الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفوائد:
النرجسية والشذوذ الجنسي:
يرجع الفلاسفة المحدثون ظواهر الشذوذ في غرائز الجنس الى النرجسية، ولهذا كان لا بد من أن نشرح هذه النرجسية كما يفهمها المحللون النفسيون:
كان اليونانيون الأقدمون يطلقون اسم نرجس على فتى من فتيان الأساطير بارع الحسن ساحر الشمائل يفتن من يراه ويشقي بجماله وتيهه قلوب العذارى الخفرات، فلا يلتفت إليهن ولا يستجيب لضراعتهن، ولم يزل كذلك حتى ضجت السماء بدعاء عاشقاته وصلواتهن الى الأرباب أن يصرفوهن عنه أو يصرفوه عنهن واستجابت «نمسي» ربة القصاص والجزاء الى هذا الدعاء فقضت عليه أن يهيم بحب نفسه ويلقى منها الشقاء الذي تلقاه منه عاشقاته، قال رواة الأساطير: فما هو إلا أن ذهب يشرب من ينبوع صاف حتى لمح بصورته في مائه فوقف عندها يعجب من جمالها وأذهلته الفتنة عن شأنه فلم يبرح مكانه مطرقا الى الماء ليتملّى تلك الصورة ويرتوي من النظر إليها فلا يزيده النظر إلا لهفة وشوقا ولا تزيده اللهفة إلا هزالا وذبولا حتى فني، وذهبت عرائس الماء تطلب رفاته فلم تجد في مكانه غير نرجسة مطرقة ترنو الى الماء ولا ترفع بصرها الى السماء، فالنرجس أبدا مطرق مفتوح العين لا يشبع من النظر الى خياله على حوافي الجداول والغدران. وهناك روايات أخرى حول هذه الأسطورة تمثل الصدى والحذر والسبات لا تخرج عن هذا الفحوى وتلحق بما تنطوي
عليه آفة النرجسية من الغرائز أو من الميول والأحاسيس ولهذا وقع عليها اختيار المحللين النفسيين فلم يجدوا اصطلاحا أوفق منها لأعراض تلك الظاهرة النفسية مع عراقة الاصطلاح في اللغة اليونانية التي يختارونها لابتداع الأسماء الجديدة في العلوم، وأول من أدخل هذا المصطلح في الطب النفسي الدكتور هافلوك أليس رائد المباحث الجنسية المشهور، ثم توسّع الأطباء النفسيون في دراسة هذه الآفة وتتبعوا أعراضها ولوازمها واستقصوا ما هو من لوازمها الأولية وما هو من لوازمها الثانوية أو التبعية، وتعنينا هنا من شعابها التي تتصل بدراسة المنحرفين شعبتان:
1-
تسمى إحداهما الاشتهاء الذاتي.
2-
تسمى ثانيتهما التوثين الذاتي.
فالاشتهاء الذاتي يغلب على الحالات الجسدية التي تقترن باختلال وظائف الجنس في صاحبها ويبلغ من اختلال هذه الوظائف أن المصاب به يمني إذا أطال النظر الى بدنه عاريا في المرآة وما إليها وأنه يشتهي بدنه كأنه بدن إنسان غريب عنه ولكنها شهوة يبالغ فيها المريض.
والتوثين الذاتي يغلب على الحالات العاطفية والفكرية، فيتخذ المصاب به من نفسه وثنا يعبده ويعزه ويدلله، فلازمة التلبيس والتشخيص لاغنى في الشذوذ الجنسي، وهو عشق الإنسان لذاته من الناحية الشهوية، فالشاذ في حب جنسه أو حب الجنس الآخر يجد طلبته ويقضي مأربه، أما الذي يشتهي بدنه فليس في وسعه أن يقضي
مأربه منه بغير الاحتيال لذلك بالتلبيس والتشخيص، فهو يلبس شخصيته شخصا آخر يتوهم أنه هو ذاته أو يحل محلّ ذاته وكما يفعل جالد عميرة حين يضع أمامه صورة.
هذا ومن المفيد أن يرجع الذي يتوق الى معرفة تطور النظريات في مسائل الجنس الى الكتب المؤلفة في هذا الصدد فهي تلقي أضواء على المشكلة ولكنها لا تحلها، لأنها كلها لم تنته الى تهوين الفوارق بين الجنسين ولا إلى زعم الزاعمين أن الإنسان مزدوج الجنسين مختلط الذكورة والأنوثة بطبيعته، وأن الشذوذ الجنسي فيه فطرة عامة تتخذ أطوارها على حسب العمر من الطفولة الى تمام النمو في الجنسين كما يقول فرويد ومتبعوه.
وقد صور أبو نواس وهو قطب من أقطاب النرجسيين هذه الأطوار خير تمثيل وهو يغشى معاهد الدرس على هذا المثال في عرفه بقوله:
إذا ما وطئ الأمر
…
د للعلم حصى المسجد
فقل حلّ لنا عقدا
…
من الفقه واستفسد
فإن كان عروضيا
…
فقولوا سجد الهدهد
وإن أعجبه النحو
…
فها ذاك له أجود
وإن مال الى الفقه
…
فللفقه له أفسد
وان كان كلاميا
…
فحرّك طرف المقود
وميله الى الخير
…
فقيه قرب ما يبعد
وخذه كيفما شئت- اقتضابا أو على موعد وقل: هذا قضاء الله هل يدفع أو يجحد وانتهى مصرحا:
فيا من وطئ المسجد
…
من ذي بهجة أغيد
أنا قست على نفسي
…
فهذا الأمر لا أجحد
وننتهي من هذا البحث وقد كان أمرا لا بد منه وإن لم يكن هذا موضعه.
تصحيح رواية بيت في الكشاف لأبي نواس:
ذكر الزمخشري في كشافه بصدد الحديث عن قوم لوط قال:
«
…
كانوا في ناديهم يرتكبونها معالنين بها لا يتستر بعضهم من بعض خلاعة ومجانة وانهماكا في المعصية وكأن أبا نواس بنى على مذهبهم قوله:
وبح باسم ما تأتي وذرني من الكنى
…
فلا خير في اللذات من دونها ستر
وصواب الرواية «وبح باسم من تهوى ودعني من الكنى» البيت وهو من قصيدة رائعة أولها:
ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر
…
ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر