الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب (في الشركة)
(المتن)
بَابٌ الشَّرِكَةُ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا مَعَ أَنْفُسِهِمَا. وَإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ، وَلَزِمَتْ بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا، كَاشْتَرَكْنَا: بِذَهَبَينِ أَوْ وَرِقَينِ اتَّفَقَ صَرْفُهُمَا، وَبِهِمَا مِنْهُمَا، وَبِعَيْنٍ، وَبِعَرْضٍ، وَبِعَرْضَيْنِ مُطْلَقًا، وَكُلٌّ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ أُحْضِرَ، لا فَاتَ، إِنْ صَحَّتْ، إِنْ خَلَطَا وَلَوْ حُكْمًا، وَإِلَّا فَالتالِفُ مِنْ رَبِّهِ، وَمَا ابْتِيعَ بِغَيْرِهِ فَبَيْنَهُمَا، وَعَلَى الْمُتْلِفِ نِصْفُ الثَّمَنِ، وَهَلْ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِالتلَفِ فَلَهُ وَعَلَيْهِ، أَوْ مُطْلَقًا إِلًا أَنْ يَدَّعِيَ الأَخْذَ لَهُ؟ تَرَدُّدٌ.
(الشرح)
قوله: (الشَّرِكَةُ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا مَعَ أَنْفُسهِمَا) الشركة: بكسر الشين وتسكين الراء، وهي تحصل بين (1) اثنين أو جماعة في العين و (2) غيره، وتجوز بالكتاب والسنة والإجماع (3)، ورسمها هنا بما قال، أي: إذن كل واحد لصاحبه أن يتصرف مع نفسه، قوله:(إِذْنٌ) كالجنس يشمل الشركة والوكالة، ومع أنفسهما قيد تخرج به الوكالة، ولا يكون شريكًا لصاحبه حتى يشاركه في رقاب الأموال على الإشاعة كما سيأتي، قال في المدونة (4): وهي من العقود الجائزة لكل واحد أن ينفصل عن شريكه متى أراد، ولا يلزمه البقاء معه على الشركة إلا المزارعة، ، فحكى فيها قولين: الأول: أنها تلزم (5) بالعقد، وهو قول ابن القاسم في كتاب ابن سحنون (6) وابن كنانة، وابن الماجشون وسحنون أن القول (7) الثاني: لا تلزم بالعقد، وهو معنى قول ابن القاسم (8) في المدونة، ونص رواية أصبغ عنه (9)، وخرج اللخمي قولًا بلزومها وشهره في
(1) في (ن): (من).
(2)
في (ن): (أو).
(3)
في (ن): (الجماعة).
(4)
في (ن) و (ن 5): (المقدمات).
(5)
في (ن 4): (لا تلزم).
(6)
قوله: (في كتاب ابن سحنون) ساقط من (ن 5).
(7)
قوله: (أن القول) ساقط من (ن).
(8)
قوله: (في كتاب ابن سحنون
…
قول ابن القاسم) ساقط من (ن 3).
(9)
انظر: المقدمات الممهدات: 2/ 211.
مفيد (1) الحكام (2) ونحوه لابن يونس.
قوله: (وَإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ (3) التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُلِ) يريد: أن من جاز له (4) أن يوكل ويتوكل جاز له أن يشارك، وأما (5) من لا يجوز له ذلك فلا تجوز له الشركة كالعبد غير المأذون له وغيره من المحجور عليهم.
قوله: (وَلَزِمَتْ بِما يَدُلُّ عُرْفًا كَاشْتَرَكنَا) يريد: أنها لا تختص بلفظ بل تنعقد بكل ما يدل عليها عرفًا من قول كاشتركنا أو فعل كخلط (6) المالين والعمل بهما.
قوله: (بِذَهَبَيْنِ أَوْ وَرِقَيْنِ اتَّفَقَ صَرْفُهُما) هو متعلق بقوله: (وَإِنَّمَا تَصِحُّ) أي (7): إنما تصح الشَّرِكَةُ (بِذَهَبَيْنِ أَوْ وَرَقَيْنِ) إلى آخره، أي: ذهب من هذا ومن الآخر ذهب مثله، أو من هذا ورق ومن الآخر ورق مثله، ولو أخرج هذا ذهبًا والآخر ورقًا لم يجز على المشهور (8)؛ لأنه صرف وشركة، وذلك ممنوع، وأجازه أشهب وسحنون، ومثله في الموازية عن مالك، وعنه كراهته، ولا بد من اتفاق صرف الذهبين أو الورقين.
قوله: (وَبِهِما مِنْهُما) أي: وكذا تصح الشركة بالذهب والورق من الشريكين بأن يخرج هذا ذهبًا وورقًا، والآخر (9) ذهبًا وورقًا، ولا خلاف فيه.
قوله: (وَبِعَيْنٍ وَبعَرْضٍ) أي: يخرج هذا عينًا ذهبًا أو ورقًا، وهذا عرضًا، ولهذا أعاد (10) حرف الجر (11).
قوله: (وَبِعَرْضَيْنِ مُطْلَقًا) أي: سواء كانا متفقين أو مختلفين، وقاله في المدونة، وعن
(1) في (ن 3): (معنى مفيد)، وفي (ن 5):(معين).
(2)
في (ن): (الأحكام).
(3)
قوله: (مِنْ أَهْلِ) يقابله في (ن): الأهل).
(4)
قوله: (له) ساقط من (ن).
(5)
قوله: (أما) ساقط من (ن).
(6)
في (ن): (كخلطة).
(7)
قوله: ("إِنَّما تَصِحُّ "أي) ساقط من (ن).
(8)
قوله: (على المشهور) زيادة من (ن 3).
(9)
في (ن): (هذا).
(10)
في (ن): (كرر).
(11)
في (ن): (العطف).
مالك في الموازية: في المختلفين ليس من عمل الناس، وأرجو ألا يكون به بأس، وحمله ابن رشد (1)، والظاهر الوفاق لقوله: أرجو ألا يكون به بأس، ولو كان ممنوعًا لكان به البأس.
قوله: (وَكُلٌّ بالْقِيمَةِ) أي: بقيمة عرض كل واحد منهما.
قوله: (يَوْمَ أحضِرَ) أي: يوم أحضر الاشتراك به، فإذا كان عرض أحدهما يساوي عشرين، وعرض الآخر يساوي عشرة فالمال بينهما على ثلاثة أجزاء عند القسمة (2)، وقاله في المدونة (3).
قوله: (لا فَاتَ) أي: لا يوم الفوت (4)، وهذا الذي قدّمه مشروط بصحة الشركة، ولهذا قال:(إن صحّت)، واحترز به مما إذا وقعت فاسدة فإن المشهور أن يكون رأس مال كل واحد منهما ما بيع به عرضه لا قيمته (5) يوم أحضره؛ لأن العرض في الشركة الفاسدة (6) لم يزل على ملك ربه وفي ضمانه إلى يوم البيع وقيل إن القيمة يوم الإحضار (7) كالصحيحة، وليس بمنصوص، وإنما خرّجه التونسي مما إذا أخرج أحدهما ذهبًا: والآخر ورقًا، فإن المشهور فسادها، وهو قول ابن القاسم مع أنه قال: إذا اشترى كل واحد سلعة، وعرفها (8) فيقسمان الربح على حسب رأس المال (9)، وخرّجه الشيخ على القول بأن المستثنى من أصل إذا فسد ألحق بصحيح نفسه، وقيل: بصحيح أصله.
قوله: (إِنْ خَلَطَا وَلَوْ حُكْمًا) يريد: أن الشركة لا تحصل بينهما إلا إذا خلطا المالين ولو حكما، وحينئذ يكون ما تلف منهما معًا، قال في المدونة: وإذا أخرج كل
(1) زاد بعده في (ن): (على الخلاف).
(2)
انظر: الذخيرة: 9/ 11.
(3)
في (ن 5): (الموازية).
(4)
في (ن): (الفوات).
(5)
قوله: (قيمته) زيادة من (ن).
(6)
قوله: (في الشركة الفاسدة) يقابله في (ن): (مع الفساد).
(7)
قوله: (لأن العرض في
…
القيمة يوم الإحضار) ساقط من (ن 4).
(8)
في (ن): (عرفت).
(9)
في (ن): (مالهما).
واحد ذهبه (1) وصره على حدة، وجعل الصرّتين بيد أحدهما أو في تابوته أو في خرجه فالذاهبة منهما (2)، ولا إشكال في الخلط الحسي، قال في المدونة: وإن بقيت صرة كل واحد منهما بيده فضياعها منه حتى يخلطا أو يجعلا الصرتين عند أحدهما (3)، وإلى هذا أشار بقوله:(وَإِلا فَالتَّالِفُ مِنْ رَبِّهِ) ثم قال في المدونة: وإن بقيت كل صرة بيد ربها حتى ابتاع بها أحدهما أمة على الشركة، وتلفت الصرة الأخرى، والمالان متفقان، فالصرة من ربها (4)، والأمة بينهما (5)، وإلى هذا أشار بقوله:(وَمَا ابْتِيعَ بِغَير فبيْنَهُمَا) أي: ما اشتري بغير المال التالف بين الشريكين.
ابن يونس: يريد بعد أن يدفع لشريكه نصف ثمنها؛ لأنه إنما اشتراها على الشركة، وإليه أشار بقوله:(وَعَلى الْمُتْلِفِ نِصْفُ الثمَنِ) قال في المدونة: وقال غيره: لا تنعقد بينهما شركة حتى يخلطا (6) خلطًا حسيًّا لا يتميز معه أحد المالين، وهو قول سحنون. المتيطي: ولم يختلف ابن القاسم وغيره أن الضائعة من ربها، وحمل اللخمي قوله (في الضائعة) على معنى أنها ضاعت قبل الشراء أو (7) قبل الجمع، وفيها: حق توفية من وزن أو انتقاد، قال: وأما لو وزن كلٌّ صرته (8) وقلبت وخليت عند صاحبها على وجه الشركة، فإن مصيبتها منهما كالجارية (9).
قوله: (وَهَلْ إِلا أَنْ يَعْلَمَ بِالتَّلَفِ فَلَهُ وَعَلَيْهِ؟ أَوْ مُطْلَقًا إِلا أَنْ يَدَّعِيَ الأَخْذَ؟ تَرَدُّدٌ) وهل ما ذكره من أن الشريك الذي تلف ماله، يشارك الآخر فيما ابتاعه بماله مقيد بما إذا لم يعلم بالتلف حين الشراء، وأما لو علم فيكون ما اشتراه له خاصة، فيكون له ربحه، وعليه خسارته، أو يشاركه فيه مطلقًا، فاختلف الأشياخ في ذلك، وإلى الأول ذهب في
(1) في (ن): (ذهبًا).
(2)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 560.
(3)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 560.
(4)
قوله: (حتى ابتاع بها أحدهما
…
فالصرة من ربها) ساقط من (ن 5).
(5)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 561.
(6)
زاد بعده في (ن): (أي).
(7)
في (ن): (و).
(8)
في (ن): (صرة).
(9)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:4784.
المقدمات (1)، وقال ابن يونس عن بعض أصحابه: إذا اشترى بعد التلف عالمًا به فشريكه مخير إن شاء شاركه أو يترك له ذلك إلا أن يقول: إنما اشتريتها لنفسي فتكون له خاصة، ولما كان هذا متفقًا عليه أخرجه من محل التردد.
بقوله (2): (إِلا أَنْ يَدَّعِيَ الأَخْذَ لِنَفْسِهِ) أي: فإنها له بلا نزاع.
(المتن)
وَلَوْ غَابَ نَقْدُ أَحَدِهِمَا إِنْ لَمْ يَبْعُدْ وَلَمْ يتجَرْ لِحُضُورِهِ. لا بِذَهَبٍ وَبِوَرِقٍ، وَبِطَعَامَيْنِ، وَلَوِ اتَّفَقَا. ثُمَّ إِنْ أَطْلَقَا التَصَرُّفَ -وَإِنْ بِنَوْعٍ- فَمُفَاوَضَةٌ. وَلا يُفْسِدُهَا انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِشَيءٍ، وَلَهُ أَنْ يتَبَرَّعَ إِنِ استئلف بِهِ أوْ خَفَّ، كَإِعَارَةِ آلَةٍ وَدَفْعِ كِسْرَةٍ، وَيُبْضِعَ، وَيُقَارِضَ وَيُودعَ لِعُذْرٍ، وَإِلَّا ضَمِنَ، وَيُشَارِكَ فِي مُعَيَّنٍ، وَيُقِيلَ، وَيُوَلِّيَ، وَيَقْبَلَ الْمَعِيبَ وَإِنْ أبَى الأخَرُ، وَيُقِرَّ بِدَيْنٍ لِمَنْ لا يُتهَمُ عَلَيْهِ. وَيَبِيعَ بِالدَّيْنِ، لا الشِرَاءُ بِهِ، كَكِتَابَةٍ. وَعِتْقٍ على مَالٍ، وإذْنٍ لِعَبْدٍ فِي تِجَارَةٍ وَمُفَاوَضَةٍ.
(الشرح)
قوله: (وَلَوْ غَابَ أَحَدُهُمَا إِنْ لَمْ يَبْعُدْ وَلَمْ يُتجَرْ لِحضُوره) أي: وصحّت الشركة ولزمت بالعقد، ولو كان أحد المالين غائبًا، و (3) قد اختلف في جوازها مع غيبة أحد المالين، والذي عليه مالك وابن القاسم في المدونة -وهو المشهور- الجواز، وذهب سحنون إلى المنع. اللخمي: والأول أحسن، وقيده بقيدين: الأول: ألا تكون الغيبة بعيدة جدا (4). الثاني: ألا يتجر بالمال الحاضر إلا بعد حضور المال الغائب، ولهذا قال:(إن لم يبعد ولم يتجر لحضوره).
قوله: (لا بِذَهَبٍ وَبِوَرِقٍ) أي: وإنما أعاد الحرف (5) مع قوله: (وَبِوَرِقٍ)(6) لينبه على أن الذهب وقع من جانب والورق من الجانب الآخر، وقد تقدم أن مذهب المدونة وهو المشهور منعه، خلافًا لأشهب وسحنون، وروى ابن وهب كراهته (7)، ولو لم يكرر
(1) انظر: المقدمات الممهدات: 2/ 210.
(2)
في (ن 5): (قوله).
(3)
في (ن): (أو).
(4)
انظر: النوادر والزيادات: 7/ 318، والتوضيح: 6/ 343.
(5)
قوله: (الحرف) يقابله في (ن): (حرف الجر).
(6)
من هنا يبدأ سقط من (ن 5).
(7)
انظر: النوادر والزيادات: 7/ 318.
الحرف مع قوله: (وَبِوَرِقٍ) لأوهم المنع، ولو أخرج هذا ذهبًا أو ورقًا (1)، وهذا مثله، والأمر بخلافه.
قوله: (وَبِطَعَامَيْنِ، وَلَوِ اتَّفَقَا) أي (2): لا تجوز الشركة بالطعامين، ولو اتفقا في الصفة، وقاله مالك في المدونة، وأجازها ابن القاسم في المتفق صفة وجودة من نوع واحد على الكيل، ورجع مالك إلى المنع (3)، وفي البيان والمقدمات قول بالجواز، ولو اختلف الطعامان (4).
قوله: (ثُمَّ إِنْ أَطْلَقَا التصَرُّفَ وإنْ بِنَوْعٍ، فَمُفَاوَضَةٌ) الشركة على ثلاثة أقسام: شركة أبدان، وشركة وجوه وسيأتيان (5) وشركة أموال، وهي أيضا على ثلاثه أقسام: شركة مضاربة، وهي القراض وشركة عنان وسيأتيان، وشركة مفاوضة، وهي التي أراد هنا. ومعنى قوله:(أَطْلَقَا التَّصَرُّفَ) أي: جعل كل واحد منهما (6) لصاحبه أن يتصرف في الغيبة والحضرة (7) في البيع والشراء والكراء (8) والاكتراء، قال في المدونة: والمفاوضة على وجهين: إما في جميع الأشياء، وإما في نوع واحد من المتاجر كشراء الرقيق يتفاوضان فيه (9)، وإليه أشار بقوله:(وَإِن بِنَوْعٍ).
قوله: (وَلا يُفْسِدُهَا انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِشَيءٍ) يريد: أن المتفاوضين إذا كان لأحدهما مال على انفراده يعمل فيه لنفسه، فإن الشركة لا تفسد بذلك، وقيل (10) لا خلاف فيه.
قوله: (وَلَهُ أَنْ يَتَبَرع إِن استئلف به)(11) أي: ولأحدهما أن يتبرع من مال الشركة
(1) في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (وورقًا).
(2)
زاد بعده في (ن): (وكذلك).
(3)
انظر: النوادر والزيادات: 7/ 318.
(4)
انظر: البيان والتحصيل: 4/ 241، والمقدمات المهدات: 2/ 213.
(5)
قوله: (وسيأتيان) زيادة من (ن 3).
(6)
قوله: (منهما) زيادة من (ن و).
(7)
في (ن): (والحضور).
(8)
قوله: (والكراء) زيادة من (ن 3).
(9)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 562، والتوضيح: 6/ 347.
(10)
قوله: (قيل) زيادة من (ن 3).
(11)
قوله: (إن استئلف به) زيادة من (ن).
بشرط أن يكون ذلك استئلافًا للتجارة؛ لأنه يعود بنفع على المال، وقاله (1) في المدونة، وقيل: يمنع (2)؛ لأنه سلف بزيادة، اللخمي: والأول أحسن (3).
قوله: (أَوْ خَفَّ، كَإِعَارةِ آلَةٍ وَدَفْعِ كسْرَةٍ) أي: لما جرت به العادة لخفته كإعارة ماعون وإعطاء كسرة وشرب ماء ونحوه، وفي (4) المدونة: كإعارة غلام ليسقي (5) له دابته أو نحوه.
قوله: (وَيُبْضِعَ وَيُقَارِضَ ويودع لعذر وإلا ضمن) هذا كقوله في المدونة: ولإحدى (6) المتفاوضين أن يبضع ويقارض (7) دُونَ إِذْنِ الآخَرِ وأما إيداعه (8)، فإن كان لعذر (9) كنزوله ببلد فيرى أن يودع إذ منزله (10) الفنادق، وما لا أمن فيه فذلك له، وأما إن أودع لغير عذر ضمن (11)، رقال في موضع آخر بعده: لا يجوز له أن يقارض إلا بإذن شريكه، فأما أن يشارك في سلعة بعينها شركة (12) غير مفاوضة فذلك جائز (13)، وإليه أشار بقوله:(ويُشَارِكَ فِي مُعَين).
قوله: (وَيقيلَ، ويُوَلِّي) أي: ولأحد الشريكين أن يُقيل من سلعة باعها (14) أو شريكه ويوليها لغيره كبيعه، قال في المدونة: ما لم تكن محاباة، ثم قال: وإقالته لخوف عدم
(1) في (ن): (قال).
(2)
في (ن): (يمتنع).
(3)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:4847.
(4)
قوله: (و) ساقط من (ن) و (ن 3).
(5)
في (ن 3): (ليبيع).
(6)
في (ن): (لأحد).
(7)
قوله: (ويودع لعذر وإلا ضمن
…
أن يبضع ويقارض) زيادة من (ن 3).
(8)
في (ن): (أن يودعه).
(9)
قوله: (لعذر) يقابله في (ن): (لوجه عذر).
(10)
قوله: (إذ منزله) يقابله في (ن): (إن كان ممن له).
(11)
في (ن): (ضمنه).
(12)
في (ن 3): (شريكه).
(13)
قوله: (فذلك جائز) يقابله في (ن): (فجائز).
(14)
زاد بعده في (ن): (هو).
الغريم من النظر (1).
قوله: (وَيَقْبَلَ الْمَعِيبَ وَإِنْ أَبَى الآخَرُ) هو كقوله في المدونة أيضا: وإن اشترى أحدهما عبدًا فوجد (2) به عيبًا فرضيه هو أو شريكه لزم ذلك الآخر، ثم قال: فإن ردّه مبتاعه ورضي شريكه لزم رضاه؛ لأن مشتريه لو ردّه ثم (3) اشتراه شريكه، وقد علم بذلك (4) لزم ذلك مشتريه. (5)
قوله: (وَيُقَرَّ بِدَيْنٍ لِمَنْ لا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ) أي: ولأحدهما أن يقر بدين من شركتهما لمن لا يتهم عليه، ويلزم شريكه ذلك، فأما من يتهم عليه كأبويه أو ولده أو جده أو جدته أو زوجته أو صديق ملاطف لم يلزم ذلك شريكه، وقاله في المدونة (6)، وخرج اللخمي قولًا بصحة ذلك من أحد القولين في (7) المفلس إذا أقر لمن يتهم عليه (8).
قوله: (9)(وَيبِيعَ بِالدَّيْنِ) أي: وهكذا يجوز لأحدهما أن يبيع إلى أجل، وهو مراده بالدين، وهذا هو المشهور، وهو مذهب المدونة، ومثله عن سحنون في العتبية، وفي الموازية أن ذلك لا يجوز، ورواه أصبغ عن ابن القاسم، وفي سماع ابن القاسم عن مالك كراهية ذلك.
قوله: (لا الشِّرَاءُ بِهِ) أي: بالدين، فإنه لا يجوز إلا بإذن الآخر ونحوه في المدونة (10).
قوله: (كَكِتَابَةٍ وَعِتْقٍ عَلَى مَالٍ، وَإِذْنٍ لِعَبْدٍ فِي تِجَارَةٍ) قال في المدونة: وعبد المتفاوضين ليس لأحدهما أن يأذن له في التجارة ولا يكاتبه ولا يعتقه على مال إلا بإذن
(1) انظر: تهذيب المدونة: 3/ 571.
(2)
في (ن): (فوجدا).
(3)
في (ن 3): (بما).
(4)
في (ن) و (ن 3): (بالرد بالعيب).
(5)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 571.
(6)
انظر: المدونة: 3/ 627.
(7)
في (ن): (وفي)، هنا نهاية السقط الذي في (ن 5).
(8)
انظر: التبصرة، للخمي، ص: 3155، ص 4860.
(9)
قوله: (قوله: ) ساقط من (ن).
(10)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 568.
شريكه، إلا أن يأخذ مالًا من أجنبي على عتقه، مثل قيمته فأكثر، فيجوز وهو كبيعه (1).
قوله: (وَمُفَاوَضَةٍ) هو معطوف على قوله: (كَكِتَابَةٍ) أي: وليس لأحدهما أن يشارك غيره شركة مفاوضة بغير إذن شريكه، وقاله في المدونة، وأما إن شاركه في سلعة بعينها غير شركة مفاوضة فجائز (2).
(المتن)
وَاسْتَبَدَّ آخِذُ قِرَاضٍ، وَمُسْتَعِيرُ دَابَّةٍ بِلا إِذْنٍ، وَإِنْ لِلشَّرِكَةِ، وَمُتَّجِرٌ بِوَدِيعَةٍ بِالرِّبْحِ وَالْخُسْرِ، إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ شَرِيكُهُ بِتَعَدِّيهِ فِي الْوَدِيعَةِ، وَكُلٌّ وَكِيلٌ، فَيُرَدُّ على حَاضِرٍ لَمْ تتَوَلَّ: كَالْغَائِب إِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ، وَإِلَّا انْتُظِرَ. وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرُ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ، وَتَفْسُدُ بِشَرْطِ التَّفاوُتِ. وَلِكُلٍّ أَجْرُ عَمَلِهِ لِلآخَرِ، وَلَهُ التَّبَرُّعُ، وَالسَّلَفُ، وَالْهِبَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَالْقَوْلُ لِمُدَّعي التَّلَفِ وَالْخُسْرِ، وَلآخِذٍ لائِقٍ لَهُ، وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ وَحُمِلَ عَلَيْهِ فِي تَنَازُعِهِمَا، وَلِلاِشْتِرَاكِ فِيمَا بِيَدِ أَحَدِهِمَا، إِلَّا لِبَيِّنَةٍ على كَإِرْثِهِ،
(الشرح)
قوله: (وَاسْتبَدَّ آخِذُ قِرَاضٍ
…
إلي آخره)، يريد: أن أحدهما إذا أخذ قراضًا فإنه يختصّ بربحه ولا خسارة على الآخر فيه، قال (3) في المدونة؛ لأن المقارضة ليست من التجارة، وإنما هو أجير (4) آجر نفسه فلا شيء لشريكه في ذلك (5)، وكذلك في الموازية (6) عن مالك، وقال أشهب: ما ربحه في القراض (7) فهو داخل بينهما في الشركة، وقال بعض القرويين الأشبه أن يكون القراض له وللعامل الأجرة في نصيب الذي أخذ القراض؛ لأنه يقول لم أتطوع بالعمل إلا ظنًا أنه يعمل في المال، فإذا شغل (8) نفسه فيما انتفع به فيجب أن أرجع أنا بأجرة مثلي فيما عملته مما يجب عليه عمله.
قوله: (وَمُسْتَعِيرُ دَابَّةٍ بِلا إِذْنٍ، وَإِنْ لِلشَرِكَةِ) هو كقوله في المدونة: وإن استعار بغير
(1) انظر: تهذيب المدونة: 3/ 569.
(2)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 568.
(3)
في (ن) و (ن 4): (قاله).
(4)
قوله: (أجير) زيادة من (ن 5).
(5)
انظر: المدونة: 3/ 623.
(6)
في (ن): (المدونة).
(7)
قوله: (في القراض) يقابله في (ن): (المقارض).
(8)
في (ن) و (ن 4): (أشغل).
إذن شريكه ما حمل عليه لنفسه أو لمال الشركة فتلف فضمانه (1) من المستعير ولا شيء على شريكه، وقال غيره: لا يضمن الدابّة في العارية إلا أن يتعدّى (2). أبو محمد: وهو تفسير قول ابن القاسم.
قوله: (وَمُتَّجِرٌ بِوَدِيعَةِ بالرِّبْحِ وَالْخُسْرِ) أي: وكذا يستبدّ بربح الوديعة أحدهما إذا تَجر بها بغير إذن صاحبه يدَل عليه قوله: (إِلا أَنْ يَعْلَمَ شَرِيكُهُ بِتَعَدِّيهُ فِي الْوَدِيعَةِ) أي: فيكون الربح بينهما والضمان عبيهما، وقاله في المدونة، وقال غيره فيها: وإن رضي الشريك وعمل معه فإنما له أجر مثله فيما عمل، وإن رضي ولم يعمل معه فلا شيء عليه (3)، ولا ضمان عليه (4).
قوله: (بِالرِّبْحِ وَالْخُسْر (5)) متعلق بقوله: (وَاسْتبَدَّ) وهو راجع إلى المسائل الثلاث، والمراد بالخسر الخسارة.
قوله: (وَكُلٌّ وَكِيلٌ، فَيردُّ عَلَى حَاضِرٍ لَمْ يَتَوَلَّ، كَالْغَائِبِ إِنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ، وَإِلا انْتُظِرَ) يريد: أن كل واحد منهما وكيل عن صاحبه في بيعه وشرائه وكرائه واكترائه، وغير ذلك، فإذا باع أحدهما شيئًا، ثم اطلع المبتاع على عيب به فله رده على من حضر من الشريكين، وإن لم يكن قد تولى بيعه في الأصل، أما إن كان البائع (6) حاضرًا فكلام المبتاع معه، لأنه أقعد بحال متاعه، وإن كان غائبًا بعيد الغيبة فالكلام مع الشريك (7) الحاضر، وإن قربت غيبته انتظر (8)، انظر الكبير (9).
قوله: (وَالربْحُ وَالْخُسْرُ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ) يريد: أن ربح مال الشركة وخسارتها يوزع على قدر المالين، فإذا كان لهذا ثلثان، ولهذا ثلث فالربح بينهما على الثلث والثلثين،
(1) في (ن): (فضمانها).
(2)
قوله: (أن يتعدّى) يقابله في (ن): (التعدي). وانظر: تهذيب المدونة: 3/ 568.
(3)
في (ن): (له).
(4)
انظر: المدونة: 3/ 622، وتهذيب المدونة: 3/ 567.
(5)
في (ن 5): (أو الخسر)، وزاد بعده في (ن):(هو).
(6)
زاد بعده في (ن): (منهما).
(7)
في (ن): (شريكه).
(8)
قوله: (انتظر) ساقط من (ن 3).
(9)
قوله: (انظر الكبير) ساقط من (ن).
وكذلك (1) الخسارة.
قوله: (وَتَفْسُدُ بِشَرْطِ التَّفَاوُتِ) يعني: فإن عقد الشركة على شرط التفاوت في الربح فسدت كما إذا أخرج هذا ألفًا، وهذا ألفين، واشترطا أن يكون الربح بينهما نصفين، فإن عثر على ذلك قبل الشروع فسخت، وإن عملا رجع صاحب الألفين بفاضل الربح فيأخذ ثلثيه (2) ويرجع الآخر عليه بفاضل عمله فيأخذ سدس أجرة المجموع، وإليه أشار بقوله:(وَلكُلٍّ أَجْرُ عَمَلِهِ لِلآخَرِ) وقيل: لا أجر لصاحب الثلث في الزيادة، واختار اللخمي التفصيل، إن خسر فلا شيء له، وإن رت فله الأقل من أجرة المثل وما (3) ينوب ذلك الجزء من الربح (4).
قوله: (وَلَهُ التَّبرع، وَالسَّلَفُ، وَالْهِبَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ) أي: أما بعد العقد فيجوز لأحد الشريكين أن يتبرع على الآخر بزيادة في الربح أو العمل أو يسلفه شيئًا، أو يهبه شيئًا ونحو ذلك إذ لا محذور فيه، لأنه ليس لأجل الشركة.
قوله: (وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي التَّلَفِ وَالخُسْرِ) يريد: أن من بيده شيء من الشريكين من مال الشركة فهو فيه أمين، فإذا قال (5): تلف أو بعضه أو خسر فهو مصدق، وقال في الجواهر: ما لم يظهر كذبه، وإن اتهم استحلف (6).
قوله: (وَلآخِذ لائِقٍ لَهُ) أي: وكذا يكون القول قول من ادّعى منهما أنه ابتاع شيئًا لنفسه لا للشركة (7) إذا كان مما يشبه أن يشتري له من مأكول أو ملبوس، وأما إذا ابتاع شيئًا من الرقيق أو العروض فإن لشريكه الدخول فيه، وقاله ابن القاسم.
قوله: (وَلْمُدَّعِي النِّصْفِ) أي: القول قول من ادّعي على (8) نصف المال من
(1) في (ن): (هكذا).
(2)
وفي (ن 5): (ثلثه).
(3)
قوله: (ما) ساقط من (ن).
(4)
انظر: التوضيح: 6/ 354.
(5)
قوله: (قال) ساقط من (ن 3).
(6)
انظر: عقد الجواهر: 2/ 823.
(7)
في (ن 3): (لا شريكه).
(8)
قوله: (على) ساقط من (ن).
الشريكين يحتمل أن يريد بكلامه إذا مات أحدهما، وقال اللخمي: ومن قال (1): المال بيننا (2) نصفين فإنه يصدق، وإلا فقوله:(وَحُمِلَ عَلَيْهِ فِي تَنَازُعِهِمَا) يغني (3) عن (4) ذلك، ولكن هذا ظاهره يوافق قول أشهب لا ابن القاسم، قال في الموازية عن ابن القاسم في شريكين أرادا المفاصلة، فقال أحدهما: لك الثلث، ولي الثلثان، وقال الآخر: المال بيننا نصفان، (5) فلمدعي الثلثين النصف، ولمدعي النصف الثلث، ويقسم السدس بينهما نصفين، وقال أشهب: المال بينهما نصفان بعد أيمانهما؛ لأن كل واحد منهما (6) حائز (7) النصف فله حجة (8)، ويحتمل أن يكون قوله:(وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ) أي: في الربح.
وقوله: (وَحُمِلَ عَلَيْهِ فِي تَنَازُعِهِمَا) أي: في المال أو (9) العكس، وقد أطال ابن يونس الكلام على هذه المسألة فانظره.
قوله: (وَالاشْتِرَاكِ فِيما بِيد أَحَدِهِمَا إِلا بِبَيِّنةٍ عَلَى كَإِرْثهِ) يريد: أن أحد المتشاركين المتفاوضين إذا ادّعى شيئًا في المال مما (10) بيده أنه له خاصّة، وقال شريكه: بل هو بيننا من المال المشترك، فإنّ القول قول من ادّعى الاشتراك، قال في المدونة: إلا ما قامت عليه البينة أنه لأحدهما بإرث أو هبة أو صدقة، أو كان له قبل التفاوض وأنه لم يفاوض (11) عليه فيكون له خاصّة، والمفاوضة فيما سواه قائمة (12).
(1) قوله: (وقال اللخمي: ومن قال) يقابله في (ن): (وقال الحي).
(2)
في (ن 3): (بينهما)، وقوله:(أي: القول قول .. ومن قال: المال بيننا) ساقط من (ن 5).
(3)
في (ن): (يعني).
(4)
قوله: (يغني عن) يقابله في (ن 5): (على).
(5)
زاد بعده في (ن): (قال).
(6)
قوله: (منهما) زيادة من (ن 3).
(7)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (جائز).
(8)
انظر: النوادر والزيادات: 7/ 342.
(9)
في (ن): (و).
(10)
قوله: (من المال مما) ساقط من (ن).
(11)
في (ن 4): (يعاوض).
(12)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 563.
(المتن)
وَإِنْ قَالَتْ لا نَعْلَمُ تَقَدُّمَهُ لَهَا إِنْ شُهِدَ بالْمُفَاوَضَةِ، وَلَوْ لَمْ يُشْهَدْ بِالإِقْرَارِ بِهَا على الأَصَحّ، وَلِمُقِيمِ بَيِّنَةٍ بِأخْذِ مِائَةٍ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ، إِنْ أَشْهَدَ بِهَا عِنْدَ الأَخْذِ، أَوْ قَصُرَتِ الْمُدَّةُ: كَدَفْعِ صَدَاقٍ عَنْهُ فِي أَنهُ مِنَ الْمُفَاوَضَةِ، إِلَّا أَنْ يَطُولَ كَسَنَةٍ، وَإِلَّا بِبَيِّنَةٍ بِكَإِرْثه، وَإِنْ قَالَتْ لا نَعْلَمُ. وَإِنْ أَقَرَّ وَاحِدٌ بَعْدَ تَفَرُّقٍ أَوْ مَوْتٍ فَهُوَ شَاهِدٌ فِي غَيْرِ نَصِيبِهِ. وَأُلْغِيَتْ نَفَقَتُهُمَا وَكِسْوَتُهُمَا، وَإِنْ بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيِ السِّعْرِ، كَعِيَالِهِمَا، إِنْ تَقَارَبَا، وَإِلَّا حَسَبَا كَانْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِهِ،
(الشرح)
قوله: (وَإِنْ قَالَتْ: لا نَعْلَمُ تَقَدُّمَهُ لها) يريد: أن البينة إذا قالت: نعلم أنه ورثه ولكن لا نعلم هل ذلك مقدّم على الشركة أو مؤخر، فإن من شهدت له يختصّ بذلك، ولا يدخل في الشركة؛ لأن الأصل بقاء ذلك على ملك (1) ربه حتى يدل دليل على انتقاله.
قوله: (إِنْ شُهِدَ بِالْمُفَاوَضَةِ، وَلَوْ لَمْ يُشْهَدْ بِالإِقْرَارِ بِهَا عَلَى الأَصَحِّ) يعني: أنه اختلف إذا شهد (2) الشهود بالمفاوضة فقط، ولم يشهدوا أنه أقر عندهم بها هل يكتفي بذلك إذا كانوا عالمين بما يشهدون به أو لا، بل حتى يقول الشهود: أقر عندنا بالمفاوضة وأشهدنا بها، والأول أصح، وإليه ذهب ابن سهل، وإلى الثاني ذهب ابن العطار وابن دحون وابن الشقاق.
قوله: (وَلِمُقِيمِ بَيِّنَةٍ بِأَخْذِ (3) مِائَةٍ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ (4)، إِنْ أشهد (5) بِهَا عِنْدَ الأَخْذِ، أَوْ قَصُرَتِ المُدَّةِ) أي: والقول قول من أقام بيّنة أن صاحبه قال: أخذت (6) مائة من مال الشركة وأنها باقية في ذمّة شريكه إن شهدت بها بينة (7) حين الأخذ، سواء طال ذلك أم لا، أولم يشهد بها حين الأخذ إلا أن المدة قصرت (8)، فإن طالت الدة في هذا فلا يلزم الشريك
(1) في (ن) و (ن 3) و (ن 4): (أصل).
(2)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (شهدت).
(3)
في (ن 5): (يأخذ).
(4)
زاد بعده في (ن): (في ذمة شريكه).
(5)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (شَهِدَ).
(6)
قوله: (قال: أخذت) يقابله في (ن) و (ن 5): (قد أخذ).
(7)
قوله: (شهدت بها بينة) يقابله في (ن): (أشهد بها).
(8)
في (ن): (قصيرة).
شيء، وفي المدونة: إذا مات أحدهما فأقام الحي بيّنة أن مائة من الشركة كانت عند الميت فلم توجد ولا عَلم سقوطها (1)، فإن كان موته قريبًا من أخذها فيما يظن أن مثله (2) لم يشغلها في تجارة فهي في حصته، وأما إن (3) تطاول وقته لم يلزمه (4).
قوله: (كَدَفْعِ صَدَاقٍ عَنْهُ فِي أنَّهُ مِنَ الْمُفَاوَضَةِ إِلا أَنْ يَطُولَ كَسَنةٍ) أي: وكذلك يكون القول لمن دفع صداقًا عن صاحبه في أنه من مال المفاوضة إلا أن يطول الأمر في ذلك، وعن سحنون في أخوين مشتركين شركة مفاوضة دفع أحدهما عن أخيه صداق امرأته ولم يذكر أنه من ماله ولا من مال أخيه، ثم مات الدافع، فقام ورثته يطلبون ذلك، فقال: إن دفع وهما متفاوضان ثم أدام سنين كثيرة ولا يطلب أخاه فهذا ضعيف، وإن كان بحضرة (5) ذلك فهو بينهما شطران (6)، ومجاسب (7) به (8)، فانظر كيف جعل الطول السنين الكثيرة، وجعله (9) الشيخ السنة ونحوها (10).
قوله: (وَإِلا بِبَيِّنةٍ بِكَإِرْثه (11)، وإنْ قَالَتْ: لا نَعْلَمُ) أي: إلا أن تقول البيّنة: أن المائة من ميراث حصل أو هبة أو صدقة أو نحوه، ولو قالت البينة: لا نعلم أكان الدفع قبل المفاوضة أم بعدها.
قوله: (وَإِنْ أَقَرَّ وَاحِدٌ بَعْدَ تَفَرُّقٍ أَوْ مَوْتٍ فَهوَ شَاهِدٌ فِي غَيْر نَصِيبِهِ) يريد: أن الشريكين إذا افترقا فأقر واحد منهما بدين عليهما، أو مات واحد منهما فأقرّ الحي منهما
(1) في (ن) و (ن 5): (مسقطها).
(2)
في (ن 5): (مثلها).
(3)
قوله: (وأما إن) يقابله في (ن) و (ن 3): (ومما).
(4)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 373.
(5)
قوله: (أخاه فهذا ضعيف، وإن كان بحضرة) ساقط من (ن 3).
(6)
في (ن 4): (شريكان).
(7)
في (ن 3): (يحاسبا).
(8)
انظر: النوادر والزيادات: 7/ 330.
(9)
في (ن): (جعل).
(10)
زاد بعده في (ن 4): (طولًا).
(11)
في (ن 4): (بكإرث).
بدين؛ فإنه يلزمه ما أقرّ به من نصيبه (1)، وهو في نصيب الآخر شاهد لربّ الدّين يحلف معه ويستحق، وقاله ابن القاسم. قال (2) سحنون: يلزمهما (3) ما أقر به أحدهما في أموالهما بعد افتراقهما، وظاهره ولو مع الطول، وفي اللخمي: إن أقر بعد طول الافتراق لم يقبل، ويختلف إذا أقرّ بقرب ذلك وادعى أنه نسي (4).
قوله: (وَأُلْغِيَتْ نَفَقَتُهُمَا وَكِسْوَتُهُما) يعني: أن نفقة المتفاوضين وكسوتهما من المال ملغاة، يريد: إذا كان المال بينهما متناصفًا، وإن كان لواحد منهما الثلث والباقي للآخر لم ينفق صاحب الثلث من ذلك إلا قدر جزئه (5)، ولم يجز أن ينفق بقدر عياله إذا كان لهما عيال ليحاسب صاحبه في المستقبل؛ لأنه أخذ (6) من المال أكثر مما يأخذه صاحبه، وأشار بقوله:(وَإِنْ بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَي السِّعْرِ كَعِيَالِهِمَا، إِنْ تَقَارَبَا) يشير إلى قوله في المدونة: ويلغيان نفقتهما كانا في بلد واحد أَو بلدين، وإن اختلف سعرهما (7) كانا ذوي عيال، أو لا عيال لهما (8)، يريد: إذا كانت نفقتهما (9) متساوية أو متقاربة كما قال هنا، وقاله ابن القاسم.
قوله: (وَإِلا حَسَبَا) أي: وإن لم تكن نفقتهما متساوية (10) فإن كل واحد منهما يحسب نفقته ونفقة عياله على حدة، قال في المدونة: وإن كان لأحدهما عيال وولد وليس للآخر أهل ولا ولد حسب كل واحد ما أنفق (11)، وإليه أشار بقوله:(كَانْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِهِ) أي: بالعيال عن الآخر، وإذا اختلف سعر البلدين ولكل منهما عيال، فقال ابن يونس (12):
(1) قوله: (ما أقرّ به من نصيبه) يقابله في (ن) و (ن 4): (مما أقر به ما ينوبه في نصيبه).
(2)
قوله: (قال) ساقط من (ن).
(3)
قوله: (وقاله ابن القاسم. قال سحنون: يلزمهما) يقابله في (ن 3): (وقال ابن القاسم: يلزمه).
(4)
انظر: التبصرة، للخمي، ص: 4860 و 4861.
(5)
في (ن 3): (جزأيه).
(6)
في (ن): (يأخذ).
(7)
في (ن): (سعراهما).
(8)
انظر: المدونة: 3/ 615، وتهذيب المدونة: 3/ 561.
(9)
قوله: (كانا في بلد واحد
…
يريد: إذا كانت نفقتهما) ساقط من (ن 3).
(10)
في (ن) و (ن 5): (متقاربة).
(11)
انظر: المدونة: 3/ 615.
(12)
في (ن)، (ابن القاسم).
ينبغي أن تحسب النفقة؛ إذ نفقة العيال ليست من التجارة، وقال اللخمي: ظاهر المذهب أنه لا التفات إلى اختلاف السعر (1).
(المتن)
وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً لِنَفْسِهِ فَلِلآخَرِ رَدُّهَا، إِلَّا لِلْوَطْءِ بِإِذْنِهِ، وَإِنْ وَطِئَ جَارِيةً الشِّرِكَةِ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَحَمَلَتْ قُوِّمَتْ، وَإِلَّا فَلِلآخَرِ إِبْقَاؤُهَا أَوْ مُقَاوَاتُهَا، وَإِنِ اشْتَرَطَ نَفْيَ الاِسْتِبْدَادِ فَعِنَانٌ. وَجَازَ لِذِي طَيْرٍ وَذِي طَيْرَةٍ أَنْ يتفِقَا على الشِّرِكَةِ فِي الْفِرَاخِ. وَاشْتَرِ لِي وَلَكَ، فَوَكَالَةٌ. وَجَازَ وَانْقُدْ عَنِّي، إِنْ لَمْ يَقُلْ وَأَبِيعُهَا لَكَ، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا إِلَّا أَنْ يَقُولَ: وَاحْبِسْهَا، فَكَالرَّهْنِ، وَإِنْ أَسْلَفَ غَيْرُ الْمُشْتَرِي جَازَ، إِلَّا لِكَبَصِيرَةِ الْمُشْتَرِي، وَأُجْبِرَ عَلَيْهَا، إِنِ اشْتَرَى شَيْئًا بِسُوقِهِ، لا لِكَسَفَرٍ أَو قِنْيَةٍ، وَغَيْرُهُ حَاضِرٌ لَمْ يتكَلَّمْ مِنْ تُجَّارِهِ، وَهَلْ وَفِي الزُّقَاقِ لا كَبَيْتهِ؟ قَوْلانِ.
(الشرح)
قوله: (وَإِنِ اشْتَرَى جَارِيةً لِنَفْسِهِ، فَلِلآخَرِ رَدُّهَا، إِلا لِلْوَطْءِ بِإِذْنِهِ) اعلم أن أحدهما إذا ابتاع جارية من المال فله ثلاثة أوجه، أشار بهذا الكلام إلى اثنين منهما (2)، والثالث يأتي بعدهما، فالأول إذا ابتاعها (3) لنفسه، ابن يونس: يريد: ولم يطأها بعد فللشريك الآخر أن يمضي له ذلك أو يردها للشركة، وقاله في المدونة (4)، والوجه الثاني أن يبتاعها للوطء بإذن شريكه (5)، فلا شك أن شريكه قد أسلفه نصف ثمنها وأن ربحها له وعليه نقصها، وهو معنى قوله:(إِلا لِلْوَطْءِ بِإِذْنِهِ) أي فليس لشريكه فيها بعد ذلك خيار.
قوله: (وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ الشِّرْكَةِ بِإِذْنِهِ، أَوْ بغَيْرِ إِذْنِهِ وَحَمَلَتْ قُوِّمَتْ) هذا هو الوجه الثالث، وهو أن يبتاع الجارية للتجارة، ثم يطأهَا، فإن كانت بإذن شريكه وقد اشتراها للوطء (6)، وحملت فإنها تقوّم عليه، وكذلك إن ابتاعها للتجارة (7)، ووطئها بإذن
(1) في (ن): (السعرين). وانظر: التبصرة، للخمي، ص:4832.
(2)
في (ن): (منها).
(3)
قوله: (إذا ابتاعها) يقابله في (ن): (منهما أن يبتاعها).
(4)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 564.
(5)
في (ن): (صاحبه).
(6)
قوله: (وقد اشتراها للوطء) يقابله في (ن 4): (فكالأمة المحللة).
(7)
في (ن 4): (للوطء).
شريكه، فإن وطئها بغير إذن شريكه فحملت فالمشهور الفرق بين المليّ والمعدم (1)، وعلى هذا فقوله:(أو بِغَيْرِ إِذْنِهِ (2)) أي: وهو مليّ بثمنها.
قوله: (وَإِلا فَلِلآخَرِ إِبْقَاؤُهَا، أَوْ مُقَاوَاتُهَا) أي: فإن لم تكن قد حملت فللشريك (3) إبقاؤها على الشركة أو مقاومتها (4)، يعني: أن كل واحد منهما يزيد فيها حتى تقف على ثمن (5) فيأخذها صاحب العطاء بذلك، وهو ظاهر قول مالك في المدونة، وتممّه ابن القاسم، فقال: وإن شاء الشريك أنفذها لشريكه الذي وطئها بالثمن الذي ابتاعها به، فإن لم ينفذها بالثمن له، ، وقال: لا أقاويه (6) لكن أردّها في الشركة لم يكن له ذلك (7)، وقال غيره لشريكه ذلك، ويمضيها (8) له (9) بالثمن الذي اشتراها به (10)، واختار اللخمي جواز إبقائها على الشركة إن فعل الشريك ذلك جهلًا معتقدًا الجواز، وإلا فإن وطئها عالمًا بالتحريم فلا يجوز إبقاؤها على الشركة إلا أن تكون بيد الشريك الآخر، بشرط كونه مأمونًا.
قوله: (وَإِنِ اشْتَرَطَ نَفْيَ الاسْتِبْدَادِ فَعِنَانٌ) هذه هي شركة العِنان مأخوذة من عِنان الفرس أو من "عنَّ" إذا عرض، ويقال بفتح العين وكسرها، وفسرها هنا كما في الجواهر بما إذا اشترط كل واحد (11) من الشريكين على صاحبه ألا يفعل شيئًا حتى يشاركه فيه، وقال في المقدمات: هي الاشتراك في شيء خاص (12)، وحكى الاتفاق على جوازها
(1) في (ن): (العديم).
(2)
قوله: (إِذْنِهِ) يقابله في (ن 3): (إذن وليه).
(3)
زاد بعده في (ن): (الآخر).
(4)
قوله: (أي: فإن لم تكن قد
…
الشركة أو مقاومتها) ساقط من (ن 5).
(5)
في (ن 3): (ثمنها).
(6)
في (ن 3) و (ن 5): (أقا ومه).
(7)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 564.
(8)
في (ن 5): (أو يمضيها).
(9)
قوله: (له، وقال: لا أقاويه
…
ذلك، ويمضيها له) ساقط من (ن 3).
(10)
انظر: عقد الجواهر: 2/ 822.
(11)
قوله: (واحد) ساقط من (ن).
(12)
انظر: المقدمات الممهدات: 2/ 207.
ونحوه لابن عبد الحكم، وقيل: هي الشركة في كل شيء إلا (1) في نوع خاصّ كالبُر (2) ونحوه، وقيل: إلا في فرد خاصّ كالثوب ونحوه.
قوله: (وَجَازَ لِذِي طَيْرٍ وَذِي طَيْرةٍ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الشِّرْكةِ فِي الْفَرَاخِ) أي: أنه يجوز لصاحبي طيرين ذكر و (3) أنثى أن يتفقا على أن يزوجا الذكر الأنثى، ويكون ما حصل من الفراخ بينهما -وهو ظاهر- (4) إذا كانت مئونتهما عليهما وإلا فلا، إلا أن يتطوع بذلك بعد العقد فلا بأس به.
قوله: (وَاشْتَرِ لِي وَلَكَ، فَوَكَالَةٌ) يريد: أن قول الرجل للآخر اشترِ هذا الشيء لي ولك وكالة، أي: في النصف الذي ابتاعه له، يريد: وكالة مقصورة على الشراء لذلك لا تتعدى إلى غيره، وليس له بيعه إلا بإذن شريكه.
قوله: (وَجَازَ: وَانْقُدْ عَنِّي، إِنْ لَمْ يَملْ: وَأَبِيعُهَا لَكَ) فإن قال (5): اشترها لي ولك وانقد عني ما يخصني من الثمن جاز إن لم يقل (6): وأنا أبيعها لك (7)، فإن قال ذلك لم يجز، قال في الموطأ: لأن ذلك سلف يسلفه إياه على أن يبيعها له (8).
قوله: (وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا، إِلا أَنْ يَقُولَ: وَاحْبِسْهَا، فكَالرَّهْنِ) يعني: أن المشتري إذا نقد الثمن على الوجه الذي ذكره (9) فليس له حبس السلعة حتى يقبض ثمنها إلا أن يقول له الآمر (10): واحبسها، فتصير حينئذ كالرهن.
قوله: (وَإِنْ أسْلَفَ غيرُ الْمُشْتَرِي جَازَ) أي: فإن كان السلف (11) من غير المشتري
(1) قوله: (في كل شيء إلا) ساقط من (ن).
(2)
في (ن) و (ن 4): (كالبز).
(3)
في (ن): (أو).
(4)
قوله: (وهو ظاهر) يقابله في (ن 5): (وهذا).
(5)
زاد بعده في (ن): اله).
(6)
زاد بعده في (ن): (له).
(7)
قوله: (فإن قال: اشترها لي
…
وأنا أبيعها لك) ساقط من (ن 5).
(8)
انظر: الموطأ: 2/ 676.
(9)
قوله: (الذي ذكره) يقابله في (ن): (المذكور).
(10)
قوله: (الآمر) زيادة من (ن 5).
(11)
قوله: (فإن كان السلف) يقابله في (ن 3) و (ن 4): (وإن أسلف).
فإن ذلك جائز، واختلف قول مالك فيمن أسلف رجلًا ليشاركه، وذلك على وجه المعروف والرفق به (1)، فمرة أجازه ومرة كرهه، واختار ابن القاسم جوازه، وإن كان أسلفه لبصيرته في التجارة وتشاركا على ذلك لم يجز (2)؛ لأنه سلف جرّ نفعًا (3)، وإليه أشار بقوله:(إِلا لِكَبَصِيرَةِ الْمُشْتَرِي).
قوله: (وَأُجْبِرَ عَلَيْهَا، إِنِ اشْتَرَى شَيْئًا بِسُوقِهِ، لا (4) لِكَسفر أَوْ قِنْيَةٍ، وَغَيْرُهُ حَاضِرٌ لَمْ يَتكَلَّمْ مِنْ تُجَّارهِ) يريد: أن من اشترى شيئًا من طعام، أو غيره في سوقه الذي يباع فيه عادة لا (5) لأجل سفره به أو قنيته وغيره ممن هو من أهل ذلك حاضر معه لم يتكلم، وأراد أن يدخل معه فيه، أجبر له المشتري على ذلك وهذه المسألة تعرف بشركة الجبر، وبها قضى عمر واتفق عليها مالك وأصحابه، وقال أشهب: إنما ذلك في الطعام خاصة (6)، وأما إن لم يكن اشترى ذلك للتجارة وإنما هو (7) لسفره به أو لقنيته فلا جبر، ويصدق أنه ابتاعه لغير التجارة مع يمينه، إلا أن يظهر كذبه لكثرة ما ابتاع من ذلك، فلو لم يكن غيره من تجّار ذلك حاضرًا معه أو كان وزايده (8) حتى أخذه فلا كلام له، وكذا إن لم يكن من تجاره (9) خلافًا لعبد الملك.
قوله: (وَهَلْ وَفي الزُّقَاقِ لا كبيته قولان (10)) أي: وهل ولو (11) ابتاع ذلك في الزقاق ويكون كما لو ابتاعها (12) في السوق، وهو قول ابن حبيب أولًا، ويختص به مشتريه،
(1) قوله: (به) ساقط من (ن).
(2)
قوله: (لم يجز) ساقط من (ن 4).
(3)
في (ن): (منفعة).
(4)
في (ن 3) و (ن 4): (! لا).
(5)
قوله: (لا) ساقط من (ن).
(6)
انظر: التوضيح: 6/ 366.
(7)
في (ن) و (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (اشتراه).
(8)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (وزائده).
(9)
قوله: (تجاره) يقابله في (ن 5): (تجار تلك السلعة).
(10)
قوله: (لا كبيته قولان) ساقط من (ن 4).
(11)
في (ن): (إذا).
(12)
في (ن): (ابتاعه).
وهو قول أصبغ وغيره، قال في البيان: وأما ما ابتاعه الرجل في حانوته أو داره، فلا شركة لأحد ممن حضره (1) فيه باتفاق (2)، ولهذا أخرجه من محل الخلاف، ودلّت كاف التشبيه على أن الحانوت ونحوه كالبيت.
(المتن)
وَجَازَتْ بِالْعَمَلِ إِنِ اتَّحَدَ، أَوْ تَلازَمَ، وَتَسَاوَيَا فِيهِ، أَوْ تَقَارَبَا، وَحَصَلَ التَّعَاوُنُ، وَإِنْ بمَكَانَيْنِ، وَفِي جَوَازِ إِخْرَاجِ كُلٍّ آلَةً وَاسْتِئْجَارِهِ مِنَ الآخَرِ، أَوْ لا بُدَّ مِنْ مِلْكٍ أَوْ كِرَاءٍ؟ تَأْوِيلانِ. كَطَبِيبَينِ اشْتَرَكَا فِي الدَّوَاءِ، وَصَائِدَيْنِ فِي الْبَازينِ. وَهَلْ وَإِنِ افْتَرَقَا؟ رُوِيَتْ عَلَيْهِمَا. وَحَافِرَيْنِ بِكَرِكَازٍ، وَمَعْدِنٍ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُة بَقِيَّتَه، وَأَقْطَعَهُ الإِمَامُ وَقُيِّدَ بِمَا لَمْ يَبْدُ، وَلَزِمَهُ مَا يَقْبَلُهُ صَاحِبُهُ وَضَمَانُهُ وَإِنْ تَفَاصَلا. وَأُلْغِيَ مَرَضُ كَيَوْمَيْنِ وَغَيْبَتُهُمَا، لا إِنْ كَثُرَ، وَفَسَدَتْ بِاشْتِرَاطِهِما كَكَثِيرِ الآلَةِ، وَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ كَالصَّحِيحَةِ؟ تَرَدُّدٌ.
(الشرح)
قوله: (وَجَازَتْ بِالْعَمَلِ، إِنِ اتَّحَدَ) هذه شركة العمل (3)، واتفق عندنا على جوازها بشروط منها اتحاد العمل، فلو اشترك خياط وحداد ونحوهما من مختلفي الصنعة لم يجز لما في ذلك من الغرر، إذ تنفق (4) صنعة هذا دون هذا، فيأخذ من صاحبه ما لا يستحقه، ويلحق بهذا (5) ما إذا كان العمل متلازمًا مثل النسج والخدمة، ولهذا قال:(أَو تَلازَمَ (6)).
اللخمي: وليس ذلك (7) كالصنعتين المختلفتين؛ لأنهما هنا إما أن يعملا جميعًا أو يتعطلا جميعًا، فلم يكن هنا غرر (8).
قوله: (وَتَسَاوَيَا فِيهِ أَوْ تَقَارَبَا) أي: ومن شروط ذلك أيضًا أن يتساويا في العمل أو
(1) في (ن 3): (حضر).
(2)
انظر: البيان والتحصيل: 8/ 51.
(3)
في (ن 3): (الأعمال).
(4)
في (ن): (قد تتفق).
(5)
في (ن): (بها).
(6)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (وتلازم).
(7)
قوله: (ذلك) زيادة من (ن 5).
(8)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:4799.
يتقاربا فيه، فلو اختلف عملهما فسدت الشركة إلا إذا كان (1) الربح على قدر التفاوت، فيكون بينهما على قدر (2) ذلك.
وقوله (3): (وَحَصَلَ التَّعَاوُنُ) أشار بهذا (4) إلى الشرط الثالث، وهو أن يحصل لهما التعاون بالاشتراك، فإن لم يحصل لهما تعاون (5) فلا، وقاله في العتبية. ابن رشد: لأن شركة الأبدان لا تجوز إلا فيما يحتاج الاشتراك فيه إلى التعاون؛ لأنهما متى اشتركا (6) على أن يعمل كل واحد منهما على حدة كان (7) من الغرر البَيِّن (8).
قوله: (وَإِنْ بِمَكَانَيْنِ) يريد: أنه لا يشترط في شركة العمل اتحاد المكان، وفي المدونة: لا يجوز إلا أن يعملا في حانوت واحد، فإن عملا في قريتين أو حانوتين لم يجز (9)، وأجاز ذلك في العتبية إذا اتحدت الصنعة (10) عياض: وحمله شيوخنا على أنهما يتعاونان في الموضعين، واتفاق صنعتهما في الموضعين سواء (11)، فهو وفاق؛ إذ ليس المقصود من الجلوس في موضع واحد إلا التعاون.
قوله: (وَفي جَوَازِ إِخْرَاجِ كلٍّ آلَةً وَاسْتِئْجَاره مِنَ الآخَرِ (12)، أَوْ لا بُدَّ مِنْ مِلْكٍ أَوْ كِرَاءٍ؟ تَأْوِيلانِ) يعني: أنه (13) اختلف هل يخرج كل واحد من الشريكين آلة مساوية
(1) قوله: (إلا إذا كان) يقابله في (ن 5): (وكان).
(2)
في (ن): (مقدار).
(3)
قوله: (وقوله) يقابله في (ن): (ثم أشار بقوله).
(4)
قوله: (أشار بهذا) ساقط من (ن).
(5)
في (ن): (التعاون بينهما).
(6)
في (ن): (اشتركوا).
(7)
قوله: (منهما على حدة كان) يقابله في (ن): (كان ذلك).
(8)
انظر: البيان والتحصيل: 12/ 32.
(9)
انظر: المدونة: 3/ 595.
(10)
انظر: النوادر والزيادات: 7/ 333.
(11)
انظر: التوضيح: 6/ 362.
(12)
قوله: (مِنَ الآخرِ) يقابله في (ن 4): (من غير الآخر)، وفي (ن 5):(على الآخر).
(13)
زاد بعده في (ن): (إذا).
للآلة الأخرى (1) أو لا بد من اشتراكهما فيهما (2) بملك أو كراء من غيرهما ليضمناها، والأول مذهب سحنون، وتأوّل بعضهم المدونة عليه، وتأولها غيره على الثاني، واختلف أيضا هل يجوز لأحدهما أن يخرج جميع الآلة من عنده، ويؤاجر نصفها لصاحبه، أو لا بد من اشتراكهما فيهما (3) بملك أو كراء من غيرهما، عياض وغيره: والأول ظاهر المذهب، ابن عبد السلام: وهو المشهور، والثاني لابن القاسم وغيره، وعليهما (4) تأولت المدونة أيضا (5)، ولهذا جمع الشيخ المسألتين، وأخبر أن الخلاف فيهما متأوّل على المدونة.
قوله: (كَطَبِيبَيْنِ اشْتَرَكَا في الدَّوَاءِ) يريد: إذا كان طبّهما واحدًا كطبانعيين (6) أو جراحين أو كحالين، فلو اختلف طبّهما لم تجز، قاله اللخصي (7) وابن يونس وغيرهما.
قوله: (وَصَائِدَيْنِ فِي الْبَازينِ (8)، وَهَلْ وَإِنِ افْتَرَقَا؟ رُوِيتْ عَلَيْهِمَا) يعني: وكذلك يجوز أن يشتركا في الصيد ببازيهما (9)، قال في بعض روايات المدونة: إذا كان طلبهما وأخذهما واحدًا لا يفترقان (10)، وفي بعضها ما ظاهره جواز الافتراق (11)، وقاله في الواضحة، وإلى هذا أشار بالتأويلين (12)، وفي المدونة عن ابن القاسم: لا بأس أن يشتركا في حفر القبور والمعادن والآبار والعيون والبنيان، وفي طلب الكنوز والدفائن
(1) قوله: (للآلة الأخرى) يقابله في (ن): (لآلة الآخر).
(2)
في (ن): (فيها).
(3)
في (ن): (فيها).
(4)
في (ن): (عليه).
(5)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 549.
(6)
في (ن 3): (كطبيعين)، وفي (ن 4):(كصباغين)، وفي (ن):(كطبايعين).
(7)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:4804.
(8)
في (ن): (البازيين).
(9)
في (ن): (ببازين).
(10)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 551.
(11)
قوله: (الافتراق) يقابله في (ن 4): (الاشتراء وإن افترقا).
(12)
قوله: (أشار بالتأويلين) يقابله في (ن): (أشار بقوله: "رُوِيَتْ عَلَيْهِمَا").
والرِّكاز (1)، وإلى (2) هذا أشار بقوله:(وَحَافِرَيْنِ بِكَرِكَازٍ، وَمَعْدِنٍ).
قوله: (وَلَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ (3) بَقِيَّتَهُ) هذا (4) إشارة لقوله في المدونة: ومن مات منهما بعد إدراك النيل لم يُورث حظه من المعادن، والسلطان يقطعه لمن يشاء (5)، وقال سحنون: إذا مات بعد إدراك النيل فإنه يُورث عنه؛ لأنه لم يُدرك (6) إلا بنفقة، وقال أشهب: ورثته أحق به، وإن لم يدرك نيله (7)، وظاهر قوله هنا (بقيته) أنهما أخرجا شيئًا من ذلك اقتسماه (8)، وبقيت (9) منه بقية، وظاهر قوله في المدونة: إنما أدرك (10) النيل فقط (11)، وتأوّلها القابسي على ما قال هنا، قال (12): ولم يتكلم ابن القاسم على أنهما لم يخرجا شيئًا.
قوله: (وَأَقْطَعَهُ الإِمَامُ) هكذا قال في المدونة (13)، سحنون: وإن لم يكن هذا (14) سنة فلا ينبغي، أي: إن كان هذا (15) من الشارع وعمل (16) به صح ما قال وإلا فلا، ولهذا حمل بعضهم كلامه في المدونة على أنه ما (17) لم يُدرك نيلًا (18)، وإليه أشار بقوله: (وَقُيِّدَ
(1) انظر: تهذيب المدونة: 3/ 551.
(2)
زاد بعده في (ن): (جميع).
(3)
في (ن 3): (وارث).
(4)
في (ن): (هو).
(5)
انظر: المدونة: 3/ 602، وتهذيب المدونة: 3/ 552.
(6)
في (ن): (يدركه).
(7)
انظر: الذخيرة: 8/ 40.
(8)
في (ن): (واقتسماه).
(9)
في (ن 5): (أو بقيت).
(10)
قوله: (إنما أدرك) يقا بله في (ن 5): (أنها إنما أدركت)، وفي (ن) و (ن 3):(إنهما أدركا).
(11)
انظر: المدونة: 3/ 602.
(12)
قوله: (قال) ساقط من (ن) و (ن 3).
(13)
انظر: المدونة: 3/ 602.
(14)
في (ن): (هناك).
(15)
قوله: (هذا) ساقط من (ن).
(16)
في (ن): (أو عمل).
(17)
قوله: (ما) ساقط من (ن).
(18)
في (ن 3): (قبلًا).
بِما لَمْ يَبْدُ).
قوله: (وَلَزِمَهُ مَا (1) يَقْبَلُهُ صَاحِبُهُ وَضَمانُهُ وَإِنْ تَفَاصَلا) يريد: أن أحد الشريكين؛ أي (2): شريكي العمل إذا قبل شيئًا ليعمل (3) لزم صاحبه عمله، ولزمه أيضا ضمانه ولو (4) افترقا، قاله في المدونة (5).
قوله: (وَأُلْغِيَ مَرَضُ كَيَوْمَيْنِ وَغَيْبَتُهُما، لا إِنْ كَثُرَ) أي: إذا مرض أحد شريكي العمل يومًا أو يومين أو غاب مثل ذلك وعمل شريكه، فإن المرض يلغي أو الغيبة، ويكون ما عمله الآخر بينهما، قال في المدونة: إلا (6) ما تفاحش من ذلك وطال (7)، فإن العامل يكون أحق به، ولهذا قال هنا:(لا إن كثر).
قوله: (وَفَسَدَتْ باشْتِرَاطِهِما (8) كَكَثِيرِ الآلَةِ) أي: فإن اشتركا (9) على أن من مرض منهما (10) مرضًا كثيرًا أَو غاب غيبة بعيدة يكون ما عمل الآخر بينهما فإن الشركة تفسد، وقاله في المدونة (11)، وكذلك إذا تطوع أحدهما بآلة لها خطب وبال، قال في المدونة: ولم تجز الشركة حتى يشتركا في ملكهما أو يكري أحدهما من صاحبه نصفها (12)، قال: وإن تطوع (13) أحد القصّارين على صاحبه بشيء تافه (14) من الماعون لا قدر له في الكراء
(1) في (ن 5): (بما).
(2)
قوله: (الشريكين؛ أي) ساقط من (ن).
(3)
في (ن): (فعمل).
(4)
في (ن): (فين).
(5)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 549.
(6)
في (ن 5): (لأن).
(7)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 549.
(8)
في (ن): (باشتراطه).
(9)
في (ن 5): (اشترطا).
(10)
قوله: (منهما) ساقط من (ن).
(11)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 548.
(12)
انظر: المدونة: 3/ 596.
(13)
في (ن 5): (تطاول).
(14)
في (ن 3): (باعه).
مثل قصرية ومدقّة جاز (1)، وعن (2) هذا ومثله احترز بقوله:(كَكَثيرِ الآلَةِ).
قوله: (وَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ كَالصَّحِيحَةِ ترَدُّدٌ) يعني: انه اختلف إذا فسدت الشركة ومرض أحدهما يومين أو غاب وعمل الآخر، هل يلغى ذلك كما في الشركة الصحيحة (3)، وإليه ذهب بعض القرويين، أو لا يلغى، وإليه ذهب بعضهم، واقتصر اللخمي عليه.
(المتن)
وَبِاشْتِرَاكِهِمَا بِالذِّمَمِ أَنْ يَشْتَرِيَا بِلا مَالٍ، وَكَبَيْعِ وَجِيهٍ مَالَ خَامِلٍ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ، وَكَذِي رَحًى وَذِي بَيْتٍ، وَذِي دَابَّةٍ لِيَعْمَلُوا، إِنْ لَم يتَسَاوَ الْكِرَاءُ وَتَسَاوَوْا فِي الْغَلَّةِ، وَتَرَادُّوا الأَكرِيَةَ، وَإِنِ اشْتُرِطَ عَمَلُ رَبّ الدَّابَّةِ فَالْغَلَّةُ لَهُ، وَعَلَيْهِ كِرَاؤُهُمَا. وَقُضِيَ على شَرِيكٍ فِيمَا لا يَنْقَسِمُ أَنْ يُعَمِّرَ أَو يَبِيعَ، كَذِي سُفْلٍ إِنْ وَهَي وَعَلَيْهِ التَّعْلِيقُ وَالسَّقْفُ، وَكَنْسُ مِرْحَاضٍ لا سُلَّمٌ، وَبعَدَمِ زِيَادَةِ الْعُلُوّ، إِلَّا الْخَفِيفَ، وَبِالسَّقْفِ لِلأَسْفَلِ، وِبالدَّابَّةِ لِلرَّاكِبِ، لا مُتَعَلِّقٍ بِلِجَامٍ، وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُم رَحًى إِذَا أَبَيَا، فَالْغَلَّةُ لَهُمْ، وَيَسْتَوْفِي مِنْهَا مَا أَنْفَقَ، وَبالإِذْنِ فِي دُخُولِ جَارِهِ لإصْلاحِ جِدَارٍ وَنَحْوِهِ،
(الشرح)
قوله: (وَبِاشْتِرَاكِهِما بِالذِّمَمِ) هذه شركة الذمم وهي فاسدة، ولهذا عطفها على قوله:(وَفَسَدَتْ باشْتِرَاطِهِ كَكَثيرِ الآلَةِ).
قوله: (أَنْ يَشْتَرِيا (4) بِلا مَالٍ (5)) هكذا فسرها عبد الوهاب، فقال: هي أن يشتركا على الذمم بغير مال ولا صنعة حتى إذا اشتريا شيئًا كان في ذمّتهما، وإذا باعاه اقتسما ربحه ونحوه في الجواهر (6)، وفسدت على هذا لكونها من باب تحمل عني وأتحمل عنك، وأسلفني وأسلفك، وذلك ضمان بجعل وسلف جر منفعة (7).
(1) انظر: المدونة: 3/ 596.
(2)
في (ن): (غير).
(3)
انظر: المدونة: 3/ 598.
(4)
في (ن 3) و (ن 4): (يشتركا).
(5)
زاد بعده في (ن): (وهو بينهما).
(6)
انظر: عقد الجواهر: 2/ 821.
(7)
في (ن): (نفعًا).
قوله: (وَكَبَيْعِ وَجِيهٍ مَالَ خَامِلٍ بِجُزْءٍ منْ رِبْحِهِ) هكذا قال بعض أهل العلم، ومعنى هذا؛ أن يكسد عند شخص بضاعة لعدم وجاهته وكثرة خموله، فيأتي إلى الرجل الوجيه فيتفق معه على أن يبيعها له على أن يكون له جزء من ربحها، وفسدت على هذا الوجه لكونها إجارة مجهولة، وفيها تدليس على الغير، لأن كثيرًا من الناس يرغب في الشراء من أملياء (1) السوق لاعتقادهم أنهم لا يتجرون إلا في الجيد، وأن فقراءهم بالعكس.
قوله: (وَكَذِي رَحًى وَذِي بَيْتٍ وَذِي دَابَّةٍ ليَعْمَلُوا، إِنْ لَمْ يَتَسَاوَ الْكِرَاءُ وَتَسَاوَوْا في الْغَلَّةِ، وَترَادّوا الأَكرِيَةَ) أشار بهذا إلي قول ابن القاسم في المدونة: وإذا اشترك ثلاثة أتى أحدهم برحى والآخر بدابة والثالث (2) بالبيت على أن يعملوا بأيديهم والكسب بينهم أثلاثًا، فعملوا على ذلك وجهلوا أنه لا يجوز، فما أصابوا يقسم بينهم أثلاثا إن كان كراء البيت والرحى والدابة معتدلا وتصح الشركة (3) ثم قال: وإن كان كراء ما أخرجوه مختلفًا قسم المال بينهم (4) أثلاثًا (5)، لأن رؤوس أموالهم عمل أيديهم (6)، وقد تكافلوا (7) فيه، ويرجع من له فضل الكراء على صاحبيه فيترادان (8) فيما بينهم، ولم يتراجعوا في عمل أيديهم لتساويهم فيه (9).
قوله: (وَإِنِ اشْتُرِطَ عَمَلُ رَبِّ الدَّابَّةِ فَالْغَلَّةُ لَهُ، وَعَلَيْهِ كِرَاؤُهُمَا) أي: فإن اشترط صاحب البيت والرحى العمل على رب الدابة فعمل على ذلك فالغلة كلها له، وعليه كراؤهما (10)، قال في المدونة: لأن عمله كأنه رأس المال، ثم قال (11): وعليه أجر الرحى
(1)(في (ن 5): (أولياء).
(2)
في (ن): (والآخر).
(3)
انظر: تهذيب المدونة: 3/ 549.
(4)
زاد بعده في (ن): (ولم يتراجعوا في عمل أيديهم لتساويهم فيه).
(5)
قوله: (إن كان كراء البيت
…
قسم المال بينهم أثلاثًا) ساقط من (ن 4).
(6)
في (ن): (أبدانهم).
(7)
في (ن) و (ن 3) و (ن 4): (تكافوا).
(8)
زاد بعده في (ن): (ذلك).
(9)
نظر: تهذيب المدونة: 3/ 549.
(10)
قوله: (وعيه كراؤهما) ساقط من (ن) و (ن 5).
(11)
قوله: (ثم قال) ساقط من (ن 4).
والبيت وإن لم يصب (1) شيئًا (2).
قوله: (وَقُضِيَ عَلَى شَرِيكٍ (3) فِيما لا يَنْقَسِمُ (4) أَنْ يُعَمِّرَ أَوْ يَبِيعَ) يريد: أن الشريك إذا ادّعى (5) شريكه إلى إصلاح ما لا ينقسم من رَبع أو غيره فأبى من ذلك، فإن الممتنع يقضى عليه إما بالإصلاح أو بالبيع ممن يصلح، فإن لم يفعل وإلا باع الحاكم عليه (6) بقدر ما يعمر به.
قوله: (كَذِي سُفُلٍ، إِنْ وَهَي) أي: فإن كان لأحدهما السفل وعلوه للآخر، فإنه يقضي على صاحب السفل إذا وهَى وخيف على العلو السقوط بسببه أن يعمره أو يبيع لمن يعمر؛ لأن لصاحب العلو الانتفاع بالسفل وعليه دخلا، فيجبر له على ذلك.
قوله: (وَعَلَيْهِ التَّعْلِيقُ وَالسَّقْفُ، وَكَنْسُ مِرْحَاضٍ) أي: وكذا على صاحب السفل إذا وهى تعليق العلو إذا احتاج إلى ذلك؛ لأن التعليق بمنزلة البناء (7)، وقد علمت أن عليه البناء، وهذا هو المعروف، وقيل: التعليق على صاحب العلو، واستحسنه اللخمي (8)، وعلى صاحب السفل أيضا السقف الساتر على بيته؛ لأن السفل لا يسمى بيتًا إلا به، ولا خلاف فيه (9) وكنس مرحاض على صاحب السفل، ورمي ما فيه لأنه له وإنما لصاحب العلو الارتفاق به (10) وهو قول ابن القاسم وأشهب، وقال ابن وهب (11) وأصبغ: ذلك على الجميع على قدر الجماجم (12)، وقيل: إن كان محفورًا في
(1) قوله: (لم يصب) يقابله في (ن 3): (يصب).
(2)
انظر: المدونة: 3/ 598.
(3)
في (ن 5): (شريكه).
(4)
في (ن): (يقسم).
(5)
في (ن 4): (دعا).
(6)
قوله: (عليه) زيادة من (ن).
(7)
في (ن 4): (البقاء).
(8)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:5967.
(9)
قوله: (ولا خلاف فيه) زيادة من (ن 5).
(10)
قوله: (ورمي ما فيه لأنه
…
العلو الارتفاق به) ساقط من (ن 3).
(11)
في (ن 3): (ابن نافع).
(12)
قوله: (ذلك على الجميع على قدر الجماجم) يقابله في (ن): (على قدر الجميع). وانظر: النوادر =
رقبة الدار فكالأول وإلا فكالثاني (1).
قوله: (لا سُلَّمٌ) أي: فإنه على صاحب العلو؛ لأنه الذي ينتفع به، وقاله ابن القاسم في مختصر ابن عبد الحكم، وحكي أبو محمد بن أبي زيد أنه على صاحب السفل كالسقف.
قوله: (وَبِعَدَمِ زِيادَةِ الْعُلُوِّ، إِلا الخفِيفَ) أي وقضى بعدم زيادة العلو إذا أراد ربه أن يزيد فيه زيادة كثيرة تضر بجدار صاحب السفل بخلاف الخفيف (2) الذي لا يضر به، فإنه لا يمنع منه.
قوله (وَبِالسَّقْفِ للأسفل) أي: وكذا يقضى بالسقف الأسفل (3) لصاحب السفل (4) إذا تنازعاه، قال بعضهم: وهو مجمع عليه.
قوله: (وَبِالدَّابَّةِ لِلرَّاكِبِ، لا مُتَعَلِّقٍ بِلِجَامٍ) أي: وقضي بالدابة للراكب إذا تنازع مع من هو آخذ بلجامها، يريد: مع عدم البينة وإلا فهي لمن أقامها.
قوله: (وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَ (5) رَحًى إِذَا أَبَيَا فَالْغَلَّةُ لَهُمْ، ويسْتَوْفي مِنْهَا مَا أَنْفَقَ) أي: إذا كان بين ثلاثة رحًى مشتركة (6) فأقامها أحدهم بعد أن امتنع صاحباه من عمارتها، فإن الغلة لهم، ويستوفي هو منها ما أنفق على العمارة، وقاله ابن القاسم وعبد الملك، وعن ابن القاسم أيضا: الغلة كلها لمقيمها، وعليه أجرة نصيبهما خرابًا (7)، وعنه أنه يكون شريكًا في الغلة بما زادته عمارته، فإذا كانت أجرتها عشرة وبعد العمارة خمسة عشر فله ثلث الغلة بالعمارة، وقسم الباقي بينهم أثلاثًا، ثم من أراد أن يدخل معه دفع ما ينوبه من قيمة ذلك يوم دفعه (8)، وبهذا القول قال ابن دينار.
= والزيادات: 11/ 107.
(1)
انظر: النوادر والزيادات: 11/ 107.
(2)
قوله: (أي وقضى بهدم زيادة
…
السفل بخلاف الخفيف) ساقط من (ن 4).
(3)
قوله: (الأسفل) ساقط من (ن 5).
(4)
زاد بعده في (ن): (على صاحب العلو).
(5)
قوله: (أَحَدُهُمَ) ساقط من (ن).
(6)
في (ن): (شركة).
(7)
في (ن 5): (جزءًا).
(8)
انظر: التوضيح: 6/ 370، وجامع الأمهات: 1/ 594.
قوله: (وَبِالإِذْنِ (1) في دُخُولِ جَارِهِ لإِصْلاحِ جِدَارِ وَنَحْوِه) أي: وكذا يقضى على الجار أن يأذن لجاره في دخول داره لإصلاح جدار أو خشبة أو نحو ذلك ارتكابًا لأخف الضررين.
(المتن)
وَبِقِسْمَتِهِ إِنْ طُلِبَتْ لا بِطُولِهِ عَرْضًا، وَبِإِعَادَةِ السَّاتِرِ لِغَيْرِهِ، إِنْ هَدَمَهُ ضَرَرًا لا لإِصْلاحَ، أَوْ هَدْمٍ، وَبِهَدْمِ بِنَاءٍ بِطَرِيقٍ، وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ، وَبِجُلُوسِ بَاعَةٍ بِأَفْنِيَةِ الدُّورِ لِلْبَيْعِ، إِنْ خَفَّ، وَلِلسَّابِقِ كَمَسْجِدٍ، وَبِسَدِّ كَوَّةٍ فُتِحَتْ أُرِيدَ سَد خَلْفَهَا، وَبِمَنْعٍ دُخَانٍ: كَحَمَّامٍ، وَرَائِحَةِ كَدِبَاغٍ، وَأَنْدَرٍ قِبَلَ بَيْتٍ، وَمُضِرٍّ بِجِدَارٍ، وَاصْطَبْلٍ، أوْ حَانُوتٍ قُبَالَةَ بَابٍ، وَبِقْطَعِ مَا أضَرَّ مِنْ شَجَرَةٍ بِجِدَارٍ، إِنْ تَجَدَّدَتْ، وَإِلَّا فَقَوْلانِ، لا مَانِعِ ضَوْءٍ وَشَمْسٍ، وَرِيحٍ، إِلَّا لِأَنْدَرٍ، وَصَوْتِ كَكَمْدٍ، وَبَابِ لِسِكَّةٍ نَافِذَةٍ، وَرَوْشَنٍ وَسَابَاطٍ لِمَنْ لَهُ الْجَانِبَانِ: بسِكَّةٍ نَافِذَةٍ، وَإِلَّا فَكَالْمِلْكِ لِجَمِيعِهِمْ، إِلَّا بَابًا، إِنْ نكِّبَ،
(الشرح)
قوله: (وَبِقِسْمَتِهِ إِنْ طُلِبَتْ) أي: وكذا يقضى بقسمة الجدار المشترك (2) إذا كان مما يقبل القسمة إذا طلب ذلك أحدهما، وهو قول ابن القاسم في المدونة بشرط نفي الضرر.
قوله: (لا بِطُولِهِ عَرْضًا) أي: فلا يقضي بذلك؛ لأنه مما يضر، وقد قال ابن القاسم: إذا كان لهذا جذع من جهة (3) وللآخر مثله من الجهة الأخرى إنَّ الجدار لا يقسم حينئذ، ويتقاوياه (4) بمنزلة ما لا يقسم من العروض والحيوان.
قوله: (وَبِإِعَادَةِ السَّاتِرِ لِغَيْرِهِ، إِنْ هَدَمَهُ ضَرَرًا) أي: إذا كان جداره ساترًا لغيره فهدمه ضررًا، فإنه يقضي عليه بإعادته كما كان، ولا خلاف في ذلك.
قوله: (لا لإِصْلاحٍ أَوْ هَدْمٍ) أي: فإنه لا يقضى عليه بإعادته إذا هدمه لإصلاح أو انهدم بنفسه، وقاله ابن القاسم في العتبية، وفيها عنه إذا انهدم بغير فعل ربه ولم يكن
(1) قوله: (وَبِالإِذْنِ) يقابله في (ن): (وبلا إذن).
(2)
قوله: (المشترك) ساقط من (ن).
(3)
في (ن): (هنا).
(4)
في (ن 3): (يتقاوماه).
قادرًا على إعادته فإنه يعذر، ويقال للآخر: استر على نفسك إن شئت (1).
قوله: (وَبِهَدْمِ بِنَاءٍ بِطَرِيقٍ، وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ) أي: وقضي بهدم بناء في طريق المسلمين، ولا خلاف أن ما يضر بالناس يهدم، وكذلك ما لا يضر على المشهور خلافًا لأصبغ، وعن مالك قول بالكراهة.
قوله: (وَبِجُلُوسِ بَاعَةٍ بِأَفْينةِ الدُّورِ لِلْبَيْعِ إِنْ خَفَّ) أي: وكذا يقضي للباعة بالجلوس للبيع في أفنية الدور فيما خف.
أصبغ: إنما يجوز ذلك إذا لم يضيقوا الطريق على الناس أو يمنعوا المارة أو يضروا بالناس. (2)
قوله: (وَللسَّابِقِ كَمَسْجِدٍ) أي: وكذا يقضى بالمكان للسابق إليه إذا نازعه فيه غيره، كما في مسجد، وسيأتي ذلك.
قوله: (وَسَدِّ كُوَّةٍ فُتِحَتْ أُرِيدَ سَدّ خَلْفَهَا) أي: وكذا يقضى على الجار بسد الكوة إذا فتحها، وكان يشرف منها على دار جاره، وقاله مالك (3) وابن القاسم (4)، وزإد ابن وهب: ولا يكلف أن يعلى بناؤه حتى لا يراه (5)، وهذا هو المعروف، ولابن مسلمة لا يمنع، ونحوه لابن الماجشون (6)، وزاد: ويقال له: استر على نفسك إن شئت، وأشار بقوله:(أُرِيدَ سَدّ خَلْفَهَا) إلى ما وقع لسحنون فيمن فتح بابًا على دار غيره، فلما قام عليه أراد أن يسد (7) من خلفه، فقال: ليس له ذلك، ويسد مخافة أن يشهد قوم أنهم يعرفون هذا الباب منذ سنين كثيرة، وقال عبد اللك: له أن يجعل أمامه ما يستره (8).
قوله: (وَبِمَنْعِ دُخَانِ كَحَمامٍ، وَرَائِحَةِ كَدِبَاغٍ) لأن ذلك مما يضر بالجيران لدوامه،
(1) انظر: النوادر والزيادات: 11/ 95.
(2)
انظر: البيان والتحصيل: 17/ 409.
(3)
انظر: المدونة، دار صادر: 15/ 197.
(4)
انظر: النوادر والزيادات: 11/ 38، والتوضيح: 6/ 377.
(5)
انظر: النوادر والزيادات: 11/ 42.
(6)
انظر: التوضيح: 6/ 377.
(7)
في (ن): (يسده).
(8)
انظر: التوضيح: 6/ 377.
كالحمام في ذلك والفرنُ ونحوه، وكالدباغ (1) رائحة المذبح والمصلق والسمط ونحوه، وما ليس كذلك فلا يمنع.
قوله: (وَأَنْدَرٍ قِبَلَ بَيْتٍ) يريد: أن من أراد أن يجعل (2) أندرًا قبالة بيت غيره فإنه يمنع، وقاله عبد الملك، وزاد: لأن الجار يتضرر بتبن التذرية إلا أنه (3) لم ينصّ إلا في الأندر الطاريء على الجار (4)، ولا فرق.
قوله: (وَمُضِرٍّ بِجِدَارٍ وَاصْطَبْلٍ أَوْ حَانُوتٍ قُبَالَةَ بَابٍ) أي: وكذا يمنع الجار وغيره (5) من فعل ما يضر بجدار الغير، ومن إحداث اصطبل أَو حانوت قبالة بابه (6)؛ لأنه مما يكشف منه رب الدار، ويتوصل به (7) إلى التطلع إلى عوراته إلى غير ذلك.
قوله: (وَيَقْطَعُ مَا أَضَرَّ مِنْ شَجَرَةٍ بِجِدَارٍ، إِنْ تَجَدَّدَتْ، وَإِلا فقَوْلانِ) يريد: أن من له شجرة إلى جهة (8) جدار غيره وفيها أغصان تضر بالجدار، فإن كانت حادثة على الجدار قطع منها ما أضر من أغصانها بالجدار، واختلف إذا كانت أقدم من الجدار إلا أنها حدث لها أغصان بعد بناء الجدار وأضرت به هل تقطع؟ وهو قول مطرف وأصبغ (9)، أو لا تقطع؟ (10) وهو قول عبد الملك (11).
قوله: (لا مَانِعِ ضَوْءٍ، وَشَمْسٍ، وَرِيحٍ) أشار بهذا إلى ما قال في المدونة: ومن رفع
(1) في (ن 5): (وكذلك).
(2)
في (ن): (يبني).
(3)
قوله: (إلا أنه) ساقط من (ن 3).
(4)
قوله: (على الجاري) ساقط من (ن).
(5)
في (ن): (وغيره).
(6)
قوله: (أي: وكذا يمنع
…
أو حانوت قبالة بابه) ساقط من (ن 5).
(7)
في (ن): (منه).
(8)
في (ن): (جنب).
(9)
انظر: النوادر والزيادات: 11/ 59.
(10)
قوله: (تقطع) ساقط من (ن).
(11)
انظر: الذخيرة: 6/ 178.
بناءه فسدَّ على جاره كُواه وأظلمت عليه أبواب غرفه وكُواها، أو منعه الشمس أن تقع في حجرته، أو منع الهواء أن يدخل له لم يمنع (1)، وقال ابن كنانة: إلا أن يرفعه ليضر بجاره دون منفعة له فإنه يمنع (2)، وروى ابن دينار عن ابن نافع (3) أنه يمنع من ضرر الضوء والشمس والريح (4).
قوله: (إِلا لأَنْدَرَ)(5) أي: فإن منع الريح أن يدخل لأندر جاره لم يمكن من ذلك، وقاله ابن القاسم وابن نافع (6)، وقال مطرف وعبد الملك: لا يمنع.
قوله: (وَصَوْتِ كَكَمْدٍ) أي: وهكذا لا يمنع (7) من إحداث الصوت كدقّ (8) القماش وهو المراد بالكَمد؛ أي: الغَسّال والقصّار، ونحوهما، قال في الذخيرة: وإنما لم يمنع إن كان يؤذي الجار لخفته (9).
قوله: (وَبَابٍ لِسِكَّةٍ نَافِذَةٍ) أي: وكذا لا يمنع الجار من إحداث باب قبالة باب جاره أو حانوته إذا كانت السكّة نافذة، وقاله ابن القاسم وأشهب، (10) وقال سحنون: وليس له ذلك إلا أن ينكب (11) عن باب جاره، وقال ابن وهب: إن كانت السكة نافذة واسعة جاز وإلا منع (12).
قوله: (وَرَوْشَنٍ وَسَاباطٍ لِمَنْ لَهُ الْجانِبَانِ، بِسِكَّةٍ نَافِذَةٍ) الروشن: هو الجناح يخرجه
(1) انظر: المدونة: 4/ 320.
(2)
انظر: النوادر والزيادات: 11/ 38.
(3)
قوله: (ابن دينار عن ابن نافع) يقابله في (ن 3): (ابن نافع وابن دينار).
(4)
انظر: التوضيح: 6/ 376.
(5)
زاد بعده في (ن): (وعلو بناء).
(6)
انظر: المنتقى: 7/ 405.
(7)
زاد بعده في (ن): (قوله (وعلو بناء) أي فلا يمنع من تعلية البناء).
(8)
في (ن 5): (لذي).
(9)
انظر: الذخيرة: 6/ 175.
(10)
انظر: النوادر والزيادات: 11/ 44.
(11)
في (ن 3): (يتنكب).
(12)
انظر: النوادر والزيادات: 11/ 45.
الشخص (1) في علو حائطه، والساباط: هو أن يكون له حائطان مكتنفي طريق فيمد عليهما خشب ويضع عليهما سقفًا لينتفع به.
سحنون: ولا يمنع من ذلك أحد. (2)
ابن شعبان: وذلك مشروط بما إذا رفعه عن رؤوس الركبان رفعًا بينًا (3).
قوله: (وَإِلا، فكَالملْكِ لجميعهم)(4)) أي: فإن لم تكن السكة نافذة فهي كالملك المشترك بين سكانها فلا يجوز لأحد إحداث روشن أو فتح باب إلا برضاهم.
قوله: (إِلا بَابًا إِنْ نُكِّبَ) أي: إلا أن يفتح أحد منهم (5) بابًا في تلك السكّة غير النافذة، فإنه لا يمنع بشرط أن ينكب، أي: ينحرف عن باب جاره بحيث إنه لا يشرف منه على ما في داره (6)، وقاله ابن القاسم وابن وهب (7)، وقيل: يمنع منه مطلقًا إلا أن يأذن له أهل تلك السكة، وإليه ذهب ابن زرب، وبه جرى العمل بقرطبة، وقيل: إن سد بابه الأول فإنه يجوز ذلك إن نكب وإلا فلا.
(المتن)
وَصُعُودَ نَخْلَةٍ، وَأَنْذَرَ بِطُلُوعِهِ، وَنُدِبَ إِعَارَةُ جِدَارِه لِيَغْرِزَ خَشَبَةً، وَإِرْفَاقٌ بِمَاءٍ، وَفَتْحُ بَابٍ. وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَفِيهَا: إِنْ دَفَعَ مَا أَنْفَقَ أَوْ قِيمَتَهُ. وَفِي مُوَافَقَتِهِ أَو مُخَالَفَتِهِ تَرَدُّدٌ.
(الشرح)
قوله: (وَصُعُودِ نَخْلَةٍ وَأَنْذَرَ بِطُلُوعِهِ) يريد: أن من له نخلة في داره وهو إذا طلع عليها لجني أو لإصلاح يكشف جاره منها فإنه لا يمنع، مطرف وعبد الملك: وليؤذن جاره عند الطلوع، وإليه أشار بقوله:(وَأَنْذَرَ بِطُلُوعِهِ) ليتحرز الجار مما لا يريد أن يطلع عليه من الأهل ونحوهم.
(1) في (ن): (الرجل).
(2)
انظر: النوادر والزيادات: 11/ 44.
(3)
انظر: البيان والتحصيل: 9/ 299.
(4)
قوله: (لجميعهم) ساقط من (ن 4).
(5)
قوله: (أحد منهم) يقابله في (ن): (أحدهم).
(6)
قوله: (ما في داره) يقابله في (ن): (دار جاره)، وقوله:(داره) يقابله وفي (ن 5): (ما في جداره).
(7)
انظر: النوادر والزيادات: 11/ 44.
وقوله: (وَنُدِبَ إِعَارَةُ جِدَاره (1) ليَغْرِزَ (2) خَشَبَةً) أنه يندب للجار أن يعير جداره لجاره ليغرز فيه خشبة إن احتاج إلى ذلك، فإن امتنع لم يجبر على المشهور، خلافًا لابن كنانة.
قوله: (وَإِرْفَاقٌ بِماءٍ وفَتْحُ بَابٍ) أي: وكذا يندب له أن يعير جاره ما يحتاج إليه مما يقف على إذنه ولا يضر به من إرفاق بماء أو فتح باب.
ابن شاس: أو مختلف في طريق أو فتح طريق أو شبه ذلك (3).
قوله: (وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ) أي: فإن أعاره الجدار كما تقدم وغرز فيه خشبة (4) فله الرجوع في ذلك، وظاهره سواء طال الزمان أم قصر، عاش المعار أو مات، باع أو ورث، احتاج إلى جداره أم لا، وقال مطرف وعبد الملك وروياه عن مالك: إنه يرجع مطلقًا إلا أن ينهدم الجدار ثم يعيده صاحبه، فليس له أن يعيده إلا بإعارة (5) مبتدأة، وعن مالك وابن القاسم أنه لا يرجع (6) إلا بالحاجة، فإن قصد الضرر لما هاج (7) بينهما فليس له ذلك (8)، وقال أصبغ: إن مضى من الزمان ما يعار له مثله فله منعه، وقال أشهب وابن نافع: وإن تكلّف المعار لذلك نفقة لم يرجع وإلا رجع، وهذه الأقوال الخمسة منصوصة في العرصة المعارة، ولسحنون قول سادس: يرجع في العرصة لا في الجدار.
قوله: (وَفِيهَا (9) إِنْ دَفَعَ مَا أَنْفَقَ أَوْ قِيمَتَهُ) يريد: أن الرجوع مقيد في المدونة (10) بأن
(1) في (ن): (جدار).
(2)
في (ن): (لغرز).
(3)
انظر: عقد الجواهر: 2/ 806.
(4)
قوله: (خشبة) ساقط من (ن).
(5)
في (ن): (بعارية).
(6)
قوله: (مطلقًا إلا أن
…
وابن القاسم أنه لا يرجع) ساقط من (ن 3).
(7)
في (ن 5): (يباح).
(8)
انظر: النوادر والزيادات: 11/ 94.
(9)
قوله: (وفيها) ساقط من (ن 5).
(10)
قوله: (في المدونة) ساقط من (ن 3).
يدفع المعير للمعار ما أنفق (1) إلا أنه لم يذكر ذلك إلا في العرصة، واختلف الأشياخ في ذلك، فقال بعضهم: قيمة ما أنفق إذا أخرج من عنده شيئًا من أجر ونحوه، وما أنفق إذا اشترى ذلك، وقيل: قيمة ما أنفق أصلًا في موضع آخر أو قيمة ما أنفق (2) إذا طال الأمر؛ لأنه يتغير بانتفاعه، وما أنفق إذا كان بالقرب جدًّا (3).
ابن يونس: وعلى هذين التأويلين لا يعد (4) خلافًا من قوله، ومنهم من قال (5): ما أنفق (6) إذا لم يكن فيه تغابن أو فيه تغابن يسير، وإلا فالقيمة، وهو على هذا خلاف (7)، وإلى هذا أشار بقوله:(وَفي مُوَافَقَتِهِ أو مُخَالَفَتِهِ ترَدُّدٌ).
* * *
(1) زاد بعده في (ن): (وفي موضع آخر أو قيمة ما أنفق)، وقوله: (يريد: أن الرجوع
…
للمعار ما أنفق) ساقط من (ن 5).
(2)
قوله: (أصلًا في موضع آخر أو قيمة ما أنفق) زيادة من (ن 3).
(3)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 215.
(4)
في (ن): (يكون).
(5)
زاد بعده في (ن): (قيمة).
(6)
قوله: (ما أنفق) يقابله في (ن 3) و (ن 4): (قيمة ما أنفق).
(7)
في (ن): (اختلاف).