الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يزل شوقه ينمو ووجده يسمو حتى لزم الوساد، وتوفي على ما ذكر في النزهة قبل عام الفيل بأربعة أعوام، وكان سبب وفاته على الأصح أنه قصد هنداً وقد تزوجت في نمير وهي قبيلة من عامر، وكان بينهم وبين بني نهد ثارات ودماء كثيرة، فحذره أبوه من ذلك ومناه الاجتماع بعكاظ في الأشهر الحرم حيث تكف الجاهلية عن الحرب.
فأبى وخرج سراً حتى أتاها، فرآها جالسة على حوض وزوجها يسقي إبلاً له، فلما تعارفا شد كل منهما على صاحبه ودنا منه حتى اعتنقا وسقطا إلى الأرض. فجاء زوجها فوجدهما ميتين.
وقيل أن عجوزاً دخلت عليه في مرضه فأخبرتهم أنه عاشق وأن يطبخوا له شاة ويرفعوا قلبها ويقدموها إليه، ففعلوا فجعل يحاولها بضعة بضعة فقال أما لشاتكم قلب فقال له أخوه أعاشق أنت ولم تدر، فتأوه ومات. وقيل رأى زوج هند يطوف وعليه ثوب فيه كف كالذي في ثوبه، حين جاذبته فمات، وقيل أنه ترنم بهذه الأبيات يوماً ومد بها صوته فمات وهي:
ألا أن هند أصبحت منك محرماً
…
وأصبحت من أدنى حموتها حما
فأصبحت كالمقمور جفن سلاحه
…
يقلب بالكفين قوساً وأسهما
وقيل أن هذه الأبيات لمسافر بن عمرو أنشدها حين ولع بهند بنت عتبة وأراد زواجها، فخرج إلى النعمان بن المنذر بالحيرة ليطلب مهرها، وقيل أنها حملت منه فخرج هارباً، وأصابه من عشقها مرض كبر معه فاستحضر له النعمان أطباء العرب فأجمعوا على كيه فكوي وبرىء، فقدم أبو سفيان أو هو غيره فسأله عن مكة.
فلما انتهى إلى زواج هند شهق فمات، وقيل خرج فمات في الطريق، وقيل هي يعني الأبيات للمغيرة في أسماء النهشلية والصحيح أن أبيات المغيرة هي:
تحدثنا أسماء أن سوف نلتقي
…
أحاديث طسم إنما كنت حالما
ألا أصبحت أسماء حجراً محرماً
…
وأصبحت من أدن حموّتها حما
ولابن عجلان أشعار كثيرة من محاسنها قوله:
قد طال شوقي وعاد لي طربي
…
من ذكر خود كريمة الحسب
غرّاء مثل الهلال صورتها
…
أو مثل تمثال صورة الذهب
ومنها:
ألا بلغا هنداً سلامي وإن نأت
…
فنلبي منشطت بها الدار مدنف
ولم أر هنداً بعد موقف ساعة
…
بأنعم من أهل الديار تطوّف
أتت بين أتراب تمايسن إذ مشت
…
دبيب القطا أوهن منهن ألطف
يباركن مرات خلياً وداده
…
ذكياً وبالأيدي مدال ومسوف
أشارت إلينا في حياء وراعها
…
سراة الضحى مني على الحي موقف
وقال تباعد يا ابن عم فإنني
…
منيت بذي صول يغار ويعنف
ومنها:
خليلي زورا قبل شحط النوى هنداً
…
ولا تأمنا من دار ذي لطف بعدا
ولا تعجلا لم يدر صاحب حاجة
…
أغياً يلاقي في التعجل أم رشدا
ومر عليها بارك الله فيكما
…
وإن لم تكن هند لوجهيكما قصدا
وقولا لها ليس الضلال أجازنا
…
ولكننا جزنا لنلقاكم عمدا
غداً يكثر الباكون منا ومنكم
…
وتزداد داري من دياركم بعدا
أخبار ذي الرمة وصاحبته مي
هو غيلان بن معدي بن عمرو الكناني القحطاني أو هو سعدي وقيل إبن عقبة بن يهوس ابن ربيعة يتصل من عبد مناف بالياس بن مضر وهو الأصح أديب شاعر رقيق النظام جزل الكلام وافر الحظ من الفصاحة والشعر ورقة المزاج خبير بأحوال العشق والرمة بالضم وتكسر قطعة حبل تجعل في عنق البعير ووهب طريف بن غطفان بعير الشخص بالحبل الذي في عنقه فقيل أعطاه برمته فضرب مثلاً لمن يعطي الشيء جميعه وبالكسر العظام البالية، وسمي بذلك لأنه كان كثيراً ما يجعل في عنقه أو على عاتقه الحبل أو أنه سمي بذلك لشدة نحوله في العشق.
ومي هي بنت طلابة بن قيس بن عاصم الغساني أحد ملوك العرب ووالده قيس نظير المنذر بن ماء السماء كان ذا حظ في الملك تميل إليه العرب ويعطي القياد حتى ضربت به الأمثال، قال طرفة بن العبد بعد اشتكاء سوء حظه: ولو شاء ربي كنت قيس بن عاصم. يعني في ارتفاع الجد وسعة الملك قال في النزهة وكان ذو الرمة لطيف المنظر حسن الهيئة طويلاً إلى رقة وبياض واسع الصدر عجل المشية.
وكانت مي جارية إلى القصر ما هي سمراء بدينة إلا أن في كلامها عذوبة وفي طرفها تغزل. قال في الظرائف أن سبب اعتلاقه بها أنه مر يوماً بالحي وقد أدركه الأوام فنظر إلى بيت قد شرع رواقه وارتفعت أطباقه وعلا عموده وأطنابه ومدت أوتاده وأسبابه، فقصده حتى وقف بإزائه، وذا هو بامرأة تتمشط حاسرة الرأس وقد أسبلت شعرها كأنه عثاكيل النخل، ووجهها يشف من خلاله فناداها هل من اداوة تبرد الغليل، فأبرزت إليه ماء قد شيب بلبن، فشرب ثم ناشدته الراحة، وقدمت إليه طعاماً فأكل ولم تزل تنادمه وهو يعجب بها ويحترك لها قلبه إلى أن انصرف بعد بياض النهر وقد علق من قلبه بحبها الأعج عجز عن إطفائه وغرام كل عن إخفائه فجعل يعاودها الزيارة، فقيل له في تقليل ذلك وأن بلادها بعيدة عن بلاده وأن ذلك يوجب له نصباً ومشقة فأنشد:
وكنت إذا ما جئت مياً أزورها
…
أرى الأرض تطوي لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ودّ جليسها
…
إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها
وجلس قوم يتحادثون فأفضوا إلى حديث ذي الرمة وفيهم عقبة بن مالك الفزاري وهو يومئذ شيخ قد جاوز المائة فقال منى خذوا خبره أتاني يوماً، فقال إن حي مية خلوف فهل تسعدني في الزيارة فركبنا حتى أتيناها، فلما نظر النساء إلى ذي الرمه عرفنه فجئن حتى جلس عنده وتفاوضوا في الحديث فقالت ظريفة من النساء أسمعنا يا ذا الرمة ما قلت فالتفت إلي وقال لي قل فأنشدت قوله:
وقفت على ربع لمية ناقتي
…
فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
فلما انتهيت إلى قوله:
نظرت إلى أظعان مي كأنها
…
ذرا النخل أو أثل تميل ذوائبه
فأسبلت العينان والقلب كاتم
…
بمغرورق نمت عليه سواكبه
بكى وامق حال الفراق ولم تخل
…
حوائلها أسراره ومعاتبه
هو الالف قد حان الفراق ولم تحل
…
مخاولها أسراره ومقانبه
قال الظريفة لكن اليوم فلتحل ثم مضيت فلما انتهيت إلى قوله:
وقد حلفت الله مية ما الذي
…
أحدثها إلا الذين أنا كاذبه
إذاً فرماني الله من حيث لا أرى
…
ولا زال في أرضي عدوّ أحاربه
قالت مي ويحك يا ذا الرمة خف عواقب الله عز وجل ثم مضيت حتى انتهيت إلى قوله:
إذا سرحت من حب مي سوارح
…
على القلب أمته جميعاً غواربه
فقالت الظريفة قتلته قتلتك الله، فقالت مية ما أصحه وهنيئاً له قال فتنفس ذو الرمة تنفيسة كاد حرها يذهب بلحيته ثم مضيب حتى انتهت إلى قوله:
إذا نازعتك القول مية أو بدا
…
لك الوجه منها أو نضى الدرع سالبه
فيا لك من خد أسيل ومنطق
…
رخيم ومرحوق تعالى شاربه
وفي رواية القالي إذا راجعتك بدل إذا نازعتك فقالت الظريفة هذا القول قد تتوزع والوجه بدافن لنا بان ينضى الدرع سالبه فقالت مي ماذا تريدين وتضاحكا فقالت الظريفة إن لهذين لشأناً فقم بنا فقمت وجلست بحيث أراهما فتعاتبا طويلاً ولن يبرح من هكانه ولم أسمع منهما غير أن قالت كذبت والله لم أعلم علام كذبته ثم جاءني ومعه قارورة دهن قد اتحفته بها فقال لي شأنك وهي ثم قال وهذا قلائد قد أعطتنيها فوالله لا قلدتها بعيراً وعقدها في سيفه وانصرفنا، فلما ظعن الحي جاءني فقال امض بنا نودع الآثار فجئنا حتى وقفنا على أطلال مية فأنشد:
ألا فاسلمي يا دارمي على البلا
…
ولا زال منها بجرعائك القطر
وإن لم تكوني غير شام بقفرة
…
تجر بها الأذيال صيفية كدر
وانفضحت عيناه بالعبرة فقلت مه فقال إني جلد وإن كان مني ما ترى ثم انصرفنا فوالله ما رأيت أشد صبابة ولا أحسن صبراً منه وكان آخر العهد به وله أشعار كثيرة فمن ألطفها القصيدة الحائية التي أولها:
أمنزلتي مي سلام عليكما
…
على النأي والنأي بودّ وينصح
ومنها:
ذكرتك إذ مرت بنا أم شادن
…
أمام المطايا تشرئب وتنصح
من المؤلفات الرمل أدماً بحرّة
…
شعاع الضحى في متنها يتوضح
رأينا كأنا عامدون لصيدها
…
ضحى فهي تنبو تارة وتزحزح