الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن الأحمر سلطان الأندلس
أيا ربة الخدر التي أذهبت نسكي
…
على كل حال أنت لا بد لي منك
فأما بذل وهو أليق بالهوى
…
وأما بعز وهو أليق بالملك
وقال ابن طاهر صاحب خراسان
فإني وإن حنت إليك ضمائري
…
فما قدر حبي أن يذلك له قدري
ودونهم أفرغ لقلة الاشتغال حتى يكون المتفرغ له بالذات أهل البادية لعدم اشتغالهم بعوائق ومن ثم هم أكثر الناس موتاً به. ثم أعلم أن العشق متى استولى لم يبق صفة سواه ولذلك يذهب الأخلاق العسرة وقوة النفس وفي معنى ذلك أنشد بعضهم حيث قال في رسالة أرسلها إلى محبوبته
شكوت فقالت كل هذا تبرم
…
بحبي أراح الله قلبك من حبي
فما كتمت الحب قالت لشد ما
…
صبرت وما هذا بفعل شجى القلب
وأدنو فتعصيني فأبعد طالباً
…
رضاها فتعد التباعد من ذنبي
فشكواي يؤذيها وصبري يسوءها
…
وتجزع من بعدي وتنفر من قربي
فيا قوم هل من حيلة تعرفونها
…
أشيروا بها واستوجبوا الشكر من ربي
ومنهم من تحمله الأنفة على أن يفارق بعد إظهار شدة شوق وقوة ميل وكذا شدة الإقبال من المحبوب فيتوهم حيث تشيع نفسه أن الشوق لا يعاوده فيفارق ويعود ذلك عليه بتلف نفسه والحق أن ذلك كله مع عدم التمكن وهو الموسوم بالاشراك وإلا فالصدق منه لا يرى وجوداً لسوى المحبوب ومن ثم طعن على من يرى الدنيا مثالاً لمحبوبه أو يظن وجوده ودونوا ما صدر عمن بدأ بالسلوان ثم ندم فمن ألطف ما قيل في ذلك قول الهذلي
ويمنعني من بعض إظهار ظلمها
…
إذا ظلمت يوماً وإن كان لي عذر
مخافة أني قد علمت إذا بدا
…
لي الهجر منها ما على هجرها صبر
وإني لا أدري إذا النفس أشرفت
…
على هجرها ما يبلغن بي الهجر
وقال ابن الجهم
نوب الزمان كثيرة وأشدها
…
شمل تحكم فيه يوم فراق
يا قلب لم عرضت نفسك للهوى
…
أو ما رأيت مصارع العشاق
فصل في الترغيب في العشق والحث عليه
قيل أن بهرام جور لم يرزق سوى ولد فأخذ في ترشيحه للملك وهو ساقط الهمة إلى أن اتفق المعلمون من الحكماء وغيره على أن لا نافع له غير العشق فسلط عليه الجواري يعبثن به إلى أن علق بواحدة منهن فأمرها الملك بالتجني عليه وإنها لا تطلب إلا رفيع الهمة ذا رغبة في العلم والملك فكان بسبب ذلك من أجل ملوك الفرس وأعلمها وفي المعنى قال ابن الأحنف:
وما الناس إلا العاشقون ذوو الهوى
…
ولا خير فيمن لا يحب ويعشق
وقال بعضهم:
وما سرني إني خليّ من الهوى
…
ولو أن لي ما بين شرق إلى غرب
وقال ابن أبي كثير لابن أبي الزرقاء هل عشقت حتى تكاتب وتراسل فقال لا قال لن تفلح والله أبداً وأنشد الشعبي:
إذا أنت لم تعشق ولم تدري ما الهوى
…
فأنت وعير في الفلاة سواء
وعجزه غيره فقال:
فكن حجراً من يابس الصخر جلدا
وأنشد ابن معاذ:
ولا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر
…
خليلاً ولم ينظر إليك حبيب
وقالت امرأة فيه أيضاً:
رأيت الهوي حلواً إذا اجتمع الشمل
…
ومرا على الهجران لا بل هو القتل
ومن لم يذق للهجر طعماً فإنه
…
إذا ذاق طعم الحب لم يدر ما الوصل
وقد ذقت طعميه على القرب والنوي
…
فأبعده قتل وأقربه خبل
فصل في رسومه وحدوده
وما جاء عن الحكماء وغيرهم في ذلك
قال بعضهم العشق مجهول لا يعرف ومعروف لا يجهل هزله جد وجده هزل وهذا في الحقيقة تعريف بالعوارض غير اللازمة واشارات إلى اختلاف الحالات الكائنة عنه فإن الجهل يعتري العشاق عند تزايد الحب فيوجب الحيرة في الأمر وعكسه عند انفصاله عن المخيلة والهزل مباديه والجد تمكنه ونحوه ما أجاب ابن أكتم به وقد سأله المأمون ما العشق فقال سوانح للمرء تؤثرها النفس ويهيم بها القلب فقال له ثمامة إنما شأنك أن تفتي في مسئلة طلاق أو محرم فقال المأمون قل يا ثمامة فقال العشق جليس ممتع وأليف مؤنس وصاحب مالك وملك قاهر مسالكه لطيفة ومذاهبه غامضة وأحكامه جائرة ملك الأبدان وأرواحها والقلوب وخواطرها والعيون ونواظرها والعقول وآراءها وأعطى عنان طاعتها وقياد ملكها وقوى تصرفها توارى على الأبصار مدخله وغمض في القلوب ملكه فقال له المأمون أحسنت يا ثمامة وأمر له بألف دينار.
وفي رواية أنه قال له إذا امتزجت جواهر النفس بوصل المشاكلة نتجت لمح نور ساطع تستضيء به بواصر العقل ويتصور من ذلك اللوامح نور خاص بالنفس متصل بجواهرها يسعى عشقاً أقول وهذا تعريف له بحقائقه ومواده الذاتية والأول تعريف بالعوارض والغايات وهذا بالحكمة أليق وإيضاحه نور البصر يوصل ما يدركه إلى المشترك وهو إلى الواهمة حتى يرتسم في القوة العاقلة المعروفة بالنفس الناطقة فقوله بوصل المشاكلة يريدان النظر الواقع عن تأمل عارف بتأمل المحاسن ودقائق لطيف الشمائل يوجب ارتسام أنوار في النفس تشبه الجواهر المجردة تزدوج بالنفس لاتحاد بينهما في اللطف والصفاء وهذا دليل على أن العشق لا يتصور من جاهل غليظ الطبع ووصفه بعض البلغاء بأنه فضيلة تنتج الحيلة وتشجع الجبان وتسخي كف البخيل وتصفي ذهن الغبي وتطلق بالشعر لسان الأعجم وتبعث حزم العاجز الضعيف وهو عزيز يذل له عز الملوك وتضرع له صولة الشجاع وهو داعية للأدب وأول باب تفتق به الأذهان والفطن ويستخرج به دقائق المكايد والحيل وإليه تستريح الهمم وتسكن به فواتر الأخلاق والشيم يمتع جليسه ويؤنس أليف وله سرور يجول في النفوس وفرح يسكن في القلوب وقال سعيد بن سالم وقد قيل له أن ابنك شرع في الرقيق من الشعر فقال دعوه ينظف ويلطف ويظرف يعني أنه يطلع من رقيق العشر على أسرار البلغاء وليس أرق من الغزل ولا أدق لما فيه من تعلق العشق ومدح المحبوب وذلك يؤدي إلى ما ذكر فإن العاشق إذا علم ما يقربه إلى محبوبه بذلك فيه إمكانه والظرافة واللطافة والنظافة أعظم مقرب فكأنه قال دعوه لعله يتصف بالعشق ولولا الجمل على ذلك لم يصلح سوق هذا هنا لأنه على ظاهره ترغيب في مطلب الشعر فليتأمل ونقل ابن خلكان في ترجمة العلاف ما ملخصه أن العشق جرعة من حياض الموت وبقعة من رياض الثكل لكنه لا يكون إلا عن أريحية في الطبع ولطافة في الشمائل وجود لا يتفق معه منع وميل لا ينفع فيه عذل وفي معنى شدة العشق أنشد المؤمل:
شق المؤمل يوم الحيرة النظر
…
ليت المؤمل لم يخلق له بصر
يكفي المحبين في الدنيا عذابهم
…
والله لا عذبتهم بعدها سقر
وعرفه أرسطو بأنه جهل عارض صادف قلباً فارغاً دق عن الأفهام مسلكه وخفي عن الأبصار موضعه وحارت العقول في كيفية تمكنه غير ابتداء حركته وعظم سلطانه من القلب ثم يتغشى على سائر الأعضاء فيبدي الرعدة في الأطراف والصفرة في الأبدان واللجلجة في الكلام والضعف في الرأي والزلل والعثار حتى ينسب صاحبه إلى الجنون زادت إعرابية يذهب العقل وينحل الجسم ويهمل الدمع بحدوده مرور الأيام ولا تفسده بل لا تغيره إساءة المحبوب على الدوام ومن ثم قال الأصمعي وقد سأله الرشيد ما حقيقة العشق فقال أنه شيء يستغرق القلب في محاسن المحبوب ويذهله عن مساويه فيجد رائحة البصل من المحبوب أعظم من المسك والعنبر وتعاقب امرأتان من أهل المدينة فيا لهوى فقالت إحداهما تعذل الأخرى ذكروا في الحكمة لا تلم من أساء بك الظن إذا جعلت نفسك غرضاً للتهمة ومن لم يكن عوناً على نفسه من خصمه لم يكن عنده شيء من عقدة الرأي ومن قدم على الهوى وهو يعلم ما فيه من المتعبة سلط على نفسه لسان العذل وضيع الحزم فقالت المعدولة ليس الهوى إلى الرأي فيملكه ولا إلى العقل فيدركه أما سمعت قول الشاعر