المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌61 - {وَمَا تَكُونُ} أيها الرسول الكريم {فِي شَأْنٍ} أي - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ‌ ‌61 - {وَمَا تَكُونُ} أيها الرسول الكريم {فِي شَأْنٍ} أي

‌61

- {وَمَا تَكُونُ} أيها الرسول الكريم {فِي شَأْنٍ} أي في أمر من أمورك الهامة، خاصة كانت أو عامة مما تعالج بها شؤون الأمة بدعوتها إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، إنذارًا لها وتبشيرًا وتعليمًا وعملًا {وَمَا تَتْلُو مِنْهُ}؛ أي: من أجل ذلك الشأن {مِنْ قُرْآنٍ} ؛ أي: قرآنا أنزل عليك تعبدًا به، أو تبليغًا له. فالضمير (1) في {مِنْهُ} إما عائد إلى الشأن، وعلى هذا فمن تعليلية؛ أي: وما تتلو قرآنًا من أجل الشأن الذي نزل بك وحدث لكون الذي تقرؤه نزل في شأنه، أو عائد إلى الله وعلى على هذا فمن ابتدائية؛ أي: وما تتلو قرآنًا مبتدأً من الله، تعالى، ونازلًا من عنده و {من} في قوله:{مِنْ قُرْآنٍ} زائدة عل كلا الوجهين، فالحاصل أن الثانية زائدة ولا بد، والأولى إما تعليلية، أو ابتدائية على حسب الوجهين اللذين ذكرنا. وفي التعبير (2) بالشأن وهو الأمر ذو البال، دلالة على أن جميع أموره، صلى الله عليه وسلم، كانت عظيمة، حتى ما كان منها من مجرى العادات لأنه، صلى الله عليه وسلم، كان فيها قدوةً صالحةً.

وبعد أن خاطب رسوله صلى الله عليه وسلم، انتقل إلى خطاب الأمة كلها في شوونها وأعمالها، فقال:{وَلَا تَعْمَلُونَ} أيها الرسول وأيتها الأمة {مِنْ عَمَلٍ} ؛ أي: أي عمل خيرًا كان أو شرًّا، شكرًا كان أو كفرًا، وإن كان كمثقال ذرة. والاستثناء في قوله:{إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} استثناء مفرغ من أعم أحوال المخاطبين بالأفعال الثلاثة أعني: تكون تتلو تعملون؛ أي: ما تتلبسون بشيء من الأفعال الثلاثة في حال من الأحوال إلا في حال كوننا شهودًا عليكم، أي: رقباء مطلعين عليه حافظين له {إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} أي: تشرعون في ذلك المذكور من الأفعال الثلاثة السابقة وتخوضون فيه فنحفظه عليكم ونجازيكم به فإذ ظرف لشهودا. وفي التعبير بالأمكنة دليل على أن ما يفيض الإنسان مهتمًا به مندفعًا فيه جدير بأن لا يغفل عن مراقبة ربه فيه واطلاعه عليه {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ} يا محمَّد أي وما يبعد عن علم ربك ولا يخفى عليه {مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ} أي: وزن نملة صغيرة {فِي الْأَرْضِ

(1) الفتوحات.

(2)

المراغي.

ص: 288

وَلَا فِي السَّمَاءِ} فـ {مِن} زائدة؛ أي: ولا يغيب عن علم ربك ما يساوي في الثقل نملة صغيرة، أو هباء في دائرة الوجود والإمكان السفلي والعلوي.

وقرأ الكسائي وابن وثاب والأعمش وابن مصرف (1): {يعزب} بكسر الزاي وكذا في سبأ. وقرأ باقي السبعة: بالضم، وهما لغتان فصيحتان.

وفي التعبير (2) بيعزب الدال على الخفاء والبعد، دليل على أن ما شأنه أن يغيب ويبعد عنا من أعالنا، لا يغيب عن علمه تعالى، وقدم ذكر الأرض؛ لأن الكلام مع أهلها.

ثم أكد سبحانه ما سبق وبين إحاطة علمه بكل شيء فقال: {وَلَا} يعزب عن علمه من {أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ} ؛ أي: شيء أصغر من الذرة مما لا تبصرونه من دقاثق الكون وخفاياه {وَلَا أَكْبَرَ} من ذلك وإن عظم مقداره كعرشه تعالى. فأصغر وأكبر معطوفان على لفظ مثقال، وانتصبا لكونهما ممنوعين من الصرف، وسيأتي في مبحث الإعراب إيضاح ما في المقام من أوجه الإعراب وبيان الراجح منها، فانظره {إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}؛ أي: في لوح محفوظ؛ أي: إلا وهو معلوم له تعالى، ومحصى عنده في كتاب عظيم الشأن، فكيف يغيب عن علمه وهو الكتاب الذي كتب فيه مقادير الموجودات كلها، إكمالًا للنظام، وبيانًا لضبط جميع الأعمال وفي معنى الآية قوله:{فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)} .

وفي ذلك (3): إشارة إلى أن في الوجود أشياء لا تدركها الأبصار، وقد أثبت العلم الحديث بوساطة الآلات التي تكبر الأشياء أضعافًا مضاعفة أن هناك أشياء لا يمكن رؤيتها، إلا إذا كبرت عن حقيقتها آلاف المرات كالجراثيم - المكروبات - ولم تكن تخطر على البال في عصر التنزيل وقد ظهرت للناس الآن، فهي من روائع الإعجاز العظيمة الدالة على أنه من كلام العليم الخبير.

(1) البحر المحيط.

(2)

المراغي.

(3)

المراغي.

ص: 289