الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان تامة وفئة فاعل كان ومن دون الله حال من فئة وما نافية وكان فعل ماض ناقص واسمها مستتر تقديره هو يعود على قارون ومن المنتصرين خبر كان. (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ) الواو عاطفة وأصبح فعل ماض ناقص والذين اسمها وجملة تمنوا صلة ومكانه مفعول به وبالأمس متعلقان بتمنوا وجملة يقولون خبر أصبح ويجوز أن تكون أصبح تامة والذين هو الفاعل وجملة يقولون في محل نصب على أنها حال أي قائلين. (وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) وي فيه مذاهب نختار منها واحدا وسنورد الباقي في باب الفوائد، فهي اسم فعل مضارع معناه أتعجب والكاف حرف جر وان حرف مشبه بالفعل وهي مع ما في حيزها في محل جر بالكاف والجار والمجرور متعلقان بوي ومعنى الكاف هنا التعليل لا التشبيه والله اسمها وجملة يبسط الرزق خبر أن والرزق مفعول به ولمن متعلقان بيبسط وجملة يشاء صلة ومن عباده حال ويقدر عطف على يبسط. (لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا) لولا حرف امتناع لوجود متضمن معنى الشرط وأن وما في حيزها مصدر مؤول مرفوع بالابتداء والخبر محذوف وجوبا ومنّ الله فعل وفاعل وعلينا متعلقان بمنّ واللام واقعة في جواب لولا وجملة خسف بنا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ومفعول خسف محذوف أي الأرض. (وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) تقدم اعرابها وسيأتي المزيد منه قريبا وهو تأكيد لما قبله.
البلاغة:
1-
القلب:
في قوله تعالى: «وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ)
في هذا التعبير فن القلب وقد تقدم القول فيه، والأصل لتنوء العصبة بالمفاتح أي لتنهض بها بجهد، قال أبو عبيد: هو كقولهم عرضت الناقة على الحوض وأصله عرضت الحوض على الناقة وقول حسان بن ثابت:
كأن سبيئة من بيت رأس
…
يكون مزاجها عسل وماء
على أنيابها أو طعم غضّ
…
من التفاح هصره اجتناء
ويروى كأن سلافة، والسلافة أول ما يسيل من ماء العنب أما سبيئة فمعناه مشتراة يقال سبأ الخمر كنصر إذا اشتراها ويروى أيضا خبيئة أي مصونة في الخابية وبيت رأس قرية بالشام اشتهرت بجودة الخمر، وقد وقع بين صاحب القاموس وصاحب الصحاح خلاف بين سبيئة فقال صاحب القاموس وقد وهم الجوهري وانما سبى الخمر سبيا وسباء حملها من بلد الى بلد، ومزاجها خبر يكون مع أنه معرفة وعسل اسمها مع أنه نكرة وكان القياس العكس فقلب الكلام، وتأوله الفارسي بأن انتصاب مزاجها على الظرفية المجازية، وروي برفع الكلمات الثلاث على أن اسم كان ضمير الشأن وجملة يكون صفة سبيئة وعلى أنيابها في البيت الثاني خبر كأن المشددة والمزاج ما يمزج به غيره والمراد بالانياب الثغر كله فهو مجاز، والغض الطري الرطب وهو صفة لموصوف محذوف أي طعم عضن غض، والهصر عطف الغصن وإمالته إليك من غير إبانة لتجني ثمره والتهصير مبالغة فيه ويروى جناء بدل اجتناء وهو الجنى بالقصر ومدّه هنا ضرورة واسناده التهصير الى الاجتناء مجاز عقلي من باب الاسناد للسبب، شبّه ريقها بالخمر الجيدة وطعمه بطعم تفاح ميل غصنه
الجاني ليجتنيه إشارة الى انه مجني الآن لم يمض عليه شيء من الزمان وتلويحا لتشبيه محبوبته بالأغصان في الرقة واللين والتثني.
هذا وقد قيل أنه لا قلب في الآية وان الباء للتعدية كالهمزة والأصل لتنوء المفاتح العصبة الأقوياء أي تثقلهم، وهو رأي صاحب العمدة أيضا.
2-
المبالغة:
وذلك في وصف كنوز قارون حيث ذكرها جمعا وجمع المفاتح أيضا وذكر النوء والعصبة وأولي القوة قيل كانت تحمل مفاتيح خزائنه ستون بغلا لكل خزانة مفتاح وهذه المبالغة في القرآن من أحسن المبالغات وأغربها عند الحذاق، وهي أن يتقصى جميع ما يدل على الكثرة وتعدد ما يتعلق بما يملكه، استمع الى عمرو بن الأيهم التغلبي كيف أراد أن يصف قومه بالكرم فلم يزل يتقصى ما يمكن أن يقدر عليه من صفات فقال:
ونكرم جارنا ما دام فينا
…
ونتبعه الكرامة حبث كانا
3-
بلاغة التعليل:
وفي قوله «إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين» حسن تعليل جميل بجمله «إن الله لا يحب الفرحين» لأن الفرح المحض في الدنيا من حيث أنها دنيا مذموم على الإطلاق، وأي فرح بشيء زائل وظل حائل. وقد رمق أبو الطيب سماء هذه البلاغة بقوله البديع:
كأن الحزن مشغوف بقلبي
…
فساعة هجرها يجد الوصالا
كذا الدنيا على من كان قبلي
…
صروف لم يد من عليه حالا
أشد الغم عندي في سرور
…
تيقّن عنه صاحبه انتقالا
ألست تراه كيف جعل الحزن عالقا بفؤاده حتى كأنه يعشقه ولكنه لا يواصلني إلا حين تهجرني فإذا هجرتني واصل الحزن قلبي؟
ثم كيف يحث على الزهد في الدنيا لمن رزق فيها سرورا ومكانة لعلمه أنه زائل عما حين، والسرور الذي يعرف صاحبه أنه منحسر عنه قريبا هو أشد الغم، وهذا من أبلغ الكلام وأوعظه وأدله على عبقرية شاعر الخلود.
ومن جميل ما قيل في هذا المعنى قول هدبة بن خشرم لما قاده معاوية الى الحرة ليقتصّ منه في زياد بن زيد العذري فلقيه عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فاستنشده فأنشده:
ولست بمفراح إذا الدهر سرني
…
ولا جازع من صرفه المتقلب
ولا أبتغي شرا إذا الشر تاركي
…
ولكن متى أحمل على الشر أركب
والمفراح كثير الفرح والمراد نفي الفرح من أصله وصرف الدهر حدثانه وإذا شرطية فلا بد بعدها من فعل أي إذا سرني الدهر وإذا كان الشر تاركي، وأحمل مبني للمجهول وأركب للفاعل والأول فعل الشرط والثاني جوابه وجزاؤه.
4-
التتميم:
وفي قوله «ولا تنس نصيبك من الدنيا» تتميم لا بد منه لأنه إذا لم يغتنمها ليعمل للآخرة لم يكن له نصيب في الآخرة ففي الحديث:
«اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» وقد عاد أبو الطيب فرمق سماء هذه البلاغة مرة ثانية فقال من قصيدة يرثي بها والدة سيف الدولة وقد توفيت بميّافارقين وجاءه الخبر بموتها الى حلب سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وأنشد أبو الطيب قصيدته في جمادى الآخرة من السنة ونورد نخبة مختارة منها:
نعد المشرفية والعوالي
…
وتقتلنا المنون بلا قتال
وترتبط السوابق مقربات
…
وما ينجين من خبب الليالي
ومن لم يعشق الدنيا قديما
…
ولكن لا سبيل الى الوصال
نصيبك في حياتك من حبيب
…
نصيبك في منامك من خيال
رماني الدهر بالأرزاء حتى
…
فؤادي في غشاء من نبال
فصرت إذا أصابتني سهام
…
تكسرت النصال على النصال
والشاهد المراد هو في قوله: نصيبك في حياتك البيت، أي إن نصيب الإنسان من وصال حبيبه في حياته كنصيبه من وصال خياله في منامه، ووجه الشبه: اتفاق الأمرين في سرعة انقضائهما، واشتباههما في عجلة زوالهما.