الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للتبعيض ويكون الجار والمجرور في موضع نصب على أنه مفعول ضربنا أي وصفنا لهم كل صفة كأنها مثل في غرابتها وطرافتها.
(وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) الواو عاطفة واللام موطئة للقسم وإن شرطية وجئتهم فعل وفاعل ومفعول به في موضع فعل الشرط وبآية متعلقان بجئتهم وليقولن اللام واقعة في جواب القسم ويقولن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقلية فاللام مفتوحة باتفاق القراء والفاعل هو الاسم الموصول من باب اقامة الظاهر مقام المضمر وقد تقدم ذكره كثيرا وجملة كفروا صلة وإن نافية وأنتم مبتدأ وإلا أداة حصر ومبطلون خبر أنتم والجملة مقول القول. (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) الكاف نعت لمصدر محذوف أي مثل ذلك الطبع يطبع الله على قلوب الجهلة الذين لا يعلمون وجملة لا يعلمون صلة الذين.
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) الفاء الفصيحة أي إذا علمت أن حالهم بهذه المثابة فاصبر، واصبر فعل أمر والفاعل مستتر تقديره أنت وجملة إن وعد الله حق تعليل للأمر بالصبر ولا الواو عاطفة ولا ناهية ويستخفنك فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة وهو في محل جزم بلا الناهية والكاف مفعول به مقدم والذين فاعل يستخفنك المؤخر وجملة لا يوقنون صلة.
البلاغة:
في قوله «ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة» جناس تام وقد تقدم البحث في هذا الفن ونريد الآن أن نستوفي أبحاثه فهو ضروب كثيرة منها الماثلة وهي أن تكون اللفظة واحدة باختلاف
المعنى نحو قول زياد الأعجم وقيل الصلتان العبدي يرثي المغيرة ابن المهلب:
فانع المغيرة للمغيرة إذ بدت
…
شعواء مشعلة كنبح النابح
فالمغيرة الاولى: رجل، والمغيرة الثانية: الفرس وهي ثانية الخيل التي تغير، وقال أبو نواس في ابن الربيع:
عباس عباس إذا احتدم الوغى
…
والفضل فضل والربيع ربيع
وقال أبو تمام:
ليالينا بالرقمتين وأهلنا
…
سقى العهد منك العهد والعهد والعهد
فالعهد الأول المسقى: هو الوقت، والعهد الثاني هو الحفاظ من قولهم فلان ماله عهد، والعهد الثالث الوصية من قولهم عهد فلان الى فلان وعهدت إليه أي وصّاني ووصيّته، والعهد الرابع المطر وجمعه عهاد، واستثقل قوم هذا التجنيس وحق لهم.
هذا وقد ولع أبو تمام بالتجنيس كثيرا فأجاد في بعضه وأسف في بعضه الآخر وقد أوردنا فيما سبق من هذا الكتاب نماذج من حسناته وسيئاته ويبدو التكلف ظاهرا فيه.
أما ابن الرومي فليس من هواة الصناعة اللفظية ولم يكن يشغل باللفظ كثيرا وانما كان يجانس لمعنى يراه هو ولا يجانس لتزويق فارغ ولهو سخيف، ومن مليح ما جاء له:
للسود في السود آثار تركن بها
…
لمعا من البيض تثني أعين البيض
فالسود الأول: الليالي، والسود الآخر: شعرات الرأس واللحية والبيض الأول الشيبات والبيض الآخر النساء.
وقوله:
فيسبيك بالسحر الذي في جفونه
…
ويصبيك بالسحر الذي هو نافثه
أو مثل هذا البيت:
تصيب إذا حكمت وإن طلبنا
…
لديك العرف كنت حيا تصوب
أو مثل هذا البيت:
ليس ينفكّ طيرها في اصطحاب
…
تحت أظلال أيكها واصطخاب
وهكذا كان في كل تجنيسه الذي لا تعسف فيه وليس هو بالكثير البارز في ديوانه الكبير فإذا جنس في غير ذلك فهو عابث متعمد للعبث وليس بملفق محسّنات ولا بطالب تزويق كما قال:
لو تلفّفت في كساء الكسائي
…
وتلبّست فروة الفرّاء
وتخلّلت بالخليل وأضحى
…
سيبويه لديك رهن سباء
وتكوّنت من سواد أبي الاسو
…
د شخصا يكنى أبا السوداء
لأبى الله أن يعدك أهل العلم إلا من جملة الأغبياء ومن علماء البيان من جعل له اسما سماه به وهو الترديد أي أن اللفظة الواحدة رددت فيه، وهو أن يأتي الشاعر بلفظة متعلقة بمعنى ثم يرددها بعينها متعلقة بمعنى آخر في البيت نفسه أو في قسم منه، قال أبو تمام:
خفّت دموعك في إثر القطين لدن
…
خفّت من الكثب القضبان والكثب
الترديد في خفت ولو جعلت الكثب ترديدا لجاز.
وقال أبو الطيب المتنبي وأحسن ما شاء:
أمير أمير عليه الندى
…
جواد بخيل بأن لا يجودا
والترديد في أول البيت، والعلماء بالشعر مجمعون على تقديم أبي حية النميريّ في قوله:
ألا حيّ من أجل الحبيب المغانيا
…
لبسن البلى مما لبسن اللياليا
إذا ما تقاضى المرء يوما وليلة
…
تقاضاه شيء لا يملّ التقاضيا
وما أجمل قول أبي نواس:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
…
وداوني بالتي كانت هي الداء
صفراء لا تنزل الأكدار ساحتها
…
لو مسها حجر مستها سراء
وكذلك قول أبي تمام:
راح إذا ما الراح كنّ مطيّها
…
كانت مطايا الشوق في الأحشاء
ردد مطيّها ومطايا الشوق.
ونعود للآية الكريمة فنذكر أن ابن أبي الحديد قد نازع في كتابه المسمى بالفلك الدائر على المثل السائر في هذا وقال:
ان المعنى واحد في الآية، فان يوم القيامة وان طال فهو عند الله تعالى كالساعة الواحدة عند أحدنا، وحينئذ فاطلاق الساعة عليه مجاز كقولنا رأيت أسدا وزيد أسد، وأردنا بالأول حيوانا وبالثاني الرجل الشجاع.
ولم نر أحدا نازع فيما ذكرناه غير ابن أبي الحديد، فتدبر.