الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجملة كان خبرها، واسم كان ضمير مستتر تقديره هو وعذاب خبر كان ويوم مضاف اليه وعظيم صفة. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) تقدم اعرابها.
البلاغة:
فن التكرير:
في هذه القصص السبع كرر في أول كل قصة وفي آخرها ما كرر مما أشرنا اليه لأن في التكرير تقريرا للمعاني في الأنفس وترسيخا لها في الصدور مع تعليق كل واحدة بعلة، وفن التكرير فن دقيق المأخذ وربما اشتبه على أكثر الناس بالاطناب مرة وبالتطويل مرة أخرى، وهو ينقسم الى قسمين:
القسم الاول من التكرير:
يوجد في اللفظ والمعنى كقولك لمن تستدعيه: أسرع أسرع ومنه قول أبي الطيب المتنبي:
ولم أر مثل جيراني ومثلي
…
لمثلي عند مثلهم مقام
القسم الثاني من التكرير:
يوجد في المعنى دون اللفظ كقولك: أطعني ولا تعص أوامري، فإن الأمر بالطاعة نهي عن المعصية.
وعلى كل حال ليس في القرآن مكرر لا فائدة في تكريره.
وزعم قوم أن أبا الطيب المتنبي أتى بتكرير لا حاجة به إليه في قوله:
العارض الهتن بن العارض الهتن بن العا
…
رض الهتن بن العارض الهتن
وليس في هذا البيت من تكرير فإنه كقولك الموصوف بكذا وكذا ابن الموصوف بكذا وكذا أي انه عريق النسب في هذا الوصف، وقد ورد في الحديث النبوي مثله كقوله صلى الله عليه وسلم في وصف يوسف النبي:«الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن ابراهيم» فالبيت كالحديث النبوي من جهة المعنى لكنه انحط عن الحديث من جهة ألفاظه، وهي ألفاظ إذا استعملت مفردة كانت حسنة ولكن إيرادها على هذا الوجه المتداخل هو الذي شوه جمالها وأحالها الى ضرب من المغالطة اللفظية غضت منها وهذا أمر مرده الى الذوق وحده فهو الفيصل الذي يحكم في هذه الأمور وما أحسن ما قال الفيلسوف الفرنسي فولتير «ذوقك أستاذك» .
التكرير غير المفيد:
أما إذا كان التكرير غير مفيد فهو العي الفاحش، ومن العجيب أن يتورط شاعر كأبي الطيب المتنبي فيورد البيت الذي أوردناه في مستهل هذا البحث وهو:
ولم أر مثل جيراني ومثلي
…
لمثلي عند مثلهم مقام
ألا ترى أنه يقول لم أر مثل جيراني في سوء الجوار ولا مثلي في
مسايرتهم ومقامي عندهم إلا أنه قد كرر هذا المعنى في البيت مرتين، ومثله قوله:
وقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا
…
قلاقل دهر كلهن قلاقل
وكذلك قوله:
عظمت فلما لم تكلم مهابة
…
تواضعت وهو العظم عظما على عظم
قال أحد النقاد القدامى فيه: «ولو سمي هذا البيت جبانة لكان لائقا به» والظاهر أن هذا الناقد يكره التكرير وقد صور له كرهه إياه قصيدة ابن الرومي في المرأة التي أولها:
أجنت لك الوجد أغصان وكثبان
…
فيهنّ نوعان تفّاح ورمان
غير جميلة أو من هذا الضرب فقال: «هذه دار البطيخ فاقرءوا نسيبها تعلموا ذلك» .
ولسنا ننكر أن ابن الرومي قد بالغ في غزلها وأكثر من ذكر العناب والبان والنرجس ولكنه واقع موقعه ولا سبيل الى النيل منه.
ونعود الى أبي الطيب فقد أكثر من التكرير حتى أسف في كثير من أبياته مع أنه شاعر العربية الأول فقال:
أسد فرائسها الأسود يقودها
…
أسد تصير له الأسود ثعالبا
قال ابن رشيق: «ما أدري كيف تخلص من هذه الغابة المملوءة أسودا» وقال الاصمعي لمن أنشده قوله:
فما للنوى جذ النوى قطع النوى
…
كذاك النوى قطّاعة لوصال
«لو سلط الله على هذا النوى شاة لأكلته كله» .
وأما قول أبي نواس:
أقمنا بها يوما ويوما وثالثا
…
ويوما له يوم الترحل خامس
فقال ابن الأثير في المثل السائر: «مراده أنهم أقاموا أربعة أيام ويا عجبا له يأتي بمثل هذا البيت السخيف الدال على العي الفاحش في ضمن تلك الأبيات العجيبة الحسن وهي:
ودار ندامى عطلوها وأدلجوا
…
بها أثر منهم جديد ودارس
مساحب من جر الزقاق على الثرى
…
وأضغاث ريحان جنيّ ويابس
حبست بها صحبي فجددت عهدهم
…
وإني على أمثال تلك لحابس
تدار علينا الراح في عسجدية
…
حبتها بأنواع التصاوير
فارس قرارتها كسرى وفي جنباتها
…
مها تدريها بالقسيّ الف
وارس فللرّاح ما زرّت عليه جيوبها
…
وللماء ما دارت عليه القلانس
وقد أخطأ ابن الأثير وفهم البيت خطأ ولم يمعن النظر فيه فنقده ولو أنه أمعن النظر لما قال فيه هذا القول، والمعنى الصحيح: ان المقام سبة أيام لأنه قال وثالثا ويوما آخر له اليوم الذي رحلنا فيه خامس.
وأبو نواس أجل قدرا من أن يسف ويأتي بهذه العبارة لغير معنى طائل وله في الخمر أبيات منقطعة النظير وقد تدق على الافهام، حكي عنه أنه ذكر عند الرشيد قوله:
فاسقني البكر التي اعتجرت
…
بخمار الشيب في الرحم
فقال الرشيد لمن حضر: ما معناه؟ فقال أحدهم: إن الخمر إذا كانت في دنّها كان عليها شيء مثل الزبد فهو الشيب الذي أراده، وكان الاصمعي حاضرا فقال: يا أمير المؤمنين إن أبا علي أجل خطرا وان معانيه لخفية فاسألوه عن ذلك فأحضر وسئل فقال: إن الكرم أول ما يخرج العنقود في الزرجون يكون عليه شيء يشبه القطن فقال الأصمعي: ألم أقل لكم إن أبا نواس أدق نظرا مما قلتم.