الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَغْضَبْ اللَّهُ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَمْ يَغْضَبْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ» وَقَوْلِهِ: «إذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي» الْحَدِيثَ، وَأَضْعَافِ أَضْعَافِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الَّتِي تَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ، فَرَدُّوا هَذَا كُلَّهُ مَعَ إحْكَامِهِ بِمُتَشَابِهِ قَوْلِهِ:{لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام: 76] .
[رَدُّ النُّصُوصِ الْمُحْكَمَةِ عَلَى أَنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ إنَّمَا يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ لِحِكْمَةٍ وَغَايَةٍ مَحْمُودَةٍ]
الْمِثَالُ الثَّامِنُ:
رَدُّ النُّصُوصِ الْمُحْكَمَةِ الصَّرِيحَةِ الَّتِي فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالْكَثْرَةِ عَلَى أَنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ إنَّمَا يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ لِحِكْمَةٍ وَغَايَةٍ مَحْمُودَةٍ، وُجُودُهَا خَيْرٌ مِنْ عَدَمِهَا، وَدُخُولُ لَامِ التَّعْلِيلِ فِي شَرْعِهِ وَقَدْرِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُعَدَّ، فَرَدُّوهَا بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ:{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] ثُمَّ جَعَلُوهَا كُلَّهَا مُتَشَابِهَةً.
[رَدُّ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الْأَسْبَابِ]
الْمِثَالُ التَّاسِعُ:
رَدُّ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْكَثِيرَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الْأَسْبَابِ شَرْعًا وَقَدْرًا كَقَوْلِهِ: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المائدة: 105]{بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [الأعراف: 39]{بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [آل عمران: 182]{بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: 10]{بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: 93]{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ - ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 107 - 9]{ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [الجاثية: 35] وَقَوْلِهِ: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ} [المائدة: 16]{يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [البقرة: 26] وَقَوْلِهِ: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ق: 9] وَقَوْلِهِ: {فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 57] وَقَوْلِهِ: {فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} [المؤمنون: 19] وَقَوْلِهِ: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة: 14] وَقَوْلِهِ فِي الْعَسَلِ: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69] وَقَوْلِهِ فِي الْقُرْآنِ: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] إلَى أَضْعَافِ أَضْعَافِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الْمُثْبِتَةِ لِلسَّبَبِيَّةِ، فَرَدُّوا ذَلِكَ كُلَّهُ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ:{هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3] وَقَوْلِهِ: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} [الأنفال: 17]{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ» وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَوْلِهِ: «إنِّي لَا أُعْطِي أَحَدًا وَلَا أَمْنَعُهُ» وَقَوْلِهِ لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ الْعَزْلِ عَنْ أَمَتِهِ «اعْزِلْ عَنْهَا فَسَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» وَقَوْلِهِ: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» وَقَوْلِهِ: «فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ» وَقَوْلِهِ: «أَرَأَيْت إنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ» وَلَمْ يَقُلْ: مَنَعَهَا الْبَرْدُ وَالْآفَةُ الَّتِي تُصِيبُ الثِّمَارَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَالِكَ السَّبَبِ وَخَالِقِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ: بِأَنْ يَسْلُبَهُ سَبَبِيَّتَهُ
إنْ شَاءَ، وَيُبْقِيهَا عَلَيْهِ إنْ شَاءَ، كَمَا سَلَبَ النَّارَ قُوَّةَ الْإِحْرَاقِ عَنْ الْخَلِيلِ، وَبِاَللَّهِ الْعَجَبُ، أَتَرَى مَنْ أَثْبَتَ الْأَسْبَابَ وَقَالَ إنَّ اللَّهَ خَالِقُهَا أَثْبَتَ خَالِقًا غَيْرَ اللَّهِ؟ ،
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] فَغَابَ عَنْهُمْ فِقْهُ الْآيَةِ وَفَهْمُهَا، وَالْآيَةُ مِنْ أَكْبَرِ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالْخِطَابُ بِهَا خَاصٌّ لِأَهْلِ بَدْرٍ. وَكَذَلِكَ الْقَبْضَةُ الَّتِي رَمَى بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَوْصَلَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ إلَى جَمِيعِ وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ قُدْرَتِهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ الرَّمْيُ الَّذِي نَفَاهُ عَنْهُ، وَأَثْبَتَ لَهُ الرَّمْيَ الَّذِي هُوَ فِي مَحَلِّ قُدْرَتِهِ وَهُوَ الْخَذْفُ، وَكَذَلِكَ الْقَتْلُ الَّذِي نَفَاهُ عَنْهُمْ هُوَ قَتْلٌ لَمْ تُبَاشِرْهُ أَيْدِيهِمْ، وَإِنَّمَا بَاشَرَتْهُ أَيْدِي الْمَلَائِكَةِ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ الْفَارِسِ وَإِذَا بِرَأْسِهِ قَدْ وَقَعَ أَمَامَهُ مِنْ ضَرْبَةِ الْمَلِكِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا فَهِمَهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا فِقْهَ لَهُمْ فِي فَهْمِ النُّصُوصِ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ كُلِّ قَتْلٍ وَكُلِّ فِعْلٍ مِنْ شُرْبٍ أَوْ زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ ظُلْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ خَالِقُ الْجَمِيعِ، وَكَلَامُ اللَّهِ يُنَزَّهُ عَنْ هَذَا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ «مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ» لَمْ يُرِدْ أَنَّ اللَّهَ حَمَلَهُمْ بِالْقَدَرِ، وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَصَرِّفًا بِأَمْرِ اللَّهِ مُنَفِّذًا لَهُ، فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَهُ بِحَمْلِهِمْ فَنَفَّذَ أَوَامِرَهُ، فَكَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي حَمَلَهُمْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ «وَاَللَّهِ إنِّي لَا أُعْطِي أَحَدًا شَيْئًا وَلَا أَمْنَعُهُ» وَلِهَذَا قَالَ:«وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ» فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُعْطِي عَلَى لِسَانِهِ، وَهُوَ يَقْسِمُ مَا قَسَمَهُ بِأَمْرِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْعَزْلِ «فَسَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» لَيْسَ فِيهِ إسْقَاطُ الْأَسْبَابِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إذَا قَدَّرَ خَلْقَ الْوَلَدِ سَبَقَ مِنْ الْمَاءِ مَا يُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ شَيْءٍ فَلَيْسَ مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ، وَلَكِنْ أَيْنَ فِي السُّنَّةِ أَنَّ الْوَطْءَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْوَلَدِ أَلْبَتَّةَ وَلَيْسَ سَبَبًا لَهُ، وَأَنَّ الزَّوْجَ أَوْ السَّيِّدَ إنْ وَطِئَ أَوْ لَمْ يَطَأْ فَكِلَا الْأَمْرَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حُصُولِ الْوَلَدِ وَعَدَمِهِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ كَمَا يَقُولُهُ مُنْكِرُو الْأَسْبَابِ؟
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ نَفِيَ السَّبَبِ كَمَا زَعَمْتُمْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ كُلِّ سَبَبٍ، وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لَيْسَا مِنْ أَسْبَابِ الشَّرِّ، كَيْفَ وَالْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؟ وَإِنَّمَا يَنْفِي مَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُثْبِتُونَهُ مِنْ سَبَبِيَّةٍ مُسْتَمِرَّةٍ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهَا وَلَا صَرْفُهَا عَنْ مَحَلِّهَا وَلَا مُعَارَضَتُهَا بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا، لَا كَمَا يَقُولُهُ مَنْ قَصُرَ عِلْمُهُ: إنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ ذَلِكَ فَاعِلًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ.
[مَذَاهِبُ النَّاسِ فِي الْأَسْبَابِ]
فَالنَّاسُ فِي الْأَسْبَابِ لَهُمْ ثَلَاثُ طُرُقٍ: إبْطَالُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِثْبَاتُهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَقْبَلُ سَلْبَ سَبَبِيَّتِهَا وَلَا مُعَارَضَتَهَا بِمِثْلِهَا أَوْ أَقْوَى مِنْهَا كَمَا يَقُولُهُ الطَّبَائِعِيَّةُ وَالْمُنَجِّمُونَ وَالدَّهْرِيَّةُ، وَالثَّالِثُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَدَلَّ عَلَيْهِ الْحِسُّ وَالْعَقْلُ وَالْفِطْرَةُ: إثْبَاتُهَا أَسْبَابًا،