المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الصنف الثاني في ذكر من تمادى على نقض العهد ومات على اخلاف الوعد - تزيين الأسواق في أخبار العشاق

[داود الأنطاكي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌المقدمة

- ‌فيما جاء فيه الكتاب من الأحاديث والآثار وفي حده ومراتبه

- ‌فصل في الترغيب في العشق والحث عليه

- ‌فصل في رسومه وحدوده

- ‌وما جاء عن الحكماء وغيرهم في ذلك

- ‌فصل في بيان مراتبه

- ‌فصل فيما ذكر له من العلامات

- ‌الباب الأول

- ‌فيمن استشهد من المحبين شوقاً إلى حضرة رب العالمين

- ‌فصل من الباب

- ‌في ذكر من فارقت روحه من الأحباب

- ‌الباب الثاني

- ‌في أحوال عشاق الجواري والكواعب

- ‌وذكر ما صدر لهم من العجائب

- ‌أخبار كثير عزة

- ‌أخبار قيس ولبنى

- ‌أخبار المجنون وصاحبته ليلى

- ‌أخبار عروة بن حزام وصاحبته عفرا

- ‌أخبار عبد الله بن عجلان وصاحبته هند

- ‌أخبار ذي الرمة وصاحبته مي

- ‌أخبار مالك وصاحبته جنوب

- ‌أخبار عبد الله بن علقمة وصاحبته حبيش

- ‌أخبار نصيب وصاحبته زينب

- ‌أخبار عتبة بن الحباب وصاحبته ريا

- ‌أخبار الصمة وصاحبته ريا

- ‌أخبار كعب وصاحبته ميلاء

- ‌القسم الثاني

- ‌فيمن جهل اسمه أو اسم محبوبته أو شيء من سيرته أو مآل حقيقته

- ‌فمنهم

- ‌سامة بن لؤي بن غالب القرشي مشهور

- ‌ومنهم

- ‌عمرو بن عوف وبيا

- ‌‌‌ومنهم

- ‌ومنهم

- ‌بشير الشهير بالاشتر وجيداء

- ‌مسعدة بن واثلة الصارمي

- ‌ومنهم

- ‌زرعة بن خالد العذري

- ‌ومنهم شخص

- ‌ومنهم غلام

- ‌ومنهم قيس بن منقذ بن مالك الكناني المشهور

- ‌ابن الحدادية

- ‌ومنهم

- ‌توبة بن حمير بن أسيد الخفاجي

- ‌ومنهم

- ‌عامر بن سعيد بن راشد

- ‌ومنهم ما حكى الأصمعي

- ‌ومنهم فتى أسدي

- ‌ومنهم عمرو بن كعب بن النعمان ابن المنذر بن ماء السماء ملك العرب

- ‌ومنهم ما حكاه الأصمعي

- ‌ومنهم ما أخرج الحافظ عن ابن دريد عن عبيد النعالي غلام أبي الهذيل

- ‌‌‌ومنهمما حكاه الكاتب

- ‌ومنهم

- ‌ومنهم ما حكاه في منازل الأحباب

- ‌ومنهم ما حكاه ابن الجوزي

- ‌ومنهم الحرث المشهور بابن الفرند من خزاعة

- ‌عياش الكناني

- ‌و‌‌منهمما رواه أعرابي أو هو جبلة بن الأسود

- ‌منهم

- ‌كامل بن الرضين

- ‌ومنهم

- ‌مرة النهدي

- ‌ومنهم رجل من ولد عبد الرحمن بن عوف

- ‌فمنهم ما أخرجه مغلطاي عن الأديب

- ‌ومبهم ما ذكره ابن المرزباني في الذهول والنحول عن سعيد بن ميسرة

- ‌ومنهم ما حكاه الوراق عن الصوفي

- ‌ومنهم ما حكاه السامري

- ‌ومنهم ما حكاه الأسدي عن أبيه

- ‌ومنهم ما حكاه ابن غنيم

- ‌ومنهم ما حكاه أبو الحسن المؤدب

- ‌ومنهم للفويرك وهو من المشاهير في عقلاء المجانين

- ‌ومنهم خالد بن يزيد

- ‌فصل في ذكر من جرع كأس الضنى وصبر على مكابدة العنا واتصف بذلك كله من

- ‌القسم الثالث

- ‌فيمن خالسته عيون الاماء فأسلمته إلى الفناء وكادت أن تقضي عليه لولا

- ‌القسم الرابع

- ‌في ذكرى من حظى بالتلاق بعد تجرع كأس الفراق

- ‌ومنهم ما حكاه معبد المغني

- ‌ومنهم

- ‌محمد بن صالح العلوي

- ‌ومنهم

- ‌جعد بن مهجع العذري

- ‌ومنهم ما حكاه أسدي وهي من العجائب المستلطفة

- ‌القسم الخامس

- ‌في ذكر من وسموا بالفساق من العشاق

- ‌الصنف الأول في ذكر من حمله هواه على أذية من يهواه وهؤلاء أم نساء أو

- ‌الصنف الثاني في ذكر من اشتدت به الغيرة إلى أن خامرته الحيرة فجرته إلى

- ‌الصنف الثالث في ذكر من عانده الزمان في مطلوبه حتى شورك في محبوبه فصنع

- ‌الصنف الرابع في ذكر من عوقب بالفسق ولم يشتهر بالعشق

- ‌ومنهم أعرابي من أسد

- ‌ومنهم ما حكى عن عبد الله بن سيرة

- ‌ومنهم ما حكى عن جويرية بن أسماء عن عمه

- ‌القسم السادس

- ‌في ذكر من حل عقد المحبة وخالف سنن الأحبة

- ‌الصنف الأول في كر من تاب عن الخلاف ورجع إلى حسن الائتلاف وكان محبوبه

- ‌ومنهم ما حكاه في النزهة ونقله هنا مجهولاً

- ‌الصنف الثاني في ذكر من تمادى على نقض العهد ومات على اخلاف الوعد

- ‌الصنف الثالث في ذكر من أشبه العشاق في محبته وشاكلهم في مودته فتعاهدا

- ‌فمنهم صخر بن عمرو

- ‌ومنهم هدية بن الخشرم

- ‌‌‌‌‌ومنهم

- ‌‌‌ومنهم

- ‌ومنهم

- ‌حمزة بن عبد الله بن الزبير

- ‌الحسن بن الحسن

- ‌غسان بن جهضم

- ‌ومثل هذا ما حكاه عن موسى الهادي

- ‌ الجزء الثاني

- ‌ الباب الثالث

- ‌في ذكر عشاق الغلمان

- ‌وأحوال من عدل إلى الذكور عن النسوان وتفصيل ما جرى عليهم من تصاريف

- ‌القسم الأول

- ‌فيمن استلب الهوى والعشق نفسه حتى أسلمه رمسه

- ‌أخبار محمد بن داود وصاحبه محمد الصيدلاني

- ‌أخبار القاضي شمس الدين بن خلكان وصاحبه المظفري

- ‌أخبار أحمد بن كليب وصاحبه أسلم

- ‌أخبار مدرك وصاحبه عمرو

- ‌النوع الثاني في

- ‌ذكر من جهل حاله

- ‌وكان إلى الموت في الحب مآله وقد رأينا أن نبدأ منهم بعشاق النصارى تبعاً

- ‌فمنهم

- ‌سعد الوراق

- ‌القسم الثاني

- ‌فيمن اشتهر في العشق حاله ولم يدر مآله

- ‌القسم الثالث

- ‌في ذكر من ساعده الزمان في المراد حتى بلغه ما أراد

- ‌القسم الرابع

- ‌في ذكر من منعه الزهد والعبادة أن يقضي من محبوبه مراده

- ‌النوع الثاني في ذكر من بغله زهده الأمان فعصمه عن الغلمان

- ‌خاتمة في ذكر ما عولج به العشق من الدوا

- ‌وقصد به السلو عن الهوى

- ‌ومن السلو عن الهوى استعمال الحساب والخوض في المشاجرات ونحو ذلك مما سبق

- ‌الباب الرابع

- ‌في ذكر ما سوى البشر وما القوا من العبر

- ‌الأول في الجنة

- ‌أسند المصنف عن الحافظ ابن حجر العسقلاني يرفعه إلى البيهقي، أنه قال

- ‌النوع الثاني

- ‌في ذكر من كلف وهو غير مكلف

- ‌وأوهن العشق قواه حتى تلف أو كاد أن يتلف

- ‌الصنف الثاني في ذكر بعض ما وقع للحيوان من أمور العشق في اختلاف الأزمان

- ‌الصنف الثالث في ذكر ما جرى من القوة العاشقية والمعشوقية بين الأنفس

- ‌الصنف الرابع فيما بث من الأسرار بين أصناف الأحجار

- ‌الصنف الخامس فيما بث من الأسرار الملكية بين الأجسام والأجرام الفلكية

- ‌الباب الخامس

- ‌في تتمات يفتقر إليها الناظر في هذا الكتاب

- ‌ويحسن موقعها عند أولي الألباب

- ‌فصل

- ‌في تحقيق معنى الحسن والجمال

- ‌وما استلطاف في ذلك من الأقوال

- ‌فصل

- ‌في خفقان القلب والتلوين عند اجتماع المحبين

- ‌فصل

- ‌في مراتب الغيرة وما توقعه بالمحب من الحيرة

- ‌فصل

- ‌في أحكام أسرار المحبة

- ‌وما فيها من اختلاف آراء الأحبة

- ‌فصل

- ‌في ذكر المغالطة والاستعطاف

- ‌واستدراك ما صدر عن المحبوب من الانحراف

- ‌فصل

- ‌في ذكر الرسل والرسائل

- ‌وتلطف الأحباب بالوسائل

- ‌فصل

- ‌في ذكر الاحتيال على طيف الخيال

- ‌فصل في أحكام الليل والنهار وذم قصرهما عند الوصل وطولهما عند الهجر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌في أحكام الزيارة

- ‌وما جاء في فضلها من البراعة والعبارة وتفنن العشاق في فضل زيارة الحبيب

- ‌فصل

- ‌مما يلحق بالعتاب

- ‌ويصلح أن يكون معه في باب

- ‌القسم الأول

- ‌هجر الدلال

- ‌القسم الثاني

- ‌هجر الملال

- ‌القسم الثالث

- ‌الهجر المعروف بهجر الجزاء والمعاقبة

- ‌الهجر الرابع

- ‌الهجر الخلقي

- ‌فصل

- ‌فصل في ذكر مكابدة الأمور الصعاب عند طلب رضا الأحباب وخوض الأهوال

- ‌تتمة

- ‌ومما يلحق بهذا الفصل التلميح

- ‌خاتمة

- ‌فصل في النوادر والحكم

- ‌نادرة

- ‌لطيفة ووصية

- ‌عجيبة

- ‌فائدة

- ‌‌‌‌‌لطيفةو‌‌وصية

- ‌‌‌لطيفة

- ‌لطيفة

- ‌وصية

- ‌نادرة

- ‌أخرى

- ‌نادرة

- ‌فصل في المجون

- ‌فصل في ذكر نبذة من لطائف الأشعار ملتقطة مما ختم به الكتاب

الفصل: ‌الصنف الثاني في ذكر من تمادى على نقض العهد ومات على اخلاف الوعد

وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني

وأشمت بي من كان فيك يلوم

وأبرزتني للناس ثم تركتني

لها غرضاً أرمي وأنت سليم

فلو كان قول يكلم الجسم قد بدا

بجسمي من قول الوشاة كلوم

فأجابها:

غدرت ولم أغدر وخنت ولم أخن

وفي بعض هذا للمحب عزاء

جزيتك ضعف الودّ ثم صرمتني

فحبك في قلبي إلى اذاء

فالتفتت إلي وقالت ألا تسمع فغمزته فكف ثم أنشدت:

تجاهلت وصلي حين لاحت عمايتي

فهلا صرمت الحبل إذ أنا أبصر

ولي من قوى الحبل الذي قد قطعته

نصيب ولي رأي وعقل موفر

ولكنما آذنت بالصرم بغتة

ولست على مثل الذي جئت أقدر

فأجابها:

لقد جعلت نفسي وأنت احترمتها

وكنت أعز الناس عنك نطيب

وفي روضة القلوب بدل هذا البيت:

لقد كنت أنهي النفس عنك لعلها

إذا وعدت بالنأي عنك تطيب

وفيها أنه قبلها وأنشد:

دمعي عليك من الجفون سكوب

والقلب منك مروع مكروب

لا شيء في الدنيا ألذ من الهوى

إن لم يخن عهد الحبيب حبيب

فأجابته:

خلوتم بأنواع السرور هناكم

وأفردتموني للصبابة والحزن

وعذبتموني بالصدود وإنني

لراض بما ترضونه لي من الغبن

والمشهور أنهما لم يأتلفا بعد بل حين أنشد لقد كنت أنهي النفس البيت، قالت له أو كنت تفعل ما فيك خير بعدها وافترقا، فقالت لكعب ما قلت لك أنك لا تفي بضمانك، ولكن إذا كان السحر فأتني. قال كعب فجئت فإذا أنا بالصباح فسألت جارية فقالت حين خرجتما جعلت في عنقها انشوطة وخنقت نفسها، فلحقناها فخلصناها فجلست ساعة تحادثنا وتفتكره فتقول إنه لقاسي القلب، ثم شهقت فماتت.

وبلغ الشاب فلزم قبرها فجاء به في النوم، فقالت هلا كان هذا قبل، فمات من وقته.

قال في النزهة وأصل هذه الحكاية، أن هذه المرأة كانت من عذرة، واسمها سعدى وكانت وهذا الفتى على أعظم رتبة من شدة تعلق كل منهما بصاحبه، وكان في الحي رجل يحبها وهي لا تحبه فغار منهما فوشي به إلى أهلها فحجبوها منه فتراسلا بالمحبة وبلغه فأرسل زوجته عن لسانها إلى مالك بشتم وقطيعة ولم يعرف أنها زوجة ذلك الرجل، ولم تدر الزوجة تفصيل الأمر، وكانت عند مالك أنفة.

فخرج إلى مكة ناقضاً للعهد، فلما بلغ زوجة ذلك الرجل وجه الحيلة، وما أخفاه زوجها أخبرت سعدى بما تم فخرجت على وجهها إلى مكة حتى اجتمعت به وتم بينهما ما سمعته.

‌الصنف الثاني في ذكر من تمادى على نقض العهد ومات على اخلاف الوعد

أخرج في اقتداح زناد الأشواق عن الأصمعي، قال نزلت على رجل من بني هذيل فأكرمني وأطرفني بلطائف الأخبار، فكان يوم أقصر ما يكون بالسرور.

فلما كان الليل فرش لي موضعاً لطيفاً موطئاً ونمت وجلس، فقلت هل بقي لك ارب في السهر؟ قال لا وعافاك الله ثم ودعني لما بي فحدثت أن له شأناً فأوهمته النوم فقام وفتح مخدعاً فأخرج منه كلبة عليها الحرير وأطواق الذهب. فقدم لها طعاماً وشراباً، فلما اكتفت غسلها بماء الورد وبخرها بالعود، ثم مكث ساعة ونزع ما كان عليها ورشها بالرماد والزيت وعاقبها طويلاً وهو مع الفعلتين يبكي بشهيق أخال فيه أن نفسه زهقت ثم أعاد عليها وأدخلها المخدع وجلس يبكي وينشد:

أأحبابنا لو تعلمون بحالنا

لما كانت اللذات تشغلكم عنا

تشاغلتم عنا بصحبة غيرنا

وأبديتم الهجران ما هكذا كنا

وآليتم أن لا تخونوا عهودنا

فقد وحياة الحب خنتم وما خنا

غدرتم ولم نغدر وخنتم ولم نخن

وحلتم عن العهد القديم وما حلنا

وقلتم ولم توفوا بصدق حديثكم

ونحن على صدق الحديث الذي قلنا

ودام كذلك حتى طلع الفجر، فجاء ليوقظني فرآني منتبهاً، فلما ودعته تفرس أن في وجهي كلاماً، فقال أنشدك الله هل رأيت من حالتي شيئاً أنكرته. قلت اللهم نعم، قال أو تحب أن أطرفك به قلت أي والله فتنفس الصعداء وكفكف دمعه فلم يملك ذلك وخنقته العبرة فأرسلها وأنشد:

ص: 124

أكفكف جفن العين والدمع سافح

كشبه غدير فوق خدي جاريا

فيا ليت شعري ذا البكاء إلى متى

وحتى متى ذا الحزن والجسم باليا

ثم غيض دمعه، وقال يا أخا العرب كانت لي ابنة عم لا أملك الصبر عنها فتزوجت بها فكانت بي أبر من أمي، وأقمنا مدة لم آل جهداً في الاتفاق عليها، فتعاهدنا على عدم التفرق والاستبدال. فلما أملقت أنفقت مني فأخذت في التحامل والتجنب فقلت لها ماذا تريدين؟ قالت أو فاعل أنت ما أقول؟ قلت نعم، قالت تطلقني فخامرني حبها فقلت قد فعلت. فاعتزلتني وعاودني القلق فألمت طويلاً وجئت وشكوت إليها ذلك وذكرتها العود والمواثيق، فطيبت نفسي وحلفت أنها لا تتزوج ولا تتزين لغيري.

فقمت وجئتها يوماً فوجدتها على أحسن ما يكون من أنواع الزينة فكلمتها فلم تجب، فسألت فقيل لي تزوجت فحلفت لها أن لا آخذ بدلها للبسها وزينتها التي عندي إلا كلبة وفعلت فأنا الآن أمثلها بتذيين هذه الكلبة وأذكر غدرها فأسلبها وأعاقبها كما رأيت.

قلت فهل وقع بينكما بعد ذلك مراسلات قط. قال نعم قد كلفها الذي تزوج بها شططاً وسلمها نقصاً، فندمت فراسلتني فلم أجب مع أنه لم يكن على البسيطة أعز علي منها ولكنها الغيرة تمنعني.

قال الأصمعي فلم أر أغرب منها.

وأخرج في النزهة عن الرياشي، قال اتجر صديق لنا فحمل الصندل إلى شهرزور وقد بلغه أنه نافق. فلما حل بها صادف كساداً، فمكث مغموماً فبينا هو كذلك إذ مرت به عجوز فسلمت عليه بلطف وسألته عن حاله، فشكى إليها ما يجد من الغربة والوحدة وكساد متجره.

فقالت أما الكساد فسيزول ولم تزل الناس على هذا، وأما وحدتك وغربتك فلا أرى لما دواء إلا أن تتزوج بمن تحفظك إذا غبت، وتؤنسك إلى حضرت وتفرج عنك إذا حزنت.

قلت ومن أين لي بما ذكرت؟ قالت أنا الضامنة لك ما تطلب ابتغاء لوجه الله تعالى، فشكرت صنيعها وأمرتها أن تفعل. فما مضت عني إلا وقد جاءت الدلالون فاشتروا البضاعة بأحسن ربح إلى أجل فتوسمت فيها الخير، وجاء فقالت قد هيأت لك ما تطلب فقم لتنظرها.

فمضينا إلى دار لطيفة وقد فرش لي قطيفة بزة، فجلست وجاءت امرأة تسر القلب وتملأ العين إلا أن عليها آثار الحزن وشعار الفرقة، فسلمت بحشمة وجلست فقالت العجوز ها هي فتراضينا ودخلت بها ودمت أسبوعاً في أنعم حال غير أني أجدها تقوم من الصباح فتجلس في موضع يشرف على الأشجار وتبكي حتى ترتفع الشمس، فلم أسألها عن ذلك.

فلما كان يوم وقد أخذها النوم حتى طلعت الشمس، انتبهت مرعوبة ترتعد، ثم ذهبت إلى المشرف وعادت ومزقت أثوابها وجلست تبكي فلم تلهج يومها كله إلا بهذه الأبيات:

أيا عين نوحي بالدموع السواجم

على طامس بالشرق خافي المعالم

وسحى دماً إن سح دمعك واسعفي

حليف الهوى من قبل حمل التمائم

إذ ناحت الورقا على فقدانها

ولم تك ذا عقل فما حال عالم

حرام عليّ النوم إذ فاتني به

زمان البكا والنوح قبل الحمائم

فضاق صدري لحالها، وراجعت نفسي في سؤالها، ثم غلب علي عدم التصبر بعد أيام وهي تجالسني كالمشغولة وتقوم بما أحتاجه حتى إذا نمت مكثت جالسة حتى يسفر الفجر فتروح إلى المكان الذي يشرف على الشجر كعادتها. فقلت يا سيدتي قد ضاق صدري لحالك. وأنا أعزم عليك إلا ما أخبرتني بما أنت فيه.

فقالت أو لا بد، قلت أي والله. قالت قد كان أبي ذا ثروة وعزة، وكان لي ابن عم قد كفله أبي صغيراً فنشأت وإياه ليس عند أحدنا أعز من الآخر فزوجني منه، فأقمنا لا نستطيع صبراً.

وكان في هذا البستان زوج حمام يبيت فيه ويصبح ويغرد بأنواع التغريد فإذا اختفت واحدة في شجرة دارت الأخرى عليها حتى تكاد أن تموت، فإذا التقينا تعانقا وغردا.

فلما كان يوم مر بهما حمام فطارت إحداهما إليه ومضت فلم ترجع فأقامت الأخرى تغرد كل صباح إلى ارتفاع الشمس، ثم تلقي نفسها كالميتة حتى ذهبت نضارتها وذوى ريشها.

ص: 125