالح في العشرة، فإني أجعل دينهما كأنه ستون، فيكون له خمسة أسداس العشرة، وللمصالح سدسها، ثم يرجع المصالح بخمسة أسداسها على الغريم، ورجع عليه الآخر بما بقي له، وهو (9) واحد وأربعون وثلثان، انظر الكبير.

(1) قوله: (فصار كذكر حق بكتابين) زيادة من (ن 5).

(2)

انظر: تهذيب المدونة: 4/ 317.

(3)

في (ن): (خمسيه)، وفي المطبوع من مختصر خليل:(خمسينه).

(4)

في (ن) والمطبوع من مختصر خليل: (أو أخذ).

(5)

في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (خمسة).

(6)

في (ن): (وهي).

(7)

انظر: المدونة: 3/ 381.

(8)

قوله: (قيل) يقابله في (ن 5): (وقال غيره في كتاب الصلح).

(9)

في (ن): (وهي).

ص: 198

قوله: (وإن صَالَحَ بِمُؤَخَّرٍ عَنْ مُسْتَهْلِكٍ لم يجزْ إِلا بِدَرَاهِمَ، كَقِيمَتِهِ فأقَلَّ، وَذَهَبٍ كَذَلِكَ، وَهُوَ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ كَعَبْدٍ آبِقٍ) يريد: أن من استهلك شيئًا من العروض أو الحيوان أَو الطعام ونحوه (1) لغيره فصالحه عنه على شيء مؤخر لم يجز لأنه فسخ دين في دين إلا بدراهم مقدارها (2) كقيمة المستهلك فأقل، وكذلك بالذهب (3) أي: مثل قيمة المستهلك فأقل (4) وهو مما يباع بالذهب في ذلك البلد، كعبد آبق، ونحوه في المدونة (5).

قوله: (وإنْ صَالَحَ بِشِقْصٍ عَنْ مُوَضحَتَيْ عَمْدٍ وَخَطَإٍ، فَالشفْعَةُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الشَّقْصِ وَبِدِيَةِ المْوَضحَةِ) يريد: أن من جنى على رجل موضحتين إحداهما عمد والأخرى خطأ، فصالحه عليهما معًا بشقص من داره أو غيرها مما فيه الشفعة فإن ذلك جائز، وللشفيع أن يأخذ ذلك الشقص من المجني عليه بنصف قيمته وبدية موضحته، وقاله في المدونة (6)، قال في التنبيهات: قيل في تأويل قول ابن القاسم في قيمة الشقص (7) عليهما: إن نصف الشقص للخطأ، ونصفه للعمد كيف كان الجرح أو الجناية، اتفقا أو اختلفا، وقاله ابن عبد الحكم (8). وقيل: يعتبر حال الجرحين (9)، وتكون قيمة الشقص على قدرهما (10) وإنما تكون نصفين إذا استويا كالموضحتين أو قطع يدين، ويقسم في اليد والنفس مثلا على قدر دياتهما، وعليه أكثر القرويين (11)، وإليه وما قبله أشار بقوله:(وَهَلْ كَذَلِكَ إِنِ اخْتَلَفَ الْجرْحُ؟ تَأْوِيلانِ) عبد الحق: قيل على قول ابن القاسم لا يكون

(1) قوله: (ونحوه) زيادة من (ن).

(2)

قوله: (مقدارها) زيادة من (ن 5).

(3)

قوله: (وكذلك بالذهب): في (ن): (أو بذهب كذلك).

(4)

قوله: (أي مثل قيمة المستهلك فأقل) زيادة من (ن).

(5)

انظر: تهذيب المدونة: 3/ 148.

(6)

انظر: المدونة: 3/ 390.

(7)

في (ن 5): (يقسم الشقص).

(8)

زاد في (ن 5): (وإنه مذهب ابن القاسم عنده).

(9)

قوله: (حال الجرحين) يقابله في (ن): (الجرحان).

(10)

قوله: (وتكون قيمة الشقص على قدرهما) زيادة من (ن 5).

(11)

انظر: الذخيرة: 5/ 343.

ص: 199

بموضحة العمد نصف الشقص، بل يأخذ بخمسين وبثلثي قيمة الشقص (1)، وقيل: المجهول كله يجعل له نصف الشقص كانت قيمته موضحة عمدًا أو أكثر، وعن ابن القاسم (2) أنه يأخذ قيمة الشقص إلا أن يكون أقل من خمسين دية الخطأ فلا ينقض (3).

* * *

(1) انظر: النكت والفروق لمسائل المدونة: 1/ 247، والذخيرة: 5/ 343.

(2)

في (ن): (ابن نافع).

(3)

قوله: (وعن ابن القاسم

فلا ينقض) يقابله في (ن 5): (وعن ابن نافع ومطرف أنه يستشفع بقيمة الشقص إلا أن تكون القيمة أقل من دية موضحة الخطأ). وانظر: الذخيرة: 5/ 343.

ص: 200