الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَرْكُهُ، بَلْ الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ كَمَا قَالَ لِصَاحِبِ الْحَدِّ الَّذِي اعْتَرَفَ بِهِ:«اذْهَبْ فَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك» وَبَيْنَ أَنْ يُقِيمَ كَمَا أَقَامَهُ عَلَى مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ لَمَّا اخْتَارَا إقَامَتَهُ وَأَبَيَا إلَّا التَّطْهِيرَ بِهِ، وَلِذَلِكَ رَدَّهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِرَارًا وَهُمَا يَأْبَيَانِ إلَّا إقَامَتَهُ عَلَيْهِمَا، وَهَذَا الْمَسْلَكُ وَسَطُ مَسْلَكِ مَنْ يَقُولُ: لَا تَجُوزُ إقَامَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَلْبَتَّةَ، وَبَيْنَ مَسْلَكِ مَنْ يَقُولُ: لَا أَثَرَ لِلتَّوْبَةِ فِي إسْقَاطِهِ أَلْبَتَّةَ، وَإِذَا تَأَمَّلْت السُّنَّةَ رَأَيْتهَا لَا تَدُلُّ إلَّا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْوَسَطِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصَلِّ قَبُولُ رِوَايَةِ الْعَبْدِ دُونَ شَهَادَتِهِ]
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَقَبِلَ شَهَادَةَ الْعَبْدِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ قَالَ: كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ بِأَنَّهُ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، فَمَضْمُونُ السُّؤَالِ أَنَّ رِوَايَةَ الْعَبْدِ مَقْبُولَةٌ دُونَ شَهَادَتِهِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يُلْزِمُ الشَّارِعُ قَوْلَ فَقِيهٍ مُعَيَّنٍ وَلَا مَذْهَبَ مُعَيَّنٍ، وَهَذَا الْمَقَامُ لَا يَنْتَصِرُ فِيهِ إلَّا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَقَطْ، وَهَذَا السُّؤَالُ كَذِبٌ عَلَى الشَّارِعِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ قَالَ لَا تَقْبَلُوا شَهَادَةَ الْعَبْدِ، بَلْ رُدُّوهَا، وَلَوْ كَانَ عَالِمًا مُفْتِيًا فَقِيهًا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَمِنْ أَصْدَقِ النَّاسِ لَهْجَةً، بَلْ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالْمِيزَانُ الْعَادِلُ قَبُولُ شَهَادَةِ الْعَبْدِ فِيمَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحُرِّ؛ فَإِنَّهُ مِنْ رِجَالِ الْمُؤْمِنِينَ فَيَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] كَمَا دَخَلَ فِي {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] وَهُوَ عَدْلٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، فَيَدْخُلُ فِي قَوْله تَعَالَى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] كَمَا دَخَلَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ» وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] وَفِي قَوْلِهِ: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] وَفِي قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: 135] الْآيَةَ، كَمَا دَخَلَ فِي جَمِيعِ مَا فِيهَا مِنْ الْأَوَامِرِ، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«فَإِنْ شَهِدَ ذَوَا عَدْلٍ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: مَا عَلِمْت أَحَدًا رَدَّ شَهَادَةَ الْعَبْدِ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ غَالِبِ الْإِجْمَاعَاتِ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْمُتَأَخِّرُونَ؛ فَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّارِعِ بِأَنَّهُ أَبْطَلَ شَهَادَةَ الْعَبْدِ وَرَدَّهَا شَهَادَةٌ بِلَا عِلْمٍ، وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِرَدِّ شَهَادَةِ صَادِقٍ أَبَدًا، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالتَّثَبُّتِ فِي شَهَادَةِ الْفَاسِقِ.