المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

اشتمال، لاشتماله عليه، ويمكن أن تكون جملة دعوا مستأنفة، كأنه - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: اشتمال، لاشتماله عليه، ويمكن أن تكون جملة دعوا مستأنفة، كأنه

اشتمال، لاشتماله عليه، ويمكن أن تكون جملة دعوا مستأنفة، كأنه قيل: ماذا صنعوا، فقيل:{دَعَوُا اللَّهَ} كما مر ذلك كله آنفًا، حالة كونهم {مُخْلِصِينَ لَهُ} سبحانه وتعالى {الدِّينَ}؛ أي: الدعاء من غير أن يشركوا معه تعالى شيئًا، من آلهتهم؛ أي (1): وهم مقرون بوحدانية الله تعالى وربوبيته، لأجل علمهم بأنه لا ينجيهم من ذلك إلا الله تعالى، فيكون إيمانهم جاريًا مجرى الإيمان الاضطراري، قائلين والله {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا} وخلصتنا يا إلهنا {مِنْ هَذِهِ} الشدائد التي نحن فيها، وهي الريح العاصفة، والأمواج المتلاطمة والله {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} للنعم التي أنعمت بها علينا، التي من أجلها كشف هذه الشدائد عنا.

وحاصل المعنى: أي (2) حتى إذا كنتم في الفلك التي سخرناها لكم، وجرت بمن فيها بسبب ريح مؤاتية لهم في جهة سيرهم، وفرحوا بما هم فيه، من راحة وانتعاش، وتمتع بمنظره الجميل، وهوائه العليل، جاءت ريح شديدة قوية، فاضطرب البحر وتموج سطحه كله، فتلقاهم من جميع الجوانب والنواحي، بتأثير الريح، واعتقدوا أنهم هالكون لا محالة، بإحاطة الموج بهم، فبينما يهبط الريح العاصف بهم في لجج البحر حتى كأنهم سقطوا في هاوية، إذا به يثب بهم إلى أعلى، كأنهم في قمة الجبل الشاهق. فإذا ما نزلت بهم نذر العذاب، وتقطعت بهم الأسباب .. دعوا الله مخلصين له الدين ليكشف عنهم ما حل بهم، ولا يتوجهون معه إلى وليّ، ولا شفيع ممن كانوا يتوسلون بهم إليه حال الرخاء، وقد صمموا العزيمة على طاعته، وقالوا: ربنا لئن أنجيتنا من هذه التهلكة، لنكون من جماعة الشاكرين، ولا نتوجه في تفريج كروبنا، وقضاء حوائجنا إلى وثن، ولا صنم.

‌23

- {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ} ؛ أي: فلما أنجى الله سبحانه وتعالى هؤلاء الذين ظنوا أنهم أحيط بهم، وواعدوا له بالشكر على الإنجاء، إذا أنجاهم من تلك الشدائد التي أحاطت بهم، وأخرجهم إلى البر {إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ}؛ أي: فاجؤوا وأسرعوا البغي والفساد في الأرض، وزيادة في الأرض للدلالة على أن فسادهم

(1) المراح.

(2)

المراغي.

ص: 188

هذا شامل لأقطار الأرض؛ أي: فلما نجاهم مما نزل بهم من الشدة والكربة، فاجؤوا الناس في الأرض التي يعيشون فيها، بالبغي والاستطالة عليهم، والظلم لهم مع الإمعان في ذلك. والإصرار عليه، أو المعنى: أنهم أخلفوا الله ما وعدوه، وبغوا في الأرض، فتجاوزوا فيها إلى غير ما أمر الله به من الكفر والعمل بالمعاصي على ظهرها.

وفي قوله: {بِغَيْرِ الْحَقِّ} تأكيدًا للواقع، وتذكير بقبحه وسوء حال أهله، أو لبيان أنه بغير حق عندهم أيضًا، بأن يكون ظلمًا ظاهرًا، لا يخفى على أحد قبحه، كما جاء في قوله:{وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} . قال صاحب "الكشاف": فإن قلت: ما معنى قوله: {بِغَيْرِ الْحَقِّ} والبغي لا يكون بحق؟

قلتُ: بلى قد يكون بحق، كاستيلاء المسلمين على أرض الكفرة وهدم دورهم، وإحراق زروعهم وقلع أشجارهم، كما فعل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ببني قريظة. وبعد أن حكى المثل، خاطب البغاة في أي مكان كانوا، وفي أي زمان وجدوا، منبهًا واعظًا فقال:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ} الغافلون عن أنفسكم، أما كفاكم بغيًا على المستضعفين منكم اغترارًا بقوتكم وكبريائكم {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ} وظلمكم في الحقيقة {عَلَى أَنْفُسِكُمْ} ؛ لأن عاقبة وباله عائدة إليكم، وإنما تتمتعون ببغيكم {مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الزائلة وهي تنقضي سريعًا، والعقاب باقٍ.

والبغي من (1) منكرات الذنوب العظام قال بعضهم: لو بغى جبل على جبل .. لاندك الباغي. وقد نظم بعضهم هذا المعنى شعرًا، وكان المأمون يتمثل به فقال:

يَا صَاحِبَ الْبَغْي إِنَّ الْبَغْيَ مَصْرَعَةٌ

فَارْجِعْ فَخَيْرُ مَقَالِ الْمَرْءِ أَعْدَلُهُ

فَلَوْ بَغَى جَبَلٌ يَوْمًا عَلَى جَبَلٍ

لَانْدَكَّ مِنْهُ أَعَالِيْهِ وَأَسْفَلُهُ

وقوله: {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ} يوم القيامة {فَنُنَبِّئُكُمْ} ؛ أي: فنخبركم {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا من البغي والمعاصي فنجازيكم عليها، معطوف (2) على ما

(1) الخازن.

(2)

أبو السعود.

ص: 189

مر من الجملة المستأنفة، المقدرة، فكأنه قيل: تتمتعون متاع الحياة الدنيا، ثم إنكم ترجعون إلينا بعد هذا التمتع القليل، فننبئكم بما كنتم تعملون من البغي والظلم، والتمتع بالباطل، ونجازيكم به، وإنما غير الأسلوب إلى الجملة الاسمية، مع تقديم الجار والمجرور، للدلالة على الثبات والقصر، اهـ "أبو السعود".

وفي (1) الآية إيماء، إلى أن البغي مجزيٌّ عليه في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا، فلقوله:{إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} ولما جاء في الحديث الذي رواه الإِمام أحمد والبخاري: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الآخرة من البغي، وقطيعة الرحم"، والذي رواه أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، "ثلاث، هن رواجع على أهلها: المكر، والنكث، والبغي"، ثم تلا:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} ، {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} ، {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} . وأما في الآخرة فكفى دلالة على ذلك ما أفادته الآية من التهديد والوعيد.

والخلاصة: أن البغي، وهو أشنع أنواع الظلم، يرجع على صاحبه لما يولد من العداوة والبغضاء بين الأفراد ولما يوقد من نيران الفتن والثورات في الشعوب. انظر إلى من يبغي على مثله، تجده قد خلق له عدوًا، أو أعداءً، ممن يبغي عليهم.

ولا شك أن وجود الأعداء، ضرب من العقوبة، فهم يقتصون لأنفسهم منه بكل الوسائل التي يقدرون عليها، وإن هم لم يفعلوا ذلك .. فإنه يرى في أعينهم من أنواع الحنق والغضب ما لا يخفى عليه، فيتأجج قلبه حسرةً وندامةً على ما فعل، ويود أن لو لم يكن خلق لنفسه هذه الحزازات والضغائن المتغلغلة في النفوس.

وقرأ الجمهور (2): {مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بالرفع على أنه خبر مبتدأ

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط وزاد المسير والشوكاني.

ص: 190

محذوف، تقديره ذلك البغي متاع الحياة الدنيا. وقال النحاس: على قراءة الرفع، يكون بغيكم مرتفعًا بالابتداء، وخبره متاع الحياة الدنيا، وعلى أنفسكم مفعول البغي. ويجوز أن يكون خبره على أنفسكم، ويضمر مبتدأ؛ أي: ذلك متاع الحياة الدنيا، أو هو متاع الحياة الدنيا، انتهى. والمعنى على الأول: إن بغي هذا الجنس الإنساني، بعضه على بعض هو سريع الزوال، قريب الاضمحلال، كسائر أمتعة الحياة الدنيا فإنها ذاهبة عن قرب متلاشية بسرعة ليس لذلك كثير فائدة، ولا عظيم جدوى. وعلى الثاني، أن ما يقع من البغي على الغير، هو بغي على نفس الباغي، باعتبار ما يؤول إليه الأمر من الانتقام منه، مجازاة على بغيه. وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن. وحفص وأبان عن عاصم وزيد بن علي وابن أبي إسحاق وهارون عن ابن كثير: بنصب الـ {متاع} على أنه مصدر لفعل محذوف، تقديره: تمتعون متاع الحياة الدنيا كما مر. وقرأ أبو المتوكل واليزيدي في اختياره وهارون العتكي عن عاصم: {متاع الحياة الدنيا} بكسر العين على أنه صفة {لأنفسكم} ولكنه على تقدير مضاف، تقديره: ذوات متاع الحياة الدنيا، ذكره أبو البقاء. وقرأ ابن أبي إسحاق أيضًا {متاعا الحياة الدنيا} . بنصب متاع، وتنوينه، ونصب الحياة. وقرأت فرقة {فينبئكم} بالياء على الغيبة والمراد الله تعالى.

الإعراب

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} .

{وَلَقَدْ} : {الواو} : استئنافية. {اللام} : موطئة للقسم {قد} : حرف تحقيق {أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ} : فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب القسم، لا محل لها من الإعراب. {مِنْ قَبْلِكُمْ}: جار ومجرور، متعلق (1) بـ {أهلكنا} وليس بحال من القرون؛ لأنه زمان، ذكره أبو البقاء {لَمَّا} ظرف بمعنى حين في محل

(1) العكبري.

ص: 191

النصب على الظرفية الزمانية، مبنية على السكون، والظرف متعلق بـ {أَهْلَكْنَا} {ظَلَمُوا}: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر، مضاف إليه لـ {لَمَّا} {وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ}: فعل ومفعول وفاعل. {بِالْبَيِّنَاتِ} : متعلق به، والجملة في محل النصب، حال من واو {ظَلَمُوا} على تقدير: قد، أو في محل الجر، معطوف على {ظَلَمُوا} {وَمَا كَانُوا}:{الواو} : عاطفة {ما} نافية. {كَانُوا} : فعل ناقص، واسمه. {لِيُؤْمِنُوا} {اللام} ، حرف جر وجحود {يؤمنوا}: فعل وفاعل، منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد لام الجحود، والجملة في تأويل مصدر مجرور بلام الجحود، على مذهب البصريين، والجار والمجرور متعلق بخبر {كَانُ} المحذوف، والتقدير: وما كانوا مريدين لإيمانهم، والجملة معطوفة (1) على {ظَلَمُوا} كما ذكره السيوطي، فكأنه قيل: لما ظلموا وأصروا على الكفر، بحيث لم يبق فائدة في إمهالهم، أهلكناهم، فيكون السبب في إهلاكهم مجموع هذين الأمرين. {كَذَلِكَ}: صفة لمصدر محذوف {نَجْزِي الْقَوْمَ} : فعل ومفعول {الْمُجْرِمِينَ} صفة للقوم، وفاعله ضمير، يعود على الله، والتقدير: نجزي القوم المجرمين، جزاء مثل الجزاء المذكور في الأمم الماضية، والجملة الفعلية مستأنفة.

{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)} .

{ثُمَّ} : حرف عطف {جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ} فعل وفاعل، ومفعولان {فِي الْأَرْضِ}: صفة لخلائف، أو متعلق بـ {جعلنا} والجملة معطوفة على {أهلكنا} {مِنْ بَعْدِهِمْ}: جار ومجرور متعلق بما تعلق به الجار والمجرور قبله {لِنَنْظُرَ} {اللام} : لام كي {ننظر} : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في تأويل مصدر، مجرور بلام التعليل، المتعلقة بـ {جعلنا} والتقدير: جعلناكم خلائف لنظرنا {كَيْفَ تَعْمَلُونَ} {كَيْفَ} : اسم استفهام في محل النصب، مفعول مقدم لـ {تَعْمَلُونَ} لا لننظر،

(1) جلالين مع الفتوحات.

ص: 192

لأن: لها صدر الكلام {تَعْمَلُونَ} : فعل وفاعل، والجملة في محل النصب، مفعول {لِنَنْظُرَ} معلق عنها باسم الاستفهام، والمعنى: لنعلم جواب كيف تعملون، كما مر.

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} .

{وَإِذَا} : {الواو} : استئنافية، {إذا}: ظرف لما يستقبل من الزمان {تُتْلَى} : فعل مضارع مغير الصيغة {عَلَيْهِمْ} : متعلق به. {آيَاتُنَا} : نائب فاعل ومضاف إليه. {بَيِّنَاتٍ} : حال من آياتنا، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه، لـ {إذا} على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي {قَالَ الَّذِينَ}: فعل وفاعل، والجملة جواب {إذا} وجملة {إذا} مستأنفة {لَا يَرْجُونَ} فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ}: مقول محكي، لـ {قَالَ} وإن شئت قلت:{ائْتِ} : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، وفاعله ضمير يعود على محمَّد. {بِقُرْآنٍ}: متعلق به. {غير} صفة لـ {قرآن} {هَذَا} : مضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول:{قَالَ} .

فائدة: ولفظ {ائْتِ} إن قرئ بالوصل بما قبله .. فالأمر ظاهر، وإن وقف على لقائنا .. قرئ {ايت} بهمزة، ثم ياء ساكنة، بعدها على حد قول ابن مالك:

وَمَدًّا ابْدِلْ ثَانِيَ الْهَمْزَيْنِ مِنْ

كَلِمَةٍ ................... إلخ

{أَوْ} : حرف عطف {بَدِّلْهُ} : فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة في محل النصب، معطوفة على جملة {ائْتِ} {قُلْ} فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة {مَا يَكُونُ لِي

} إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت:{مَا} نافية {يَكُونُ} : فعل مضارع ناقص {لِي} جار ومجرور خبرها مقدم {أَنْ أُبَدِّلَهُ} : ناصب وفعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، {مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق

ص: 193

به، والجملة في تأويل مصدر مرفوع، على كونه اسم يكون، تقديره: قل ما يكون تبديلي إياه من تلقاء نفسي كائنًا لي ولائقًا بي وجملة {يَكُونُ} في محل النصب مقول {قُل} {إِنْ} : نافية {أتَّبِعُ} : فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة في محل النصب، مقول القول {إلَّا} أداة استثناء مفرغ {مَا} في محل النصب، مفعول به {يُوحَى}: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على {مَا} {إِلَيَّ} ، متعلق به، والجملة الفعلية صلة لـ {ما} أو صفة لها {إِنِّي}: ناصب واسمه. وجملة {أَخَافُ} خبره، والجملة في محل النصب، مقول القول {إِنْ عَصَيْتُ} فعل وفاعل في محل الجزم، بـ {إن} على كونه، فعل شرط لها {رَبِّي} مفعول {عَصَيْتُ} وجواب إن معلوم مما قبله، تقديره: إن عصيت ربي

أخاف عذاب يوم عظيم، وجملة {إنْ} الشرطية معترضة على كونها مقول القول، لاعتراضها بين المفعول وفعله. {عَذَابَ يَوْمٍ}: مفعول لـ {أَخَافُ} ومضاف إليه. {عَظِيمٍ} صفة يوم.

{قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)} .

{قُلْ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة {لَوْ شَاءَ اللَّهُ}: إلى آخر الآية، مقول محكي لـ {قُلْ} وإن شئت قلت:{لَوْ} حرف شرط {شَاءَ اللَّهُ} : فعل وفاعل، فعل شرط لـ {لَوْ} ومفعول المشيئة محذوف، تقديره: عدم تلاوتي إياه. {مَا} نافية {تَلَوْتُه} : فعل وفاعل ومفعول {عَلَيْكُمْ} : متعلق به، والجملة جواب {لَوْ} الشرطية، وجملة {لَوْ} في محل النصب مقول القول {وَلَا أَدْرَاكُمْ} {الواو}: عاطفة {لَا} : نافية مؤكدة لنفي ما قبلها {أَدْرَاكُمْ} : فعل ومفعول {بِهِ} : متعلق به، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة تلوته {فَقَدْ}: الفاء: تعليلية {قَدْ} : حرف تحقيق. {لَبِثْتُ} : فعل وفاعل {فِيكُمْ} : متعلق به {عُمُرًا} : منصوب على التشبيه بظرف الزمان؛ أي: مدة متطاولة، متعلق بـ {لَبِثْتُ} والجملة الفعلية معللة لما قبلها، على كونها مقول القول {مِنْ قَبْلِهِ}: جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق

ص: 194

بـ {لَبِثْتُ} {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} : الهمزة: للاستفهام التوبيخي، داخلة على محذوف، تقديره: أعميتم. والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف {لَا} : نافية {تَعْقِلُونَ} : فعل وفاعل، معطوف على ذلك المحذوف، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول القول.

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} .

{فَمَنْ} : {الفاء} : فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم ما قلت لكم، وأردتم بيان حكم من افترى على الله .. فأقول لكم. {مَنْ} اسم استفهام للاستفهام الإنكاري، في محل الرفع مبتدأ {أَظْلَمُ} ؛ خبره والجملة الاسمية في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة {مِمَّنِ} جار ومجرور متعلق بـ {أَظْلَمُ} {افْتَرَى}: فعل ماض، وفاعله ضمير، يعود على {مَنِ} والجملة صلة الموصول {عَلَى اللَّهِ}: متعلق به {كَذِبًا} : مفعول به {أَوْ كَذَّبَ} : معطوف على {افْتَرَى} وفاعله ضمير يعود على {مَنِ} {بِآيَاتِهِ} : متعلق به {إِنَّهُ} : ناصب واسمه. وجملة {لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} : خبر {إِنَّ} وجملة {إِنَّ} مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها.

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} .

{وَيَعْبُدُونَ} : فعل وفاعل معطوف على قوله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} عطف قصة على قصة {مِنْ دُونِ اللَّهِ} : متعلق به {مَا} : موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به {لَا يَضُرُّهُمْ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {مَا} والجملة صلة لما، أو صفة لها {وَلَا يَنْفَعُهُمْ}: معطوف على {يَضُرُّهُمْ} . {وَيَقُولُونَ} : فعل وفاعل معطوف على {وَيَعْبُدُونَ} . {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} : مقول محكي وإن شئت قلت: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا} مبتدأ وخبر {عندَ الله} : متعلق بـ {شُفَعَاؤُنَا} : والجملة في محل النصب مقول القول.

{قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .

ص: 195

{قُلْ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة {أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ

}: إلى آخر الآية، مقول محكي، وإن شئت قلت: الهمزة: للاستفهام التوبيخي الإنكاري {تنبئون الله} : فعل وفاعل ومفعول أول. {بِمَا} : متعلق به، وهو في محل المفعول الثاني {لَا يَعْلَمُ}: فعل مضارع، وفاعله ضمير على الله، والجملة صلة لـ {مَا} أو صفة لها. والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما لا يعلمه، وجملة {تُنَبِّئُونَ} في محل النصب مقول، {قل} {فِي السَّمَاوَاتِ} متعلق بـ {يَعْلَمُ} {وَلَا فِي الْأَرْضِ} معطوف على {في السموات} {سُبْحَانَهُ} منصوب على المفعولية المطلقة، بعامل محذوف وجوبًا، تقديره، أسبحه سبحانًا، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول، لقل، أو مستأنفة. {وَتَعَالَى} معطوف على جملة سبحانه {عَمَّا}: جار ومجرور متعلق بـ {تعالى} {يُشْرِكُونَ} : فعل وفاعل والجملة صلة لما، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف، تقديره: عما يشركونه به، أو صلة ما المصدرية؛ أي: عن إشراكهم.

{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} .

{وَمَا} : الواو: استئنافية {ما} : نافية. {كَانَ النَّاسُ} : فعل ناقص واسمه {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ. {أُمَّةً} خبر كان {وَاحِدَةً} : صفة لـ {أُمَّةً} وجملة {كَانَ} مستأنفة {فَاخْتَلَفُوا} الفاء: عاطفة {اختلفوا} : فعل وفاعل معطوف على جملة {كَانَ} {وَلَوْلَا} الواو: استئنافية {لَوْلَا} : حرف امتناع لوجود {كَلِمَةٌ} : مبتدأ. وجملة {سَبَقَتْ} صفة لـ {كَلِمَةٌ} {مِنْ رَبِّكَ} : متعلق بـ {سَبَقَتْ} وخبر المبتدأ محذوف، وجوبًا، تقديره: ولولا كلمة سبقت من ربك، موجودة، والجملة الاسمية شرط لـ {لَوْلَا} لا محل لها من الإعراب {لَقُضِيَ}: اللام: رابطة لجواب {لولا} {قضي} فعل ماض مغير الصيغة. {بَيْنَهُمْ} : ظرف ومضاف إليه، في محل الرفع نائب فاعل لـ {قضي} {فِيمَا}: جار ومجرور متعلق بـ {قضي} والجملة الفعلية جواب {لَوْلَا} لا محل لها عن الإعراب، وجملة {لَوْلَا} مستأنفة {فِيهِ} في حرف جر وسبب. والهاء في محل

ص: 196

الجر بفي، والجار والمجرور متعلق بـ {يَخْتَلِفُونَ} وجملة {يَخْتَلِفُونَ}: صلة لـ {ما} ، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير فيه.

{وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} .

{وَيَقُولُونَ} : فعل وفاعل معطوف على {وَيَعْبُدُونَ} {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} مقول محكي، وإن شئت قلت:{لَوْلَا} حرف تحضيض بمعنى هلا {أُنْزِلَ} : فعل ماض مغير الصيغة. {عَلَيْهِ} : متعلق به {آيَةٌ} : نائب فاعل. {مِنْ رَبِّهِ} : صفة لـ {آيَةٌ} والجملة الفعلية مقول {يقولون} . {فَقُلْ} الفاء: عاطفة تفريعية {قل} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة معطوفة مفرعة على {يقولون} {إِنَّمَا الْغَيْبُ} إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت:{إِنَّمَا} : أداة حصر. {الْغَيْبُ} : مبتدأ {لِلَّهِ} خبر، والجملة في محل النصب مقول قل {فَانْتَظِرُوا} الفاء: عاطفة تفريعية {انتظروا} فعل وفاعل، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله:{إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ} {إِنِّي} : ناصب واسمه. {مَعَكُمْ} : ظرف ومضاف إليه متعلق بما بعده {مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} : جار ومجرور خبر {إِنِّ} وجملة {إِنِّ} في محل النصب مقول قل.

{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)} .

{وَإِذَا} : الواو: استئنافية، (إذا): ظرف لما يستقبل من الزمان {أذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً} : فعل وفاعل ومفعولان. {مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ} : جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {أَذَقْنَا} وجملة {أَذَقْنَا} في محل الجر مضاف إليه لـ {إذًا} على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي {مَسَّتْهُمْ}: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {ضَرَّاءَ} والجملة في محل الجر صفة لـ {ضَرَّاءَ} {إذَا}: فجائية رابطة لجواب {إذَا} وجوبًا، لكون الجواب جملة اسمية، حرف لا محل لها من الإعراب {لَهُمْ}: خبر مقدم {مَكْرٌ} : مبتدأ مؤخر والجملة جواب {إذَا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذَا} مستأنفة {فِي آيَاتِنَا}: جار ومجرور متعلق

ص: 197

بـ {مَكْرًا} {قُلِ} : فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمَّد، والجملة مستأنفة {اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا} إلى آخر الآية، مقول محكي، وإن شئت قلت {اللَّهُ أَسْرَعُ} مبتدأ وخبر. {مَكْرًا} ؛ تمييز محول، عن المبتدأ، منصوب باسم التفضيل، والجملة الاسمية في محل النصب مقول قل {إِنَّ رُسُلَنَا} ناصب واسمه {يَكْتُبُونَ}: فعل وفاعل {مَا} موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول {يَكْتُبُونَ} وجملة {تَمْكُرُونَ} صلة لـ {مَا} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف، تقديره: تمكرونه، أو صلة {مَا} المصدرية، وجملة {يَكْتُبُونَ} في محل الرفع، خبر {إنَّ} وجملة {إنَّ} في محل النصب، مقول القول على كونها تعليلًا لما قبلها.

{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} .

{هُوَ الَّذِي} : مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة {يُسَيِّرُكُمْ} ، فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول {فِي الْبَرّ}: متعلق بـ {يسير} {وَالْبَحْرِ} : معطوف على {الْبَرِّ} {حَتَّى} حرف جر وغاية {إذَا} ظرف لما يستقبل من الزمان {كُنْتُمْ} فعل نافص واسمه {فِي الْفُلْكِ} جار ومجرور خبر {كَانَ} وجملة {كَانَ} في محل الجر بإضافة {إذا} إليها، على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي {وَجَرَيْنَ}: فعل وفاعل معطوف على {كُنْتُمْ} {بِهِم} : متعلق به. وكذا يتعلق به قوله: {بِرِيحٍ} ، {طَيِّبَةٍ} صفة {ريح} فإن قلت: كيف يتعدى فعل واحد إلى معمولين، بحرفي جر متحدين لفظًا ومعنى؟

قلت: إن الباء الأولى للتعدية، كهي في مررت يزيد، والثانية للسببية، فاختلف المعنيان، فلذلك تعلقًا بعامل واحد، ويجوز أن تكون الثانية للحال، فتتعلق بمحذوف، تقديره: وجرين بهم ملتبسة بريح طيبة، فتكون الحال من ضمير الفلك اهـ "سمين" {وَفَرِحُوا} فعل وفاعل معطوف على {كُنْتُمْ} {بِهَا} متعلق به {جَاءَتْهَا رِيحٌ}: فعل ومفعول وفاعل. {عَاصِفٌ} : صفة {ريح} والجملة الفعلية جواب {إذًا} لا محل لها من الإعراب، وجملة {إذَا} في محل الجر، بحتى

ص: 198

الغائية، التي بمعنى:(إلى) تقديره: هو الذي يسيركم في البر والبحر إلى مجيء ريح عاصف، ومجيء الموج إياهم، وقت كونكم في الفلك وجريها بكم، وفرحكم بها، الجار والمجرور متعلق بـ {يسير} .

{وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} .

{وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ} فعل ومفعول وفاعل معطوف على {جَاءَتْهَا} ، {مِنْ كُلِّ مَكَانٍ}: جار ومجرور مضاف إليه متعلق به {وَظَنُّوا} : فعل وفاعل معطوف على {جَاءَتْهَا} {أَنَّهُمْ} ناصب واسمه {أُحِيطَ} : فعل ماض مغير الصيغة {بِهِمْ} ؛ نائب فاعل له، وجملة {أُحِيطَ} في محل الرفع خبر {أَنْ} وجملة {أَنْ} في تأويل مصدر، ساد مسد مفعولي، ظن، تقديره: وظنوا إحاطة الهلاك بهم {دَعَوُا اللَّهَ} : فعل وفاعل ومفعول، بدل من {ظَنُّوا} بدل اشتمال. {مُخْلِصِينَ} حال من واو {دَعَوُا} {له} متعلق بـ {مخلصين} {الدِّينَ} مفعول مخلصين؛ لأنه اسم فاعل يعمل عمل الفعل الصحيح، وفاعله ضمير مستكن فيه؛ أي: هم {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا} : اللام: موطئة للقسم {إن} : حرف شرط {أَنْجَيْتَنَا} : فعل وفاعل ومفعول في محل الجزم، بـ {إنْ} الشرطية على كونه فعل شرط لها، وجوابها محذوف دل عليه جواب القسم، تقديره. لئن أنجيتنا، نكن من الشاكرين. {مِنْ هَذِهِ} متعلق بأنجيتنا {لَنَكُونَنَّ}: اللام موطئة للقسم، مؤكدة للأولى {نكونن}: فعل مضارع ناقص في محل الرفع، لتجرده عن الناصب والجازم، مبني على الفتح، لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، واسمها ضمير يعود على المتكلمين {مِنَ الشَّاكِرِينَ}: خبرها، والجملة جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، وجملة {إن} الشرطية جواب للقسم الأول، لا محل لها من الإعراب وجملة القسم في محل النصب، مقول لقول محذوف، حال من واو {دَعَوُا} تقديره: دعوا الله حالة كونهم قائلين في دعائهم: لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين.

{فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} .

{فَلَمَّا} : الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر،

ص: 199

تقديره؛ إذا عرفت وعدهم المذكور في دعائهم، وأردت بيان عاقبتهم .. فأقول لك لما أنجاهم إلخ. {لَمَّا}: حرف شرط، غير جازم {أَنْجَاهُمْ} فعل ومفعول، وفاعله، ضمير يعود على الله، والجملة فعل شرط لـ {لَمَّا} لا محل لها من الإعراب {إذَا}: فجائية رابطة لجواب {لَمَّا} وجوبًا، حرف لا محل لها من الإعراب {هُمْ} مبتدأ. وجملة {يَبْغُونَ} خبره {فِي الْأَرْضِ}: متعلق به {بِغَيْرِ الْحَقّ} : جار ومجرور ومضاف إليه، حال من فاعل {يَبْغُونَ} والجملة الاسمية جواب {لَمَّا} وجملة {لَمَّا} في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} .

{يَا أَيُّهَا} : يا: حرف نداء. أي: منادى نكرة مقصودة، ها: حرف تنبيه زائد {النَّاسُ} : صفة لأي، وجملة النداء مستأنفة {إنَّمَا}: أداة حصر {بَغْيُكُمْ} : مبتدأ ومضاف إليه {عَلَى أَنْفُسِكُمْ} ؛ خبره والجملة الاسمية جواب النداء، لا محل لها من الإعراب {مَتَاعَ}: منصوب على المصدرية، بفعل محذوف، تقديره: تمتعون متاع الحياة الدنيا، والجملة المحذوفة مستأنفة. أو مرفوع على كونه خبرًا لمبتدأ محذوف، تقديره: ذلك البغي متاع الحياة الدنيا، والجملة مستأنفة. أو مجرور على كونه صفة {لأنفسكم} ولكنه على تقدير مضاف، تقديره: ذوات متاع الحياة الدنيا، ويجوز أن يكون المصدر بمعنى اسم الفاعل، تقديره: ممتعات الحياة الدنيا، ذكره أبو البقاء {الْحَيَاةِ}: مضاف إليه {الدُّنْيَا} : صفة لـ {الْحَيَاةِ} {ثُمَّ} : حرف عطف {إِلَيْنَا} : خبر مقدم {مَرْجِعُكُمْ} : مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية معطوفة على الفعلية المحذوفة، أو على الاسمية المحذوفة {فَنُنَبِّئُكُمْ} الفاء عاطفة {ننبئكم} فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة معطوفة على جملة، قوله: ثم إلينا مرجعكم {بِمَا} : جار ومجرور متعلق بـ {ننبئكم} على كونه مفعولًا ثانيًا له {كُنْتُمْ} : فعل ناقص واسمه. وجملة {تَعْمَلُونَ} : خبره وجملة {كَانَ} صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد أو الرابط

ص: 200

محذوف، تقديره: بما كنتم تعملونه.

التصريف ومفردات اللغة

{الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ} : القرون: الأمم واحدها، قرن، وهم القوم المقترنون في زمن واحد، قيل: مئة سنة أو ثمانون سنة أو ما دونها، فيه أقوال أخر. وجاء في الحديث الشريف: خير القرون قرني ثم الذين يلونهم {بِالْبَيِّنَاتِ} : جمع بينة: الحجة الواضحة والمعجزة الباهرة، كعصا موسى، وناقة صالح {خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ}: جمع خليفة، وهو من يخلف غيره في شيء. {لِنَنْظُرَ}؛ أي: لننظر متعلق علمنا، ونشاهد ونرى {وَلَا أَدْرَاكُمْ}: يقال؛ دريته ودريت به؛ أي: علمته {عُمُرًا} ؛ أي: مدة طويلة، أربعين سنة {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً}: أصل الذوق إدراك الطعم بالفم، ويستعمل في إدارك الأشياء المعنوية، كالرحمة والنعمة والعذاب والنقمة. {إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا} ، والمكر: التدبير الخفي الذي يفضي بالممكور به إلى ما لا يتوقعه، ومكره تعالى: تدبيره الذي يخفى على الناس، بإقامة سننه وإتمام حكمه في نظام العالم، وكله عدل وحق، فإن ساء الناس سموه شرًّا، وإن كان جزاءً عدلًا. {إِنَّ رُسُلَنَا} والرسل هنا: الكرام الكاتبون من الملائكة.

{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ} سير من باب فعل، المضعف، وهو من الثلاثي المزيد، بحرف؛ لأنه من سار يسير سيرًا، من باب باع، والتسيير جعل الشيء، أو الشخص يسير بتسخيره تعالى، أو إعطائه ما يسير عليه من دابة أو سفينة. {في الفلك}: والفلك يستعمل جمعًا ومفردًا، فحركته إذا كان جمعًا، كحركة بدن، جمع بدنة وإذا كان مفردًا كحركة قفل، ويفرق بينهم بنحو الصفة، وهنا مستعمل في الجمع بدليل، وجرين وفي آية {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} مستعمل مفردًا {بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ}؛ أي: لينة الهبوب، وفي " المصباح" الريح الهواء بين السماء والأرض، وأصلها الواو، لكن قلبت ياءً؛ لانكسار ما قبلها، والجمع، أرواح، ورياح، وبعضهم يقول: أرياح بالياء، على لفظ الواحد، وغَلّطه أبو حاتم، والريح مؤنثة على الأكثر، فيقال: هي الريح، وقد تذكر على معنى الهواء، فيقال: هو الريح،

ص: 201

وهب الريح، نقله أبو زيد. وقال ابن الأنباري: الريح: مؤنثة لا علامة فيها، وكذلك سائر أسمائها إلا الإعصار، فإنه مذكر، وراح اليوم يروح روحًا من باب قال، وفي لغة من باب خاف إذا اشتدت ريحه، فهو رائح. والطيب من كل شيء ما يوافق الغرض والمنفعة، يقال: رزق طيب، ونفس طيبة، وشجرة طيبة {جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} والعاصف: الذي يعصف الأشياء ويكسرها، يقال: ريح عاصف وعاصفة، وقال أبو حيان: العاصف الشديدة، يقال: عصفت الريح، إذا اشتد هبوبها. قال الشاعر:

حَتَّى إِذَا عَصَفَتْ رِيْحٌ مُزَعْزِعَةٌ

فِيْهَا قِطَارٌ وَرَعْدٌ صَوْتُهُ زَجَلُ

وقال أبو تمام:

إِنَّ الرِّيَاحَ إِذَا مَا أَعْصَفَتْ قَصَفَتْ

عِيْدَانَ نَجْدٍ وَلَا يَعْبَأْنَ بِالرُّتَمِ

{وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ} والموج: ما ارتفع من الماء عند هبوب الهواء، سمي موجًا لاضطرابه {أُحِيطَ بِهِمْ} يقال: أحيط، إذا هلك، كما يحيط العدو بعدوه، فيسد عليه سبيل النجاة {يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ} والبغي: ما زاد على القصد والاعتدال، من بغى الجرح إذا زاد، حتى ترامى إلى الفساد.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:

فمنها (1): الاستعارة التمثيلية في قوله: {لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} حيث شبه حال العباد مع ربهم، بحال رعية مع سلطانها في إمهالهم، لينظر ماذا تعمل، واستعير الاسم الدال على المشبه به للمشبه، على سبيل التمثيل والتقريب، ولله المثل الأعلى.

ومنها: الاستفهام الإنكاري التوبيخي في قوله: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} .

(1) الصاوي.

ص: 202

ومنها: الالتفات عن الخطاب في قوله: {مِنْ قَبْلِكُمْ} إلى الغيبة في قوله {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ} ؛ لأن الضمير واقع على أهل مكة، وعن الخطاب إلى الغيبة في قوله:{وَجَرَيْنَ بِهِمْ} والأصل وجرين بكم لما فيه من زيادة التقبيح والتشنيع على الكفار، لعدم شكرهم النعمة.

ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} وفي قوله: {يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ} وقوله: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ} .

ومنها: التكرار في قوله: {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا} {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ} .

ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} .

ومنها: التعبير بالمضارع عن الماضي في قوله: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} وفي قوله: {فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} حكايةً للحال الماضية، وإشعارًا باستمرار حالهم على ما كانوا عليه أولًا.

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً} ؛ لأن الذوق حقيقة في إدراك الطعم بالفم، شبه الإذاقة بمعنى إعطاء الرحمة بالذوق، بمعنى إدراك الطعم بجامع إيصال النفع في كل، فاشتق منه أذقنا بمعنى، أعطينا الرحمة على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية وكذلك في قوله:{مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ} فيه الاستعارة التصريحية التبعية؛ لأن المس حقيقة في لمس الأجسام، فاستعاره لإصابة الضراء، ونزولها بهم.

ومنها: الالتفات من الغيبة إلى التكلم في قوله: {إِنَّ رُسُلَنَا} وكان مقتضى السياق أن يقول، إن رسله؛ لأنه قال قبله {قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا} .

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} شبه إتيان الموج من كل مكان الذي أشرف بهم إلى الهلاك، وسدّ عليهم مسالك الخلاص والنجاة، بإحاطة العدو، وأخذه بأطراف خصمه كما في "الشهاب".

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} ؛ لأنه أطلق

ص: 203

البغي الذي هو سبب الوبال، وأراد به الوبال، ففيه إطلاق السبب وإرادة المسبب، أو فيه (1) استعارة بتشبيه بغيه على غيره بإيقاعه على نفسه، بجامع ترتب الضرر فيهما كقوله:{وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} أو المراد بالأنفس أمثالهم استعارة أو أبناء جنسهم، كنفس واحدة، وهو استعارة أيضًا، اهـ "شهاب".

ومنها: تقديم الجار والمجرور في قوله: {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ} للدلالة على الثبات والقصر، اهـ "أبو السعود".

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

(1) الفتوحات.

ص: 204

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)} .

المناسبة

قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ

} الآية، مناسبة (1) هذه الآية لما قبلها: أنه تعالى لما قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} .. ضرب مثلًا عجيبًا غريبًا للحياة الدنيا، تذكر من

(1) البحر المحيط.

ص: 205

يبغي فيها على سرعة زوالها وانقضائها، وأنها بحال ما تعز وتسر تضمحل، ويؤول أمرها إلى الفناء.

وعبارة المراغي هنا: مناسبة هذ الآية لما قبلها: أنه لما (1) كان سبب بغي الناس في هذه الحياة الدنيا هو إفراطهم في حبها والتمتع بزينتها .. ضرب بذلك مثلًا يصرف العاقل عن الغرور بها ويرشده إلى الاعتدال في طلبها، والكف عن التوسل في الحصول على ذاتها بالبغي، والظلم والفساد في الأرض، فشبه حال الدنيا، وقد أقبلت بنعيمها وزينتها، وافتتن الناس بها بعد أن تمكنوا من الاستمتاع بها، ثم أسرع ذلك النعيم في التقضي وانصرم غب إقباله واغترار الناس به بحال ما على الأرض من أنواع النبات يسوق الله إليها المطر، فيلتف بعضها على بعض، وتصبح بهجة للناظرين، ثم لا تلبث أن تنزل بها فجأة جائحة، تستأصلها وتجعلها حطامًا، كأن لم تغن بالأمس.

قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين غرور المشركين الجاهلين بمتاع الدنيا، وضرب لهم الأمثال على ذلك .. أردف ذلك بالترغيب في الآخرة، ووصف حال المحسنين والمسيئين فيها.

وقال أبو حيان: مناسبتها لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما ذكر (2) مثل الحياة الدنيا وما يؤول إليه من الفناء والاضمحلال، وما تضمنه من الآفات والعاهات .. ذكر تعالى أنه داع إلى دار السلامة والصحة والأمن، وهي الجنة إذ أهلها سالمون من كل مكروه.

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ ....} ، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما ذكر ما أعد للذين أحسنوا، وحالهم يوم القيامة، ومآلهم إلى الجنة .. ذكر ما أعد لأضدادهم وحالهم ومآلهم.

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

ص: 206

قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (1) بيّن جزاء الذين كسبوا السيئات، وما يكون لهم من الذلة والهوان .. قفى على ذلك بذكر اليوم الذي يحصل فيه هذا الجزاء.

قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين (2) فضائح عبدة الأوثان .. أتبعها بذكر الدلائل على فساد مذهبهم، بما يوبخهم، ويحجهم بما لا يمكن إلا الاعتراف به من حال رزقهم وحواسهم، وإظهار القدرة الباهرة في الموت والحياة، فبدأ بما فيه قوام حياتهم، وهو الرزق الذي لا بد منه فمن السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات.

وعبارة المراغي هنا: مناسبتها لما قبلها: لما بين الله سبحانه وتعالى جنايات المشركين على أنفسهم، وبين فساد معتقداتهم، وما سيلقونه من الجزاء على ما فعلوا .. أردف ذلك بإقامة الحجج على المشركين في إثبات التوحيد والبعث، ثم أردفه بإثبات النبوة والرسالة والقرآن.

قوله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما استفهمهم (3) عن أشياء من صفات الله تعالى، واعترفوا بها، ثم أنكر عليهم صرفهم عن الحق، وعبادة الله تعالى .. استفهم عن شيء هو سبب العبادة، وهو إبداء الخلق، وهم يسلمون ذلك كما قال في آية أخرى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ثم إعادة الخلق وهم منكرون ذلك، لكنه عطفه على ما يسلمونه، ليعلم أنهما سواء بالنسبة إلى قدرة الله تعالى.

قوله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ

} الآية، مناسبة هذه

(1) المراغي.

(2)

البحر المحيط.

(3)

البحر المحيط.

ص: 207