الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي جَهْرِهِ بِالِاسْتِفْتَاحِ فِي الْفَرْضِ فِي مُصَلَّى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَمَلِ الصَّحَابَةِ بِهِ، ثُمَّ الْعَمَلُ فِي زَمَنِ مَالِكٍ بِوَصْلِ التَّكْبِيرِ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْتَاحٍ وَلَا تَعَوُّذٍ. وَانْظُرْ الْعَمَلَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي اعْتِبَارِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَمُفَارَقَتِهِ لِمَكَانِ التَّبَايُعِ لِيَلْزَمَ الْعَقْدَ وَلَا يُخَالِفُهُ فِي ذَلِكَ صَحَابِيٌّ، ثُمَّ الْعَمَلُ بِهِ فِي زَمَنِ التَّابِعِينَ وَإِمَامُهُمْ وَعَالِمُهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَعْمَلُ بِهِ وَيُفْتِي بِهِ وَلَا يُنْكِرُهُ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ، ثُمَّ صَارَ الْعَمَلُ فِي زَمَنِ رَبِيعَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ بِخِلَافِ ذَلِكَ.
وَانْظُرْ إلَى الْعَمَلِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ خَلْفَهُ وَهُمْ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعُ مِنْهُ، ثُمَّ الْعَمَلُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ حَتَّى كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا رَأَى مَنْ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَصَبَهُ، وَهُوَ عَمَلٌ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ، وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ يَعْمَلُ بِهِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْصَارِ كَمَا حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُمْ، ثُمَّ صَارَ الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ. وَانْظُرْ إلَى الْعَمَلِ الَّذِي كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ مِنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ فِي الْمَسْجِدِ وَالصَّحَابَةُ مَعَهُ، وَصَلَّتْ عَائِشَةُ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَصَلَّى عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْمَسْجِدِ، ذَكَرَهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا نَرَى أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ حَضَرَ مَوْتَهُ فَتَخَلَّفَ عَنْ جِنَازَتِهِ، فَهَذَا عَمَلٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَكُمْ، قَالَهُ لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَهَذَا الْعَمَلُ حَقٌّ، وَلَوْ تُرِكَتْ السُّنَنُ لِلْعَمَلِ لَتَعَطَّلَتْ سُنَنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَرَسَتْ رُسُومُهَا وَعَفَتْ آثَارُهَا، وَكَمْ مِنْ عَمَلٍ قَدْ اطَّرَدَ بِخِلَافِ السُّنَّةِ الصَّرِيحَةِ عَلَى تَقَادُمِ الزَّمَانِ وَإِلَى الْآنَ، وَكُلُّ وَقْتٍ تُتْرَكُ سُنَّةٌ وَيُعْمَلُ بِخِلَافِهَا وَيَسْتَمِرُّ عَلَيْهَا الْعَمَلُ فَتَجِدُ يَسِيرًا مِنْ السُّنَّةِ مَعْمُولًا بِهِ عَلَى نَوْعِ تَقْصِيرٍ. وَخُذْ بِلَا حِسَابٍ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ سُنَنٍ قَدْ أُهْمِلَتْ وَعُطِّلَ الْعَمَلُ بِهَا جُمْلَةً؛ فَلَوْ عَمِلَ بِهَا مَنْ يَعْرِفُهَا لَقَالَ النَّاسُ: تُرِكَتْ السُّنَّةُ؛ فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ خَالَفَ السُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ لَمْ يَقَعْ مِنْ طَرِيقِ النَّقْلِ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا يَقَعُ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، وَالِاجْتِهَادُ إذَا خَالَفَ السُّنَّةَ كَانَ مَرْدُودًا، وَكُلُّ عَمَلٍ طَرِيقُهُ النَّقْلُ فَإِنَّهُ لَا يُخَالِفُ سُنَّةً صَحِيحَةً أَلْبَتَّةَ.
[تَرْكُ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فِي الْجَهْرِ بِآمِينَ فِي الصَّلَاةِ]
فَلْنَرْجِعْ إلَى الْأَمْثِلَةِ الَّتِي تُرِكَ فِيهَا الْمُحْكَمُ لِلْمُتَشَابِهِ، فَنَقُولُ:
[الْجَهْرُ بِآمِينَ]
الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ: تَرْكُ السُّنَّةِ الْمُحْكَمَةِ الصَّحِيحَةِ فِي الْجَهْرِ بِآمِينَ فِي الصَّلَاةِ كَقَوْلِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَلَوْلَا جَهْرُهُ بِالتَّأْمِينِ لَمَا أَمْكَنَ الْمَأْمُومُ أَنْ يُؤَمِّنَ مَعَهُ وَيُوَافِقَهُ فِي التَّأْمِينِ،
وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا حَدِيثُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٌ بْنِ عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَالَ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ، وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ» .
وَفِي لَفْظٍ: «وَطَوَّلَ بِهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَقَدْ خَالَفَ شُعْبَةُ سُفْيَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ:«وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ» وَحُكْمُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَحُفَّاظِهِ فِي هَذَا لِسُفْيَانَ فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ يَقُولُ: حَدِيثُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ فِي هَذَا الْبَابِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، أَخْطَأَ شُعْبَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَوَاضِعَ، فَقَالَ:" عَنْ حُجْرٌ أَبِي الْعَنْبَسِ " وَإِنَّمَا كُنْيَتُهُ أَبُو السَّكَنِ، وَزَادَ فِيهِ عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ حُجْرٌ بْنُ عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٌ، لَيْسَ فِيهِ عَلْقَمَةُ، وَقَالَ:«وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ» وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ جَهَرَ بِهَا.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَسَأَلْت أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ هَذَا، فَقَالَ: حَدِيثُ سُفْيَانَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَقَدْ رَوَى الْعَلَاءُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ نَحْوَ رِوَايَةِ سُفْيَانَ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَذَا قَالَ شُعْبَةُ: «وَأَخْفَى بِهَا صَوْتَهُ» وَيُقَالُ: إنَّهُ وَهَمَ فِيهِ؛ لِأَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَمُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ وَغَيْرَهُمَا رَوَوْهُ عَنْ سَلَمَةَ فَقَالُوا: «وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِآمِينَ» وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَا أَعْلَمُ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ إذَا اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ شُعْبَةَ، وَلَا يَعْدِلُهُ عِنْدِي أَحَدٌ، وَإِذَا خَالَفَهُ سُفْيَانُ أَخَذْت بِقَوْلِ سُفْيَانَ، وَقَالَ شُعْبَةُ: سُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنِّي؛ فَهَذَا تَرْجِيحٌ لِرِوَايَةِ سُفْيَانَ، وَتَرْجِيحٌ ثَانٍ: وَهُوَ مُتَابَعَةُ الْعَلَاءِ بْنِ صَالِحٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ لَهُ، وَتَرْجِيحٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّ أَبَا الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيَّ - وَحَسْبُك بِهِ رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ بِوِفَاقِ الثَّوْرِيِّ فِي مَتْنِهِ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى شُعْبَةَ كَمَا تَرَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَنَبَّهَ لِذَلِكَ فَعَادَ إلَى الصَّوَابِ فِي مَتْنِهِ، وَتَرَكَ ذِكْرَ ذَلِكَ عَلْقَمَةُ فِي إسْنَادِهِ، وَتَرْجِيحٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ لَوْ تَقَاوَمَتَا لَكَانَتْ رِوَايَةُ الرَّفْعِ مُتَضَمِّنَةً لِزِيَادَةٍ وَكَانَتْ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، وَتَرْجِيحٌ خَامِسٌ: وَهُوَ مُوَافَقَتُهَا وَتَفْسِيرُهَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «وَإِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ آمِينَ وَالْمَلَائِكَةُ تَقُولُ: آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ» . وَتَرْجِيحٌ سَادِسٌ: وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِآمِينَ» وَلِأَبِي دَاوُد بِمَعْنَاهُ، وَزَادَ بَيَانًا فَقَالَ:«قَالَ آمِينَ حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ يَلِيه مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ» وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا قَالَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قَالَ: آمِينَ يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ، وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ.»
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهِهِ قَالَ: «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: آمِينَ إذَا قَرَأَ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] » وَعَنْهُ أَيْضًا رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: كَانَ إذَا قَرَأَ وَلَا الضَّالِّينَ