الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليس خطب الهوى بخطب يسير
…
لا ينبئك عنه مثل خبير
ليس أمر الهوى يدبر بالرأ
…
ي ولا بالقياس والتفكير
إنما الأمر في الهوى خطرات
…
محدثات الأمور بعد الأمور
وقيل هي لعلية بنت المهدي حكاه الصولي ووجد على صخرة العشق ملك غشوم مسلط ظلوم دانت له القلوب وانقادت له الألباب وخضعت له النفوس فالعقل أسيره والنظر رسوله واللحظ حامله والتفكر جاسوسه والشغف حاجبه والهيمان نائبه بحر مستقره غامض ويم تياره طافح وفائض وهو دقيق المسلك عسير المخرج وضرب بعض الحكماء مثلاً للشهوة والعشق فقال هما كالنحل يستميل القلوب بحلاوة عسله وربما قتل بسمعه وذلك لأن الإنسان أما ذو عقل ملكي يتعقل الأشياء فينزجر أو نفس شهوانية ترى اللذات فتنهمك ومن ثم إذا وقع عن صدق جعل المتحابين كنفس واحدة.
حكي الغنوي قال دعيت إلى عيادة مريض أحبه آخر فدخلنا عليهما والمحب الصحيح يذب عنه فكان إذا شكا المريض شيئاً شكا الآخر مثله فقدر أن قضى ونحن عنده فحال مفارقة نفسه فارق الصحيح نفسه ومثله ما حكاه في ذيل الأمالي عن التميمي أن أخوين من امرأة يقال لهما فضل وفضيل قضى أحدهما فلما دفن طأطأ الآخر ينظره فلما سوي عليه اللبن أنشد
سأبكيك لا مستقصياً فيض عبرة
…
ولا مبتغ بالصبر عاقبة الصبر
ثم عاد فلزم المنزل حتى قضى من الغد
فصل في بيان مراتبه
وما ورد في كيفية ترقيه حتى يستولي على الحواس النفسية ويستغرق القوى الحسية ويملك العقل والبدن ويورث الذل والمحن ويسهل الوقوع في المهالك ويغري على سلوك أوعر المسالك أعلم أنه ألطف موجود نشأ في الوجود كما حققناه وحيث هو كذلك فتعلقه لا يبد وأن يشاكله لاحتياج كل اثنين تألفاً إلى نسبة تأليفية ولا شبهة أن الروح ألطف ما في البدن فلذلك كان العشق أول ما يتشبث بها فهذا دليل على أنه يقابل الأمراض كلها ومن ثم قال المعلم العشق نصف الأمراض وشطر الأعراض وقسيم الأسقام وجل الآلام وهذا واضح لأن الروح ولا شك أن سريان اللطيف في اللطيف أسرع ملاكاً وأعظم استملاكاً ويليه اللطيف في الكثيف كالحمى في البدن ثم الكثيف في الكثيف كالفالج فيه فعلى هذا يتجه كلام المعلم بل أقول أن العشق غالب الأمراض وليست بالنسبة إليه إلا كالعشر إلى الكل والقطرة إلى البحر وبرهانه أن الأمراض غالباً تخص البدن وإنما اشتغال الروح حينئذ بالتدبير والأفهى في نفسها صحيحة وأما العشق فعاقبته إفساد البدن وتعطيل الفكر وإلحاق العقلاء بأهل الجنون ثم مرتبته الثانية تتولد عن تكرار نظر أو سماع خطاب يتعقل له في الذهن معن يكون لحديد القلوب مغناطيسياً جاذباً ولأنظارها السفسطية برهاناً غالياً ويسمى حينئذ العشق الحسي وقال فيثاغورس لا يسمى حسياً إلا إذا تولد عن مباشرة الحس وهذا عندي ليس بشرط وإن اشترط ففي حق البلداء من الناس ومن في حواسهم الباطنة ضعف وإلا فأحد الحاستين الأصليتين كاف في إيصاله إلى الحس المشترك ثم مرتبته الثالثة الخيالية وهي عبارة عن استيعابه التخيل حتى لم يبق للعاشق تخيل إلا صورة المعشوق وإن شارك الناس في الأمور الظاهرة.
كانت تلك المشاركة غير تامة وعلاماتها غلبة السهو ونقص الأفعال والاحتياج إلى محرك باعث ثم مرتبته الرابعة مرتبة الحفظ وهي الاستيلاء على الاستيلاء على الحفظ فتصرف القوة عن تحصيل كل كمال والنظر إلى كل جمال وهذا هو العشق الذي يرى صاحبه الميل إلى سوى المحبوب إشراكاً والفكر في غيره ضياعاً وأشغل الزمان بما سواه فساداً وخروجاً وإليه أشار الفارضي بقوله:
ولو خطرت لي في سواك إرادة
…
على خاطري سهواً قضيت بردتي
فتعبيره بالسهو إشارة إلى تقصي المراتب واستيفاء الشروط وكأنه يقول من المعلوم أن السهر لا يحدث إلا من كثرة الواردات ولم يبق على قلبي وارداً سواك فكيف أسهو ومن ثم أشار بعد ذلك إلى طرح المراد وإماطة العلائق واتحاد الطالب مع المطلوب وعدم الأثنينية بقوله:
وكل الذي ترضاه والموت دونه
…
به أنا راض والصبابة أرضت
بعد أن كان قبل الوصول إلى هذه المرتبة قد أثبت لنفسه مراداً حيث قال:
وعيدك لي وعد وإنجازه مني
…
ولىّ بغير البعد أن يرم يثبت
ثم الخامسة مرتبة الاستغراق وهي استيلاء الاشتغال بالمحبوب على النفس الناطقة بأسرها وارتسام صورة المحبوب في مرآة العاقلة وحدها مع محو ما سواها وإلى ذلك أشار العارف المذكور بقوله:
ولا غرو إن صلى الأنام إلى أن
…
ثوت بفؤادي فهي قبلة قبلتي
وقوله:
ووجدي بها ما حيّ والفقد مثبتي
يعني إن وجدي الصحيح بالمحبوبة محاني أي صورتي التي كانت مع العالم الدنيوي فكأن فقدي لها هو الذي أثبتني وهذه المرتبة على الأصح من كلام كثير هي أول المراتب التي يقع ببلوغها اليأس من الانتفاع بالعلاج الذي ذكرته الأطباء كالنظر في الحساب والمحاورات وتذكر مساوىء المحبوب والنظر إلى أمثاله وما يقاربه إلى غير ذلك مما هو مقرر في مواضعه السادسة مرتبة الانقلاب وهي مرتبة ينقلب فيها ادراك العاشق في سائر آلاته فيصير إذا لمس الحجر أو ذاق الصبر أو سمع الإيذاء أو رأى شيئاً كالجيفة أو شم رائحتها فضلاً عن أضداد ذلك يعتقده المحبوب وربما تجرد عن صورته فشاهدها المحبوب وإليه أشار بقوله:
فلم تهوني ما لم تكن فيّ فانيا
…
ولم تفن ما لم تجتلي فيك صورتي
وهذه المرتبة مع العناية والاخلاص تنقل قدسية إذا كانت النفس الناطقة قبل ذلك قد تخلصت بالكمالات عن البهيمية وإلا ألحقت صاحبها بالحيوانات وعنها عبرت الأطباء بألمانيا والسرسام والسهر السباتي والماليخوليا.
والسابعة مرتبة العدم الكلي والمفارقة الأبدية وهي التي إذا بلغتها النفس لم تستقر في البدن وربما كانت مفارقتها بتذكر أو سماع ذكر أو تنفس صعداء أوامر من المحبوب وحاصلها أن يصير الموت أعظم أمنية للنفس كما أشار إليه بقوله:
فموتي بها وجدا حياة هنيئة
…
وإن لم أمت بالحب عشت بغصتي
وقد صرت أرجو ما يخاف فاسعدي
…
به روح ميت للحياة استعدت
إلى غير ذلك ما لو منح الله تعالى شخصاً مدداً يستغرق المدد وحياة تستفرغ الأبد وفراغاً يذر الشواغل سدى ونفحات قدسية تصقل مرآة عقله لقبوله الفيض أبداً وأفرغ ذلك كله في تحرير ما أودعه عارف الزمان وسلطان الآفاق وفرد دائرة الأكوان وجامع فضائل العشاق سيدي عمر بن الفارض أعاد الله علينا وعلى المسلمين من فواضل بركاته وفضائل نفحاته من مراتب العشق وأدواره وتنقلاته وأطواره لغني الزمان ولم يدرك معشاره وبادت الأكوان ولم يعرف قراره ولولا ضيق هذا المختصر لأوضحت لك من بعض عجائب تدقيقاته في أقل أبياته وكلماته ما يدعك في حيرة الفكر وبحار التعجب غارقاً ويسكتك وإن كنت مصقاعاً ناطقاً ومن ثم قيل المحبوب خير من الحياة والمكروه بالطبع شر من الموت لتمنى كل عند حصول ذلك أما ما نقل عنه في بيان مراتبه خصوصاً ما ذكره هنا فليس بالجيد إذ بالبعض دال على الأسماء والبعض على الماهية والبعض على السبب فلم يحققه غيرنا أحد فاحفظ مقادير ما ظفرت به وها أنا أبين لك عدم انطباق ما ذكروه على المطلوب قال ابن صاعد في طبقات الأمم عن فيثاغورس صاحب سليمان نبي الله عليه السلام العشق طمع يتولد في القلب يعني عن النظر ثم ينمو ويحدث اللجاج والاحتراق حتى أن الدم يهرب عند ذكر المحبوب وقد يموت من شهقة أو برؤية المحبوب بغتة وربما اختنقت الروح من نحو ذلك فدفن ولم يمت وفي سيرة الاسكندر أن هذا لابقراط زاد التميمي في كتاب امتزاج النفوس عن جالينوس إن العشق من فعل النفس وذلك كامن في الأعضاء الرئيسية فمتى تمكن أفسدها وهذا كله إشارة إلى المراتب إجمالاً وفي كتاب المتيمين نظر رجل إلى معشوقته فغشى عليه فقال حكيم إنه من انفراج قلبه اضطرب جسمه فقيل له ما بالنا لا نكون كذلك عند النظر إلى أهلنا فقال محبة الأهل قلبية وهذه روحانية فهي أدق وألطف وأعظم سرياناً وفعلاً وقال أفلاطون العشق غزيرة تتولد عن الطمع زاد المعلم وهو يحدث عمى القلب عن عيوب المعشوق وبه جاءت السنة حيث قال حبك للشيء يعمي ويصم رواه أبو داود وأحمد وأنشد فيه
فلست براء عيب ذي الود كله
…
ولا بعض ما فيه إذا كنت رائيا
فعين الرضا عن كل عيب كليلة
…
كما أن عين السخط تبدي المساويا
ورأيت في نسخة، ولا بعض ما فيه إذا كنت راضياً، وهي أليق بتحسين الكلام لما فيها من المقابلة وفي أخرى، ولا بعض ما فيه وإن كنت رائياً، وهذا أليق بالمقام وألطف وأحسن دلالة على المقصود فيه من دفع التوهم من كونه ضعيف النظر فإنه يقول لا أرى له عيباً مع إني صحيح النظر فهذا على حد قوله:
فوالله ما أدري وإن كنت دراياً
…
بسبع رمين الجمر أم بثمان
وقال السكري وابن أبي طاهر في المنثور والمنظوم وأبو عبيد البكري في كتابه اللآلي في شرح الآمالي أن اليقين لجرير بن الخطفي وقال السمعاني هما لعلي والأول أصح قال الحاتمي وقد سرق ابن عبد الأعلى هذا المعنى حيث قال:
وعين السخط تبصر كل عيب
…
وعين أخ الرضى عن ذاك تعمي
وأما الشيخ فقد حده بأنه مرض يشبه الماليخوليا تولده الفكرة من استحسان الصور والشمائل ولا يشترط اقترانه بشهوة جماع وقالت إعرابية العشق جل أن يرى وخفي عن الورى فهو كامن في الصدور كالنار في الحجر إن قدح أورى وإن ترك توارى وهذا حد له بحقيقته في النفس ويؤيد عدم اشتراط الشهوة فيه والحسن قول بعضهم:
وما الحب من حسن ولا من سماحة
…
ولكنه شيء به الروح تكلف
وعلامة ما يكون منه عن شهوة فقط زواله إذا زالت لأنه عرض وأما الكائن عن مشاكلة في النفس وارتسام في الذهن فحد لا يزول ومتى صح ارتسم عند كل من المتحابين ما عند الآخر لصفاء جوهر النفس وخلوها للمحبوب وقد تكون العوارض المذكورة سبباً لانقلابه إلى الحد الأصلي كما ستجده وأما نحو الرسيس والحب وغيرهما فأسماء اقترحتها الشعراء للتغزل والتشبيب لا تنطبق في الحقيقة على ما ذكرنا لكن وربما كان لبعض منها مسيس مناسبة فالرسيس من الرس وهو الثبات ورسوخ صورة المحبوب في النفس وزعموا أنه أول المراتب ولا ينطبق على المعنى اللغوي ويليه الحب وهو في الحقيقة أول الإلفة واشتق من حبة القلب أو من حباب الماء أو من حب البعير إذا برك أو من حبب الأسنان وهو بياضها وحدت المحبة بالميل الدائم بالقلب الهائم أو قيام للمحبوب بما يحب وعدم مشاركة شيء معه وفيه أنشد المتنبي:
يراد من القلب نسيانكم
…
وتأبى الطباع على الناقل
وأنشد بعضهم:
ومن عجب إني أحسن إليهم
…
وأسأل عنهم من لقيت وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها
…
ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
وألطف منه قوله:
خيالك في عيني وذكرك في فمي
…
ومثواك في قلبي فأين تغيب
والحب أخص من العشق لأنه عن أول نظرة وأقصاه امتزاج الأرواح والرأفة أشد لأنها مبالغة في الرحمة قال الحراني هي أرق الرحمة والرحمة أعم لوقوعها على غير ذي صلة بخلاف الرأفة ويقرب من الحب الودأ وخالصه فيكون من الحب كالرأفة من الرحمة وفي معناه المقة والتتيم حالة يملك بها المعشوق العاشق فإذا زاد فهو الوله أعني الخروج عن حد الترتيب وأنشد في المعنى:
الحب أوله ميل يهيم به
…
قلب المحب فيلقي الموت كاللعب
يكون مبدؤه من نظرة عرضت
…
أو مزحة أشعلت في القلب كاللهب
كالنار مبدؤها من قدحة فإذا
…
تضرمت أحرقت مستجمع الحطب
وأنشد أيضاً:
ثلاثة أحباب فحب علاقة
…
كذا حب تملاق وحب هو القتل