الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متعلقان بمحذوف خبر ثان لهو أي هو مثبت محفوظ في صدورهم والذين مضاف اليه وجملة أوتوا العلم صلة والعلم مفعول به ثان لأوتوا. (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ) تقدم اعراب نظيرها قريبا.
البلاغة:
الاطناب:
في قوله «ولا تخطه بيمينك» إطناب لا بد منه فذكر اليمين وهي الجارحة التي يزاول بها الخط فيه زيادة في التصوير واستحضار لنفي كونه كاتبا، وقد قدمنا أن الاطناب يرد حقيقة ومجازا، وهذا من النوع الاول ومثله قولهم: رأيته بعيني وقبضته بيدي، ووطئته بقدمي، وذقته بفمي، وكل هذا يظنه الظان المبتدئ والسطحي انه من قبيل الزيادة والفضول وانه لا حاجة اليه ويقول: إن الرؤية لا تكون إلا بالعين والقبض لا يكون إلا باليد والوطء لا يكون إلا بالقدم والذوق لا يكون إلا بالفم وليس الأمر كما توهم بل هذا يقال في كل شيء يعظم مناله ويعز الوصول اليه وهو كثير في القرآن الكريم وقد تقدم بعضه وسيأتي الكثير منه أيضا.
الفوائد:
1-
أثارت دائرة المعارف إشكالا في قوله تعالى: «وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذن لارتاب المبطلون» فتقول: «إنها تدل على أنه تعلم القراءة في الكبر أي بعد نزول القرآن وإن كان التعبير غامضا أيضا» وليس التعبير غامضا ولكن التخريج الذي خرجته دائرة المعارف الاسلامية فاسد من أساسه، إذ أن لفظ
الآية صريح كل الصراحة في الدلالة على أن أهل مكة عرفوا عن النبي قبل نزول الوحي أنه لم يكن يتلو كتابا ولا يكتب بيمينه ولو أنه كان كذلك إذن لارتاب المبطلون بأن يذكروا للناس انه كان يخلو الى نفسه فيكتب القرآن ويعده ثم يخرج للناس فيتلوه عليهم، ولم تقف دائرة المعارف الاسلامية عند هذا الحد فأوردت آية الفرقان وهي «وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا» وواضح أن مفهوم هذه الآية لا يدل على شيء مما تخرصت به دائرة المعارف الاسلامية إذ أنها تدل في بساطة تامة على أن كفار قريش كانوا يدعون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب ما يملى عليه من أساطير الأولين وليس كل ما يدعي الكفار صوابا بل هو هجوم يقصد منه تجريح القرآن وإضعاف شأنه ويدل على مغالطة دائرة المعارف الاسلامية انها تغافلت الآية السابقة إذ يقول تعالى:«وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا، وقالوا أساطير الأولين»
…
الآية وقد أوردنا حملة فقهاء الشرق والغرب على أبي الوليد الباجي لزعمه أنه عليه السلام كتب يوم الحديبية.
2-
كيف تمّ تدوين القرآن:
ورد في كتاب الإتقان للسيوطي عن زيد بن ثابت قال «قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء» وعن زيد ابن ثابت أيضا قال: كنا عند رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع» قال الخطابي: «إنما يجمع النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بعهده
الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة فكان ابتداء ذلك على بد الصديق بمشورة عمر» .
وأخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن» وعلق السيوطي على هذا الحديث بقوله: «لا ينا في ذلك لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة وقد كان القرآن كتب كله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور» .
وقال الحارث المحاسبي في كتاب فهم السنن: «كتابة القرآن ليست بمحدثة فانه صلى الله عليه وسلم كان يأمر أصحابه بكتابته ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب فانما أمر الصديق بنسخها من مكان الى مكان مجتمعا وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله فيها القرآن منتشرا فجمعها جامع جامع وربطها بخيط لا يضيع منها شيء» .
جمع عسيب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض، واللخاف جمع لخفة وهي الحجارة الرقاق، وقال الخطابي: صفائح الحجارة، والرقاع جمع رقعة وقد تكون من جلد أو ورق أو كاغد، والأكتاف جمع كتف وهو العظم الذي للبصير ليركب عليه.
وروى البخاري في تفسيره في ذلك رواية له: «قال علي عليه السلام أن رسول الله أوصاني إذا واريته في حفرته أن لا أخرج من بيتي حتى أؤلف كتاب الله فإنه في جرائد النخل وفي أكتاف الإبل» والذي نراه ونستخلصه من مجموع هذه الأقوال أن النبي كان يبيح للمسلمين كتابة القرآن لمن كان يستطيع الكتابة منهم وانه كان يأمر كتابه بتدوينه ولكن التدوين لم يكن وفق نظام مقرر بحيث يقطع الى أن النبي خلف القرآن كله مدونا مرتب السور مجموعا.
ولما قبض الرسول بدأ التفكير في جمع المصحف، وفي البخاري عن زيد بن ثابت أنه قال: أرسل إليّ أبو بكر عقب مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر:
- إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر بالمواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقال زيد لعمر:
- كيف تفعل ما لم يفعله رسول الله؟ قال عمر:
- هذا والله خير.
فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، قال أبو بكر:
- إنك رجل «شاب عاقل» لا نتّهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله فتتبع القرآن فاجمعه. قال زيد: فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن.
قلت: فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح
له صدر أبي بكر وعمر فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره «لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص» الى آخر براءة.
وواضح من هذا أن أبا بكر وعمر وغيرهما خشوا وقد اندفع المسلمون في حروب الردة ثم في حروب الفتح أن يهمل أمر القرآن وهو معجزة رسول الله الكبرى ودعامة الإسلام الأولى فاتفقوا على جمعه من هذه الصحائف المتفرقة التي كان يكتبها عارفو الكتابة من الصحابة ومن صدور الناس فكتب القرآن أو على الأصح نقل ما كان منه مكتوبا وأكمل بما كان محفوظا في صدور الرجال.
وعلى الرغم من كثرة النصوص التي نقلنا بعضها، لا يزال هناك بعض الغموض يحيط بالطريقة التي اتبعها زيد بن ثابت في جمع صحف القرآن، فقد ذكر أنه كان يحفظ القرآن كله، ومن المرجح أن عددا من الصحابة كانوا يحفظون القرآن منهم عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وربما أبو بكر وعمر فلماذا لم يجتمع هؤلاء ويتموا عملهم مستعينين بالصحف التي أملاها النبي وبذاكرتهم؟ ويظهر لنا أن هذه الطريقة الطبيعية التي اتبعت حتى تم لهم جمع المصحف بطريقة هادئة لا ارتجال فيها وهو ما عنته الآية الكريمة «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» ولما كان عهد عثمان بن عفان جد من المناسبات ما دعا الى إعادة النظر في أمر هذه الصحف التي كتبها زيد بن ثابت.
روى البخاري عن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق
فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا فأرسل عثمان الى حفصة بنت عمر بن الخطاب وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرسلي إلينا هذه الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة الى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث ابن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما أنزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف الى حفصة وأرسل عثمان الى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. قال زيد:
«ففقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف وقد كنت أسمع رسول الله يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري وهي «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه» فألحقناها مع سورتها في المصحف.
ترتيب المصحف:
أما بصدد ترتيب المصحف فيقول السيوطي: «الإجماع والنصوص على أن ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك، وذلك أن رسول الله كان يدل على مكان كل آية في سورتها ويؤيد هذا الرأي قول عثمان بن أبي العاص: «كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شخص ببصره ثم صوبه ثم قال: أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة: «إن الله يأمر بالعدل