المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أي: نور الملائكة، أو نور آيات الله، حتى رأى الملك - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٢

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: أي: نور الملائكة، أو نور آيات الله، حتى رأى الملك

أي: نور الملائكة، أو نور آيات الله، حتى رأى الملك بعينه، وشافهه بالوحي من الله عز وجل. وقوله: ليس بالأمهق، المراد به: الشديد البياض، كلون الجص، وهو كريه المنظر، وربما توهم الناظر أنه برص، والمراد أنه كان أزهر اللون، بين البياض والحمرة.

‌17

- والاستفهام في قوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ} للإنكار (1)؛ أي: لا أحد أظلم {مِمَّنِ افْتَرَى} واختلق {عَلَى اللَّهِ} سبحانه وتعالى {كَذِبًا} فزعم أن لله شريكًا وولدًا.

والمعنى (2): أني لم أفتر على الله كذبًا، ولم أكذب عليه في قولي: إن هذا القرآن من عند الله تعالى، وأنتم قد افتريتم على الله الكذب، فزعمتم أن له شريكًا وولدًا، والله تعالى منزه عن الشريك والولد. وقيل معناه: إن هذا القرآن، لو لم يكن من عند الله، لما كان أحدًا في الدنيا أظلم على نفسه مني، من حيث إني افتريته على الله، ولما كان هذا القرآن من عند الله، أوحاه إليّ، وجب أن يقال: ليس أحد في الدنيا أجهل، ولا أظلم على نفسه منكم، من حيث إنكم أنكرتم أن يكون هذا القرآن من عند الله، فقد كذبتم بآياته وهو قوله:{أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} تعالى القرآنية أو الكونية؛ أي: جحد يكون القرآن من عند الله تعالى، وأنكر دلائل توحيده. ففيه (3) بيان أن الكاذب على الله، والمكذب بآياته في الكفر سواء.

وإنما زاد كذبًا في قوله (4): {افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} مع أن الافتراء لا يكون إلا كذبًا لبيان أن هذا مع كونه افتراء على الله هو كذب في نفسه، فربما يكون الافتراء كذبًا في الإسناد فقط، كما إذا أسند ذنب زيد إلى عمرو، ذكر معنى هذا أبو السعود في تفسيره. وقوله:{إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} تعليل لكونه لا أظلم ممن افترى على الله كذبًا، أو كذب بآياته؛ أي: إن الشأن والحال لا ينجو المشركون من عذاب الله، ولا يظفرون الخير في الدنيا والآخرة، لافترائهم الكذب على الله بنسبة الشريك، ولتكذيبهم بآيات الله تعالى،

‌18

- ثم نعى الله سبحانه

(1) الشوكاني.

(2)

الخازن.

(3)

النسفي.

(4)

الشوكاني.

ص: 177

عليهم عبادة الأصنام، وبين أنها لا تنفع من عبدها، ولا تضر من لم يعبدها فقال:{وَيَعْبُدُونَ} ؛ أي: ويعبد هؤلاء المشركون {مِنْ دُونِ اللَّهِ} تعالى؛ أي متجاوزين الله سبحانه وتعالى إلى عبادة غيره، لا بمعنى ترك عبادته بالكلية؛ أي: ويعبدون معه تعالى {مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} ؛ أي: ما ليس من شأنه الضرر، ولا النفع، ومن حق المعبود أن يكون مثيبًا لمن أطاعه، معاقبًا لمن عصاه. والواو لعطف هذه الجملة على جملة قوله:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} ؛ أي: ويعبدون ما لا يملك لهم ضرًّا ولا نفعًا من الأصنام وغيرها. حال كونهم متجاوزين ما يجب من عبادته تعالى وحده، فهم يعبدونه ويعبدون معه غيره كما قال تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)} ونفي التفسير والنفع هنا، باعتبار ذواتهم، وإثباتهما في قوله تعالى:{يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} باعتبار السبب، فلا يرد كيف نفى عن الأصنام هنا التفسير والنفع، وأثبتهما لها في الحج، اهـ "كرخي".

وفي الآية: إيماء إلى أن سبب عبادتها وضلالهم فيما يدعون، هو اعتقادهم فيها القدرة على الضر والنفع، فرد عليهم خطأهم بأنه هو القادر على نفع من يعبده، وضر من يشرك بعبادته غيره، في الدنيا والآخرة. وقد دل تاريخ البشر في كل طور من أطواره، على أن كل ما عبده البشر من دون الله تعالى، من صنم أو وثن، فإنما عبده لاعتقاده فيه القدرة على النفع والضر، بسلطان له فوق الأسباب المعروفة، كعبادته للأوثان المتخذة من الحجارة، أو الخشب والأصنام المصنوعة من المعادن والحجارة، أو غير المصنوعة، كاللات، وهي صخرة كانت بالطائف يلت عليها السويق، عظمت حتى عبدت، أو الأشجار، كالعزى، معبودة قريش.

وقوله: {وَيَقُولُونَ} في حقها وشأنها، معطوف على {وَيَعْبُدُونَ}؛ أي: ويقول هؤلاء المشركون في سبب عبادتهم لها، مع اعتقادهم أنها لا تملك الضر، ولا النفع بأنفسها إيمانهم: بأن الرب الخالق، هو الله تعالى و {هَؤُلَاءِ} الأصنام {شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى فإنهم يزعمون أنها تشفع لهم في الدنيا، في إصلاح معايشهم، وكشف ما يهمهم، كالقحط؛ لأنهم كانوا لا يعتقدون بعثًا بعد

ص: 178

الموت، أو تشفع لهم في الآخرة على تقدير أن يبعثوا؛ لأنهم كانوا شاكين في البعث؛ أي: ونحن إنما نعبدهم ونعظم هياكلهم ونطيبها بالعطر، ونقدم لها النذور ونهل لهم عند ذبح القرابين، بذكر أسمائهم، وبدعائهم والاستغاثة بهم؛ لأنهم يشفعون لنا عند الله تعالى، ويقربونا إليه زلفى، ويدفعون بجاههم عنا النبلاء ويعطوننا ما نطلب من النعماء، والإخبار بهذا عن الكفار هو على سبيل التجهيل والتحقير لهم ولمعبوداتهم، والتنبيه على أنهم عبدوا ما لا يستحق العبادة. وقال أهل المعاني: توهموا أن عبادتها أشد في تعظيم الله من عبادتهم إياه، وقالوا لسنا بأهلٍ أن نعبد الله، ولكن نشتغل بعبادة هذه الأصنام، فإنها تكون شافعة لنا عند الله، قال تعالى إخبارًا عنهم:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} .

فأساس عقيدة الشرك، أن جميع ما يطلب من الله تعالى، لا بد أن يكون بوساطة المقربين عندهم، إذ هم لا يمكنهم التقرب من الله والحظوة عنده بأنفسهم؛ لأنها مدنسة بالمعاصي. أما الموحدون فيعتقدون أنه يجب على العاصي أن يتوجه إلى الله وحده، تائبًا إليه طالبًا مغفرته ورحمته. والاستفهام في قوله:{قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ} للتوبيخ والتقريع والإنكار والتهكم. وقرأ أبو السمال العدوي {أتنبئون} بالتخفيف من أنبأ، ينبىء. وقرأ من عداه: بالتشديد من نبأ، ينبىء؛ أي: قل لهم يا محمَّد تبكيتًا لهم، ومبينًا لهم كذبهم ومنكرًا عليهم افتراءهم على ربهم، أتخبرون الله سبحانه وتعالى:{بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} ؛ أي: بالأمر الذي لم يعلم الله سبحانه وتعالى وجوده في السموات، وهو شفاعة الملائكة لهم، ولا وجوده في الأرض وهو شفاعة الأصنام، وإذا لم يعلم الله شيئًا من الأشياء، استحال وجود ذلك الشيء؛ لأنه تعالى لا يعزب عن علمه شيء. وقال الضحاك: أتخبرون الله أن له شريكًا، ولا يعلم الله لنفسه شريكًا في السموات ولا في الأرض، انتهى. ولو كان له شفعاء يشفعون لكم عنده، لكان أعلم بهم منكم، إذ لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فإذًا هؤلاء لا وجود لهم عنده، وأنكم قد اتخذتم ذلك قياسًا على ما ترونه من الوساطة عند الملوك الجاهلين بأمور رعيتهم، والعاجزين عن تنفيذ مشيئتهم فيهم، بدون وساطة

ص: 179