الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)
إن شرطية وجوابها محذوف تقديره فهاتوا برهانكم، وقد قدمنا أن قوله أإله ذكر خمس مرات وختم الأول بقوله «بل هم يعدلون» وختم الثاني بقوله «بل أكثرهم لا يعلمون» والثالث بقوله:«قليلا ما يذكرون» والرابع بقوله:
«تعالى الله عما يشركون» والخامس بقوله «قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين» .
البلاغة:
الالتفات في قوله: «فأنبتنا به حدائق ذات بهجة» بعد قوله «أم من خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء» فقد انتقل في نقل الإخبار من الغيبة الى التكلم عن ذاته في قوله فأنبتنا، والسر فيه تأكيد اختصاص فعل الإنبات بذاته تعالى وللإيذان بأن إنبات الحدائق المختلفة الأصناف وما يبدو فيها من تزاويق الألوان وتحاسين الصور، ومتباين الطعوم، ومختلف الروائح المتفاوتة في طيب العرف والأريج كل ذلك لا يقدر عليه إلا قادر خالق وهو الله وحده، ولذلك رشح هذا الاختصاص بقوله بعد ذلك «ما كان لكم أن تنبتوا شجرها» وقد أدرك أبو نواس هذه الحقيقة فقال:
تأمل في رياض الأرض وانظر
…
إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات
…
بأنظار هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات
…
بأن الله ليس له شريك
هل تاب أبو نواس؟:
هذا ولعلك تعجب من هذه الأبيات تنضح بالإيمان العميق وتصدر عن رجل كأبي نواس لم يظلمه الذين اتهموه ولم تعوزهم الأدلة على اتهامه بالفساد ولكنهم ظلموا الفلسفة فظنوها مدرجة المطلعين عليها الى الزندقة ومذاهبها، ولا زندقة هنا عند أبي نواس ولا مذهب غير المجون وحب الظهور، ولقد كان ابراهيم النظام من أعلم أهل زمانه بما يسمونه علوم الأوائل وكان أبو نواس يحضر عليه فينهاه عن التبذل ويذكره بالوعيد ويقول له: إن من ترقب وعد الله فعليه أن يحذر وعيده، فلا يرعوي عن لغوه ومجونه حتى يئس منه فطرده من مجلسه، فنظم فيه قصيدته التي اشتهرت بالابراهيمية ومطلعها مشهور متداول:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
…
وداوني بالتي كانت هي الداء
وفيها يسخر من النظام:
فقل لمن يدعي في العلم فلسفة
…
حفظت شيئا وغابت عنك أشياء
لا تخطر العفو إن كنت امرأ حرجا
…
فإن خطرك بالدين إزراء
فأبو نواس لم يكن سوى ماجن مستهتر وقد كان المجون في
عرف بيئته هو الظرف، نصح له الأمير أبو العباس محمد أن يتوب عن المجون، فقال له: أما المجون فما كل أحد يقدر أن يمجن وإنما المجون ظرف ولست أبعد فيه عن حد الأدب أو أتجاوز مقداره، أما المعاصي فإني أثق فيها بعفو الله عز وجل وقوله تعالى:
«يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا» وقد تلقف أبو نواس أضاليل المرجئة وقولهم:
«لا يضر مع الإيمان سيئة جلت أو قلت أصلا ولا ينفع مع الشرك حسنة أصلا» فنادى بذلك ويظهر أنه استهواه:
ترى عندنا ما يسخط الله كله
…
من العمل المردي الفتى ما خلا الشركا
ثم عدل نظريته بعض الشيء فاكتفى بالقول إن الكبائر لا تسلك صاحبها مع الكفار ولا تحرمه الرجاء بعفو الله وقوله مشهور في ذلك:
تكثر ما استطعت من الخطايا
…
فإنك بالغ ربا غفورا
تعض ندامة كفيك مما
…
تركت مخافة النار السرورا
ومن ذلك قوله:
يا كبير الذنب عفو الله من ذنبك أكبر على أنه تاب في أخريات عمره، وقد نستشف من أشعاره التي نظمها في تلك السن المشارفة على النهاية صدق توبته، فقال معترفا بتأخيرها بعد فوات حينها:
دبّ فيّ الفناء سفلا وعلوا
…
وأراني أموت عضوا فعضوا