الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البلاغة:
اشتملت هذه الآيات على فنون شتى ندرجها فيما يلي:
1-
التنكير وأسراره:
ففي قوله: «وقد آتينا داود وسليمان علما» التنكير وفائدته إفادة التبعيض والتقليل أو إفادة التعظيم والتكثير، والثاني هو المراد هنا فظاهر قوله في ولقد آتينا داود وسليمان علما في سياق الامتنان تعظيم العلم الذي أوتياه كأنه قال علما أي علم وهو كذلك فإن علمهما كان مما يستغرب ويستعظم ومن ذلك علم منطق الطير وسائر الحيوانات، على أن كل علم بالاضافة الى علم الله قليل ضئيل.
قصة رائعة:
ونورد هنا قصة مروية جريا على عادتنا في إدراج القصص المروية لتكون مصدر إلهام للكتاب ومعالم صبح لهم، قال مقاتل: كان سليمان جالسا في معسكره، وكانت مساحته مائة فرسخ في مائة، خمسة وعشرون للجن وخمسة وعشرون للإنس وخمسة وعشرون للطير وخمسة وعشرون للوحش، وقد نسجت له الجن بساطا من ذهب وإبريسم فرسخا في فرسخ، فمر به طائر يطوف وفي رواية رأى بلبلا على شجرة فقال لجلسائه: أتدرون ما يقول هذا الطائر؟ قالوا: الله ونبيه أعلم قال: يقول: أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء، ومر بهدهد فوق شجرة فقال: استغفروا الله يا مذنبون، وصاحت فاختة فأخبر أنها تقول: ليت ذا الخلق لم يخلقوا، وصاح طاوس فقال يقول:
كما تدين تدان، وصاح طيطوى فقال يقول: كل حي ميت وكل جديد بال، وصاح خطاف فقال يقول: قدموا خيرا تجدوه، وصاح قمري
فأخبر أنه يقول: سبحان ربي الأعلى، وقال الحدأ يقول: كل شيء هالك إلا وجهه، والقطاة تقول: من سكت سلم، والببغاء تقول:
ويل لمن الدنيا همه، والديك يقول: اذكروا الله يا غافلون، والنسر يقول: يا ابن آدم عش ما شئت آخرك الموت، والعقاب يقول في البعد من الناس أنس، والضفدع يقول: سبحان ربي الأعلى.
2-
استعمال حرف الجر:
وقال «حتى إذا أتوا على وادي النمل» فعدّى أتوا بعلى لأن الإتيان كان من فوق فأتى بحرف الاستعلاء وقد رمق أبو الطيب المتنبي هذه السماء العالية فقال:
فلشد ما جاوزت قدرك صاعد
…
ولشدّ ما قربت عليك الأنجم
فقد عنى بالأنجم أبيات شعره ويقول: ما أشد ما تجاوزت قدرك حتى بعثت تسألني المديح ومسألتك إياي مدحك تجاوز منك لقدرك حين طلبت أن تهبط الأنجم من سمواتها لتكون قريبة منك، وهذا البيت من أمض الهجاء وأقذعه وهو من قصيدة لأبي الطيب المتبني فقد سافر من الرملة يريد أنطاكية فنزل بطرابلس وبها اسحق بن ابراهيم الأعور بن كيغلغ وكان جاهلا يجالسه ثلاثة نفر من بني حيدرة، وكان بينه وبين أبي الطيب عداوة قديمة فقالوا له أتحب أن يتجاوزك ولا يمدحك، وجعلوا يغرونه فراسله أن يمدحه فاحتج عليه بيمين لحقته لا يمدح أحدا الى مدة، فعاقه عن طريقه ينتظر المدة، وأخذ عليه الطريق وضبطها، ومات النفر الثلاثة الذين كانوا يغرونه في مدة أربعين يوما فهجاه أبو الطيب المتنبي وأملاها على من يثق به، فلما ذاب الثلج
خرج كأنه يسير فرسه وسار الى دمشق فأتبعه ابن كيغلغ خيلا ورجلا فأعجزهم وظهرت القصيدة وأولها:
لهوى النفوس سريرة لا تعلم
…
عرضا نظرت وخلت أني أسلم
ومن أبياته الحكيمة فيها:
ولقد رأيت الحادثات فلا أرى
…
يققا يميت ولا سوادا يعصم
والهم يخترم الجسيم نحافة
…
ويشيب ناصية الصبيّ ويهرم
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
…
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
والناس قد نبذوا الحفاظ فمطلق
…
ينسى الذي يولى وعاف يندم
لا يخدعنّك من عدوّ دمعه
…
وارحم شبابك من عدوّ ترحم
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
…
حتّى يراق على جوانبه الدّم
والظلم من شيم النفوس فإن تجد
…
داعفة فلعلّة لا يظلم
ثم تطرق الى هجاء ابن كيغلغ فقال وأقذع:
يحمي ابن كيغلغ الطريق وعرسه
…
ما بين رجليها الطريق الأعظم
أقم المسالح وق شفر سكينة
…
إن المنيّ بحلقتيها خضرم
وارفق بنفسك إنّ خلقك ناقص
…
واستر أباك فإنّ أصلك مظلم
واحذر مناوأة الرجال فإنما
…
تقوى على كسر العبيد وتقدم
وغناك مسألة وطيشك نفخة
…
ورضاك فيشلة وربك درهم
ثم يعود الى الحكمة الملائمة فيقول:
ومن البلية عذل من لا يرعوي
…
عن غيّه وخطاب من لا يفهم
يمشي بأربعة على أعقابه
…
تحت العلوج ومن وراء يلجم
وجفونه ما تستقر كأنها
…
مطروفة أو فتّ فيها
حصرم وإذا أشار محدثا فكأنه
…
قرد يقهقه أو عجوز
تلصم يقلى مفارقة الأكفّ قذاله
…
حتى يكاد على يد يت
عمّم وتراه أصغر ما تراه ناطقا
…
ويكون أكذب ما يكون
ويقسم والذل يظهر في الذليل مودة
…
وأودّ منه لمن يودّ ال
أرقم ومن العداوة ما ينالك نفعه
…
ومن الصداقة ما يضر ويؤلم
والقصيدة كلها من هذا النمط البديع فحسبنا ما أوردناه منها، ونعود الى ما نحن بصدده فنقول: ويجوز أن يراد قطع الوادي وبلوغ آخره من قولهم أتى على الشيء إذا بلغ آخره.
3-
التوليد:
وقد اشتملت الآية «قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم
لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون» على أحد عشر نوعا من البلاغة يتولد بعضها من بعض وقد ذكرها السيوطي في كتابه «الإتقان» أي قالت قولا مشتملا على حروف وأصوات والمراد قالته على وجه النصيحة وقد اشتمل هذا القول منها على أحد عشر نوعا من البلاغة:
أولها: النداء بيا.
وثانيها: كنّت بأي.
وثالثها: نبّهت بها التنبيه.
ورابعها: سمّت بقولها النمل.
وخامسها: أمرت بقولها ادخلوا.
وسادسها: نصّت بقولها مساكنهم.
وسابعها: حذرت بقولها لا يحطمنكم.
وثامنها: خصّصت بقولها سليمان.
وتاسعها: عمّمت بقولها وجنوده.
وعاشرها: أشارت بقولها وهم.
وحادي عشرها: عذرت بقولها لا يشعرون.
هذا وقد أنشدوا ملغزين في نملة سليمان وبقرة بني إسرائيل:
فما ميت أحيا له الله ميتا
…
ليخبر قوما أنذروا ببيان