المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الحرب يشارك الجيش في الغنيمة لأن وطء ديارهم مما يغيظهم، - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: الحرب يشارك الجيش في الغنيمة لأن وطء ديارهم مما يغيظهم،

الحرب يشارك الجيش في الغنيمة لأن وطء ديارهم مما يغيظهم، ثم علل هذا الأجر العظيم بقوله:{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {لا يضيع أجر المحسنين} ؛ أي: لا يبطل ولا يترك ثوابهم؛ أي: لا يترك إثابتهم على إحسانهم وهو تعليل (1) لكتب، وتنبيه على أن الجهاد إحسان، أما في حق الكفار؛ فلأنه سعى في تكميلهم بأقصى ما يمكن، كضرب المداوي للمجنون، وأما في حق المؤمنين؛ فلأنه صيانة لهم عن سطوة الكفار واستيلائهم؛ أي: إن الله تعالى لا يضيع محسنًا أحسن في عمله، فأطاعه فيما أمره به، وانتهى عما نهاه عنه أن يجازيه على إحسانه، ويثيبه على صالح عمله، ومن ثم كتب لمن أطاعه من أهل المدينة، ومن حولهم من الأعراب الثواب على كل ما فعلوا، فلم يضع لهم أجرًا على عمل عملوه.

والخلاصة: أن هؤلاء محسنون ولا يبطل ثوابهم.

‌121

- {وَلَا يُنْفِقُونَ} في سبيل الله، {نَفَقَةً صَغِيرَةً} ولو تمرة أو علاقة سوط، {وَلَا} نفقة {كبيرة} كما أنفق عثمان في جيش العسرة، {وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا} من الأودية؛ أي: ولا يجاوزون في مسيرهم في سبيل الله واديًا مقبلين، أو مدبرين فيه، {إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ}؛ أي: إلا كتب الله لهم آثارهم وخطاهم، ونفقاتهم في صحائف أعمالهم، {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى، {أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ أي: لكي يجزيهم الله تعالى الجزاء الحسن؛ والثواب الوافر على جميع ما يعملونه في سبيل الله تعالى، قليلًا أو كثيرًا.

والمعنى: أي كذلك شأنهم فيما ينفقون في سبيل الله صغر أو كبر، قل أو كثر، وفي كل وادٍ يقعطونه في سيرهم غادين، أو رائحين إلا كتب لهم أجرهم على ذلك جزاءً لهم على عملهم، ولا يترك شيء منه أو ينسى ليجزيهم بكتابته في صحف أعمالهم، كأحسن ما يجزيهم على خير أعمالهم التي كانوا يعملونها وهم مقيمون في منازلهم.

وخلاصة ذلك: أنه تعالى يجزيهم بكل عمل مما ذكر، جزاءً أحسن من

(1) البيضاوي.

ص: 99

جزائهم على أعمالهم الجليلة، في غير الجهاد بالمال والنفس، بأن تكون النفقة الصغيرة فيه كالنفقة الكبيرة في غيره من أنواع المبرات، والمشقة القليلة فيه كالمشقة الكبيرة فيما عداه من الأعمال الصالحة.

فصل في ذكر الأحاديث المناسبة للآية

عن سهل بن سعد الساعدي، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال:"رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها"، وفي رواية "وما فيها" متفق عليه.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، "تضمن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهادًا في سبيل الله، وإيمانًا بي وتصديقًا برسلي، فهو عليّ ضامن أن أدخله الجنّة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلًا ما نال من أجر أو غنيمة، والذي نفس محمَّد بيده، ما من كلم يكلم في سبيل الله، إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم، لونه لون دم وريحه ريح مسك، والذي نفس محمَّد بيده، لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدًا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمَّد بيده، لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل". متفق عليه، هذا لفظ مسلم وللبخاري بمعناه.

وعن أبي سعيد الخدري، قال: أتى رجل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: أي الناس أفضل؟ قال: "مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله"، قال: ثم من؟ قال: "ثم رجل في شعب من الشعاب يعبد الله". متفق عليه. وفي رواية" "يتقي الله ويدع الناس من شره".

وعن أبي هريرة، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال:"من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا بالله وتصديق بوعده، فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة يعني حسنات" أخرجه البخاري.

وعن ابن عباس، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "ما اغبرت قدما عبد في سبيل

ص: 100