المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والاستفهام فيه إنكاري بمعنى: النفي؛ أي: فهل ينتظر هؤلاء المشركون - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: والاستفهام فيه إنكاري بمعنى: النفي؛ أي: فهل ينتظر هؤلاء المشركون

والاستفهام فيه إنكاري بمعنى: النفي؛ أي: فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك يا محمَّد {إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ} ؛ أي: إلا يومًا يعاينون فيه العذاب، مثل أيام كفار الأمم الذين مضوا من قبلهم، التي عاينوا فيها العذاب حين كذبوا رسلهم، كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم؛ أي: ما ينتظرون بتكذيبك إلا عذابًا مثل عذاب الأمم الماضية المكذبة لرسلها أهلكناهم جميعًا، والعرب تسمّي العذاب أيامًا، والنعمَ أيامًا كقوله تعالى:{وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} . والمعنى: يقول (1) الله سبحانه وتعالى لنبيه، صلى الله عليه وسلم، محذرًا مشركي قومه، من حلول عاجل نقمة ربهم بهم، وقد حل بمن قبلهم من سائر الأمم الخالية التي سلكت في تكذيب رسله، وجحودهم مسلكهم هل ينتظر هؤلاء المشركون المكذبون، بما جئتهم به من عند الله تعالى، إلا يومًا يعاينون فيه من عذاب الله مثل أيام أسلافهم، الذين كانوا على مثل ما هم عليه من الشرك والتكذيب.

والخلاصة: أنهم ما ينتظرون إلا مثل وقائعهم مع رسلهم، ممَّا بلغهم مبدؤه وغايته، فإن كانوا ينتظرون ذلك العذاب فـ {قُلْ} لهم يا محمَّد؛ أي: لهؤلاء الكفار المعاصرين لك {فَانْتَظِرُوا} ؛ أي: تربصوا لوعد ربكم {إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} ؛ أي: من المتربصين لوعد ربي. وفي هذا تهديد شديد، ووعيد بالغ بأنه سينزل بهؤلاء، ما نزل بأولئك، من الإهلاك، إن لم يؤمنوا؛ أي: قل لهم منذرًا مهددًا انتظروا عقاب الله، ونزول سخطه بكم، إني من المنتظرين هلاككم بالعقوبة التي تحل بكم وإني على بينة بما وعد الله به وصدق وعده للمرسلين، وإن الذين يصرون على الجحود والعناد سيكونون من الهالكين.

‌103

- و {ثُمَّ} في قوله: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا} للعطف على مقدر يدل عليه ما قبله، كأنه قيل: أهلكنا الأمم، ثم نجينا رسلنا المرسلين إليهم. وقوله:{وَالَّذِينَ آمَنُوا} معطوف على رسلنا؛ أي: نجيناهم ونجينا الذين آمنوا. والتعبير بلفظ المضارع لاستحضار صورة الحال الماضية، تهويلًا لأمرها؛ أي: إن سنتنا في رسلنا

(1) المراغي.

ص: 365

السابقين على محمَّد مع أقوامهم، الذين يبلغونهم الدعوة ويقيمون عليهم الحجة، وينذرونهم سوء عاقبة التكذيب، فيؤمن بعض، ويصرّ آخرون على الكفر، أن نهلك المكذبين وننجي رسلنا والذين آمنوا بهم.

وقوله: {كَذَلِكَ} صفة (1) لمصدر محذوف؛ أي: إنجاء مثل ذلك الإنجاء، فهو مفعول مطلق، والعامل فيه قوله:{ننج المؤمنين} . وقوله: {حَقًّا عَلَيْنَا} اعتراض؛ أي: وحق ذلك علينا حقًّا، أي: وجب وتحتم بمقتضى الفضل والكرم؛ أي: إنجاء مثل ذلك الإنجاء ننجي المؤمنين معك أيها الرسول، ونهلك المصرين على تكذيبك وعدنا ذلك وعدًا حقًّا علينا لا نخلفه، كما قال تعالى:{سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77)} . وقرأ (2) يعقوب: {ثم ننجي} مخففًا وقرأ الباقون {ثم ننجي} بالتشديد وبثبوت الياء خطًّا ولفظًا. وقرأ حفص والكسائي ويعقوب: {ننجي} بالتخفيف والباقون بالتشديد، وتحذف منه الياء خطًّا إتباعًا لرسم المصحف. قاله "السمين" وفي اللفظ، إن وصل بما بعده، فحذفها ظاهر لأجل التقاء الساكنين، وإن وقف عليه وجب حذفها في النطق أيضًا، تبعًا لرسم المصحف اهـ "شيخنا". والتشديد والتخفيف في {ننجي} كلاهما لغتان فصيحتان أنجى ينجي إنجاءً، ونجى ينجي تنجيةً، بمعنى واحد. ومعنى الآية: أهلكنا (3) المكذبين ثم نجينا رسلنا المرسلة إليهم والذين آمنوا بهم؛ لأن العذاب لا ينزل إلا على الكفار كذلك؛ أي: مثل ذلك الإنجاء الذي نجينا الرسل، ومن آمن بهم، ننج المؤمنين بك يا محمَّد، من كل شدة وعذاب، وجب ذلك علينا وجوبًا بحسب الوعد والحكم، لا بحسب الاستحقاق؛ لأن العبد لا يستحق على خالقه شيئًا.

الإعراب

{وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا

(1) الفتوحات.

(2)

الشوكاني والفتوحات.

(3)

المراح.

ص: 366

لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ}.

{وَقَالَ مُوسَى} : الواو: استئنافية. {قال موسى} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ} إلى قوله:{قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} مقول محكي، وإن شئت قلت:{رَبَّنَا} منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول {قال} {إنَّكَ} ناصب واسمه {آتَيْتَ فِرْعَوْنَ} فعل وفاعل ومفعول أول؛ لأن أتى هنا بمعنى: أعطى. {وَمَلَأَهُ} معطوف على فرعون {زِينَةً} مفعول ثانٍ {وَأَمْوَالًا} : معطوف عليه {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} متعلق بـ {آتَيْتَ} وجملة {آتَيْتَ} في محل الرفع خبر {إنّ} وجملة {إنّ} في محل النصب مقول القول على كونها جواب النداء. {لِيُضِلُّوا} : اللام: حرف جر وعاقبة، {يضلوا}: فعل مضارع منصوب {بأن} مضمرة جوازًا بعد لام العاقبة {والواو} فاعله. {عَنْ سَبِيلِكَ} : متعلق به والجملة الفعلية في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لإضلالهم عن سبيلك، الجار والمجرور متعلق بـ {آتَيْتَ} .

{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} .

{رَبَّنَا} : منادى مضاف كرره للتأكيد، وجملة النداء في محل النصب مقول {قال} {اطْمِس} فعل دعاء، وفاعله ضمير يعود على الله. {عَلَى أَمْوَالِهِم} متعلق به، والجملة في محل النصب مقول {قال} على كونها جواب النداء {وَاشْدُدْ}: فعل أمر معطوف على {اطْمِس} {عَلَى قُلُوبِهِمْ} : متعلق به {فَلَا يُؤْمِنُوا} الفاء: عاطفة سببية {لا} : نافية {يُؤْمِنُوا} فعل وفاعل منصوب {بأن} مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية، الواقعة في جواب الدعاء، سلوكًا مسلك الأدب مع الباري سبحانه، والجملة في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها، من غير سابك، لإصلاح المعنى، تقديره: وليكن شدك قلوبهم يا الله فعدم إيمانهم ويصح أن يكون قوله: {فَلَا يُؤْمِنُوا} : معطوفًا على {لِيُضِلُّوا} وما بينهما دعاء معترض، ذكره "أبو السعود". {حَتَّى}: حرف جر وغاية {يَرَوُا} : فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد {حَتَّى} بمعنى إلى. {الْعَذَابَ} : مفعول به {الْأَلِيمَ} : صفة له والجملة الفعلية صلة {أَنْ} المضمرة {أَنْ} مع صلتها في

ص: 367

تأويل مصدر مجرور بـ {حَتَّى} بمعنى إلى تقديره: إلى رؤيتهم العذاب الأليم الجار والمجرور متعلق بيؤمنوا.

{قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)} .

{قَالَ} : فعل ماض وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة {قَدْ أُجِيبَتْ} إلى آخر الآية مقول محكي: وإن شئت قلت: {قَدْ} : حرف تحقيق. {أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} فعل ونائب فاعل، والجملة في محل النصب مقول {قَالَ}. {فَاسْتَقِيمَا} الفاء: عاطفة {استقيما} : فعل أمر، وفاعل، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {أُجِيبَت} {وَلَا تَتَّبِعَانِّ} الواو: عاطفة. {لا} : ناهية جازمة {تَتَّبِعَانِّ} : فعل مضارع مجزوم بـ {لا} الناهية، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأمثلة الخمسة، والألف ضمير للمثنى المذكر المخاطب في حل الرفع فاعل، والنون المشددة نون التوكيد، حرف لا محل لها من الإعراب مبني على الكسر، وإنما كسرت مع أن الأصل في نون التوكيد البناء على الفتح تشبيهًا لا بنون المثنى، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {فَاسْتَقِيمَا} {سَبِيلَ الَّذِينَ}: مفعول به ومضاف إليه. وجملة {لَا يَعْلَمُونَ} صلة الموصول.

{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ} .

{وَجَاوَزْنَا} : فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {بِبَنِي إِسْرَائِيلَ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ {جاوزنا} {الْبَحْر}: منصوب على الظرفية {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ} : فعل ومفعول وفاعل والفاء: عاطفة {وَجُنُودُهُ} : معطوف على {فِرْعَوْنُ} والجملة معطوفة على جملة {جاوزنا} . {بَغْيًا وَعَدْوًا} : مفعولان لأجله؛ أي: لأجل البغي والعدو وشروط النصب متوفرة، ويجوز أن يكونا مصدرين في موضع الحال؛ أي: باغين وعادين. {حَتَّى} : حرف جر وغاية {إِذَا} : ظرف لما يستقبل من الزمان {أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ} : فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الخفض

ص: 368

بإضافة {إِذَا} إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي.

{قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} .

{قَالَ} : فعل ماض وفاعله ضمير يعود على فرعون، والجملة جواب {إِذَا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إِذَا} من فعل شرطها وجوابها في محل الجر بـ {حَتَّى}: تقديره {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ} إلى قوله: آمنت وقت إدراك الغرق إياه الجار والمجرور متعلق {بأتبع} . {آمَنْتُ} إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت:{آمَنْتُ} : فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول {قَالَ}. {أَنَّهُ}: ناصب واسمه {لَا} : نافية تعمل عمل {إنَّ} . {إِلَهَ} في محل النصب اسمها وخبر {لَا} محذوف تقديره موجود. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ {الَّذِي} : اسم موصول في محل الرفع بدل من الضمير المستكن في خبر {لَا} المحذوف، وجملة {لَا} في محل الرفع خبر {أنّ} وجملة {أنّ} المفتوحة في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، تقديره: آمنت بعدم وجود إله، إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، الجار والمجرور متعلق بـ {آمَنَتْ} وقراءة كسر همزة {إنَّ} على تقدير القول؛ أي: قائلًا. {آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} : فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة صلة الموصول. {وَأَنَا}: مبتدأ. {مِنَ الْمُسْلِمِينَ} : خبره والجملة الاسمية في محل النصب، معطوفة على جملة {آمَنَتْ} على كونها مقول {قَالَ} .

{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} .

{آلْآنَ} في محل النصب على الظرفية الزمانية، متعلق بمحذوف تقديره: أتؤمن الآن، والهمزة فيه للاستفهام التوبيخي، والجملة المحذوفة في محل الرفع نائب فاعل لقول محذوف، تقديره: قيل له: الآن تؤمن، والجملة المحذوفة مستأنفة {وَقَدْ عَصَيْتَ} {الواو}: حالية {قد} : حرف تحقيق {عَصَيْتَ} : فعل وفاعل {قَبْلُ} : في محل النصب على الظرفية الزمانية مبني على الضم، لقطعه عن الإضافة، والظرف متعلق بـ {عَصَيْتَ} والجملة الفعلية في محل النصب حال

ص: 369

من فاعل تؤمن المحذوف، الذي تعلق به {آلْآنَ} . {وَكُنْتَ} فعل ناقص واسمه. {مِنَ الْمُفْسِدِينَ} خبره والجملة في محل النصب معطوفة على جملة {عصيت} .

{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} .

{فَالْيَوْمَ} : الفاء: عاطفة تفريعية {اليوم} : منصوب على الظرفية متعلق بما بعده {نُنَجِّيكَ} : فعل ومفعول به، وفاعله ضمير يعود على الله {بِبَدَنِكَ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بمحذوف حال من الكاف؛ أي: ننجيك ملتبسًا ببدنك فقط، لا مع روحك، كما هو مطلوبك، فهو تخييب له وحسم لطمعه، والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة على جملة أتؤمن الآن على كونها نائب فاعل للقول المحذوف، تقديره: قيل له أتؤمن الآن، فاليوم ننجيك ببدنك. {لِتَكُونَ} اللام: حرف جر وتعليل {تكون} : فعل مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة بعد لام كي واسمها ضمير يعود على {فِرعَوْنَ} . {لِمَنْ} : جار ومجرور متعلق بـ {تَكُونُ} أو حال من آية لأنه صفة نكرة قدمت عليها {خَلْفَكَ} : ظرف ومضاف إليه صلة من الموصولة {آيَةً} : خبر {تَكوُنُ} وجملة {أَنْ} المضمرة مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: لكونك آية لمن خلفك، الجار والمجرور متعلق بـ {نُنَجِّيكَ} {وَإِنَّ كَثِيرًا} ناصب واسمه {مِنَ النَّاسِ} صفة لـ {كَثِيرًا} {عَنْ آيَاتِنَا}: متعلق بـ {غافلون} {لَغَافِلُونَ} : خبر {إنَّ} والجملة مستأنفة اعتراضية تذييلية لا محل لها من الإعراب.

{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)} .

{وَلَقَدْ} : الواو: استئنافية. اللام: موطئة للقسم {قد} : حرف تحقيق. {بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} فعل وفاعل ومفعول به {مُبَوَّأَ صِدْقٍ} : منصوب على الظرفية المكانية متعلق بـ {بَوَّأْنَا} وهو من إضافة الموصوف إلى صفته؛ أي: مبوأً

ص: 370

صادقًا، ومنزلًا حسنًا، والجملة الفعلية جواب لقسم محذوف، وجملة القسم مستأنفة {وَرَزَقْنَاهُمْ} فعل وفاعل ومفعول أول {مِنَ الطَّيِّبَاتِ}: جار ومجرور متعلق بـ {رزقناهم} وهو في محل المفعول الثاني، والجملة معطوفة على جملة {بَوَّأْنَا} {فَمَا} الفاء: عاطفة {ما} نافية {اخْتَلَفُوا} : فعل وفاعل معطوف على {رزقناهم} {حَتَّى} : حرف جر وغاية {جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} : فعل ومفعول وفاعل في محل النصب بأن مضمرة بعد {حَتَّى} والجملة في تأويل مصدر مجرور بـ {حَتَّى} بمعنى إلى تقديره: إلى مجيء العلم إياهم، الجار والمجرور متعلق بـ {اخْتَلَفُوا} {إِنَّ رَبَّكَ}: ناصب واسمه {يَقْضِي} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الرب. {بَيْنَهُمْ}: متعلق بـ {يَقْضِي} . وكذا يتعلق به {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وجملة {يَقْضِي} في محل الرفع خبر {إِنَّ} وجملة {إِنَّ} مستأنفة. {فِيمَا} : جار ومجرور متعلق بـ {يَقْضِي} أيضًا. {كَانُوا} : فعل ناقص واسمه. {فِيهِ} : متعلق بما بعده وجملة {يَخْتَلِفُونَ} في محل النصب خبر {كَانَ} وجملة {كَانَ} صلة لـ {ما} أو صفة لها.

{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} .

{فَإِنْ} : الفاء: استئنافية {إن} حرف شرط. {كُنْتَ} : فعل ناقص واسمه في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونه فعل شرط لها. {فِي شَكٍّ} : جار ومجرور خبر {كَانَ} . {مِمَّا} جار ومجرور صفة لـ {شَكٍّ} و {مِن} بمعنى في. {أَنْزَلْنَا} : فعل وفاعل {إِلَيْكَ} متعلق به، والجملة صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف، تقديره: مما أنزلناه إليك. {فَاسْأَلِ} الفاء: رابطة لجواب {إن} الشرطية وجوبًا. {اسأل} : فعل أمر وفاعله ضمير يعود على محمَّد. {الَّذِينَ} : مفعول أول لسأل والثاني محذوف، تقديره: عنه. {يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ} : فعل وفاعل ومفعول. {مِنْ قَبْلِكَ} : جار ومجرور حال من واو {يقرؤون} ، وجملة {يقرؤون}: صلة الموصول، وجملة سأل في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها، وجملة {إن} الشرطية مستأنفة. {لَقَدْ}

ص: 371

اللام: موطئة للقسم {قد} : حرف تحقيق. {جَاءَكَ الْحَقُّ} : فعل ومفعول وفاعل {مِنْ رَبِّكَ} : حال من {الْحَقُّ} أو متعلق بـ {جاء} والجملة الفعلية جواب للقسم المحذوف. {فَلَا تَكُونَنَّ} الفاء: عاطفة تفريعية {لا} : ناهية جازمة. {تَكُونَنَّ} فعل مضارع ناقص في محل الجزم بـ {لا} مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، واسمها ضمير يعود على محمَّد. {مِنَ الْمُمْتَرِينَ}: جار ومجرور خبرها، وجملة {تَكُونَنَّ}: معطوفة مفرعة على جملة {جاء} على كونها جواب القسم المحذوف، فلا محل لها من الإعراب.

{وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .

{وَلَا} : الواو: عاطفة {لا} : ناهية جازمة. {تَكُونَنَّ} : فعل مضارع ناقص في محل الجزم بـ {لا} الناهية، واسمها ضمير يعود على محمَّد. {مِنَ الَّذِينَ}: جار ومجرور خبر {تكون} وجملة {تكون} معطوفة على جملة {تَكُونَنَّ} الأولى {كَذَّبُوا} فعل وفاعل صلة الموصول. {بآيات الله} : جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {كَذَّبُوا}. {فَتَكُونَ} الفاء: عاطفة سببية. {تكون} : فعل مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النهي، واسمها ضمير يعود على محمَّد. {مِنَ الْخَاسِرِينَ}: خبرها وجملة {تكون} صلة أن المضمرة أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها، من غير سابك لإصلاح المعنى، تقديره: لا يكن تكذيبك بآيات الله فكونك من الخاسرين.

{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)} .

{إِنَّ الَّذِينَ} : ناصب واسمه {حَقَّتْ} : فعل ماض {عَلَيْهِمْ} : متعلق به {كَلِمَتُ رَبِّكَ} : فاعل ومضاف إليه، والجملة الفعلية صلة الموصول. وجملة {لَا يُؤْمِنُونَ} في محل الرفع خبر {إنَّ} وجملة {إنَّ} مستأنفة. {وَلَوْ} الواو: اعتراضية. {لو} : حرف شرط {جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} : فعل وفاعل ومفعول،

ص: 372

والجملة فعل شرط لـ {لو} وجواب {لو} معلوم مما قبلها، تقديره: لا يؤمنون بها، وجملة {لو} معترضة لا محل لها من الإعراب، لاعتراضها بين الجار ومتعلقه. {حَتَّى} حرف جر وغاية. {يَرَوُا الْعَذَابَ}: فعل وفاعل ومفعول منصوب بأن مضمرة بعد {حَتَّى} . {الْأَلِيمَ} صفة للعذاب والجملة الفعلية مع أن المضمرة، في تأويل مصدر مجرور بـ {حَتَّى} بمعنى: إلى، تقديره: إلى رؤيتهم العذاب الأليم الجار والمجرور متعلق بـ {يُؤْمِنُونَ} .

{فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} .

{فَلَوْلَا} : الفاء: استئنافية، {لولا}: تحضيضية مضمنة معنى النفي. {كَانَتْ قَرْيَةٌ} فعل وفاعل لأن {كان} هنا تامة. {آمَنَتْ} : فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على {قَرْيَةٌ} والجملة في محل الرفع صفة لـ {قَرْيَةٌ} وجملة {كان} مستأنفة. {فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا}: فعل ومفعول وفاعل، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة {آمَنَتْ} على كونها صفة لـ {قَرْيَةٌ} ولكنها صفة سببية. {إِلَّا} أداة استثناء {قَوْمَ يُونُسَ}: منصوب على الاستثناء. {يُونُسَ} : ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة {لَمَّا} : حرف شرط غير جازم {آمَنُوا} : فعل وفاعل، والجملة فعل شرط لـ {لَمَّا}. {كَشَفْنَا} فعل وفاعل. {عَنْهُمْ} متعلق به {عَذَابَ الْخِزْيِ}: مفعول به ومضاف إليه، والجملة جواب {لَمَّا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَمَّا} مستأنفة. {فِي الْحَيَاةِ} متعلق بـ {كَشَفْنَا} . {الدُّنْيَا} صفة للحياة. {وَمَتَّعْنَاهُمْ} فعل وفاعل ومفعول. {إِلَى حِينٍ} متعلق به، والجملة معطوفة على جملة {كَشَفْنَا} على كونها جواب لما.

{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)} .

{وَلَوْ} : الواو: استئنافية. {لو} : حرف شرط {شَاءَ رَبُّكَ} : فعل وفاعل والجملة فعل شرط لـ {لو} . {لَآمَنَ} اللام: رابطة لجواب {لو} . {آمن من} فعل وفاعل، والجملة جواب {لو} الشرطية وجملة {لو} الشرطية مستأنفة. {فِي

ص: 373

الْأَرْضِ}: جار ومجرور صلة من الموصولة. {كُلُّهُمْ} توكيد لـ {مَن} الموصولة. {جَمِيعًا} حال منها. {أَفَأَنْتَ} الهمزة للاستفهام التأديبي داخلة على محذوف تقديره: أتحزن وتتأسف على عدم إيمانهم. الفاء: عاطفة {أنت} مبتدأ. {تُكْرِهُ النَّاسَ} : فعل ومفعول وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على ذلك المحذوف. {حَتَّى يَكُونُوا} فعل ناقص واسمه. {مُؤْمِنِينَ} خبره والجملة في تأويل مصدر مجرور بحتى بمعنى إلى تقديره: إلى كونهم مؤمنين الجار والمجرور متعلق بتكره.

{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100)} .

{وَمَا} : {الواو} استئنافية. {ما} : نافية. {كَانَ} : فعل ماض ناقص. {لِنَفْسٍ} : جار ومجرور خبر {كَانَ} مقدم. {أَنْ تُؤْمِنَ} : ناصب وفعل وفاعله ضمير يعود على النفس. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {بِإِذْنِ اللَّهِ} : متعلق بـ {تُؤْمِنَ} وجملة: {تُؤْمِنَ} في تأويل مصدر مرفوع على كونه اسم {كَانَ} تقديره: وما كان الإيمان إلا بإذن الله، كائنًا لنفس، وجملة {كَانَ} مستأنفة مسوقة لتعليل قوله:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ} {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية معطوفة على محذوف، تقديره: فيأذن الله لبعضهم في الإيمان ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون {عَلَى الَّذِينَ} : جار ومجرور متعلق بـ {يَجْعَلُ} . وجملة {لَا يَعْقِلُونَ} صلة الموصول.

{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} .

{قُلِ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد والجملة مستأنفة {انْظُرُوا مَاذَا

} إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت:{انْظُرُوا} : فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول محكي. {مَاذَا} {ما} اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ {ذا}: اسم موصول بمعنى الذي في محل الرفع خبر، والجملة الاسمية في محل النصب مفعول {انْظُرُوا} لتعليق العامل، وهو {انْظُرُوا} عنها

ص: 374

بالاستفهام. {فِي السَّمَاوَاتِ} : صلة الموصول. {وَالْأَرْضِ} : معطوف عليه. {وَمَا} : الواو حالية. {ما} : نافية. {تُغْنِي الْآيَاتُ} : فعل وفاعل. {وَالنُّذُرُ} : معطوف على الآيات. {عَنْ قَوْمٍ} : متعلق بـ {تغني} . وجملة {لَا يُؤْمِنُونَ} صفة لـ {قَوْم} والجملة الفعلية في محل النصب حال من واو {انْظُرُوا} والتقدير: انظروا، والحال أن النظر لا ينفعكم.

{فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ} .

{فَهَلْ} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أن الآيات لا تغني فيهم شيئًا، وأردت بيان عاقبتهم. فأقول لك. {هل ينتظرون}:{هَلْ} : حرف للاستفهام الإنكاري. {يَنْتَظِرُونَ} : فعل وفاعل {إلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ} : مفعول به، ومضاف إليه. {خَلَوْا}: فعل وفاعل صلة الموصول {مِنْ قَبْلِهِمْ} : متعلق بـ {خَلَوْا} وجملة {يَنْتَظِرُونَ} في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.

{قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} .

{قُلْ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد والجملة مستأنفة. {فَانْتَظِرُوا

} إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت:{فَانْتَظِرُوا} الفاء: فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت ما ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا وأردت بيان ما تقول لهم فأقول لك. {انتظروا} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول لـ {قُلْ} {إِنِّي}: ناصب واسمه. {مَعَكُمْ} : متعلق بـ {الْمُنْتَظِرِينَ} {مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} : خبر {إنَّ} وجملة {إنَّ} في محل النصب مقول {قُلْ} .

{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} .

{ثُمَّ} : حرف عطف. {نُنَجِّي رُسُلَنَا} فعل ومفعول. {وَالَّذِينَ} : معطوف عليه

ص: 375

وفاعله ضمير يعود على الله. وجملة {آمَنُوا} صلة الموصول وجملة {نُنَجِّي} معطوفة على محذوف تقديره: نهلك الأمم المكذبة لرسلنا {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا} {كَذَلِكَ} كذلك صفة لمصدر محذوف، والعامل فيه ننج؛ أي: إنجاء مثل ذلك الإنجاء ننج المؤمنين. {حَقًّا} : مصدر مؤكد لفعله المحذوف، تقديره: حق ذلك الإنجاء علينا حقًّا، ووجب وجوبًا بمقتضى وعدنا {عَلَيْنَا}: متعلق بالعامل المحذوف، وجملة الفعل المحذوف معترضة، لاعتراضها بين العامل والمعمول جيء بها للتأكيد. {نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله والجملة مستأنفة. والله أعلم.

التصريف ومفردات اللغة

{زِينَةً وَأَمْوَالًا} الزينة: الحلل والحلي والأثاث والرياش والماعون. والأموال ما وراء ذلك من الذهب والفضة والأنعام والزروع ونحو ذلك. قال ابن عباس: كان من فسطاط مصر إلى أرض الحبشة، جبال فيها ذهب وفضة، وزبرجد وياقوت، اهـ كرخي. وفي "المصباح" الفسطاط بضم الفاء وكسرها: مدينة مصر قديمًا. {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} وفي "المختار" طمس الطريق، من باب دخل، وجلس، وطمسه إذا غيره، من باب ضرب، فهو متعد ولازم. وقوله تعالى:{رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} ؛ أي: غيرها كما قال: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا} اهـ. والطمس: إزالة أثر الشيء بالمحو. ومعنى اطمس على أموالهم: أزل صورها وهيئاتها، وقال مجاهد: أهلكها. وقال أكثر المفسرين: امسخها وغيرها عن هيئاتها، ويقال: طمس الأثر وطمسته الريح، إذا زال. {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ}؛ أي: اربط على قلوبهم واطبع عليها وقسّها حتى لا تلين ولا تنشرح للإيمان. ومعنى الشد على القلوب: الاستيثاق منها حتى لا يدخلها الإيمان. وفي "المختار" شده يشده، من باب نصر ويشده - من باب ضرب - شدا فيهما إذا أوثقه اهـ. والشد على القلب: الطبع عليه، وقسوته حتى لا ينشرح للإيمان. {وَلَا تَتَّبِعَانِّ} بتشديد التاء من اتبع الخماسي وتخفيفها من تبع الثلاثي، يقال: تبعه إذا مشى خلفه، واتبعه إذا أدركه ولحقه. {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ} من جاوز

ص: 376

المكان إذا تخطاه وخلفه وراءه، والباء للتعدية؛ أي: جعلناهم مجاوزين البحر، بأن جعلناه يبسًا وحفظناهم حتى بلغوا الشط، اهـ "أبو السعود". ويقال: جاز المكان، وجاوزه وتجاوزه، إذا قطعه حتى خلفه وراءه. وقوله:{الْبَحْرَ} ؛ أي: بحر القلزم، وهو بحر السويس. {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ} يقال: تبعته حتى أتبعته، إذا كان قد سبقك فلحقته. وفي "المختار" تبعه من باب طرب وسلم إذا مشى خلفه أو مر به، فمضى معه، وكذا اتبعه بوزن افتعل الخماسي، وأتبعه على وزن أفعل الرباعي، إذا كان قد سبقه فلحقه. وقال الأخفش: تبعه، وأتبعه بمعنًى مثل ردفه وأردفه اهـ. {وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}؛ أي: من المنقادين لأمره.

{وننجيك} ؛ أي: نجعلك على نجوةٍ من الأرض، والنجوة: المكان المرتفع من الأرض، وقرىء بالتشديد من نجى المضعف ينجي تنجية، وبالتخفيف من أنجى الرباعي من باب أفعل ينجي إنجاءً. {آية} والآية: العبرة والعظة {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} ؛ أي: منزلًا صالحًا مرضيًّا، وأصل الصدق: ضد الكذب، ولكن جرت عادة العرب أنهم إذا مدحوا شيئًا أضافوه إلى الصدق، فقالوا: مكان صدق إذا كان كاملًا في صفته، صالحًا للغرض المقصود منه، كأنهم أرادوا أن كل ما يظهر فيه من الخير فهو صادق. {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} والشك في أصل اللغة: ضم الشيء بعضه إلى بعض، ومنه شك الجوهر في العقد، والشاك كأنه يضم إلى ما يتوهمه شيئًا آخر خلافه، فيتردد ويتحير {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ} لولا كلمة تفيد التحضيض والتوبيخ كهلّا، والمراد بالقرية أهلها، وهو كثير الاستعمال بهذا المعنى. {عَذَابَ الْخِزْيِ} والخزي الذل والهوان. {إِلَى حِينٍ} والحين: مدة من الزمن، والمراد بها العمر الطبيعي الذي يعيشه كل شخص. {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} والإذن بالشيء: الإعلام بإجازته، والرخصة فيه، ورفع الحجر عنه. {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ} والرجس لغة: الشيء القبيح المستقذر، والمراد به هنا العذاب.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:

ص: 377

فمنها: التكرار في قوله: {رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ} تأكيدًا للأول، وتلذذًا بخطاب الله تعالى.

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ؛ لأن الشد حقيقة في ربط الأجرام بعضها إلى بعض كشد الحبال، شبه قسوة القلوب وتغليظها وعدم لينها للإيمان بشد الأجرام وربطها على طريقة الاستعارة التصريحية.

ومنها: تكرار المعنى الواحد ثلاث مرات ليقبل إيمانه في قوله: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي} إلخ، فإنه كرر إقراره بالإيمان ثلاث مرات في قوله:{آمَنْتُ} وفي قوله: {أنه} وفي قوله: {وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} .

ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} .

ومنها: الاعتراض التذييلي في قوله: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} إلخ، لأنه كلام معترض جيء به عقب الحكاية تقريرًا للكلام المحكي.

ومنها: جناس الاشتقاق بين قوله: {بوأنا} و {مبوأ} .

ومنها: الكناية في قوله: {كَلِمَتُ رَبِّكَ} ؛ لأنه كناية عن القضاء والحكم الأزلي بالشقاوة عليهم.

ومنها: التحضيض المضمن للتوبيخ والنفي في قوله: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ} .

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {قَرْيَةٌ} من باب تسمية الحال باسم المحل لا مجاز بالحذف كما قيل.

ومنها: إيلاء الاسم حرف الاستفهام في قوله: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ} للإعلام بأن الإكراه ممكن مقدور عليه، وإنما الشأن في المكره من هو، وما هو إلا هو وحده، لا يشارك فيه؛ لأنه هو القادر على أن يلقي في قلوبهم ما يضطرون عنده إلى الإيمان، وذلك غير مستطاع للبشر، اهـ "كرخي".

ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ} ؛

ص: 378

أي: المذكورة في قوله: {مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} .

ومنها: حكاية الأحوال الماضية في قوله: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا} ، حيث عبر بالمضارع حكايةً عن الماضي لتهويل أمرها، باستحضار صورتها، وكذلك في قوله:{وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ} حيث ذكر المضارع بمعنى الماضي.

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} .

ومنها: الزيادة والحذف في مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 379