الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب [في الرهن]
(المتن)
بَابٌ الرَّهْنُ بَذْلُ مَنْ لَهُ الْبَيعُ مَا يُبَاعُ، أَوْ غَرَرًا، وَلَوِ اشْتُرِطَ فِي الْعَقْدِ وَثِيقَةً بِحَقٍّ، كَوَلِيٍ، وَمُكَاتَبٍ، وَمَأْذُونٍ، وَآبِقٍ، وَكِتَابَةٍ، وَاسْتُوفِيَ مِنْهَا، أَوْ رَقَبَتِهِ إِنْ عَجَزَ، وَخِدْمَةِ مُدَبَّرٍ. وَإِنْ رُقَّ جُزْءٌ فَمِنْهُ، لا رَقَبَتِهِ. وَهَلْ يَنْتَقِلُ لِخِدْمَتِهِ؟ قَوْلانِ. كَظُهُورِ حُبُسِ الدَّار، وَمَا لَمْ يَبْدُ صَلاحُهُ، وَانْتُظِرَ لِيُبَاعَ، وَحَاصَّ مُرتَهِنُهُ فِي الْمَوْتِ وَالْفَلَسِ، فَإذَا صَلَحَتْ بِيعَتْ، فَإِنْ وَفَّى رَدَّ مَا أَخَذَهُ وَإِلَّا قُدِّرَ مُحَاصًّا بِمَا بَقِيَ، لا كَأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ، ولا جِلْدِ مَيْتَةٍ، وَكَجَنِينٍ، وَخَمْرٍ، وإِنْ لِذِمِّيٍّ، إِلَّا أَنْ تَتَخَلَّلَ، وإِنْ تَخَمَّرَ أَهْرَاقَهُ بِحَاكِمٍ.
(الشرح)
(الرَّهْنُ بَذْلُ مَنْ لَهُ الْبَيْعُ مَا يُبَاعُ (1)) يريد: أن الرهن إعطاء من له البيع شيئًا يباع، واحترز بذلك مما لا يباع، مثل الخمر والخنزير ونحوهما، فإن رهنهما لا يجوز من مسلم ولا ذمي، لأن فائدة الرهن بيعه عند الوفاء، والخمر ونحوه لا يجوز بيعه.
قوله: (أَوْ غَرَرًا) هو معطوف على "ما"(2) المنصوبة بالمصدر، وفيه تنبيه على أن الرهن يغتفر فيه ما لا يغتفر في البيع، فيجوز فيه الغرر بخلاف البيع، ولهذا يجوز له رهن عبده (3) الآبق وبعيره الشارد من غير (4) خلاف إذا لم يقارن عقدة البيع، واختلف إذا اشترط في عقدة البيع على قولين، أحدهما منع ذلك، والثاني: جوازه، ابن رشد: وهو المشهور (5)، وإليه أشار بقوله:(وَلَوِ اشْترطَ، في الْعَقْدِ)
قوله: (وَثيقَةً بِحَقٍّ) هو حال من قوله (6): ما يباع، وما عطف عليه، و"الباء" في قوله:(بِحَقٍّ) للسببية، أي: بسبب حق ترتب عليه، واحترز به عما يبذل لا على سبيل (7)
(1) قوله: (ما يباع) ساقط من (ن 5).
(2)
قوله: : (ما) ساقط من (ن).
(3)
قوله: (عبده) زيادة من (ن) و (ن 5).
(4)
قوله: (غير) ساقط من (ن 3).
(5)
انظر: البيان والتحصيل: 11/ 52.
(6)
قوله: (من قوله) زيادة من (ن 5).
(7)
قوله: (سبيل) زيادة من (ن 5).
التوثق بل على سبيل التملك كالبيع والهبة والصدقة والانتفاع (1) كالاستئمار والإخدام (2) والإعارة ونحوه.
قوله: (كَوَلِيٍّ وَمُكَاتِبٍ، وَمَأْذُونٍ) لما ذكر أن الرهن بذل من له البيع ما يباع (3) أخذ يبين من هو المتولي لذلكَ (4) فقال (كَوَليٍّ) يريد: أبًا كان (5) أو وصيًا ليتيم ونحوهما، ومعنى ذلك أن الولي (6) إذا ابتاع لمحجوَره شيئًا ودفع رهنًا من متاع محجوره في ذلك فإنه جائز (7)، وأما إذا رهنه فيما عليه نفسه فلا، وقاله في المدونة (8).
قوله: (وَآبِقِ) هو بيان لقوله: (أَوْ غَرَرًا) ومثله البعير الشارد ونحوه، والمنصوص جوازه، وخرج فيه بعضهم قولًا بالمنع من مسألة الجنين الآتية (9).
قوله: (وَكِتَابةٍ، وَاسْتُوفِي مِنْهَا أَوْ رَقَبَته إِنْ عَجَزَ) يريد: أن سيد المكاتب يجوز له أن يرهن كتابته (10) في (11) دين عليه، ثم يستوفي المرتهن دينه منها إن أداها، فإن عجز (12) عنها بيعت رقبته وأخذ المرتهن دينه منها، وهذا ظاهر إذا كان الرهن بعد عقد البيع، وإلا فيدخله إن كان في أصل الدين (13) ما دخل رهن الغرر، وقد يقال: لا غرر في ذلك على أصل المذهب؛ لأن بيع الكتابة جائز، ولا يزيد الغرر في بيعها على الغرر هنا، لأن (14) الرهن يغتفر فيه ما لا يغتفر في البيع من الغرر.
(1) في (ن 5): (الإشفاع).
(2)
قوله: (كالاستئمار والإخدام) زيادة من (ن 5).
(3)
قوله: (ما يباع) زيادة من (ن 5).
(4)
قوله: (هو المتولي لذلك) يقابله في (ن 5): (من له البيع).
(5)
قوله: (كان) زيادة من (ن 5).
(6)
قوله: (أن الولي) زيادة من (ن).
(7)
قوله: (فإنه جائز) زيادة من (ن 5).
(8)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 61.
(9)
قوله: (الآتية) ساقط من (ن).
(10)
في (ن 4): (مكاتبه).
(11)
في (ن): (على).
(12)
قوله: (يريد: إن سئل المكاتب
…
إن أداها، فإن عجز) ساقط من (ن 3).
(13)
في (ن 3): (العقد)، وزاد بعده في (ن 4): (صورة المسألة: أن تكون
…
ولم يعلم المرتهن).
(14)
في (ن) و (ن 5): (مع أن).
قوله: (وَخِدْمَةِ مُدَبَّرٍ) أي: ويستوفي المرتهن دينه (1) من تلك الخدمة إن أمكن، وإن لم يمكن بأن يكون السيد قد مات أو فلس قبل الاستيفاء، فإن كان له مال غير المدبر أخذ (2) بقية دينه منه، وإن لم يكن له غيره ورق جميعه أو بعضه، بيع أو بعضه (3) وأخذ رب المال (4) من ذلك ما بقي له، فقوله:(وَإِنْ رُقَّ جُزْءٌ فَمِنْهُ) أي: وكذلك إن رق جميعه.
قوله: (لا رَقَبتِهِ) أي: لا يجوز ارتهانها لتباع (5) له الآن.
قوله: (وَهَلْ يَنْتقِلُ لِخِدْمَتِهِ؟ قَوْلانِ) أي: إذا رهنه الرقبة، وقلنا بعدم الجواز، فهل ينتقل الرهن في الخدمة، وتباع للمرتهن أوْ لا تنتقل؛ لأنه إنما رهنه الرقبة فلا يرجع إلى المنفعة، والفرع كله ذكره اللخمي (6) والمازري (7).
قوله: (كَظُهُورِ حبسِ الدَّار) أي: وكذلك إذا كانت له دار فرهنها، ثم ظهر أنها حبس هل ينتقل الرهن في أجرتها أم لا؟ في ذلك قولان.
قوله: (وَمَا لم يَبْدُ صَلاحُهُ، وَانتُظِرَ ليُبَاعَ) أي: وهكذا يجوز رهن ما لم يبد صلاحه من الثمار والزرع وهذا هو المشهور، وعن مالك عدم الجواز (8)، وعلى الأول فينتظر بالثمرة بدو صلاحها ثم تباع.
قوله: (وَحَاصَّ مُرْتَهِنُهُ في المْوْتِ وَالفَلَسِ) أي: فإن مات الراهن وعليه ديون غير الدين الذي رهن في الثمرة وله مال لا يفي بديونه؛ فإن مرتهنه يحاص غرماءه في الموت، والفلس بجميع دينه لأن دينه في ذمة الراهن لا في الثمرة، وأيضًا فالثمرة قد تهلك قبل بدو صلاحها فيظلم المرتهن بذلك.
(1) قوله: (دينه) ساقط من (ن 3).
(2)
قوله: (أخذ) زيادة من (ن).
(3)
قوله: (بيع أو بعضه) ساقط من (ن 4)، وفي (ن 5):(وبيع).
(4)
في (ن): (الدين).
(5)
في (نن): (للبائع).
(6)
انظر: التبصرة، للخمي، ص: 5740 و 5741.
(7)
قوله: (والفرع كله ذكره اللخمي والمازري) ساقط من (ن).
(8)
انظر: البيان والتحصيل: 7/ 254.
قوله: (فَإذَا صَلَحَتْ بِيعَتْ فَإنْ وَفَّى رَدَّ مَا أَخَذَهُ، وإِلَّا قُدِّرَ مُحَاصًّا بِما بَقِيَ) فإذا حاص المرتهن الغرماء ثم صلحت الثمرة مثلًا (1)، فإنها تباع حينئذ وينظر في ثمنها، فإن وفَّي بدينها أخذه وردَّ ما أخذه من الغرماء في الحصاص، وإن لم يف بذلك قدر محاصًا بما (2) بقي، مثاله: لو كان على الراهن ثلاثة مائة لثلاثة نفر أحدهم مرتهن الثمرة، ثم مات الراهن أو فلس ووجد عنده خمسون ومائة، فإن المرتهن يأخذ منابه خمسين، ويأخذ كل واحد من صاحبيه خمسين خمسين، فإذا صلحت الثمرة بيعت ونظر، فإن كان ثمنها مائة أخذها المرتهن وردَّ ما أخذه وهو خمسون، وإن لم تفِ بل (3) بيعت مثلًا بخمسين اختص بها المرتهن، ثم يقال له قد تبين لك (4) أنك إنما كنت تستحق بالحصاص بمقدار ما بقي لك وهو خمسون، فيكون لك ثلاثون فيرد عشرين لصاحبيه، يأخذ كل واحد منهما عشرة إلى الخمسين فيصير له في الحصاص ثلاثون، وهي ثلاثة أخماس الخمسين باقي دينه (5)، ولكل واحد من الباقين ستون، وهي ثلاثة أخماس المائة وهو قول ابن القاسم.
قوله: (لا كَأحَدِ الْوَصِيَّيْنِ) أي: فليس له رهن شيء من متاع اليتيم إلا بإذن صاحبه، وقاله في المدونة.
قوله: (ولا (6) جِلْدِ مَيْتَةٍ) هو مذهب المدونة كما في بيعه، وعلى (7) قول ابن وهب الذي يقول بطهارته بعد الدباغ يجوز بيعه و (8) رهنه (9).
قوله: (وَكَجَنِينٍ) وهو المشهور، وقال ابن ميسر (10): يجوز رهنه قياسًا على غيره من
(1) قوله: (مثلا) زيادة من (ن).
(2)
قوله: (بما) ساقط من (ن 3).
(3)
قوله: (بل) زيادة من (ن).
(4)
قوله: (لك) ساقط من (ن) و (ن 5).
(5)
قوله: (باقي دينه) ساقط من (ن).
(6)
قوله: (ولا) ساقط من (ن 5)، وقوله:(لا) ساقط من (ن).
(7)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (على).
(8)
قوله: (بيعه و) زيادة من (ن 3).
(9)
انظر: شرح التلقين: 327.
(10)
في (ن 3): (ابن بشير).
الغرر (1).
قوله: (وَخَمْرٍ، وَإِنْ لِذِمِّيٍّ، إِلا أَنْ يَتَخَلَّل) يعني: أن المسلم لا يجوز له أن يرهن خمرًا وَإن كانت لذمي، لأنه لا يمكن استيفاء دينه منها (2)، سحنون: إلا أن يتخلل (3) فيكون أحق بها (4).
قوله: (وَإِنْ تخمَّرَ أَهْرَاقَهُ (5) بِحَاكِمٍ) أي: فإن رهن عصيرًا فصار خمرًا، فليرفعه إلى الحاكم ليراق بأمره.
(المتن)
وَصَحَّ مُشَاعٌ، وَحِيزَ بِجَمِيعِهِ، إِنْ بَقِيَ فِيهِ لِلرَّاهِنِ، وَلا يسْتَأذِنُ شَرِيكَهُ، وَلَهُ أَنْ يَقْسِمَ وَيَبِيعَ وَيُسَلِمَ، وَلَهُ اسْتِئْجَارُ جُزْءِ غَيْرِهِ، وَيَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِن لَهُ، وَلَوْ أَمَّنَا شَرِيكًا فَرَهَنَ حِصَّتَهُ لِلْمُرْتَهِنِ، وَأَمَّنَا الرَّاهِنَ الأَوَّلَ بَطَلَ حَوْزُهُمَا. وَالْمُسْتَأجَرُ وَالْمُسَاقَى، وَحَوْزُهُمَا الأَوَّلُ كَافٍ. وَالْمِثْلِيُّ وَلَوْ عَينًا بِيَدِهِ إِنْ طُبِعَ عَلَيْهِ. وَفَضْلَتُهُ إِنْ عُلِمَ الأَوَّلُ وَرَضِيَ، وَلا يَضْمَنُهَا الأَوَّلُ كَتَرْكِ الْحِصَّةِ الْمُسْتَحَقَّةِ أَوْ رَهْنِ نِصْفِهِ، وَمُعْطًى دِينَارًا لِيَسْتَوْفِيَ نِصْفَهُ ويزدَّ نِصْفَهُ. فَإنْ حَلَّ أَجَلُ الثَّانِي أَوَّلًا قُسِمَ، إِنْ أَمْكَنَ وَإلَّا بِيعَ وَقُضِيَا.
(الشرح)
قوله: (وَصَحَّ مُشَاعٌ) يريد: أنه يصح رهن المشاع، وفيه تنبيه على مذهب أبي حنيفة بعدم الجواز، وهو مروي في المذهب.
قوله: (وَحِيزَ بجَمِيعِهِ، إِنْ بَقِيَ فِيهِ لِلرَّاهِنِ) هكذا قال في المدونة، ونصه: والحوز في ارتهان نصف ما يمَلك الراهن جميعه من عبد أو دابة أو ثوب قبض جميعه، ولهذا قال: إن بقي فيه للراهن.
قال في المدونة (6): وإن كان النصف الآخر من هذه الأشياء لغير الراهن، فإن
(1) انظر: عقد الجواهر: 2/ 768، وشرح التلقين:326.
(2)
زاد في حاشية (ن 5): (فإن مات الذمي أو فلس فلا رهن للمسلم ولو قبضها لأن رهنه في الأصل فاسد ولغرمائه الدخول معه في المحاصة وقاله أشهب).
(3)
قوله: (يعني: أن المسلم لا يجوز له
…
استيفاء دينه منها، سحنون: إلا أن يتخلل) ساقط من (ن).
(4)
انظر: النوادر والزيادات: 1/ 225، والتوضيح: 6/ 79.
(5)
في (ن 5): (هرَاقَهُ).
(6)
قوله: (في المدونة) يقابله في (ن 5): (في "ك").
المرتهن يقبض حصة الراهن فيحل محله (1)، وهو المشهور. وقال أشهب وعبد الملك: لا بد من قبض الجميع أو جعله بيد الشريك أو بيد غيرهما، واتفقوا (2) على أن قبض البعض كافٍ في العقار (3).
قوله: (وَلا يَسْتَأذِنُ شَرِيكَهُ) هو ظاهر على (4) مذهب المدونة (5)، وأما على قول أشهب فلا يرهن حصته إلا بإذن شريكه، وذكره (6) محمد عن أشهب نصًا أنه نص على ذلك (7)، قال: لأن ذلك يمنع صاحبه من بيع حصته، فإن أذن له جاز، ثم لا رجوع للشريك فيه، و (8) لا له بيع حصته حتى يحل الأجل، لأنه أذن له في إسلامه إلى الأجل، وقال بعضهم: يجوز له (9) بيعه على أن يقبضه مشتريه عند الأجل.
قوله: (وَلَهُ أَنْ يَقْسِمَ وَيَبِيعَ وَيُسَلِّمَ) أي: فإذا رهن الشريك حصته من غير إذن شريكه فإن ذلك لا يبطل حق شريكه من التصرف في نصيبه (10)، بل له أن يقاسم ويبيع حصته أو يسلمها فيما شاء، وقاله في المدونة (11)،
قوله: (وَلَهُ اسْتِئْجَارُ جُزْءِ غَيْره ويقْبِضَهُ المُرْتَهِنُ لَهُ) أي: وللراهن استئجار جزء غيره، ويقبض المرتهن أجرة الشريك (12)، وقد نص في المدونة وغيرها على أنه لا يمتنع من (13) الإجارة ابتداء (14) أو إنما لم يمكن الرهن من قبض أجرة نصيب شريكه لئلا
(1) انظر: تهذيب المدونة: 4/ 47.
(2)
في (ن 3): (اتفقا).
(3)
انظر: التوضيح: 6/ 107.
(4)
قوله: (على) زيادة من (ن).
(5)
انظر: المدونة: 2/ 482.
(6)
في (ن): (ذكر).
(7)
قوله: (أنه نص على ذلك) ساقط من (ن 5).
(8)
قوله: (فيه و) ساقط من (ن 3).
(9)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (عنده).
(10)
في (نفسه): (ن 5).
(11)
قوله: (في المدونة) يقابله في (ن 5): (في "ك").
(12)
قوله: (أجرة الشريك) يقابله في (ن 5): (أجرته للشريك)، وفي (ن):(أجرة نصيب الشريك).
(13)
قوله: (يمتنع من) يقابله في (ن): (تمتنع).
(14)
انظر: التوضيح: 6/ 111.
تحول (1) يده فيما اكتراه وفيما رهنه، فيبطل بسبب ذلك حوز (2) المرتهن، وأما مع قبض المرتهن بذلك (3) فلا يبطل.
قوله: (وَلَوْ أَمَّنَا شَرِيكًا فَرَهَنَ حِصَّتَهُ لِلْمُرْتَهِنِ، وَأَمّنا الرَّاهِنَ الأَوَّلَ بَطَلَ حَوْزُهُمَا) يريد: أن الشريك إذا رهن حصته واتفق هو والمرتهن (4) على أن جعلا الشريك أمينًا لهما ووضعا تلك الحصة تحت يده، ثم رهن ذلك الشريك أيضًا حصته للمرتهن، وجعلا الراهن الأول أمينًا لهما فإن الحوز يبطل في الحصتين معًا، لأن الرهن صار بيد الراهن الأول، والثاني. ابن المواز: وذكر ذلك أصحاب مالك.
أبو محمد: ولو جعلا نصيب الثاني على يد أجنبي أو يد المرتهن بطل حوز (5) حصة الثاني فقط (6).
قوله: (وَالْمُسْتَأجَرُ وَالْمُسَاقَى، وَحَوْزُهُمَا الأَوَّلُ كَافٍ) هو معطوف على قوله: (وَصَحَّ مُشَاعٌ) إلا أنه لو حذف أداة التعريف لكان حسنًا، لكن اغتفر ذلك لبعد ما بين المعطوف والمعطوف (7) عليه، ومعنى كلامه أنه يصح رهن العين المستأجرة والحائط (8) المساقى أو يكون (9) القبض الأول كافيًا في الحوز، يريد: إذا كان المستأجر والمساقى هو المرتهن، وأما لو كان المرتهن غيرهما فسيتكلم عليه، ولمالك (10) في الموازية (11) ونحوه لعبد الملك أن من اكترى عبدًا أو دارًا سنة أو أخذ (12) حائطًا مساقاة، ثم ارتهن شيئًا من
(1) في (ن، : (تجول).
(2)
في (ن 3) ظ و (ن 4): (حق).
(3)
في (ن): (له).
(4)
في (ن 5): (الراهن).
(5)
قوله: (حوز) زيادة من (ن 5).
(6)
انظر: التوضيح: 6/ 111.
(7)
قوله: (والمعطوف) ساقط من (ن).
(8)
قوله: (الحائط) زيادة من (ن 5).
(9)
قوله: (أو يكون) يقابله في (ن): (ويكون).
(10)
في (ن 3): (كذلك).
(11)
قوله: (ولمالك في الموازية) يقابله في (ن): (وفي الموازية).
(12)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (أو أخذ).
ذلك قبل فراغ (1) أجله، فلا يكون حوزًا للراهن (2)، لأنه محوز قبل ذلك بوجه آخر، فأما لو كان المرتهن غير المستأجر والعامل في المساقاة، ففي الموازية يجعل المرتهن مع المساقى رجلًا أو يتركانه على يد رجل يرضيانه (3)، يقبضه لهما به وقال مالك: لا يصح الرهن إذا كان مساقًا أو أجبر
…
وإنما يصح إذا جعلاه بيد غير من في الحائط (4) وفي الدمياطية عن ابن القاسم فيمن ارتهن بعيرًا وهو في الكراء إن كان المرتهن يعلفه ويقوم به فهو حوز (5).
قوله: (وَالمثْلِيُّ وَلَوْ عَيْنًا بيَدِهِ، إِنْ طُبعَ عَلَيْهِ) هو أيضًا معطوف على ما تقدم، أي: وكذا يصح رهن المثلي ولَو ذهبًا أو فضة، قال في المدونة (6): ولا ترهن الدنانير والدراهم والفلوس وما لا يعرف بعينه من طعام أو إدام أو ما يُكال أو يوزن إلا أن يطبع على ذلك فيمنع المرتهن من النفع به ورد مثله (7).
وقال (8) أشهب: فإن لم يطبع على الدنانير والدراهم والفلوس لم يفسد الرهن ولا البيع، ويستقبل طبعها إن عثر على ذلك، وقال: وما أرى ذلك عليه في الطعام والإدام وما لا يعرف بعينه، واحترز بقوله:(بِيَدِهِ) مما إذا كان ذلك بيد أمين، فإنه لا يطبع عليه.
قوله: (وَفَضْلتُهُ، إِنْ علِمَ الأَوَّلُ وَرضِيَ) أي: وكذا يصح ارتهان فضلة الرهن، وهي الزائدة من قيمة الرهن على الدين، لكن بشرط أن يكون المرتهن الأول، قد علم بذلك ورضي، وهذا إذا ارتهن ذلك عند غير المرتهن الأول، وأما إذا رهنها عنده فلا إشكال، ولهذا ضرب عنه هنا، وما ذكره من شرط رضى الأول، هو (9) مذهب
(1) في (ن 5): (بلوغ).
(2)
في (ن 5): (للرهن)، وانظر: التوضيح: 6/ 112.
(3)
في (ن): (يرضيان به).
(4)
قوله: (يقبضه لهما به
…
بيد غير من في الحائط) زيادة من (ن 5).
(5)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (حرز).
(6)
قوله: (في المدونة) يقابله في (ن 5): (في "ك").
(7)
انظر: المدونة: 5/ 5، وتهذيب المدونة: 4/ 64.
(8)
قوله: (وقال) زيادة من (ن).
(9)
قوله: (رضى الأول، هو) يقابله في (ن): (الأول وهو).
المدونة (1)، وشهره صاحب البيان (2)، وقال أصبغ: لا يشترط ذلك، ولمالك قول آخر (3) أنه لا يجوز ارتهان فضلة الرهن لثانٍ (4) إذا كان بيد المرتهن الأول (5) إلا أن يخرج الرهن من يدي المرتهن الأول لأنه إنما قبضه لنفسه، وفي البيان: رابعًا أن الفضلة تكون رهنًا، وإن لم يعلم الأول (6).
قوله: (وَلا يَضْمَنها الأَوَّلُ) أي: لأنه فيها أمين، وإنما يضمن مبلغ دينه، وقاله في المدونة، وقيده ابن يونس (7) بما إذا أحضر الثوب وقت ارتهان الثاني فضلته أو علم بالبينة أنه قائم باقٍ (8) عنده، وإلا فعليه ضمان الجميع، إذ قد يكون قد تلف قبل ذلك، ووجب ضمانه عليه، قال: وقاله بعض أصحابنا، قال فيها: ويرجع المرتهن الثاني بدينه، لأن فضلة الرهن على يد عدل (9)، وفي الموازية عن أشهب أن الأول يضمن الرهن كله (10).
قوله: (كَتَرْكِ الحصَّةِ المُسْتَحَقَّةِ أَوْ رَهْنِ نِصْفِهِ) أي: فإن المرتهن لا يضمنها لأنه فيهما (11) أمين، ومعنى ذلك إذا ارتهن شيء فاستحق بعضه، ثم ترك المستحق حصته تحت يد المرتهن فضاع الرهن فلا ضمان عليه (12)، وقاله في المدونة (13). قال: ولو كان بيد الثاني لم يكن عليه ضمان لأنه رهن الأول وإنما لهذا الفضلة لو كانت. اللخمي:
(1) انظر: المدونة: 4/ 146.
(2)
انظر: البيان والتحصيل: 11/ 46.
(3)
قوله: (آخر) زيادة من (ن 5).
(4)
في (ن 4): (الثاني).
(5)
قوله: (الأول) ساقط من (ن).
(6)
قوله: (الأول) ساقط من (ن 5). وانظر: البيان والتحصيل: 11/ 45، والتوضيح: 6/ 95.
(7)
انظر: الذخيرة: 8/ 86.
(8)
قوله: (باق) زيادة من (ن 5).
(9)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 60.
(10)
انظر: شرح التلقين: 390.
(11)
في (ن): (فيها).
(12)
قوله: (فلا ضمان عليه) ساقط من (ن).
(13)
انظر: المدونة: 4/ 146.
وعلى أصل ابن القاسم يضمن الثاني الفضلة (1).
قوله: (وَمُعْطًى دِينَارًا ليَسْتَوْفي نِصْفَهُ ويرُدَّ (2) نِصْفَهُ) يريد: أن من أعطى غريمه دينارًا ليستوفي منه نصفًا له عليه، ويرد له النصف الباقي، فزعم أنه ضاع منه، فإنه لا يضمن النصف الفاضل، لأنه فيه أمين، وقال في المدونة: ولا يمين عليه إلا أن يتهم فيحلف (3).
قوله: (فَإنْ حَلَّ أَجَلُ الثَّانِي أَوَّلًا قُسِمَ إِنْ أَمْكَنَ وإلَّا بِيعَ وَقُضِيَا) أي: إذا فرعنا على جواز ارتهان فضلة الرهن فرهنها الثاني، لثانٍ (4) وحل أجل دينه قبل الأول فإن الرهن يقسم إن أمكن قسمه، وإن لم يمكن بيع كله وقضيا، أي: المرتهن الأول والثاني.
(المتن)
وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ، وَرَجَعَ صَاحِبُهُ بقِيمَتِهِ، أَوْ بِمَا أدى مِنْ ثَمَنِهِ. نُقِلَتْ عَلَيْهِمَا، وَضَمِنَ إِنْ خَالَفَ، وَهَلْ مُطْلَقًا، أَوْ إِذَا أَقَرَّ الْمُسْتَعِيرُ لِمُعِيرِهِ وَخَالَفَ الْمُرْتَهِنُ وَلَمْ يَحْلِفِ الْمُعِيرُ؟ تَأوِيلانِ. وَبَطَلَ بِشَرْطٍ مُنَافي: كَأَنْ لا يُقْبَضُ، وَبِاشْتِرَاطِهِ فِي بِيْعٍ فَاسِدٍ ظَنَّ فِيهِ اللُّزُومَ، وَحَلَفَ الْمُخْطِئُ الرَّاهِنُ أَنَّهُ ظَنَّ لُزُومَ الدّيَّةِ وَيرْجِعُ، أوْ فِي قَرْضٍ مَعَ دَيْنٍ قَدِيمٍ، وَصَحَّ فِي الْجَدِيدِ، وَبِمَوْتِ رَاهِنِهِ أَوْ فَلَسِهِ قَبْلَ حَوْزِهِ، وَلَوْ جَدَّ فِيهِ، وَبِإِذْنِهِ فِي وَطْءٍ، أَوْ إِسْكَانٍ، أَوْ إِجَارَةٍ وَلَوْ لَمْ يسْكنْ.
(الشرح)
وقوله: (وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ وَرَجَعَ صَاحِبُهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ بِما أَدِّي مِنْ ثَمَنِهِ نُقِلَتْ عَلَيْهِما) هذا معطوف على قوله (5): وصح رهن المستعار للرهن، قال في المدونة: ومن استعار شيئًا ليرهنه جاز (6)، ويقضى للمرتهن ببيعه إن لم يؤدِ الغريم ما عليه، ويتبع المعير المستعير بقيمته (7) هكذا عند أبي سعيد في التهذيب، وفي بعض روايات يحيى أنه يرجع بقيمته، وعليه اختصرها ابن أبي زيد، وهذا معنى قوله:(نُقِلَتْ عَلَيْهما) أي: نقلت المدونة على
(1) انظر: التبصرة، للخمي، ص:5718.
(2)
في (ن 3): (ويؤدي).
(3)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 48.
(4)
قوله: (الثاني، لثانٍ) يقابله في (ن): (الراهن للمرتهن الثاني).
(5)
قوله: (على قوله) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 4): (على ما تقدم).
(6)
انظر: المدونة: 4/ 136.
(7)
في (ن) و (ن 5): (بثمنه).
الروايتين، وقال سحنون: إن شاء ضمن المستعير قيمته يوم رهنه، وظاهره (1) التخيير فيكون قولًا ثالثًا (2).
قوله: (وَضَمِنَ إِنْ خَالَفَ، وَهَلْ مُطْلَقًا، أَوْ إِذَا أَقرَّ الْمُسْتَعِيرُ لِمُعِيرِه وَخَالَفَ الْمُرتَهِنُ وَلَمْ يَحْلِفِ المُعِيرُ؟ تَأوِيلانِ) يريد: أن المستعير إذا خالف فرهن المستعار للرهن (3) في غير ما أذن له ربه فيه فإنه يضمن، قال في المدونة: مثل أن يعيره سلعة ليرهنها في دراهم مسماة فرهنها في طعام، وهكذا فرضها البراذعي وابن يونس، وفرضها ابن أبي زيد فيما إذا استعار عبدًا ليرهنه في دراهم فرهنه في طعام، وقال: هو ضامن لتعديه (4)، قال: وقال أشهب: لا ضمان عليه (5)، ويكون رهنًا في عدد الدراهم التي رضي بها السيد فجعل قول أشهب خلافًا، وقال ابن يونس لما ذكر قول ابن (6) القاسم أنه (7) يضمن إذا أقر له أي: المستعير للمعير (8) بذلك وخالفهما المرتهن ولم يشأ المعير أن يحلف (9) فيكون رهنًا فيما أقرّ به من الدراهم (10)، وأما لو حلف على ما ادعاه هو والمستعير أو أقر المرتهن بذلك (11) قُبل اتفاقهما على المرتهن فيكون رهنًا فيما أقر به من الدراهم (12)، فإذا لم يحلف كان له تضمين المستعير بتعديه، ثم لما ذكر قول أشهب (13) قال: يريد إذا حلف (14) له
(1) في (ن 3): (وظاهرها).
(2)
انظر: التوضيح: 6/ 500.
(3)
قوله: (للرهن) زيادة من (ن 5).
(4)
انظر: التوضيح: 6/ 91.
(5)
انظر: عقد الجواهر: 2/ 769، والتوضيح: 6/ 91.
(6)
زاد في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (سحنون).
(7)
في (ن) و (ن 5): (إنما).
(8)
قوله: (للمعير) ساقط من (ن).
(9)
انظر: التوضيح: 6/ 91.
(10)
قوله: (فيكون رهنًا فيما أقر به من الدراهم) ساقط من (ن 5).
(11)
زاد في (ن 5): (لا).
(12)
قوله: (وأما لو حلف على ما
…
فيما أقر به من الدراهم) ساقط من (ن).
(13)
زاد في (ن 5): (فإنه يكون رهنًا فيما كان أذن له فيه).
(14)
في (ن 3): (اختلفا).
أو أقر له المرتهن بذلك ثم (1) قال: فيتفق القولان إلى قول ابن القاسم وأشهب، وإلى تأويل ابن أبي زيد أشار بقوله:(مُطْلَقًا) وإلى تأويل ابن يونس أشار بقوله: (أو إِذَا أَقَرَّ الْمُسْتَعِيرُ) إلى آخره.
قوله: (وَبَطَلَ بِشَرْطٍ مُنَافٍ كَأَنْ لا يُقبَضُ) أي: وبطل الرهن إذا اشترط الراهن أن يكون تحت يده، ولا يقبض المرتهن إذ هو مناف لصحته، قال ابن شاس: مثل ذلك ما إذا اشترط في الرهن أنه لا يباع في الحق (2) الذي رهن فيه.
قوله: (وَبِاشْتِرَاطِهِ، في (3) بَيْعٍ فَاسِدٍ ظَنَّ فِيهِ اللُّزُومَ) أي: وكذا يبطل إذا اشترط رهنه في بيع فاسد ودفعه الراهن ظانًا أنه يلزمه ثم تبين أنه لا يلزمه فإنه يحلف (4) ويسترده، وقاله في الجواهر.
قوله: (وَحَلَفَ المُخْطِئُ الرَّاهِنُ أنَّه ظَنَّ لُزُومَ الدِّيَّه وَيرْجعُ) يريد: أن من جنى جناية خطأ تحملها العاقلة فرهن فيها رهنًا على الدية ظانًا أنه تلزمه، ثم تبين أنه لا يلزمه ذلك، فإنه يحلف أنه ظن لزوم الدية له (5) ويرجع ونحوه في المدونة.
قوله: (أَوْ في قَرْضٍ مَعَ دَيْنٍ قَدِيمٍ) يريد: أن من كان له دين على غيره من بيع أو قرض برهن أو غيره، ثم أقرض رب الدين المديان قرضًا على أن يدفع له المديان رهنًا بالقرض مع الدين الأول وهو مراده بالقديم فإن الرهن يبطل بالنسبة إلى الدين القديم لأنه سلف جر منفعة، وهو قد توثقه بالدين القديم (6)، فإن فلس المديان أو مات كان الرهن خاصًا بالدين الأخير (7)، وقاله في المدونة، وإليه أشار بقوله:(وَصَحَّ فِي الجْدِيدِ) وحكى ابن المواز قولًا (8) أن نصف الرهن يبطل ويبقى نصفه الآخر رهنًا في القرض.
(1) قوله: (ثم) ساقط من (ن).
(2)
في (ن 5): (الدين).
(3)
في (ن 3): (مع).
(4)
قوله: (ثم تبين أنه لا تلزمه فإنه يحلف) زيادة من (ن 3).
(5)
زاد بعده في (ن 4): (يحلف).
(6)
قوله: (وهو توثقه بالدين الآخر) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 4): (قد توثقه بالدين القديم).
(7)
في (ن 3): (الأول).
(8)
قوله: (قولًا) ساقط من (ن 3).
قوله: (وَبِمَوْتِ رَاهِنِهِ أَوْ فَلَسِهِ قَبْلَ حَوْزِهِ) أي: وكذا يبطل الرهن أيضًا بموت الراهن أو فلسه قبل أن يقضبه (1) المرتهن ويحوزه، ولا خلاف فيه إذا تركه المرتهن اختيارًا، ولو شاء لقام على الراهن وطلب منه الرهن لتفريطه في القيام بالحوز (2)، وأما إن لم يتراخى بل كان جادًا في الطلب حتى مات الراهن أو فلس ففي ذلك قولان أشهرهما البطلان وهو ظاهر قوله في المدونة، وهو أسوة الغرماء، وإليه أشار بقوله:(وَلَوْ جَدَّ فِيهِ).
قوله: (وَبِإِذْنِهِ في وَطْءٍ، أَوْ إِسْكَانٍ، أَوْ إِجَارَةٍ، وَلَوْ لَمْ يَسْكنْ) يريد: أن الرهن أيضًا يبطل إذا أذن المرتهن للراهن في وطء الأمة المرتهنة أو في إسكان الدار أو إجارة الدابة أو العبد وسواء سكن أو لم يسكن. واحترز بقوله: (وبإذنه) مما إذا فعله الراهن بغير إذن المرتهن فإن ذلك لا يضر (3).
(المتن)
وَتَوَلَّاهُ الْمُرْتَهِنُ بِإذْنِهِ. أَوْ فِي بَيْع وَسَلَّمَ، وإلَّا حَلَفَ وَبَقِيَ الثَّمَنُ، إِنْ لَمْ يَأْتِ بِرَهْنٍ كَالأَوَّلِ: كَفَوْتِهِ بِجِنَايَةٍ، وَأخِذَتْ قِيمَتُهُ، وَبِعَارِيةٍ أُطْلِقَتْ وَعَلَى الرَّدِّ، أَوْ رَجَعَ اخْتِيَارًا، لَهُ أَخْذُهُ إِلَّا بِفَوْتِهِ بِكَعِتْقٍ أَوْ حُبُسٍ، أَوْ تَدْبِيرٍ أو بيع، أَوْ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ، وَغَصْبًا فَلَهُ أَخْذُهُ مُطْلَقًا. وإنْ وَطِئَ غَصْبًا فَوَلَدُهُ حُرٌّ، وَعَجَّلَ الْمَلِيءُ الدِّيْنَ أَوْ قِيمَتَهُ، وإلَّا بُقِّيَ، وَصَحَّ بِتَوْكِيلِ مُكَاتب الرَّاهِنِ فِي حَوْزِهِ، وَكَذَا أَخُوهُ عَلَى الأَصَحِّ، لا مَحْجُورِهِ وَرَقِيقِهِ، وَالْقَوْلُ لِطَالِبِ تَحْوِيزِهِ لِأَمِينٍ،
(الشرح)
قوله: (وَتَوَلاهُ المُرتَهِنُ بِإذْنِهِ) يريد: أن الذي يتولى إسكان الدار أو (4) إجارة العبد أو الدابة هو المرتهن بإذن الراهن، وظاهره أنه إذا لم يأذن له الراهن (5) لم يكن له أن يتولاه، وهو منصوص لابن القاسم وأشهب، إلا أن أشهب زاد: إلا (6) إذا اشترط أن كراءه
(1) في (ن 4): (يقضيه).
(2)
في (ن 3): (بالحق).
(3)
في (ن 3): (لا يضمن).
(4)
في (ن): (و).
(5)
قوله: (الراهن) زيادة من (ن 3).
(6)
قوله: (إلا) ساقط من (ن).
رهن معه، أي: مع رقبته فله أن يكريه حينئذ بغير إذنه، ولابن عبد الحكم أن له أن يكريه بغير إذنه، ولعبد الملك أنه يضمن إن لم يكره لتعمده إبطال ذلك (1).
قوله: (أو في بَيْعٍ وَسَلم) هو معطوف على قوله: (وَبِإذْنِهِ في وَطْءٍ) إلى آخره، أي: وكذلك يبطل الرهن بإذن المرتهن للراهن في بيع إذا سلمه؛ له (2)؛ لأن تسليمه له دليل على أنه أسقط حقه منه، وهو مذهب المدونة، وقيل: لا يبطل.
قوله: (وإلَّا حَلَفَ وَبَقِيَ الثَّمَنُ إِنْ لَمْ يَأْتِ بِرَهْنٍ كَالأَوّلِ) أي: وإن لم يكن قد سلم الرهن ولا (3) أخرجه من يده، يريد: وقال: إنما أذنت له في بيعه لإحيائه (4) بأن يجعل ثمنه مكانه أو يأتي برهن غيره ثقة ليأخذ الراهن الثمن، فإن المرتهن يحلف على ذلك، ثم يقال للراهن: ائت برهن ثقة، فإن أبا بقي الثمن رهنًا إلى الأجل ولم يعجل للمرتهن حقه، وإليه أشار بقوله:(وَبَقِيَ الثَّمَنُ) إلى آخره، ولأشهب في العتبية: لا أرى الثمن له رهنا إلا أن يكون المرتهن قد اشترطه.
قوله: (كَفَوْتهِ بجِنَايَةٍ، وَأُخِذَتْ قِيمَتُهُ) يريد: أن الرهن إذا فات بجناية أجنبي عليه (5) وأخذت (6) منه القيمة بأن الراهن يأتي برهن ثقة مكان الأول ويأخذ تلك القيمة، فإن أبى جعلت تلك القيمة رهنًا بيد المرتهن ونحوه في المدونة.
قوله: (وَبِعَارِيَةٍ أُطْلِقَتْ) أي: وكذا يبطل الرهن بما إذا أعاره المرتهن للراهن عارية مطلقة ونحوه في المدونة، ابن المواز: وقال أشهب: له ردها إلا أن يفوت بعتق وشبهه (7).
قوله: (وَعَلَى الرَّدِّ أَوِ اخْتِيَارًا لَهُ أَخْذُهُ) أي: فلو كانت العارية مؤجلة بأجل معلوم أو
(1) قوله: (لتعمده إبطال ذلك) يقابله في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (لتعمد إبطال).
(2)
قوله: (له) زيادة من (ن 5)، وقوله:(للراهن في بيع إذا سلمه؛ له) يقابله في (ن): (في بيعه إذا سلم الرهن وأخرجه من يده).
(3)
في (ن 3): (إلا).
(4)
قوله: (لإحيائه) يقابله في (ن 4): (لا حيازة الرهن)، وفي (ن 3):(لا خيار) و (ن): (لا حيل به).
(5)
قوله: (عليه) ساقط من (ن).
(6)
في (ن): (فأخذت).
(7)
في (ن) و (ن 3): (ونحوه).
بغير أجل على أن يردها الراهن للمرتهن أو أعاره (1) إليه اختيارًا منه بوديعة أو إجارة ونحوهما فإن للمرتهن أخذ الرهن من الراهن وقاله ابن القاسم وأشهب.
قوله: (إِلا بِفَوْتهِ بِكَعِتْقٍ، أَوْ حُبُسٍ أَوْ تَدْبِرٍ أو بيع (2)، أوْ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ) أي: فإذا قام المرتهن يطلب ذلك فله رده ما لم يفت بعتق أو حبس أو تدبير أو بيع أو قيام غرمائه، وقاله ابن القاسم وأشهب.
قوله: (وَغَصْبًا، فَلَهُ أَخْذُ مطْلَقًا) أي: فإن لم يكن الرهن قد عاد إلى يد (3) راهنه اختيارًا من المرتهن، وإنما الراهن غصبه منه، فإن ذلك لا يسقط حقه، وله أخذه منه مطلقًا، أي: سواء فات بما ذكرنا (4) أم لا، قام غرماؤه أم لا (5) (وَغَصْبًا) معطوفًا على قوله:(اخْتِيَارًا) أي: وإن عاد غصبًا.
قوله: (وإنْ وَطِئَ غَصْبًا فَوَلَدُهُ حُرٌّ، وَعَجَّلَ الْمَليءُ الدَّيْنَ أوَ قِيمَتَهُ، وَإِلا بُقِّيَ) أي: فإن وطئ الراهن الأمة المرتهنة (6) على سبيل التصور (7) والغصب من غير إذن المرتهن فإن ولده يكون حرًّا ويعجل الحق إن كان مليًا، وكانت قيمتها مثل الدين فأكثر، فإن كانت أقل عجَّل القيمة فقط، قال في المدونة: وإن لم يكن له مال بيعت الجارية بعد الوضع وبعد حلول الأجل، ولا يباع ولدها وهو حر لاحق النسب وتكون به أم ولد (8) وهذه إحدى المسائل التي تباع فيها أم الولد، ومثلها الأمة إذا جنت وعلم بها السيد فوطئها وهو عديم فحملت فإنها تسلم للمجني عليه فيبقيها أو يبيعها، وكذلك أمة الشريكين يطؤها أحدهما وهو معسر، وأمة القراض يطؤها العامل وهو معسر، وأمة المفلس إذا وقفت للبيع فوطئها فحملت، والابن يطأ أمة من تركة والده وهو عديم، وعلى الأب
(1) في (ن 4): (رده) و (ن): (أعاده).
(2)
قوله: (بيع) ساقط من (ن) و (ن 5).
(3)
قوله: (يد) زيادة من (ن).
(4)
في (ن): (ذكر).
(5)
قوله: (قام غرماؤه أم لا) ساقط من (ن 4).
(6)
قوله: (المرتهنة) زيادة من (ن 5).
(7)
في (ن 5): (التسور).
(8)
انظر: المدونة: 4/ 158.
دين يستغرق التركة والابن عالم به حالة الوطء.
قوله: (وَصَحَّ بِتَوْكِيلِ مُكَاتِبِ الرَّاهِنِ في حَوْزهِ) يريد: أن المرتهن إذا وَكّل مكاتب الراهن في حوز الرهن، فإنه يصح؛ لأن المكاتب قد أحرز نفسه وماله فهو كالأجنبي عن السيد.
قوله: (وَكَذَا أَخُوهُ عَلَى الأَصَحِّ) أي: وكذا يصح الرهن إذا وَكّل المرتهن على حوزه أخا الراهن، وقال في المجموعة: وهو رهن تام، وقال ابن القاسم في الموازية والعتبية: لا ينبغي ذلك وضعفه، والأول أصح (1).
قوله: (لا مَحْجُورهِ وَرَقِيقِهِ) أي: فإن وكّل المرتهن على ذلك من هو في حجر الراهن كولده الصغير أو الكبير الذي تحت نظره أو يتيمه، فإن الرهن لا يصح لأن نظر الراهن على هؤلاء وعلى أموالهم، فكل ما في أيديهم فهو بيده في المعنى، ومثل ذلك عبده ومستولدته.
قوله: (وَالْقَوْلُ لطَالِبِ (2) تَحْوِيزِهِ لأَمِينٍ) يريد: أنهما إذا اختلفا فطلب المرتهن وضعه تحت يده مثلًا وقال الراهن: بل يوضع تحت يد أمين أو العكس، فإن القول قول من طلب وضعه عند (3) أمين، وهو قول ابن القاسم في العتبية (4)، وقال اللخمي: إذا كانت العادة تسليم الرهن للمرتهن فإنه يقضى له بذلك كالشرط (5).
(المتن)
وَفِي تَعْيينِهِ نَظَرَ الْحَاكِم، وَإِنْ سَلَّمَهُ دُونَ إِذْنِهِمَا لِلْمُرْتَهِنٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَلِلرَّاهِنِ ضَمِنَهَا أوِ الثمَنَ، وَانْدَرَجَ صُوفٌ تَمَّ، وَجَنِينٌ، وَفَرْخُ نَخْلٍ، لا غَلَّةٌ، وَثَمَرَةٌ، وَإِنْ وُجِدَتْ وَمَالُ عَبْدٍ، وَارْتَهَنَ إِنْ أَقْرَضَ أَوْ بَاعَ أَوْ يَعْمَلْ لَهُ وَإِنْ فِي جُعْل، لا فِي مُعَيَّنٍ أَوْ مَنْفَعَتِهِ، وَنَجْمِ كِتَابَةٍ مِنْ أَجْنَبيٍّ، وَجَازَ شَرْطُ مَنْفَعَتِهِ، إِنْ عُيّنَتْ بِبَيعٍ لا قَرْضٍ، وَفِي ضَمَانِهِ إِذَا تَلِفَ تَرَدُّدٌ، وَأَجْبِرَ عَلَيْهِ، إِنْ شُرِطَ بِبَيْع وَعُيّنَ، وَإِلَّا فرَهْنٌ
(1) انظر: المنتقى: 7/ 265، والتوضيح: 6/ 113.
(2)
في (ن 3)، و (ن 4):(للطالب).
(3)
قوله: (عند) يقابله لا (ن): (على يد).
(4)
انظر: البيان والتحصيل: 11/ 96.
(5)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:5674.
ثِقَةٌ، وَالْحَوْزُ بَعْدَ مَانِعِهِ لا يُفِيدُ. وَلَوْ شَهِدَ الأَمِينُ، وَهَلْ تَكْفِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْحَوْزِ قَبْلَهُ وَبِهِ عُمِلَ؟ أَوِ التَّحْوِيزِ؟ تَأوِيلانِ. وَفِيهَا دَلِيلُهُمَا.
(الشرح)
قوله: (وَفي تَعْيِينِهِ نَظَرَ الحْاكِمِ) وإن كان اختلافهما في تعيين الأمين فطلب أحدهما أمينًا، واختار الآخر أمينًا غيره، فإْن الحاكم ينظر فيمن يجعل عنده الرهن، وهو قول ابن عبد الحكم (1)، وقيل: بل يقضى بأمين الراهن. اللخمي: وهو أنظر لنفسه في حفظه ومن يثق به (2).
قوله: (وَإِنْ سَلَّمَهُ دُونَ إِذْنِهِما لِلْمُرْتَهِنِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، وَللرَّاهِنِ ضَمِنها أَوِ الثمَنَ) لم يبين هل كان الرهن في هذا مما يغاب عليه أم لا، وفي المدونة: وإذا تعدى العدل على رهن بيده فدفعه إلى الراهن أو المرتهن فضاع وهو مما يغاب عليه، فإن دفعه إلى الراهن ضمنه للمرتهن (3)، ابن يونس وغيره: يريد: يضمن له الأقل من قيمته أو الدين لأنه إن كانت قيمته أقل فهي التي (4) أتلف عليه، وإن كان الدين أقل (5) لم تكن له المطالبة بغيره، محمد (6): قال فيها: وإن دفعه للمرتهن ضمنه للراهن، فإن كان الرهن كفاف الدين سقط دين المرتهن لهلاكه (7) بيده، وإن كان فيه فضل ضمن العدل فضلة الرهن، ابن يونس: يريد ويرجع بها على المرتهن، اللخمي: وهذا إذا أسلمه للمرتهن (8) بعد الأجل أو قبله و (9) لم يعلم به حتى حل الأجل، وأما إذا علم به قبل الأجل فإن له أن يغرم القيمة لأيهما (10) شاء؛ لأنهما متعديان معًا عليه، وتوضع القيمة على يد عدل غير
(1) قوله: (ابن عبد الحكم) يقابله في (ن): (محمد بن عبد الحكم).
(2)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:5675.
(3)
انظر: المدونة: 4/ 139.
(4)
قوله: (فهي التي) يقابله في (ن) و (ن 3) و (ن 4): (فهو الذي).
(5)
قوله: (وإن كان الدين أقل) يقابله في (ن 4) و (ن 5): (وإن كانت أكثر الثمن أقل)، وفي (ن 3):(وإن كان الدين أكثر).
(6)
في (ن) و (ن 5): (ثم).
(7)
في (ن) و (ن 3): (كهلاكه).
(8)
في (ن 3): (المرتهن).
(9)
في (ن 5): (أو).
(10)
في (ن 5): (أيهما).
الأول، وللراهن أن يأتي برهن مكان الأول ويأخذ (1) القيمة (2).
قوله: (وَانْدَرَجَ صُوفٌ تَمَّ، وَجَنِينٌ وَفَرْخُ نَخْلٍ) يريد: أن من رهن غنمًا وعليها صوف تام فإنه يدخل معها في الرهن وهو قول ابن القاسم كما في البيع، وقال أشهب: لا يدخل، واتفقا على أن غير التام لا يدخل لأنه غلة كاللبن وغيره، قال في المدونة: ومن ارتهن أمة حاملًا كان ما في بطنها وما تلد بعد ذلك رهنًا معها، وكذلك نتاج الحيوان (3)، وقاله مالك (4)، محمد: ولو شرط عدم دخول الولد في الرهن لم يجز، ونص في الجلاب على أن من رهن نخلًا، فأفرخت فإن فرخها يدخل معها في الرهن (5).
قوله: (لا غَلَّةٌ وَثَمَرَةٌ، وإنْ وُجِدَتْ) أي: فإن ذلك لا يدخل في الرهن، قاله في المقدمات، وروي عن مالك أن الغلة تدخل في الرهن سواء كانت متولدة عنه كثمرة النخل ولبن الغنم أو صوفها (6) أو غير متولدة ككراء الدار وأجرة العبد (7)، والمشهور في الثمرة ما ذكره، وسواء كانت موجودة يوم الرهن أم لا، وهو ظاهر المدونة، وعن مالك أنها تدخل في الرهن (8).
قوله: (وَمَالُ عَبْد) يريد: عند الإطلاق، أو اشترط عدم دخوله وأما لو اشترط دخوله في الرهن (9)، فإنه يدخل معه.
قوله: (وَارْتَهَنَ إِنْ أَقْرَضَ، أَوْ بَاعَ) يريد: أنه ليس من شرط الرهن أن يصادف دينًا سابقًا بل يصح الارتهان قبل القرض أو البيع، كما يجوز ذلك بعدهما أو معهما، قال في المدونة: وإن دفعت إلى رجل رهنًا بكل (10) ما اقترض فلان
(1) زاد بعده في (ن 4): (الأول).
(2)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:5699.
(3)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 50.
(4)
قوله: (مالك) ساقط من (ن) و (ن 5).
(5)
انظر: التفريع: 2/ 272.
(6)
قوله: (أو صوفها) يقابله في (ن): (وصوفها).
(7)
انظر: المقدمات الممهدات: 2/ 67.
(8)
انظر: النوادر والزيادات: 10/ 181.
(9)
قوله: (وأما لو اشترط دخوله في الرهن) ساقط من (ن 4).
(10)
في (ن): (حل).
جاز ذلك (1)، عبد الحق: ويكون رهنًا بما داينه من قليل أو كثير ما لم يجاوز قيمة الرهن.
قوله: (أوْ يَعْمَلْ لَهُ) أي: وكذا يصح الارتهان على أن يعمل له عملًا، يريد: هو أو من يكريه له ليكون العمل متعلقًا بالذمة لا بخصوصية الرجل؛ لأنه يقول (2) بعده (لا في مُعَيَّنٍ أَوْ مَنْفَعَتِهِ) ويصح أن يحمل كلامه على أن المكتري (3) يأخذ الرهن بالإجارة التي دفعها إلى المعين لاحتمال موت الأجير، وإليه أشار بقوله:(وإنْ في جُعْلٍ).
قوله: (لا في مُعَيَّنٍ أوْ مَنْفَعَتِهِ) أي: فإن الرهن في ذلك لا يصح إذ المقصود في الرهن التوثق ليستوفي منه ما يطلب به، ومحال أن يستوفي في المعين الذات أو المنفعة (4) من الرهن أو من ثمنه، فلهذا إذا اشترى ثوبًا معينًا أو اكترى دابة معينة، وأخذ بذلك رهنًا فإن ذلك لا يجوز، ولا يلزم والرهن في المعار لضمان القيمة، لا لأن يستوفي منه الذات المعارة. قال يعترض هذا الأصل (5).
قوله: (وَنَجْمِ كِتَابَةٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) هذا نحو قوله في المدونة، وإن أعطاك أجنبي رهنًا بكتابة مكاتب لم يجز، ثم قال: وإذا خاف المكاتب العجز جاز له أن يرهن له أم (6) ولده (7)، فيفرق بين الأجنبي وغيره (8) كما أشار إليه هنا، وظاهر قوله في الجواهر: وإذا كان الدين (9) غير لازم ولا صائر إلى اللزوم، كنجوم الكتابة فلا رهن (10)، يريد به (11): أنه لا فرق بين الأجنبي وغيره.
قوله: (وَجَازَ شَرْطُ مَنْفَعَته، إِنْ عُيِّنَتْ بِبَيْعٍ، لا قَرْضٍ) يريد: أن المرتهن يجوز له أن
(1) انظر: المدونة: 4/ 137.
(2)
في (ن 3): (مقيد بقوله).
(3)
في (ن 5): (المكري).
(4)
قوله: (يستوفي في المعين الذات أو المنفعة) يقابله في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (يستوفي المعين منفعة).
(5)
قوله: (قال يعترض هذا الأصل) زيادة من (ن 5).
(6)
قوله: (أم) ساقط من (ن 3).
(7)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 69.
(8)
قوله: (غيره) ساقط من (ن 3).
(9)
في (ن 4): (الرهن).
(10)
انظر: عقد الجواهر: 2/ 769.
(11)
في (ن 4): (يريد)، وقوله:(يريد) ساقط من (ن).
يشترط الانتفاع بالرهن إذا قيد الانتفاع (1) بوقت معين ونحوه، وكان ذلك الدين الذي دفع فيه الرهن من بيع، وقاله في المدونة، فلو اشترط المنفعة ولم يذكر المدة (2) فلا يصح الرهن (3)، وكذلك إذا كان الدين من قرض لأنه سلف جر منفعة، وهذا كله إذا كانت المنفعة مشروطة في عقد البيع، وأما إن لم تشترط فيه وإنما أباحها الراهن له بعد ذلك فإن ذلك لا يصح في بيع ولا قرض، لأنه إن كان بلا عوض فهو هدية مديان، وهو ممنوع وإن كان بعوض جرى على الكلام في مبايعة المديان وقاله اللخمي (4)، وظاهر كلام الشيخ أنه لا فرق بين الحيوان والثياب (5) والدور والأرضين، وقاله ابن القاسم وأشهب وأصبغ وهو مروي عن مالك، وعنه في المدونة إنما ذلك في الدور والأرضين، ومنعه في الحيوان والثياب (6).
قوله: (وَفي ضَمانِهِ إِذَا تَلِفَ تَرَدُّدٌ) يريد: أنه اختلف في ضمان الرهن الذي اشترط منفعته إذا هلك، أي: وهو مما يغاب عليه، وذهب بعض المتأخرين إلى أن المرتهن يضمنه لأنه رهن، وقال بعضهم: لا يضمنه كسائر المستأجرات، وقال التونسي: ينظر إلى القدر الذي يذهب منه بالإجارة فإذا كان الثوب مثلًا ينقص لاستعماله (7) المدة المشترطة الربع فيكون ربعه غير مضمون، لأنه مستأجر، وثلائة أرباعه مضمون لأنه مرتهن إن لم تقم بينة بهلاكه (8)، واعترضه صاحب البيان بأنه إنما ارتهن جميعه واستأجر جميعه، فإما أن يحكم له بحكم الرهن أو بحكم الإجارة، ولم يرتهن بعضه ويؤجر بعضه حتى يقسط (9)، قال: والصواب أن يغلب عليه حكم الرهن (10).
(1) في (ن): (المنفعة).
(2)
في (ن): (مدة).
(3)
قوله: (الرهن) ساقط من (ن 3).
(4)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:5724.
(5)
في (ن 5): (النبات).
(6)
في (ن 5): (النبات). وانظر: المدونة: 4/ 149، وتهذيب المدونة: 4/ 63، والتوضيح: 5/ 450.
(7)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (استعماله).
(8)
قوله: (بهلاكه) زيادة من (ن 5).
(9)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (يسقط عليهما).
(10)
انظر: البيان والتحصيل: 11/ 113.
قوله: (وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ، إِنْ شُرِطَ بِبَيعٍ وَعُيِّنَ وَإِلا فَرَهْنٌ ثِقَةٌ) يريد: أن من اشترى شيئًا وشرط في عقد البيع أن يرهن عند بائعه عبده فلانًا المعين أو دابته المعينة فإنه يجبر على أن يدفعه له رهنًا إذ المؤمنون عند شروطهم، فإن لم يعين شيئًا بل باعه على رهن غير معين، فإنه يجبر على أن يأتي برهن ثقة.
قوله: (وَالحْوْزُ بَعْدَ مَانِعِهِ لا يُفِيدُ) مراده بمانع الحوز: الموت، والفلس ونحوهما، ومعناه أن من له دين على شخص، ثم وجدت بيده (1) سلعة للمديان (2) بعد موت الديان (3) أو فلسه، وادعى أنها رهن عنده في الدين المذكور أن ذلك لا يفيده في إثبات الحوز ولا يصدق ولو وافقه المديان. عبد الملك: ولا ينفعه ذلك حتى يعلم أنه حازه قبل الموت والفلس (4).
محمد: صوابه لا ينفعه إلا بمعاينة الحوز.
قوله: (وَلَوْ شَهِدَ الأَمِينُ) يريد أن شهادة الأمين الذي وضع الرهن بيده (5) لا تقبل أيضا أنه حازه له إلا (6) بالبينة، ونقله الباجي عن ابن الماجشون، وبه قال ابن عتاب، واقتصر عليه اللخمي ولم يعزه، وقال سحنون: تقبل شهادة الأمين (7)، والمشهور: لا تقبل وإليه أشار بقوله: (وَلَوْ شَهِدَ الأَمِينُ).
قوله: (وهَلْ تَكْفِي بَيِّنةٌ عَكَ الْحوْزِ قَبْلَهُ (8) وَبِهِ عُمِلَ؟ أَوِ التَّحْوِيزِ؟ تَأوِيلانِ) يريد: أنه اختلف هل يكفي في صحة الرهن معاينة البينة على الحوز قبله أو لابد من معاينة التحويز في ذلك قولان حكاهما ابن يونس وغيره. الباجي: وعندي أنه لو ثبت أنه وجد بيده قبل الموت والفلس، ثم أفلس أو مات (9) لوجب (10) أن يحكم له بحكم
(1) قوله: (بيده) ساقط من (ن 5).
(2)
في (ن): (المديان).
(3)
قوله: (بعد موت المديان) ساقط من (ن 5).
(4)
انظر: عقد الجواهر: 2/ 774.
(5)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (علة يده).
(6)
قوله: (قوله: "ولو شهد الأمين"
…
أيضا أنه حازه له إلا) ساقط من (ن 4).
(7)
انظر: التوضيح: 6/ 120.
(8)
قوله: (عَلَى الْحوْزِ قَبْلَهُ) يقابله في (ن 3): (قبل حوزه).
(9)
قوله: (ثم أفلس أو مات) ساقط من (ن 5).
(10)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (لو وجب).
الرهن (1)، قال: ولعله معنى قول محمد، ولكن ظاهر اللفظ خلافه، وأنه لابد من معاينة تسليم الرهن وهو محتمل. ابن عبد السلام: وقد قال بعض الأندلسيين: إن العمل عندهم على أنه إن وجد الرهن بيد المرتهن، وقد حازه كان رهنًا، وإن لم يحضروا الحيازة، ولا عاينوها صار مقبوضًا كالصدقة (2)، وإليه أشار بقوله:(وَبِهِ عُمِلَ) قال في المقدمات: ولو وجد الرهن بيد المرتهن (3) بعد التفليس فادعى أنه قبضه قبل التفليس وجحد ذلك الغرماء، لجرى الأمر على الاختلاف في الصدقة توجد بيد المتصدق عليه بعد موت المتصدق، فيدعي صحتها لأنه (4) قبضها في صحته (5)، قال: وفي المدونة (6) دليل على القولين جميعًا، ولهذا أشار بقوله:(وَفيهَا دَلِيلُهُما) لكن لم يذكر ذلك ابن رشد إلا في الصدقة (7)، وجعل الأمر في المرتهن (8) يجري على ذلك كما تقدم (9)، وهو مخالف لظاهر ما هنا فتأمله.
(المتن)
وَمَضَى بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، إِنْ فَرَّطَ مُرْتَهِنُهُ، وإلَّا فَتَأْوِيلانِ. وَبَعْدَهُ فَلَهُ رَدُّهُ إِنْ بِيعَ بِأَقَلَّ، أَوْ دَيْنُهُ عَرْضًا، وإنْ أَجَازَ تَعَجَّلَ وَبَقِيَ إنْ دَبَّرَهُ، وَمَضَى عِتْقُ الْمُوسِرِ وَكِتَابَتُهُ، وَعَجَّلَ. وَالْمُعْسِرُ يَبْقَى، فَإِذَا تَعَذَّرَ بَيعُ بَعْضِهِ بِيعَ كُلُّهُ، وَالْبَاقِي لِلرَّاهِنِ، وَمُنِعَ الْعَبْدُ مِنْ وَطْءِ أَمَتِهِ الْمَرْهُونُ هُوَ مَعَهَا. وَحُدَّ مُرْتَهِنٌ وَطِئَ إلَّا بِإِذْنٍ، وَتُقَوَّمُ بِلا وَلَدٍ. حَمَلَتْ أَمْ لا. وَلِلأَمِينِ بَيْعُهُ بِإِذْنٍ فِي عَقْدِهِ، إنْ لَمْ يَقُلْ: إنْ لَمْ آتِ كَالْمُرْتَهِنِ بَعْدَهُ، وَإِلَّا مَضَى فِيهِمَا. وَلا يُعْزَلُ الأَمِينُ، وَلَيْسَ لَهُ إيصَاءٌ بِهِ. وَبَاعَ الْحَاكِمُ إنِ امْتَنَعَ، وَرَجَعَ مُرْتَهِنُهُ بِنَفَقَتِهِ فِي الذمَّةِ، وَلَوْ لَم يَأْذَنْ، وَلَيْسَ رَهْنًا بِهِ إلَّا
(1) انظر: المنتقى: 7/ 257.
(2)
انظر: التوضيح: 6/ 119.
(3)
قوله: (ولو وجد الرهن بيد المرتهن) ساقط من (ن 4).
(4)
قوله: (صحتها لأنه) ساقط من (ن).
(5)
انظر: المقدمات الممهدات: 2/ 64.
(6)
قوله: (قال: وفي المدونة) يقابله في (ن 3)، و (ن 4):(وقاله في المدونة). وانظر: تهذيب المدونة: 4/ 347.
(7)
في (ن 4): (المدونة).
(8)
في (ن 5): (الرهن).
(9)
قوله: (كما تقدم) زيادة من (ن 5).
أَنْ يُصَرِّحَ بِأَنَّهُ رَهْنٌ بِهَا، وَهَلْ وَإنْ قَالَ وَنَفَقَتُكَ فِي الرَّهْنِ؟ تَأوِيلانِ. فَفِي افْتِقَارِ الرَّهنِ لِلَفْظٍ مُصَرَّحٍ بِهِ تَأوِيلانِ.
(الشرح)
قوله: (وَمَضى بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ إِنْ فَرَّطَ مُرْتَهِنُهُ، وَإِلا فتَأوِيلانِ) يعني: أن الراهن إذا باع الرهن قبل أن يقبضه المرتهن (1)، فإن كان ذلك بسبب تفريط المرتهن وتراخيه في قبضه فإن البيع ماض، ولا مقال للمرتهن، قال في المدونة: لأن تركك إياه حتى باعه كتسليمك لذلك (2)، وعلى هذا تأولها ابن القصار وابن أبي زيد وغيرهما، قال: وإن لم يفرط ولم يتراخ، وإنما الراهن هو الذي بادر إلى بيعه فإن الرهن لا يبطل ويرد البيع إن أراد ذلك المرتهن، فإن فات بيد مشتريه كان الثمن رهنًا، ونص عبد الملك في المجموعة على إمضاء البيع، وإن لم يفرط، وإلى ذلك أشار بقوله:(وإلا فتأويلان)(3) وظاهر كلامه (4) هنا أن المدونة تأولت عليه أيضًا لكن لم أرَ مَن تأول على المدونة الإمضاء مع عدم (5) التفريط، ولو قال: وإلا فقولان لكان أحسن.
قوله: (وَبَعْدَهُ فَلَهُ رَدُّهُ إِنْ بِيعَ بِأقَلَّ، أَوْ دَيْنُهُ عَرْضًا، وَإن أجَازَ تَعَجَّلَ) أي: وإن باع الراهن الرهن بعد أن قبضه المرتهن بغير إذنه فله رده إن باعه الراهن بأقل من الدين أو كان دينه عرضًا؛ لأنه (6) لا يلزمه قبض العرض قبل حلول أجله إلا أن يكون من قرض، وعلى هذا حمل ابن رشد المدونة، قال فيها: وإذا باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن لم يجز بيعه (7) فإن أجازه تعجل (8) حقه شاء الراهن أو أبى (9).
قوله: (وإن أجاز تعجل) حقه شاء الراهن أو أبا (10)، وهو مقيد بأن يحلف أنه
(1) قوله: (المرتهن) ساقط من (ن 3).
(2)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 68.
(3)
قوله: (وإلى ذلك أشار بقوله: "وإلا فتأويلان") زيادة من (ن 3).
(4)
قوله: (وظاهر كلامه) يقابله في (ن 5): (كلام الشيخ).
(5)
قوله: (عدم) زيادة من (ن 4) و (ن 5).
(6)
قوله: (لأنه) ساقط من (ن).
(7)
قوله: (وإذا باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن لم يجز بيعه) زيادة من (ن 5).
(8)
قوله: (فإن أجازه تعجل) يقابله في (ن): (وإن أجاز تعجيل المرتهن).
(9)
زاد في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (صح منها). وانظر: تهذيب المدونة: 4/ 49.
(10)
قوله: (قوله: وإن أجاز تعجل حقه شاء الراهن أو أبا) زيادة من (ن 5).
إنما أجاز ذلك بذلك وبه صرح في التلقين، وعن مالك في الموازية (1) إن باعه بمثل الدين أو قدره بأكثر مضى وتعجل حقه وإلا فله أن يجيز أو يرد (2)، والأحسن أن يقرأ قوله (3)"عرضًا" بالنصب على أنه خبر كان المحذوفة، واسمها (دَيْنُهُ) والتقدير: أو كان دينه عرضًا (4).
قوله: (وَبَقِيَ إِن دَبَّرَهُ) أي: إذا رهن عبده ثم دبره فإنه يبقى على حاله، قال في المدونة: لأن له أن يرهن مدبره (5)، وروى ابن وهب عن مالك (6) أن التدبير (7) كالعتق سواء، وأنه (8) إذا دبره عجل دينه، واختاره سحنون.
قوله: (وَمَضَى عِتْقُ الْموسِرِ وَكِتَابَتُهُ، وَعَجَّلَ) يريد: أن من رهن عبدًا ثم أعتقه أو كاتبه فإن ذلك يمضي إذا كان موسرًا ويعجل الدين هكذا قال في المدونة (9)، إلا أنه عبر عن قوله هنا:(مضى) بقوله: (جَازَ) وهذا يدل على الجواز ابتداء بخلاف ما هنا، لكن قال في التوضيح: إن ذلك لا يجوز ابتداء وهو منصوص عليه في المدونة، وليس بظاهر لما (10) تقدم. نعم، نص اللخمي على أنه ليس ذلك ابتداء إلا أن يعجل الدين، فإن لم يكن موسرًا فإن العبد يبقى رهنًا على حاله (11)، وقاله في المدونة، وإليه أشار بقوله:(وَالْمُعْسِرُ يَبْقَى) ثم قال: (فَإذَا تَعَذَّرَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِيعَ كُلُّهُ وَالْبَاقِي لِلراهِنِ) أي: فإن أبقاه تحت يد المرتهن (12) حتى حل الدين فإنه يباع منه بقدر الدين إن وجد من يشتريه،
(1) قوله: (في الموازية) زيادة من (ن 5).
(2)
انظر: الجامع بين الأمهات: 1/ 568.
(3)
قوله: (قوله) زيادة من (ن 5).
(4)
قوله: (والتقدير: أو كان دينه عرضًا) ساقط من (ن 4).
(5)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 70.
(6)
قوله: (عن مالك) ساقط من (ن).
(7)
في (ن 5): (التقدير).
(8)
قوله: (سواء، وأنه) يقابله في (ن): (فرأوا أنه).
(9)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 70.
(10)
في (ن): (كما).
(11)
قوله: (على حاله) يقابله في (ن): (بحاله).
(12)
زاد في (ن 5): (وتحت حوزه).
كذلك ويعتق الباقي، وقال أشهب: إنما هذا في العتق وأما في (1) الكتابة والتدبير فيباع كله ويكون ثمنه لسيده كله (2)؛ إذ لا يكون بعض أم ولد، ولا بعض مكاتب ولا بعض مدبر، وإن لم يجد من يشتري ذلك بيع كله وقضي الدين، وكان الباقي لربه يصنع به ما شاء، لأن الحكم لما أوجب بيعه صار ثمنه كله للراهن، بعض الأشياخ: ولو قيل: إن الباقي يجعل في جزء حرية لما بعد.
قوله: (وَمُنِعَ الْعَبْدُ (3) مِنْ وَطْءِ، أَمَتِهِ الْمَرْهُونُ هُوَ مَعَهَا) يريد: وكذلك لو كانت هي المرهونة وحدها، وقاله في المدونة والموازية (4)، قلت: وهل للعبد المرهون أن يطأ جاريته، قال: إن كان لم يشترطها المرتهن ولا مال له فله أن يطأها، وإن كان قد رهنهما جميعًا لم يكن له أن يطأها لأن ذلك انتزاع من السيد لأم ولده ولجاريته إذا رهنهما. ابن يونس: قال بعض (5) أصحابنا: إذا ارتهن عبدًا واشترط أن ماله رهن (6) معه وللعبد جارية أن للعبد أن يطأ بخلاف ما إذا رهنه وجاريته (7) وهو مخالف (8) لما تقدم في الموازية.
قوله: (وَحُدَّ مُرْتَهِنٌ وَطِئَ إِلا بِإذْنٍ، وَتُقَوَّمُ بِلا وَلَدٍ حَمَلَتْ أَمْ لا) إنما حد المرتهن؛ لأنه أجنبي ولا شبهة له فيها، وسواء حملت أم لا، ولهذا قال أبو الحسن الصغير بعد قوله في المدونة: ومن رهن أمة فوطئها المرتهن فولدت منه لزمه الحد ولم يلحق به الولد (9)، يريد: وكذلك إن لم تلد منه، وإنما ذكر الولد ليرتب عليه الحكم فيه، ثم قال فيها: وكان الولد مع الأم رهنًا، وعليه للراهن ما نقصها الوطء بكرًا كانت أو ثيبًا إذا أكرهها،
(1) قوله: (في) زيادة من (ن).
(2)
قوله: (كله) زيادة من (ن 5).
(3)
قوله: (العبد) ساقط من (ن 4).
(4)
في (ن): (وفي الموازية).
(5)
قوله: (بعض) زيادة من (ن) و (ن 5).
(6)
قوله: (رهن) زيادة من (ن).
(7)
انظر: التوضيح: 6/ 131.
(8)
في (ن): (خلاف).
(9)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (الوليد). وانظر: تهذيب المدونة: 4/ 71.
وكذلك إذا طاوعته وهي بكر وأما إن كانت ثيبًا فلا شيء عليه (1). ابن يونس: الصواب أن عليه ما نقصها، وإن طاوعته بكرًا كانت أو ثيبًا (2)، وقال أشهب: لا شيء عليه مما نقصها إذا طاوعته (3)، وإن كانت بكرًا، وإنما لم يحد إذا أذن له الراهن مراعاةً لقول من يرى (4) أن الأمة المحللة لا يحد واطئها، وأما كون الأم (5) تُقوّم دون ولدها فلأن (6) المرتهن لا شيء له (7) من قيمة ولدها سواء كان موسرًا أو معسرًا؛ لأنه غير لاحق به، قال في المدونة: ولو اشترى المرتهن هذه الأمة وولدها لم يعتق عليه ولدها؛ لأنه لم يثبت نسبه منه (8). وفي كتاب أمهات الأولاد: وهو أن ولد الزنى لا يعتق على أبيه إذا ملكه وإن كانت أنثى لم يجز وطؤها (9)، وقال ابن الماجشون: له وطؤها (10) وهو القياس، محمد: وهو مذهب مرغوب عنه، ومذهب ابن القاسم استحسان، ويدل عليه قضية وليد عبد ابن زمعة (11).
قوله: (وَللأَمِينِ بَيْعُهُ بِإِذْنٍ في عَقْد) يريد: أن الرهن إذا كان تحت يد أمين فإن له أن يبيع الرهن إذا أذن له الراهن في ذلك حين عقد الرهن، ولا يحتاج في ذلك للرفع للحاكم ونحوه في الجواهر (12) والمدونة (13)، قال فيها: ولو قال الراهن لمن على يديه الرهن من مرتهن أو غيره (14) إن لم آت إلى أجل كذا فأنت مسلط على بيع الرهن فلا
(1) انظر: تهذيب المدونة: 4/ 71.
(2)
انظر: التوضيح: 6/ 132.
(3)
قوله: (بكرًا كانت أو ثيبًا
…
إذا طاوعته) ساقط من (ن 3).
(4)
في (ن 4): (يروي).
(5)
في (ن 3) و (ن 4) و (ن 5): (الأمة).
(6)
في (ن 3) و (ن 4): (فإن).
(7)
في (ن) و (ن 5): (عليه).
(8)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 71.
(9)
قوله: (لم يجز وطؤها) يقابله في (ن 3): (لم يجز له رهنها).
(10)
قوله: (وقال ابن الماجشون: له وطؤها) زيادة من (ن 5).
(11)
في (ن 3): (وليدة ابن ربيعة)، وفي و (ن 4) و (ن 5):(وليدة ابن زمعة).
(12)
انظر: عقد الجواهر: 2/ 778.
(13)
قوله: (والمدونة) ساقط من (ن).
(14)
في (ن) و (ن 5): (عدل).
يبيعه إلا بأمر السلطان (1)، وإليه أشار بقوله:(إن لم يقل إن لم آت). ابن شاس: فإن باعه بغير أمر السلطان نفذ (2)، وقاله في المدونة.
قوله: (كَالْمُرتَهِنِ بَعْدَهُ) أي: بعد عقد، (3) يريد: أن حكم المرتهن إذا أذن له الراهن بعد عقد الرهن في بيعه بعد الأجل كحكم الأمين في استقلاله في البيع دون حاكم، ولا خلاف فيه، قاله ابن رشد، فإن لم يأذن له الراهن (4) في ذلك لم يجز له الاستقلال إلا بأمر السلطان، فقوله:(بعده)(5) بالبيع، واحترز بقوله بعده مما إذا أذن له قبل الأجل (6)، أي: في (7) عقد الرهن، فإن البيع يرد ما لم يفت المبيع.
قوله: (وإلا مَضى فِيهِما) أي: في مسألة (8) الأمين والمرتهن، وقد تقدم نحوه في المدونة والجواهر. قوله:(وَلا يُعْزَلُ الأَمِينُ) يريد: أن الراهن إذا أذن للأمين في بيع الرهن فليس له عزله، واختلف إذا وكل وكيلًا على بيعه هل له عزْله أم لا؟ على قولين، والذي اقتصر عليه ابن الجلاب أنه لا يعزله إلا بإذن المرتهن (9).
قوله: (وَلَيْسَ لَهُ إِيصَاءٌ بِهِ) أي: وليس للأمين أن يوصي بالرهن الذي بيده عند موته بوضعه عند غيره، والأمر في ذلك إلى المتراهنين.
قوله: (وَبَاعَ الْحَاكِمُ إِنِ امْتَنَعَ) أي: فإن امتنع الراهن من بيع الرهن (10)، يريد: ومن قضاء الدين فإن الحاكم يجبره على بيعه ليدفع الحق لربه كما تقدم.
قوله: (وَرَجَعَ مُرْتَهِنُهُ بِنَفَقَتِهِ في الذِّمَّةِ، وَلَو لم يَأْذَنْ) قال في المدونة وإذا أنفق المرتهن
(1) انظر: تهذيب المدونة: 4/ 53.
(2)
انظر: عقد الجواهر: 2/ 778.
(3)
قوله: (أي: بعد عقد) زيادة من (ن).
(4)
قوله: (الراهن) ساقط من (ن 5).
(5)
قوله: (إلا بأمر السلطان، فقوله: "بعده") ساقط من (ن).
(6)
قوله: (بالبيع واحترز بقوله بعد مما إذا أذن له قبل الأجل) يقابله في (ن 4): (إلا بأمر السلطان، فقوله بعده مما إذا أذن له قبل الأجل).
(7)
في (ن): (أو في).
(8)
في (ن): (مسألتي).
(9)
انظر: التوضيح: 6/ 137.
(10)
قوله: (من بيع الرهن) ساقط من (ن 4).
على الرهن بإذن ربه أو بغير إذنه رجع بما أنفق على الراهن (1). بعض الأشياخ: ولا خلاف أنها في ذمته كالسلف إذا أذن له الراهن في الإنفاق عليه فيتبع بها، وإن زادت على قيمة الرهن (2)، واختلف إذا أنفق بغير إذنه فمذهب ابن القاسم في المدونة والموازية والمجموعة كما قال هنا أنه (3) في الذمة أيضًا، وقال أشهب: بل في الرهن.
قوله: (وَلَيْسَ رهنًا بِهِ إِلا أَنْ يُصَرّحَ بِأنَّهُ رَهْنٌ بِهَا) قال في المدونة عن ابن القاسم: ولا يكون ما أنفق في الرهن إذا أنفق بأمر ربه إلا أن يقول له: أنفق على أن نفقتك في الرهن (4)، فإذا قال له ذلك فله حبسه بنفقته وبما رهنه فيه إلا أن يقوم الغرماء على الراهن فلا يكون المرتهن أحق به منهم (5) بفضلة دينه لأجل نفقته أذن له في ذلك أم لا، إلا أن يقول له أنفق والرهن بما أنفقت رهنًا، فأشار بهذا مع الكلام السابق إلى أن المسألة على ثلاثة أوجه، الأول: أن يقول: أنفق فقط، والثاني: أن يقول: والنفقة في الرهن، والثالث: أن يقول له: أنفق (6) والرهن بما أنفقت رهن، وعلى هذا الظاهر حملها ابن شبلون وابن رشد، وأنه لا (7) يكون أحق به من الغرماء إلا في الوجه الثالث. المازري: وهو ظاهر المدونة، وإليه أشار بقوله:(وَلَيْسَ رَهْنًا به) إلا أن يصرح بأنه رهن بها، وقال ابن يونس في المسألة تقديم وتأخير، ولا فرق بين أن يقول له: أنفق على أن نفقتك في الرهن، أو أنفق والرهن بما أنفقت رهن (8).
قال: وهذا أبين وكرهه (9) بعض فقهائنا القرويين (10)، واحتج بأن المسألة وقعت في
(1) انظر: المدونة: 4/ 146.
(2)
في (ن): (المرهون).
(3)
قوله: (أنه) ساقط من (ن 4)، وفي (ن 5):(إنما أنفق).
(4)
انظر: المدونة: 4/ 146.
(5)
قوله: (به منهم) يقابله في (ن 5): (منه)، وفي (ن):(به).
(6)
قوله: (أنفق) زيادة من (ن 5).
(7)
قوله: (لا) ساقط من (ن).
(8)
انظر: التوضيح: 6/ 78.
(9)
في (ن) و (ن 5): (وذكره).
(10)
قوله: (وكرهه بعض فقهاء القروين) يقابله في (ن 4): (ويكره بعض أصحابنا ذلك فقهاؤنا القرويين).
الموازية والمجموعة كذلك وأنهما قسمان فقط (1)، وإلى هذا أشار بقوله:(وَهَلْ وَإِنْ قَالَ: ونَفَقَتُكِ في الرَّهْنِ؟ تَأْوِيلانِ).
قوله: (فَفِي افْتِقَارِ الرَّهْنِ لِلَفْظٍ مُصَرَّحٍ بِهِ تَأْوِيلانِ) وهو واضح مما تقدم، ولهذا ذكره مقرونًا بالفاء المقتضية للسببية؛ إذ هو كالنتيجة لما تقدم (2) قبله، وذلك لأن من جعل الرهن رهنًا في النفقة وإن لم يقل وهو رهن بما أنفقت لا يحتاج عنده إلى تصريح (3) بلفظ الرهن، ومن قال: لا يكون رهنًا بها حتى يقول وهو رهن بما أنفقت لا بد عنده من التصريح بلفظ الرهن (4).
(المتن)
وإنْ أَنْفَقَ مُرْتَهِنٌ عَلَى كَشَجَرٍ خِيفَ عَلَيْهِ بُدِئَ بِالنَّفَقَةِ، وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى عَدَمِ جَبْرِ الرَّاهِنِ عَلَيهِ مُطْلَقًا، وَعَلَى التَّقْيِيدِ بِالتَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَضَمِنَهُ مُرْتَهِنٌ إِنْ كَانَ بِيَدِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِكَحَرْقِهِ، وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ، أَوْ عُلِمَ احْتِرَاقُ مَحَلِّهِ، إِلَّا بِبَقَاءِ بَعْضِهِ مُحْرَقًا، وَأُفْتِيَ بِعَدَمِهِ فِي الْعِلْمِ، وإلَّا فَلا. وَلَوِ اشْتَرَطَ ثُبُوتَهُ، إِلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ عُدُولٌ فِي دَعْوَاهُ مَوْتَ دَابَّةٍ أو عبد، وَحَلَفَ فِيمَا يُغَابُ عَلَيهِ أَنَّهُ تَلِفَ بِلا دُلْسَةٍ، وَلا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ، وَاسْتَمَرَّ ضَمَانُهُ إِنْ قُبِضَ الدَّيْنُ، أَوْ وُهِبَ، إِلَّا أَنْ يُحْضِرَهُ، أَوْ يَدْعُوَهُ لِأخْذِهِ، فَيَقُولَ: اتْرُكْهُ عِنْدَكَ.
(الشرح)
قوله: (وَإِنْ أَنْفَقَ مُرْتَهِنٌ عَلَى كَشجَرٍ خِيفَ عَلَيْهِ: بُدِئَ بِالنّفَقَةِ) هذه المسألة مفروضة في المدونة فيمن ارتهن نخلًا ببئرها أو زرعًا أخضر ببئره فانهارت البئر وأبى الراهن أن يصلح فأصلح المرتهن البئر (5) لخوف هلاك الزرع والنخل والشجر، ثم قال فيها: فلا رجوع له بما أنفق على الراهن، ولكن يكون (6) له ذلك في الزرع، وفي رقاب النخل يبدأ فيه بنفقته فما فضل كان في دينه فإن بقي بعد ذلك شيء كان لربه (7)، أبو الحسن الصغير
(1) قوله: (واحتج بأن المسألة
…
وأنهما قسمان فقط) زيادة من (ن 5).
(2)
قوله: (قدم) ساقط من (ن).
(3)
قوله: (لا يحتاج عنده إلى تصريحٍ) يقابله في (ن 3): (لا يؤمن التصريح).
(4)
قوله: (ومن قال: لا يكون رهنا
…
بلفظ الرهن.) ساقط من (ن 3).
(5)
قوله: (البئر) ساقط من (ن).
(6)
قوله: (يكون) زيادة من (ن).
(7)
انظر: المدونة: 4/ 163، وتهذيب المدونة: 4/ 73.
ظاهر هذا (1) أنه لا يجبر على إصلاحه (2)، وإليه أشار بقوله:(وَتُؤُوِّلَتْ عَلىَ عَدَمِ جَبْرِ الرَّاهِنِ عَلَيْهِ) أي: على الإنفاق، وأشار بقوله:(مُطْلَقًا) إلى أن ذلك سواء كان الرهن مشروطًا (3) في أصل العقد أم لا.
وفي سماع يحيى بن يحيى عن ابن القاسم أن إصلاحها على الراهن حتى تتم الثمرة، ويتم الرهن لصاحبه، وإن أبى أن يصلح أجبر على ذلك إن كان له مال، وإن لم يكن له مال وكان بيع بعض الأصل خُير المخيرًا (4) له بيع ما يصلح به البئر، وإن تطوع المرتهن بالنفقة في إصلاحها فإن كان ذلك خيرًا للراهن (5)، قيل للمرتهن: أنفق، وتكون أولى بالنخل حتى تأخذ ما أنفقت، وقال بعضهم: لعل معنى (6) عدم الجبر من قوله في المدونة فإن أبر (7)، وحمل ذلك (8) على مذهب المدونة إن تعذر الرفع إلى الإمام ونحوه، وقد حمل ابن رشد الأول على ما إذا كان الرهن في أصل البيع (9) القرض، وحمل ما في المدونة على أنه تطوع به بعد البيع والقرض (10)، وإليه أشار بقوله:(وَعَلَى التَقْيِيدِ)(11) بِالتَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَقْدِ) أي: وتأولت أيضًا لمدونة على أن الراهن تطوع بالرهن بعد العقد فلهذا لم يجبر، وأما لو كان مشترطًا في العقد أجبر على ذلك.
قوله: (وَضَمِنَهُ مُرْتَهِنه، إِنْ كَانَ بيَدِهِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَشْهَدْ بَيِّنَةٌ بِكَحَرْقِهِ لو شرط البراءة) يريد: أن الرهن إذا هلك أَو ضاع بيد المرتهن وهو مما يغاب عليه كالثياب
(1) قوله: (ظاهر هذا) يقابله في (ن 5): (ظاهرها).
(2)
في (ن 5): (إصلاح البئر).
(3)
قوله: (مشروطًا) ساقط من (ن).
(4)
قوله: (خير المخيرا) يقابله في (ن): (خيرا).
(5)
في (ن 5): (خير الراهن خيرا لرب الرهن)، وقوله:(خير الراهن) ساقط من (ن 3) و (ن 4).
(6)
قوله: (معنى) ساقط من (ن 3).
(7)
قوله: (فإن أبر) زيادة من (ن 5).
(8)
قوله: (من قوله في المدونة فإن أبر، وحمل ذلك) ساقط من (ن).
(9)
انظر: البيان والتحصيل: 11/ 76.
(10)
قوله: (بعد البيع والقرض) زيادة من (ن 5).
(11)
في (ن 4): (التقدير).
والحلي (1) والبسط والسلاح ونحوه (2) فضمانه منه إن لم تشهد له بينة بأن هلاكه من غير سببه أو احترق من غير سببه، ومفهومه أن البينة لو شهدت بهلاكه أو احتراقه من غير سببه (3) فلا ضمان عليه، وهو قول ابن القاسم وأصبغ وعبد الملك بناء على أن الضمان ضمان تهمة (4)، وقد زالت البينة ولهذا قال:(وَلَوْ شَرَطَ الْبرَاءَةَ)(5)، وقال أشهب: لا يسقط الضمان عنه، ولو قامت له البينة، ورواه عن مالك بناءِ على أن الضمان ضمان أصالة، ولهذا (6) إذا اشترط نفي الضمان نفعه على أصل أشهب (7)، اللخمي: نص عليه أشهب، وقال ابن القاسم: لا ينفعه، وقيل انتقض أصل كل واحد من الأمانين (8).
ثم أشار بقوله: (أَوْ عُلِمَ احْتِرَاقُ مَحَلِّهِ، إِلا بِبقَاءِ بَعْضِهِ مُحْرَقًا) إلى أن الضمان على المرتهن ثابت، ولو علم أن محله قد حرق (9) وادعى أن الرهن كان مع ما احترق لاحتمال كذبه إلا أن يأتي بالثوب مثلًا وبعضه محروق، فحينئذٍ يصدق، وعلى هذا فلا يبرأ من الضمان إلا بمجموع أمرين: أن يعلم أن بيته أو حانوته الذي فيه متاعه قد احترق، وأن يأتيه بالمرهون (10) محروق (11) البعض، وزاد محمد أمرًا آخر، وهو أن يعلم أن النار من غير سببه، واختلف هل هو تفسير أو خلاف؟ الباجي. وإذا ثبت الاحتراق وأثبت أن ذلك الثوب كان فيما احترق صدق إن أتى ببعضه محروقًا أم لا، وإن لم يثبت ذلك (12) وأتى ببعضه محروقًا صدق أنه كان في حانوته الذي احترق (13)، وإن لم يأت
(1) قوله: (والحلي) زيادة من (ن).
(2)
في (ن): (نحو ذلك).
(3)
قوله: (من غير سببه) زيادة من (ن).
(4)
زاد بعده في (ن 4): (وأصالة).
(5)
قوله: (وقد زالت البينة ولهذا قال: "وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ") ساقط من (ن 5).
(6)
في (ن): (وعلى هذا).
(7)
قوله: (على أصل أشهب) زيادة من (ن 5).
(8)
قوله: (وقال ابن القاسم:
…
من الأمانين) زيادة من (ن 5).
(9)
في (ن): (احترق).
(10)
في (ن 4): (بالبرهان).
(11)
في (ن): (محرق).
(12)
قوله: (ذلك) يقابله في (ن): (كون الثوب فيما احترق).
(13)
انظر: المنتقى: 7/ 251.
بشيء منه وادعى احتراق جميعه فظاهر المدونة (1) أنه غير مصدق، قال (2): وعندي إن كان مما جرت العادة برفعه في الحوانيت حتى يكون متعديًا بنقله عنه كأهل حوانيت التجار التي تلك عادتهم لا يكادون ينقلون (3) شيئًا من ذلك عن حوانيتهم فأرى أن يصدقوا فيما عرف من احتراق حانوته، وبذلك أفتيت في طرطوشة عند احتراق أسواقها وكثرة الخصومة، وظني أن بعض الطلاب أظهر لي رواية عن ابن أيمن بذلك (4).
واليه أشار بقوله: (وَأُفْتِيَ بِعَدَمِهِ فِي الْعِلْمِ) أي: وأفتيَ بعدم ضمان ذلك الضمان إذا علم احتراق محله، لكن تقييد الباجي (5) بكون التجار لا ينقلون مثل ذلك المرهون من حوانيتهم وجرت عادتهم برفعه فيها لا يؤخذ من كلام الشيخ، ولا بد منه؛ لأن الباجي لم يفتِ بعدم الضمان إلا مع ذلك، نعم ثم (6) كلام المازري يوافق لما قال هنا، قال (7): لما فتح الروم زويلة (8) والمهدية سنة ثمانين وأربعمائة ونهبوا الأموال وكثرت الخصومة (9) مع المرتهنين والصناع وأفتى بعدم الضمان، وخالف مشايخ بلده كلهم حين أفتوا بتكليف المرتهن (10) والصناع البينة أن ما عنده أخذته الروم، قال: وكان القاضي حينئذٍ يعتمد على فتواي ثم توقف (11) لكثرة من خالفني حتى شهد (12) عنده (13) عدلان أن شيخ الجماعة السيوري أفتى بما أفتيت به، ثم قدم علينا كتاب
(1) في (ن): (المسألة).
(2)
زاد بعده في (ن 4): (الباجي).
(3)
في (ن 5): (ينفقون).
(4)
انظر: المنتقى: 7/ 252.
(5)
قوله: (الباجي) زيادة من (ن) و (ن 5).
(6)
قوله: (نعم ثم) يقابله في (ن 5): (لكن نعم).
(7)
في (ن 3): (فإنه).
(8)
في (ن): (روملة).
(9)
في (ن): (الخصومات).
(10)
في (ن): (المرتهن).
(11)
في (ن): (توقفت).
(12)
في (ن) و (ن 3) و (ن 4): (أشهد).
(13)
في (ن): (عنه).
المنتقى فذكر في الاحتراق مثل ما أفتيت به.
قوله: (وإلا فَلا) أي: وإن لم يكن الرهن بيد المرتهن أو كان مما لا يغاب عليه فلا ضمان على المرتهن.
قوله: (وَلَوِ اشْتَرَطَ (1) ثُبُوتَهُ) أي: ثبوت الضمان على المرتهن، فهو ساقط عنه، وهو مذهب المدونة، وقال مطرف: وإن اشترط لخوف طريق ونحوه فهلكت (2) الدابة بسبب ذلك الخوف فإنه ضمان. اللخمي: ويجري فيها قول آخر أنه غير ضامن (3)، لأن الحيوان مختلف في ضمانه فيوفي له بالشرط لأن المؤمنين عند شروطهم (4).
قوله: (إِلا أَنْ يُكَذِّبَهُ عُدُولٌ في دَعْوَاهُ مَوْتَ دَابَّةٍ أو عبد (5)) أي: فيضمن كما إذا كان رقيقًا لهم في السفر ويدعي موت الدابة فيكذبونه في ذلك بأن يقولوا باعها ونحوه، وكذلك لو ادعى هلاكها ببلد ولم يعلم بذلك أحد. المازري: وإن كان الذين كذبوه غير عدول لم ينتقل الحاكم عن تصديقه إلى تكذيبه بتكذيب قوم ليسوا بعدول لتطرق التهمة، أما إذا صدقوه فإن الظن يتأكد بصدقه عدولًا كانوا أو غير عدول.
قوله: (وَحَلَفَ فِيما يُغَابُ عَلَيْهِ أنّه تَلِفَ بِلا دُلْسَةِ، وَلا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ) يريد: أن المرتهن إذا وجب عليه ضمان ما يغاب عليه فلا بد أن يحلف أنه تلف بلا دُلسةٍ دلسها، ولا يعلم له موضعًا، وهكذا نص عليه في العتبية، وحمل بعضهم المدونة عليه، وإليه ذهب جماعة من متقدمي الشيوخ، وبه أفتى الشيخ (6) إسحاق بن إبراهيم، لأنه يتهم أن يكون غيب ذلك للرغبة فيه، ولم ير عليه العتبي يمينًا ونحوه لمالك، العتبي: إلا أن يقول الراهن: أخبرني مخبر صدق بكذبه وأنه رأى الرهن عنده قائمًا فيحلف حينئذٍ، وإليه ذهب ابن لبابة والأكثر (7)، واختلف هل يحلف أنه ما فرط أو لا،
(1) في (ن): (شرط).
(2)
قوله: (فهلكت) ساقط من (ن).
(3)
قوله: (أنه غير ضامن) يقابله في (ن 5): (لأنه ضامن)، وفي (ن 3):(أنه لا ضمان).
(4)
انظر: التبصرة، للخمي، ص: 5687، ونصه:(يجري فيها قول آخر أنه ضامن، لأن الحيوان يختلف في ضمانه من غير شرط، فالشرط ها هنا أخذ بأحد القولين).
(5)
قوله: (أو عبد) ساقط من (ن).
(6)
قوله: (الشيخ) زيادة من (ن 5).
(7)
في (ن) و (ن 5): (الأكبر).
أو يحلف المتهم دون غيره، ثلاثة أقوال، وإذا حلف غير المتهم قال في يمينه: ما فرطت ولا ضيعت، ويزيد المتهم: ولقد ضاع. (1)
قوله: (وَاسْتَمَرَّ (2) ضَمانُهُ، إِنْ قُبِضَ الديْنُ، أَوْ وُهِبَ) يريد: أن الرهن لا يزال في ضمان مرتهنه إذا كان مما يضمن إلى أن يرد إلى راهنه، ولو أقبضه الدين أو وهبه للراهن، وقاله في المدونة.
قوله: (إِلا أَنْ يُحْضِرَهُ، أَوْ يَدْعُوهُ لأَخْذه فَيَقُول: أَتْرُكُهُ عِنْدَكَ (3)) أي: فإن الضمان يسقط عنه؛ لأنه يصير (4) حينئذٍ أمينًا له على حفظه، فإذا ضاع لم يضمنه.
(المتن)
وإنْ جَنَى الرَّاهِنُ وَاعْتَرَفَ رَاهِنُهُ لَمْ يُصَدَّقْ وإِنْ أَعْدَمَ وَإِلَّا بَقِيَ، إِن فَدَاهُ؛ وَإِلَّا أُسْلِمَ بَعْدَ الأَجَلِ، وَدَفْعِ الدَّيْنِ وإنْ ثَبَتَتْ أَوِ اعْتَرَفَ وَأسْلَمَهُ، فَإِنْ أسْلَمَهُ مُرْتَهِنُهُ أَيْضًا فَلِلْمَجْنِيّ عَلَيْهِ بِمَالِهِ، وإنْ فَدَاهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَفِدَاؤُهُ فِي رَقَبَتِهِ فَقَطْ، إِنْ لَمْ يُرْهَنْ بمَالِهِ وَلَم يُبِعْ إِلَّا بعد الأَجَلِ، وَبِإذْنِهِ فَلَيسَ رَهْنًا بِهِ، وإذَا قُضِيَ بَعْضُ الدَّيْنِ أوْ سَقَطَ، فَجَمِيعُ الرَّهْنِ فِيمَا بَقِيَ كَاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ،
(الشرح)
قوله: (وإنْ جَنَى الرَّاهِنُ وَاعْتَرَفَ رَاهِنُهُ لَمْ يُصَدَّقْ وإنْ أَعْدَمَ) يريد: أن الراهن إذا كان عبدًا مثلًا فجنى على مال الغير أو جنى على أحد ولم تثبت الجناية ببينة ولا اعتراف المتراهنين معًا، بل باعتراف الراهن وحده، فإنه لا يصدق في ذلك إن كان عديمًا؛ لأنه إقرار على المرتهن، فإن المجني عليه أولى من المرتهن لو ثبتت الجناية، وإن (5) كان مليًا مليًّا فقد أشار إليه بقوله:(وإلا بَقِيَ إِنْ فَدَاهُ) أي: وإن كان الراهن معسرًا موسرا (6) بقي العبد بيد المرتهن رهنًا على حاله إن فداه الراهن وصار كأنه لم يجنِ.
قوله: (وإلا أُسْلِمَ بَعْدَ الأَجَلِ، وَدَفْعِ الدَّيْنِ) أي: وإن لم يفده أسلفه للمجني عليه
(1) انظر: التوضيح: 6/ 145.
(2)
في (ن 3): (وأسر).
(3)
في (ن 5): (عندي).
(4)
في (ن): (صار).
(5)
في (ن 3): (إن) بدون الواو.
(6)
في (ن 4): (معسرًا).
بعد انقضاء الأجل ودفع الدين للمرتهن وإنما بقي تحت يد (1) المرتهن (2) في تلك المدة، ؛ لأن وثيقته متقدمة على الجناية، وقاله في المدونة.
قوله: (وَإنْ ثَبتَتْ، أَوِ اعْتَرَفَ (3) وَأسْلَمَهُ، فَإنْ أَسْلَمَهُ مُرْتَهِنُهُ أَيْضًا، فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِمالِهِ) أي: وإن ثبتت الجناية ببينة أو اعترف الراهن والمرتهن بها وأشار بقوله: (وَأَسْلَمَهُ) أي: الراهن، وأما المرتهن فإنه (4) مخير بين أن يسلم العبد أو يفديه فإن فداه فواضح، وإن أسلمه خير المرتهن بين أن يسلم العبد أو يفديه (5)، فإن أسلمه أيضًا أخذه المجني عليه ملكًا، ويكون له ماله قل أو أكثر، وقاله في المدونة، وزاد: وبقي دين (6) المرتهن على حاله (7).
قوله: (وَإنْ فَدَاهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَفِدَاؤُهُ في رَقَبتِهِ فَقَطْ، إِنْ لم يُرْهَنْ بِمالِهِ) أي: وإن فدى المرتهن العبد بغير إذن راهنه فإن فداءه في رقبته دون ماله، وإليه أشار بقوله:(فقط)، وهذا هو المشهور وهو مذهب المدونة، واختاره ابن القاسم وابن عبد الحكم (8) قالا (9): ويكون فداؤه مبدى على الدين، والشاذ أن الفداء في رقبته وماله، لأنه لو أسلمه كان للمجني عليه بماله فإذا افتكه المرتهن انبغى أن يكون ما كان للمجني عليه لو فداه (10)، وهو مروي عن مالك وهو اختيار ابن المواز، وجل الأصحاب عليه، ابن يونس: وهو الصواب.
قوله: (وَلم يُبَعْ إِلا بعد الأَجَلِ) يريد: أن العبد لا يباع إلا بعد الأجل، وقاله في
(1) قوله: (أي: وإن لم يفده ...... وإنما بقي تحت يد) ساقط من (ن 4) قوله: (بقي تحت يد) يقابله في (ن): (يسلمه في ذلك).
(2)
قوله: (وإنما بقي تحت يد المرتهن) ساقط من (ن 3)، وفي (ن):(يسلمه).
(3)
في (ن 5): (أو اعترفا).
(4)
قوله: (وأما المرتهن فإنه) يقابله في (ن) و (ن 4) و (ن 5): (إلى أنه).
(5)
قوله: (فإن فداه فواضح ...... أو يفديه) ساقط من (ن 3).
(6)
قوله: (دين) ساقط من (ن 4).
(7)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 58.
(8)
في (ن 5): (عبد الملك).
(9)
في (ن): (قالوا).
(10)
قوله: (لأنه لو أسلمه .. عليه لو فداه) زيادة من (ن 5).
المدونة، وقال سحنون: يجوز بيعه قبله. (1)
قوله: (وَبِإذْنِهِ فَلَيْسَ رَهْنًا بِهِ) أي: فإن كان المرتهن إنما فدى العبد (2) بإذن الراهن فلا يكون العبد رهنًا بالفداء، إنما يكون في ذمة السيد كالسلف (3)، وإن زاد على قيمة العبد.
اللخمي: وهو قول محمد، وقال مالك وابن القاسم: يكون رهنًا به، واختلف فيه عن أشهب (4).
قوله: (وإذَا قُضيَ بَعْضُ الدَّيْنِ أَوْ سَقَطَ (5) فَجَمِيعُ الرهْنِ فِيما بَقِيَ) يريد: أن الراهن إذا قضى بعض الدين الذي الرهن محبوس فيه (6) أو سقط عنه بهبة أو صدقة ونحو ذلك فإن جميع الرهن يكون رهنًا بالباقي، وقاله في المدونة وغيرها، وسواء كان الرهن متحدًا كدار أو متعددًا كثوبين، وظاهر كلامه هنا أيضًا أنه لا فرق بين أن يتعدد الراهن والمرتهن أم لا، ولمالك: أن الرجلين إذا رهنا دارًا لهما في دين بينهما وقضى أحدهما حصته من الدين أن له أخذ نصيبه (7) من الدار (8).
وعن ابن القاسم أن الرجل إذا رهن عبدًا لرجلين رهنًا واحدًا في قرض واحد أقرضاه معًا إذا قضى أحدهما دينه فله أن يأخذ حصته من الرهن.
قوله: (كَاسْتِحْقَاقِ بَعْضِهِ) يريد: أن الرهن إذا استحق بعضه فإن باقيه يصير رهنًا بجميع الدين، وهذه المسألة عكس التي قبلها؛ لأن النقص هنا دخل على الرهن نفسه، وصار جميع الدين في مقابلة الباقي من الرهن، وفي الأولى إنما دخل النقص على الدين وصار جميع الرهن في مقابلة الباقي من الدين، وإنما شبهها بها لاشتراكهما في الحكم (9).
(1) انظر: التوضيح: 6/ 151،
(2)
في (ن 3): (الرهن).
(3)
في (ن 4): (كالسيف)، وفي (ن):(المسلف).
(4)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:5715.
(5)
قوله: (أَوْ سَقَطَ) يقابله في (ن 3): (وسقط).
(6)
في (ن) و (ن 5): (بسببه).
(7)
في (ن): (حصته).
(8)
انظر: المدونة: 4/ 164.
(9)
قوله: (وإنما شبهها بها لاشتراكهما في الحكم) ساقط من (ن 3).
(المتن)
وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي نَفْي الرَّهْنِيَّةِ، وَهُوَ كَالشَّاهِدِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ -لا الْعَكْسُ- إِلَى قِيمَتِهِ وَلَوْ بِيَدِ أَمِينٍ عَلَى الأَصَحِّ، مَا لَمْ يَفُتْ فِي ضَمَانِ الرَّاهِنِ، وَحَلَفَ مُرْتَهِنُهُ، وَأَخَذَهُ إِنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ، فَإنْ زَادَ حَلَفَ الرَّاهِنُ، وَإِنْ نَقَصَ حَلَفَا، وَأَخَذَهُ إِنْ لَمْ يَفْتَكَّهُ بِقِيمَتِهِ. وإنِ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ تَالِفٍ تَوَاصَفَاهُ، ثُمَّ قُوِّمَ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ، فَإنْ تَجَاهَلا فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ، وَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ، إِنْ بَقِيَ، فَهَلْ يَوْمَ التَّلَفِ أَوِ الْقَبْضِ، أَوِ الرَّهْنِ إِنْ تَلِفَ؟ أَقْوَالٌ. وإنِ اخْتَلَفَا فِي مَقْبُوضٍ فَقَالَ الرَّاهِنُ عَنْ دَيْنِ الرَّهْنِ وُزّع بَعْدَ حَلِفِهِمَا، كَالْحَمَالَةِ.
(الشرح)
قوله: (وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي نَفْيِ الرَّهْنيَّةِ) مراده أن رب الدين إذا قال مثلًا: هذا عندي رهن، وقال صاحب الثوب: بل هو وديعة أو عارية (1)، فإن القول قول صاحب الثوب وهو مراده بقوله:(لِمُدَّعِي نَفْيِ الرَّهْنيَّةِ) لأن رب الدين مدَّع لكونه أثبت للثوب وصفًا زائدًا وهو الرهنية، فعليه البيان لأن النافي (2) بذلك -وهو رب الثوب (3) مستمسك بالأصل، فلا يعدل عنه إلا لموجب (4)، اللخمي: إلا أن تكون العادة في مثل ذلك تدل على أنه رهن مثل الخباز وشبهه يدفع إليه الخاتم ونحوه، فإن صاحبه لا يقبل قوله أنه وديعة (5).
قوله: (وَهُوَ كَالشَّاهِدِ في قَدْرِ الدَّيْنِ، لا الْعَكْس إِلى قِيمَتِهِ) يريد: أن الراهن إذا اختلف مع المرتهن في مبلغ الدين الذي رهن فيه، فإن ذلك المرهون يكون كالشاهد في مقدار الدين، فإذا كانت قيمته يوم الحكم والتداعي مثل دعوى المرتهن فأكثر صدق المرتهن مع يمينه، وقاله في المدونة (6)، يريد: وإن كانت قيمته مثل دعوى الراهن (7) فهو أيضًا مصدق مع يمينه، فإذا قال الراهن في عشرة، وقال المرتهن في عشرين وقيمة
(1) قوله: (أو عارية) ساقط من (ن 3).
(2)
في (ن 4): (الباقي).
(3)
قوله: (وهو رب الثوب) زيادة من (ن 5).
(4)
قوله: (فلا يعدل عنه إلا لموجب) زيادة من (ن 5).
(5)
انظر: التبصرة، للخمي، ص: 5713 و 5714.
(6)
انظر: تهذيب المدونة: 6/ 62.
(7)
قوله: (فأكثر صدق المرتهن
…
دعوى الراهن) ساقط من (ن 3).
الرهن عشرون صدق الرتهن، وإن كانت قيمته عشرة صدق الراهن (1) وإن كانت قيمته دون عشرين وفوق عشرة حلفا معًا، وكان رهنًا في قدر قيمته (2)، وأما العكس وهو أن الدين لا يكون كالشاهد على الرهن فهو المشهور. وأما إذا اختلفا في صفة الرهن بعد هلاكه، فقال مالك وأكثر أصحابه: القول في ذلك قول الرتهن، ولو ادعى صفة دون مقدار الدين (3)؛ لأنه غارم والغارم مصدق، ابن المواز: إلا في قولة (4) لأشهب، فقال: إلا أن يتبين كذبه لقلة ما ذكر جدًّا، فيصير القول قول الراهن (5). ابن عبد السلام: والأقرب ألا فرق (6) بين الصورتين وهو كون الرهن كالشاهد على الدين، كما أن الدين كالشاهد على الرهن (7).
قوله: (وَلَوْ بِيَدِ أَمِينٍ) يريد: أن الرهن يكون كالشاهد على الدين، ولو كان بيد أمين، وهو قول ابن المواز، وقال أصبغ: لا يكون شاهدًا (8)، أبو محمد: وقول محمد أصوب (9)، وإليه أشار بقوله:(عَلى الأَصَح) وقيل: القول قول المرتهن، وقيل: القول قول الراهن (10).
قوله: (مَا لَمْ يَفُتْ فِي ضَمانِ الرّاهِنِ) يريد: أن ما تقدم من أن الرهن كالشاهد على الدين مقيد بما إذا كان قائمًا، أو ما في معناه بأن يهلك في ضمان المرتهن، وأما لو هلك في ضمان الراهن فلا يكون شاهدًا، ونص على ذلك في العتبية والموازية.
قوله: (وَحَلَفَ مُرْتَهِنُهُ، وَأَخَذَهُ إِنْ لَمْ يَفْتكَّهُ) أي: وحلف المرتهن وأخذ الرهن إن لم يفتكه الراهن من يده، فإن نكل المرتهن حلف الراهن وغرم ما أقر به فقط.
(1) قوله: (وإن كانت قيمته عشرة صدق الراهن) ساقط من (ن 4).
(2)
قوله: (وكان رهنًا في قدر قيمته) يقابله في (ن 3): (وإن كان رهنًا في قدر مثله).
(3)
انظر: البيان والتحصيل: 11/ 120.
(4)
في (ن 5): (قوله).
(5)
انظر: التوضيح: 6/ 160.
(6)
قوله: (ألا فرق) يقابله في (ن 3): (الفرق).
(7)
انظر: التوضيح: 6/ 160.
(8)
انظر: البيان والتحصيل: 11/ 58.
(9)
انظر: النوادر والزيادات: 2/ 780.
(10)
قوله: (وقيل: القول قول الراهن) ساقط من (ن 4).
قوله: (فَإنْ زَادَ حَلَفَ الرَّاهِن) أي: فإن زاد ما ادعاه المرتهن على قيمة الرهن، كأن لم يساوي مثلًا إلا عشرة في الفرض السابق حلف الراهن، يريد: وحده، ويأخذ رهنه، ويدفع ما أقر به من الدين (1) للمرتهن، فإن نكل حلف المرتهن (2) وأخذ ما ادعاه.
قوله: (وإنْ نَقَصَ حَلَفَا (3)، وَأَخَذَهُ إِنْ لم يَفْتكَّهُ بِقِيمَتهِ) أي: فإن نقص ما أقر به الراهن عن القيمة، يريد: مع كون المرتهن قد زاد عليها حلف كل منهما على دعواه، ولا خلاف فيه، قاله القاضي عياض. مالك وابن المواز: ويبدى المرتهن باليمين، لأن الرهن كالشاهد له (4) على قيمته، فإن حلف حلف الآخر فإن نكل لزمه ما ادعاه المرتهن، وكذلك لو حلف الراهن ونكل المرتهن لم يلزم الراهن إلا ما حلف عليه، وإن حلفا أو نكلا معًا فعلى (5) الراهن قيمته إن أحب (6)، وإلا أسلمه للمرتهن، وإليه أشار بقوله:(وَأَخَذَهُ) أي: المرتهن إن لم يفتكه؛ أي الراهن باقيمته وهو قول مالك وابن نافع وابن المواز، وقال ابن القاسم في العتبية: ليس (7) للراهن إخذه (8) إلا بما حلف ليه المرتهن، قال في الموطأ: ويحلف على جميع ما ادعى (9) وهو عشوون، وقال محمد: إن شاء حلف على ما ادعاه، وعلى (10) قيمة الرهن، وقال عبد الحق عن بعض شيوخه: لا يحلف إلا على قيمته، كما لو شهد له شاهد، فإنه يحلف على وفق شهادته (11).
قوله: (وإن اخْتَلَفَا في قِيمَةِ تَالِفٍ (12) تَوَاصَفَاهُ، ثُمَّ قُوِّمَ فَإن اخْتَلَفَا، فَالْقَوْلُ
(1) قوله: (من الدين) زيادة من (ن 3).
(2)
قوله: (فإن نكل حلف المرتهن) ساقط من (ن 4).
(3)
في (ن 3): (حلف).
(4)
في (ن 4): (عليه).
(5)
في (ن): (بدل).
(6)
في (ن 4): (إن أوجب).
(7)
قوله: (ليس) ساقط من (ن).
(8)
قوله: (أي: المرتهن
…
ليس للراهن أخذه) ساقط من (ن 4).
(9)
في (ن): (ادعاه).
(10)
في (ن): (أو على).
(11)
قوله: (شهادته): (شهادة شاهده). وانظر: الذخيرة: 8/ 148.
(12)
في (ن 5): (بألف).
لِلْمُرْتَهِنِ (1))، وإلا فلا فرق بين الألف والمائة وغيرهما في الحكم (2).
قال في المدونة: وإذا ضاع الرهن عند المرتهن واختلفا في قيمته تواصفاه، ويكون القول في الصفة قول المرتهن مع يمينه، ثم يدعى له المقومون (3)، ابن يونس: قال ابن المواز: فقيل: القول قول المرتهن في الصفة وإن كانت يسيرة إلا في قول أشهب. فقال: إلا أن يتبين كذبه لقلة ما ذكر جدا (4).
قوله: (وإنِ اخْتَلَفَا) أي: في الصفة فالقول قول المرتهن، قال في المدونة: وإن اختلفا في الصفة فإنه يكون القول فيها قول المرتهن مع يمينه ثم يدعى له المقومون (5).
قوله: (فَإنْ تَجَاهَلا، فَالرَّهْنُ بِما فِيهِ) أي: فإن جهل الراهن والمرتهن تلك القيمة فالرهن بما فيه، ولا يكون لأحدهما قبل الآخر شيء، وعلى هذا حمل أصبغ (6) الحديث، الرهن بما فيه، قيل: ولا خلاف فيه عندنا.
قوله: (وَاعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الحُكْمِ، إِنْ بَقِيَ، فَهَلْ يَوْمَ التَّلَفِ أَوِ الْقَبْضِ أَوِ الرَّهْنِ إِنْ تَلِفَ؟ أقْوَالٌ) يريد: أن الرهن إذا كان قائمًا اعتبرت قيمته يوم الحكم، وإن كان تالفًا، وإليه أشار بقوله:(إِنْ تَلِفَ) فثلاثة أقوال، وكلها لابن القاسم اعتبارها يوم التلف، وقيل: يوم الرهن، وقيل: يوم القبض، الباجي: والأقرب يوم الرهن؛ لأن الناس إنما يرهنون ما يساوي ديونهم غالبًا.
قوله: (وَإِنِ اخْتَلَفَا في مَقْبُوضٍ فَقَالَ الرَّاهِنُ عَنْ دَيْنِ الرَّهْنِ وُزِّعَ بَعْدَ حَلِفِهِما) أي: فقال الراهن عن دين الرهن، وقال المرتهن عن غيره، قال في المدونة: وإذا كان لك على رجل مائتان فرهنك بمائة منها (7) رهنًا، ثم قضاك مائه، وقال هي التي فيها الرهن،
(1) قوله: (فَإِنِ اخْتَلَفَا، فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ) يقابله في (ن 5): (بقوله).
(2)
قوله: (وإلا فلا فرق بين الألف والمائة وغيرهما في الحكم) زيادة من (ن 5).
(3)
انظر: المدونة: 4/ 145.
(4)
انظر: التوضيح: 6/ 160.
(5)
قوله: (قال في المدونة
…
ثم يدعى له المقومون) زيادة من (ن 5).
(6)
قوله: (أصبغ) ساقط من (ن 4).
(7)
في (ن): (منهما).
وقلت: أنت هي التي لا رهن فيها (1)، فإن المائة يكون نصفها للرهن (2)، ونصفها للمائة الأخرى (3)، وإلى هذا أشار بقوله:(وُزِّعَ).
ابن رشد: ومذهب المدونة أنهما يتحالفان ويقسم المقبوض بينهما فإن نكل أحدهما وحلف الآخر فالقول قوله (4).
اللخمي: وهذا إذا حل الدينان أولم يحلا وكان أجلهما سواء أو متقاربًا (5)، وإن حل أحدهما كان القول قول من ادعى القضاء عن الحال، وإن لم يحلا وكان أجلهما سواء أو متقاربًا حلفا وقسمت بينهما هذا هو ظاهر المذهب (6)، وإن تباين الأجلان (7) كان القول قول من ادعى أقربهما أجلًا مع يمينه (8).
قوله: (كَالْحَمَالَةِ) أي: أنهما إذا اختلفا في مقبوض (9) فقال الدافع: عن مائة الحمالة، وقال رب الدين: بل هي على المائة التي بلا حمالة، فإنها توزع على المائتين بعد أيمانهما، وفرضها في المدونة، فيمن عليه ألفان: ألف من قرض وألف من كفالة (10)، ابن رشد: والكلام في مسألتي الرهن والحمالة (11) واحد.
* * *
(1) زاد بعده في (ن 4): (وقام الغرماء أو لم يقوموا).
(2)
في (ن): (للمائة الرهن).
(3)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 58.
(4)
انظر: التوضيح: 6/ 161.
(5)
قوله: (أو لم يحلا
…
أو متقاربًا) زيادة من (ن 5).
(6)
قوله: (وإن لم يحلا
…
ظاهر المذهب) ساقط من (ن 5).
(7)
في (ن): (ما بين الأجلين).
(8)
انظر: التبصرة، للخمي، ص:5714.
(9)
في (ن): (المقبوض).
(10)
انظر: تهذيب المدونة: 4/ 16.
(11)
في (ن 4): (والكفالة).