المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ومعبودة ومؤمنة وجاحدة، ما قدمت في حياتها الدنيا من عمل - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: ومعبودة ومؤمنة وجاحدة، ما قدمت في حياتها الدنيا من عمل

ومعبودة ومؤمنة وجاحدة، ما قدمت في حياتها الدنيا من عمل وما كان لكسبها في صفاتها من أثر، خير أو شر، بما ترى من الجزاء عليه، فهو ثمرة طبيعة له، لا شأن فيه لولي ولا شفيع ولا معبود ولا شريك. {رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ}؛ أي: وأرجعوا إلى الله الذي هو مولاهم الحق، دون ما اتخذوا من دونه بالباطل من الأولياء والشفعاء والأنداد والشركاء. وقد جاء هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله:{إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ} وقوله: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ} وقوله: {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} {وَضَلَّ عَنْهُمْ} ؛ أي: وضاع عنهم وغاب؛ أي: في الموقف {مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} عليه من الشفعاء والأولياء، فلم يجدوا أحدًا ينصرهم لا ينقذهم من هول ذلك الموقف، كما قال:{يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)} . وقد تكرر هذا المعنى في آيات كثيرة منها: ما جاء مجملًا، ومنها: ما جاء مفصلًا:

فمنها: ما يسأل الله فيه العابدين.

ومنها: ما يسأل فيه المعبودين.

ومنها: ما عين فيه اسم الملائكة والجن والشياطين.

والحاصل: أن هؤلاء المشركين يرجعون في ذلك المقام إلى الحق ويعترفون به ويقرون ببطلان ما كانوا يعبدونه ويجعلونه إلهًا، ولكن حين لا ينفعهم ذلك.

‌31

- {قُلْ} يا محمَّد، لهؤلاء المعاندين من أهل مكة {مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ} بما ينزله عليكم من الأمطار {و} يرزقكم من {الأرض} بما ينبته من نباتات شتَّى، من نجم وشجر تأكلون منه؛ أو تأكل أنعامكم، والاستفهام فيه للتقرير، وكذا فيما بعده؛ أي: من الذي يرزقكم منهما جميعًا، فإن الأرزاق تحصل بأسباب سماوية ومواد أرضية، أو من كل واحدة منهما، والمقصود من هذا القول، الاستدلال على حقية التوحيد، وبطلان ما هم عليه من الشرك، اهـ "أبو السعود". وهذه أسئلة ثمانية، جواب الخمسة الأولى منها: منهم، وجواب

ص: 219

الاثنين بعدها منه صلى الله عليه وسلم بتعليم الله إياه، لعدم قدرتهم عليه، وجواب الأخيرة، لم يذكر لشهرته والعلم به.

وأم في قوله: {أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ} هي (1) المنقطعة؛ لأنها لم يتقدمها همزة استفهام ولا تسوية، ولكن إنما تقدر هنا ببل وحدها دون الهمزة، وقد تقرر عند الجمهور أن المنقطعة تقدر بهما، وإنما لم تقدر هنا ببل، والهمزة؛ لأنها وقع بعدها هنا اسم استفهام صريح، وهو: من والإضراب هنا على القاعدة المقررة في القرآن أنه إضراب انتقال، لا إضراب إبطال اهـ "سمين"؛ أي: وقيل لهم (2) يا محمَّد، بل من يملك ما تتمتعون به من حاستي السمع والبصر، وأنتم بدونهما لا تدرون شيئًا من أمور العالم، وتكون الأنعام والهوام، بل والشجر خيرًا منكم؛ باستغنائها عمن يقوم بضرورات معاشها؛ أي: أم من يستطيع خلقهما وتسويتهما، أو من يحفظهما من الآفات مع كثرتها وسرعة انفعالهما، من أدنى شيء، وخص هاتين الحاستين بالذكر؛ لأن عليهما مدار الحياة الحيوانية، وكمال الحياة الإنسانية، إذ بهما تحصيل العلوم الأولية.

وخلاصة ذلك: بل من خلق هذه الحواس، ووهبها للناس، وحفظها مما يعتريها من الآفات، ولا شك أن الجواب عن ذلك السؤال لا حاجة فيه إلى الفكر، فإن هم تأملوا في ذلك .. ازدادوا علمًا وإعجابًا بإنعام الله بهما، وإيمانًا بأنه لا يقدر غيره على إيجادهما. وعن علي رضي الله عنه كان يقول: سبحان من بصَّر بشحم، وأسمع بعظم، وأنطق بلحم.

{وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} ؛ أي: ومن يقدر أن يخرج الإنسان من النطفة والطائر من البيضة، والمؤمن من الكافر {وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}؛ أي: وأن يخرج النطفة من الإنسان والبيضة من الطائر والكافر من المؤمن؛ أي: وقيل لهم: بل من ذا الذي بيده أمر الموت والحياة، فيخرج الحي من الميت، والميت من الحي، فيما تعرفون من المخلوقات وما لا تعرفون، فالله هو الذي يخرج النبات

(1) الفتوحات.

(2)

المراغي.

ص: 220