المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أخبار كثير عزة - تزيين الأسواق في أخبار العشاق

[داود الأنطاكي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌المقدمة

- ‌فيما جاء فيه الكتاب من الأحاديث والآثار وفي حده ومراتبه

- ‌فصل في الترغيب في العشق والحث عليه

- ‌فصل في رسومه وحدوده

- ‌وما جاء عن الحكماء وغيرهم في ذلك

- ‌فصل في بيان مراتبه

- ‌فصل فيما ذكر له من العلامات

- ‌الباب الأول

- ‌فيمن استشهد من المحبين شوقاً إلى حضرة رب العالمين

- ‌فصل من الباب

- ‌في ذكر من فارقت روحه من الأحباب

- ‌الباب الثاني

- ‌في أحوال عشاق الجواري والكواعب

- ‌وذكر ما صدر لهم من العجائب

- ‌أخبار كثير عزة

- ‌أخبار قيس ولبنى

- ‌أخبار المجنون وصاحبته ليلى

- ‌أخبار عروة بن حزام وصاحبته عفرا

- ‌أخبار عبد الله بن عجلان وصاحبته هند

- ‌أخبار ذي الرمة وصاحبته مي

- ‌أخبار مالك وصاحبته جنوب

- ‌أخبار عبد الله بن علقمة وصاحبته حبيش

- ‌أخبار نصيب وصاحبته زينب

- ‌أخبار عتبة بن الحباب وصاحبته ريا

- ‌أخبار الصمة وصاحبته ريا

- ‌أخبار كعب وصاحبته ميلاء

- ‌القسم الثاني

- ‌فيمن جهل اسمه أو اسم محبوبته أو شيء من سيرته أو مآل حقيقته

- ‌فمنهم

- ‌سامة بن لؤي بن غالب القرشي مشهور

- ‌ومنهم

- ‌عمرو بن عوف وبيا

- ‌‌‌ومنهم

- ‌ومنهم

- ‌بشير الشهير بالاشتر وجيداء

- ‌مسعدة بن واثلة الصارمي

- ‌ومنهم

- ‌زرعة بن خالد العذري

- ‌ومنهم شخص

- ‌ومنهم غلام

- ‌ومنهم قيس بن منقذ بن مالك الكناني المشهور

- ‌ابن الحدادية

- ‌ومنهم

- ‌توبة بن حمير بن أسيد الخفاجي

- ‌ومنهم

- ‌عامر بن سعيد بن راشد

- ‌ومنهم ما حكى الأصمعي

- ‌ومنهم فتى أسدي

- ‌ومنهم عمرو بن كعب بن النعمان ابن المنذر بن ماء السماء ملك العرب

- ‌ومنهم ما حكاه الأصمعي

- ‌ومنهم ما أخرج الحافظ عن ابن دريد عن عبيد النعالي غلام أبي الهذيل

- ‌‌‌ومنهمما حكاه الكاتب

- ‌ومنهم

- ‌ومنهم ما حكاه في منازل الأحباب

- ‌ومنهم ما حكاه ابن الجوزي

- ‌ومنهم الحرث المشهور بابن الفرند من خزاعة

- ‌عياش الكناني

- ‌و‌‌منهمما رواه أعرابي أو هو جبلة بن الأسود

- ‌منهم

- ‌كامل بن الرضين

- ‌ومنهم

- ‌مرة النهدي

- ‌ومنهم رجل من ولد عبد الرحمن بن عوف

- ‌فمنهم ما أخرجه مغلطاي عن الأديب

- ‌ومبهم ما ذكره ابن المرزباني في الذهول والنحول عن سعيد بن ميسرة

- ‌ومنهم ما حكاه الوراق عن الصوفي

- ‌ومنهم ما حكاه السامري

- ‌ومنهم ما حكاه الأسدي عن أبيه

- ‌ومنهم ما حكاه ابن غنيم

- ‌ومنهم ما حكاه أبو الحسن المؤدب

- ‌ومنهم للفويرك وهو من المشاهير في عقلاء المجانين

- ‌ومنهم خالد بن يزيد

- ‌فصل في ذكر من جرع كأس الضنى وصبر على مكابدة العنا واتصف بذلك كله من

- ‌القسم الثالث

- ‌فيمن خالسته عيون الاماء فأسلمته إلى الفناء وكادت أن تقضي عليه لولا

- ‌القسم الرابع

- ‌في ذكرى من حظى بالتلاق بعد تجرع كأس الفراق

- ‌ومنهم ما حكاه معبد المغني

- ‌ومنهم

- ‌محمد بن صالح العلوي

- ‌ومنهم

- ‌جعد بن مهجع العذري

- ‌ومنهم ما حكاه أسدي وهي من العجائب المستلطفة

- ‌القسم الخامس

- ‌في ذكر من وسموا بالفساق من العشاق

- ‌الصنف الأول في ذكر من حمله هواه على أذية من يهواه وهؤلاء أم نساء أو

- ‌الصنف الثاني في ذكر من اشتدت به الغيرة إلى أن خامرته الحيرة فجرته إلى

- ‌الصنف الثالث في ذكر من عانده الزمان في مطلوبه حتى شورك في محبوبه فصنع

- ‌الصنف الرابع في ذكر من عوقب بالفسق ولم يشتهر بالعشق

- ‌ومنهم أعرابي من أسد

- ‌ومنهم ما حكى عن عبد الله بن سيرة

- ‌ومنهم ما حكى عن جويرية بن أسماء عن عمه

- ‌القسم السادس

- ‌في ذكر من حل عقد المحبة وخالف سنن الأحبة

- ‌الصنف الأول في كر من تاب عن الخلاف ورجع إلى حسن الائتلاف وكان محبوبه

- ‌ومنهم ما حكاه في النزهة ونقله هنا مجهولاً

- ‌الصنف الثاني في ذكر من تمادى على نقض العهد ومات على اخلاف الوعد

- ‌الصنف الثالث في ذكر من أشبه العشاق في محبته وشاكلهم في مودته فتعاهدا

- ‌فمنهم صخر بن عمرو

- ‌ومنهم هدية بن الخشرم

- ‌‌‌‌‌ومنهم

- ‌‌‌ومنهم

- ‌ومنهم

- ‌حمزة بن عبد الله بن الزبير

- ‌الحسن بن الحسن

- ‌غسان بن جهضم

- ‌ومثل هذا ما حكاه عن موسى الهادي

- ‌ الجزء الثاني

- ‌ الباب الثالث

- ‌في ذكر عشاق الغلمان

- ‌وأحوال من عدل إلى الذكور عن النسوان وتفصيل ما جرى عليهم من تصاريف

- ‌القسم الأول

- ‌فيمن استلب الهوى والعشق نفسه حتى أسلمه رمسه

- ‌أخبار محمد بن داود وصاحبه محمد الصيدلاني

- ‌أخبار القاضي شمس الدين بن خلكان وصاحبه المظفري

- ‌أخبار أحمد بن كليب وصاحبه أسلم

- ‌أخبار مدرك وصاحبه عمرو

- ‌النوع الثاني في

- ‌ذكر من جهل حاله

- ‌وكان إلى الموت في الحب مآله وقد رأينا أن نبدأ منهم بعشاق النصارى تبعاً

- ‌فمنهم

- ‌سعد الوراق

- ‌القسم الثاني

- ‌فيمن اشتهر في العشق حاله ولم يدر مآله

- ‌القسم الثالث

- ‌في ذكر من ساعده الزمان في المراد حتى بلغه ما أراد

- ‌القسم الرابع

- ‌في ذكر من منعه الزهد والعبادة أن يقضي من محبوبه مراده

- ‌النوع الثاني في ذكر من بغله زهده الأمان فعصمه عن الغلمان

- ‌خاتمة في ذكر ما عولج به العشق من الدوا

- ‌وقصد به السلو عن الهوى

- ‌ومن السلو عن الهوى استعمال الحساب والخوض في المشاجرات ونحو ذلك مما سبق

- ‌الباب الرابع

- ‌في ذكر ما سوى البشر وما القوا من العبر

- ‌الأول في الجنة

- ‌أسند المصنف عن الحافظ ابن حجر العسقلاني يرفعه إلى البيهقي، أنه قال

- ‌النوع الثاني

- ‌في ذكر من كلف وهو غير مكلف

- ‌وأوهن العشق قواه حتى تلف أو كاد أن يتلف

- ‌الصنف الثاني في ذكر بعض ما وقع للحيوان من أمور العشق في اختلاف الأزمان

- ‌الصنف الثالث في ذكر ما جرى من القوة العاشقية والمعشوقية بين الأنفس

- ‌الصنف الرابع فيما بث من الأسرار بين أصناف الأحجار

- ‌الصنف الخامس فيما بث من الأسرار الملكية بين الأجسام والأجرام الفلكية

- ‌الباب الخامس

- ‌في تتمات يفتقر إليها الناظر في هذا الكتاب

- ‌ويحسن موقعها عند أولي الألباب

- ‌فصل

- ‌في تحقيق معنى الحسن والجمال

- ‌وما استلطاف في ذلك من الأقوال

- ‌فصل

- ‌في خفقان القلب والتلوين عند اجتماع المحبين

- ‌فصل

- ‌في مراتب الغيرة وما توقعه بالمحب من الحيرة

- ‌فصل

- ‌في أحكام أسرار المحبة

- ‌وما فيها من اختلاف آراء الأحبة

- ‌فصل

- ‌في ذكر المغالطة والاستعطاف

- ‌واستدراك ما صدر عن المحبوب من الانحراف

- ‌فصل

- ‌في ذكر الرسل والرسائل

- ‌وتلطف الأحباب بالوسائل

- ‌فصل

- ‌في ذكر الاحتيال على طيف الخيال

- ‌فصل في أحكام الليل والنهار وذم قصرهما عند الوصل وطولهما عند الهجر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌في أحكام الزيارة

- ‌وما جاء في فضلها من البراعة والعبارة وتفنن العشاق في فضل زيارة الحبيب

- ‌فصل

- ‌مما يلحق بالعتاب

- ‌ويصلح أن يكون معه في باب

- ‌القسم الأول

- ‌هجر الدلال

- ‌القسم الثاني

- ‌هجر الملال

- ‌القسم الثالث

- ‌الهجر المعروف بهجر الجزاء والمعاقبة

- ‌الهجر الرابع

- ‌الهجر الخلقي

- ‌فصل

- ‌فصل في ذكر مكابدة الأمور الصعاب عند طلب رضا الأحباب وخوض الأهوال

- ‌تتمة

- ‌ومما يلحق بهذا الفصل التلميح

- ‌خاتمة

- ‌فصل في النوادر والحكم

- ‌نادرة

- ‌لطيفة ووصية

- ‌عجيبة

- ‌فائدة

- ‌‌‌‌‌لطيفةو‌‌وصية

- ‌‌‌لطيفة

- ‌لطيفة

- ‌وصية

- ‌نادرة

- ‌أخرى

- ‌نادرة

- ‌فصل في المجون

- ‌فصل في ذكر نبذة من لطائف الأشعار ملتقطة مما ختم به الكتاب

الفصل: ‌أخبار كثير عزة

وعن ابن عياش قال لقيت عجوزاً من بني عذرة فقلت لها هل تروي شيئاً عن جميل ومحبوبته قالت نعم كنت يوماً وبثينة قد انفردت تبرم غزلاً والعرب قد اعتزلت الطريق خوف المارة إلى الشام وإذا برجل قد أقبل إلينا فاستثبتناه فإذا هو جميل فقلت له قد عرضتنا ونفسك شراً فمن أين جئت، قال من هذه الهضبة ولي بها ثلاثة أنتظر الفرصة لاحدث بكم عهداً فإني ذاهب إلى مصر فحدثنا ساعة وهو لا يتماسك فجئته بقدح فيه تمر واقط فنال منه يسيراً ثم ودع ومضى فلم نلبث أن جاء أهل الحي ومنه:

أرى كل معشوقين غيري وغيرها

يلدان في الدنيا ويغتبطان

وأمشي وتمشي في البلاد كأننا

أسيران للأعداء مرتهنان

أصلي فأبكي في الصلاة لذكرها

لي الويل مما يكتب الملكان

ضمنت لها أن لا أهيم بغيرها

وقد وثقت مني بغير ضمان

ألا يا عباد الله قوموا لتسمعوا

خصومة معشوقين يختصمان

وفي كل عام يستجدان مرة

عتاباً وهجراً ثم يصطلحان

يعيشان في الدنيا غريبين أينما

أقاما وفي الأعوام يلتقيان

وعن سهل الساعدي قال: قال لي رجل هل تعود جميلاً فإنه مريض، فدخلنا عليه فإذا هو يجود بنفسه، فنظر إلي وقال ما تقول في رجل لم يزن قط ولم يشرب خمراً ولم يسفك دماً ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله منذ خمسين سنة. قلت من هذا فإني أظنه ناج قال أنا قلت عجيب منك تشبب ببثينة هذه المدة وأنت كذلك. قال أنا في آخر يوم من الدنيا لأنالتني شفاعة محمد إن كنت وضعت يدي عليها بريبة وأكثر ما كان مني أن أسند يدها إلى فؤادي أستريح ساعة ثم أغمي عليه فلما أفاق أنشد:

صرح النعي وما كني بجميل

وثوى بمصر ثواء غير قفول

قومي بثينة فاندبي بعويل

وابكي خليلك دون كلّ خليل

ولما حضرته الوفاة قال من ينعاني إلى بثينة قال رجل أنا فأعطاه حلته فراح حتى جاء الحي فأنشد:

بكر النعي وما كني بجميل

وثوى بمصر ثواء غير قفول

بكر النعي بفارس ذي همة

بطل إذا حمّ اللقاء مذيل

فسمعته بثينة فخرجت مكشوفة تقول:

وإن سلوي عن جميل لساعة

من الدهر لا حانت ولا حان حينها

سواء علينا يا جميل بن معمر

إذا مت بأساء الحياة ولينها

ثم قالت للناعي يا هذا إن كنت صادقاً فقد قتلتني وإن كنت كاذباً فقد فضحتني فقلت لها والله إني لصادق وأخرجت الحلة فلما رأتها صرخت وصكت وجهها وأقبل النساء يبكين معها حتى خرت مغشياً عليها، ثم أفاقت وأنشدت وإن سلوي البيتين فلم سمع منها غيرهما حتى قضت.

‌أخبار كثير عزة

هو أبو صخر كثير بن عبد الرحمن بن الأسود الشهير بأبي جمعة قد أوصله الكلبي في جمهرة النسب إلى ماء السماء بن حارثة بن ثعلبة المشهور أحد أولاد الأزد ومن أجداده عمرو بن ربيعة الذي دعا العرب عن دين إبراهيم إلى عبادة الأصنام واقترح السوائب والبحيرة فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج يجر قصبه في النار وهو من خزاعة سموا بذلك لانقطاعهم عن الأزد أيام سيل العرم وجاؤا إلى الشام وهو صاحب عز بنت جميل ابن حفص بن اياس بن عبد العزى يتصل نسبها إلى عبد مناف علقها جارية قد كعبت نهودها بدليل قوله:

نظرت إليها نظرة وهي عاتق

على حين إن شبت وبان نهودها

نظرت إليها نظرة ما يسرني

بها حمر انعام البلاد وسودها

وكان سبب دخول الهوى بينهما أن كثيراً مر بغنم له ترد الماء على نسوة من ضمرة بوادي الخبت فأرسلن له عزة بدريهمات تشتري بها كبشاً لهن منه فنظرها نظرة متأمل فداخله منها ما كان، فرد الدراهم وأعطاها الكبش، وقال إن رجعت أخذت حقي. فلما عاد سألته ذلك فقال لا أقتضي إلا من عزة فقلن له ليس فيها كفاءة فاختر إحدانا، فأبى وأنشد البيتين، فجعلن يبرزنها له كارهة ثم داخلها ما داخله وأنه خرج يوماً ومعه اداوة ماء فجفت من الحر ورفعت له نار فأمها وإذا بعجوز فناشدته من الرجل فقال صاحب عزه فقالت له أنت القائل:

ص: 33

إذا ما أتينا خلة كي تزيلنا

أبين وقلن الحاجبية أول

سنوليك عرفاً إن أردت وصالنا

ونحن لتلك الحاجبية أوصل

هلا قلت كما قال جميل

يا رب عارضة علينا وصلها

بالجد تخلطه بقول الهازل

فأجبتها بالقول بعد تأمل

حبي بثينة عن وصالك شاغلي

لو كان في قلبي كقدر قلامة

فضلاً لغيرك ما أتتك رسائلي

والله لأسقينك شيئاً فتركها وانصرف ولما اشتدت حالته أنشد:

يزهدني في حب مية معشر

قلوبهم فيها مخالفة قلبي

فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى

فبالقلب لا بالعين يبصر ذو اللب

وما تبصر العينان في موضع الهوى

ولا تسمع الآذان إلا من القلب

هكذا رواه ابن إسحاق، وقال الشهاب محمود بذلك ونقل في الطبقات الأبيات إلا أنه قال:

يزهدني في حب عزة معشر

ثم قال هذه الأبيات لكثير وقد توهم قوم أنها لذي الرمة بدليل قوله: يزهدني في حب مية معشر، وليس كذلك وإنما كان سهواً، ودخل كثير على عبد الملك ابن مروان فقال له وقد كان يتهمه بالتشيع بحق علي هل رأيت أعشق منك، فقال لو أقسمت علي بحقك لأخبرتك فقال بحقي إلا ما أخبرتني فقال يا أمير المؤمنين خرجت يوماً وإذا أنا بصياد قد نصب شبكته ليصطاد ما يسد به رمقه فقلت له إن ساعدتك شاركني فيما يكون قال نعم فجاءت ظبية فوقعت في الأحبولة فسبقني إليها فحلها ثم مسح وجهها وقبلها وأطلقها وأنشد:

أيا شبه ليلى لا تراعى فإنني

لك اليوم من وحشية لصديق

أقول وقد أطلقتها من وثائقها

فأنت لليلى ما حييت طليق

فعينك عيناها وجيدك جيدها

ولكن عظم الساق منك دقيق

ودخلت عزة على أم البنين بنت عبد العزيز فقالت لها ما الحق الذي مطلته كثيراً إذ قال:

قضى كل ذي حق فوفى حقوقه

وعزة ممطول معنى غريمها

فقالت وعدته قبلة فقانت نجزيها وعلي اثمها وفي رواية أن الحكاية مع سكينة بنت الحسين. وفي الذيل من رواية الفارسي: قضى كل ذي دين فوفى ديونه. وفي أخرى غريمه، وللبيت حكاية من عجيب الاتفاق هي أن كثيراً كان له غلام يتجر على العرب فأعطى النساء إلى أجل، فلما اقضى ما له منهن ماطلته عزة فقال لها يوماً وقد حضرت في نساء أما آن أن تفي بما عندك فقالت كرامة لم يبق إلا الوفاء. فقال صدق مولاي حيث يقول قضى كل ذي دين وأنشد البيت فقلن له أتدري من غريمتك فقال لا نلن هي والله عزه فقال أشهدكن علي أنها في حل مما عندها ومضى فأخبر مولاه بالحكاية فقال له وأنت حر وما عندك لك، ورأيت في روضة الدولتين لأبي شامة إن الذي وهبه كثير ألف دينار وأنشد حين أعتق الغلام:

سيهلك في الدنيا شفيق عليكم

إذا غاله من حادث الدهر غائله

يودّ بأن يمسي سقيماً لعلها

إذا سمعت عنه بشكوى تراسله

ويهتز للمعروف في طلب العلا

لتحمد يوماً عند عز شمائله

ودخلت عزة على عبد الملك فقال لها أتروين قول كثير:

لقد زعمت أني تغيرت بعدها

ومن ذا الذي يا عز لا يتغير

تغير جسمي والخليقة كالتي

عهدت ولم يخبر بسرك مخبر

فقالت لا أدري هذا ولكن أروي قوله:

كأني أنادي صخرة حين أعرضت

من الصم لو يمشي بها العصم زلت

صفوحاً فما تلقاك إلا بخيلة

فمن سلّ منها ذلك الوصل ملت

فضحك من ذلك وقيل أنه سألها عن قوله قضى كل ذي دين وهذان البيتان من قصيدة طويلة رواها في الذيل عن ابن دريد عن عمه عن حماد عن كثير وقال أنها من عجائب شعره وهي:

خليليّ هذا بع عزة فاعقلا

قلوصيكما ثم أبكيا حيث حلت

وما كنت أدري قبل عزة ما البكا

ولا موجعات الحزن حتى تولت

وفي رواية ولا موجعات القلب البيت:

فقد حلفت جهداً بما نحرت له

قريش غداة المازمين وصلت

أناديك ما حج الحجيج وكبرت

بفيفاً غزال رفقة وأهلت

ص: 34

وكانت لقطع الحبل بيني وبينها

كنا ذرة نذراً فأوفت وحلت

فقلت لها يا عز كل مصيبة

إذا وطنت يوماً لها النفس ذلت

ولم يلق انسان من الحب ميتة

تغم ولا غماء إلا تجلت

كأني أنادي البيتين:

أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها

وحلت تلاعاً لم تكن قبل حلت

فليت قلوصي عند عزة فيدت

بحبل ضعيف حزمنها فضلت

وغودر في الحي المقيمين رحلها

وكان لها باغ سواي فدلت

وكنت كذي رجلين رجل صحيحة

ورجل رمى فيها الزمان فشلت

وكنت كذات الظلع لما تحاملت

على ظلعها بعد العشار استقلت

أريد التواء عندها وأظنها

إذا ما أطلنا عندها المكث ملت

فما أنصفت أما النساء فبغضت

إلي وأما بالنوال فضنت

يكلفها الخنزير شتمي وما بها

هواني ولكن للمليك استذلت

هنيئاً مريئاً غير داء مخامر

لعزة من أعراضنا ما استحلت

ومن أول القصيدة إلى قوله فما أنصفت لزوم ما لا يلزم ولم يخالفه إلا في البيت المذكور، وللبيتين اللذين بعده حكاية هي أن كثيراً سافر مع جماعة إلى مكة فاتفق أن خرجت عزة وزوجها في ذلك العير، فلما كان في أثناء الطريق مرت بجمل له فسلمت على الجمال فبلغ كثيراً ذلك فجاء إلى الجمل فحله وأطلقه من الحمل وأنشد:

حيتك عزة بعد الهجر وانصرفت

فحي ويحك من حياك يا جمل

ليت التحية كانت لي فأرددها

مكان يا جمل حييت يا رجل

زاد أبو علي بيتاً بين هذين وهو:

لو كنت حييتها ما زلت ذامقة

عندي ولا مسك الادلاج والعمل

ثم اتفق أن زوجها أمرها ليلة أن تقتبس ناراً وقال في النزهة أن تستعطي سمناً فلقيها كثير فأخبرته بحاجتها فأخرج أدواة سمن وجعل يسكب في إناء عزة وهما يتحادثان فلم يشعرا حتى غرقت أرجلهما، فلما رجعت أنكر زوجها كثرة السمن وأقسم عليها فأخبرته فحلف ليضربنها أو لتخرجن فتشتم كثيراً بحيث يسمعها ففعلت فأنشد يكلفها الخنزير البيتين وفي منازل الأحباب أنها وقفت عليه وهو يبري سهاماً ما فجعل يبري ساعده فدخلت عليه فمسحت الدم بثوبها وأن زوجها لم ينكر إلا وجود الدم، وقيل له أنت أشعر أم جميل فقال كيف يكون أشعر مني وهو القائل:

رمى الله في عيني بثينة بالقذى

وفي الغر من أنيابها بالقوادح

وأنا القائل هنيئاً مريئاً البيت وليس فيما ذكر دليل على أنه أشعر منه وإنما يدل ذلك على أن كثيراً أرق قلباً وأشفق على محبوبته وأشد عشقاً فلو سبق الكلام لذلك فكان الصق بالمعنى وأولى وتمام القصيدة:

ووالله ما قاربت إلا تباعدت

بصرم ولا أكثرت إلا أقلت

فإن تكن العتبى فأهلاً ومرحباً

وحققت لها العتبى لدينا وقلت

وإن تكن الأخرى فإن وراءنا

مناويح لو سارت بها العيس كلت

فلا يبعدن وصل لعزة أصبحت

بعافية أسبابه قد تولت

خليليّ إن الحاجبية طلحت

قلوصيكما إذ ناقتي قد أكلت

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة

لدينا ولا مقلية إن نقلت

ولكن انبلي واذكري من مودة

بناخلة كانت لديك فضلت

وإني وإن صدت لمثن وصادق

عليها بما كانت علينا أدلت

فما أنا بالداعي لعزة بالجوى

ولا شامتاً إن نعل عزة زلت

فلا يحسب الواشون أن صبابتي

بعزة كانت غمرة فتجلت

وأصبحت قد أبليت من دنف بها

ولا بعدها من خلة حيث خلت

وما مر من يوم عليّ كيومها

وإن عظمت أيام أخرى وجلت

وأضحت بأعلى شاهق من فؤاده

فلا القلب يسلاها ولا العين ملت

فيا عجباً للقلب كيف اعترافه

وللنفس إذ وطنتها كيف زلت

وإني وتهيامي بعزة بعد ما

تخليت مما بيننا وتخلت

ص: 35

لكالمرتجى ظل الغمامة كلما

تبوأ منها للمقيم اضمحلت

كأني وإياها سحابة ممحل

رجاها فما جاوزته استهلت

وخرج يوماً من عند عبد الملك فاعترضته عجوز معها نار في روثة فقالت من أنت قال صاحب عزة فقالت أنت القائل:

وما روضة بالحزن طيبة الثرى

يمج الندى جثجاثها وعرارها

يا طيب من أردان عزة موهناً

إذا أرقدت بالمندل الرطب نارها

قال نعم قالت ويحك إذا أوقد المندل الرطب على هذه الروضة أو بخرت به أمك العجوز الشناء كانت كذلك فهلا قلت كما قال امرؤ القيس بن حجر الكندي:

ألم ترياني كلما جئت زائراً

وجدت بها طيباً وإن لم تطيب

فناولها مطرف خز كان معه وقال استري علي ذلك وهذه الحكاية نقلها قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان في تاريخه، ثم قال إن بعض مشايخ الأدب قال ليس على كثير شيء فإن قوله إذا أوقدت بالمندل الرطب نارها نعت للروضة المذكورة انتهى وهذا جيد لو لم يطلب كثير من العجوز الستر فإنه عرفنا أنه ما أراد إلا المعنى المعترض فيكون هذا تصحيحاً لإثبات قصده، وتوفي كثير سنة خمس ومائة في اليوم الذي مات فيه عكرمة مولى ابن عباس وقبر في مقابر المدينة وله في عزة أشعار كثيره من محاسنها قوله:

يقولون سوداء العيون مريضة

فأقبلت من أهلي إليها أعودها

فوالله ما أدري إذا أنا جئتها

أأبرئها من دائها أم أزيدها

إذا جئتها وسط النساء منحتها

صدوداً كان النفس ليس تريدها

ولي نظرة بعد الصدود من الجوى

كنظرة ثكلى قد أصيب وحيدها

وقيل أن هذه الأبيات لذي الرمة لأنه بعد ما ذكر يقول:

وكنت إذا ما جئت ميا أزورها

أرى الأرض تطوي لي ويدنو بعيدها

من الخفرات البيض ودّ جليسها

إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها

ومنها وقد سأل عبد العزيز أن يرشده إلى قبر عزة فلما وقف عليه أنشد:

وقفت على ربع لعزة ناقتي

وفي البر رشاش من الدمع يسفح

فيا عز أنت البدر قد حال دونه

رجيع تراب والصفيح المضرح

وقد كنت أبكي من فراقك خفية

فهذا لعمري اليوم أنأى وأنزح

فهلا فداك الموت من أن ترينه

بمن هو أسوأ منك حالاً وأقبح

ألا لا أرى بعد ابنة النضر لذة

لشيء ولا ملجأ لمن يتملح

فلا زال رمس ضم عزة سائلاً

به نعمة من رحمة الله تسفح

فإن التي أحببت قد حال دونها

طوال الليالي والضريح الموجح

أرب بعيني البكا كل ليلة

فقد كاد مجرى الدمع عيني يقرح

إذا لم يكن ما تسفح العين لي دماً

وشر البكاء المستعار المسيح

ومنها:

ألا حيا ليلى أجد رحيلي

وآذن أصحابي غدا بقفولي

تبدت له ليلى لتذهب عقله

وشاقتك أم الصلت بعد ذهول

أريد لأنسى ذكرها فكأنما

تمثل لي ليلى بكل سبيل

إذا ذكرت ليلى تغشتك عبرة

تعل بها العينان بعد نهول

ومنها:

حلفت برب الراقصات إلى منى

خلال الملا يمددن كل جديل

يمين امرىء مستغلظ من ألية

يكذب قيلاً قد ألح بقيل

لقد كذب الواشون ما بحت عندهم

بليلى ولا راسلتهم برسول

فإن جاءك الواشون عني بكذبة

فروها ولم يأتوا لها بحويل

فلا تعجلي يا ليل أن تتفهمي

بنصح أتى الواشون أم بخيول

ومنها:

تذكرت أتراباً لعزة كالمهى

حبين بلفظ ناعم وقبول

وكنت إذا لاقيتهنّ كأنني

مخالطة عقلي سلاف شمول

ومنها:

كفى حزناً للعين إن رد طرفها

لعزة عير آذنت برحيل

وقالوا نأت فاختر من الصبر والبكى

فقلت البكى أشفى إذن لغليلي

توليت محزوناً وقلت لصاحبي

أقاتلتي ليلى بغير قتيل

ص: 36