الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جميعًا أممًا وأفرادًا، لا يتخلف منكم أحد، وحينئذٍ تلقون جزاءكم بالعدل والقسطاس، وهو سبحانه قدير على كل شيء، من إيصال الرزق إليكم في الدنيا، وثوابكم وعقابكم في الآخرة، وهذه الجملة مقررة لما قبلها.
5
- ثم أخبر (1) الله سبحانه بأن هذا الإنذار والتحذير والتوعد لم ينجح فيهم، ولا لانت له قلوبهم، بل هم مصرون على العناد مصممون على الكفر، فقال مصدرًا لهذا الإخبار بكلمة التنبيه الدالة على التعجب من حالهم، وأنه ينبغي أن يتنبه له العقلاء ويفهموه:{أَلَا} ؛ أي: انتبه يا محمَّد {إِنَّهُمْ} ؛ أي: إن هؤلاء الكفار الكارهين لدعوة التوحيد {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} ؛ أي: يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر والإعراض عن الحق، فيكون في الكلام كناية عن الإخفاء لما يعتقدونه من الكفر، كما هو دأب المنافقين {لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ}؛ أي: ليختفوا من الله سبحانه وتعالى فلا يطلع عليه رسوله ولا المؤمنين، أو ليستخفوا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم كرر كلمة التنبيه مبينًا للوقت الذي يثنون فيه صدورهم فقال:{أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} ؛ أي: انتبه يا محمَّد إنهم يستخفون منه في وقت استغشاء الثياب والتغطية بها، وقد كانوا يقولون: إذا أغلقنا أبوابنا واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمَّد .. فمن يعلم بنا. وقيل معنى: حين يستغشون: حين يأوون إلى فراشهم ويتدثرون ثيابهم. وقيل: إنه حقيقة، وذلك إن بعض الكفار كان إذا مر به رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثنى صدره وولى ظهره واستغشى ثيابه، لئلا يسمع كلام رسول الله، صلى الله عليه وسلم. والعامل في قوله:{حِينَ يَسْتَغْشُونَ} مقدر وهو يستخفون، ويجوز أن يكون ظرفًا ليعلم؛ أي: ألا يعلم سرهم وعلنهم حين يفعلون كذا، وهذا معنى واضح ذكره في "الفتوحات"؛ أي: تنبه (2) يا محمَّد إن الكفار يضمرون خلاف ما يظهرون ليستخفوا من الله تعالى حين يغطون رؤوسهم بثيابهم للاستخفاء. عن ابن عباس إن هذه الآية نزلت في الأخنس بن شريق وأصحابه، من منافقي مكة، وكان رجلًا حلو المنطق، حسن المنظر، يظهر لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، المحبة، ويضمر في قلبه العداوة.
(1) الشوكاني.
(2)
المراح.
ومعنى الآية (1): أي إن هؤلاء الكافرين الكارهين لدعوة التوحيد يحنون ظهورهم وينكسون رؤوسهم، كأنهم يحاولون طي صدورهم على بطونهم حين سماع القرآن، ليستخفوا منه، صلى الله عليه وسلم، حين تلاوته فلا يراهم حين نزول هذه القوارع على رؤوسهم. روى ابن جرير وغيره أن ابن شداد، قال: كان أحدهم إذا مر بالنبي، صلى الله عليه وسلم، ثنى صدره كيلا يراه أحد.
وجملة {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} مستأنفة لبيان أنه لا فائدة لهم في الاستخفاء؛ لأن الله تعالى يعلم ما يسرونه في قلوبهم، أو في ذات بينهم وما يظهرونه بأفواههم، فالظاهر والباطن عنده سواء، والسر والجهر سيان. وجملة {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} تعليل لما قبلها وذات الصدور هي الضمائر التي تشتمل عليها الصدور. وقيل: هي القلوب، والمعنى: إنه عليم بجميع الضمائر، أو عليم بالقلوب وأحوالها في الإظهار والإسرار، فلا يخفى عليه شيء من ذلك. والأوضح كما مر، أن يكون الظرف متعلقًا بـ {يَعْلَمُ}؛ أي (2): إن ثني صدورهم وتنكيس رؤوسهم، ليستخفوا من الداعي لهم إلى توحيد ربهم، لا يغني عنهم شيئًا، فإن ربهم يعلم ما يسرون ليلًا، حين يستغشون ثيابهم فيغطون بها جميع أبدانهم، ثم ما يلعنون نهارًا، إنه سبحانه وتعالى عليم بأسرار الصدور وخواطر القلوب، فاحذروا أن يطلع عليكم ربكم وأنتم مضمرون في صدوركم الشك في شيء من توحيده أو أمره أو نهيه.
وقرأ الجمهور (3): {يَثْنوُنَ} بفتح الياء وضم النون، من ثنى يثني من باب رمى. وقرأ سعيد بن جبير:{يثنون} بضم الياء، مضارع أثنى الرباعي {صُدُورَهُم} بالنصب ولا يعرف في اللغة إلا أن يقال معناه: عرضوها للإثناء، كما تقول: أبعت الفرس إذا عرضته للبيع. وقرأ ابن عباس وعلي بن الحسين وابناه، زيد ومحمد، وابنه جعفر ومجاهد وابن يعمر ونصر بن عاصم وعبد الرحمن بن أبزى والجحدري وابن أبي إسحاق وأبو الأسود الدؤلي وأبو رزين والضحاك؛
(1) المراغي.
(2)
المراغي.
(3)
البحر المحيط والعكبري.
{تثنوني} بالتاء، مضارع اثنوني، على وزن افعوعل نحو: اعشوشب المكان صدورهم، بالرفع بمعنى: تنطوي صدورهم. وقرأ أيضًا ابن عباس ومجاهد وابن يعمر وابن أبي إسحاق: {يثنوني} بالياء، {صدورهم} بالرفع ذكر على معنى الجمع دون الجماعة. وقرأ ابن عباس أيضًا:{ليثنون} بلام التأكيد في خبر إن وحذف الياء تخفيفًا لطول الكلمة، {وصدورهم} بالرفع. وقرأ ابن عباس أيضًا وعروة وابن أبي أبزى والأعشى {يثنون} بياء مفتوحة وسكون الثاء ونون مفتوحة، بوزن يفعوعل من أأثن بني منه افعوعل، وهو ماهش وضعف من الكلأ، وأصله يثنونن، يريد: مطاوعة نفوسهم للشيء كما ينثني الهش من النبات، أو أراد ضعف إيمانهم ومرض قلوبهم، {صدورهم} بالرفع. وقرأ عروة ومجاهد أيضًا كذلك إلا أنه همز فقرأ:{يثنئن} بوزن يطمئن، {وصدورهم} بالرفع. وقرأ الأعشى؛ {يثنؤن} بوزن يفعلون مهموز اللام، {صدورهم} بالنصب. قال صاحب "اللوامح": ولا أعرف له وجهًا؛ لأنه يقال: ثنيت، ولم أسمع ثنأت، ويجوز أنه قلب الياء ألفًا، على لغة من يقول أعطأت في أعطيت، ثم همز على لغة من يقول ولا الضألين. وقرأ ابن عباس:{يثنوي} بتقديم الثاء على النون وبغير نون بعد الواو على وزن ترعوى. قال أبو حاتم: وهذه القراءة غلط لا تتجه، انتهى. وقرأ نصر بن عاصم وابن يعمر وابن أبي إسحاق:{ينثون} بتقديم النون على الثاء، فهذه عشر قراءات في هذه الكلمة. وقرأ ابن عباس:{على حين يستغشون} . قال ابن عطية: ومن هذا الاستعمال قول النابغة:
عَلَى حِيْنَ عَاتَبْتُ اَلْمَشِيْبَ عَلَى الصِّبَا
…
وَقُلْتُ أَلَمَّا أَصْحُ وَالشَّيْبُ وَازعُ؟!
الإعراب
{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} .
{الر} : إن كان مسرودًا على سبيل التعديد كما في سائر فواتح السور .. فلا محل له، وإن كان اسمًا للسورة فهو في محل رفع على أنه مبتدأ، خبره ما بعده، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا الآتي سورة الر، وعلة بنائه شبهه بالحرف شبهًا وضعيًّا و {كِتَابٌ} يكون على هذا الوجه خبرًا لمبتدأ محذوف،
أي: هذا كتاب وكذا على تقدير أن {الر} لا محل له. ويجوز أن يكون {الر} في محل نصب بتقدير فعل يناسب المقام، نحو: اذكر أو اقرأ فيكون {كِتَابٌ} على هذا الوجه خبر مبتدإِ محذوف، تقديره: هذا كتاب والإشارة في المبتدأ المقدر، إما إلى بعض القرآن، أو إلى مجموع القرآن، والجملة من المبتدأ المقدر وخبره مستأنفة. {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} فعل ونائب فاعل، والجملة في محل الرفع صفة لـ {كِتَابٌ}. {ثم} حرف عطف. {فُصِّلَتْ}: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على {آيَاتُهُ} والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة {أُحْكِمَتْ} على كونها صفة لـ {كِتَابٌ} . {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {فُصِّلَتْ} أو هو من باب التنازع، أو صفة ثانية لـ {كِتَابٌ} أو خبر ثان للمبتدأ المحذوف. {خَبِيرٍ} صفة {حَكِيمٍ} .
{أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} .
{أَن} : مصدرية. {لَّا} ناهية {تَعْبُدُوا} فعل وفاعل مجزوم بـ {لَّا} الناهية. {إِلَّا} : أداة استثناء مفرغ. {اللَّهَ} : مفعول به منصوب، والجملة الفعلية في محل النصب بـ {أَن} المصدرية وجملة {أَن} المصدرية في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، تقديره: فصلت آياته لترك عبادة غير الله تعالى، أو فصلت بترك عبادة غير الله، ويجوز أن تكون {أَن} تفسيرية؛ لأن في تفصيل الكتاب معنى القول، فكأنه قيل: قال لا تعبدوا إلا الله، أو أمركم أن لا تعبدوا، إلخ وهذا أظهر الأوجه الجارية فيها؛ لأنه لا يحتاج إلى إضمار ذكره في "الفتوحات" {إِنَّنِي} {إنَّ} حرف نصب والنون نون الوقاية؛ لأنها تقي حركة بناء الحرف والياء ضمير المتكلم اسمها. {لَكُمْ}: جار ومجرور متعلق بكل من {نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} {مِنْهُ} : جار ومجرور حال منهما؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. {نَذِيرٌ} خبر {إنَّ} . {وَبَشِيرٌ} معطوف عليه وجملة {إنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
{وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} : ناصب وفعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة {أَنْ لَا تَعْبُدُوا} عطف علة على أخرى. {ثُمَّ تُوبُوا} فعل وفاعل معطوف على {اسْتَغْفِرُوا} فهو علة ثالثة. {إِلَيْهِ}: متعلق به {ثُمَّ} هنا على بابها من التراخي؛ لأنه يستغفر أولًا، ثم يتوب ويرجع إلى طاعته، ويتجرد من ذلك الذنب المستغفر منه {يُمَتِّعْكُمْ}: فعل ومفعول مجزوم بالطلب السابق، وفاعله ضمير يعود على {اللَّهَ}. {مَتَاعًا} منصوب على المفعولية المطلقة. {حَسَنًا}: صفة له وهذا مرتب على قوله: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا} والجملة الفعلية جواب الطلب، لا محل لها من الإعراب. {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}: جار ومجرور وصفة متعلق بـ {يمتع} {وَيُؤْتِ} : فعل مضارع معطوف على {يمتع} وفاعله ضمير يعود على {اللَّهَ} وهذا مرتب على قوله: {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} كما في "الجمل". {كُلَّ ذِي فَضْلٍ} : مفعول أول، ومضاف إليه. {فَضْلَهُ}: مفعول ثانٍ، لأن آتى هنا بمعنى: أعطى. {وَإِنْ تَوَلَّوْا} {الواو} : استئنافية. {إن} حرف شرط. {تَوَلَّوْا} : فعل مضارع مجزوم بـ {إن} الشرطية؛ لأن أصله تتولوا بتاءين، والواو فاعله. {فَإِنِّي} الفاء رابطة لجواب {إن} الشرطية وجوبًا. {إِنِّي} ناصب واسمه {أَخَافُ}: فعل مضارع وفاعله ضمير يعود على محمَّد. {عَلَيْكُمْ} : متعلق به. {عَذَابَ يَوْمٍ} : مفعول به، ومضاف إليه. {كبَير} صفة لـ {يَوْمٍ} وقيل: صفة لـ {عَذَابَ} فهو منصوب، وإنما خفض على الجوار، كقولهم: هذا جحر ضب خرب، بجر خرب، وهو صفة لجحر، اهـ "سمين". وجملة {أَخَافُ} في محل الرفع خبر {إنَّ} وجملة {إنَّ} في محل الجزم بـ {إن} الشرطية على كونها جوابًا لها وجملة {إن} الشرطية مستأنفة.
{إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)} .
{إِلَى اللَّهِ} : جار ومجرور خبر مقدم. {مَرْجِعُكُمْ} : مبتدأ مؤخر والجملة مستأنفة. {وَهُوَ} مبتدأ. {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} جار ومجرور، ومضاف إليه متعلق بـ {قَدِيرٌ} {قَدِيرٌ}: خبر المبتدأ والجملة في محل النصب حال من الجلالة، والعامل فيه الاستقرار الذي تعلق به الخبر.
{أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ
وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)}.
{أَلَاَ} : حرف تنبيه {إِنَّهُمْ} ناصب واسمه. {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} فعل وفاعل ومفعول، وجملة {يَثْنُونَ} في محل الرفع خبر {إنَّ} وجملة {إن} مستأنفة {لِيَسْتَخْفُوا} اللام: حرف جر وتعليل {يستخفوا} : فعل وفاعل منصوب بـ {أَن} مضمرة جوازًا بعد لام كي. {مِنْهُ} متعلق به، والجملة الفعلية مع {أَن} المصدرية في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: لاستخفائهم منه الجار والمجرور متعلق بـ {يَثْنُونَ} . {ألَا} : حرف تنبيه كررت للتأكيد. {حِينَ} منصوب على الظرفية، والظرف متعلق بـ {يستخفوا} أو متعلق بـ {يَعْلَمُ} الآتي، وهو أوضح كما مر {يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {حِينَ} {يَعْلَمُ مَا} فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على {اللَّه} والجملة مستأنفة. {يُسِرُّونَ}: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ {مَا} أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف، تقديره: يعلم ما يسرونه. {وَمَا يُعْلِنُونَ} : معطوف على {مَا يُسِرُّونَ} . {إِنَّهُ} ناصب واسمه {عَلِيمٌ} خبره {بِذَاتِ} {الصُّدُور} متعلق بعليم وجملة {إنَّ} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها. والله أعلم.
التصريف ومفردات اللغة
{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} ماض مبني للمجهول، من أحكم الرباعي يحكم إحكامًا، إذا أتقنه، وإحكام البناء كالقصر والحصن: إتقانه حتى لا يقع فيه خلل. {ثُمَّ فُصِّلَتْ} مبني للمجهول أيضًا، من فصّل المضعف، يفصل تفصيلًا، وتفصيل العقد بالفرائد: جعل خرزة أو مرجانة بلون بين كل خرزتين من لون آخر، وفي "السمين" قوله:{أُحْكِمَتْ} الهمزة فيه يجوز أن تكون للنقل من حكم بضم الكاف؛ أي: صار حكيمًا بمعنى: جعلت حكيمة كقوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} ويجوز أن يكون من قولهم: أحكمت الدابة: إذا وضعت عليها الحكمة لمنعها من الجماح، فالمعنى: إنها منعت من الفساد، ويجوز أن تكون لغير النقل من الإحكام، وهو الإتقان، كالبناء المحكم المرصف والمعنى: إنها نظمت نظمًا رصيفًا متقنًا، اهـ.
{أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} {أَلَّا} هذه (1) تكتب موصولة: أي: لا يفصل بين الألف ولا النافية بالنون، كما ذكره ابن الجزري، فصنيع الشارح السيوطي معترض حيث أنه أثبت نونًا حمراء، حيث قال: أن فأثبت الألف والنون بالحمرة، فيقتضي أن النون من رسم القرآن، فكان عليه أن يقول:{ألا} بقلم الحمرة ثم يقول؛ أي: بأن لا بإثبات النون في التفسير. وعبارة ابن الجزري مع شرحها لشيخ الإِسلام: فاقطع بعشر كلمات يعني فاقطع كلمة {أَن} الناصبة للاسم أو للفعل، بأن ترسمها مقطوعة عن لا النافية في عشرة مواضع وهي:{أَن لَّا} مع ملجأ في سورة التوبة و {أن لا إله إلا هو} في سورة هود و {أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} في الموضع الثاني من سورة هود، بخلافه في أولها وهو ما هنا فإنه موصول، اهـ.
{وَإِنْ تَوَلَّوْا} والظاهر أن {تَوَلَّوْا} مضارع حذف منه التاء أي: وإن تتولوا؛ لأنه من باب، تفعل الخماسي. {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا} مضارع، متع المضعف يمتع تمتيعًا إذا أنعم، والمتاع اسم مصدر لمتع، والمتاع كل ما ينتفع به في المعيشة، وحاجة البيوت ومواعينه، والإمتاع أصله: الإطالة ومنه: أمتع الله بك؛ أي: يعيشكم معيشة طيبة {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} والأجل المسمى: هو العمر المقدر {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ} من آتى الرباعي يؤتي إئتاءً، إذا أعطى، فهو يتعدى إلى مفعولين. {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ} والمرجع مصدر ميمي؛ من رجع فهو بمعنى الرجوع {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} ثنى الشيء: عطف بعضه على بعض، فطواه وإثناء الثوب إطواؤه، وثناه عنه: لواه وحوله؛ وثناه عليه: أطبقه وطواه، ليخفيه فيه، وثنى عنانه عنّي: تحول وأعرض، وأصل {يَثْنُونَ} يثنيون (2)؛ لأنه من ثنى يثني ثنيًا من باب رمى يرمي رميًا، فالمصدر الثني نقلت ضمة الياء إلى النون قبلها، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين، فوزنه يفعون كيرمون؛ لأن الياء المحذوفة هي لام الكلمة. {لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} والاستخفاء محاولة الخفاء، والمعنى: أنهم يفعلون ثني الصدر لهذه العلة، اهـ "سمين". {حِينَ يَسْتَغْشُونَ
(1) الفتوحات.
(2)
الفتوحات.
ثِيَابَهُمْ} واستغشى الثوب: إذا تغطى به، كما قال حكايةً عن نوح، عليه السلام:{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} والمعنى: يتغطون بها للاستخفاء. وفي "القاموس": واستغشى ثوبه: تغطى به كي لا يسمع ولا يرى.
البلاغة
تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة:
منها: جناس الاشتقاق بين قوله: {أُحْكِمَتْ} وقوله: {حَكِيمٍ} .
ومنها: اللف والنشر المرتب في قوله: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} ؛ لأن المعنى أحكمها وفصلها خبير، كما في "الشوكاني".
ومنها: الكناية في قوله: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} ؛ لأن ثني الصدور كناية عن الإعراض.
ومنها: إضافة العذاب إلى اليوم الكبير للتهويل والتفظيع.
ومنها: الطباق بين {مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} .
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع (1).
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(1) انتهى المجلد الثاني عشر ويليه المجلد الثالث عشر بإذن الله تعالى.
شعر
العَبْدُ ذُو ضجَرٍ والربُّ ذُو قدَرٍ
…
والدَّهْرُ ذُو دُوَلٍ والعِلْمُ مَقْسُوم
والخَيْرُ أجْمعُ فيما اخْتار خالِقُنَا
…
وفي اختيار سواه اللُّومُ والشُّوم
آخر
فَلَيْتَكَ تَحْلُو والحياةُ مَرِيْرَةٌ
…
وَلَيْتَكَ تَرْضَى والأنامُ غِضَابُ
ولَيْتَ الذي بَيْنِي وبَيْنَكَ عَامِرٌ
…
وبَيْني وبَيْنَ العَالَمِين خَرَابُ
آخر
فَزادِي قَلِيلٌ ما أُراه مُبلِّغي
…
على الزادِ أبكي أم لِبُعْدِ مَسافَتي
أتَيْتُ بأعمالٍ قِبَاحٍ رَدِيئَةٍ
…
وَمَا في الوَرى خَلْقٌ جَنَى كَجِنَايتي