الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) الواو عاطفة وليس فعل ماض ناقص وعليكم خبر ليس المقدم وجناح اسمها المؤخر وفيما صفة لجناح وجملة أخطأتم صلة وبه متعلقان بأخطأتم. (وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الواو عاطفة ولكن حرف استدراك مهمل لأنه خفف وما عطف على ما في قوله فيما فمحله الجر، ويجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي تؤاخذون به أو عليكم الجناح فيه وجملة كان الله حالية أو استئنافية.
الفوائد:
اشتملت هذه الآيات على فوائد كثيرة نوردها فيما يلي على سبيل الاختصار ونحيل من أراد المزيد منها على المطولات.
1-
معنى ولا تطع الكافرين والمنافقين:
قال الزمخشري: «لا تساعدهم على شيء ولا تقبل لهم رأيا ولا مشورة وجانبهم واحترس منهم فانهم أعداء الله وأعداء المؤمنين لا يريدون إلا المضارّة والمضادّة، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر الى المدينة وكان يحب اسلام اليهود قريظة والنضير وبني قينقاع وقد بايعه ناس منهم على النفاق فكان يلين لهم جانبه ويكرم صغيرهم وكبيرهم وإذا أتى منهم قبيح تجاوز عنه وكان يسمع منهم فنزلت» وروي أن أبا سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا عليه فنزلوا على عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين بعد قتال أحد وقد أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمان على أن يكلموه فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن
أبيرق فقالوا للنبي وعنده عمر بن الخطاب: أرفض ذكر آلهتنا وقل إن لها شفاعة لمن عبدها وندعك وربّك فشقّ ذلك على النبي فقال عمر: يا رسول الله ائذن لنا في قتلهم فقال: إني أعطيتهم الأمان فقال عمر: اخرجوا في لعنة الله وغضبه فأمر النبي أن يخرجوا من المدينة.
2-
معنى جمع القلبين:
قام النبي صلى الله عليه وسلم يوما يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه: ألا ترى أن له قلبين: قلبا معكم وقلبا معهم، وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال: كان رجل من قريش يسمى ذا القلبين يقول: لي نفس تأمرني ونفس تنهاني فأنزل الله فيه ما تسمعون. وروي أنه وجد من المشركين من ادعى أن له قلبين يفهم بكل منهما أو يعقل أفضل من عقل محمد وانه هو أو غيره كان يدعى ذا القلبين وأن الآية ردت هذا الزعم كما أبطلت مزاعم التبني والظهار من ضلالات العرب ومعنى القلب اللحمي غير مراد على كل حال.
هذا ويطلق لفظ القلب اسما لمضغة من الفؤاد معلقة بالنياط أو بمعنى الفؤاد مطلقا، ويقول بعضهم: ان القلب هو العلقة السوداء في جوف هذه المضغة الصنوبرية الشكل المعروفة كأنه يريد أن هذا هو الأصل ثم جعله بعضهم اسما لهذه المضغة وبعضهم توسع فسمى هذه اللحمة كلها حتى شحمها وحجابها قلبا ويطلق اسما لما في جوف الشيء وداخله واسما لشيء معنوي وهو النفس الانسانية التي تعقل وتدرك وتفقه وتؤمن وتكفر وتتقي وتزيغ وتطمئن وتلين وتقسو وتخشى وتخاف، وقد نسبت إليه كل هذه المعاني في القرآن، والأصل في هذا أن أسماء الأشياء المعنوية مأخوذة من أسماء الأشياء الحسية
وقد أطلق على الشيء الذي يحيا به الإنسان ويدرك العقليات والوجدانيات كالحب والبغض والخوف والرجاء، عدة أسماء منها القلب والروح والنفس واللب، وهناك مناسبة أخرى للقلب وهي أن قلب الحيوان هو مظهر حياته الحيوانية ومصدرها وللوجدانات النفسية والعواطف تأثير في القلب الحسي يشعر به الإنسان ومهما كانت المناسبة التي كانت سبب التسمية فلفظ القلب يطلق في القرآن بمعنى النفس المدركة والروح العاقلة التي يموت الإنسان بخروجها منه قال تعالى «وبلغت القلوب الحناجر» أي الأرواح لا هذه المضغ اللحمية التي لا تنتقل من مكانها وقال «فتكون لهم قلوب فيعقلون بها» أي نفوس وأرواح وليس المراد أن القلب الحسي آلة العقل وقال «نزل به الروح الأمين على قلبك» أي على نفسك الناطقة وروحك المدركة وليس المراد بالقلب هنا المضغة اللحمية ولا العقل، لأن العقل في اللغة ضرب خاص من ضروب العلم والإدراك ولا يقال ان الوحي نزل عليه ولكن قد تسمى النفس العاقلة عقلا كما تسمى قلبا، وقد يعزى الى القلب ويسند اليه ما هو من أفعال النفس أو انفعالاتها التي يكون لها أثر في القلب الحسي كقوله تعالى:«إذا ذكر الله وجلت قلوبهم» وقوله: «ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم» وقوله:
وقد افتتحت السورة بالأمر بتقوى الله والنهي عن طاعة الكافرين والمنافقين واتباع الوحي المنزل خاصة وجاء بعد ذلك قوله تعالى «ما جعل الله لرجل من قلبين» فكان المراد منه أن الإنسان لا يمكن أن يكون له قلبان يجمع بهما بين الضدين وهما ابتغاء مرضاة الله وابتغاء مرضاة الكافرين والمنافقين بل له قلب واحد إذا صدق في التوجه الى شيء لا يمكنه أن يتوجه الى ضده بالصدق والإخلاص
فيكون في وقت واحد مخلصا لله ومخلصا لأعداء دينه، ومن هذا الباب قول الشاعر وقد رمق سماء هذا المعنى:
لو كان لي قلبان عشت بواحد
…
وتركت قلبا في هواك يعذب
وخلاصة القول أن أشد ما ذكر فيه من التأويلات انهم كانوا يدعون لابن خطل قلبين فنفى الله صحة ذلك وقرنه بما كانوا يقولونه من الأقاويل المتناقضة كجعل الأدعياء أبناء والزوجات أمهات وهذه الأمور الثلاثة متنافية، أما الأول فإنه يلزم من اجتماع القلبين قيام أحد المعنيين بأحدهما وضده في الآخر وذلك كالعلم والجهل والأمن والخوف وغير ذلك، وأما الثاني فلأن الزوجة في مقام الامتهان والأم في محل الإكرام فنافى أن تكون الزوجة أما، وأما الثالث فلأن البنوّة أصالة وعراقة في النسب والدعوة لاصقة عارضة به فهما متنافيان وذكر الجوف ليصور به صورة اجتماع القلبين فيه حتى يبادره السامع بالإنكار.
هذا وقد قال تعالى هنا «ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه» وقال في موضع آخر: «رب إني نذرت لك ما في بطني محررا» فاستعمل الجوف في الأولى والبطن في الثانية ولم يستعمل الجوف موضع البطن ولا البطن موضع الجوف واللفظتان سواء في الدّلالة وهما ثلاثيتان في عدد واحد ووزنهما واحد أيضا فانظر الى سبك الألفاظ كيف يفعل فعله؟