الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال لما خرجنا على المتوكل أخذت أنا وأصحابي قافلة الحاج فجمعنا مالاً ومتاعاً لا يحصى، وكنت قد جلست على كرسي وأصحابي يجمعون إلي المال إذا أنا بامرأة قد رفعت سجاف هودج فأضاء منها الموضع ولا أضاءته بالشمس فقالت أين الشريف صاحب السرية فلي إليه حاجة قلت انه يسمع كلامك، فقالت أنا حمدونية بنت عيسى ابن موسى تعلم مكاننا عند الخليفة، وأنا أسألك أن تأخذ مني ثلاثين ألف دينار مع أني أعطيتك ما في يدك، ولكن أسألك بفضلك أن لا يكشف لي أحد وجهاً.
فناديت أصحابي، فلما اجتمعوا قلت من أخذ منكم من هذه القافلة عقالاً آذنته بحرب، فردوا حتى الأطعمة وخفرتهم إلى المأمن. فلما ظفر بي الخليفة وحبسني بسر من رأى دخل على السجان يوماً، فقال إن بالباب امرأتين من أهلك يريدان الدخول عليك، ولولا أن دفعتا إلي دملج ذهب ما أذنت لهما، فقد منع الخليفة أن يدخل عليك أحد.
فخرجت فإذا أنا بها مع امرأة وجارية تحمل شيئاً، فلما بصرت بي قالت أي والله هو، وبكت لما أنا فيه ثم قبلت قدمي وقالت لو استطعت أن أفديك بنفسي لفعلت، ولكني لا أقصر في خلاصك ودونك هذه النفقة، ورسولي يأتيك في كل يوم بما تريد حتى يفرج الله عنك، ودفعت إلي خمسمائة دينار وثياباً وطيباً وطعاماً، وانصرفت وقد أضرمت بقلبي نار أقدحتها النظرة الأولى، فأنشدت:
طرب الفؤاد وعاودت أحزانه
…
وتشعبت بشعابه أشجانه
وبدا له من بعدما اندمل الهوى
…
برق تألق موهناً لمعانه
يبدوا كحاشية الرداء ودونه
…
صعب الذرى متمنعاً أركانه
فبدا لينظر أين لاح فلم يطق
…
نظرا إليه وصده سجانه
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه
…
والماء ما سحت به أجفانه
يا قلب لا يذهب بحلمك باخل
…
بالنيل باذل تافه منانه
واقنع بما قسم الاله فأمره
…
ما لا يزال على الفتى اتيانه
والبؤس ماض لا يدوم كما مضى
…
عصر النعيم وزال عنك أوانه
ولم يزل رسولها يعاودني بالإحسان وملاطفة السجان إلى أن خرجت وعظم أمري عند الخليفة، فخطبتها فامتنع فكان سجن هواها أعظم علي من السجن فلم أر إلا أن أتيت إبراهيم بن المقتدر فأخبرته بذلك وكان أبوها صنيعته، فركب إليه فلم يفارقه حتى زوجني بها ولابن صالح فيها وفي إبراهيم مدائح كثيرة تركتها.
ومنهم
جعد بن مهجع العذري
قال عمرو بن أبي ربيعة أنه كان فتى مغرماً بمحادثه النساء، وحفظ طرف الأخبار وملح الأشعار مع أنه غير عاهر الخلوة ولا سريع السلوة، وكان يحضر الموسم فتقصده الناس لتسمع منه. فانقطع سنة، فسألت عنه العذريين، فقال لي رجل تريد أبا المسهر؟ قلت نعم إياه أعني، فتنفس الصعداء، ثم قال قد أصبح والله كما قال:
لعمرك ما حبي لا سماء تاركي
…
صحيحاً ولا أقضي به فأموت
قلت وما به؟ قال مثل ما بك من تيهكما في الضلال. قلت فمن أنت؟ قال أخوه، قلت كأنك وإياه على طرفي نقيض ثم انطلقت أقول:
أرائحة حجاج عذرة روحهم
…
ولما يرح في القوم جعد بن مهجع
خليلان نشكو ما نلاقي من الهوى
…
متى ما أقل يسمع وإن قال اسمع
فلا يبعدنك الله خلا فإنني
…
سألقى كما لاقيت في الحب مصرعي
فلما كان الموسم من قابل وأنا بعرفة رأيت شاباً لم تبق إلا رسومه، فعرفته بناقته فسلمت عليه وسألته عن حاله، فشكا إلي ما به فقلت له إن هذا دعاء فادع الله أن يزيل ما بك، فلم يزل يدعو حتى الغروب فسمعته يقول:
يا رب كل غدوة وروحه
…
من محرم يشكو الضحى ولوحه
أنت حسيب الخصم يوم الدوحه
فقلت له وما الدوحة قال. إذا انصرفنا حدثتك، فلما انصرفنا حدثني أن له أخوالاً من كلب وأنه حول ما له إليهم خشية التلف، فأقام معهم وأنه خرج يوماً على فرس وقد صحب شراباً فاشتد الحر ورفعت له دوحة فقصدها ونزل تحتها، فلما استقر حتى بان له شخص عليه درع أصفر وعمامة سوداء، يطرد منحلة وأتانا فقتلهما، وقصد الدوحة ونزل بها فحادثته فخلب عقلي لفظه فدعوته إلى الشراب فشرب وقام ليصلح من شأن فرسه فتزحزح الدرع عن ثدى كحق العاج فقلت امرأة أنت؟