المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في ذكر من منعه الزهد والعبادة أن يقضي من محبوبه مراده - تزيين الأسواق في أخبار العشاق

[داود الأنطاكي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الأول

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌المقدمة

- ‌فيما جاء فيه الكتاب من الأحاديث والآثار وفي حده ومراتبه

- ‌فصل في الترغيب في العشق والحث عليه

- ‌فصل في رسومه وحدوده

- ‌وما جاء عن الحكماء وغيرهم في ذلك

- ‌فصل في بيان مراتبه

- ‌فصل فيما ذكر له من العلامات

- ‌الباب الأول

- ‌فيمن استشهد من المحبين شوقاً إلى حضرة رب العالمين

- ‌فصل من الباب

- ‌في ذكر من فارقت روحه من الأحباب

- ‌الباب الثاني

- ‌في أحوال عشاق الجواري والكواعب

- ‌وذكر ما صدر لهم من العجائب

- ‌أخبار كثير عزة

- ‌أخبار قيس ولبنى

- ‌أخبار المجنون وصاحبته ليلى

- ‌أخبار عروة بن حزام وصاحبته عفرا

- ‌أخبار عبد الله بن عجلان وصاحبته هند

- ‌أخبار ذي الرمة وصاحبته مي

- ‌أخبار مالك وصاحبته جنوب

- ‌أخبار عبد الله بن علقمة وصاحبته حبيش

- ‌أخبار نصيب وصاحبته زينب

- ‌أخبار عتبة بن الحباب وصاحبته ريا

- ‌أخبار الصمة وصاحبته ريا

- ‌أخبار كعب وصاحبته ميلاء

- ‌القسم الثاني

- ‌فيمن جهل اسمه أو اسم محبوبته أو شيء من سيرته أو مآل حقيقته

- ‌فمنهم

- ‌سامة بن لؤي بن غالب القرشي مشهور

- ‌ومنهم

- ‌عمرو بن عوف وبيا

- ‌‌‌ومنهم

- ‌ومنهم

- ‌بشير الشهير بالاشتر وجيداء

- ‌مسعدة بن واثلة الصارمي

- ‌ومنهم

- ‌زرعة بن خالد العذري

- ‌ومنهم شخص

- ‌ومنهم غلام

- ‌ومنهم قيس بن منقذ بن مالك الكناني المشهور

- ‌ابن الحدادية

- ‌ومنهم

- ‌توبة بن حمير بن أسيد الخفاجي

- ‌ومنهم

- ‌عامر بن سعيد بن راشد

- ‌ومنهم ما حكى الأصمعي

- ‌ومنهم فتى أسدي

- ‌ومنهم عمرو بن كعب بن النعمان ابن المنذر بن ماء السماء ملك العرب

- ‌ومنهم ما حكاه الأصمعي

- ‌ومنهم ما أخرج الحافظ عن ابن دريد عن عبيد النعالي غلام أبي الهذيل

- ‌‌‌ومنهمما حكاه الكاتب

- ‌ومنهم

- ‌ومنهم ما حكاه في منازل الأحباب

- ‌ومنهم ما حكاه ابن الجوزي

- ‌ومنهم الحرث المشهور بابن الفرند من خزاعة

- ‌عياش الكناني

- ‌و‌‌منهمما رواه أعرابي أو هو جبلة بن الأسود

- ‌منهم

- ‌كامل بن الرضين

- ‌ومنهم

- ‌مرة النهدي

- ‌ومنهم رجل من ولد عبد الرحمن بن عوف

- ‌فمنهم ما أخرجه مغلطاي عن الأديب

- ‌ومبهم ما ذكره ابن المرزباني في الذهول والنحول عن سعيد بن ميسرة

- ‌ومنهم ما حكاه الوراق عن الصوفي

- ‌ومنهم ما حكاه السامري

- ‌ومنهم ما حكاه الأسدي عن أبيه

- ‌ومنهم ما حكاه ابن غنيم

- ‌ومنهم ما حكاه أبو الحسن المؤدب

- ‌ومنهم للفويرك وهو من المشاهير في عقلاء المجانين

- ‌ومنهم خالد بن يزيد

- ‌فصل في ذكر من جرع كأس الضنى وصبر على مكابدة العنا واتصف بذلك كله من

- ‌القسم الثالث

- ‌فيمن خالسته عيون الاماء فأسلمته إلى الفناء وكادت أن تقضي عليه لولا

- ‌القسم الرابع

- ‌في ذكرى من حظى بالتلاق بعد تجرع كأس الفراق

- ‌ومنهم ما حكاه معبد المغني

- ‌ومنهم

- ‌محمد بن صالح العلوي

- ‌ومنهم

- ‌جعد بن مهجع العذري

- ‌ومنهم ما حكاه أسدي وهي من العجائب المستلطفة

- ‌القسم الخامس

- ‌في ذكر من وسموا بالفساق من العشاق

- ‌الصنف الأول في ذكر من حمله هواه على أذية من يهواه وهؤلاء أم نساء أو

- ‌الصنف الثاني في ذكر من اشتدت به الغيرة إلى أن خامرته الحيرة فجرته إلى

- ‌الصنف الثالث في ذكر من عانده الزمان في مطلوبه حتى شورك في محبوبه فصنع

- ‌الصنف الرابع في ذكر من عوقب بالفسق ولم يشتهر بالعشق

- ‌ومنهم أعرابي من أسد

- ‌ومنهم ما حكى عن عبد الله بن سيرة

- ‌ومنهم ما حكى عن جويرية بن أسماء عن عمه

- ‌القسم السادس

- ‌في ذكر من حل عقد المحبة وخالف سنن الأحبة

- ‌الصنف الأول في كر من تاب عن الخلاف ورجع إلى حسن الائتلاف وكان محبوبه

- ‌ومنهم ما حكاه في النزهة ونقله هنا مجهولاً

- ‌الصنف الثاني في ذكر من تمادى على نقض العهد ومات على اخلاف الوعد

- ‌الصنف الثالث في ذكر من أشبه العشاق في محبته وشاكلهم في مودته فتعاهدا

- ‌فمنهم صخر بن عمرو

- ‌ومنهم هدية بن الخشرم

- ‌‌‌‌‌ومنهم

- ‌‌‌ومنهم

- ‌ومنهم

- ‌حمزة بن عبد الله بن الزبير

- ‌الحسن بن الحسن

- ‌غسان بن جهضم

- ‌ومثل هذا ما حكاه عن موسى الهادي

- ‌ الجزء الثاني

- ‌ الباب الثالث

- ‌في ذكر عشاق الغلمان

- ‌وأحوال من عدل إلى الذكور عن النسوان وتفصيل ما جرى عليهم من تصاريف

- ‌القسم الأول

- ‌فيمن استلب الهوى والعشق نفسه حتى أسلمه رمسه

- ‌أخبار محمد بن داود وصاحبه محمد الصيدلاني

- ‌أخبار القاضي شمس الدين بن خلكان وصاحبه المظفري

- ‌أخبار أحمد بن كليب وصاحبه أسلم

- ‌أخبار مدرك وصاحبه عمرو

- ‌النوع الثاني في

- ‌ذكر من جهل حاله

- ‌وكان إلى الموت في الحب مآله وقد رأينا أن نبدأ منهم بعشاق النصارى تبعاً

- ‌فمنهم

- ‌سعد الوراق

- ‌القسم الثاني

- ‌فيمن اشتهر في العشق حاله ولم يدر مآله

- ‌القسم الثالث

- ‌في ذكر من ساعده الزمان في المراد حتى بلغه ما أراد

- ‌القسم الرابع

- ‌في ذكر من منعه الزهد والعبادة أن يقضي من محبوبه مراده

- ‌النوع الثاني في ذكر من بغله زهده الأمان فعصمه عن الغلمان

- ‌خاتمة في ذكر ما عولج به العشق من الدوا

- ‌وقصد به السلو عن الهوى

- ‌ومن السلو عن الهوى استعمال الحساب والخوض في المشاجرات ونحو ذلك مما سبق

- ‌الباب الرابع

- ‌في ذكر ما سوى البشر وما القوا من العبر

- ‌الأول في الجنة

- ‌أسند المصنف عن الحافظ ابن حجر العسقلاني يرفعه إلى البيهقي، أنه قال

- ‌النوع الثاني

- ‌في ذكر من كلف وهو غير مكلف

- ‌وأوهن العشق قواه حتى تلف أو كاد أن يتلف

- ‌الصنف الثاني في ذكر بعض ما وقع للحيوان من أمور العشق في اختلاف الأزمان

- ‌الصنف الثالث في ذكر ما جرى من القوة العاشقية والمعشوقية بين الأنفس

- ‌الصنف الرابع فيما بث من الأسرار بين أصناف الأحجار

- ‌الصنف الخامس فيما بث من الأسرار الملكية بين الأجسام والأجرام الفلكية

- ‌الباب الخامس

- ‌في تتمات يفتقر إليها الناظر في هذا الكتاب

- ‌ويحسن موقعها عند أولي الألباب

- ‌فصل

- ‌في تحقيق معنى الحسن والجمال

- ‌وما استلطاف في ذلك من الأقوال

- ‌فصل

- ‌في خفقان القلب والتلوين عند اجتماع المحبين

- ‌فصل

- ‌في مراتب الغيرة وما توقعه بالمحب من الحيرة

- ‌فصل

- ‌في أحكام أسرار المحبة

- ‌وما فيها من اختلاف آراء الأحبة

- ‌فصل

- ‌في ذكر المغالطة والاستعطاف

- ‌واستدراك ما صدر عن المحبوب من الانحراف

- ‌فصل

- ‌في ذكر الرسل والرسائل

- ‌وتلطف الأحباب بالوسائل

- ‌فصل

- ‌في ذكر الاحتيال على طيف الخيال

- ‌فصل في أحكام الليل والنهار وذم قصرهما عند الوصل وطولهما عند الهجر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌في أحكام الزيارة

- ‌وما جاء في فضلها من البراعة والعبارة وتفنن العشاق في فضل زيارة الحبيب

- ‌فصل

- ‌مما يلحق بالعتاب

- ‌ويصلح أن يكون معه في باب

- ‌القسم الأول

- ‌هجر الدلال

- ‌القسم الثاني

- ‌هجر الملال

- ‌القسم الثالث

- ‌الهجر المعروف بهجر الجزاء والمعاقبة

- ‌الهجر الرابع

- ‌الهجر الخلقي

- ‌فصل

- ‌فصل في ذكر مكابدة الأمور الصعاب عند طلب رضا الأحباب وخوض الأهوال

- ‌تتمة

- ‌ومما يلحق بهذا الفصل التلميح

- ‌خاتمة

- ‌فصل في النوادر والحكم

- ‌نادرة

- ‌لطيفة ووصية

- ‌عجيبة

- ‌فائدة

- ‌‌‌‌‌لطيفةو‌‌وصية

- ‌‌‌لطيفة

- ‌لطيفة

- ‌وصية

- ‌نادرة

- ‌أخرى

- ‌نادرة

- ‌فصل في المجون

- ‌فصل في ذكر نبذة من لطائف الأشعار ملتقطة مما ختم به الكتاب

الفصل: ‌في ذكر من منعه الزهد والعبادة أن يقضي من محبوبه مراده

ولبست فيه أجل ثو

ب للملابس يدّخر

وسهرت في طبخ الحبو

ب من العشاء إلى السحر

وغدوت مكتحلاً أصا

فح من لقيت من البشر

ووقفت في وسط الطر

يق أقص شارب من عبر

وأكلت جرجير البقو

ل بلحم جونيّ الجفر

وجعلتها خير المآ

كل والفواكه والخضر

وغسلت رجلي كله

ومسحت خفي في السفر

وأمين أجهر في الصلا

ة كمن بها قبلي جهر

وأسنّ تسنيم القبو

ر لكل قبر محتفر

وإذا جرى ذكر الغدير

أقول ما صح الخبر

ولبست فيه من الملا

بس ما اضمحل وما اندثر

وسكنت جلق واقتديت

بهم وإن كانوا بقر

وأقول مثل مقالهم

بالفاشريا قد فشر

مصطيحتي مكسورة

وفطيرتي فيها قصر

بقر ترى برئيسهم

طيش الظليم إذا نفر

وخفيفهم مستثقل

وصواب قولهم هذر

وطباعهم كجبالهم

خبثت وقدت من حجر

ما يدرك التشبيب تغر

يد البلابل في السحر

وأقول في يوم تحا

ر له البصيرة والبصر

والصحف ينشر طيها

والنار ترمي بالشرر

هذا الشريف أضلني

بعد الهداية والنظر

ما لي مضل في الورى

إلا الشريف أبو مضر

فيقال خذ بيد الشر

يف فمستقرّ كما سقر

لواحة تسطو فما

تبقي عليه ولا تذر

والله يغفر للمسيء

إذا تنصل واعتذر

فاخش الاله بسوء فعلك

واحتذر كل الحذر

وإليكها بدوية

رقت لرقتها الحضر

شامية لو شامها

قس الفصاحة لافتخر

ودرى وأيقن أنني

بحر وألفاظي درر

حبرتها فغدت كزهر

الروض باكره المطر

وبديعة كبديعة

عذراء ترفل في الحبر

وإلى الشريف بعثتها

لما قراها وانبهر

ردّ الغلام وما استمر

على الجحود ولا أصر

وأثابني وجزيته

شكراً وقال لقد صبر

فلما وصلت القصيدة إلى الشريف ضحك وقال قد أبطأنا عليه فهو معذور وجهز الملوك مع هدايا حسنة فمدحه مهذب الدين فقال:

إلى المرتضى حثّ المطيّ فإنه

إمام على كل البرية قد سما

ترى الناس أرضاً في الفضائل عنده

ونجل الزكيّ الهاشمي هو السما

وذكر ابن حجة أن مهذب الدين حين هادى الشريف كان ببغداد قوله وأقول مثل مقالهم يفسره ما بعده من الكلمات المهملة التي تستعملها أهل دمشق في الخلاعة المصطيحة خشبة في الأصل تجعل تحت دود القز، وأهل دمشق يسمون الصولجان المنقوش مصطيحة ويكون معهم في المواسم وقد تظرف في المبالغة والمجون والخلاعة حيث اللفظ فنسب القصر إلى الفطيرة والكسر إلى المصطيحة والمستعمل العكس فإنهم يضعون الصوالج قائمة في لعبة، فمن جاء صولجانه قصيراً أخرج من اللعبة فيقول مصطيحتي قصيرة وكذا في لعب الفطير يرد من فطيرته مكسورة وقوله وإلى الشريف بعثتها إلى آخر القصيدة قد يتوهم أنه ملحق بعد رد المملوك وليس كذلك وإنما قاله تفاؤلاً وحسن ظن بالشريف واعتماداً على شهامته وهذا من مكر مهذب الدين لعلمه بسجايا الشريف.

‌القسم الرابع

‌في ذكر من منعه الزهد والعبادة أن يقضي من محبوبه مراده

قد رأينا أن نجعل هذا القسم كالاستغفار بعد الذنوب، والكفارة لمن عزم أن يتوب لاشتماله على ذكر أقوام عصمهم الله من الوقوع في الخطأ وأسبل عليهم الغطا، وهو نوعان:

ص: 142

الأول فيمن سلم من القضاء الجاري فعصم عن الجواري في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم قال بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذا أصابهم مطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم فقال بعضهم لبعض أنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه فقال واحد منهم اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرز فذهب وتركه وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره أني اشتريت منه بقراً وراعيها وأنه أتاني يطلب أجره فقلت أعمد إلي تلك البقر فسقها. فقال لي عندك فرق من أرز. فقلت له أعمد إلى تلك البقر فإنها من ذلك الفرق فساقها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا فانساخت عنهم الصخرة، فقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان كبيران وكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي فأبطأت عنهما ليلة فجئت وقد رقدا وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع وكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أدعهما فيستكنا لشربتهما فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا فانساخت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء، فقال الآخر اللهم إن كنت تعلم أنه كانت لي ابنة عم من أحب الناس إلي وإني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار فطلبتها حتى قدرت عليها فأتيتها بها فدفعتها إليها فأمكنتني من نفسها.

فلما قعدت بين رجليها قالت اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقمت وتركت المائة دينار فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا ففرج الله عنهم فخرجوا.

وحكى أن رجلاً افتتن براهبة فتسور إليها وراودها فلم تمكنه إلا بعد جهد، فلما قدر عليها جعلت يدها في مجمرة فاحترقت. فقال لأي شيء فعلت هذا؟ قالت خفت أن أشاركك في اللذة فأشاركك في المعصية فحلف لا يعصي الله بعدها وتاب.

وحكى أن رجلاً عشق جارية فزاد حبه لها ولم يتمكن منها وأن أهلها أرسلوها لحاجة فتبعها وراودها. فقالت إني أحب لك منك لي، ولكني أخاف الله. فقال أتخافينه ولا أخافه، ورجع فناله عطش كاد أن يأتي عليه، فلقيه رسول لبعض الأنبياء فشكا ذلك إليه فقال له هلم ندعو الله أن تظلنا سحابة حتى نصل القرية. قال ليس لي عمر فقال الرسول أنا أدعو وأنت آمن وفعلا فأظلتهما سحابة حتى انتهيا إلى القرية فدعاه الرسول إلى بيته فتبعتهما السحابة. فقال له تقول ما لي عمل وقد تبعتك أخبرني ما فعلت فأخبره فقال إن التائب عند الله أحسن من العابد.

وحكى أن عمر بن عبد العزيز عشق جارية لزوجته فاطمة بنت عبد الملك وزاد فيها غرامه فطلبها منها فأبت عليه، فلما أفضت إليه الخلافة زينتها بأنواع الزينة، ثم قالت يا أمير المؤمنين قد كنت أمسكت هذه عنك والآن فقد وهبتا لك فسر بها سروراً بالغاً. ثم قال اخلعي ثيابك فحين همت أجلسها، ثم قال لها من أين جيء بك في الأصل قالت اغتصب الحجاج مال عامل فاصطفاني منه وأرسلني لعبد الملك فوهبني لأبنته فقال أحي هو؟ قالت لا. قال هل له ورثة؟ قالت ولد، فأحضره وأمره أن يذكر ما أغرم الحجاج أباه وأعطاه عمر رضي الله عنه ذلك الجارية وقال له احذر أن يكون أبوك نالها. فقال هي لك يا أمير المؤمنين فأبى فقال أتبيعها؟ فأبى، فقالت الجارية أين وجدك بي؟ قال قد زاد ولكني أنهي النفس عن الهوى وحكى أن امرأة كانت في بني إسرائيل قد حازت ثلث الحسن، وكانت لا تمكن من نفسها إلا بمائة دينار، فأعجبت شخصاً فمضى فجمع مائة دينار وجاء إليها فقالت ادفعها إلى الجهبذ يعني الناقد ففعل، فلما نقدها تهيأت وجلست على سرير من ذهب فحين تمكنها منها أخذته الرعدة فقالت خل عنك ولك المائة فقال أجبتك.

فجمعت المال وجاءت به وقالت لئن صدقت فليس لي زوج غيرك فخرج فباعت متاعها وجاءته فحين رآها شهق شهقة فمات. فقالت أما هذا فقد مات فهل له أحد قالوا أخ فتزوجت به إكراماً له. قال ابن عباس فجاء منها سبعة أنبياء.

ص: 143

وأما قصة بشر وهند فقد آلت بها الشهر إلى أن أفردت بالتأليف وحاصلها أن بشراً رجل من أسد ذكره الحافظ ابن حجر في القسم الأول من الاصابة، وهند جهنية قيل ذكرت في حديث ساقط وكانت بالمدينة في ممر بشر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلقته وتعرضت إليه بمراسلات بأشعار أظنها موضوعة لاهمالها فلذلك حذفتها، فلما رأى بشر الحاحها هجر الممر وصار يأتي من غيره فلزمت الوساد وهم زوجها أن يدعو لها الأطباء فنهته وقالت أنا أعرف علتي، فلما علمت الطريق التي يمر منها بشر أخبرت زوجها أنها رأت في نومها أنها متى سكنت في موضع كذا شفيت فنقلها من وقتها فكانت تنظر إليه فبرئت وأطلعت عجوزاً على أمرها فوعدتها أن تجمعها به، ثم وقفت له فسألته أن يقرأ لها كتاباً أو يكتبه ففعل وهند تسمع، ثم قالت له العجوز أراك مسحوراً وما قلت لك إلا عن يقين ثم وعدته أن يأتيها يوماً لتنظر له فيما يصلح له وقالت لهند قد سمعت فنهيء.

فلما خرج زوجها إلى بعض القرى وقد وعدت العجز بشراً فجاء حين جلس أدخلت هنداً عليه وأغلقت الباب فجاء زوجها فحين رآه، طلقها ثم مضى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله سل هذا لم دخل بيتي فقال بشر والذي بعثك بالحق ما كفرت منذ أسلمت، ولا زنيت مذ عرفتك، ولكن القصة كذا وكذا فأدب العجوز وقال أنت أصل البلية وانصرفوا فلم يمكث بشر حتى ابتلى بحب هند وراسلها فامتنعت فلم يزل حتى مات، فجاءت فحين رأته سقطت ميتة ودفنا معاًن فجاءت العجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم معتذرة فأخلصت توبتها.

وفي امتزاج النفوس عن رجل من أصحاب الحديث قال دخلت ديراً كنت أعرف فيه راهباً معروفاً بالأخبار فوجدته مسلماً وجميع من في الدير، فسألته عن السبب فقال عشقت جارية منا غلاماً عابداً وافتتنت به ودعته إليها فأبى، فلما زاد بها الوجد أعطت مصوراً مالاً فنقش لها صورته فكانت تقبلها وتبكي كل يوم إلى الغروب وتنصرف فبلغها موت الغلام فعملت مأتمه ثم التزمت لثم الصور، فلما أصبحنا وجدنا ميتة إلى جانبها وعلى يدها مكتوب:

يا موت دونك روحي بعد سيدها

خذها إليك فقد أودت بما فيها

أسلمت وجهي للرحمن مسلمة

ومت موت حبيب كان يعصيها

لعلها في جنان الخلد يجمعها

يوم الحساب ويوم البعث باريها

مات الحبيب وماتت بعده كمداً

محبة لم تزل تشفي محبيها

قال فشاع ذلك حتى بلغ المسلمين فأخذوها ودفنوها إلى جانبه فرأيتها في النوم فقلت ما فعل الله بك فأنشدت:

أصبحت في راحة مما جنته يدي

وبت جارة فد واحد صمد

محا الإله ذنوبي كلها وغدا

قلبي خلياً من الأحزان والكمد

لما قدمت على الرحمن مسلمة

وقلت أنك لم تولد ولم تلد

أثابني رحمة منه وأسكنني

مع من هويت جناناً آخر الأبد

فعلمت أن الإسلام حق فأسلمت وأسلم أهل الدير بسببها.

وحكى الشيزري في روضة العشاق عن راهب أسلم، وكان اسمه عبد المسيح، قال سئل عن سبب إسلامه؛ فحكى أنه كان عندهم جارية نصرانية تبيع الخبز أحبها شاب مسلم واشتد حاله في حبها فسلطت عليه الصغار فضربوه، فلما علمت صدقه عرضت عليه نفسها في الحرام فأبى، فعرضت عليه التنصر فأبى فأمرت الصغار بضربه حتى مات وهو يقول: اللهم اجمع بيننا في الجنة فرأته في النوم وقد انطلق بها إلى الجنة فمنعت لأجل الاسلام فأسلمت، ودخل بها فأراها قصر من اللؤلؤ، وقال هذا لي ولك وستأتي بعد خمس ليال، فاستيقظت فأسلمت ولزمت قبره حتى ماتت بعد خمس ليال فأسلمت لذلك.

وحكى ابن عاصم قال: قال لي بعض أصحابي بالكوفة هل لك أن تنظر إلى عاشق فقلت نعم. فإني أسمع الناس يذكرون العشق فمضى بي إلى دار فرأيت شاباً مطرقاً ساكتاً يكلمه الناس ولا ينطق وعلى يده وردة حمراء فقال صاحبي كأن فلانة أرسلتها إليك فحين سمع ذكرها رفع رأسه وأنشد:

جعلت من وردتها

تميمة في عضدي

أشمها من حبها

إذا علاني كمدي

فمن رأى مثلي فتى

بالحزن أضحى مرتدي

أسقمه الحب وقد

صار حليف الأود

وصار سهواً دهره

مقارناً للكمد

ص: 144