الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ: لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ أُخْرَى: أَنَا أَرْضَعْتُك وَزَوْجَتَك، أَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: هَذِهِ أُخْتُك مِنْ الرَّضَاعَةِ، جَازَ لَهُ تَكْذِيبُهَا وَوَطْءُ الزَّوْجَةِ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْوَاقِعَةُ الَّتِي «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُقْبَةَ بْنَ الْحَارِثِ بِفِرَاقِ امْرَأَتِهِ لِأَجْلِ قَوْلِ الْأَمَةِ السَّوْدَاءِ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا» . وَلَوْ اشْتَرَى طَعَامًا أَوْ مَاءً فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: هَذَا ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ أَوْ نَجِسٍ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ، مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الطَّعَامِ وَالْمَاءِ الْحِلُّ، وَالْأَصْلُ فِي الْأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ، ثُمَّ قَالُوا: لَوْ قَالَ الْمُخْبِرُ: " هَذَا الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ لِفُلَانٍ سَرَقَهُ أَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ فُلَانٌ " وَسِعَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ.
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُمْ: لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ وَخَيَّرَتَاهُ فَطَلَّقَ إحْدَاهُمَا كَانَتْ هِيَ الْمُخْتَارَةُ، وَاَلَّتِي أَمْسَكَهَا هِيَ الْمُفَارَقَةُ، قَالُوا: لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي زَوْجَةٍ، وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ تَخَلَّصُوا مِنْ هَذَا بِأَنَّهُ إنْ عَقَدَ عَلَى الْأُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَسَدَ نِكَاحُهُمَا وَاسْتَأْنَفَ نِكَاحَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَإِنْ تَزَوَّجَ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ فَنِكَاحُ الْأُولَى هُوَ الصَّحِيحُ، وَنِكَاحُ الثَّانِيَةِ فَاسِدٌ.
وَلَكِنْ لَزِمَهُمْ نَظِيرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ إذَا تَزَوَّجَ بِدُونِ إذْنِ سَيِّدِهِ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ، فَلَوْ قَالَ لَهُ:" طَلِّقْهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا " كَانَ ذَلِكَ إجَازَةً مِنْهُ لِلنِّكَاحِ، فَلَوْ قَالَ لَهُ:" طَلِّقْهَا " وَلَمْ يَقُلْ: " رَجْعِيًّا " لَمْ يَكُنْ إجَازَةً لِلنِّكَاحِ مَعَ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي هَذَا النِّكَاحِ لَا يَكُونُ رَجْعِيًّا إلَّا بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَقَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَمَّا قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَالدُّخُولِ فَلَا يَنْقَسِمُ إلَى بَائِنٍ وَرَجْعِيٍّ.
[رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فِي مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ]
[مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ]
الْمِثَالُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْمُحْكَمَةِ فِي أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، بِكَوْنِهَا خِلَافَ الْأُصُولِ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ نَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلَاةِ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، قَالُوا: وَالْعَامُّ عِنْدَنَا يُعَارِضُ الْخَاصَّ؛ فَقَدْ تَعَارَضَ حَاظِرٌ وَمُبِيحٌ، فَقَدَّمْنَا الْحَاظِرَ احْتِيَاطًا؛ فَإِنَّهُ يُوجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ، وَحَدِيثُ الْإِتْمَامِ يَجُوزُ لَهُ الْمُضِيُّ فِيهَا، وَإِذَا تَعَارَضَا صِرْنَا إلَى النَّصِّ الَّذِي يُوجِبُ الْإِعَادَةَ لِتُتَيَقَّنَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، فَيُقَالُ: لَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ» حَدِيثٌ وَاحِدٌ، قَالَهُ صلى الله عليه وسلم فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ فِي شَطْرِهِ؛ فَتَجِبُ طَاعَتُهُ فِي الشَّطْرِ الْآخَرِ، وَهُوَ مُحْكَمٌ خَاصٌّ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا، لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ أَلْبَتَّةَ، وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ عَامٌّ مُجْمَلٌ قَدْ خَصَّ مِنْهُ عَصْرُ يَوْمِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَخَصَّ مِنْهُ قَضَاءَ الْفَائِتَةِ وَالْمَنْسِيَّةِ بِالنَّصِّ، وَخَصَّ مِنْهُ ذَوَاتَ الْأَسْبَابِ بِالسُّنَّةِ كَمَا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُنَّةَ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَأَقَرَّ مَنْ قَضَى سُنَّةَ الْفَجْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَقَدْ أَعْلَمَهُ أَنَّهَا سُنَّةُ الْفَجْرِ، وَأَمَرَ مَنْ
صَلَّى فِي رَحْلِهِ ثُمَّ جَاءَ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ وَتَكُونُ لَهُ نَافِلَةً، وَقَالَهُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَهِيَ سَبَبُ الْحَدِيثِ، وَأَمَرَ الدَّاخِلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَنْ يُصَلِّيَ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ.
[فَرْقٌ بَيْنَ الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ]
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَمْرَ بِإِتْمَامِ الصَّلَاةِ وَقَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِيهَا أَمْرٌ بِإِتْمَامٍ لَا بِابْتِدَاءٍ، وَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ نَهْيٌ عَنْ ابْتِدَائِهَا لَا عَنْ اسْتِدَامَتِهَا؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ:" لَا تُتِمُّوا الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا قَالَ: لَا تُصَلُّوا ".
وَأَيْنَ أَحْكَامُ الِابْتِدَاءِ مِنْ الدَّوَامِ وَقَدْ فَرَّقَ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ بَيْنَهُمَا؟ فَلَا تُؤْخَذُ أَحْكَامُ الدَّوَامِ مِنْ أَحْكَامِ الِابْتِدَاءِ وَلَا أَحْكَامُ الِابْتِدَاءِ مِنْ أَحْكَامِ الدَّوَامِ فِي عَامَّةِ مَسَائِلِ الشَّرِيعَةِ؛ فَالْإِحْرَامُ يُنَافِي ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَالطِّيبِ دُونَ اسْتِدَامَتِهِمَا، وَالنِّكَاحُ يُنَافِي قِيَامَ الْعِدَّةِ وَالرِّدَّةِ دُونَ اسْتِدَامَتِهَا، وَالْحَدَثُ يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ دُونَ اسْتِدَامَتِهِ، وَزَوَالُ خَوْفِ الْعَنَتِ يُنَافِي ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ عَلَى الْأَمَةِ دُونَ اسْتِدَامَتِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالزِّنَا مِنْ الْمَرْأَةِ يُنَافِي ابْتِدَاءَ عَقْدِ النِّكَاحِ دُونَ اسْتِدَامَتِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَالذُّهُولُ عَنْ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ يُنَافِي ابْتِدَاءَهَا دُونَ اسْتِدَامَتِهَا، وَفَقْدُ الْكَفَاءَةِ يُنَافِي لُزُومَ النِّكَاحِ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الدَّوَامِ، وَحُصُولُ الْغِنَى يُنَافِي جَوَازَ الْأَخْذِ مِنْ الزَّكَاةِ ابْتِدَاءً وَلَا يُنَافِيهِ دَوَامًا.
وَحُصُولُ الْحَجْرِ بِالسَّفَهِ وَالْجُنُونِ يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَلَا يُنَافِي دَوَامَهُ، وَطَرَيَانُ مَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ مِنْ الْفِسْقِ وَالْكُفْرِ وَالْعَدَاوَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِهَا عَلَى الدَّوَامِ وَيَمْنَعُهُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ تَمْنَعُ التَّكْفِيرَ بِالصَّوْمِ ابْتِدَاءً لَا دَوَامًا، وَالْقُدْرَةُ عَلَى هَدْيِ التَّمَتُّعِ تَمْنَعُ الِانْتِقَالَ إلَى الصَّوْمِ ابْتِدَاءً لَا دَوَامًا، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمَاءِ ابْتِدَاءُ التَّيَمُّمِ اتِّفَاقًا، وَفِي مَنْعِهِ لِاسْتِدَامَةِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهَا، وَلَوْ غَصَبَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ مَنْ لَا يَقْدِرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى تَخْلِيصِهَا مِنْهُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ وَخُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ وَإِمْضَائِهِ، وَيُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ ابْتِدَاءِ إحْدَاثِ كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ اسْتِدَامَتِهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَتَطَيَّبُ أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ ابْتَدَأَهُ حَنِثَ، وَأَضْعَافُ أَضْعَافِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ؛ فَيُحْتَاجُ فِي ابْتِدَائِهَا إلَى مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي دَوَامِهَا، وَذَلِكَ لِقُوَّةِ الدَّوَامِ وَثُبُوتِهِ وَاسْتِقْرَارِ حُكْمِهِ، وَأَيْضًا فَهُوَ مُسْتَصْحَبٌ بِالْأَصْلِ، وَأَيْضًا فَالدَّافِعُ أَسْهَلُ مِنْ الرَّافِعِ، وَأَيْضًا فَأَحْكَامُ التَّبَعِ يَثْبُتُ فِيهَا مَا لَا يَثْبُتُ فِي الْمَتْبُوعَاتِ، وَالْمُسْتَدَامُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ الثَّابِتِ؛ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ لَكَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي صِحَّةَ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، فَكَيْفَ وَقَدْ تَوَارَدَ عَلَيْهِ النَّصُّ وَالْقِيَاسُ؟