الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعاد رسولي بعد عقل وحكمة
…
بأضعاف ما عندي من العشق والبلوى
ولم أرض ارسال النسيم لأنه
…
يرى البث في التدبير من سائر الادوا
فخفت عليه عشقها أن يعله
…
فأحمل وزر ألست في حمله أقوى
ويمكن تنزيل كلام عارف الوقت في هذا المنوال وسبكه في قالب هذا المثال حيث يقول:
وتلطف واجر ذكرى عندهم
…
علهم أن ينظروا عطفاً إليّ
فإن في قوله تلطف غاية الخضوع المستجلب لرضا المحبوب بعد نفور القلوب وما أحسن قوله وأجرى ذكرى فإنه ألطف من واذكرني لهم لأنه طلب مطلق اجراء الذكر وهو يحتمل معاني كثيرة وكذا قوله عندهم أي ولو على سبيل الهذيان أو محادثة غيرهم فإني لست أهلاً لمقابلتهم بذكر ولهذا لم يقل واجر ذكرى لهم إلى غير ذلك مما لو أخذنا في بيان دقائقه لم تسعه دفاتر ولم تقم بحمله خواطر وما من مشرب للعشاق باطن أو ظاهر إلا ويوجد في مطاوي كلامه ولكن بلسان أهله.
فصل
في ذكر الاحتيال على طيف الخيال
وهو أمر مهم عند أهل الغرام يتوصل إليه بالمنام وإنما تدعو الحاجه إليه عند طول الهجر وشدة الدجر ومقاساة نار الملل والسهر ولم أر فيه ألطف من كلام أستاذ الوجود وقطب مراتب أهل الشهود سيدي عمر بن الفارض نفعنا الله بمدده بل أظنه السابق إلى هذا المنوال والفاتح فيه باب الاحتيال حيث قال:
نصبت على عيني لتحصيل غمضها
…
لزورة زور الطيف حيلة محتال
فما أسعفت بالغمض لكن تعسفت
…
عليّ بدمع دائم الصب هطال
ففي البيتين مع ما طلبه من التحسين البديعي ما لا يخفي.
وقال ابن النقيب في المعنى
نصبت جفوني للخيال حبائلاً
…
لعل خيالاً في الكرى منه يسنح
وكيف إذا أغمضتهن أصيده
…
ومن عادة الاشراك للصيد تفتح
وتلطف ابن نباتة في أخذه فقال
واقسم لو جاد الخيال بزورة
…
لصادف باب الجفن بالفتح مقفلا
وتلطف ابن السروجي بقوله
انعم بوصلك فهذا وقته
…
يكفي من الهجران ما قد ذقته
أنفقت عمري في هواك وليتني
…
أعطي وصالاً بالذي أنفقته
يا من شغلت بحبه عن غيره
…
وسلوت كل الناس حين عشقته
أنت الذي جمع المحاسن وجهه
…
لكن كنز تصبري فرقته
قال العواذل يدّعي بك نسبة
…
فسررت لما قلت قد صدقته
بالله إن سألوك عني قل لهم
…
عبدي ومملوكي وما أعتقته
أو قيل مشتاق إليك فقل لهم
…
أدري بذا وأنا الذي شوّقته
يا حسن طيف من خيالك زارني
…
من فرحتي بلقاك ما حققته
فمضى وفي قلبي عليه حسرة
…
لو كان يمكنني الرقاد لحقته
وابن السروجي هذا ذكره مما في منازل الأحباب في عشاق الغلمان وفي ثمرات الأوراق سماه تقي الدين ونقل عنه بعض هذا الشعر ولم يسم معشوقه والشاهد من شعره هنا البيتان الأخيران وإنما ذكرناه كله لحسنه ومن المكثرين من ذكر الخيال حتى ضربت به الأمثال البحتري ومن قوله فيه:
ولم أنس اسعاف الكري بدنوّها
…
وزورتها بعد الهدوّ ولم تدري
إذا الليل أعطانا من الوصل بلغة
…
ثنتنا تباشير الصباح من الفجر
وقوله
وليلة هوّ منا على العيش أقبلت
…
بطيف خيال يشبه الحق باطله
فلولا بياض الصبح طال تشبثي
…
بعطفي غزال بنت وهنا أعازله
فكم من يد لليل عندي حميدة
…
وللصبح من خطب تذم هوائله
وقال عبد الصمد
واصل النوم بيننا بعد هجر
…
فاجتمعنا ونحن مفترقان
عير أن الأرواح خافت رقيباً
…
فطوت سرها عن الأبدان
منظر كان لذة القلب إلا
…
أنه منظر بغير عيان
وقال ابن القظان
زار الخيال نحيلاً مثل مرسله
…
فما شفاني منه الضم والقبل
ما زارني قط إلا كي يواقفني
…
على الرقاد فينفيه ويرتحل
وقد أنشدهما يوماً عند الوزير الزيني وادعى أنه لا يمكن تثليثهما فأنشد الحيص بيض بديهة.
وما درى أن نومي حيلة نصبت
…
لطرفه حين أعيا اليقظة الحيل
وقال ابن العفيف
يا حبذا طيفك من قادم
…
يا أحسن العالم في العالم
طيف تجلى نوره ساطعاً
…
حتى رأته مقلة النائم
يا غائباً يحكم في مهجتي
…
عليّ طابت غيبة الحاكم
عار على حسنك أن يشتكي
…
خطي منه أنه ظالمي
وأحسن كشاجم حيث قال
لقد بخلت حتى بطيف خيالها
…
عليّ وقالت رحمة لنحيبي
أخاف على طيفي إذا جاء طارقاً
…
وسادك أن يلقاه طيف رقيب
وقال آخر
وزارني طيف من أهوى على حذر
…
من الوشاة وداعي الصبح قد هتفا
فكدت أوقظ من حولي به فرحاً
…
وكاد يهتك ستر الحب بي شغفا
ثم انتبهت وآمالي تجنبني
…
نيل المنى فاستحالت غبطتي أسفا
وقال ابن المعتز
أبصرته في المنام معتذراً
…
إليّ مما جناه يقظانا
ولان حتى إذا هممت به
…
أنبهت عند الصباح لا كانا
وقلت
مليكة الحسن ما شيء يقال له
…
نوم فإن جفوني ليس تعرفه
هل تسمحين بشيء منه يطرقني
…
فيه خيالك أن القلب يألفه
يحيا به ميت عشق لا حراك به
…
لطول هجرك كاد الشوق يتلفه
ثم تشعبت آراءهم في التفنن في الخيال فمنهم من رده مللاً وضجراً ويشبه هذا ما سبق من حمله الضجر على ترك من هجر فمنهم طرفة ويقال أنه أول من ذكر الخيال وفي ديوان الصبابة أن أول من ذكره عمر بن قمئة وإن طرفه أول من طرده فقال:
فقل لخيال الحنظلية ينقلب
…
إليها فإني واصل حبل من وصل
وتلاه جرير فقال
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا
…
وقت الزيارة فارجعي بسلام
وسيأتي لهذا البيت حكاية في الخاتمة تذكر هناك من رد عليه ومنهم من اعتذر عن عدم بعث الخيال بقوله:
سامحت كتبك في القطيعة عالماً
…
أن الصحيفة أعوذت من حامل
وعذرت طيفك في الجفاء لأنه
…
يسرى فيصبح دوننا بمراحل
ومنهم من ذم النوم في قالب الاعتذار عن طيف الخيال كأنه يقول أن المنغصات في الدنيا لا تنفك عن الانسان حتى في النوم ألا ترى أن من يحلم بمحبوبه أو شيء من مطلوبه ينتبه فلا يرى إلا الأسف والقلق وزيادة الحرق وأن حلم أنه أحدث أو ضرب رأى ذلك في الصباح ولما كان خيال المحبوب من التلذذات لم يأت النوم به جرياً على عوائد الزمان في الاتيان بغير الملائم للانسان وما أحسن قول المتنبي في هذا المعنى:
وأحسب أني إذ هويت فراقكم
…
أفارقكم والدهر أخبث صاحب
فيا ليت بيني وبين أحبتي
…
من البعد ما بيني وبين المصائب
ومن ذم المنام والرؤية فيه قول بعضهم:
أرى في منامي كل شيء يسوءني
…
ورؤياي بعد الصبح أدهى وأقبح
فإن كان خيراً فهو أضغاث حالم
…
وإن كان شراً جاءني قبل أن أصبح
وقال المعري
إلى الله أشكو أنني كل ليلة
…
إذا نمت لم أعدم خواطر أوهام
فإن كان شراً فهو لا شك واقع
…
وإن كان خيراً فهو أضغاث أحلام
وقال الأحنف العكبري
وأحلم في المنام بكل خير
…
فأصبح لا أراه ولا يراني
ولو أبصرت شراً في منامي
…
لوافى الشر من قبل الأذان
وقلت
لك الحمد إني لم أبت ليلة
…
من الدهر خلواً من أليم الغوائب
وفي النوم أن أحلم بشيء يسوءني
…
من الصبح يأتيني بسوء العواقب
وإن كان خيراً لا أرى منه ذرّة
…
لسوء مزاج أو قران كوكب
ومنهم من تطرف فوصف النوم وإبليس بالقيادة قال ابن المعتز:
ألم الخيال بلا حمده
…
وأبدلني الوصل من صدّه
وكم نومة لي قوّادة
…
أتت بالحبيب على بعده
وقال آخر
تركت هجا إبليس ثم مدحته
…
وذاك لأمر عز عندي سلوكه
يقرّب من أهواه حيناً فإن أبى
…
حكاه خيالاً في الكرى فأنيكه