المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أخبار مدرك وصاحبه عمرو - تزيين الأسواق في أخبار العشاق

[داود الأنطاكي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌المقدمة

- ‌فيما جاء فيه الكتاب من الأحاديث والآثار وفي حده ومراتبه

- ‌فصل في الترغيب في العشق والحث عليه

- ‌فصل في رسومه وحدوده

- ‌وما جاء عن الحكماء وغيرهم في ذلك

- ‌فصل في بيان مراتبه

- ‌فصل فيما ذكر له من العلامات

- ‌الباب الأول

- ‌فيمن استشهد من المحبين شوقاً إلى حضرة رب العالمين

- ‌فصل من الباب

- ‌في ذكر من فارقت روحه من الأحباب

- ‌الباب الثاني

- ‌في أحوال عشاق الجواري والكواعب

- ‌وذكر ما صدر لهم من العجائب

- ‌أخبار كثير عزة

- ‌أخبار قيس ولبنى

- ‌أخبار المجنون وصاحبته ليلى

- ‌أخبار عروة بن حزام وصاحبته عفرا

- ‌أخبار عبد الله بن عجلان وصاحبته هند

- ‌أخبار ذي الرمة وصاحبته مي

- ‌أخبار مالك وصاحبته جنوب

- ‌أخبار عبد الله بن علقمة وصاحبته حبيش

- ‌أخبار نصيب وصاحبته زينب

- ‌أخبار عتبة بن الحباب وصاحبته ريا

- ‌أخبار الصمة وصاحبته ريا

- ‌أخبار كعب وصاحبته ميلاء

- ‌القسم الثاني

- ‌فيمن جهل اسمه أو اسم محبوبته أو شيء من سيرته أو مآل حقيقته

- ‌فمنهم

- ‌سامة بن لؤي بن غالب القرشي مشهور

- ‌ومنهم

- ‌عمرو بن عوف وبيا

- ‌‌‌ومنهم

- ‌ومنهم

- ‌بشير الشهير بالاشتر وجيداء

- ‌مسعدة بن واثلة الصارمي

- ‌ومنهم

- ‌زرعة بن خالد العذري

- ‌ومنهم شخص

- ‌ومنهم غلام

- ‌ومنهم قيس بن منقذ بن مالك الكناني المشهور

- ‌ابن الحدادية

- ‌ومنهم

- ‌توبة بن حمير بن أسيد الخفاجي

- ‌ومنهم

- ‌عامر بن سعيد بن راشد

- ‌ومنهم ما حكى الأصمعي

- ‌ومنهم فتى أسدي

- ‌ومنهم عمرو بن كعب بن النعمان ابن المنذر بن ماء السماء ملك العرب

- ‌ومنهم ما حكاه الأصمعي

- ‌ومنهم ما أخرج الحافظ عن ابن دريد عن عبيد النعالي غلام أبي الهذيل

- ‌‌‌ومنهمما حكاه الكاتب

- ‌ومنهم

- ‌ومنهم ما حكاه في منازل الأحباب

- ‌ومنهم ما حكاه ابن الجوزي

- ‌ومنهم الحرث المشهور بابن الفرند من خزاعة

- ‌عياش الكناني

- ‌و‌‌منهمما رواه أعرابي أو هو جبلة بن الأسود

- ‌منهم

- ‌كامل بن الرضين

- ‌ومنهم

- ‌مرة النهدي

- ‌ومنهم رجل من ولد عبد الرحمن بن عوف

- ‌فمنهم ما أخرجه مغلطاي عن الأديب

- ‌ومبهم ما ذكره ابن المرزباني في الذهول والنحول عن سعيد بن ميسرة

- ‌ومنهم ما حكاه الوراق عن الصوفي

- ‌ومنهم ما حكاه السامري

- ‌ومنهم ما حكاه الأسدي عن أبيه

- ‌ومنهم ما حكاه ابن غنيم

- ‌ومنهم ما حكاه أبو الحسن المؤدب

- ‌ومنهم للفويرك وهو من المشاهير في عقلاء المجانين

- ‌ومنهم خالد بن يزيد

- ‌فصل في ذكر من جرع كأس الضنى وصبر على مكابدة العنا واتصف بذلك كله من

- ‌القسم الثالث

- ‌فيمن خالسته عيون الاماء فأسلمته إلى الفناء وكادت أن تقضي عليه لولا

- ‌القسم الرابع

- ‌في ذكرى من حظى بالتلاق بعد تجرع كأس الفراق

- ‌ومنهم ما حكاه معبد المغني

- ‌ومنهم

- ‌محمد بن صالح العلوي

- ‌ومنهم

- ‌جعد بن مهجع العذري

- ‌ومنهم ما حكاه أسدي وهي من العجائب المستلطفة

- ‌القسم الخامس

- ‌في ذكر من وسموا بالفساق من العشاق

- ‌الصنف الأول في ذكر من حمله هواه على أذية من يهواه وهؤلاء أم نساء أو

- ‌الصنف الثاني في ذكر من اشتدت به الغيرة إلى أن خامرته الحيرة فجرته إلى

- ‌الصنف الثالث في ذكر من عانده الزمان في مطلوبه حتى شورك في محبوبه فصنع

- ‌الصنف الرابع في ذكر من عوقب بالفسق ولم يشتهر بالعشق

- ‌ومنهم أعرابي من أسد

- ‌ومنهم ما حكى عن عبد الله بن سيرة

- ‌ومنهم ما حكى عن جويرية بن أسماء عن عمه

- ‌القسم السادس

- ‌في ذكر من حل عقد المحبة وخالف سنن الأحبة

- ‌الصنف الأول في كر من تاب عن الخلاف ورجع إلى حسن الائتلاف وكان محبوبه

- ‌ومنهم ما حكاه في النزهة ونقله هنا مجهولاً

- ‌الصنف الثاني في ذكر من تمادى على نقض العهد ومات على اخلاف الوعد

- ‌الصنف الثالث في ذكر من أشبه العشاق في محبته وشاكلهم في مودته فتعاهدا

- ‌فمنهم صخر بن عمرو

- ‌ومنهم هدية بن الخشرم

- ‌‌‌‌‌ومنهم

- ‌‌‌ومنهم

- ‌ومنهم

- ‌حمزة بن عبد الله بن الزبير

- ‌الحسن بن الحسن

- ‌غسان بن جهضم

- ‌ومثل هذا ما حكاه عن موسى الهادي

- ‌ الجزء الثاني

- ‌ الباب الثالث

- ‌في ذكر عشاق الغلمان

- ‌وأحوال من عدل إلى الذكور عن النسوان وتفصيل ما جرى عليهم من تصاريف

- ‌القسم الأول

- ‌فيمن استلب الهوى والعشق نفسه حتى أسلمه رمسه

- ‌أخبار محمد بن داود وصاحبه محمد الصيدلاني

- ‌أخبار القاضي شمس الدين بن خلكان وصاحبه المظفري

- ‌أخبار أحمد بن كليب وصاحبه أسلم

- ‌أخبار مدرك وصاحبه عمرو

- ‌النوع الثاني في

- ‌ذكر من جهل حاله

- ‌وكان إلى الموت في الحب مآله وقد رأينا أن نبدأ منهم بعشاق النصارى تبعاً

- ‌فمنهم

- ‌سعد الوراق

- ‌القسم الثاني

- ‌فيمن اشتهر في العشق حاله ولم يدر مآله

- ‌القسم الثالث

- ‌في ذكر من ساعده الزمان في المراد حتى بلغه ما أراد

- ‌القسم الرابع

- ‌في ذكر من منعه الزهد والعبادة أن يقضي من محبوبه مراده

- ‌النوع الثاني في ذكر من بغله زهده الأمان فعصمه عن الغلمان

- ‌خاتمة في ذكر ما عولج به العشق من الدوا

- ‌وقصد به السلو عن الهوى

- ‌ومن السلو عن الهوى استعمال الحساب والخوض في المشاجرات ونحو ذلك مما سبق

- ‌الباب الرابع

- ‌في ذكر ما سوى البشر وما القوا من العبر

- ‌الأول في الجنة

- ‌أسند المصنف عن الحافظ ابن حجر العسقلاني يرفعه إلى البيهقي، أنه قال

- ‌النوع الثاني

- ‌في ذكر من كلف وهو غير مكلف

- ‌وأوهن العشق قواه حتى تلف أو كاد أن يتلف

- ‌الصنف الثاني في ذكر بعض ما وقع للحيوان من أمور العشق في اختلاف الأزمان

- ‌الصنف الثالث في ذكر ما جرى من القوة العاشقية والمعشوقية بين الأنفس

- ‌الصنف الرابع فيما بث من الأسرار بين أصناف الأحجار

- ‌الصنف الخامس فيما بث من الأسرار الملكية بين الأجسام والأجرام الفلكية

- ‌الباب الخامس

- ‌في تتمات يفتقر إليها الناظر في هذا الكتاب

- ‌ويحسن موقعها عند أولي الألباب

- ‌فصل

- ‌في تحقيق معنى الحسن والجمال

- ‌وما استلطاف في ذلك من الأقوال

- ‌فصل

- ‌في خفقان القلب والتلوين عند اجتماع المحبين

- ‌فصل

- ‌في مراتب الغيرة وما توقعه بالمحب من الحيرة

- ‌فصل

- ‌في أحكام أسرار المحبة

- ‌وما فيها من اختلاف آراء الأحبة

- ‌فصل

- ‌في ذكر المغالطة والاستعطاف

- ‌واستدراك ما صدر عن المحبوب من الانحراف

- ‌فصل

- ‌في ذكر الرسل والرسائل

- ‌وتلطف الأحباب بالوسائل

- ‌فصل

- ‌في ذكر الاحتيال على طيف الخيال

- ‌فصل في أحكام الليل والنهار وذم قصرهما عند الوصل وطولهما عند الهجر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌في أحكام الزيارة

- ‌وما جاء في فضلها من البراعة والعبارة وتفنن العشاق في فضل زيارة الحبيب

- ‌فصل

- ‌مما يلحق بالعتاب

- ‌ويصلح أن يكون معه في باب

- ‌القسم الأول

- ‌هجر الدلال

- ‌القسم الثاني

- ‌هجر الملال

- ‌القسم الثالث

- ‌الهجر المعروف بهجر الجزاء والمعاقبة

- ‌الهجر الرابع

- ‌الهجر الخلقي

- ‌فصل

- ‌فصل في ذكر مكابدة الأمور الصعاب عند طلب رضا الأحباب وخوض الأهوال

- ‌تتمة

- ‌ومما يلحق بهذا الفصل التلميح

- ‌خاتمة

- ‌فصل في النوادر والحكم

- ‌نادرة

- ‌لطيفة ووصية

- ‌عجيبة

- ‌فائدة

- ‌‌‌‌‌لطيفةو‌‌وصية

- ‌‌‌لطيفة

- ‌لطيفة

- ‌وصية

- ‌نادرة

- ‌أخرى

- ‌نادرة

- ‌فصل في المجون

- ‌فصل في ذكر نبذة من لطائف الأشعار ملتقطة مما ختم به الكتاب

الفصل: ‌أخبار مدرك وصاحبه عمرو

‌أخبار أحمد بن كليب وصاحبه أسلم

هو أحمد بن قزمان الشهير بابن كليب الكاتب كان أندلسياً شاعراً نحوياً متفقهاً قرأ على محمد بن خطاب النحوي واجتمع بالمزني وبأبي عبد الله محمد بن الحسن وغيرهما.

وأسلم هذا هو ابن سعيد بن خلف، كان جده وزير السلطان المظفر المعروف بالناصر. ولي أسلم القضاء بالأندلس بعدما كان حاجباً وله يد في الأدب وديوان شعر معروف ترجمه في الاحاطة بتاريخ غرناطة معروف بالرياسة والفضل والعرافة، فعشقه من مجلس ابن خطاب واشتد به كلفه فنظم فيه الأشعار الكثيرة وهو يكتم ذلك.

فلما غلب عليه حبه فشا أمره واشتهر فيه على ألسنة شعره، وقيل إن أول ما اشتهر من ذلك وسمع زامر السلطان يغني به قوله:

أيسلمني في هوا

ء أسلم هذا الرشا

غزال له مقلة

يصيب بها من يشا

وشى بيننا حاسد

سيسئل عما وشا

ولو شاء أن يرتشي

على الوصل روحي وارتشى

فحين بلغ أسلم هذا الأمر انقطع في داره عن جميع الأشياء فصار يجلس على بابه أحياناً فجعل أحمد لا يمر إلا على بابه فانقطع وصار يجلس ليلاً عند العشاء فمضى أحمد وأخذ دجاجاً وبيضاً وتزيا بزي بعض فلاحي أسلم وأقبل فقبل يده وتسلم الهدية وجعل يسأله على الضياع فاستلغاه فحين عرفه، قال أما يكفيك قطعي عن الطلب والخروج حتى تبعتني إلى هنا، ثم حلف لا يخرج من بيته.

ومضى أحمد حزيناً فكان يماجن، فيقال له ذهب دجاجك وبيضك، فيقول أود لو قبلت يده قبلة وأذهبت كل ليلة مثل هذا. ولما طال عليه الأمر انقطع. قال ابن خطاب فعدته فوجدته مشرفاً على التلف، فقال لو سعيت في أن تجمع بيني وبينه لاثابك الله على ذلك ثواباً عظيماً. فمضيت إليه فقلت له تعلم حرمتي عليك وحرمة ما ضمك مع ابن كليب من الطلب، فقال نعم ولكن قد رأيت ما فشا من أمرنا قلت ما عليك أن تزوره فتنقذه من التلف.

فامتنع فلم أزل به حتى أجاب أن يمضي من الغد، فلما جاء الميعاد ذهبنا حتى صرنا بأزاء بيته فتغير وقال: في هذه الساعة أموت، ورجع بعدما جاذبته الرداء وقطع منه في يدي قطعة، ودخلت على أحمد وقد بشره غلامه بقدومه، فلما لم يجده معي تغير واختلط عقله فقمت عنه فآبت نفسي إليه، فقال لي اسمع وأنشد:

أسلم يا راحة العليل

رفقاً على الهائم النحيل

وصلك أشهى إلى فؤادي

من رحمة الخالق الجليل

فقلت له استعذ من ذلك، فقال قد كان فلم أخرج عنه إلا وقد قام الصراخ عليه، ومن شعره فيه وقد أهدى له فصيح ثعلب:

هذا كتاب الفصيح

بكل لفظ مليح

وهبته لك طوعاً

كما وهبتك روحي

ومنه وقد كتب إلى ابن خطاب شعراً في أسلم يعرضه عليه، فقال إنه ملحون فراجعه ابن خطاب فكتب:

ألحق لي التنوين في مطمع

فإنني أنسيت الحاقه

لا سيما إذا كان في وصل من

كدّرني في الحب أخلاقه

‌أخبار مدرك وصاحبه عمرو

هو مدرك بن علي الشيباني نسبة إلى بني شيبان عرب ببادية البصرة، دخل بغداد صغير ونشأ بها، فتفقه وأحسن العربية والأدب والخط.

وعمرو هذا هو ابن يوحنا النصراني البغدادي، كان بدير الروم من الجانب الشرقي، وكان لمدرك مجلس علم لا يحضره فيه إلا الأحداث وكان إذا دخله شيخ يخرجه وكان عمر يحضره، فعشقه وزاد فيه وجده فألقى إليه يوماً رقعة فيها:

بمجالس العلم التي

بك تم حسن جموعها

ألا رثيت لمقلة

غرقت بماء دموعها

بيني وبينك حرمة

الله في تضييعها

فاطلع الحاضرون عليها فاستحيا عمرو من ذلك وانقطع المجلس فكان مدرك يلزم دار الروم ويتبع عمراً، وزاد به الوسواس حتى اختلط عقله ولزم الفراش، ودخل الناس عليه يعودونه، فقال أما بينكم وبيني حرمة وعشرة، أما فيكم من يرحمني بالنظر إلى عمرو. فمضوا إليه، فلما أعلموه بحاله وما صار إليه من أجله مضى معهم، فحين سلم عليه أغمي عليه، ثم أفاق وأخذ بيده وأنشد:

أنا في عافية إلا من الشوق إليك

أيها العائد ما بي منك لا يخفى عليك

لا تعد جسماً وعد قلباً رهيناً في يديك

كيف لا يهلك مرشوق بسهمي مقلتيك

ص: 132

ثم شهق شهقة فمات، ومن أشعاره المشهورة قصيدته المعروفة بالمزدوجة وللطفها بتخميس الحلى لها أوردناه معها غير أن المصنف أبدل أبياتاً يسيرة من التخميس وزاد آخر زعم أن الحلى لم يقف عليها، وهذه القصيدة بالشرط المذكور غير أني أقول في أبيات المصنف له وهي هذه:

من عاشق ناء هواه دان

ناطق دمع صامت اللسان

موثق قلب مطلق الجثمان

معذب بالصد والهجران

طليق دمع قلبه في أسر

من غير ذنب كسبت يداه

غير هوى نمت به عيناه

شوقاً إلى رؤيه من أشقاه

كأنما عافاه من أضناه

إذ كان أصل نفعه والضر

يا ويحه من عاشق ما يلقى

من أدمع منهلة ما ترقا

له

ناطقة وما أجادت نطقاً

تخبر عن حب له استرقا

أخبار من يعلم أخفى السر

لم يبق منه غير طرف يبكي

بأدمع مثل نظام السلك

تطفيه نيران الهوى وتذكى

كأنما قطر السماء يحكى

هيهات هل قيس دم بقطر

له

إلى غزال من بني النصارى

عذار خديه سبى العذارى

وغادر الأسد به حيارى

في ربقة الحب به أساري

تنشد قول مدرك في عمرو

له

ريم بدار الروم رام قتلي

بمقلة كحلاء لا عن كحل

وطرّة بها استتار عقلي

وحسن وجه وقبيح فعل

وعظم ردف ونحيل خصر

ريم به أي هزبر لم يصد

يقتل باللحظ ولم يخشى القود

متى يقل ها قالت الألحاظ قد

كأنه ناسوته حين اتحد

أفديه من ريم ومن هزبر

ما أبصر الناس جميعاً بدراً

ولا رأوا شمساً وغصناً نضرا

أحسن من عمرو فديت عمراً

ظبي بعينيه سقاني خمرا

فما أفقت ساعه من سكرى

ها أنا ذا بقده مقدود

والدمع في خدي له أخدود

ما ضر من فقري به موجود

لو لم يقبح فعله الصدود

فديته لقد أطال هجري

إن كان ذنبي عنده الإسلام

فقد سعت في نقصه الآثام

واختلت الصلاة والصيام

وجاز في الدين له الحرام

يا خيبتي إن لم أفز بغفر

يا ليتني كنت له صليباً

أكون معه أبداً قريبا

أبصر حسناً وأشم طيباً

لا واشياً أخشى ولا رقيبا

ولا أخاف أبداً من غدر

يا ليتني كنت له قرباناً

الثم منه الثغر والبنانا

أو جاثليقاً كنت أو مطراناً

كيما يرى الطاعة لي إيمانا

فلا يزال الدهر طوع أمري

يا ليتني كنت لعمر ومصفحاً

يقرأ مني كل يوم أحرفا

أو قلما يكتب بي ما ألفا

من أدب مستحسن قد صنفا

ويجعل الريق بديل الحبر

يا ليتني كنت لعمرو عوده

أو حلة يلبسها مقدودة

أو بركة باسمه محدودة

أو بيعة في داره مشهودة

يدلج في أرجائها ويسري

يا ليتني كنت له زناراً

يديرني في الخصر كيف دارا

حتى إذا الليل طوى النهارا

صرت له حينئذ ازارا

أضمه إلى طلوع الفجر

قد والذي يبقيه لي أفناني

وابتز عقلي والضنى كساني

ظبي على البعاد والتداني

حل محل الروح من جثماني

فليس لي عن قربه من صبر

واكبدي من خده المضرج

واكبدي من ثغره المفلج

لا شيء مثل الطرف منه الأدعج

اذهب للنسك وللتحرج

الا جمال ثغرة بالدر

إليك أشكو يا غزال الأنس

ما بي من الوحشة بعد الأنس

يا من هلالي وجهه وشمسه

لا تقتل النفس بغير النفس

وجد بوصل لسقام يبري

جد لي كما جدت بحسن الود

وارع كما أرعى قديم العهد

واصدد كصدي عن طويل العهد

فليس وجد بك مثل وجدي

وليس ذكر لك مثل ذكري

ها أنا في بحر الهوى غريق

سكران من حبك لا أفيق

ص: 133

محترق ما مسني حريق

يرثي لي العدوّ والصديق

من حر صدري وعظيم ضري

فليت شعري فيك هل ترثي لي

من سقم لي وضنى طويل

أم هل إلى وصلك من سبيل

لعاشق ذي جسد نحيل

انحلة حبك طول الدهر

في كل عضو منه سقم وألم

ومقلة تبكي بدمع وبدم

شوقاً إلى بدور شمس وصنم

منه إليه المشتكى إذا ظلم

أفديه من شمس ضحى وبدر

أقول إذ قام بقلبي وقعد

يا عمرو يا عامر قلبي بالكمد

أقسم بالله يمين المجتهد

إن أمر أو أصلته لقد سعد

وكان من أشفيته في حر

يا عمرو ناشدتك بالمسيح

ألا سمعت القول من فصيح

يخبر عن قلب له جريح

باح بما يلقي من التبريح

كسير قلب ما له من جبر

يا عمرو بالحق من اللاهوت

والروح روح القدس والناسوت

ذاك الذي في مهده المنحوت

عوّض بالنطق من السكوت

وأنشر الميت ببطن القبر

بحق ناسوت ببطن مريم

حل محل الريق منها في الفم

ثم استحال في قنوم الأقدم

فكلم الناس ولما يفطم

مصرحاً عن أمه بالعذر

بحق من بعد الممات قمصا

ثوباً على مقداره ما قصصا

وكان لله تقياً مخلصاً

يشفي ويبري أكمها وأبرصا

بما لديه من خفي السر

بحق محيي صورة الطيور

وباعث الموتى من القبور

ومن إليه مرجع الأمور

يعلم ما في البر والبحور

وما به صرف القضاء يجري

بحق من في شامخ الصوامع

من ساجد لربه وراكع

يبكي إذا ما نام كل هاجع

خوفاً من الله بدمع هامع

ويهجر اللذات طول العمر

بحق قوم حلقوا الرؤوسا

وعالجوا طول الحياة بوسا

وقرعوا في البيعة الناقوسا

مشمعلين يعبدون عيسى

قد أخلصوا في سرهم والجهر

بحق ماري مريم وبولس

بحق شمعون الصفا وبطرس

بحق دانيل بحق يونس

بحق حزقيل وبيت المقدس

وكل أواب رحيب الصدر

ونينوى إذ قام يدعو ربه

مطهراً من كل سوء قلبه

ومستقيلاً فأقيل ذنبه

ونال عند الله ما أحبه

إذ رام من مولاه شد الازر

بحق ما في قلة الميرون

من نافع الأدواء للمجنون

بحق ما يؤثر عن شمعون

من بركات الخوص والزيتون

خصب البلاد في السنين الغبر

بحق أعياد الصليب الزهر

وعيد أشموني وعيد الفطر

وبالشعانين العظيم القدر

وعيد مر ماري الرفيع الذكر

مواسم تمنع حمل الاصر

وعيد شعياء وبالهياكل

والدخن اللاتي بكف الحامل

يشفي بها من خبل كل خابل

ومن دخيل السقم في المفاصل

لكونها من كل داء تبرى

بحق سبعين من العباد

قاموا بدين الله في البلاد

وأرشدوا الناس إلى الرشاد

حتى اهتدى من لم يكن بهادي

وحقق الحق بكشف الستر

بحق إثنتي عشرة من الأمم

ساروا إلى الأقطار يتلون الحكم

حتى إذا صبح الدجى جلا الظلم

ساروا إلى الله ففازوا بالنعم

ثم استداموها بفرط الشكر

بحق ما في محكم الانجيل

من محكم التحريم والتحليل

وخبر ذي نبا جليل

يرويه جيل قد مضى عن جيل

يسند زيد علمه عن عمرو

بحق مر عيد الشفيق الناصح

بحق لوقا ذي الفعال الصالح

بحق تمليخا الحكيم الراجح

والشهداء بالفلا الصحاصح

الراغبين في عظيم الأجر

بحق معمودية الأرواح

والمذبح المشهور في النواحي

ومن به من لابسي الامساح

وعابد باك ومن نواح

ينثر عقداً من دموع حمر

ص: 134

بحق تقريبك في الأجساد

وشربك القهوة كالفرصاد

بما بعينيك من السواد

وطول تقطيعك للأكباد

وسلبك العشاق حسن الصبر

بحق ما قدس شعيا فيه

بالحمد لله وبالتنزيه

بحق نسطور وما يرويه

عن كل ناموس له فقيه

متبع في نهيه والأمر

شيخان كانا من شيوخ العلم

وبعض أركان التقى والحلم

لم ينطقا قط بغير فهم

موتهما كان حياة الخصم

وعنهم أخبر كل حبر

بحرمة الأسقف والمطران

والجاثليق العالم الرباني

والقس والشماس والديراني

والبترك الأكبر والرهبان

والمغرباني ذي الخصال الزهر

بحرمة المحبوس في أعلى الجبل

ومار قولا حين صلى وابتهل

وبالكنيسات القديمات الأول

وبالسليح المرتضى بما فعل

وما أتاه من فعال البر

بحرمة الأسقوفيا والبيرم

وما حوى مغفر رأس مريم

بحرمة الصوم الكبير الأعظم

وحق كل بركة ومحرم

من شرف سام عظيم الفخر

بحق يوم الذبح ذي الاشراق

وليلة الميلاد والتلاقي

والمذهب المذهب للنفاق

والفصح يا مهذب الأخلاق

وكل ميقات جليل القدر

بكل قداس على قداس

قدسه القس مع الشماس

وقربوا يوم الخميس الناسي

وقدموا الكاس لكل حاسي

توقد في راحته كالجمر

ألا رغبت في رضا أديب

باعده الحب عن الحبيب

فذاب من شوق إلى المذيب

أعلى مناه أيسر التقريب

من بسط أخلاق وحسن بشر

فانظر إلى أميري في صلاح أمري

محتسباً فيّ عظيم الأجر

مكتسباً فيّ جميل الشكر

في نثر ألفاظ ونظم شعر

ففيك نظمي أبداً ونثري

قلت قد أودعت هذه القصيدة غالب مصطلحات دين النصرانية، لكن باعتبار مطلق الملة النصرانية لم يسلك فيها مصطلح الفرقة التي عمرو منها وظاهر أنه كان رومياً، ولكن مدرك لم يكن خبيراً بتفاصيل فرقهم وأقل منه معرفة بذلك من خمس حيث تسلقوا على مناسبة الشعر دون زيادة الأحكام، ولولا وجود هذا الباب في الأصل والتزامي ذكر ما فيه لحذفته أصلاً لعدم الرغبة إليه، لكن سأذكر لك البعض المناسب في فصل المناسبة قول عن حب له استرقا بتشديد القاف أي جعل الناس رقاً والفاعل الحب.

قوله في ربقة بكسر الراء والموحدة النحتية في الأصل حبل يجعل فيه حلق صغار يدخل فيه رقاب صغار الضأن فاستعاره تخييلاً كأن رتبة العشق جعلت المحبين في سنن الاستقامة كالمنتظمين في هذه الرقة.

وقوله ريم يعني غزلاً، والروم الفرقة الأصلية من النصارى التي تلقت عن المسيح عليه السلام ورئيسهم شمعون عليه السلام. وفي البيت من البديع التجنيس في ريم ورام والروم ويسمى الاشتقاق والهزبر الأسد يقول إن أشجع الوحوش الأسد، فلو كان العاشق أسداً لصاده هذا الغزال مع أنه خلاف القياس والناسوت واللاهوت ألفاظ وقعت في الانجيل فتأولها لوقا وهو البترك الأكبر الناقل عن بولس عن يوحنا عن شمعون عن المسيح عليه السلام وهو أول من قسم الفرق وتأول الرسائل والانجيل وذكر الآب والابن وروح القدس وقسم المثلثات. فقال أن عيسى ترع الناسوت يعني الحصة البشرية وأخذ اللاهوت يعني الحصة الالهية في ناسوته كالمصباح في الزجاجة وهذا جيد لولا أنه قال فيستحيل تارة إلى اللاهوت لأن حصة العذراء يعني مريم تغنى، وفي هذا كلام طويل ذكرناه في الفرق.

والصليب شيء ذو خطوط أربع تخرج على استقامة يجمع أصلها المحور وأصل تبرك النصارى به أنهم لعنهم الله فاعتقدوا أن الذي أخذته اليهود بصقلية وصلبته هو المسيح وكان صلبه على شيء هذه صفته وأنهم سقوه الخمر في حنك الخنزير.

ص: 135

فلما قام بعد ثلاث حلل الخمرة ولحم الخنزير وحرض على حمل الصليب وقد كذبوا في ذلك كله خصوصاً ومدلول هذا أن الخمر حرام في الانجيل وقد ذكر نسطوريون في كتاب سماه تقسيم الصفائح وهو مرجع المتفقهة في الملة النصرانية وقد طالعته أن الخمر حلال في الأصل والقربان رغيف مستدير عليه صلبان كثيرة يخبز في كل بيت كل يوم أحد من الصوم الكبير ويحمل إلى الكنيسة فإذا فرغت الصلاة أخذ القسيس بعضه وفرق بعضه فتنصرف به النصارى فيفطرون عليه كل يوم إلى الجمعة.

وهكذا والجاثليق الرئيس بالنسبة إلى السلطنة الظاهرة وأما المطران فهو الفقيه الورع المستصحب للبس الصوف الأسود، وأصل هذا الترتيب عندهم أن القارىء للانجيل من أول وهلة شماس فإن تأوله وأتقن حفظه صار قسيساً ويدوم كذلك ما دام عنده زوجة، وإن بلغ في العلم ما بلغ فإن ماتت زوجته وتزوج خرج عن مراتب العلم ويسمى سالخ القسوسية وإلا صار مطراناً فإن تنزه عن الذفر وما يخرج من الأرواح صار يتركا في مذهب الأرمن.

وأما الروم واليعاقبة والنسطورية فيرون أنه لا يجوز أن يكون بتركاً إلا من تنزه عن النساء وأكل الأرواح وما يخرج منها من أول عمره إلا العسل والسمك، لأن خليفة المسيح وطاعة هؤلاء فرض على النصارى. وأما الاسقف والميرون والراهب فأسماء للمتعبدين خاصة فالماكث في القلة ميرون وكثير السياحة أسقف وتارك النساء فقط راهب وشرط الروم ملازمته لبس المسوح وخدمة الدير وأن لا يصلي خارج كنيسة ولو خمس قوله كيما يرى الطاعة لي إيماناً بقوله يكشف الرأس إذاً ويجري لكان أليق لما فيه من ذكر الحكم الديني الواجب فعله مع المذكورين.

والمصحف المراد به المعنى اللغوي والبيعة معبد صغير عير مرتفع والدير المعبد الكبير الكثير المرافق والمحاريب والكنيسة ما اشتملت على عواميد الأناجيل ولم يرتفع بناؤها طبقات، والصومعة مكان رفيع رقيق الأسفل والقلة مثلها إلا أنها لا تسع أكثر من واحد والزنار منطقة تشد في الخصر وقت الصلاة مشتملة على صليب إذا شدت كانت على السرة.

ومن هنا إلى آخر ما شرح مؤخر والمغرباني الخادم الملازم للبترك وباقي البيت تقدم استطراداً. والمحبوس في رأس الجبل هو الراهب نقولا وكان بأنطاكية في بيعه البرتز فأرسله لوقا نذير الأهل السد فحبسه شعياء اليهودي في جبل الغمام وضربه على أن يرجع عن النصرانية، فأبى ومات جوعاً عند الأرمن.

واليعاقبة تقول أن المسيح أخذه واصطفاه وتوقفت فيه الروم، ومرقولا أول بترك بعد لوقا وهو الذي قسم الكنائس بين الأرمن والروم والسليه بالمهملة رجل أقامه مرقولا في خدمة الكنيسة الرومية ولو أحسن المخمس لقال ووضعه البخور فوق الجمر لأنها وظيفته، والاسقوفيا هو الاسقف وقد تجوز فيها مدرك كما زاد الالف في مرقولا والبيرم الفراش في الدير وأشار بمغفرة رأس مريم إلى بولس الذي نحر عن مريم يوم صورت في القمامة ألف رأس وفرض خمسة عشر يوماً صوماً مبدوءها خامس عشر أيلول وهو تاسع عشر توت، والصوم الكبير هو الصوم الذي تستفتح به السنة اليونانية وأوله من أول آذار يعني برمهات وقد يتقدم أو يتأخر بخمسة عشر يوماً، وأصله في الانجيل ثلاثون يوماً ثم زاده لوقا عشرة أيام لأجل خلاص النصارى من ولاية اليهود بافرنجة، ثم زاده الوزير بولس عشرة لسلامة ابنته، وكانت زمنة فأصبحت صحيحة وزعمت أن المسيح مسح عليها وكان ذلك ليلة العيد فأمر بزيادة عشرة ففرضها على النصارى فكمل خمسين إلى الآن.

والبركة محل ماء الغطاس والمحرم تكميل ولو أحسن المخمس لقال وبلسان عندها وعطر لأن بركة الغطاس لا بد أن يحضر عندها القسيس ومعه شيء من دهن البلسان وأنواع الطيب لأنهم يقولون أن مريم كانت تصنع ذلك في تغسيل عيسى.

ويوم الذبح يريدون به يوم فراغ بختنصر اليهود وذبحهم على دم يحيى بن زكريا وهو يفور حتى سكن.

وليلة الميلاد هي ليلة ميلاد المسيح وهي سابع كانون الأصم أعني ثالث عشر طوبة.

ص: 136