الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نادينا في محل جر بإضافة الظرف إليها، ولكن الواو عاطفة ولكن حرف استدراك مهمل لأنه خفف ورحمة مفعول لأجله أي أرسلناك وعلمناك هذا كله رحمة ومن ربك صفة لرحمة. (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) لتنذر اللام للتعليل وتنذر فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام التعليل والجار والمجرور متعلقان بأرسلناك المحذوفة وإنما جر المفعول لأجله باللام لاختلاف الفاعل وقوما مفعول به ومن حرف جر زائد ونذير مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه فاعل ومن قبلك صفة لنذير ولعل واسمها وجملة يتذكرون خبرها.
البلاغة:
1-
جناس التحريف:
في قوله: «ولكنا كنا مرسلين» جناس التحريف الذي يكون الضبط فيه فارقا بين الكلمتين أو بعضهما وقد مرت له نظائر وستمر نظائر كثيرة ومثاله في الشعر قول أبي العلاء المعري:
والحسن يظهر في شيئين رونقه
…
بيت من الشعر أو بيت من الشعر
وله أيضا:
لغيري زكاة من جمال فإن تكن
…
زكاة جمال فاذكري ابن سبيل
فالتجنيس في الأول بين «الشعر» و «الشعر» وفي الثاني بين «جمال» و «جمال» وما ألطف قول بهاء الدين زهير:
زها ورد خديك لكنه
…
بغير النواظر لم يقطف
وقد زعموا أنه مضعف
…
وما علموا أنه مضعفي
2-
الاشارة:
وقد تقدم بحث هذا الفن أكثر من مرة وتتناوله الآن بصورة مسهبة كما نتناول الرمز الذي شاع في العصر الحديث ليكون كتابنا جامعا لأفانين الأدب، أما الإشارة في الآية فهي: ما أشارت اليه كلمة «الأمر» من قوله «وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا الى موسى الأمر» فقد أشارت الى ابتداء نبوة موسى وخطاب الحق له وإعطائه الآيات البينات من إلقاء العصا لتصير ثعبانا وإخراج يده بيضاء وإرساله إلى فرعون، وسؤاله شدّ عضده بأخيه هارون، الى جميع ما جرى في ذلك المقام، وأمثال هذه المواضيع إذا تقصاها الباحث خرجت عن حد الحصر في الكتاب العزيز.
الاشارة في الشعر:
وقد قدمنا نماذج شعرية من هذا الفن، ويرى قدامة أن أفضل بيت في الإشارة قول زهير:
وإني لو لقيتك فاجتمعنا
…
لكان لكل مندية لقاء
فقد أشار له بقبح ما كان يصنع لو لقيه. وأنشد الحاتمي عن علي بن هارون عن أبيه عن حماد عن أبيه اسحق بن ابراهيم الموصلي:
جعلنا السيف بين الخدّ منه
…
وبين سواد لمته عذارا
فأشار الى هيئة الضربة التي أصابه بها دون ذكرها إشارة لطيفة دلت على كيفيتها وانما وصف أنهم ضربوا عنقه. ومن أنواع الاشارة التفخيم والإيماء فأما التفخيم فكقول الله تعالى «الحاقة ما الحاقة» وقول كعب بن سعد الغنوي:
أخي ما أخي لا فاحش عند بيته
…
ولا ورع عند اللقاء هيوب
وأما الإيماء فكقوله تعالى «فغشيهم من اليم ما غشيهم» فأومأ الى ما غشيهم وترك التفسير وتقدم ذكره بعنوان الإبهام، وقال كثير صاحب عزة:
تجافيت عني حين لا لي حيلة
…
وخلفت ما خلفت بين الجوانح
فقوله «خلفت ما خلفت» إيماء مليح.
ومن أنواع الاشارة الرمز كقول أحدهم يصف امرأة قتل زوجها وسبيت:
عقلت لها من زوجها عدد الحصى
…
مع الصبح أو مع جنح كل أصيل
يريد أني لم أعطها عقلا ولا قودا بزوجها إلا الهم الذي يدعوها الى عدّ الحصى، وأصل العقل أخذ الدية، وعدد الحصى مفعول عقلت وأصله من قول امرئ القيس:
ظللت ردائي فوق رأسي قاعدا
…
أعد الحصى ما تنقضي عبراتي
يريد أنه لما غشي ديار الحي فلم يجد أحدا وضع رداءه فوق رأسه وجلس مفكرا يعد الحصى ودموعه لا ترقأ، ومن مليح الرمز قول أبي نواس يصف كئوسا ممزوجة فيها صور منقوشة وقد تقدم ذكر هذه الأبيات ومنها هنا:
قرارتها كسرى وفي جنباتها
…
مها تدّريها بالقسيّ الفوارس
فللخمر ما زرّت عليه جيوبها
…
وللماء ما دارت عليه القلانس
يقول: ان حدّ الخمر من صور هذه الفوارس التي في الكئوس الى التراقي والنحور وزيد الماء فيها مزاجا فانتهى الشراب الى فوق رءوسها، ويجوز أن يكون انتهاء الحباب الى ذلك الموضع لما مزجت فأزبدت، والأول أملح، وفائدته معرفة حدها صرفا من معرفة حدها ممزوجة وهذا عندهم مما سبق اليه أبو نواس.
الرمزية في الشعر الحديث:
كان نشوء الرمزية رد فعلّ ضد الواقعية التي أسرفت في التأثر بالعلم والبعد عن الخيال الشعري وكما استطاعت الواقعية أن تزحزح الرومانتيكية عن مكانتها كان نشوء الرمزية إيذانا بتراجع الواقعية لتحل محلها تلك الحركة الجديدة التي احتلت الربع الأخير من القرن التاسع عشر.
والشعر عند أصحاب هذا المذهب- كما يقول بعضهم- «نشوة وحلم يحملان الإنسان الى حيز اللاوعي حيث يلمح هناك من الحقائق ما لا يستطيع رؤياها عن طريق العقل والمنطق في العالم الواعي وهو لا يجد في العالم الباطني صورا تامة الوضوح يستطيع التعبير عنها تعبيرا صريحا ولكنه يعبر عنها بالرمز حتى يستطيع أن يوحي للقارىء بنفس الاحساس وينقله الى نفس الحالة» .
ومن هنا جاء الغموض في الرمزية، ثم أمعنوا في الإبهام وغلفوا الشعر بغلاف من الضباب، فأسقطوا حروف التشبيه واعتمدوا على الكلمة في ايحائهم يقدمونها ويؤخرونها عن موضعها عن قصد حتى تزيد من اشعاعاتها الموحية، وكذلك طابقوا بين الحروف والألوان وبين الألوان والمعاني فاللون الأحمر يرمز للحياة الصاخبة والدم وشهوة الحبّ والأعاصير. والأخضر يمثل الكون والطبيعة والبحر، والأزرق يمثل الانطلاق الى ما وراء المادة الكونية حيث عالم الملائكة والموسيقى التي تبلغ الأعماق. واللون البنفسجي لون الرؤى الصوفية، والأصفر للحزن والتحفز نحو عالم أفضل، والأبيض يشف عن الهدوء والسكينة والطهر. ويعبر بودلير الشاعر الفرنسي الرمزي عن العلاقة بين الألوان والعطور والأصوات في قصيدته التي يتناول فيها وحدة الطبيعة فيقول:
الطبيعة معبد ذو أعمدة حية تنبعث منه أحيانا كلمات غامضة فيمر الإنسان من خلال غابات الرموز تحدق فيه بنظرات ألفته.
وتتمازج الأصداء الطويلة البعيدة الغموض في وحدة مظلمة عميقة رحبة كالليل وكالضياء وتتجاوب العطور والألوان والأصوات وحسبنا ما أوردناه، ومن أراد المزيد فليرجع الى ما كتب في هذا الصدد وهو كثير.
3-
الاحتراس:
وفي هذه الآية نفسها فن الاحتراس وقد تقدم ذكره كثيرا، ولعل الاحتراس الذي وقع في هذه الآية أعجب احتراس وقع في القرآن فالخطاب كما قلنا موجه الى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما نفى تبارك وتعالى عن رسوله الكريم كونه بالمكان الذي قضى لكليمه موسى الأمر عرّف المكان بالجانب الغربي ولم يصفه باليمين كما قال في الإخبار عن موسى عليه السلام:«وناديناه من جانب الطور الأيمن» أدبا منه سبحانه مع نبيه أن ينفي عنه كونه في الجانب الأيمن ووصف سبحانه الجانب هاهنا باليمين إذ أخبر أنه نادى منه كليمه موسى تشريفا له.