الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعل مضارع مبني للمجهول ولك أن تجعل الواو حالية والجملة حال.
(وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) وأتبعناهم عطف على ما تقدم وفي هذه الدنيا حال والدنيا بدل من هذه ولعنة مفعول به ثان.
(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) الظرف متعلق بمحذوف دل عليه قوله المقبوحين كأنه قيل وقبحوا يوم القيامة وإنما قدرنا محذوفا لأن تعليقه بالمقبوحين وهو الظاهر يمنع منه وجود أل الموصولية، على أنهم قد اتسعوا في ذلك فعلقوه بمدخولها ولا مانع من ذلك ولك أن تعطفه على موضع في هذه الدنيا أي وأتبعناهم لعنة يوم القيامة وهم مبتدأ ومن المقبوحين خبره.
البلاغة:
في قوله «فأوقد لي يا هامان على الطين» إطناب بديع وذلك أنه لم يقل اطبخ لي الآجر وذلك ليتفادى ذكر كلمة الآجر لأن تركيبها- على سهولة لفظه- ليس فصيحا وذلك أمر يقرره الذوق وحده، ألا ترى إلى هذه الكلمة وقد وقعت في بيت للنابغة الذبياني من قصيدته الدالية التي أولها:
من آل مية رائح أو مغتدي
…
عجلان ذا زاد وغير مزود
والبيت هو:
أو دمية من مرمر مرفوعة
…
بنيت بآجر يشاد بقرمد
فلفظة آجر في البيت قلقة نابية لابتذالها، فإن شئت أن تعلم شيئا من سر الفصاحة التي تضمنها القرآن فانظر الى هذا الموضع فإنه
لما جيء فيه بذكر الآجر لم يذكره بلفظه ولا يلفظ القرمد أيضا لكنه ذكر في القرآن على وجه آخر فعبر عن الآجر بالوقود على الظين، ثم ان هذه العبارة أحسن مطابقة لفصاحة القرآن وعلو طبقته وأشبه بكلام الجبابرة وأمر هامان وهو وزيره ورديفه بالإيقاد على الطين منادى باسمه «يا» في وسط الكلام دليل التعظيم والتجبر وقد اشتملت هذه العبارة على الكثير من ألفاظ الجبابرة العتاة وذلك على الوجه التالي:
1-
نادى وزيره بحرف النداء.
2-
توسيط ندائه خلال الأمر وبناء الصرح.
3-
رجاؤه الاطلاع الى الله.
4-
الغباء الذي يلازم الجبابرة العتاة إذ يقعون في التناقض من حيث لا يشعرون فقد صرح قبل هنيهة بقوله «ما علمت لكم من إله غيري» فعبر عن نفي المعلوم بنفي العلم وأعلن تصميمه على الجحود ثم ما عتم أن أعلن رجاءه الاطلاع فهل كان مصمما على الجحود أم لم يكن.
فصل في اختيار الألفاظ:
هذا وقد عني علماء البيان باللفظة وسر اختيارها وخلاصة ما يقال فيه: أن حسن الألفاظ وقبحها أمر يعود الى الذوق وحده فما استحسنه كان حسنا وما استقبحه كان قبيحا، فالاستعمال ليس بدليل الحسن، وهذا طريق يضل فيه غير العارف بمسالكه ومن لم يعرف صناعة النظم والنثر وما يجده صاحبها من الكلفة في صوغ الألفاظ واختيارها فإنه معذور في أن يقول ما قال:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده
…
ولا الصبابة إلا من يعانيها
والصاحب بن عباد الذي كان من المفتونين بأبي الطيب، والذي كان يستعمل أشعاره في كتاباته ويقتبس منها، عند ما حصلت بينه وبين أبي الطيب المتنبي الجفوة بسبب ترفع هذا عن مجاوبته فقد ذكروا أن الصاحب أبا القاسم طمع في زيارة المتنبي إياه بأصبهان وإجرائه مجرى مقصوديه من رؤساء الزمان وهو إذ ذاك شاب ولم يكن قد استوزر بعد، وقد كتب الصاحب اليه يلاطفه في استدعائه ويضمن له مشاطرته جميع ماله فلم يقم له المتنبي وزنا ولم يجبه الى كتابه ولم يحقق مراده، وقصد المتنبي بعد ذلك الى حضرة عضد الدولة بشيراز فأسفرت سفرته- كما يقول أبو منصور الثعالبي في يتيمة الدهر- عن بلوغ الأمنية، وورود مشروع المنية، وذلك أن المتنبي قتل عند مغادرته إياه محملا بالعطايا والهبات.
وقد عمل الصاحب رسالة فيما أخذه على المتنبي، وإذا فرضنا أن الذي دعا الصاحب إلى عمل هذه الرسالة هو استياؤه من المتنبي حيث تعاظم عن مدحه فإنا نجده لم يتحامل عليه بالباطل في شيء منها ولم يظلمه بحرف واحد جاء فيها ولم يعبه إلا بما هو عيب ولم يستطع
أن ينال منه إلا من طريق الألفاظ وحدها. ونورد هنا نماذج من هذه الرسالة.
1-
أخذ الصاحب على المتنبي التفاصح بالألفاظ الشاذة فمن ذلك قوله:
أيفطمه التوراب قبل فطامه
…
ويأكله قبل البلوغ الى الأكل
قال: «وما أرى كيف عشق التوراب حتى جعله عوذة أشعاره» والتوراب: التراب.
ومعنى البيت: أيفطمه التوراب قبل أن تفطمه أمه ويأكله التراب قبل أن يبلغ سن الآكل.
2-
وأخذ عليه لفظة ترنج بقوله:
شديد البعد من شرب الشمول
…
ترنج الهند أو طلع النخيل
قال الصاحب ساخرا: «فلا أدري أاستهلال الأبيات أحسن؟ أم المعنى أبدع؟ أم قوله ترنج أفصح» ولقد أصاب الصاحب فاللغة الفصيحة هي أترج وأترجة ومنه الحديث مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، وحكى أبو زيد ترنج وترنجة، يقول أبو الطيب: ترنج الهند وطلع النخيل شديد بعدهما عن محلك من شرب الخمر وإن كان غيرك يتخذهما لذلك لأن هذه الحال غير مظنونة
بك وانما استحضارك لهما ولما يشاكلهما من الرياحين استمتاعا بحسن ذلك.
3-
وانتقد الصاحب جمع الآخاء في شعره إذ قال.
كل آخائه كرام بني الدنيا ولكنه كريم الكرام قال: «ولو وقع الآخاء» في رائية الشمّاخ لاستثقل فكيف مع أبيات منها:
قد سمعنا ما قلت في الأحلام
…
وأنلناك بدرة في المنام
والكلام إذا لم يتناسب زيّفه جهابذته، وبهرجه نقاده» .
وعلى هذا النحو يمضي في كشف مساوئ المتنبي وكلها أمور ترجع الى اللفظة وحدها وسيرد معنا الكثير منها فلنكتف بما ذكرناه الآن منها.
وعاب النقاد القوافي الملتاثة، فعابوا على أبي تمام قافيته الثائية في قصيدته التي مطلعها:
قف بالطلول الدارسات علاثا
…
أصخت حبال قطينهن رثاثا
وعلاثا منادى مرخم وأصله يا علاثة. وعابوا على أبي الطيب قافيته الشينية في قصيدته التي مطلعها: