الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخبار أحمد بن كليب وصاحبه أسلم
هو أحمد بن قزمان الشهير بابن كليب الكاتب كان أندلسياً شاعراً نحوياً متفقهاً قرأ على محمد بن خطاب النحوي واجتمع بالمزني وبأبي عبد الله محمد بن الحسن وغيرهما.
وأسلم هذا هو ابن سعيد بن خلف، كان جده وزير السلطان المظفر المعروف بالناصر. ولي أسلم القضاء بالأندلس بعدما كان حاجباً وله يد في الأدب وديوان شعر معروف ترجمه في الاحاطة بتاريخ غرناطة معروف بالرياسة والفضل والعرافة، فعشقه من مجلس ابن خطاب واشتد به كلفه فنظم فيه الأشعار الكثيرة وهو يكتم ذلك.
فلما غلب عليه حبه فشا أمره واشتهر فيه على ألسنة شعره، وقيل إن أول ما اشتهر من ذلك وسمع زامر السلطان يغني به قوله:
أيسلمني في هوا
…
ء أسلم هذا الرشا
غزال له مقلة
…
يصيب بها من يشا
وشى بيننا حاسد
…
سيسئل عما وشا
ولو شاء أن يرتشي
…
على الوصل روحي وارتشى
فحين بلغ أسلم هذا الأمر انقطع في داره عن جميع الأشياء فصار يجلس على بابه أحياناً فجعل أحمد لا يمر إلا على بابه فانقطع وصار يجلس ليلاً عند العشاء فمضى أحمد وأخذ دجاجاً وبيضاً وتزيا بزي بعض فلاحي أسلم وأقبل فقبل يده وتسلم الهدية وجعل يسأله على الضياع فاستلغاه فحين عرفه، قال أما يكفيك قطعي عن الطلب والخروج حتى تبعتني إلى هنا، ثم حلف لا يخرج من بيته.
ومضى أحمد حزيناً فكان يماجن، فيقال له ذهب دجاجك وبيضك، فيقول أود لو قبلت يده قبلة وأذهبت كل ليلة مثل هذا. ولما طال عليه الأمر انقطع. قال ابن خطاب فعدته فوجدته مشرفاً على التلف، فقال لو سعيت في أن تجمع بيني وبينه لاثابك الله على ذلك ثواباً عظيماً. فمضيت إليه فقلت له تعلم حرمتي عليك وحرمة ما ضمك مع ابن كليب من الطلب، فقال نعم ولكن قد رأيت ما فشا من أمرنا قلت ما عليك أن تزوره فتنقذه من التلف.
فامتنع فلم أزل به حتى أجاب أن يمضي من الغد، فلما جاء الميعاد ذهبنا حتى صرنا بأزاء بيته فتغير وقال: في هذه الساعة أموت، ورجع بعدما جاذبته الرداء وقطع منه في يدي قطعة، ودخلت على أحمد وقد بشره غلامه بقدومه، فلما لم يجده معي تغير واختلط عقله فقمت عنه فآبت نفسي إليه، فقال لي اسمع وأنشد:
أسلم يا راحة العليل
…
رفقاً على الهائم النحيل
وصلك أشهى إلى فؤادي
…
من رحمة الخالق الجليل
فقلت له استعذ من ذلك، فقال قد كان فلم أخرج عنه إلا وقد قام الصراخ عليه، ومن شعره فيه وقد أهدى له فصيح ثعلب:
هذا كتاب الفصيح
…
بكل لفظ مليح
وهبته لك طوعاً
…
كما وهبتك روحي
ومنه وقد كتب إلى ابن خطاب شعراً في أسلم يعرضه عليه، فقال إنه ملحون فراجعه ابن خطاب فكتب:
ألحق لي التنوين في مطمع
…
فإنني أنسيت الحاقه
لا سيما إذا كان في وصل من
…
كدّرني في الحب أخلاقه
أخبار مدرك وصاحبه عمرو
هو مدرك بن علي الشيباني نسبة إلى بني شيبان عرب ببادية البصرة، دخل بغداد صغير ونشأ بها، فتفقه وأحسن العربية والأدب والخط.
وعمرو هذا هو ابن يوحنا النصراني البغدادي، كان بدير الروم من الجانب الشرقي، وكان لمدرك مجلس علم لا يحضره فيه إلا الأحداث وكان إذا دخله شيخ يخرجه وكان عمر يحضره، فعشقه وزاد فيه وجده فألقى إليه يوماً رقعة فيها:
بمجالس العلم التي
…
بك تم حسن جموعها
ألا رثيت لمقلة
…
غرقت بماء دموعها
بيني وبينك حرمة
…
الله في تضييعها
فاطلع الحاضرون عليها فاستحيا عمرو من ذلك وانقطع المجلس فكان مدرك يلزم دار الروم ويتبع عمراً، وزاد به الوسواس حتى اختلط عقله ولزم الفراش، ودخل الناس عليه يعودونه، فقال أما بينكم وبيني حرمة وعشرة، أما فيكم من يرحمني بالنظر إلى عمرو. فمضوا إليه، فلما أعلموه بحاله وما صار إليه من أجله مضى معهم، فحين سلم عليه أغمي عليه، ثم أفاق وأخذ بيده وأنشد:
أنا في عافية إلا من الشوق إليك
أيها العائد ما بي منك لا يخفى عليك
لا تعد جسماً وعد قلباً رهيناً في يديك
كيف لا يهلك مرشوق بسهمي مقلتيك
ثم شهق شهقة فمات، ومن أشعاره المشهورة قصيدته المعروفة بالمزدوجة وللطفها بتخميس الحلى لها أوردناه معها غير أن المصنف أبدل أبياتاً يسيرة من التخميس وزاد آخر زعم أن الحلى لم يقف عليها، وهذه القصيدة بالشرط المذكور غير أني أقول في أبيات المصنف له وهي هذه:
من عاشق ناء هواه دان
…
ناطق دمع صامت اللسان
موثق قلب مطلق الجثمان
…
معذب بالصد والهجران
طليق دمع قلبه في أسر
من غير ذنب كسبت يداه
…
غير هوى نمت به عيناه
شوقاً إلى رؤيه من أشقاه
…
كأنما عافاه من أضناه
إذ كان أصل نفعه والضر
يا ويحه من عاشق ما يلقى
…
من أدمع منهلة ما ترقا
له
ناطقة وما أجادت نطقاً
…
تخبر عن حب له استرقا
أخبار من يعلم أخفى السر
لم يبق منه غير طرف يبكي
…
بأدمع مثل نظام السلك
تطفيه نيران الهوى وتذكى
…
كأنما قطر السماء يحكى
هيهات هل قيس دم بقطر
له
إلى غزال من بني النصارى
…
عذار خديه سبى العذارى
وغادر الأسد به حيارى
…
في ربقة الحب به أساري
تنشد قول مدرك في عمرو
له
ريم بدار الروم رام قتلي
…
بمقلة كحلاء لا عن كحل
وطرّة بها استتار عقلي
…
وحسن وجه وقبيح فعل
وعظم ردف ونحيل خصر
ريم به أي هزبر لم يصد
…
يقتل باللحظ ولم يخشى القود
متى يقل ها قالت الألحاظ قد
…
كأنه ناسوته حين اتحد
أفديه من ريم ومن هزبر
ما أبصر الناس جميعاً بدراً
…
ولا رأوا شمساً وغصناً نضرا
أحسن من عمرو فديت عمراً
…
ظبي بعينيه سقاني خمرا
فما أفقت ساعه من سكرى
ها أنا ذا بقده مقدود
…
والدمع في خدي له أخدود
ما ضر من فقري به موجود
…
لو لم يقبح فعله الصدود
فديته لقد أطال هجري
إن كان ذنبي عنده الإسلام
…
فقد سعت في نقصه الآثام
واختلت الصلاة والصيام
…
وجاز في الدين له الحرام
يا خيبتي إن لم أفز بغفر
يا ليتني كنت له صليباً
…
أكون معه أبداً قريبا
أبصر حسناً وأشم طيباً
…
لا واشياً أخشى ولا رقيبا
ولا أخاف أبداً من غدر
يا ليتني كنت له قرباناً
…
الثم منه الثغر والبنانا
أو جاثليقاً كنت أو مطراناً
…
كيما يرى الطاعة لي إيمانا
فلا يزال الدهر طوع أمري
يا ليتني كنت لعمر ومصفحاً
…
يقرأ مني كل يوم أحرفا
أو قلما يكتب بي ما ألفا
…
من أدب مستحسن قد صنفا
ويجعل الريق بديل الحبر
يا ليتني كنت لعمرو عوده
…
أو حلة يلبسها مقدودة
أو بركة باسمه محدودة
…
أو بيعة في داره مشهودة
يدلج في أرجائها ويسري
يا ليتني كنت له زناراً
…
يديرني في الخصر كيف دارا
حتى إذا الليل طوى النهارا
…
صرت له حينئذ ازارا
أضمه إلى طلوع الفجر
قد والذي يبقيه لي أفناني
…
وابتز عقلي والضنى كساني
ظبي على البعاد والتداني
…
حل محل الروح من جثماني
فليس لي عن قربه من صبر
واكبدي من خده المضرج
…
واكبدي من ثغره المفلج
لا شيء مثل الطرف منه الأدعج
…
اذهب للنسك وللتحرج
الا جمال ثغرة بالدر
إليك أشكو يا غزال الأنس
…
ما بي من الوحشة بعد الأنس
يا من هلالي وجهه وشمسه
…
لا تقتل النفس بغير النفس
وجد بوصل لسقام يبري
جد لي كما جدت بحسن الود
…
وارع كما أرعى قديم العهد
واصدد كصدي عن طويل العهد
…
فليس وجد بك مثل وجدي
وليس ذكر لك مثل ذكري
ها أنا في بحر الهوى غريق
…
سكران من حبك لا أفيق
محترق ما مسني حريق
…
يرثي لي العدوّ والصديق
من حر صدري وعظيم ضري
فليت شعري فيك هل ترثي لي
…
من سقم لي وضنى طويل
أم هل إلى وصلك من سبيل
…
لعاشق ذي جسد نحيل
انحلة حبك طول الدهر
في كل عضو منه سقم وألم
…
ومقلة تبكي بدمع وبدم
شوقاً إلى بدور شمس وصنم
…
منه إليه المشتكى إذا ظلم
أفديه من شمس ضحى وبدر
أقول إذ قام بقلبي وقعد
…
يا عمرو يا عامر قلبي بالكمد
أقسم بالله يمين المجتهد
…
إن أمر أو أصلته لقد سعد
وكان من أشفيته في حر
يا عمرو ناشدتك بالمسيح
…
ألا سمعت القول من فصيح
يخبر عن قلب له جريح
…
باح بما يلقي من التبريح
كسير قلب ما له من جبر
يا عمرو بالحق من اللاهوت
…
والروح روح القدس والناسوت
ذاك الذي في مهده المنحوت
…
عوّض بالنطق من السكوت
وأنشر الميت ببطن القبر
بحق ناسوت ببطن مريم
…
حل محل الريق منها في الفم
ثم استحال في قنوم الأقدم
…
فكلم الناس ولما يفطم
مصرحاً عن أمه بالعذر
بحق من بعد الممات قمصا
…
ثوباً على مقداره ما قصصا
وكان لله تقياً مخلصاً
…
يشفي ويبري أكمها وأبرصا
بما لديه من خفي السر
بحق محيي صورة الطيور
…
وباعث الموتى من القبور
ومن إليه مرجع الأمور
…
يعلم ما في البر والبحور
وما به صرف القضاء يجري
بحق من في شامخ الصوامع
…
من ساجد لربه وراكع
يبكي إذا ما نام كل هاجع
…
خوفاً من الله بدمع هامع
ويهجر اللذات طول العمر
بحق قوم حلقوا الرؤوسا
…
وعالجوا طول الحياة بوسا
وقرعوا في البيعة الناقوسا
…
مشمعلين يعبدون عيسى
قد أخلصوا في سرهم والجهر
بحق ماري مريم وبولس
…
بحق شمعون الصفا وبطرس
بحق دانيل بحق يونس
…
بحق حزقيل وبيت المقدس
وكل أواب رحيب الصدر
ونينوى إذ قام يدعو ربه
…
مطهراً من كل سوء قلبه
ومستقيلاً فأقيل ذنبه
…
ونال عند الله ما أحبه
إذ رام من مولاه شد الازر
بحق ما في قلة الميرون
…
من نافع الأدواء للمجنون
بحق ما يؤثر عن شمعون
…
من بركات الخوص والزيتون
خصب البلاد في السنين الغبر
بحق أعياد الصليب الزهر
…
وعيد أشموني وعيد الفطر
وبالشعانين العظيم القدر
…
وعيد مر ماري الرفيع الذكر
مواسم تمنع حمل الاصر
وعيد شعياء وبالهياكل
…
والدخن اللاتي بكف الحامل
يشفي بها من خبل كل خابل
…
ومن دخيل السقم في المفاصل
لكونها من كل داء تبرى
بحق سبعين من العباد
…
قاموا بدين الله في البلاد
وأرشدوا الناس إلى الرشاد
…
حتى اهتدى من لم يكن بهادي
وحقق الحق بكشف الستر
بحق إثنتي عشرة من الأمم
…
ساروا إلى الأقطار يتلون الحكم
حتى إذا صبح الدجى جلا الظلم
…
ساروا إلى الله ففازوا بالنعم
ثم استداموها بفرط الشكر
بحق ما في محكم الانجيل
…
من محكم التحريم والتحليل
وخبر ذي نبا جليل
…
يرويه جيل قد مضى عن جيل
يسند زيد علمه عن عمرو
بحق مر عيد الشفيق الناصح
…
بحق لوقا ذي الفعال الصالح
بحق تمليخا الحكيم الراجح
…
والشهداء بالفلا الصحاصح
الراغبين في عظيم الأجر
بحق معمودية الأرواح
…
والمذبح المشهور في النواحي
ومن به من لابسي الامساح
…
وعابد باك ومن نواح
ينثر عقداً من دموع حمر
بحق تقريبك في الأجساد
…
وشربك القهوة كالفرصاد
بما بعينيك من السواد
…
وطول تقطيعك للأكباد
وسلبك العشاق حسن الصبر
بحق ما قدس شعيا فيه
…
بالحمد لله وبالتنزيه
بحق نسطور وما يرويه
…
عن كل ناموس له فقيه
متبع في نهيه والأمر
شيخان كانا من شيوخ العلم
…
وبعض أركان التقى والحلم
لم ينطقا قط بغير فهم
…
موتهما كان حياة الخصم
وعنهم أخبر كل حبر
بحرمة الأسقف والمطران
…
والجاثليق العالم الرباني
والقس والشماس والديراني
…
والبترك الأكبر والرهبان
والمغرباني ذي الخصال الزهر
بحرمة المحبوس في أعلى الجبل
…
ومار قولا حين صلى وابتهل
وبالكنيسات القديمات الأول
…
وبالسليح المرتضى بما فعل
وما أتاه من فعال البر
بحرمة الأسقوفيا والبيرم
…
وما حوى مغفر رأس مريم
بحرمة الصوم الكبير الأعظم
…
وحق كل بركة ومحرم
من شرف سام عظيم الفخر
بحق يوم الذبح ذي الاشراق
…
وليلة الميلاد والتلاقي
والمذهب المذهب للنفاق
…
والفصح يا مهذب الأخلاق
وكل ميقات جليل القدر
بكل قداس على قداس
…
قدسه القس مع الشماس
وقربوا يوم الخميس الناسي
…
وقدموا الكاس لكل حاسي
توقد في راحته كالجمر
ألا رغبت في رضا أديب
…
باعده الحب عن الحبيب
فذاب من شوق إلى المذيب
…
أعلى مناه أيسر التقريب
من بسط أخلاق وحسن بشر
فانظر إلى أميري في صلاح أمري
…
محتسباً فيّ عظيم الأجر
مكتسباً فيّ جميل الشكر
…
في نثر ألفاظ ونظم شعر
ففيك نظمي أبداً ونثري
قلت قد أودعت هذه القصيدة غالب مصطلحات دين النصرانية، لكن باعتبار مطلق الملة النصرانية لم يسلك فيها مصطلح الفرقة التي عمرو منها وظاهر أنه كان رومياً، ولكن مدرك لم يكن خبيراً بتفاصيل فرقهم وأقل منه معرفة بذلك من خمس حيث تسلقوا على مناسبة الشعر دون زيادة الأحكام، ولولا وجود هذا الباب في الأصل والتزامي ذكر ما فيه لحذفته أصلاً لعدم الرغبة إليه، لكن سأذكر لك البعض المناسب في فصل المناسبة قول عن حب له استرقا بتشديد القاف أي جعل الناس رقاً والفاعل الحب.
قوله في ربقة بكسر الراء والموحدة النحتية في الأصل حبل يجعل فيه حلق صغار يدخل فيه رقاب صغار الضأن فاستعاره تخييلاً كأن رتبة العشق جعلت المحبين في سنن الاستقامة كالمنتظمين في هذه الرقة.
وقوله ريم يعني غزلاً، والروم الفرقة الأصلية من النصارى التي تلقت عن المسيح عليه السلام ورئيسهم شمعون عليه السلام. وفي البيت من البديع التجنيس في ريم ورام والروم ويسمى الاشتقاق والهزبر الأسد يقول إن أشجع الوحوش الأسد، فلو كان العاشق أسداً لصاده هذا الغزال مع أنه خلاف القياس والناسوت واللاهوت ألفاظ وقعت في الانجيل فتأولها لوقا وهو البترك الأكبر الناقل عن بولس عن يوحنا عن شمعون عن المسيح عليه السلام وهو أول من قسم الفرق وتأول الرسائل والانجيل وذكر الآب والابن وروح القدس وقسم المثلثات. فقال أن عيسى ترع الناسوت يعني الحصة البشرية وأخذ اللاهوت يعني الحصة الالهية في ناسوته كالمصباح في الزجاجة وهذا جيد لولا أنه قال فيستحيل تارة إلى اللاهوت لأن حصة العذراء يعني مريم تغنى، وفي هذا كلام طويل ذكرناه في الفرق.
والصليب شيء ذو خطوط أربع تخرج على استقامة يجمع أصلها المحور وأصل تبرك النصارى به أنهم لعنهم الله فاعتقدوا أن الذي أخذته اليهود بصقلية وصلبته هو المسيح وكان صلبه على شيء هذه صفته وأنهم سقوه الخمر في حنك الخنزير.
فلما قام بعد ثلاث حلل الخمرة ولحم الخنزير وحرض على حمل الصليب وقد كذبوا في ذلك كله خصوصاً ومدلول هذا أن الخمر حرام في الانجيل وقد ذكر نسطوريون في كتاب سماه تقسيم الصفائح وهو مرجع المتفقهة في الملة النصرانية وقد طالعته أن الخمر حلال في الأصل والقربان رغيف مستدير عليه صلبان كثيرة يخبز في كل بيت كل يوم أحد من الصوم الكبير ويحمل إلى الكنيسة فإذا فرغت الصلاة أخذ القسيس بعضه وفرق بعضه فتنصرف به النصارى فيفطرون عليه كل يوم إلى الجمعة.
وهكذا والجاثليق الرئيس بالنسبة إلى السلطنة الظاهرة وأما المطران فهو الفقيه الورع المستصحب للبس الصوف الأسود، وأصل هذا الترتيب عندهم أن القارىء للانجيل من أول وهلة شماس فإن تأوله وأتقن حفظه صار قسيساً ويدوم كذلك ما دام عنده زوجة، وإن بلغ في العلم ما بلغ فإن ماتت زوجته وتزوج خرج عن مراتب العلم ويسمى سالخ القسوسية وإلا صار مطراناً فإن تنزه عن الذفر وما يخرج من الأرواح صار يتركا في مذهب الأرمن.
وأما الروم واليعاقبة والنسطورية فيرون أنه لا يجوز أن يكون بتركاً إلا من تنزه عن النساء وأكل الأرواح وما يخرج منها من أول عمره إلا العسل والسمك، لأن خليفة المسيح وطاعة هؤلاء فرض على النصارى. وأما الاسقف والميرون والراهب فأسماء للمتعبدين خاصة فالماكث في القلة ميرون وكثير السياحة أسقف وتارك النساء فقط راهب وشرط الروم ملازمته لبس المسوح وخدمة الدير وأن لا يصلي خارج كنيسة ولو خمس قوله كيما يرى الطاعة لي إيماناً بقوله يكشف الرأس إذاً ويجري لكان أليق لما فيه من ذكر الحكم الديني الواجب فعله مع المذكورين.
والمصحف المراد به المعنى اللغوي والبيعة معبد صغير عير مرتفع والدير المعبد الكبير الكثير المرافق والمحاريب والكنيسة ما اشتملت على عواميد الأناجيل ولم يرتفع بناؤها طبقات، والصومعة مكان رفيع رقيق الأسفل والقلة مثلها إلا أنها لا تسع أكثر من واحد والزنار منطقة تشد في الخصر وقت الصلاة مشتملة على صليب إذا شدت كانت على السرة.
ومن هنا إلى آخر ما شرح مؤخر والمغرباني الخادم الملازم للبترك وباقي البيت تقدم استطراداً. والمحبوس في رأس الجبل هو الراهب نقولا وكان بأنطاكية في بيعه البرتز فأرسله لوقا نذير الأهل السد فحبسه شعياء اليهودي في جبل الغمام وضربه على أن يرجع عن النصرانية، فأبى ومات جوعاً عند الأرمن.
واليعاقبة تقول أن المسيح أخذه واصطفاه وتوقفت فيه الروم، ومرقولا أول بترك بعد لوقا وهو الذي قسم الكنائس بين الأرمن والروم والسليه بالمهملة رجل أقامه مرقولا في خدمة الكنيسة الرومية ولو أحسن المخمس لقال ووضعه البخور فوق الجمر لأنها وظيفته، والاسقوفيا هو الاسقف وقد تجوز فيها مدرك كما زاد الالف في مرقولا والبيرم الفراش في الدير وأشار بمغفرة رأس مريم إلى بولس الذي نحر عن مريم يوم صورت في القمامة ألف رأس وفرض خمسة عشر يوماً صوماً مبدوءها خامس عشر أيلول وهو تاسع عشر توت، والصوم الكبير هو الصوم الذي تستفتح به السنة اليونانية وأوله من أول آذار يعني برمهات وقد يتقدم أو يتأخر بخمسة عشر يوماً، وأصله في الانجيل ثلاثون يوماً ثم زاده لوقا عشرة أيام لأجل خلاص النصارى من ولاية اليهود بافرنجة، ثم زاده الوزير بولس عشرة لسلامة ابنته، وكانت زمنة فأصبحت صحيحة وزعمت أن المسيح مسح عليها وكان ذلك ليلة العيد فأمر بزيادة عشرة ففرضها على النصارى فكمل خمسين إلى الآن.
والبركة محل ماء الغطاس والمحرم تكميل ولو أحسن المخمس لقال وبلسان عندها وعطر لأن بركة الغطاس لا بد أن يحضر عندها القسيس ومعه شيء من دهن البلسان وأنواع الطيب لأنهم يقولون أن مريم كانت تصنع ذلك في تغسيل عيسى.
ويوم الذبح يريدون به يوم فراغ بختنصر اليهود وذبحهم على دم يحيى بن زكريا وهو يفور حتى سكن.
وليلة الميلاد هي ليلة ميلاد المسيح وهي سابع كانون الأصم أعني ثالث عشر طوبة.