المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌توبة بن حمير بن أسيد الخفاجي - تزيين الأسواق في أخبار العشاق

[داود الأنطاكي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌المقدمة

- ‌فيما جاء فيه الكتاب من الأحاديث والآثار وفي حده ومراتبه

- ‌فصل في الترغيب في العشق والحث عليه

- ‌فصل في رسومه وحدوده

- ‌وما جاء عن الحكماء وغيرهم في ذلك

- ‌فصل في بيان مراتبه

- ‌فصل فيما ذكر له من العلامات

- ‌الباب الأول

- ‌فيمن استشهد من المحبين شوقاً إلى حضرة رب العالمين

- ‌فصل من الباب

- ‌في ذكر من فارقت روحه من الأحباب

- ‌الباب الثاني

- ‌في أحوال عشاق الجواري والكواعب

- ‌وذكر ما صدر لهم من العجائب

- ‌أخبار كثير عزة

- ‌أخبار قيس ولبنى

- ‌أخبار المجنون وصاحبته ليلى

- ‌أخبار عروة بن حزام وصاحبته عفرا

- ‌أخبار عبد الله بن عجلان وصاحبته هند

- ‌أخبار ذي الرمة وصاحبته مي

- ‌أخبار مالك وصاحبته جنوب

- ‌أخبار عبد الله بن علقمة وصاحبته حبيش

- ‌أخبار نصيب وصاحبته زينب

- ‌أخبار عتبة بن الحباب وصاحبته ريا

- ‌أخبار الصمة وصاحبته ريا

- ‌أخبار كعب وصاحبته ميلاء

- ‌القسم الثاني

- ‌فيمن جهل اسمه أو اسم محبوبته أو شيء من سيرته أو مآل حقيقته

- ‌فمنهم

- ‌سامة بن لؤي بن غالب القرشي مشهور

- ‌ومنهم

- ‌عمرو بن عوف وبيا

- ‌‌‌ومنهم

- ‌ومنهم

- ‌بشير الشهير بالاشتر وجيداء

- ‌مسعدة بن واثلة الصارمي

- ‌ومنهم

- ‌زرعة بن خالد العذري

- ‌ومنهم شخص

- ‌ومنهم غلام

- ‌ومنهم قيس بن منقذ بن مالك الكناني المشهور

- ‌ابن الحدادية

- ‌ومنهم

- ‌توبة بن حمير بن أسيد الخفاجي

- ‌ومنهم

- ‌عامر بن سعيد بن راشد

- ‌ومنهم ما حكى الأصمعي

- ‌ومنهم فتى أسدي

- ‌ومنهم عمرو بن كعب بن النعمان ابن المنذر بن ماء السماء ملك العرب

- ‌ومنهم ما حكاه الأصمعي

- ‌ومنهم ما أخرج الحافظ عن ابن دريد عن عبيد النعالي غلام أبي الهذيل

- ‌‌‌ومنهمما حكاه الكاتب

- ‌ومنهم

- ‌ومنهم ما حكاه في منازل الأحباب

- ‌ومنهم ما حكاه ابن الجوزي

- ‌ومنهم الحرث المشهور بابن الفرند من خزاعة

- ‌عياش الكناني

- ‌و‌‌منهمما رواه أعرابي أو هو جبلة بن الأسود

- ‌منهم

- ‌كامل بن الرضين

- ‌ومنهم

- ‌مرة النهدي

- ‌ومنهم رجل من ولد عبد الرحمن بن عوف

- ‌فمنهم ما أخرجه مغلطاي عن الأديب

- ‌ومبهم ما ذكره ابن المرزباني في الذهول والنحول عن سعيد بن ميسرة

- ‌ومنهم ما حكاه الوراق عن الصوفي

- ‌ومنهم ما حكاه السامري

- ‌ومنهم ما حكاه الأسدي عن أبيه

- ‌ومنهم ما حكاه ابن غنيم

- ‌ومنهم ما حكاه أبو الحسن المؤدب

- ‌ومنهم للفويرك وهو من المشاهير في عقلاء المجانين

- ‌ومنهم خالد بن يزيد

- ‌فصل في ذكر من جرع كأس الضنى وصبر على مكابدة العنا واتصف بذلك كله من

- ‌القسم الثالث

- ‌فيمن خالسته عيون الاماء فأسلمته إلى الفناء وكادت أن تقضي عليه لولا

- ‌القسم الرابع

- ‌في ذكرى من حظى بالتلاق بعد تجرع كأس الفراق

- ‌ومنهم ما حكاه معبد المغني

- ‌ومنهم

- ‌محمد بن صالح العلوي

- ‌ومنهم

- ‌جعد بن مهجع العذري

- ‌ومنهم ما حكاه أسدي وهي من العجائب المستلطفة

- ‌القسم الخامس

- ‌في ذكر من وسموا بالفساق من العشاق

- ‌الصنف الأول في ذكر من حمله هواه على أذية من يهواه وهؤلاء أم نساء أو

- ‌الصنف الثاني في ذكر من اشتدت به الغيرة إلى أن خامرته الحيرة فجرته إلى

- ‌الصنف الثالث في ذكر من عانده الزمان في مطلوبه حتى شورك في محبوبه فصنع

- ‌الصنف الرابع في ذكر من عوقب بالفسق ولم يشتهر بالعشق

- ‌ومنهم أعرابي من أسد

- ‌ومنهم ما حكى عن عبد الله بن سيرة

- ‌ومنهم ما حكى عن جويرية بن أسماء عن عمه

- ‌القسم السادس

- ‌في ذكر من حل عقد المحبة وخالف سنن الأحبة

- ‌الصنف الأول في كر من تاب عن الخلاف ورجع إلى حسن الائتلاف وكان محبوبه

- ‌ومنهم ما حكاه في النزهة ونقله هنا مجهولاً

- ‌الصنف الثاني في ذكر من تمادى على نقض العهد ومات على اخلاف الوعد

- ‌الصنف الثالث في ذكر من أشبه العشاق في محبته وشاكلهم في مودته فتعاهدا

- ‌فمنهم صخر بن عمرو

- ‌ومنهم هدية بن الخشرم

- ‌‌‌‌‌ومنهم

- ‌‌‌ومنهم

- ‌ومنهم

- ‌حمزة بن عبد الله بن الزبير

- ‌الحسن بن الحسن

- ‌غسان بن جهضم

- ‌ومثل هذا ما حكاه عن موسى الهادي

- ‌ الجزء الثاني

- ‌ الباب الثالث

- ‌في ذكر عشاق الغلمان

- ‌وأحوال من عدل إلى الذكور عن النسوان وتفصيل ما جرى عليهم من تصاريف

- ‌القسم الأول

- ‌فيمن استلب الهوى والعشق نفسه حتى أسلمه رمسه

- ‌أخبار محمد بن داود وصاحبه محمد الصيدلاني

- ‌أخبار القاضي شمس الدين بن خلكان وصاحبه المظفري

- ‌أخبار أحمد بن كليب وصاحبه أسلم

- ‌أخبار مدرك وصاحبه عمرو

- ‌النوع الثاني في

- ‌ذكر من جهل حاله

- ‌وكان إلى الموت في الحب مآله وقد رأينا أن نبدأ منهم بعشاق النصارى تبعاً

- ‌فمنهم

- ‌سعد الوراق

- ‌القسم الثاني

- ‌فيمن اشتهر في العشق حاله ولم يدر مآله

- ‌القسم الثالث

- ‌في ذكر من ساعده الزمان في المراد حتى بلغه ما أراد

- ‌القسم الرابع

- ‌في ذكر من منعه الزهد والعبادة أن يقضي من محبوبه مراده

- ‌النوع الثاني في ذكر من بغله زهده الأمان فعصمه عن الغلمان

- ‌خاتمة في ذكر ما عولج به العشق من الدوا

- ‌وقصد به السلو عن الهوى

- ‌ومن السلو عن الهوى استعمال الحساب والخوض في المشاجرات ونحو ذلك مما سبق

- ‌الباب الرابع

- ‌في ذكر ما سوى البشر وما القوا من العبر

- ‌الأول في الجنة

- ‌أسند المصنف عن الحافظ ابن حجر العسقلاني يرفعه إلى البيهقي، أنه قال

- ‌النوع الثاني

- ‌في ذكر من كلف وهو غير مكلف

- ‌وأوهن العشق قواه حتى تلف أو كاد أن يتلف

- ‌الصنف الثاني في ذكر بعض ما وقع للحيوان من أمور العشق في اختلاف الأزمان

- ‌الصنف الثالث في ذكر ما جرى من القوة العاشقية والمعشوقية بين الأنفس

- ‌الصنف الرابع فيما بث من الأسرار بين أصناف الأحجار

- ‌الصنف الخامس فيما بث من الأسرار الملكية بين الأجسام والأجرام الفلكية

- ‌الباب الخامس

- ‌في تتمات يفتقر إليها الناظر في هذا الكتاب

- ‌ويحسن موقعها عند أولي الألباب

- ‌فصل

- ‌في تحقيق معنى الحسن والجمال

- ‌وما استلطاف في ذلك من الأقوال

- ‌فصل

- ‌في خفقان القلب والتلوين عند اجتماع المحبين

- ‌فصل

- ‌في مراتب الغيرة وما توقعه بالمحب من الحيرة

- ‌فصل

- ‌في أحكام أسرار المحبة

- ‌وما فيها من اختلاف آراء الأحبة

- ‌فصل

- ‌في ذكر المغالطة والاستعطاف

- ‌واستدراك ما صدر عن المحبوب من الانحراف

- ‌فصل

- ‌في ذكر الرسل والرسائل

- ‌وتلطف الأحباب بالوسائل

- ‌فصل

- ‌في ذكر الاحتيال على طيف الخيال

- ‌فصل في أحكام الليل والنهار وذم قصرهما عند الوصل وطولهما عند الهجر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌في أحكام الزيارة

- ‌وما جاء في فضلها من البراعة والعبارة وتفنن العشاق في فضل زيارة الحبيب

- ‌فصل

- ‌مما يلحق بالعتاب

- ‌ويصلح أن يكون معه في باب

- ‌القسم الأول

- ‌هجر الدلال

- ‌القسم الثاني

- ‌هجر الملال

- ‌القسم الثالث

- ‌الهجر المعروف بهجر الجزاء والمعاقبة

- ‌الهجر الرابع

- ‌الهجر الخلقي

- ‌فصل

- ‌فصل في ذكر مكابدة الأمور الصعاب عند طلب رضا الأحباب وخوض الأهوال

- ‌تتمة

- ‌ومما يلحق بهذا الفصل التلميح

- ‌خاتمة

- ‌فصل في النوادر والحكم

- ‌نادرة

- ‌لطيفة ووصية

- ‌عجيبة

- ‌فائدة

- ‌‌‌‌‌لطيفةو‌‌وصية

- ‌‌‌لطيفة

- ‌لطيفة

- ‌وصية

- ‌نادرة

- ‌أخرى

- ‌نادرة

- ‌فصل في المجون

- ‌فصل في ذكر نبذة من لطائف الأشعار ملتقطة مما ختم به الكتاب

الفصل: ‌توبة بن حمير بن أسيد الخفاجي

وفي النزهة إذا لم يكن للوحش والمعنى قريب فانتشأ الود بينهما ولم يزالا على ذلك برهة إلى أن أجدبت سنونهم فارتحلوا منتجعين وافترقت القبيلتان فلما كان يوم من الأيام نظت كنانة إلى موضع ديارها فوجدوا البروق ملية والسحب فضية فعلموا أن الغيث عما فارتحلوا إلى أن نزلوا بها فنظر قيس في مواضع خزاعة فتذكر اجتماعهم فتنفس الصعداء وأنشد:

إذا ما نأت نعمى فهل أنت جازع

قد اقتربت لو أن ذلك نافع

قد اقتربت لو أن في قرب دارها

نوالاً ولكن كل ما صين مانع

فإن تلق لي نعمى هديت فحيها

وسل كيف ترعى بالمغيب الودائع

وظني بها حفظ لغيبي ورعية

لما استرعيت والظن بالغيب واسع

وقد يلتقي بعد الشتات أولو النوى

ويسترجع الحي السحاب اللوامع

وما ذات جيد نازعت حبل حابل

لتنجو ثم استسلمت وهي طائع

بأحسن منها ذات يوم لقيتها

لها نظر نحوي كذى البث خاشع

كأن فؤادي بين شقين من عصا

حذار وقوع البين والبين واقع

فقلت لها يا نعم خلي محلنا

فإن الهوى والشمل يا نعم جامع

فقالت وعيناها يفيضان عبرة

بأهلي بين لي متى أنت راجع

فقلت لها تالله يدري مسافر

إذا أضمرته الأرض ما الله صانع

وإني لعهد الود راع وإنني

لوصلك ما لم يطوني الموت طامع

ثم لم يزلا متعللاً بالأماني يعتوره الخيال أياماً إلى أن بلغه خزاعة بجبل بالشم من اليمن فارتحل حتى وقع بهم فقيل أنه عند رؤيتها سقط ميتاً.

وقال في النزهة أقام عندهم إلى أن أغارت عليهم بنو فزارة فقتل يومئذ.

‌ومنهم

‌توبة بن حمير بن أسيد الخفاجي

وكان شجاعاً مبرزاً في قومه، فصيحاً مشهوراً بمكارم الأخلاق ومحاسنها، وخفاجة على ما ذكر في النزهة فخذ من قحطان، وكانت تنزل ببني الأخيل كعب بن معاوية ويغزون معهم ويتحدثون في المسرح. وكان رئيس بني الأخيل حذيفة بن شداد بن كعب. وكان له ابنة قد شاع في العرب ذكرها بالحسن، والفصاحة من توبة التفاتة وقد برزت النساء بالبشر والاسفار للقاء القادمين من الغزو.

فرأى ليلى فافتتن بها فجعل يعاودها فيتحادث معها إلى أن أخذت قلبه، وأطارت لبه، فشكا لها يوماً ما نزل به منها فأعلمته أن بها منه أضعاف ذلك فأقاما على التزاور إلى أن حجبها زوجها، فقلق توبة لذلك حتى خامره الجزع، فكان يذهب بعقله أحياناً فأشاروا عليه بتعاطي الأسفار والخوض في المحادثات فعزم على الشام فمر بجميل فأنزله وأحسن خدمته، ثم تداعيا الصراع وكانا في موقف تشرف منه بثينة عليهما، فصرعه جميل، ثم نضله ثم قهره على ظهر الفرس ولم يكن له كفؤاً.

فقال له توبة كأنك تسحب ذلك منك ولم تدر أنه بربح هذه الجالسة، وأشار إلى بثينة ثم دعاه إلى واد يخفى عنها وتصارعا فيه، فصرعه توبة ثم مضى في طريقه، فمر سحراً بأشجار في وادي الغيل وعليها حمائم تغرد فعاودته الأشجان فأنشد:

نأتك بليلى دارها لا تزورها

وشطت نواها واستمر مريرها

وخفت نواها من جنوب عفيرة

كما خف من نيل المرامي جفيرها

يقول رجال لا يضرك نأيها

بلى كل ما شق النفوس يضيرها

أليس يضر العين أن تكثر البك

ى ويمنع منها نومها وسرورها

لكل لقاء نلتقيه بشاشة

وإن كان حولاً كل يوم نزورها

خليليّ روحا راشدين فقد أبت

ضرية من دون الحبيب ونيرها

يقرّ بعيني أن أرى العيس تعتلي

بنا نحو ليلى وهي تجري صقورها

وما لحقت حتى تقلقل عرضها

وسامح من بعد المرام صقورها

وأشرف بالأرض اليفاع لعلتي

أرى نار ليلى أو يراني بصيرها

فناديت ليلى والحمول كأنها

مواقير نخل زعزعتها دبورها

فقالت أرى أن لا تفيدك صحبتي

لهيبة أعداء تلظى صدورها

ص: 79

فمدت لي الأسباب حتى بلغتها

برفقي وقد كاد ارتفاقي يضيرها

فلما دخلت الخدر أطت نسوعه

وأطراف عيدان شديد سيورها

فأرخت لنضاخ الذفاري منصة

وذي سيرة قد كان قدماً يسيرها

وإني ليشفيني من الشوق أن أرى

على الشرف النائي المخوف أزورها

وإن أترك العيش الحسير بأرضها

يطيف بها عقبانها ونسورها

حمامة بطن الواديين ترنمي

سقاك من الغر الغوادي مطيرها

أبيني لنا لا زال ريشك ناعمة

ولا زلت في خضراء دان بريرها

وقد تذهب الحاجات يسترها الفتى

فتخفي وتهوى النفس ما لا يضيرها

وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقعت

فقد رابني منها الغداة سفورها

وقد رابني منها صدود رأيته

واعراضها عن حاجتي وقصورها

أرتك حياض الموت ليلى وراقنا

عيون نقيات الحواشي تديرها

ألا يا صفي النفس كيف بقولها

لو أن طريداً خائفاً يستجيرها

تجير وإن شطت بها غربة النوى

ستنعم ليلى أو يفادى أسيرها

وقالت أراك اليوم أسود شاحباً

وإني بياض الوجه جر جرورها

وغيرني إن كنت لما تغيرت

هواجر لا أكتنها وأسيرها

إذا كان يوم ذو سموم أسيره

وتقصر من دون السموم ستورها

وقد زعمت ليلى بأني فاجر

لنفسي تقاها أو عليها فجورها

فقل لعقيل ما حديث عصابة

تكنفها الأعداء ناء نصيرها

فإن لا تناهوا يركب اللهو نحوها

وخفت برجل أو جناح يطيرها

لعلك يا قيساً ترى في مريرة

معذب ليلى إن رآني أزورها

وادماء من حر الهجان كأنها

مهاة صوار غير ما مس كورها

من الناعبات المشي نعباً كأنما

يناط بجذع من أراك جريرها

من العر كنانيات حرف كأنها

مريرة ليف شد شداً مغيرها

قطعت بها موماة أرض مخوفة

ردأها حين يستن مورها

ترى الضعفاء القوم فيها كأنهم

دعاميص ماء نس عنها غديرها

وقسورة الليل التي بين نصفه

وبين العشا قد ريب منها أسيرها

أبت كثرة الأعداء أن يتجنبوا

كلابي حتى يستشار عقورها

وما يشتكي جهلي ولكنّ عزتي

تراها بأعدائي لبيثاً طرورها

أمخترمي ريب المنون ولم أزر

جواري من همدان بيضاً نحورها

تنوء بإعجاز ثقال واسوق

جدال واقدام لطاف شعورها

أظن بها خيراً وأعلم أنها

ستنفك يوماً أو يفك أسيرها

أرى اليوم يأتي دون ليلى كأنما

أتت حجة من دونها وشهورها

عليّ دماء البدن إن كان بعلها

يرى لي ذنباً غير أني أزورها

وإني إذا ما زرتها قلت يا اسلمي

ويا بأبي قول اسلمي ما يضيرها

وهذه القصيدة قال صاحب النزهة أنشدها كلها حين سجع الحمائم وقيل أنشدها متقطعة بحسب الوقائع وإنما جمعتها الشعراء وها أنا أورد ذكر غريبها وما وقع لبعض أبياتها من الحكايات قيل لما وقفت ليلى على قوله ولما دخلت الخدر غضبت غضباً شديداً ثم أمسكت عن كلامه برهة فتوسل إليها وعرض عليها أنه يريد أن يسقي نفسه السم إن لم تكلمه، فجمعت ثلاثة من أهلها بحيث يخفون عليه واستحضرته فلما آنسته قالت أي خدر دخلت معي حتى تقول ما تقول؟ فقال هذا استرسال الشعراء ثم ذكر لها أمثال ذلك وتنصل ففرحت بسماع أهلها ذلك. وقوله منصة يريد بها الستر وقوله حمامة بطن الوديين ترنمي هو أول بيت تفوه به من القصيدة إلى قوله وكنت إذا ما زرت ليلى ثم ضم الباقي.

ص: 80

وأما قوله وكنت إذا ما زرت ليلى فالحقه بعد اكمالها وسبب انشاده أنه كان يزورها على خيفة وخفية، فلما اشتد التحريج عليه جعلت بينها وبينه أمارة فقالت إذا مررت فوجدتني مبرقعة فاجلس مطمئناً فلا حرج حينئذ، فلما قوي حرصهم وتوعدهم لها وأجمعوا أن يفتكوا به إذا رآها خرجت يوم ميعاد سافرة على كثيب بحيث يراها على البعد، فلما أقبل ورآها سافرة مضى في طريقه منتكباً وهو يقول: وكنت إذا ما زرت ليلى الأبيات. ثم دخل الشام فأقام بها يسيراً فلم يأخذه قرار وتاقت نفسه إلى العرب فكان يخرج إلى الربوة ليسلي نفسه فلم يكن له دأب إلا البكاء فأقام أياماً لا يلذ له حال ولا ينعم له بال فخرج يريد البادية فمر حين قابل حيها بصغير يلعب فقال له هل أنت عارف بليلى؟ قال نعم. قال امض إليها وأنشد: وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقعت وعد إلي فسأحسن منقلبك.

فمضى الغلام فأنشد البيت لليلى فعلمت أن توبة قد ورد الحي فقالت للغلام قل له أنها الآن مبرقعة فمضى الغلام إليه وأعمله بذلك فأعطاه دينارين وأقبل فجدد زيارتها ثم قال لها مكنيني من تقبيل يدك، وفي الروض النضير أنه سألها قبلة فأنشدت:

وذي حاجة قلنا له لا تبح بها

فليس إليها ما حييت سبيل

لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه

وأنت لأخرى صاحب وخليل

ففطن أنها استرابت منه فحلف أنه لم يرد سوءاً وأن نفسه قد حدثته بأن يجربها فاستشاطت شوقاً ثم ودعها على استحياء ومضى، فما استقر به المنزل حتى عزمت خفاجة على غزو الهذليين، فخرج فقتل في الوقعة، ولما وقع به رمق أدركه ابن عمه فقال له هل لك حاجة؟ قال نعم تبلغ ليلى هذه الأبيات وأنشد:

ألا هل فؤادي من صبا اليوم طافح

وهل ماوأت ليلى به لك ناجح

وهل في غد إن كان في اليوم علة

سراح لما تلوى النفوس الشحائح

ولو أن ليلى الأخيلية سلمت

علي ودوني جندل وصفائح

لسلمت تسليم البشاشة أوزقا

إليها صدى من جانب القبر صائح

ولو أن ليلى في السماء لأصعدت

بطرفي إلى ليلى العيون الكواشح

ولو أرسلت وحياً إلي عرفته

مع الريح في موارها المتناوح

أأغبط من ليلى بما لا أناله

إلا كل ما قرت به العين صالح

سقتني بشرب المستضاف فصرت

كما صرد اللوح النطاف الصحاصح

وهل تبكين ليلى إذا مت قبلها

وقام على قبري النساء النوائح

كما لو أصاب الموت ليلى بكيتها

وجاد لها جار من الدمع سافح

وفتيان صدق قد وصلت جناحهم

على ظهر مغبر التنوفة نازح

بمائرة الضبعين معقورة النسا

أمين القرى مجترة غير جانح

وما ذكرتي ليلى نأى دارها

بنجران إلا الترهات الصحاصح

قوله ولو أن ليلى البيتين قد سبق الكلام عليهما في قصة المجنون وزقا بالزاي وقوله: وهل تبكين ليلى، يعني وهل هي باكية إذا مت فليلى في البيت فاعل حذراً مما توهم هنا، وفي النزهة وما ذكر تنبيه على بعد دارها وقيل أن هذه القصيدة أنشدها حين خرج قبل ورود الوقعة، وإنما أنشد عند موته قوله:

عفا الله عنها هل أبيتن ليلة

من الدهر لا يسري إلى خيالها

وإن ابن عمه حين جاء أنشدها الأبيات أو هذا البيت فأجابته:

وعنه عفا ربي وأحسن حاله

فعزت علينا حاجة لا ينالها

وقيل مات عشقاً وكيف كان لما بلغ نعيه ليلى خلعت الزينة وأقامت على الحزن حتى ماتت بعده لكن بعده بسنين كثيرة فقد قيل أن وفاة توبة كانت سنة سبعين وقيل إحدى وسبعين ووفاة ليلى كانت إحدى ومائة.

قيل مرت بقبر توبة فقال زوجها هذا قبر توبة الكذاب فقالت لم يكن والله كذاباً فقال لها أليس يقول ولو أن ليلى الأخيلية البيتين، سلمي عليه لننظر فامتنعت فأقسم عليها أن تفعل فلما سلمت خرج من طاقة القبر بومة فأجفلت الناقة فوقعت ليلى ميتة فدفنت إلى جانبه.

ص: 81

وقيل طير كانت العرب تزعم أنه يقيم في هامة المقتول حتى يؤخذ بثاره وحكى أنها هي التي قصدت ذلك وهذه القصة رواها في النزهة عن متفرقين ووثقها وأما هنا فقد حكى ما قررناه إلا السبب عن ليلى نفسها وأنها حكت ذلك للحجاج حين قدمت عليه تجتديه من جدب الزمان فوهب لها مائة من الإبل برعاتها وذلك فيما أخرجه المدائني عن مولى عنبسة قال كنت مع استاذي عند الحجاج إذ قال له الحاجب أن بالباب امرأة فقال أدخلها فلما رآها الحجاج طأطأ رأسه إلى الأرض واستجلسها ثم استنسبها فانتسبت فقال ما جاء بك قالت اخلاف النجوم وقلة الغيوم وكلب البرد وشدة الجهد وكنت لنا بعد الله الرفد فقال لها صفي لنا الفجاج فقالت الفجاج مغبرة والأرض مقشعرة والبرك معقل وذي العيال مجشل والهالك المقل والناس مسنتون رحمة من الله يرجون وأصابتنا سنون مجحفة مبطلة لم تدع لنا هبعاء ولا ربعاء ولا عافطة ولا نافطة أذهبت الأموال وفرقت الرجال وأهلكت العيال فانظر إلى هذه الفصاحة والبلاغة ولذلك انقاد لها مع تجبره فقولها خلاف النجوم تريد به الأنواء فإن العرب يعرفون بمساقط النجوم لانواء يستدلون بها على صحة السنة وخصبها وكثرة الأمطار فكأنها تعد بذلك فإذا لم تأت بذلك فقد أخلفت وقلة الغيوم تريديه لازمها الغالب وهو المطر وفيه عطف الأخف على الأعم وكلب البرد شدته والعرب تطلق هذا الاسم على أيام مخصوصة من تاسع كانون أعني كيهك إلى ثامن عشر شباط أعني امشير والفجاج هنا الأرض وغبرتها كناية عن عدم نداوة الأرض فإن ذلك يثير الغبار واقشعرار الأرض عدم نباتها والبرك الايل وعقلها كناية عن عدم ما تحمله والأجشال اليبس والاملاق والهبعاء الحسنة والربعة السيئة وعن الأصمعي الهبعاء ما يزرع في سوى الربيع والربعاء ما يزرع فيه أو هما مطران أو الابل والغنم ضعيف وفي تهذيب الاصلاح للتبريزي هما كلمتان يراد بهما الاخبار عن نفاد ما في اليد مثل ما عنده سبد ولا لبد والعافطة العنز والنافطة النعجة.

ويقال أيضاً الاثا غية ولا راغية أي لا غنم ولا ابل ثم مدحته حتى استعفى وقال لم يصب وصفي منذ دخلت العراق غيرها ثم قال لخازنه اقطع لسانها فأراد ذلك فقالت ويحك إنما أراد بالعطاء فراجعه فغضب وأمر بعودها ثم قال لجلسائه هذه ليلى التي مات توبة من حبها. ثم قال أنشدينا ما قال فيك، فأنشدت حمامة بطن الواديين، فقال وما قلت أنت فيه فقالت كثيراً أيها الأمير فقال هات فأنشدت:

نظرت ومن دوني عماية منكب

وبطن الركايا نظرته النواظر

أونس إن لم يقصر الطرف دونهم

فلم تقصر الأخبار والطرف قاصر

وهي قصيدة ترثيه فيها بكلام حسن غير أن فيها طولاً ومن محاسنها في توبة:

أتته المنايا بين زعف حصينة

واسمر خطى وجرداء ضامر

على كل جرداء السراة وسابح

دوان بشباك الحديد زوافر

عوابس تغدو التغلبية ضمرا

فهن سراح بالشكيم الشواجر

فلا يبعدنك الله يا توب إنما

لقاك المنايا دارعاً مثل حاسر

فإن لم يكن بالقتل برّ فإنكم

ستثقون يوماً ورده غير صادر

فتى لا تخطاه الرفاق ولا برى

لقدر عيالاً دون جار مجرور

ولا تأخذ الابل المهاري رماحها

لتوبة من صرف السري في الصنابر

إذا ما رأته قائماً بسلاحه

نفته الخفاف بالثقال البهاذر

إذا لم يجز منها برسل فقصره

ذرى المرهفات والقلاص التواجر

قرى سيفه منها مشاشاً وضيفه

سنام المهاري السباط المشافر

وتوبة أحيى من فتاة حيية

وأجرأ من ليث بخفان خادر

ونعم الفتى إن كان توبة فاجراً

وفوق الفلى إن كان ليس بفاجر

فتى ينهل الحاجات ثم يعلها

فتطلعه عنها ثنايا المصادر

كأن فتى الفتيان توبة لم ينخ

قلائص يفحصن الحصى بالكراكر

ولم يثن ابراداً عتاقاً لفتية

كرام ورحل قيل في الهواجر

ولم ينجل الضيفان عنه وبطنه

خميص كطي السبت ليس بخادر

ص: 82