الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَمْرِ، وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ فَهُوَ خَلُّ الْخَمْرِ الَّذِي تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا لَا بِاِتِّخَاذِهَا
[رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فِي تَسْبِيحِ الْمُصَلِّي إذَا نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ]
[تَسْبِيحُ مِنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ] . الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ: رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي تَسْبِيحِ الْمُصَلِّي إذَا نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«التَّسْبِيحُ فِي الصَّلَاةِ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَالِي أَرَاكُمْ أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيقَ؟ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ؛ فَإِنَّهُ إذَا سَبَّحَ الْتَفَتُّ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ» وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا اُسْتُؤْذِنَ عَلَى الرَّجُلِ وَهُوَ يُصَلِّي فَإِذْنُهُ التَّسْبِيحُ، وَإِذَا اُسْتُؤْذِنَ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهِيَ تُصَلِّي فَإِذْنُهَا التَّصْفِيقُ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ آخِرِهِمْ ثِقَاتٌ؛ فَرُدَّتْ هَذِهِ السُّنَنُ بِأَنَّهَا مُعَارِضَةٌ لِأَحَادِيثِ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ تَعَارَضَ مُبِيحٌ وَحَاظِرٌ، فَيُقَدَّمُ الْحَاظِرُ. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَجْهٍ، وَكُلٌّ مِنْهَا لَهُ وَجْهٌ، وَاَلَّذِي حَرَّمَ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ وَمَنَعَ مِنْهُ هُوَ الَّذِي شَرَعَ التَّسْبِيحَ الْمَذْكُورَ، وَتَحْرِيمُ الْكَلَامِ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَأَحَادِيثُ التَّسْبِيحِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَدَعْوَى نَسْخِهَا بِأَحَادِيثِ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ مُحَالٌ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ مَا؛ فَإِنَّ:" سُبْحَانَ اللَّهِ " لَيْسَ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي مُنِعَ مِنْهُ الْمُصَلِّي، بَلْ هُوَ مِمَّا أُمِرَ بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ، فَكَيْفَ يُسَوَّى بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا مِنْ أَفْسَدِ قِيَاسٍ وَاعْتِبَارٍ؟
[رَدُّ السُّنَّةِ فِي سَجَدَاتِ الْمُفَصَّلِ وَسَجْدَةِ الْحَجِّ]
[سَجَدَاتُ الْمُفَصَّلِ وَالْحَجِّ]
الْمِثَالُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ: رَدُّ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ فِي إثْبَاتِ سَجَدَاتِ الْمُفَصَّلِ، وَالسَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ سُورَةِ الْحَجِّ، كَمَا رَوَى أَبُو دَاوُد فِي السُّنَنِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ الْعُتَقِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنِيرٍ «عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ، مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ، وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَانِ» .
تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِسَجْدَتَيْنِ، فَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فِيهِمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا» .
وَحَدِيثُ ابْنِ لَهِيعَةَ يُحْتَجُّ مِنْهُ بِمَا رَوَاهُ عَنْهُ الْعَبَادِلَةُ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ
وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ابْنُ لَهِيعَةَ كَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ وَهْبٍ يَتَّبِعَانِ أُصُولَهُ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: مَنْ كَتَبَ عَنْهُ قَبْلَ احْتِرَاقِ كُتُبِهِ مِثْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَابْنِ الْمُقْرِي أَصَحُّ مِمَّنْ كَتَبَ عَنْهُ بَعْدَ احْتِرَاقِهَا. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: كَانَ ابْنُ لَهِيعَةَ صَادِقًا، وَقَدْ انْتَقَى النَّسَائِيّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ جُمْلَةِ حَدِيثِهِ، وَأَخْرَجَهُ، وَاعْتَمَدَهُ، وَقَالَ: مَا أَخْرَجْت مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ قَطُّ إلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا أَخْبَرْنَاهُ هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ ثنا مُعَافَى بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، فَذَكَرَهُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي الصَّادِقُ الْبَارُّ وَاَللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَنْ كَانَ مِثْلَ ابْنِ لَهِيعَةَ بِمِصْرَ فِي كَثْرَةِ حَدِيثِهِ وَضَبْطِهِ وَإِتْقَانِهِ؟ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ عِنْدَ ابْنِ لَهِيعَةَ الْأُصُولُ وَعِنْدَنَا الْفُرُوعُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ يَقُولُ: مَا كَانَ مُحَدِّثُ مِصْرَ إلَّا ابْنَ لَهِيعَةَ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْحَافِظُ: كَانَ ابْنُ لَهِيعَةَ صَحِيحَ الْكِتَابِ طَالِبًا لِلْعِلْمِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ صَالِحًا لَكِنَّهُ يُدَلِّسُ عَنْ الضُّعَفَاءِ، ثُمَّ احْتَرَقَتْ كُتُبُهُ، وَكَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ: سَمَاعُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ احْتِرَاقِ كُتُبِهِ مِثْلُ الْعَبَادِلَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالْمُقْرِي وَالْقَعْنَبِيِّ فَسَمَاعُهُمْ صَحِيحٌ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ «أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَجَدَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وَصَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَجَدَ فِي النَّجْمِ» ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.
فَرُدَّتْ هَذِهِ السُّنَنُ بِرَأْيٍ فَاسِدٍ وَحَدِيثٍ ضَعِيفٍ: أَمَّا الرَّأْيُ فَهُوَ أَنَّ آخِرَ الْحَجِّ السُّجُودُ فِيهَا سُجُودُ الصَّلَاةِ لِاقْتِرَانِهِ بِالرُّكُوعِ، بِخِلَافِ الْأُولَى؛ فَإِنَّ السُّجُودَ فِيهَا مُجَرَّدٌ عَنْ ذِكْرِ الرُّكُوعِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ قَوْله تَعَالَى:{يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] مِنْ مَوَاضِعِ السَّجَدَاتِ بِالِاتِّفَاقِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ فَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ثنا أَزْهَرُ بْنُ الْقَاسِمِ ثنا أَبُو قُدَامَةَ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إلَى الْمَدِينَةِ» .
فَأَمَّا الرَّأْيُ فَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ وُجُوهٌ:
مِنْهَا أَنَّهُ مَرْدُودٌ بِالنَّصِّ، وَمِنْهَا أَنَّ اقْتِرَانَ الرُّكُوعِ بِالسُّجُودِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مَوْضِعَ سَجْدَةٍ، كَمَا أَنَّ أَقْتِرَانَهُ بِالْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ مِنْ الرُّكُوعِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ سَجْدَةً، وَقَدْ صَحَّ سُجُودُهُ صلى الله عليه وسلم فِي النَّجْمِ، وَقَدْ قَرَنَ السُّجُودَ فِيهَا بِالْعِبَادَةِ كَمَا قَرَنَهُ بِالْعِبَادَةِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ، وَالرُّكُوعُ لَمْ يَزِدْهُ إلَّا تَأْكِيدًا، وَمِنْهَا أَنَّ أَكْثَرَ السَّجَدَاتِ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ مُتَنَاوِلَةٌ لِسُجُودِ الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [الرعد: 15] يَدْخُلُ فِيهِ سُجُودُ الْمُصَلِّينَ قَطْعًا،
وَكَيْفَ لَا وَهُوَ أَجَلُّ السُّجُودِ وَأَفْرَضُهُ؟
وَكَيْفَ لَا يَدْخُلُ هُوَ فِي قَوْلِهِ: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62] وَفِي قَوْلِهِ: {كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] وَقَدْ قَالَ قَبْلُ: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} [العلق: 9]{عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: 10] ثُمَّ قَالَ: {كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَفْعَلَ هَذَا الَّذِي نَهَاهُ عَنْهُ عَدُوُّ اللَّهِ، فَإِرَادَةُ سُجُودِ الصَّلَاةِ بِآيَةِ السَّجْدَةِ لَا تَمْنَعُ كَوْنَهَا سَجْدَةً، بَلْ تُؤَكِّدُهَا وَتُقَوِّيهَا.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ مَوَاضِعَ السَّجَدَاتِ فِي الْقُرْآنِ نَوْعَانِ: إخْبَارٌ، وَأَمْرٌ؛ فَالْإِخْبَارُ خَبَرٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ سُجُودِ مَخْلُوقَاتِهِ لَهُ عُمُومًا أَوْ خُصُوصًا، فَسُنَّ لِلتَّالِي وَالسَّامِعِ وُجُوبًا أَوْ اسْتِحْبَابًا أَنْ يَتَشَبَّهَ بِهِمْ عِنْدَ تِلَاوَةِ آيَةِ السَّجْدَةِ أَوْ سَمَاعِهَا، وَآيَاتُ الْأَوَامِرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَهَذَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَمْرٍ وَأَمْرٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ:{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62] : مُقْتَضِيًا لِلسُّجُودِ دُونَ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] فَالسَّاجِدُ إمَّا مُتَشَبِّهٌ بِمَنْ أُخْبِرَ عَنْهُ، أَوْ مُمْتَثِلٌ لِمَا أُمِرَ بِهِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يُسَنُّ لَهُ السُّجُودُ فِي آخِر الْحَجِّ كَمَا يُسَنُّ لَهُ السُّجُودُ فِي أَوَّلِهَا؛ فَلَمَّا سَوَّتْ السُّنَّةُ بَيْنَهُمَا سَوَّى الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ وَالِاعْتِبَارُ الْحَقُّ بَيْنَهُمَا.
وَهَذَا السُّجُودُ شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عُبُودِيَّةً عِنْدَ تِلَاوَةِ هَذِهِ الْآيَاتِ وَاسْتِمَاعِهَا، وَقُرْبَةً إلَيْهِ، وَخُضُوعًا لِعَظَمَتِهِ، وَتَذَلُّلًا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَاقْتِرَانُ الرُّكُوعِ بِبَعْضِ آيَاتِهِ مِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ، وَيُقَوِّيه، لَا يُضْعِفُهُ وَيُوهِيه، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] فَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ سَجْدَةٍ لِأَنَّهُ خَبَرٌ خَاصٌّ عَنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ لِامْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا أَنْ تُدِيمَ الْعِبَادَةَ لِرَبِّهَا بِالْقُنُوتِ وَتُصَلِّيَ لَهُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ فَهُوَ خَبَرٌ عَنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ لَهَا ذَلِكَ، وَإِعْلَامٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَنَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالَتْ ذَلِكَ لِمَرْيَمَ.
فَسِيَاقُ ذَلِكَ غَيْرُ سِيَاقِ آيَاتِ السَّجَدَاتِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قُدَامَةَ - وَاسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ - قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: هُوَ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ الْأَزْدِيُّ: ضَعِيفٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا انْفَرَدَ، قُلْت: وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ وَهُوَ مَوْضِعُ الْإِنْكَارِ؛ فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه شَهِدَ سُجُودَهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُفَصَّلِ فِي: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] . ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَسَجَدَ مَعَهُ، حَتَّى لَوْ صَحَّ خَبَرُ أَبِي قُدَامَةَ هَذَا لَوَجَبَ تَقْدِيمُ خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ فَمَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.