الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[رَدُّ السُّنَّةِ الْمُحْكَمَةِ فِي الْقَضَاءِ بِالْقَافَةِ]
الْمِثَالُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: رَدُّ السُّنَّةِ الْمُحْكَمَةِ فِي الْقَضَاءِ بِالْقَافَةِ وَقَالُوا: هُوَ خِلَافُ الْأُصُولِ، ثُمَّ قَالُوا: لَوْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ أَلْحَقْنَاهُ بِهِمَا، وَكَانَ هَذَا مُقْتَضَى الْأُصُولِ.
وَنَظِيرُ هَذَا الْمِثَالِ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: رَدُّ السُّنَّةِ الْمُحْكَمَةِ الثَّابِتَةِ فِي جَعْلِ الْأَمَةِ فِرَاشًا وَإِلْحَاقُ الْوَلَدِ بِالسَّيِّدِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ، وَقَالُوا: هُوَ خِلَافُ الْأُصُولِ، وَالْأَمَةُ لَا تَكُونُ فِرَاشًا، ثُمَّ قَالُوا: لَوْ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ بِأَقْصَى بُقْعَةٍ مِنْ الْمَشْرِقِ وَهِيَ بِأَقْصَى بُقْعَةٍ مِنْ الْمَغْرِبِ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَحِقَهُ، وَإِنْ عَلِمْنَا بِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَلَاقَيَا قَطُّ، وَهِيَ فِرَاشٌ بِالْعَقْدِ، فَأَمَتُهُ الَّتِي يَطَؤُهَا لَيْلًا وَنَهَارًا لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ، وَهَذِهِ فِرَاشٌ، وَهَذَا مُقْتَضَى الْأُصُولِ، وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خِلَافُ الْأُصُولِ عَلَى لَازِمِ قَوْلِهِمْ، وَنَظِيرُ هَذَا قِيَاسُ الْحَدَثِ عَلَى السَّلَامِ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَدَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبُ الْأُصُولِ، مَعَ بُعْدِ مَا بَيْنَ الْحَدَثِ وَالسَّلَامِ، وَتَرْكُ قِيَاسِ نَبِيذِ التَّمْرِ الْمُسْكِرِ عَلَى عَصِيرِ الْعِنَبِ الْمُسْكِرِ فِي تَحْرِيمِ قَلِيلِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ شِدَّةِ الْأُخُوَّةِ بَيْنَهُمَا، وَدَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الْأُصُولِ.
وَنَظِيرُهُ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ مَنَعَ دِينَارًا وَاحِدًا مِنْ الْجِزْيَةِ انْتَقَضَ عَهْدُهُ، وَحَلَّ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَلَوْ حَرَقَ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَمَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَاهَرَ بِسَبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَقْبَحَ سَبٍّ عَلَى رُءُوسِ الْمُسْلِمِينَ فَعَهْدُهُ بَاقٍ وَدَمُهُ مَعْصُومٌ، وَعَدَمُ النَّقْضِ بِذَلِكَ مُقْتَضَى الْأُصُولِ، وَالنَّقْضُ بِمَنْعِ الدِّينَارِ مُقْتَضَى الْأُصُولِ.
وَنَظِيرُهُ أَيْضًا إبَاحَةُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالْعَجَمِيَّةِ، وَأَنَّهُ مُقْتَضَى الْأُصُولِ، وَمَنْعُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى، وَهُوَ خِلَافُ الْأُصُولِ.
وَنَظِيرُهُ إسْقَاطُ الْحَدِّ عَمَّنْ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِيَزْنِيَ بِهَا أَوْ تَغْسِلَ ثِيَابَهُ فَزَنَى بِهَا، وَأَنَّ هَذَا مُقْتَضَى الْأُصُولِ، وَإِيجَابُ الْحَدِّ عَلَى الْأَعْمَى إذَا وَجَدَ عَلَى فِرَاشِهِ امْرَأَةً فَظَنَّهَا زَوْجَتُهُ فَبَانَتْ أَجْنَبِيَّةً.
وَنَظِيرُهُ أَيْضًا مَنْعُ الْمُصَلِّي مِنْ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَاءٍ يَبْلُغُ قَنَاطِيرَ مُقَنْطَرَةٍ وَقَعَتْ فِيهِ قَطْرَةُ دَمٍ أَوْ بَوْلٍ، وَإِبَاحَتُهُمْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ رُبُعُهُ مُتَلَطِّخٌ بِالْبَوْلِ، وَإِنْ كَانَ عُذْرَةً فَقَدْرُ رَاحَةِ الْكَفِّ.
وَنَظِيرُهُ دَعْوَاهُمْ أَنَّ الْإِيمَانَ وَاحِدٌ، وَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَهُوَ مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ، وَلَيْسَتْ الْأَعْمَالُ دَاخِلَةً فِي مَاهِيَّتِهِ، وَأَنَّ مِنْ مَاتَ وَلَمْ يُصَلِّ صَلَاةً قَطُّ فِي عُمْرِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ وَصِحَّةِ
جِسْمِهِ وَفَرَاغِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَتَكْفِيرُهُمْ مَنْ يَقُولُ مُسَيْجِدٌ أَوْ فُقَيِّهٌ بِالتَّصْغِيرِ أَوْ يَقُولُ لِلْخَمْرِ أَوْ لِلسَّمَاعِ الْمُحَرَّمِ: مَا أَطْيَبَهُ وَأَلَذَّهُ.
وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا فَقَالَ: " صَدَقُوا " سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ بِتَصْدِيقِهِمْ، وَلَوْ قَالَ:" كَذَبُوا عَلَيَّ " حُدَّ.
وَنَظِيرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ تُجْعَلُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ الْمُسْلِمُونَ، وَتَصِحُّ إجَارَتُهَا كَنِيسَةً يُعْبَدُ فِيهَا الصَّلِيبُ وَالنَّارُ.
وَنَظِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ قَهْقَهَ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَ وُضُوءُهُ، وَلَوْ غَنَّى فِي صَلَاتِهِ أَوْ قَذَفَ الْمُحْصَنَاتِ أَوْ شَهِدَ بِالزُّورِ فَوُضُوءُهُ بِحَالِهِ.
وَنَظِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ فَأْرَةٌ تَنَجَّسَتْ الْبِئْرُ؛ فَإِذَا نُزِعَ مِنْهَا دَلْوٌ فَالدَّلْوُ وَالْمَاءُ نَجِسَانِ، ثُمَّ هَكَذَا إلَى تَمَامِ كَذَا وَكَذَا دَلْوًا، فَإِذَا نُزِعَ الدَّلْوُ الَّذِي قَبْلَ الْأَخِيرِ فَرَشْرَشَ عَلَى حِيطَانِ الْبِئْرِ نَجَّسَهَا كُلَّهَا، فَإِذَا جَاءَتْ النَّوْبَةُ إلَى الدَّلْوِ الْأَخِيرِ قَشْقَشَ النَّجَاسَةَ كُلَّهَا مِنْ الْبِئْرِ وَحِيطَانِهَا وَطِينِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ نَجِسَةً.
وَنَظِيرُهُ إنْكَارُ كَوْنِ الْقُرْعَةِ الَّتِي ثَبَتَ فِيهَا سِتَّةُ أَحَادِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِيهَا آيَتَانِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ طَرِيقًا لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِثْبَاتُ حِلِّ الْوَطْءِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ الَّتِي يَعْلَمُ الْمَقْدُوحُ أَنَّهَا شَهَادَةُ زُورٍ، وَبِهَا فَرَّقَ الشَّاهِدَانِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ.
وَنَظِيرُ هَذَا إيجَابُ الِاسْتِبْرَاءِ عَلَى السَّيِّدِ إذَا مَلَكَ امْرَأَةً بِكْرًا لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، مَعَ الْقَطْعِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا، وَإِسْقَاطُهُ عَمَّنْ أَرَادَ وَطْءَ الْأَمَةِ الَّتِي وَطِئَهَا سَيِّدُهَا الْبَارِحَةَ ثُمَّ اشْتَرَاهَا هُوَ فَمَلَكَهَا لِغَيْرِهِ ثُمَّ وَكَّلَهُ فِي تَزْوِيجِهَا مِنْهُ، فَقَالُوا: يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَلَيْسَ بَيْنَ وَطْءِ بَائِعِهَا وَوَطِئَهُ هُوَ إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ.
وَنَظِيرُ هَذَا فِي التَّنَاقُضِ إبَاحَةُ نِكَاحِ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَاءِ الزَّانِي مَعَ كَوْنِهَا بَعْضَهُ، مَعَ تَحْرِيمِ الْمِرْضَعَةِ مِنْ لَبَنِ امْرَأَتِهِ لِكَوْنِ اللَّبَنِ ثَابَ بِوَطْئِهِ فَقَدْ صَارَ فِيهِ جُزْءٌ مِنْهُ. فَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ، كَيْفَ انْتَهَضَ هَذَا الْجُزْءُ الْيَسِيرُ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ ثُمَّ يُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهَا وَهِيَ جُزْؤُهُ الْحَقِيقِيُّ وَسُلَالَتُهُ؟ وَأَيْنَ تَشْنِيعُكُمْ وَإِنْكَارُكُمْ لِاسْتِمْنَاءِ الرَّجُلِ بِيَدِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ خَوْفًا مِنْ الْعَنَتِ ثُمَّ تُجَوِّزُونَ لَهُ وَطْءَ بِنْتِهِ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَائِهِ حَقِيقَةً.
وَنَظِيرُ هَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَى ذِمِّيٍّ حَقًّا وَأَقَامَ بِهِ شَاهِدَيْنِ عَبْدَيْنِ عَالِمَيْنِ صَالِحَيْنِ مَقْبُولَةً شَهَادَتُهُمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَقَامَ بِهِ شَاهِدَيْنِ كَافِرَيْنِ حُرَّيْنِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِمَا مِنْ أَكْذِبْ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَدِينِهِ.
وَنَظِيرُ هَذَا لَوْ تَدَاعَيَا حَائِطًا لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ خَشَبَتَانِ، وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ ثَلَاثُ خَشَبَاتٍ وَلَا بَيِّنَةَ فَهُوَ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْخَشَبَاتِ الثَّلَاثِ؛ فَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثُ خَشَبَاتٍ وَلِلْآخَرِ مَائِهُ خَشَبَةٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.
وَنَظِيرُ هَذَا لَوْ اغْتَصَبَ نَصْرَانِيٌّ رَجُلًا عَلَى ابْنَتِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ وَزَنَى بِهَا ثُمَّ شَدَخَ رَأْسَهَا بِحَجَرٍ أَوْ رَمَى بِهَا مِنْ أَعْلَى شَاهِقٍ حَتَّى مَاتَتْ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا قِصَاصَ؛ فَلَوْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُ صَاحِبُ الْحُرْمَةِ بِقَصَبَةٍ مُحَدِّدَةٍ قُتِلَ بِهِ.
وَنَظِيرُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ أَلْفِ مُسْلِمٍ أَوْ أَكْثَرَ بِسِجْنِ شَهْرٍ وَأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَقَتَلَهُمْ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَلَا دِيَةَ، حَتَّى إذَا أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى عِتْقِ أَمَتِهِ أَوْ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ لَزِمَهُ حُكْمُ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، وَلَمْ يَكُنْ الْإِكْرَاهُ مَانِعًا مِنْ نُفُوذِ حُكْمِنَا عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَبَاحَ التَّكَلُّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَلَمْ يُبَحْ قَتْلَ الْمُسْلِمِ بِالْإِكْرَاهِ أَبَدًا.
وَنَظِيرُ هَذَا إبْطَالُ الصَّلَاةِ بِتَسْبِيحِ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ، وَقَدْ أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَتَصْحِيحُ صَلَاةِ مَنْ رَكَعَ ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ، وَقَدْ أَبْطَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ:«لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا صُلْبَهُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ» وَدَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْأُصُولِ.
وَنَظِيرُهُ أَيْضًا إبْطَالُ الصَّلَاةِ بِالْإِشَارَةِ لِرَدِّ السَّلَامِ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاتِهِ بِرَدِّ السَّلَامِ، وَأَشَارَ الصَّحَابَةُ بِرُءُوسِهِمْ تَارَةً وَبِأَكُفِّهِمْ تَارَةً، وَتَصْحِيحُهَا مَعَ تَرْكِ الطُّمَأْنِينَةِ وَقَدْ أَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَنَفَى الصَّلَاةَ بِدُونِهَا، وَأَخْبَرَ أَنَّ صَلَاةَ النَّقْرِ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ، وَأَخْبَرَ حُذَيْفَةُ أَنَّ مَنْ صَلَّى كَذَلِكَ لَقِيَ اللَّهَ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم، وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مَنْ لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ سُرَّاقِ الْأَمْوَالِ.
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُمْ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا مُسْلِمًا طَاهِرَ الْبَدَنِ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ غَمَسَ يَدَهُ فِي بِئْرٍ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ صَارَتْ الْبِئْرُ كُلُّهَا نَجِسَةً، يَحْرُمُ شُرْبُ مَائِهَا وَالْوُضُوءُ مِنْهُ وَالطَّبْخُ بِهِ؛ فَلَوْ اغْتَسَلَ فِيهَا مِائَةُ نَصْرَانِيٍّ قُلْفٍ عَابِدُو الصَّلِيبِ أَوْ مَائِهُ يَهُودِيٍّ فَمَاؤُهَا بَاقٍ عَلَى حَالِهِ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَشُرْبُهُ وَالطَّبْخُ بِهِ.
وَنَظِيرُهُ لَوْ مَاتَتْ فَأْرَةٌ فِي مَاءٍ فَصُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ فِي بِئْرِ لَمْ يُنْزَحْ مِنْهَا إلَّا عِشْرُونَ دَلْوًا فَقَطْ، وَتَطْهُرُ بِذَلِكَ، وَلَوْ تَوَضَّأَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ طَاهِرُ الْأَعْضَاءِ بِمَاءٍ فَسَقَطَ ذَلِكَ الْمَاءُ فِي الْبِئْرِ فَلَا بُدَّ أَنْ تُنْزَحَ كُلُّهَا.
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُمْ: لَوْ عَقَدَ عَلَى أُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ أَوْ بِنْتِهِ وَوَطِئَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ ذَلِكَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْعَقْدِ شُبْهَةٌ، وَلَوْ رَأَى امْرَأَةً فِي الظُّلْمَةِ ظَنَّهَا امْرَأَتَهُ فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شُبْهَةً.
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ: لَوْ أَنَّهُ رَشَا شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا بِالزُّورِ الْمَحْضِ أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَفَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيَطَأَهَا حَلَالًا، بَلْ وَيَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ ذَلِكَ؛ فَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ نَقْضُ حُكْمِهِ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لَنُقِضَ حُكْمُهُ وَقَدْ حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم،.
وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَخَرَجَتْ مَجْنُونَةً بَرْصَاءَ مِنْ قَرْنِهَا إلَى قَدَمِهَا مَجْذُومَةً عَمْيَاءَ مَقْطُوعَةَ الْأَطْرَافِ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا وَجَدَتْ هِيَ الزَّوْجَ كَذَلِكَ فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَإِنْ خَرَجَ الزَّوْجُ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ وَأَغْنَاهُمْ وَأَجْمَلِهِمْ وَأَعْلَمِهِمْ وَلَيْسَ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ وَلِلزَّوْجَةِ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ فَلَهَا الْفَسْخُ بِذَلِكَ.
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ: يَصِحُّ نِكَاحُ الشِّغَارِ، وَيَجِبُ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَقَدْ صَحَّ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ وَتَحْرِيمُهُ إيَّاهُ، وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ مَنْ أَعْتَقَ أَمَةً وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا وَقَدْ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ: يَصِحُّ نِكَاحُ التَّحْلِيلِ، وَقَدْ صَحَّ لَعْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ فَعَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ، وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِمُضْطَرٍّ خَائِفِ الْعَنَتِ عَادِمِ الطَّوْلِ إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ وَلَوْ كَانَتْ عَجُوزًا شَوْهَاءَ لَا تُعِفُّهُ.
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ: يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ، وَقَدْ مَنَعَ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَتَحْرِيمُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَقَدْ بَاعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ: لِلْجَارِ أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى غَرْزِهَا فِي حَائِطِهِ وَقَدْ نَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَنْعِهِ، وَتَسْلِيطُهُمْ إيَّاهُ عَلَى انْتِزَاعِ دَارِهِ كُلِّهَا مِنْهُ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْحُدُودِ وَتَصْرِيفِ الطُّرُقِ وَقَدْ أَبْطَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ: لَا يُحْكَمُ بِالْقَسَامَةِ لِأَنَّهَا خِلَافُ الْأُصُولِ، ثُمَّ قَالُوا: يَحْلِفُ الَّذِينَ وَجَدُوا الْقَتِيلَ فِي مَحَلَّتِهِمْ وَدَارِهِمْ خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ يُقْضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ، فَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ، كَيْفَ كَانَ هَذَا وَفْقَ الْأُصُولِ وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خِلَافَ الْأُصُولِ؟